fbpx
تقارير

الاقتصاد التركي: أزمات ومسارات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ملخص

في عام 2018، تباطأ الاستثمار الرأسمالي الثابت والإنفاق الاستهلاكي العائلي النهائي بشكل ملحوظ جداً كما حدث تماماً في أزمتي عام 2001 وعام 09-2008. حيث تراجع معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي النهائي من 10% إلى 1.1%؛ بينما تراجع معدل نمو الاستثمار الرأسمالي الثابت من 6.6% إلى -3.8% خلال العام 2018. من ناحية أخرى، استمرت السياسة المالية الحكومية التوسعية بشكل غير منضبط، وإن جاز التعبير يمكن القول بشكل مفرط؛ كما أن الإنفاق الاستهلاكي النهائي الحكومي قد زاد بشكل كبير مقارنة بما حدث في الأزمات السابقة. ومن المرجح أن يدخل الاقتصاد في مرحلة انكماش أطول مما حدث في الأزمات السابقة في حال تم تطبيق السياسات النقدية والمالية المُتوقع أن تقوم بها الإدارة الاقتصادية للبلاد، على غرار ما حدث في اقتصاديات دول جنوب أوروبا بعد الأزمة المالية العالمية 2008.

في الفترة الأخيرة دار جدال حول ما إذا كان هناك أزمة حقيقة أم لا.

– على سبيل المثال حدث تحسن في مؤشرات التجارة الخارجية وكانت على النحو التالي خلال العام 2018: زادت الصادرات من 41.13 مليار دولار في الربع الأول إلى 45.06 مليار دولار في الربع الرابع من نفس العام أي بمعدل نمو 10%، بينما تراجعت الواردات من 61.89 مليار دولار في الربع الأول إلى 48.88 مليار دولار في الربع الرابع أي بمعدل تراجع 21%، وبالتالي انخفاض العجز التجاري من 20.75 مليار دولار في الربع الأول إلى 3.81 مليار دولار في الربع الرابع (من احتساب الباحث بالاعتماد على بيانات وزارة الخزانة والمالية). ويمكن تفسير ذلك بأن التراجع في الواردات ناتج عن تراجع الدخل وانكماش النمو الاقتصادي وبالتالي تراجع الاستهلاك العائلي أي الطلب المحلي؛ أما زيادة الصادرات فهو ناتج عن اللجوء للطلب الخارجي بهدف تعويض تراجع الطلب المحلي. وبالتالي فإن الاقتصاد يتجه نحو نقطة توازن جديدة بعد الأزمة في سعر صرف الليرة في النصف الثاني من العام 2018. وبذلك يرى البعض أنه لا يمكن البناء على هذه المؤشرات بأنها تحسن في الاقتصاد بعد أزمة الليرة؛ بينما الرئيس والحكومة غالباً ما يستخدمون هذه المؤشرات للإشادة بالتحسن في الأداء الاقتصادي وأن الأزمة مفتعلة وعابرة.

– ومع مرور الوقت وبداية ظهور البيانات الربعية والشهرية للفترة الماضية أصبح النظر لوجود أزمة اقتصادية تمر بها البلاد في الأوساط السياسية والأكاديمية على حد سواء مقبول إلى حد كبير.

– والسؤال الآن كيف تطورت الأزمة وإلى أي الاتجاهات من الممكن أن يذهب الاقتصاد التركي في ظل هذه الأزمة خلال الفترة القادمة. لذلك سوف نحاول خلال هذه المقالة بالاعتماد على بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي الأساسية أن نوضح كيف يمكن أن تتطور أزمة 2018 استرشاداً بالتطورات التي حدثت خلال أزمتي 2001 و09–2008 والتي مر بهما الاقتصاد التركي في السنوات السابقة. ويمكن استعراض ذلك كما يلي:

أولاً: معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي:

من خلال النظر إلى تطور معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP كما في الشكل (1). والذي يوضح تطور الأزمة لمدة 3 سنوات بشكل ربعي حتى تتضح الأمور بشكل أكبر (أي لفترة تغطي 12 ربع). وبذلك تتضح الأزمة من بداية حدوثها، حدث تباطؤ في الاقتصاد خلال السنة الأولى، بينما حدث إنكماش خلال السنة الثانية، وفي السنة الثالثة يبدأ الاقتصاد باسترداد عافيته من الأزمة وذلك نتيجة للحلول التي يتم اتخاذها من الجهات المختصة في الحكومة والبنك المركزي في مواجهة الأزمة.

يتضح لنا أن أزمة 2001 بدأت في الربع الثاني من العام 2000، بينما أزمة 09–2008 بدأت في الربع الرابع من العام 2007، ولنفترض أن أزمة 2018 بدأت في الربع الرابع من العام 2017 حيث بداية التباطؤ على أساس ربعي.

تعزى أزمة 2001 بشكل الأساس إلى انهيار برنامج مكافحة التضخم والعمل على تخفيضه حيث كانت البلاد تعاني من تراجع كبير في قيمة الليرة وفي مقابل ذلك كانت معدلات التضخم مرتفعة جداً، وهذا البرنامج كانت تطبقه الحكومة بالتوافق مع صندوق النقد الدولي IMF في حينه. أما أزمة 09-2008 فكانت نتيجة للأزمة المالية العالمية والتي أثرت على أغلب اقتصاديات العالم ومنها تركيا. وعلى الرغم من أن أزمة 09-2008 لها بُعد خارجي مؤكد بسبب سحب السيولة العالمية من الاقتصاد التركي؛ وكذلك لها بُعد داخلي تمثل في الرغبة في الحفاظ على نفس معدل النمو والذي أصبح كأنه غير قادر على الاستمرار. الشكل رقم (1) يوضح تطور الأزمات الثلاث والعلاقة بينهم.

الشكل (1): تطور معدل نمو GDP: 2000.2-2003.1, 2007.4-2010.3, 2017.4-2018.3 (%)


المصدر: TÜİK.

ومن الشكل السابق يتضح ما يلي:

1. لقد تباطأ الاقتصاد لمدة أربعة أرباع في أول أزمتين. ومع ذلك، من الواضح أن التباطؤ كان أكثر حدة في أزمة 09-2008 وهذا يُرى بشكل واضح، حيث بلغ معدل التراجع في النمو الاقتصادي 14.4% في أزمة 09-2008 بينما بلغ 7.3% في أزمة 2001 للربع الثاني لكل منهما في السنة الثانية للأزمة.

2. في أزمة 2001 تطور الانكماش في الاقتصاد على شكل حرف U وذلك على مدار ثلاثة أرباع خلال الأزمة. أما خلال أزمة 09-2008 فقد تطور الانكماش بشكل أعمق وذلك على شكل حرف .V وفي الواقع؛ فإنه خلال أزمة 2001 كان GDP ينخفض بشكل تدريجي، بينما في أزمة 9-2008 في أول ربعين انكمش بشكل أكبر ولكنه عاود الارتفاع بنفس المعدل في الربعين التاليين.

3. أما في أزمة 2018 فقد تباطأت وتيرة النمو بشكل حاد حيث انخفض معدل النمو بسرعة من 7.3% إلى 1.6%. هذا المسار لتباطؤ معدل النمو في أزمة 2018 هو دون مسار التباطؤ في أزمة 2001 ولكنه فوق مسار التباطؤ في أزمة 09-2008 كما يتضح من الشكل البياني.

4. تشير أحدث التطورات في مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية، وخاصة مؤشري الإنتاج الصناعي وواردات السلع الوسيطة إلى أن الانكماش في الربع الأخير من عام 2018 قد بلغ 4%؛ وأن هذا الانكماش لم يكن مفاجئ في ظل هذه التطورات. ويمكننا توضيح التطور في هذه المؤشرات فيما يلي:

أ. مؤشر الإنتاج الصناعي IPI: هو مؤشر يوضح مدى تطور القيمة المضافة في القطاع الصناعي بشكل عام. يمر معدل التغير في مؤشر الإنتاج الصناعي بنفس مراحل التباطؤ والإنكماش والتعافي مثله مثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع الأزمات الثلاث كما يوضح شكل رقم (2). من المعروف أن هناك علاقة مستقرة بين مؤشر الإنتاج الصناعي والناتج المحلي الإجمالي (نصر، 2008). كما أن هناك مرونة للناتج المحلي الإجمالي بالنسبة لمؤشر الإنتاج الصناعي (الزيادة بمقدار 1% في المؤشر يفتح المجال إلى زيادة مقابلة في الناتج المحلي الإجمالي)، وبمرور الوقت يتضح مسار يُظهر تقلبات صغيرة حول قيمة 0.8 ومع ذلك ارتفع معامل المرونة إلى 2.5 في الربع الثالث من عام 2018. ومن المتوقع أن يتم تخفيضه في التوقعات القادمة للناتج المحلي الإجمالي من قبل TÜİK.

الشكل (2): تطور معدل التغير في IPI: 2000.2-2003.1, 2007.4-2010.3, 2017.4-2018.3


المصدر: TÜİK

ب. مؤشر السلع الوسيطة: وفيما يتعلق بمؤشر السلع الوسيطة، في عام 2018 انخفضت واردات السلع الوسيطة (بالدولار الأمريكي)؛ بشكل أسرع مقارنة مع أزمة عام 2001 وبشكل أبطأ مقارنة مع أزمة 09-2008 كما يتضح من الشكل رقم (3). كما أن حجم الواردات بشكل عام (السلع والخدمات) انخفض بشكل أكثر حدة ووضوحاً مما كان عليه الحال في أزمتي 2001 و 09-2008.

الشكل (3): تطور معدل التغير في واردات السلع الوسيطة: 2000.2-2003.1, 2007.4-2010.3, 2017.4-2018.3 (%)


المصدر: TÜİK

5. في الأشهر الأخيرة من عام 2018 كان هناك تحول كبير في الاستهلاك من الطلب المحلي إلى الطلب الخارجي. ومع ذلك، فإن الزيادة في الطلب الخارجي أبعد ما يكون عن تعويض انخفاض الطلب المحلي. وجاء تحول الاستهلاك إلى الطلب الخارجي؛ نتيجة لانخفاض القيمة الاسمية والحقيقية لليرة (تأثير سعر الصرف) فضلاً عن تأثير التباطؤ والانكماش في الاقتصاد فعال (تأثير الدخل). ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

– في أغسطس 2018 كان هناك صافي تدفق رأس مالي قدره حوالي 14.9 مليار دولار نحو الخارج. أدى هذا الخروج لرأس المال إلى زيادات سريعة للغاية ومرتفعة في أسعار الصرف أي (تراجع الليرة أمام الدولار). ووصل صافي تدفق رأس المال نحو الخارج حوالي 18.5 مليار دولار في الربع الثالث من العام 2018 وسجل بذلك رقما قياسيا تاريخيا لخروج رأس المال من الاقتصاد (أيدوش، 2019). على أي حال، فإن صافي تدفقات رأس المال إلى الخارج في الأزمتين السابقتين كان محدوداً، وبلغ 6.5 مليار دولار و5.6 مليار دولار على التوالي. ونتيجة لذلك؛ في الربع الثالث خلال عام 2018 فقدت الليرة حوالي 58.8% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي. وبعد ذلك بدأ تراجع قيمة الليرة أمام الدولار يتقلص بشكل تدريجي حيث انخفض لحوالي 41.5% في يناير 2019. وبحسب بيانات البنك المركزي فإن التطورات في سعر الصرف الفعلي الحقيقي على أساس مؤشر أسعار المستهلك تشير إلى أن تراجع قيمة الليرة التركية الحقيقي في عام 2018 أكبر بكثير مما كان عليه الوضع في أزمة 09-2008.

– من ناحية أخرى، حدث تراجع في سعر الصرف الاسمي لليرة وقابل ذلك حدوث ارتفاع في معدل التضخم (حيث كان معدل التضخم في الربع الأول 10.28% وفي الربع الثاني بلغ 12.79% ولكن بعد التراجع في سعر صرف الليرة بلغ معدل التضخم 19.42% في الربع الثالث و22.38% في الربع الرابع من العام 2018)؛ حيث كان التراجع أو الفقدان الحقيقي في الليرة في الربع الثالث حوالي 31.9% وانخفض إلى حوالي 12.1% في الربع الأخير. وبعبارة أخرى فإن استمرار تراجع قيمة الليرة أمام العملات الأخرى يؤدي لزيادة معدل التضخم مما يزيد من خسائر القيمة الحقيقية لليرة.

– أما بالنسبة للتغيرات التي حدثت في مكونات الطلب الكلي. في عام 2018 فإن الاستثمار الرأسمالي الثابت والاستهلاك العائلي النهائي صارا في نفس الاتجاه الذي حدث في أزمتي عام 2001 وعام 09-2008؛ أي حدث تباطؤ بشكل ملحوظ في كل من الاستثمار الثابت والاستهلاك النهائي في جميع الأزمات. حيث انخفض معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي من حوالي 10٪ إلى حوالي 1.1٪ بينما انخفض معدل نمو الاستثمار الرأس المالي الثابت من حوالي 6.6٪ إلى حوالي 3.8٪ من ناحية أخرى، زاد الإنفاق الاستهلاكي النهائي للحكومة بشكل كبير عن الأزمات السابقة؛ حيث ارتفع معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي الحكومي إلى حوالي 8%، وهذا يرجع للسياسات المالية التوسعية الغير منضبطة والتي نفذتها الإدارة الحكومية في الاقتصاد. خاصة في الربعين الثاني والثالث من العام محل الدراسة، (يرى خبراء بأن الحكومة تتجه للتوسع في السياسة المالية بهدف التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية وذلك بهدف عدم التأثير على العملية الانتخابية ونصيب الحزب الحاكم من الحصة التصويتية، كما تتهم المعارضة الحزب الحاكم بمحاولة شراء أصوات الناخبين من خلال تقديم بعض الرواتب الإضافية لبعض الطبقات مثل المتقاعدين).

– وفيما يخص الصادرات، فإن الزيادة الحالية في حجم صادرات السلع والخدمات أعلى بكثير من أزمة عام 09-2008 وأقل من مستوى أزمة 2001. في الربع الثالث من عام 2018 ، زاد حجم الصادرات بحوالي 13.6%، في حين انخفض حجم الواردات بحوالي -16.7% وبالتالي هناك زيادة كبيرة في صافي الصادرات.

يمكننا ملاحظة تحول النفقات من الطلب المحلي إلى الطلب الخارجي من خلال التطورات في معدل (صافي الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي) كما يوضحها الشكل (4)، ويتضح من الشكل أنه في جميع الأزمات الثلاث 2001 و09-2008 و2018 يتحول المعدل السلبي في مرحلة التباطؤ إلى إيجابي في مرحلة الانكماش. وتجدر الإشارة إلى أنه في الأزمة الأخيرة كانت الزيادة في معدل (صافي الصادرات/GDP) أعلى مما كانت عليه في الأزمات السابقة.

الشكل (4): تطور معدل صافي الصادرات/ الناتج المحلي GDP: 2000.2-2003.1, 2007.4-2010.3, 2017.4-2018.3

) بالأسعار الجارية% GDP,)


المصدر: TÜİK.

في الفترة المقبلة، يبدو أن الانخفاض الحقيقي في قيمة الليرة سوف يكون أمرا لا مفر منه بسبب استمرار معدل التضخم المرتفع. وطالما لم يشهد سعر الصرف صدمة مماثلة للتى كانت في شهر أغسطس فيبدو أنه لا مفر من التأثير السلبي لذلك على الصادرات بعد الربع الثاني من عام 2019. وفي الواقع حدث تباطؤ (من حيث القيمة) في معدل زيادة صادرات السلع حيث كان في شهر سبتمبر حوالي 22% بينما انخفض إلى حوالي 0.2% في ديسمبر خلال العام 2018. وبعبارة أخرى فإن الانخفاض في قيمة الليرة يؤدي إلى زيادة معدل التضخم بسبب الأجور وبالتالي انخفاض الصادرات ومن المتوقع استمرار انخفاضها.

– علاوة على ذلك، في العام 2019 من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام والاقتصاديات الكبرى فيه بشكل خاص مقارنة بمعدل النمو في 2018 بحسب توقعات البنك المركزي الأوروبي. وبالنظر إلى مرونة الصادرات المرتفعة بالنسبة للدخل؛ فإنه سوف يكون لتباطؤ نمو اقتصاديات الاتحاد الأوروبي والذي يعتبر أهم سوق للصادرات التركية (أكثر من نصف إجمالي الصادرات) تأثير سلبي على الصادرات التركية. كما تُشير الدراسات التجريبية إلى أن مرونة الدخل للواردات أعلى من مرونة سعر الصرف. وبالتالي؛ يمكن القول بأن الانكماش الحاد في حجم وقيمة الواردات خلال الأشهر الأخيرة هو بسبب الفاعلية الأكبر للانخفاض في معدل النمو مقارنة بسعر الصرف.

– نتيجة لما سبق، يمكن القول بأن الاقتصاد في بداية عملية إعادة التوازن من جديد حيث يتم تعويض التباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي الخاص والاستثمار الرأسمالي الثابت ولو بشكل جزئي عن طريق زيادة الإنفاق الاستهلاكي الحكومي والزيادة في صافي الصادرات (الصادرات – الواردات) كما أنه ينخفض الطلب الكلي وبالتالي الناتج المحلي أي الدخل.

– الخروج من الأزمتين السابقتين وإعادة الدخول من جديد في عملية النمو الاقتصادي؛ كان بفضل التدفقات الرأسمالية المتحمسة لتحقيق أرباح كبيرة في اقتصاد ناشئ بدأ الدخول لعملية النمو حديثاً إلى حد كبير؛ وبفضل دخول تدفقات كبيرة لرأس المال إلى الاقتصاد ساهم ذلك في حدوث زيادة كبيرة جداً في الطلب المحلي خصوصاً في (الإنفاق الاستهلاكي والإسكان والاستثمارات في البنى التحتية).

– لكن في الأزمة الحالية الوضع مختلف تماماً حيث أن:

1. هناك مشكلة في الاستعانة بمصادر خارجية من أجل تمويل النمو وبالتالي إعادة دفع عجلة الاقتصاد من جديد. حتى لو أن هناك وفرة في السيولة العالمية في نهاية الأمر سيبقى صافي تدفقات رأس المال الداخلة محدودة للغاية هذه المرة حتى لو بدأت بالتدفق مرة أخرى. وفي الواقع كان هناك تدفق رأس مال محدود للغاية بلغ حوالي 876 مليون دولار خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر.

2. في المرات السابقة، المدينون (القطاع الخاص والشركات والبنوك) اضطروا لإيجاد مصادر خارجية جديدة بالإضافة لإعادة جدولة ديونهم من جديد. بينما كانت الحكومة بعيدة عن ذلك. ولا شك أن الحكومة قادرة على الاستعانة بمصادر تمويل خارجية عن طريق الاقتراض بتكلفة مرتفعة. على أي حال لن يكون من الخطأ توقع أن تستخدم الحكومة معظم هذه الموارد لإعادة هيكلة ديون- قروض الشركات التي تضررت ميزانياتها العمومية وأن يتم إنقاذها من الإفلاس عند الضرورة حتى تستطيع أن تستعيد عافيتها من جديد. وفي هذه الحالة، يمكن توقع أن يتراجع الطلب المحلي بشكل كبير وبالتالي سوف يستمر الانكماش بشكل حاد أيضاً لفترة زمنية طويلة إلى حد ما.

ثانياً: اتجاه الاقتصاد التركي في ظل الأزمة الحالية:

 يوجد سيناريوهان أمام الاقتصاد التركي يمكن استعراضهما كما يلي:

الأول وهو السيناريو المتشائم: بداية إفلاس الشركات والقطاع المالي وما يتبع ذلك من حدوث انهيار في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ وبالتالي الدخول في مرحلة ركود تحتاج لفترة طويلة جداً حتى يتمكن الاقتصاد من التعافي من ذلك. وفي هذا السيناريو سيكون هناك مسار مشابه للمسار الذي اتبعه الاقتصاد اليوناني والذي انهار بسبب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ولم يتمكن من التعافي بشكل جيد حتى الآن (بعد الأزمة المالية العالمية 2008 تعرض الاقتصاد اليوناني لأزمة استمرت لعدة سنوات وخلال هذه السنوات لم يستطع الاقتصاد اليوناني الوفاء بالالتزامات الواجبة عليه، ونتيجة لذلك أعلنت اليونان الإفلاس وعدم القدرة على دفع الديون التي عليها، مما أدخل اقتصاد البلاد في مرحلة انكماش طويلة استمرت حوالي 9 سنوات؛ حيث إن أول معدل نمو إيجابي كان في عام 2017 من بعد الأزمة) كما يتضح من الشكل (5).

الشكل (5): تطور معدل النمو الاقتصادي في إسبانيا واليونان: 2017-2000 (%)


المصدر: البنك الدولي

الثاني وهو السيناريو الأكثر تفائلاً: اللجوء لتنفيذ برنامج صندوق النقد الدوليIMF  بشكل ضمني أو بشكل صريح، وكما هو معلوم من المُستبعد أن تلجأ الحكومة الحالية في ظل الظروف السياسية الراهنة لصندوق النقد الدولي في علاج هذه الأزمة؛ لذلك لا بُد للحكومة الحالية من العمل على تنفيذ برنامج خاص بها على غرار برنامج IMF، وذلك على الرغم من عدم وجود أي انهيار في الاقتصاد. وسوف يدخل الاقتصاد في مرحلة انكماش أطول نتيجة لذلك والتي ربما تستمر لسنوات ولا يمكن مقارنتها بما حدث في الأزمات السابقة. وفي هذا السيناريو سيكون هناك مسار مشابه للمسار الذي اتبعه الاقتصاد الإسباني والذي تأثر بالأزمة المالية العالمية في عام 2008 ولكنه استطاع التعافي بشكل أسرع من الاقتصاد اليوناني؛ كما يتضح من الشكل (5). ومن المرجح أن يسير الاقتصاد التركي في مسار وسيط ما بين هذين المسارين.

وهكذا يبدو أن الاقتصاد التركي سوف يتبع هذا المسار حيث يوجد احتمال كبير لذلك، على غرار ما حدث في إسبانيا وإيطاليا والبرتغال حيث كان يوجد عجز في الحساب الجاري وزيادة في الدين الخارجي، وبشكل عام سوف يكون هذا المسار مشابه لما حدث في دول جنوب أوروبا بعد الأزمة المالية العالمية 2008 حيث دخلت هذه الاقتصاديات في مرحلة انكماش استمرت لعدة سنوات. وخلال مرحلة الانكماش الطويلة هذه سوف تتأثر مختلف الطبقات وفي مقدمتهم العمال ومحدودي الدخل، كما يبدو أنه سيتم دفع فاتورة الحصول على واردات رخيصة لفترة طويلة خلال السنوات الماضية (عندما كان سعر صرف الليرة مرتفع أمام العملات الأجنبية كانت تركيا تحصل على الواردات بسعر أرخص ولكن بعد تراجع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية فإن هذا سوف يؤدي لزيادة فاتورة الواردات، وكما نعلم أن تركيا تعتمد على الخارج في توفير الكثير من السلع الوسيطة والمواد الخام والسلع الضرورية كالطاقة والتي تستوردها تركيا بالكامل من الخارج نظراً لعدم توفر مصادر للطاقة؛ أي أنه في السابق من أجل الحصول على دولار واحد كان يكفي دفع 2 أو 3 ليرة مقابل ذلك ولكن اليوم من أجل الحصول على نفس الدولار فإنه يجب دفع حوالي 6 ليرة).

المراجع:

  • البنك الدولي الرابط.
  • معهد الإحصاء التركي (TÜİK) الرابط .
  • البنك المركزي التركي الرابط .
  • وزارة الخزانة والمالية التركية الرابط .
  • عثمان أيدوش 2019، محاضرة عن الاقتصاد التركي، جامعة إيجه.
  • ربيع نصر 2008. قياس التحول الهيكلي، جسر التنمية العدد الرابع والسبعون، المعهد العربي للتخطيط بالكويت.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close