
الاستثمار الأجنبي في مصر: واقع وتحديات
رغم الاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية؛ لدعم مناخ الاستثمار المحلى والأجنبي، والتي كان أبرزها إصدار قانون جديد للاستثمار، وإصدار قوانين الشركات وسوق المال والإفلاس، إضافة إلى تعديل بعض السياسات النقدية التي تضمن توفر العملة الأجنبية مثل تعويم الجنيه، ورغم كل هذه الإجراءات الا ان ارقام الاستثمار الأجنبي لم تعكس هذه الإجراءات الإصلاحية.
وتشير الإحصاءات ان مصر جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.8 مليار دولار، خلال النصف الأول من العام المالي الجاري (الفترة من يوليو الى ديسمبر)، مقابل 4.3 مليار دولار في الفترة نفسها العام المالي الماضي، بتراجع 11.6%.
وتمثل التدفقات الاستثمارية المحققة، النصف الأول من العام الجاري، أقل من 40% من مستهدفات وزارة الاستثمار والتعاون الدولي التي تتطلع لجذب 10 مليارات دولار بنهاية العام المالي المنتهى في 30 يونيو المقبل.
وتشير الأرقام الي ان معدلات الاستثمار الأجنبي في الشهور الستة الأولى من العام المالي الجاري، غير مطمئنة لقدرة الحكومة على الوصول لمستهدفاتها بنهاية العام، خاصة أن النصف الأول من العام المالي الماضي شهد تدفق نحو 55% من إجمالي استثمارات العام البالغة 7.9 مليار دولار.
كما أن المقارنة مع العام الماضي تشير إلى صعوبة تحقيق هذه المستهدفات، حيث كان النصف الأول من العام المالي الماضي أفضل كثيراً من الفترة نفسها العام الجاري على مستوى التدفقات الاستثمارية الأجنبية غير البترولية، إذ تراجعت إلى 1.7 مليار دولار، مقابل 2.5 مليار في 2016- 2017.
مع الأخذ في الاعتبار أن الاستثمارات الأجنبية البترولية شكلت جزءاً كبيراً في زيادة معدلات الاستثمار المباشر، بعد ارتفاعها إلى 2.1 مليار دولار، مقابل 1.8 مليار في النصف الأول العام المالي الماضي، كما أظهر ميزان المدفوعات، أن الاستثمارات البترولية مثلت 55.3% من إجمالي التدفقات الأجنبية المباشرة، النصف الأول، مقابل 41.8% الفترة نفسها من العام المالي الماضي، في حين تراجعت الاستثمارات غير البترولية إلى 44.7% من الإجمالي، مقابل 58.2% في النصف الأول من العام 2016/ 2017.
وبذلك يمكن القول إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة نمت العام المالي الماضي 14% لتسجل 7.9 مليار دولار مقابل 6.9 مليار في 2015/ 2016، رغم أن الإصلاحات الاقتصادية كانت أقل كثيراً من المحقق الفترة الحالية.
ورغم كل الحقائق التي تظهرها الأرقام السابقة الا أن الحكومة تتمسك بمستهدفاتها للاستثمار الأجنبي المباشر العام المالي الجاري، رغم خفض صندوق النقد الدولي سقف توقعاته إلى 8.4 مليار دولار، بدلاً من 9.4 مليار دولار، كان يتوقعها خلال تقرير المراجعة الأولى لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي الذي صدر في سبتمبر الماضي. طيلة الأشهر الماضية، فإنَّ أثرها لم تظهر بالشكل المأمول على معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويتوقع العديد من المحللين، أن تنجح الحكومة في تخطى حاجز الـ 8 مليارات دولار، بنهاية العام المالي الجاري، لكن توقعاتهم لم تتفق مع مستهدفات الحكومة للعام، المالي الحالي استناداً إلى ضعف المعدلات المحققة النصف الأول، ولا تتناسب مع حجم الإجراءات والقرارات والقوانين التي تمت تحت رعاية برنامج صندوق النقد الدولي، وبذلك فانه توجد العديد من العوامل التي أدت الي ضعف مردود البرنامج الحكومي على جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويمكن بيان أهم العوامل التي تعمل على تحسن ارقام الاستثمار الأجنبي المتدفقة الي مصر وحقيقة الحالة المصرية منها، وذلك كما يلي:
1ـ قدرة الحكومة على استعادة النمو الاستهلاكي:
يتوقف نجاح الإجراءات الاقتصادية في استقطاب استثمارات أجنبية غير بترولية على قدرة الحكومة على استعادة النمو الاستهلاكي الذي لا يزال منخفضاً، فلكى يتخذ المستثمر الأجنبي قراراً بالاستثمار المباشر في قطاع غير بترولي، لا بد أن يطمئن أن هناك تعافياً في نمو الاستهلاك، وأن فرص النمو في الصناعة حقيقية، وليست مجرد وعود.
عموما حجم السوق لا يقاس بعدد السكان، ولكن بمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، وهنا نجد أن السوق المصرية قد ليست جاذبة للعديد من المستثمرين، خاصة مع استمرار الحكومة في استكمال خطط الإجراءات الاقتصادية، والتي تسببت وستتسبب في المزيد من الضعف الاستهلاكي.
2ـ العوامل المتعلقة بالعرض والطلب:
يتمثل العرض في القدرة على الوصول إلى مدخلات الإنتاج من السلع الوسيطة والمستلزمات، والمواد الخام، والسلع الرأسمالية ممثلة في الآلات والمعدات الإنتاجية، بالإضافة إلى توفر قوة العمل المدربة والمؤهلة مهنيا ومهاريا بالمواصفات العصرية، ومزودة بأخلاقيات وثقافة العمل ولو في حدودها الضرورية، وكذا الأجور المناسبة من وجهة نظر المستثمر الأجنبي.
ومن الملاحظ أن تردد المستثمر الأجنبي الراغب في إقامة مشروعات إنتاجية كبيرة في حالة الاقتصادات التى تخيم عليها سحب الركود والتأخر التكنولوجي النسبي، نظرا لعدم القدرة على تشكيل الظهير المحلى القوى المساند للشريك الأجنبي الجاد، إنْ وُجِد1 .
كما تأثرت قوة العمالة المصرية سلبا من جراء تدهور منظومة التعليم العام والجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني، مما أفقد السوق المحلية جزءا من قوة العمل الجاذبة للاستثمار الاجنبي.
ورغم ان قانون الاستثمار الجديد اعترف بأزمة نقص العمالة المدربة عبر السماح للأجانب بجلب 10% من العمالة المستخدمة في المشروع من الخارج، لكنه ما زالت90% من العمالة محلية غير مدربة والنظام لم يتحرك في هذ الملف الهام حتى الان.
وبالنسبة لعوامل الطلب فإنها تتصل بطبيعة الأسواق، حجما وتركيبا، والسوق المحلية سوق أسعار وليست سوق جودة، ولذلك يتردد المستثمر الأجنبي في الدفع برأسماله وما يملك من تكنولوجيا في سوق تنظر للسعر قبل الجودة.
3ـ خفض التضخم وسعر الفائدة:
يعد ارتفاع معدل التضخم ومعدل الفائدة من أهم العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على قرارات المستثمرين الأجانب، ومن بينها ارتفاع التضخم، وأسعار الفائدة على الاقتراض، وفى ظل وصول الفائدة البنكية لنحو 20%، وتجاوز معدل التضخم حدود 30%، فانه
من الصعب تحسين تدفقات الاستثمار الأجنبي، وبالتالي فان انخفاضهما مستقبلاً سيسهم في زيادة الاستثمار بشكل كبير مضيفاً.
وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي خفضت نهاية مارس الماضي، أسعار الفائدة 1% لتصل إلى 16.75% للإيداع و17.75% للإقراض، للمرة الثانية في أقل شهرين، كما أن البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 7% منذ قراره تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، لمواجهة التضخم في الأسعار، قبل أن يخفضها 1% في منتصف فبراير الماضي، بعد تراجع التضخم.
ويري الباحث أن فرصة تراجع سعر الفائدة موجودة الي حد كبير في ظل سيطرة الدولة علي قرارات البنك المركزي، وبالتالي فمن المتوقع كما تشير الكثير من المراكز البحثية الي تراجع معدل الفائدة بنسبة 200 نقطة أساس حتى نهاية 2018.
أما بالنسبة لمعدل التضخم فمن الصعوبة بمكان استمرار تراجعه، فرفع أسعار المشتقات البترولية في نهاية العام المالي الحالي، وكذلك الإعلان عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف الي الوصول الي معدلات السعر العالمية، كل هذه الإجراءات التي باتت قريبة لا يمكن ان تبشر الا باستمرار ارتفاع معدلات التضخم.
4ـ مدى سهولة أداء الأعمال:
يتعلق ذلك بمدى سهولة أداء الأعمال « Doing Business » وفق تعريف البنك الدولي، من حيث إمكانية الدخول السهل لإقامة المشروعات، وتحقيق وتحويل الأرباح، بدءا من الموافقات والتراخيص والحصول على الأراضي والمرافق اللازمة، وتوفر البنية الأساسية وخاصة في مجال الطاقة والنقل والمواصلات والاتصالات الحديثة. وقد تمت الإشارة بالفعل إلى كل ذلك في قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية الأخيرة.
كما أن الحكومة استجابت لطلب صندوق النقد الدولي بإصدار قانون لتسهيل إصدار التراخيص الصناعية والذي اختصر فترة إصدار التراخيص لمعظم المشروعات الصناعية إلى أسابيع بدلاً من نحو عامين في السابق.
ورغم ذلك لا تزال السيطرة الأمنية وتغول المؤسسات السيادية وتدخل الجيش في العديد من المشروعات، وسيطرة الأمنيين على إدارات الحكم المحلي والتراخيص، يعطي انطباعا ان الإجراءات وحتي القوانين منها رهينة لتصرف وقرارا هؤلاء، مما يهدد التدفق الاستثماري او يعطله علي أقل تقدير.
5ـ الاستقرار السياسي:
أضحي تحقيق الاستقرار السياسي من العوامل المؤثرة بقوة على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وقد شهدت مصر منذ عام 2013 مغالاة كبيرة من السلطة في وصف الإرهاب والترهيب منه، حيث احتلت فكرة الترويج للحرب على الإرهاب جزء كبير من التصريحات السياسية المصرية طوال الفترة الماضية سواء داخليًا أو خارجيًا، وتم تسويقها من خلال وسائل الإعلام بشكل خلق صورة ذهنية توحي بعدم الاستقرار السياسي والأمني في مصر.
كما اتخذت مجموعة من الإجراءات من بينها استمرار تمديد حالة الطوارئ، والتي يمكن اعتبارها مؤشراً غير ايجابياً للمستثمر، إضافة الي العمليات في سيناء، والازمة الاقتصادية بالداخل وما ترتب عليها من شحن سياسي يقابله النظام بالقمعية الشديدة التي تراكم العداوات، ومعاداة السلطة لطوائف بعينها تخطت السياسي منها الي الرياضي.
ولا يحتاج الوضع السياسي الداخلي في مصر الي الاجتهاد للتدليل على حالة عدم الاستقرار الذي يعتبر عاملا مهما في طرد وتثبيط حركة الاستثمار الأجنبي الي الداخل.
كما تلعب التوترات الجيوسياسية عالميا، وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصا، دورا كبيرا في التثبيط الاستثماري، واتحاده مع الوضع السياسي الداخلي يصعب إمكانية التنبؤ بتطورات هامة لهذه التدفقات.
6ـ صعوبة تخصيص الأراضي وارتفاع سعرها:
وذلك نظراً لتعدد جهات الولاية على الأراضي تبعًا لنوع النشاط أو مكان المشروع، حيث يوجد عدد كبير من جهات الولاية في مصر منها هيئة المجتمعات العمرانية، هيئة التنمية السياحية، هيئة التنمية الزراعية، المحافظات المختلفة، هذا إلى جانب ارتفاع سعر الأرض في معظم المدن الجديدة، هذا بالإضافة الي ولاية الجيش علي كل الجهات السابقة. وعموما ساهمت متاجرة الدولة في الأراضي في ارتفاع اسعارها بشكل كبير.
7ـ عوامل أخري:
ومن أهمها ما يلي: انخفاض مستويات الشفافية وانسياب المعلومات، وصعوبة عمليات التخليص الجمركي وانتشار الفساد في الموانئ، والرسوم الجمركية المرتفعة على بعض المواد، وإدارة النظم وصعوبة تحديد المسئوليات الوظيفية لبعض الأجهزة الحكومية.
خلاصة:
من الصعوبة تحقيق الأرقام المعلنة رسمياً من الحكومة المصرية في مجال جذب الاستثمار الأجنبي، فالمستثمر الأجنبي يريد مناخاً مستقراً للأعمال، وسياسات ضريبية واضحة لا تتغير باستمرار، وسعر فائدة منخفض فالمستثمر خارج مصر يمكنه الاقتراض بسعر فائدة 2%، بينما في مصر أقل فائدة تتجاوز 18%، وهو ما يجعله يستثمر في أدوات الدين الحكومي ويكسب دون تعب.
كما أن الاستثمارات الأجنبية لا تفضل القدوم إلى بلد معين بوتيرة مرتفعة، إلا إذا ضمنت وجود استثمارات محلية مسانِدة قوية، من خلال قطاع للأعمال، عام وخاص، قادر على المشاركة الفعالة في النشاط الإنتاجي وهو غير متوافر في مصر حتى الان.
إذاً العبرة ليست بالقوانين لكن بأشياء أخرى في مقدمتها أولا احترام هذه القوانين، وسعر الفائدة على الاقتراض ووضوح السياسات الضريبية واستقرار الحالة السياسية2 .
الهامش
1 ) محمد عبد الشفيع عيسي: الاشتراطات الأساسية لدخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة
(2 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات