fbpx
تحليلاتقلم وميدان

الإطار القانوني للعمل الأهلي بين 1952 و2011

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد:

تناولنا في المقالين السابقين مفهوم واهمية العمل الأهلي وضرورة الاهتمام بتفعيل دوره في المجتمع ليكون مكملا لباقي الكيانات المؤسسية التي تكون في النهاية الدولة المصرية واوضحنا أهمية ودور الإطار القانوني المنظم لهذه المنظمات المتعددة الأنشطة، لذلك يتعين أن تصبح مسألة الإطار القانوني للعمل الأهلي وقضية درء الهجمة الحكومية لتكبيل منظماته بالأغلال هي في مقدمة واجبات كل المهتمين سواء كانوا شخصيات أو هيئات لتطوير حركة المجتمع وتطوير الهامش الديمقراطي في مصر، وسنتناول في سياق هذا المقال تطور الإطار القانوني للفترة من 1952 حتى 2011

 

 القانون رقم 66 لسنة 1954م:

صدر القانون رقم 66 لسنة 1954 وكان أخطر ما في القانون أنه نقل اختصاص الرقابة على الجمعيات الدينية والثقافية والعلمية إلى وزارة الداخلية، وإلى المحافظين بدلاً من وزارة الشئون الاجتماعية. فنص ذلك القانون على أن طلب تسجيل الجمعية يقدم للمحافظة وأجاز للمحافظ أن يعترض على الطلب ويرفضه. وفي هذه الحالة أجاز لصاحب الشأن التظلم لدى وزارة الداخلية أو لدى القضاء الإداري. وحظر القانون على الجمعيات الدينية أن تعمل من أجل تحقيق أهداف تختلف عن الأهداف التي أنشئت من أجلها. وهكذا أتاح التشريع المشار إليه المزيد من رقابة أجهزة الشرطة على الجمعيات الأهلية وبخاصة الجمعيات الدينية وذلك على أثر تجاوز البعض منها لدوره الاجتماعي والديني وممارستها لأنشطة سياسية.

وقد حفلت هذه الفترة وما تلاها من تاريخ العمل الأهلي والتطور الاجتماعي بالعديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت لها انعكاساتها السلبية على العمل الأهلي في مصر مما دعا البعض إلى وصف هذه المرحلة بمرحلة الانكسار، حيث تم فيها إلغاء الأحزاب السياسية وتحول النظام السياسي المصري إلى التنظيم السياسي الواحد في نظام شمولي هيمنت فيه الدولة على كل القطاعات والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية. وفي ظل هذا لنظام تعاملت الدولة مع الجمعيات والمنظمات الأهلية بنفس النهج الذي انتهجته في مجال العمل السياسي.

 

 القانون رقم 384 لسنة 1956م:

أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا برقم 384 لسنة 1956 ألغى بموجبه المواد من 54 إلى 80 من القانون المدني التي كان ينظم بموجبها تأسيس الجمعيات الأهلية وممارستها لأنشطتها في مصر كأشخاص اعتبارية والتي كان لتطبيقها أعظم الأثر في ازدهار العمل التطوعي الأهلي في مصر، كما نص القرار المشار إليه على حل هذه الجمعيات وتعديل نظمها وحظر على الأشخاص المحرومين من مباشرة حقوقهم السياسية الاشتراك في تأسيس أو عضوية أية جمعية. ونص هذا القرار الجمهوري لأول مرة في التشريعات المصرية على إخضاع أنشطة الجمعيات الأهلية لنوع من التجريم العقابي فنص على اعتبار مخالفات الجمعيات لأحكامه جرائم جنائية مقررًا لها عقوبة الحبس المشددة توقع على أعضائها. وهكذا أضحى القرار الجمهوري رقم 384 سنة 1956 هو البداية الحقيقة لفقدان الثقة المتبادلة بين الدولة من جهة والجمعيات الأهلية من جهة أخرى. فبه بادرت الدولة إلى إخضاع كل الجمعيات الأهلية للرقابة والإشراف وإحكام قبضة البيروقراطية على النشاط الأهلي المشارك في الحياة العامة، وهو ما قابله المجتمع المدني من جانبه بالعزوف والتراجع عن تلك المشاركة، والإحجام عن العمل التطوعي الأهلي من خلال الجمعيات الأهلية. وفي عام 1964 استولت الدولة على المستشفيات والمؤسسات العلاجية التي أنشأتها الجمعيات الأهلية فأصدرت قرارًا جمهوريًّا بتأميمها. كما أممت المدارس والمعاهد التابعة لتلك الجمعيات. وهكذا حرم المواطنون من خدمات صحية وتعليمية بمشاركة إيجابية من القطاع الأهلي التطوعي المؤمن برسالته. والذي لا يعرف حدودًا للبذل والعطاء والجهد. وتأسست على هذه المستشفيات المؤسسة العلاجية.

 

 القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة:

في سياق القرارات السابق الإشارة إليها أصدرت الدولة القانون رقم 32 لسنة 1964 في شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة ليؤكد سيطرة الدولة على النشاط الأهلي التطوعي ويحكم قبضتها عليه. وضم هذا القانون لشتات الأحكام المتناثرة من نصوص القانون المدني والقوانين الأخرى المتعددة ورىء المسرع أن أحكام هذا القانون تماشت مع تطور أهداف الثورة الاجتماعية وبناء المجتمع الاشتراكي.

 

 أبرز الملامح التي استحدثها القانون:

النص على ألا يقل عدد الأشخاص الطبيعيين الذين تتألف منهم الجمعية عن عشرة ولم يكن القانون القديم يشترط عددًا معينًا.

النص على أنه لا يجوز للجمعية أن تعمل في أكثر من ميدان واحد من الميادين التي تحددها اللائحة التنفيذية إلا بعد موافقة الجهة الإدارية المختصة أخذًا بمبدأ التخصيص في أداء الخدمات وحتى تكون الخدمة منفذة على الوجه الأكمل.

النص على حق الجهة الإدارية في رفض شهر الجمعية إذا كانت البيئة في غير الحاجة إلى خدماتها أو لوجود جمعيات أخرى تسد حاجات البيئة في ميدان النشاط المطلوب لمنع الازدواج والتكرار

النص على أنه لا يجوز لأعضاء النقابات المهنية أو المنظمات أو النقابات العمالية ولا لمن لهم الحق في عضويتها في إنشاء جمعية أو رابطة لممارسة نشاط تختص أو تقوم به تلك النقابات أو المنظمات.

النص على أن لوزير الشئون الاجتماعية بقرار مسبب حل مجلس إدارة الجمعية أو إدماجها في جمعية أخرى أو حل الجمعية.

النص على حق الجهة الإدارية المختصة في وقف تنفيذ أي قرار يصدر عن الأجهزة القائمة على شئون الجمعية يكون مخالفًا للقانون أو لنظام الجمعية أو للنظام العام أو للآداب. وكان القانون القديم يقضي بأن يعتبر قرار الوقف كأن لم يكن إذا لم ترفع دعوى البطلان أمام المحكمة الابتدائية خلال الثلاثين يوميًّا التالية لصدور القرار عن أحد الأعضاء أو عن شخص آخر ذي مصلحة أو من النيابة العامة من الجهة الإدارية التي أصدرت قرار الوقف.

النص على أن كل عضو يتخلف عن حضور أكثر من نصف عدد جلسات مجلس الإدارة يعتبر مستقيلاً من عضوية المجلس.

النص على حق الجهة الإدارية في أن تستبعد من ترى استبعاده من المرشحين لعضوية مجلس إدارة الجمعية خلال مدة معينة، وأن لها الحق في أن تندب من يحضر الانتخاب للتحقق من قانونيته. ولها كذلك أن تلغي الانتخاب بقرار مسبب إذا رأت أنه وقع مخالفًا للقانون أو لنظام الجمعية.

النص على أنه يحظر على من تثبت مسئوليتهم من أعضاء مجلس إدارة الجمعية عن وقوع المخالفات التي دعت إلى حل الجمعية ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس إدارة أية جمعية أخرى لمدة خمس سنوات من تاريخ صدور قرار حل الجمعية.

 وحددت اللائحة التنفيذية لهذا القانون سبعة ميادين لعمل الجمعيات هي:

رعاية الطفولة والأمومة.

رعاية الأسرة.

المساعدات الاجتماعية.

رعاية الشيخوخة.

رعاية الفئات الخاصة والمعوقين.

الخدمات الثقافية والعلمية والدينية

.تنمية المجتمعات المحلية.

وفي سنة 1967 صدر قرار رئيس الجمهورية الذي أجاز لوزير الأوقاف والشئون الاجتماعية أن يضيف بقرار منه ميادين عمل جديدة للجمعيات والمؤسسات الخاصة وقد صدرت بموجب هذا التعديل عدة قرارات بإضافة عشرة ميادين جديدة لعمل الجمعيات هي:

ميدان التنظيم والإدارة.

ميدان رعاية المسجونين.

ميدان تنظيم الأسرة.

ميدان الصداقة بين شعب جمهورية مصر العربية والشعوب الصديقة.

ميدان النشاط الإداري.

ميدان الدفاع الاجتماعي.

ميدان أرباب المعاشات.

ميدان حماية البيئة والحفاظ عليها.

ميدان التنمية الاقتصادية للأسرة وتنمية الدخل.

ميدان حماية المستهلك.

وقد أكد القانون على أهمية أن تختص كل جمعية بميدان واحد من ميادين العمل حتى يرتفع مستوى الخدمات المؤداة كما أوجب ضرورة أخذ رأي الاتحاد المختص وموافقة مجلس المحافظة عند قيام الجمعية بالعمل في أكثر من ميدان من تلك الميادين ويبين من استعراض بعض ما استحدثه القانون رقم 32 لسنة 1964 أنها تهدف إلى أحكام السيطرة على أنشطة الجمعيات الأهلية والتدخل المباشر في إدارتها.

 

 القانون 153 لسنة 1999م:

وبالرغم مما طرأ على المجتمع المصري من تغيرات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية نتيجة لاتجاه الدولة إلى التعددية الحزبية سنة 1976 وتبنيها سياسة الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1974 وتحولها من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاديات السوق-وبرغم النص في المادة 55 من الدستور على حق المواطنين في تكوين الجمعيات وقصر الحظر في تلك المادة على إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديًا لنظام المجتمع أو سريًّا أو ذا طابع عسكري. فإن النشاط الأهلي التطوعي ظلت تحكمه مواد قانون رقم 32 لسنة 1964 بما تمثله من قيود على حركة العمل الأهلي وحريته.

فأدركت الدولة الحاجة الملحة إلى قانون جديد للجمعيات الأهلية يلبي متطلبات التنمية الاجتماعية والمتغيرات العالمية والمحلية التي تعتمد على القطاع الأهلي التطوعي كقوة دافعة فاعلة في تحقيق التنمية وتوفير كل مستلزماتها من خدمات ومنشآت ومؤسسات وأوجه الرعاية والحماية لفئات المجتمع المختلفة، لاسيما الهشة منها كالطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم. فصدر القانون رقم 153 الذي نص على حرية تسجيل الجمعيات وثبوت الشخصية الاعتبارية لها بمجرد القيد وأن رفض القيد من جانب الجهة الإدارية يعطي الحق لممثل مجموعة المؤسسين للطعن على القرار كما أطلق للجمعيات حرية العمل على تحقيق أغراضها في الميادين المختلفة لتنمية المجتمع، وفقًا للقواعد التي تحددها لائحته التنفيذية دون تحديد لميادين عمل معينة إلا أن أكثر ما أثار الجدل والاختلاف هو بشأن الحصول على أذن فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي من وزير الشئون الاجتماعية وهو ما اعتبرته بعض الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان نوعًا من الرقابة الفعلية على أنشطتها بهدف تصفيتها.

وبعد مرور ستة أشهر على صدور القانون قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون رقم 153 لسنة 1999 فألغي بناء على ذلك الحكم وشكلت لجنة لإعداد قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية يحل محل القانون الذي عاد إلى الحياة بسقوط القانون رقم 153 لسنة 1999، وهو القانون رقم 32 لسنة 1964

 

 القانون 84 لسنة 2002م:

صدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية في يونيه 2002 وحمل هذا القانون مظاهر همينة الدولة على المجتمع المدني وضعف ثقتها في كياناته من خلال الرقابة الشاملة على تأسيس الجمعيات ومزاولة النشاط بالإضافة إلى حق الحل والدمج.

 

 أبرز ملامح القانون:

اكتساب الشخصية الاعتبارية للجمعية فور الإخطار. وإن لم يتم تفعيله حسب منطوق نص المادة 9 من القانون فاحتفظت الجهة الإدارية بحقها في عدم إكساب الشخصية الاعتبارية إلا بموافقة الجهة الإدارية على أوراق الجمعية المقدمة من مجموعة المؤسسين وبعد استطلاع رأي الجهة الأمنية وإن كانت الجهة الإدارية قد حددت 60 يومًا فلم توضح اللائحة التنفيذية للقانون بداية مرور فترة الـ 60 يومًا.

فتح أبواب النشاط لكل المجالات وعدم النص على تحديد مجالات محددة لنشاط الجمعية وإن كان هذا الحق قد تم تقييده بغير نص من خلال قيام الجهة الإدارية باستطلاع رأي الجهات الأمنية في حالة النص على بعض المجالات مثل حقوق الإنسان أو الأنشطة الدفاعية في أوراق تأسيس الجمعية وفي حالات كثيرة رفض الأمن الموافقة على إنشاء هذه الجمعيات وجد البعض الآخر تعنت من قبل الجهة الإدارية في المتابعة والرقابة والتفتيش من قبل الجهة الإدارية.

تحديد حدود المنفعة الشخصية ووضع ضوابط لمنع تضارب المصالح بين أعضاء مجلس إدارة الجمعية مما يمثل اتجاهًا عالميًّا حديثًا في القوانين واللوائح المنظمة لعمل كيانات المجتمع المدني.

أجاز القانون وفتح الباب أمام تسجيل للمنظمات الدولية والإقليمية وحق النشاط لها أو سمح لها بفتح فروع لها داخل جمهورية مصر العربية. ولكن هذا الأمر أيضًا ارتبط بشكل كبير بموافقة الجهات الأمنية ووضح بشكل واضح في المؤسسات الدولية والإقليمية العاملة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والأنشطة الدفاعية فغطت الدولة الطرف عن نشاط لهذه المؤسسات بدون تسجيل حتى يمكن لها أن تغلق هذه المؤسسات في أية لحظة بحجة عدم حصولها على تراخيص-حالة المنظمات الأمريكية والألمانية.

منح الجمعيات الخاضعة لهذا القانون مجموعة من الإعفاءات الضريبية والجمركية بالإضافة إلى إعفاءات يتمتع بها المتبرع.

منح صفة الضبطية القضائية بقرار من وزير الشئون الاجتماعية لأشخاص يمكن من خلالهم القيام بعمليات الرقابة والتوجيه.

أجاز القانون تكوين اتحادات نوعية من خلال اتفاق عدد لا يقل عن 10 جمعيات وتكوين شكل من أشكال الاتحاد والتعاون بينها في مجال أو أكثر من المجالات التي تعمل بها هذه الجمعيات.

أكد القانون على حق كل مواطن في الاطلاع على الأوراق ووثائق الجمعيات الأهلية ونظم القانون هذه الإجراءات تدعيمًا وتأكيدًا على الشفافية التي من المفترض أن تتمتع بها هذه الجمعيات.

استحدث القانون آلية لجان فض المنازعات كآلية سابقة للجوء إلى المحاكم في حاله الخلاف بين مجالس إدارات الجمعيات الأهلية وجهة الإدارة ولكن عطل هذه الآلية المشرع بالنص على ضرورة موافقة الجهتين الجمعية وجهة الإدارة على القرارات الصادرة من خلال هذه اللجان لاعتمادها وفي كل الأحيان كان لا يحدث اتفاق فيتم التوجه إلى الجهات القضائية لفض هذا النزاع.

 

 بعض القضايا والإشكاليات التي أثارها هذا القانون.

حل الجمعيات:

منح القانون في مادته رقم 24 الجهة الإدارية الحق في حل الجمعية. ورغم نص المادة على مبررات الحل ومنها التصرف في أموالها في غير الأغراض التي أنشئت لها أو الحصول على أموال أجنبية بالمخالفة للمادة 11 من القانون دون الحصول على إذن الجهة الإدارية. إلا أن عدم الاحتكام إلى القضاء في حل الجمعية أثار ردود فعل عنيفة في هذا الصدد. ولقد ذهبت الانتقادات والاحتجاجات حول هذا الأمر أن هذا الاتجاه مخالف لنصوص المواثيق والاتفاقيات الدولية كما أنه مخالف للاتجاهات العالمية الخاصة بتشريعات كيانات المجتمع المدني وكان رد الدولة أن القانون أجاز ومنح الجهة الإدارية هذا الحق ولكنه أكد على ضرورة إلزام الجهة الإدارية بالمرور بمراحل متعددة قبل اتخاذ قرار الحل كما أعطى القانون الحق للجمعية في رفع دعوى قضائية لوقف تنفيذ قرار الحل ولكن هذا الأمر لو وضعناه موضع التنفيذ والواقع لوجدنا أن الجهة الإدارية استخدمت هذا الحق دون المرور بسلسلة الإجراءات التي ألزمها بها القانون وعند لجوء الجمعية للقضاء كان في غالب الحالات إن لم يكن في معظمها لا تستطيع الجمعية تنفيذ قرار الجهات القضائية الصادر لصالحها في إلغاء قرار الحل.

أن قضية حل الجمعيات فتح الباب لتناول قضية وإشكالية العلاقة بين الدولة ومؤسساتها من جهة وبين كيانات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية من جهة أخرى وهي علاقة يشوبها التردد وضعف الثقة المتبادلة بين الطرفين وإصرار الدولة على استمرار فرض سيطرتها بشكل أو بآخر الأبوية على كيانات ومنظمات العمل الأهلي.

 

 تمويل الجمعيات:

استحوذت هذه القضية على حيز كبير من العلاقة بين الدولة وكيانات العمل الأهلي فقد نص القانون 84 لسنة 2002 في المادة رقم 17 على حق الجمعية في تلقى التبرعات بعد أخذ موافقة الجهة الإدارية ومن المعلوم أيضًا أن الحصول على تمويل من شخص أجنبي أو جهة أجنبية أو من يمثلها داخل جمهورية مصر العربية أو حتى من شخص مصري مقيم بالخارج فلا بد من أخذ إذن من وزير الشئون الاجتماعية. وقد لاقى هذا النص العديد من اعتراضات الكثير من كيانات المجتمع المدني باعتبار أن الجهات المانحة والدول الأجنبية تقدم تبرعات لأنشطة تطوعية وهي تفعل ذلك في معظم الأحوال بناء على اتفاقيات مع الحكومة المصرية وهناك منح وتمويلات تقدم لمشروعات الدولة ذاتها وتتجه في جزء منها إلى المنظمات غير الحكومية ومن ثم فليس هناك-في رأي المعارضين-ضرورة في التشكيك في أمانة ومصداقية الجمعيات الأهلية. ومن وجهة نظر الدولة فإنها تمارس نوعًا من أنواع السيادة وإعمالاً لمبدأ الشفافية والرقابة التي يجب أن تمارسها الدولة فأغلبية الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية المصرية تشكو من نقص التمويل وأغلبيتها أيضًا تتجه مباشرة نحو الخارج من أجل حل هذه المشكلة المزمنة وتبذل جهودًا كبيرةً كي تحصل على تمويل أجنبي دون أن تبذل جهدًا في البحث عن مصادر التمويل الداخلي المحلي وأغلبيتها تتصرف كما لو أن هذه المشكلة لا حل لها إلا فيما وراء حدود الوطن الجدل حول هذه المشكلة لا يكاد يهدأ حتى يثور من جديد. وما يثير الريبة في قضية التمويل الأجنبي سواء من ناحية الدولة أو من ناحية الرأي العام هو أن أكثر الجمعيات والمنظمات هرولة إليه هي تلك العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والمرأة وما شابه ذلك من قضايا ذات أهمية لا ينكرها أحد وإن اختلفت الآراء في تقدير أولوياتها على ما عداها من القضايا والتحديات التي يواجهها المجتمع. هذه القضايا التي تنشغل بها تلك الجمعيات والمنظمات التي تمد يدها للخارج بسؤال التمويل ذات حساسية سياسية ويلفها غموض غير بناء على الإطلاق وهو ما يصيب علاقة تلك المنظمات بالتوتر المستمر مع الحكومة (1).

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close