دراسات

الإسلاموفوبيا خارطة طريق نحو المواجهة

 

مقدمة:

تبرز ظاهرة “الإسلاموفوبيا” إلى واجهة الأحداث والتحديات في ظل تطورات ساخنة تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية، وما تعرض له الربيع العربي من قمع وانهيار، تلا ذلك اندلاع حروب ملتهبة في المنطقة، وظهور تنظيمات متطرفة تزعم انتماءها للإسلام، كما تعرضت عدة دول غربية (فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، الولايات المتحدة) لسلسلة هجمات وتفجيرات دموية، الأمر الذي دفع بقوة نحو بزوغ موجة جديدة وخطيرة من “الإسلاموفوبيا”.

إن استقراء مضامين الموجة العدائية الجديدة ضد الإسلام، مع وقوع هجوم مدينة نيس الفرنسية، وتفجيرات باريس وبروكسل، وهجوم ميونيخ، وإطلاق نار على رواد ملهى فلوريدا، وتوجيه أصابع الاتهام نحو منفذين من أصول عربية وإسلامية، يضاعف الحاجة إلى دراسات جديدة ورؤى استشرافية تعمل على احتواء تداعيات الوضع الراهن، وتواجه “مأسسة الإسلاموفوبيا” باستراتيجية موازية بشكل يُواكب التحدي القائم في هذا السياق، ويُبدد صناعة الخوف والكراهية التي باتت مخططًا للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.

إن خطر هذه الظاهرة يتعاظم ويهدد الوجود الإسلامي برمته، مُخلِفًا تداعيات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جسيمة، فضلا عن كونه وقودا يشعل مواجهات مستمرة على أصعدة عديدة، الأمر الذي يتطلب التدخل بشكل عاجل لإقرار وصياغة وتنفيذ سياسات ومواقف عملية من شأنها إجهاض حروب الكراهية ووقف آلة الخوف والتشويه (1).

مشكلة الدراسة:

تقدم أغلب الأطروحات المقدمة حول ظاهرة “الإسلاموفوبيا” معالجات فكرية وتنظيرية لجوانب متعددة من ملامح الظاهرة، وأبعادها، وجذورها، دون الولوج بعمق إلى تقديم رؤى واقعية وخطط عملية للتعامل مع الظاهرة، والحد من تداعياتها، والحيلولة دون امتدادها لمجتمعات أخرى، وتفاقم آثارها على الجاليات المسلمة في العالم، وبالتبعية الإضرار بصورة الإسلام دينًا وهويًة وثقافًة.

ومن هناا يمكن القول أن مأسسة المواجهة تنطلق من خطورة الظاهرة، والتي تحولت إلى لوبي ضغط، وقوة معادية للعالم الإسلامي تقف حائط صد على مختلف المسارات ضد بزوغ صورة حقيقية لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وتُكبد العالمين العربي والإسلامي فاتورة باهظة تخصم من رصيده الحضاري والإنساني.

إن نقاط الاصطدام والمواجهة بين الإسلام والغرب تفوقت كمًّا وكيفًا على نقاط التلاقي، بما يشكل استنزافًا طويل المدى لمقدرات الأمة الإسلامية، وإجبارها على المثول دومًا داخل قفص الاتهام، فضلًا عن استمرار حلقات مسلسل الاشتباك مع الإسلام والمسلمين، من منع للمآذن إلى الطعن في نبي الإسلام والسخرية منه، إلى حرق نسخ القرآن، ومنع للحجاب، ومراقبة المساجد، وصولا إلى شن هجمات ضد الجاليات المسلمة، وتنفيذ اعتقالات عشوائية بحق أفرادها، وسن قوانين للنيل من حرياتهم وحقوقهم.

وفي هذا السياق تبرز تساؤلات عدة تطرحها الدراسة بشأن خيارات المواجهة للرد على “الإسلاموفوبيا”، وهل الأزمة تكمن في مفردات الخطاب الموجه للآخر؟ ومن يغذي الموجة الجديدة للكراهية؟ وإلى متى يظل الوجود الإسلامي في خانة الدفاع؟ وما دور الحكومات؟ وهل هناك إرادة سياسية ورؤية حقيقية لدحر الموجة الجديدة من الإسلاموفوبيا؟ وكيف يمكن مواجهة الظاهرة على مختلف الأصعدة والمسارات؟

أهمية الدراسة:

الإسلاموفوبيا ليست شرًا في مجمله، إذا نظرنا إلى كونها محفزًا ودافعًا لبلورة إستراتيجية شاملة على مختلف المسارات؛ لإعادة تبليغ رسالة الإسلام من جديد، وتوضيح الصورة الحقيقية لهذا الدين، وإطلاق حملات طرق لأبواب الغرب للتعريف بالنبي محمد. من هنا تكمن أهمية الدراسة، في كونها نافذة جديدة لاستكشاف ما يمكن اعتباره بـ”الجانب الإيجابي” في مواجهة “الرهاب من الإسلام” أو “الإسلاموفوبيا”، الأزمة التي يمكن تحويلها إلى فرصة للانطلاق نحو إيجاد “وحي جديد” يخاطب الغرب، وينزل إليه بـ”إضاءات” جديدة تسبر أغوار الإسلام، وينقل الإنسانية من فضاء الكراهية والتحريض إلى إدارة حوار جاد ومثمر مع الآخر حول سبل التعايش، ونقاط التشارك والتماس حضاريًا وإنسانيًا.

إن مواجهة هذه الظاهرة يجب أن تتجاوز نظرة المواجهة دومًا من داخل قفص الاتهام، والخروج من شرنقة الدفاع والتبرير، إلى طرح خيارات للمواجهة، ورسم ملامح خارطة طريق لمواجهة الظاهرة، وفق آليات محددة، وجدول زمني مُعلن، ومتابعة دورية لمعدلات الأداء والتقييم، بما يبدد موجات الكراهية، ويعيد الدفة إلى مسار صحيح يخدم الإسلام والمسلمين.

تقسيم الدراسة:

تبحث الدراسة بشكل مفصل “خيارات المواجهة”، من خلال التركيز على برنامج عمل تنفيذي من خمسة محاور رئيسة تمثل خارطة طريق لمواجهة الإسلاموفوبيا، هي :المبحث الأول: المسار القانوني، الثاني: المسار السياسي، الثالث: المسار الثقافي، الرابع: المسار الإعلامي، والخامس: المسار الإنساني

المبحث الأول: المسار القانوني:

المظلة القانونية تفرض نفسها عند إقرار خارطة طريق لمواجهة تداعيات “الإسلاموفوبيا”، لاسيما في مجتمعات تقول إنها ديمقراطية، وتحترم سيادة القانون والدستور، فضلا عن كون “المحور القانوني” يوفر أرضية صلبة للمواجهة، ويرسم ملامح المؤسسية لمنظومة تفعيل دور المؤسسات والأفراد في مواجهة تلك الظاهرة.

الخيار القانوني يتصدر خارطة الطريق، إذا أخدنا في الاعتبار أن أغلب المشاهد التي تتجلى فيها مظاهر الخوف والتخويف من الإسلام، تأخذ منحى الجريمة والاعتداء على الإسلام والمسلمين، ومن أبرزها: قوانين الحد من الحريات المدنية التي تؤثر بشكل غير مناسب على المسلمين، وتعقيد إجراءات الحصول على الترخيص لطلبات إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية، والتمييز والإقصاء من الحصول على فرص العمل، وتوفير الخدمات، واستبعاد المسلمين أفرادًا وجماعات من مباشرة الشأن العام والحياة الاقتصادية والسياسية، والبيروقراطية والجمود في الرد على طلبات المسلمين في التعليم والرعاية الصحية، والهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين، ولاسيما ضد النساء اللواتي يرتدين الحجاب، والاعتداء على المساجد وتدنيس مقابر المسلمين وذلك بالكتابة على الجدران وإلقاء القنابل الحارقة، وترويج صورة نمطية سلبية عن المسلمين على نطاق واسع في وسائل الإعلام.

وإزاء تعدد صور الاعتداء، يجب أن تتنوع خيارات المواجهة القانونية، مع الأخذ في الاعتبار أن المحور القانوني يتجاوز دور الأفراد بشكل كبير، إلى الحاجة لدعم حكومي منظم، وتضافر جهود منظمات المجتمع المدني والمراكز الإسلامية المنتشرة في الغرب، لتوفير مظلة قانونية تؤمن وجودها في المقام الأول، وتحمي أفرادها وفعالياتها من أي اعتداء.

وتتعاظم أهمية توافر المظلة القانونية لتأمين الوجود الإسلامي برمته، لاسيما بعد هجمات باريس، وتداعياتها من تسارع في وتيرة الضغوط على الحكومات الغربية لسن قوانين وتشريعات تسلب الأقليات المسلمة حقوقها، وتدفع باتجاه الترحيل، وتقليص حجم المساعدات والمنح الدراسية المخصصة لهم، وفرض قيود على السفر والإقامة وأداء المناسك الدينية، فضلا عن تشديد إجراءات اللجوء، وفرض قيود على لم شمل عائلات اللاجئين.

خيارات المواجهة القانونية لـ”الإسلاموفوبيا” وفق ما تراه الدراسة تنطلق على عدة مسارات:

أولاَ: التواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، والعمل على الدفع بمشروعات قوانين للبرلمانات الأوروبية والغربية تجرم ازدراء الأديان، وارتكاب جرائم الكراهية، وتعاقب منفذي الأفعال والتصريحات العدائية.

ثانيًا: مقاضاة الحركات المتطرفة والمجموعات التي تسعى لزيادة الكراهية تجاه الجاليات المسلمة، مثل حركة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب” المعادية للإسلام والمعروفة اختصارا باسم “بيجيدا”، ورصد تجاوزاتها وانتهاكاتها لمواثيق حقوق الإنسان.

ثالثًا: تأسيس مرصد حقوقي وقانوني، يُعنى برصد وتوثيق كافة جرائم الكراهية ومظاهر الإسلاموفوبيا، والتحرك قانونيا ضد مرتكبيها أمام مختلف المحاكم الأوروبية والغربية، على أن يقوم بإصدار تقارير دورية تغطي هذا المسار.

رابعًا: التعاون مع شركات محاماة دولية لها باع على الصعيد العالمي، في مقاضاة رؤساء وقادة الحكومات والأحزاب الذين ينتهجون نهجًا معاديًا ضد الوجود الإسلامي في الغرب، المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب “نموذجًا”.

خامسًا: تشكيل هيئة دولية للدفاع عن حقوق الجاليات المسلمة في الخارج، على أن تقوم الحكومات بتقديم ما يمكنها من دعم سياسي ومادي لهذه الهيئة، على أن تؤسس لها فروع في مختلف بلدان المهجر.

المبحث الثاني: المسار السياسي

لا يمكن إزاء بلورة ملامح المسار السياسي في المواجهة، حصر آليات تفكيك “الإسلاموفوبيا” والحد من تداعياتها، في مؤسسات إسلامية بعينها داخل المجتمعات الغربية، فخطورة الظاهرة تستدعي أن تتداعى لها كافة الحكومات والمؤسسات في العالم الإسلامي، وأن تتوحد صفوف المرجعيات الدينية لردع الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام بشكل متزايد في الألفية الثالثة.

“الإسلاموفوبيا” لم تعد نهج حركات متطرفة مثل “بيجيدا” مثلا، بل باتت نهج رؤساء وقادة مثل رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، الذي صرح بأن بلاده لا ترغب في استضافة جماعات مسلمة كبيرة، كما تحولت إلى مزايدة حزبية وفق مطلب حزب “البديل من أجل ألمانيا” ( إيه إف دي) اليميني، باستخدام السلاح ضد اللاجئين، إذا لزم الأمر، كحل أخير لمنعهم من عبور الحدود، كما تفاقمت تداعيات “الإسلاموفوبيا” وصولا إلى تبني سياسة عنصرية تمييزية وفق خطط تدارستها الحكومة البريطانية في وقت سابق لإجبار اللاجئين في بريطانيا على ارتداء أساور ملونة تحدد هويتهم.

إزاء ذلك ينطلق المحور السياسي من أهمية تواجد دور رسمي بارز من قبل الدول والحكومات العربية والإسلامية، بما يمنح إستراتيجية المواجهة ثقلًا إقليميًا ودوليًا يفرض القضية على الأجندة الدولية والمحافل العالمية. يعزز ذلك دوليًا احتمالات سوء توجيه الإسلاموفوبيا نحو التحول ضد المجتمعات الغربية، وارتفاع فاتورة الضرر الذي قد يلحق بها نتيجة إنذار إرهابي كاذب، فالإسلاموفوبيا يمكنها أن تتحول من هستيريا جماعية إلى جنون جماعي كما حدث أيام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش عقب أحداث 11 سبتمبر.

وتنطلق مسارات المحور السياسي من عدة مرتكزات رئيسة، منها:

1ـ إدراج مواجهة “الإسلاموفوبيا” في إطار حماية الأمن القومي الإسلامي؛ وذلك من أجل الحيلولة دون شن حروب على العالمين العربي والإسلامي، “الحرب الأمريكية ضد العراق وأفغانستان نموذجا”.

2ـ إقرار القضية محل الدراسة كأحد الخطوط العريضة للدبلوماسية العربية والإسلامية، وطرح تداعياتها على مائدة الحوار العربي الغربي، والإسلامي الغربي، والتباحث بشكل دوري مع المسئولين الغربيين حول سبل لجم الظاهرة، والحد من آثارها.

3ـ عقد قمم على المستوى العربي والإسلامي لبحث الظاهرة، والتعامل معها كخطر وجودي لا يقل خطورة عن الأزمة السورية، أو اليمنية مثلا، أو القضية الفلسطينية، لاسيما وأنها قضية تهم أكثر من مليار ونصف المليار مسلم(1).

4ـ إطلاق مبادرات دولية للتعاطي الفعال مع الظاهرة، وتجريم حروب الكراهية، والتصدي للحركات المتطرفة حول العالم، بشكل يدفع إلى تعزيز التعاون بين رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، ورجال الدين، لوأد الظاهرة، والعمل على انحسارها، خشية تفاقم تداعياتها بما يلقي بتبعات سلبية مستقبلا على الجميع.

5ـ تشكيل لوبي ضغط سياسيًا واقتصاديًا، وتعزيز المسئولية المجتمعية لدى المستثمرين العرب، بشكل يعزز دور رجال الأعمال في هذا المضمار من خلال إنشاء صندوق بمشاركة حكومية لدعم ضحايا “الإسلاموفوبيا” من جانب، ونشر الصورة الحقيقية للإسلام على الجانب الآخر، والتأثير في أوساط مجتمع رجال الأعمال في أوروبا والأمريكيتين بشكل يُحيد ذلك الطرف الفاعل دون التورط في تأجيج موجات الكراهية، بالإضافة إلى مخاطبة ملاك الصحف المحرضة، والتحاور مع أصحاب رؤوس المال في الميديا الغربية “شارل إيبدو نموذجا”.

6ـ تأسيس أو التعاقد مع شركات متخصصة في مجال الدعاية والعلاقات العامة، لتنظيم حملات طرق للأبواب، ومخاطبة مجتمعات النخبة في الغرب، وتنظيم حملات إعلامية، وعقد منتديات ومؤتمرات، ومخاطبة رجل الشارع العادي برسائل واضحة تحيد خيار الكراهية لديه، وتبني جسورا من الحوار والتفاهم معه.

المبحث الثالث: المسار الإعلامي

الحالة الإعلامية الراهنة، وعلى مدار العقود الماضية، تُمثل نموذجا صارخًا لحملات التشويه والتضليل التي تسيطر على الغرب تجاه الإسلام، وتعد واحدة من أبرز مظاهر حرب الكراهية التي تتعرض لها الجاليات المسلمة حول العالم، فضلا عن كونها سدًا يحول دون تعزيز قواسم الحوار والتعاون البناء بين الإنسانية.

وتتعاظم أهمية المحور الإعلامي في ظل النجاح الذي حققه “الإعلام الغربي” في معركة تشويه الإسلام، والإساءة إلى صورة العربي والمسلم، والنجاح في إلصاق صفة “الإرهاب” بالمسلمين، وهو الأمر الذي يتطلب البحث عن فضاءات جديدة يمكن السير إليها، والسيطرة على مضامينها، أو بمعنى أدق التفوق في ميادين بديلة توفر منصات وآليات تجهض خطاب “الكراهية”، وتكشف مضامين حملات التشويه والافتراء على الإسلام دينًا ورسالًة وقيمًا وأمًة ومنهاجًا.

وتتعدد خيارات التمدد في الفضاء الإعلامي بما يُشكل على المدى البعيد حائط صد أمام التضليل الإعلامي، وعلى المدى القريب قفزة نوعية في مواجهة تداعيات “الإسلاموفوبيا”، والتحول من حالة دفاعية دومًا ما تسيطر على المسلمين إلى حالة من الندية، والتوازن، وفرض الاحترام على الطرف الآخر، وربما مستقبلا حيازة “القوة الناعمة”.

وينطلق المحور الإعلامي على عدة مسارات في خط مواز، ينتهج إستراتيجية القوة الناعمة في تبديد صناعة الخوف والكراهية، ورسم صورة إيجابية، من خلال توظيف كافة وسائل الميديا والتواصل الاجتماعي والبروباجندا، مع الأخذ في الاعتبار دراسة طبيعة المستقبِل، والرسالة المُراد إيصالها، وقياس النتائج المترتبة على ذلك.

وفي هذا السياق من الأهمية دراسة مراكز التحكم والقوة لدى الغرب، ورصد أدوات وآليات الطرف الآخر، وتحليل خطاب الدعاية السوداء والرمادية، وتفنيد مفرداتها، واستقراء ما وراء مدلولاتها، الأمر الذي يعد لبنة رئيسة في تشييد برنامج عملي، يستلهم تجارب الآخرين، في بناء إعلام مؤثر يُعيد من جديد تبليغ رسالة الإسلام، ويرسل وحيًا جديدًا للغرب في الألفية الثالثة.

فالظاهرة ليست في حاجة فقط إلى إنشاء جريدة يومية أو قناة دعوية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال منظومة “دور المؤسسات والأفراد في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا” في موقع الكتروني مثلًا، بقدر ما هو في حاجة إلى تنوع البُنى التحتية الإعلامية، وتسخير وسائل الاتصال والمعلوماتية التي تطورت بشكل مذهل، بما يمنح العالم الإسلامي مستقبلًا الكثير من الخيارات للتمدد إعلاميًا، والتفوق في ميدان القوة الناعمة.

اولتركيز على إعلام مُحترف يعمل على التواصل المباشر مع المعنيين، وصياغة سياسة إعلامية تحول دون الاستمرار في إنتاج هذه الصورة، من خلال توضيح الأخطاء وكشف التحيزات، وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى القضاء لإيقاف هذه التغطيات المغرضة والمجتزأة، أو التنسيق مع تنظيمات مهتمة بمواجهة التمييز، كما حدث في وقت سابق بين منظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAP وعصبة حقوق الإنسان LDH بإطلاق حملة لمواجهة الإسلاموفوبيا اتخذت لها شعار “الإسلاموفوبيا ليست رأيا وإنما جريمة” “نموذجا”.

ويشمل المحور الإعلامي، عدة منصات تشكل آلة رصينة للتصدي لـ”الإسلاموفوبيا”، هي بالترتيب وفق نظرة مستقبلية لحجم التطور التكنولوجي المتوقع:

1ـ وسائل وتطبيقات الاتصال الحديثة، مثل (آيباد، آيبود، الأيفون، بلاك بيري، أيبود تتش، “واتساب” وغيرها) مما يعرف بالجيل الخامس من وسائل الاتصال والتكنولوجيا، والتي دفعت العالم إلى الإعلام الرقمي، خاصة أن الانعزال مع الجهاز اللوحي أو الهاتف النقال سيتفاقم بلا توقف إلى ما بعد عام2020، فضلا عن الزيادة الهائلة في استخدام الهواتف الذكية في العالم كمنصات لقراءة الأخبار(2).

2ـ مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، يوتيوب، أنستجرام)، مع ضرورة توظيف غرف عمليات بفرق مدربة، وبلغات مختلفة، تدير مواقع التواصل وتتحكم في بوصلة النقاشات المطروحة، والمعلومات المتدفقة. وتُظهر البيانات أن شبكة “الفيسبوك” وحدها تصدرت المشهد في عالم التواصل والإعلام الاجتماعي حتى نهاية العام الماضي مسجلة أكثر من 1.35 مليار مستخدم، كما ذكرت البيانات أن معظم مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي يستعملونها ويتبادلون الآراء عبر منصاتها من خلال الهواتف الذكية أكثر من أجهزة الاتصالات الأخرى مثل: الأجهزة اللوحية والحواسيب الشخصية والمحمولة، واستنادا إلى هذه البيانات؛ فإن عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم شكلوا مع نهاية العام الماضي نسبة تصل إلى 66% من إجمالي عدد مستخدمي الانترنت بشكل عام حول العالم، والمقدر بنحو 3 مليارات مستخدم.

وإزاء التطور المتزايد بشبكة التواصل الاجتماعي، تتزايد الحاجة نحو ضرورة إطلاق غرف عمليات لصناعة رأي عام حول “الإسلاموفوبيا”، وتخصيص مجموعات محترفة لتوجيه بوصلة مؤشرات مواقع التواصل، والهاشتاج، وإدارة النقاشات مع الجمهور بشكل راق ومؤثر، وصناعة ما يعرف بـ”الإعلام البديل”.

3ـ التنوع في مواقع الصحافة الالكترونية والفيديو، شريطة تنوع مضامينها، وامتلاكها ثراءً إخبارياً ومعلوماتياً وخدمياً، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجاه للمستقبل الذي سيكون رقميًا(3). وعلى نفس المسار تتعاظم تأثيرات “الفيديو”، حتى بات موقع مثل “يوتيوب” يستأثر بحجم مشاهدات تتجاوز مئات الملايين يومياً حول العالم، ويحتل المركز الثالث على مستوى العالم حسب إحصائيات اليكسا بعد موقعي جوجل وفيس بوك، وهناك أكثر من 700 مليار هي عدد مشاهدات مقاطع الفيديو على الموقع في عام واحد، 100 مليون هي عدد مشاهدات مقاطع الفيديو عن طريق الهواتف يومياً.

4ـ تعزيز دور القنوات الفضائية المتخصصة والشبكات الإخبارية الكبرى، للتصدي لـ”الإسلاموفوبيا”، وتبني خطاب الحوار والتلاقي مع الإسلام، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك إعادة إحياء لصحافات الوثائقيات والمقالات.

5ـ مواقع التوثيق، وذلك نظرًا لأهميتها في حفظ ذاكرة الأمم، ووسيلة للحيلولة دون تشويه حدث ما، أو إثارة اللغط حوله، وهو أمر عانى منه الإسلام كثيرًا، وبات في حاجة إلى محرك بحث عملاق، أو “ويكيبيديا” جديدة تصون ذاكرة العالم الإسلامي بلغات مختلفة، ومواجهة حملات الشطط والافتراء، خاصة وأن الحرب الناعمة إنما هي معركة وعي في الأساس.

وهو الاستثمار الذي فطنت إليه الصين، فظهر موقع “بايدو” الذى يقوم بدور محرك البحث الشهير “جوجل،، وهناك أيضا “إيكاشا” و”إيكسون” ويقومان مقام موقع “فليكر” لتبادل الصور، وهناك “كايشين” و”سينا” و”تيسينت”، وهى المواقع البديلة لتويتر ومواقع المدونات، وحتى موقع “ويكيبيديا” الموسوعى لديه نظير آخر صينى هو “هودونج”، أما موقع يوتيوب للأفلام والفيديوهات، فله في الصين بدائل منها “تودو” و”يوكو”.

6ـ الصور وألعاب الانترنت، يفرضان تواجدهما على خارطة القوة الناعمة في مواجهة الإسلاموفوبيا، حيث باتت الصورة محل صراع قوى عظمى في العالم تعمل على الاستئثار بالصورة، وبثها أو حجبها بحسب الحاجة إليها، فضلا عن تسابق شرس بين وكالات الأنباء في هذا المضمار، فقد كانت صورة الطفل السوري إيلان غريقًا “نموذجًا”، وركل صحفية مجرية للاجئء مسلم “نموذجا” أثار ضجة عالمية كبرى.

ولا تمتلك المنطقة العربية وكالات احترافية متخصصة في مجال الصور، ولكنها فقط مجرد ناقل ومستعير للصورة، والتي نالت نصيبها أيضا من “التوجيه” و”التوظيف” السياسي، والتأثر ببوصلة رأس المال، والأيديولوجية التي تقف وراء الجهة المالكة لـ”الكاميرا”، وما تحدثه صورة لجريمة من جرائم “الإسلاموفوبيا” ربما كفيل بإحراج حكومات ودول، ويدفع نحو انحسار الظاهرة على المدى البعيد، إذا تم توظيف استخدامها في الحرب الناعمة التي بات عمادها الإعلام والانترنت.

كذلك أضحت ألعاب الإنترنت، نوعًا من الدعاية القوية، وأداة تُحقق ما يمكن أن يفشل فيه المقال الصحفي، أو البرنامج التليفزيوني، لاسيما وأنها تخاطب غريزة طبيعية لدى المتلقي تتعلق برغبته في اللهو، فضلا عن كونها قالبًا ترفيهيًا يحوي مضمونا سياسيًا أو فكريًا، ويصل بالرسالة المُراد توصيلها بشكل غير مباشر، ربما يكون أنجع من مؤثرات أخرى. وحتى الآن لم تنل ألعاب الانترنت، حصتها من التوظيف السياسي والإعلامي، ولم يفطن الكثير إلى خطورتها(3).

المبحث الرابع: المسار الثقافي

ترتبط مواجهة “الإسلاموفوبيا” في الأساس بالوعي لدى العقل الجمعي للغرب، وهي معركة طويلة المدى، وتعتمد على الإنجاز التراكمي على مدار عقود، ويمكن اعتبارها معركة تنوير ثقافي، ومن الأهمية تصدير مصطلح «فوبيا «Phobia» للغرب، وبيان أنه خوف لاشعوري وغير مبرر من مواقف أو أشخاص أو نشاطات أو أجسام معينة، وهو بذلك يصنف كمرض نفسي ينبغي علاجه.

إن فرض المصطلح على أجندة الغرب، وطرحه بشكل متكرر على العقل الغربي، من شأنه نقل رسالة بأن هناك خللاً ما يكمن في النظرة الخاطئة للإسلام والمسلمين، فضلا عن كونها رسالة تحذيرية بأن حالة من المرض تنتشر في أوصال الجسد الغربي قد تتطور إلى نتائج لا تُحمد عقباها من تمدد الكراهية ورفع حالة الاحتقان والعودة بالغرب إلى ما يشابه عصور التمييز والتفرقة العنصرية بين البيض والسود.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن استخدام مصطلح “الإسلاموفوبيا” يقلل من حدة ووحشية الجريمة، هو أقل وطأة من مصطلح “العداء للإسلام”، على غرار “العداء للسامية”، وهي حرب مصطلحات شديدة التأثير في ميدان المواجهة.

لذلك من الأهمية بمكان صك مصطلحات جديدة للتعبير عن الأزمة التي تهدد الوجود الإسلامي من جانب، وتؤرق الغرب على الجانب الآخر، مصطلحات تتلامس مع الثقافة الغربية، ومع الحالة الإعلامية الراهنة في الميديا الغربية، وهي مسئولية تقع في المقام الأول على عاتق المثقفين العرب ورواد الفكر الإسلامي، خاصة في مواجهة حملات المستشرقين لتشويه تاريخ الأمة الإسلامية.

وقد أسهمت دراسة أصدرتها مؤسسة “راينميدتراست” البريطانية غير الحكومية في عام 1997 في بلورة تعريف محدد لماهية “الإسلاموفوبيا” في الرؤية الغربية وقد استندت في ذلك إلى معايير ثمانية هي: اعتبار الإسلام جسمًا أحاديًا جامدًا يندر أن يتأثر بالتغيير. النظر إلى الإسلام باعتباره يتسم بالتميز عن الآخر، وأنه ليس له أي قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، وهو لا يتأثر بها أو يؤثر فيها. اعتبار الإسلام عنيفًا وعدوانيًا ومصدر خطر، مفطورًا على الإرهاب والصدام مع الحضارات. النظر إلى الإسلام باعتباره يحتل مرتبة دونية بالنسبة إلى الغرب، وذا نزعة بربربة، وبدائيا. الرفض التام لأي نقد يمكن أن يقدمه طرف إسلامي حيال الغرب. اعتبار مشاعر العداء تجاه المسلمين هي أمر عادي وطبيعي. استعمال العداء تجاه الإسلام لتبرير أي ممارسات تمييزية تجاه المسلمين وإبعادهم عن المجتمع وعزلهم أو تهميشهم. اعتبار الإسلام أيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح عسكرية وسياسية.

والواقع أن هذه المعايير مستعارة من ملفات الاستخبارات البريطانية يوم كانت تسمى “انتليجانس سرفيس” حيث عمل هذا الجهاز على تفكيك هذه المعايير واحدًا بعد الآخر، وفرض التغيير عبر طرح نماذج اشتقاقية للإسلام آخرها الدعوة للإسلام البروتستانتي الذي يُعقد له في أميركا مؤتمرًا سنوياً بحضور عرب ومسلمين، إضافة للجهود التبشيرية الهائلة والمستمرة، وأخيراً اعتماد مفهوم “الإسلاموفوبيا” استنادا إلى هذه المعايير تحديداً.

لولا هذه المعايير لكان مصطلح “العداء للإسلام” أكثر دقة وموضوعية ودلالة وأسهل استخداماً لانسجامه مع المصطلحات العنصرية الأخرى مثل العداء للسامية والعداء للأجانب والملونين وغيرها، وها هو المصطلح يشيع اليوم مسجلاً انتصاره على مصطلحات بديلة بعضها لا يزال متداولاً أشهرها مصطلح الشرق الأوسط.

ولعل سبب شيوع مصطلح الإسلاموفوبيا وغلبته يعود إلى أنه يبرر العداء للإسلام دون الاعتراف به، إذ يحول العداء للإسلام من مظهر تمييزي إلى رد فعل مرضي ناجم عن ممارسات ومظاهر إسلامية متعارضة والقيم الغربية بدءاً من الحجاب إلى هجمات 11 سبتمبر وتفجيرات باريس، وقد اعتمدت عملية التشويه على عدة منصات(4): التشكيك في مصادر الدين الإسلامي وصحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي، حملة شارل إيبدو “نموذجا”، وإثارة الشبهات حول أحكام الإسلام التشريعية ومصادرها، ونشر الأكاذيب والمغالطات، والترويج للعديد من الأفكار والتيارات والجماعات التي تنال من صورة الإسلام.

هذه المنصات تم تأطيرها في شكل مؤسسي، تتم من خلاله توظيف مختلف الأدوات المتاحة للنجاح في عملية التشويه، الأمر الذي حقق نتائج كبيرة لصالح تعزيز روح الكراهية، وقد أشار إلى ذلك “جاك شاهين” في كتابه بعنوان: “Reel Bad Arabs” العرب السيئون.. كيف تشوه هوليوود شعبًا»، والذى اشتغل عليه زهاء عشرين عامًا، واستقصى فيه نحو ألف شريط سينمائي ووثائقي.. وأحدث الكتاب صدمة في الأوساط الثقافية الأميركية؛ لأنه خرج بنتيجة مفادها أن هوليوود كانت تمارس تشويها منظمًا ومقننًا لصورة المسلمين على امتداد قرن من الزمان.

وعلى غرار مأسسة التشويه، تتحتم مأسسة المواجهة الثقافية والفكرية، عبر عدة مسارات:

1ـ تفعيل حوار الثقافات والأديان والحضارات، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة للتلاقي مع الآخر، وتعزيز فرص التعاون والتكامل، لا التضاد والصراع، وذلك من أجل صالح الإنسانية والبشرية.

2ـ تجديد الخطاب الإسلامي الموجه للغرب، وصك مصطلحات جديدة تنفذ إلى العقل الغربي، واستبدال مصطلحات الغزو، ودار الكفر، وإقامة الخلافة، بمصطلحات التعايش والتعاون، وإعمار الأرض، وخدمة البشرية.

3ـ دحض الشبهات، من خلال دليل تعريفي بالإسلام، يتناول القضايا المثارة بمختلف لغات العالم، وتبديد الصورة النمطية المكررة والمنتقاة بعناية في الميديا الغربية.

4ـ إقامة مرصد ثقافي يُعنى برصد وتوثيق كل ما ينشر من إساءات أو إهانات أو شبهات، والتواصل مع المعنيين بالأمر، والرد عليهم بالوسائل المشروعة فكريًا وقانونيًا وإعلاميًا.

5ـ التواصل مع المفكرين الغربيين واستقدامهم، وإقامة منتديات للحوار معهم، وعقد قمم فكرية من أجل التلاقي لا التصارع، وتعزيز العلاقات مع المستنيرين منهم ممن يتخذون مواقف إيجابية تجاه الإسلام والمسلمين.

6ـ تفعيل ورفع معدلات ترجمة التراث الإسلامي، وإمداد المكتبات الغربية بالمخطوطات العربية، وأمهات الكتب العربية في شتى مجالات الفكر الإسلامي، بما يبدد الصورة النمطية السيئة التي رسمها اللاهوتيون للإسلام والعرب منذ بداية علاقة الغرب بهما في القرون الوسطى (5).

7ـ تجاوز الندرة السينمائية في معالجة “الإسلاموفوبيا”، وحملات التشويه للمسلمين، والدفع بنجوم الفن والسينما في العالمين العربي والإسلامي، واستقدام نجوم غربيين، لصناعة نظرة جديدة من شأنها تبديد الخوف من الإسلام، وسحب البساط من السينما الهوليوودية، والحد من تداعيات الصورة النمطية التي روجتها الأفلام الأجنبية للمسلم طوال العقود الماضية.

8ـ تأسيس مراكز بحثية ترصد اتجاهات الرأي العام في المجتمعات الغربية، للخروج بنتائج ودلالات يمكن اعتبارها بوصلة لمعرفة اتجاهات صانع القرار، ومن ثم التحرك لحماية الوجود الإسلامي وتبديد صناعة “الإسلاموفوبيا”(6).

المبحث الخامس: المسار الإنساني

يتطلب استكمال منظومة النجاح للمحاور السابقة تفعيل دور الأفراد، والارتكاز على الإنسان المسلم نفسه في كونه رسولا على الأرض يمثل قيم وأخلاقيات الإسلام قولًا وفعلًا، فالإنسان هو لبنة أي تقدم بشري وتواصل حضاري، وهو منصة سلوكية متحركة يمكن أن تساهم في تخفيف حدة الكراهية والخوف من الإسلام.

وتُشير أغلب الدراسات إلى أن الإسلاموفوبيا ظاهرة انتشرت في أوروبا أولا وخاصة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا؛ وذلك مع نمو حجم الجاليات المسلمة في تلك البلاد التي تصل إلى 6٪ من مجموع السكان، وهي نسبة في تزايد، وتتحمل مسئولية أن تعكس الإسلام الحقيقي في سلوكها؛ لأنه مهما حاولت أن تُروِّج لمُثل وأخلاق سامية موجودة في الإسلام، فلن تلقى من الآخر أذنًا صاغية إلا إذا رآها سلوكًا عمليًّا في أرض الواقع.

وهنا يبرز دور الإنسان المسلم في الغرب كعلاج وقائي لـ”الإسلاموفوبيا” وتفشي تداعياتها، شريطة أن يُحقق عملية اندماج ناجحة مع المجتمع الذي يعيش فيه، ويحترم دستوره وقوانينه، دون التنازل عن هويته وقيمه، ويعمل من أجل رفعته وإعماره.

إن بعض أشكال الخطاب الإسلامي التي تميل إلى عدائية مفرطة تجاه الغرب يجب تجاوزها، وسلوك طريق أكثر اعتدالًا يناسب رسالة الإسلام ووسطيته؛ فالصورة المشوهة عن الإسلام والمسلمين تؤول في جانب منها إلى سياسات “الصد عن سبيل الله”، وهذا يُوجب تحمل المسؤولية لمعالجة تلك التشوهات أو الإسهام في ذلك.

ومن الضروري أن تتصدر الجاليات المسلمة صفوف الرفض والإدانة لمثل هذه الأفعال، وأن يتطور رد الفعل من شجب وإدانة إلى بلورة عمل منظم للدفاع عن الأوطان التي يقيمون فيها من خلال تعاون معلوماتي للإبلاغ عن أي مشتبه بهم أو متورطين في أي هجمات إرهابية، بالإضافة إلى حملات تضامن حقيقية مع أسر الضحايا، وحراك إعلامي فعال على مختلف المستويات.

ويحتاج المسلمون في هذه المجابهة إلى عمل مؤسسي منظم تقوم به مؤسسات ومراكز دراسات حتى يكون له الأثر المرجو في مستويات متعددة، بدلا من الجهود الفردية الراهنة سواء في مجال رصد ما ينشر أو يذاع عن الإسلام والمسلمين أم في مجال مواجهة ما ينشر في مختلف القنوات الإعلامية الغربية، على اعتبار أن الجهود الفردية تظل غير قادرة على تفعيل آليات المواجهة والرد والتصحيح، هذه المواجهة هي بالدرجة الأولى مواجهة فكرية، والفكر لا يقابل إلا بفكر.

فمن الأهمية صياغة جهود الأفراد في شكل مؤسسي، على غرار المؤسسات الفاعلة في المضمار المضاد، ونذكر منها على سبيل المثال

1ـ مؤسسة Act For America وقد بلغ عدد أعضائها 175.000 وعدد فروعها 635، وقد نجحت في تمرير قوانين في أريزونا وتنيسي ضد الإسلام كما قامت بتوزيع كتيبات تحت اسم «قوانين الشريعة لغير المسلمين».

2ـ مشروع Stop the Islamization of America، وهذا المشروع تابع لجماعة أسستها باميلا غيلر وروبرت سبنسر من أنصار إسرائيل ويقومون بوضع يافطات في الأماكن العامة تقول: «أيدوا إسرائيل- اهزموا الجهاد».

3ـ المنتدى الأمريكي الإسلامي للديمقراطية American Islamic Forum for Democracy (AIFD), Dr. Zuhdi Jasser، ومؤسسه زهدي جاسر، والذي يعتبر أن الإسلام ليس دينا مسالمًا، ويعمل المنتدى على حماية الديمقراطية والحرية والدستور الأمريكي.

4ـ مركز دراسات الإسلام السياسي Center for the Study of Political Islam ويهدف إلى تثقيف الأمريكيين حول «الإســـلام ومحــمد وإله محمد».

5ـ مركز دراسات السياسة الأمنية Center for Security Policy ومؤسسه فرانك غافني، وهو من أكثر المعادين للإسلام في الولايات المتحدة. يؤمن بأن الإسلام يعمل على السيطرة على الولايات المتحدة(7).

إزاء ذلك يمكن بلورة المحور الإنساني والفردي في مواجهة “الرهاب من الإسلام” في عدة مسارات وخطوات:

(أ) تعزيز وعي الجالية المسلمة بالتحدي، ورفع جاهزيتها للتحرك على مختلف المسارات بشكل علمي مُمنهج، وتأهيلها للتصدي لأي موجة كراهية بشكل قانوني وفكري واجتماعي مستنير.

(ب) إنشاء قاعدة بيانات للكوادر المؤهلة من إعلاميين وحقوقيين وقانونيين ومفكرين، وغير ذلك من مهن، وقدرات، وكفاءات، بما يكفل حسن توظيفها في مواجهة تلك الظاهرة.

(ج) تفعيل أدوار الجاليات المسلمة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وبلورة حراك فاعل داخل المجتمعات الغربية، يتماس مع احتياجات تلك المجتمعات، ويلتحم مع القواسم المشتركة، مؤتمرات، مهرجانات، أنشطة رياضية وثقافية، يوميات معايشة، فعاليات خدمة مدنية، وغيرها، بما يعزز عملية اندماج المسلمين في مجتمعات الهجرة، والمشاركة الفاعلة في نشاطاتها المجتمعية وحياتها السياسية، مع إبعاد أي توظيف سياسي لهذه المشاركة.

(د) مخاطبة مشاعر التعاطف الإنسانية لدى الإنسان الغربي عن طريق عرض الأفلام والصور لضحايا المذابح المرتكبة بحق الشعوب العربية والمسلمة، بهدف استثارة مشاعر الذنب لدى مرضى الإسلاموفوبيا كون مشاعر الذنب علاجاً ناجعاً لهذا المرض.

(هـ) إطلاق هيئة مدنية حقوقية للدفاع عن حقوق الجاليات المسلمة في الخارج، على أن تقوم الحكومات بتقديم ما يمكنها من دعم سياسي ومادي لهذه الهيئة، وأن تؤسس لها فروع في مختلف بلدان المهجر.

(و) رصد تجمعات إسلامية تسيء للإسلام، وتفكيك مقولاتهم.

(ز) تدشين حملة طرق للأبواب لنزع فتيل تعرض المهاجرين المسلمين لاشتقاق جديد للإسلاموفوبيا يروج له العنصريون الغربيون، وتتعلق المخاوف الجديدة بزيادة النسبة المئوية للمسلمين في بلدان الهجرة.

خلاصة

تتكامل مباحث الدراسة، في العمل بشكل متواز على المسارات الخمس، بما يوفر أكثر من منحى للتعاطي مع الظاهرة وتداعياتها، في الوقت ذاته يمنح القائمين على إدارة منظومة المواجهة، زخما وفاعلية للتحكم في دفة الأمور بشكل ترى الدراسة أنه من المؤكد سيحقق نتائج إيجابية في هذا المضمار. ويمكن إيجاز نتائج الدراسة في برنامج عمل يتضمن المسارات والخطوات التالية:

1ـ مأسسة إستراتيجية وخيارات المواجهة لظاهرة الإسلاموفوبيا.

2ـ تشكيل هيئة دولية للدفاع عن الإسلام، والتصدي لآثار الإسلاموفوبيا بشكل قانوني وإعلامي، والدفع بمشروعات قوانين للبرلمانات الأوروبية والغربية تجرم ازدراء الأديان، وارتكاب جرائم الكراهية.

3ـ تأسيس مرصد يُعنى برصد وتوثيق كافة جرائم الكراهية ومظاهر الإسلاموفوبيا، والتحرك قانونيا ضد مرتكبيها أمام مختلف المحاكم الأوروبية والغربية والجنائية الدولية، على أن يقوم بإصدار تقارير دورية تغطي هذا المسار.

4ـ الدعوة إلى عقد قمم على المستويين العربي والإسلامي لبحث الظاهرة، والتعامل معها كخطر وجودي؛ لحماية الأمن الإسلامي، والتباحث بشكل دوري مع المسئولين الغربيين حول سبل لجم الظاهرة، والحد من آثارها.

5ـ إنشاء صندوق بمشاركة حكومية لدعم ضحايا “الإسلاموفوبيا”، ونشر الصورة الحقيقة للإسلام، والتأثير في أوساط مجتمع الفكر والثقافة والإعلام والسينما.

6ـ تنظيم حملات إعلامية على شبكة الانترنت والقنوات الفضائية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الميديا والسوشيال ميديا لكشف تداعيات الظاهرة على المجتمع الغربي، وإعادة تبليغ رسالة الإسلام من جديد، وتبديد صناعة الخوف والكراهية الممولة من قوى يهودية وغربية متطرفة.

7ـ تعزيز قدرات المؤسسات الفاعلة في هذا المضمار، وزيادة معدلات ترجمة الفكر الإسلامي، وإمداد المكتبات الغربية بأمهات الكتب في شتى مجالات هذا الفكر، وتـرجمة القرآن الكريم ومعانيه بمختلف لغات العالم، كذلك السنة النبوية وسيرة النبي محمد.

8ـ تعزيز التواصل مع الصحفيين والمفكرين والأكاديميين ونجوم ومخرجي الأفلام، وتمويل صناعة ميديا جديدة تواجه حملات الافتراء ضد المسلمين، وتخاطب العقل الغربي من منظور فني وسينمائي.

9ـ تأسيس مراكز بحثية ترصد اتجاهات الرأي العام في المجتمعات الغربية، للخروج بنتائج ودلالات وتوصيات يمكن اعتبارها بوصلة لمعرفة اتجاهات صانع القرار، ومن ثم التحرك لحماية الوجود الإسلامي في الغرب.

المراجع والمصادر

  1. مستقبل السكان المسلمين في العالم.. توقعات بين عامي2010 و 2030 (معهد بيو للدراسات).
  2. برنامج “بلا حدود” قناة الجزيرة- حلقة الأربعاء (28/10/2015).
  3. أحمد إيراهيم، آليات مواجهة أدوات الدعاية السوداء والرمادية، (المعهد المصري للدراسات السياسية والاقتصادية).
  4. عبد الرحمن حبنكة الميداني، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير- الاستشراق- الاستعمار، دار القلم، دمشق، الطبعة الثامنة 1420هـ- 2000م.
  5. الإسلام في التراث الغربي- دراسات ألمانية، ترجمة ثابت عيد، طبعة نهضة مصر، القاهرة 1999 (سلسلة في التنوير الإسلامي).
  6. محمد سبيلا، الصراعات الأصوليّة والحداثة (الرباط، سلسلة المعرفة للمجتمع، طبعة عام 2000م).
  7. عبد الحميد صيام، الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة بين الخوف والتخويف، (القدس العربي).

————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

أحمد إبراهيم

باحث وإعلامي مصري، عضو نقابة الصحفيين المصرية، مدير تحرير صحيفة “المصريون”، عمل مديرا لتحرير بوابة “مصر العربية”، كما عمل مراسلاً لمجلة “المجلة” اللندنية، ومجلة المجتمع الكويتية، ومجلة المستقبل السعودية

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى