fbpx
الشرق الأوسطتقارير

الانسحاب الأمريكي من سوريا: الحيثيات وردود الأفعال

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تشكل في العام 2014 تحالفُ دولي ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن بلاده ستقود تحالفا دوليا للقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، بعد تقدم الأخير وسيطرته على مساحات واسعة ومتفرقة في مناطق سورية وعراقية، وعلى خلفية التفاقم الكبير للمجازر التي ارتكبها التنظيم والتي هزت الضمير الإنساني نظرا لبشاعتها.وقد ضم التحالف أكثر من 60 دولة، وعلى رأس هذه الدول إلى جانب الولايات المتحدة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول، بالإضافة إلى دول إقليمية أبرزها تركيا ودول عربية. وقد تنوعت أدوار كل دولة بين الدور العسكري سواء الجوي أو البري وبين الدعم اللوجستي والتمويلي أو الاستشاري.

وبالفعل بدأ التحالف ضرباته الجوية في أيلول/سبتمبر 2014، وقد كان دوره محدود في البداية، إذ لم يستطع تحقيق الدور الرئيسي المعلن عنه وهو القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش والحد من قدراتهم العسكرية، نتيجة التخبط الواضح في استراتيجية التحالف نتيجة اختلاف المصالح الدولية والإقليمية السياسية للدول المشاركة، وهذا ما أثر إلى وجود فجوة في التنسيق العسكري. بالإضافة إلى الانتقائية في محاربة التنظيمات الإرهابية وعدم توجيه الضربات إلى كل مراكز التنظيمات الإرهابية باختلافها. بمعنى أن تكون كل الجماعات الإرهابية مقصودة بالمواجهة خصوصا في المستنقع السوري.

وعلى الرغم من كل تلك الحسابات التي تتضارب فيها المصالح إلا أن التحالف تمكن بشكل أو بآخر من كبح جماح تنظيم داعش والحد من فعاليته الميدانية وقدراته التسليحية خصوصا بعد التنزيلات البرية وبنسبة كبيرة، ولكن في المقابل أتاح الفرصة لتنظيمات مسلحة أخرى والتي كانت لها تنسيق وتحالف ميداني مع قوات التحالف وعلى رأسها القوات الأمريكية والفرنسية في التقوقع في مناطق عدة، وعلى رأسها المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش.

إعلان دونالد ترامب الانسحاب من سوريا

في 19 ديسمبر 2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا أثار الكثير من الجدل وهو انسحاب قوات بلاده البرية من سوريا، وبالتالي الانسحاب من التحالف الدولي لمحاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا وعلى رأسها داعش. وذلك بعد تغريدة في “تويتر” جاء في مفادها: “هزمنا (داعش) في سوريا وكان ذلك السبب الوحيد لوجود قواتنا هناك أثناء فترة رئاستي”.

القرار المفاجئ أفرز ردود فعل داخلية وخارجية في جلها معارضة للقرار باستثناء ترحيب موسكو وحلفائها، وترحيب أنقرة بتحفظ وجاءت هذه الردود كالتالي:

معارضة الداخل … ما بين الكونغرس والبنتاغون

عبر الكونغرس بمجلسيه وبأغلبيته أعضائه سواء الجمهوريين والديمقراطيين اعتراضهم على القرار، وذلك لأنه لا يحمل أي أدنى من المسؤولية نتيجة الفردانية التي ينهجها ترامب في اتخاده لقرارات مصيرية لها انعكاسات وتأثيرات على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وعلى موقعها الريادي في المنظومة الدولية، إذ أن هذا القرار وحسب آراء أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ والنواب لم يأخذ في الاعتبارات أولويات الأمن القومي الأمريكي.

كما ذهب البعض بالقول إلى أن السبب وراء هذا القرار هي الظرفية التي أراد من خلالها المسؤول الأول في البيت الأبيض الخروج من المأزق الذي ينزوي فيه جراء مجموعة من القضايا أبرزها: تحقيقات روبرت مولر، وقضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وتورط الولايات المتحدة في مساعدة قوات التحالف في الحرب على اليمن، وأخيرا مشكلة الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية في ظل الخلاف على الجدار الحدودي مع المكسيك والتي خلقت أزمة كبيرة بين مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.

لم يكن الكونغرس المعترض الوحيد على القرار، بل الاعتراض امتد إلى أبرز مؤسسات الإدارة الأمريكية ألا وهي مؤسسة البنتاغون، فعلى الرغم من توقيع جيمس ماتيس وزير الدفاع السابق على قرار الانسحاب، إلا أن القرار الفردي لترامب جر عليه موجة من الاحتجاجات داخل المؤسسة، مما أدى بوزيرها إلى الاستقالة بعد يوم واحد من إعلان القرار. وقد أبان القرار على الشرخ الموجود بين ترامب ووزيره والذي لم يكن وليد اللحظة بل أتى على خلفية عدة أزمات متوالية، نتيجة تجاوز ترامب لمؤسسة الدفاع ولمجموعة من مسؤولي الأمن القومي بإصداره قرارات تتنافى مع توجهاتها كان آخرها سحب سريع للقوات البرية الأمريكية من سوريا.

هذا التباين جاء واضحا في نص استقالة ماتيس التي قال فيها، أنه تنحى حتى يتمكن ترامب من تعيين وزير دفاع متوافق مع أفكاره، بمعنى أن وجهات نظر ماتيس بشأن عدد من قضايا السياسة الخارجية والدفاع كانت تختلف بشكل كبير وجوهري عن وجهات نظر ترامب، كما شدد ماتيس على ضرورة اتخاذ مواقف واضحة بما يتلاءم مع مصالح واشنطن.

وكانت الفجوة بين ترامب والبنتاغون بدأت حين عارض ماتيس قرار انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران معتبرا أن من مصلحة الولايات المتحدة البقاء في الاتفاق النووي، ما دامت إيران ملتزمة ببنود الاتفاق حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ترحيب روسيا وحلفائها

أعلنت روسيا على أن القرار هو رجوع إلى القانون الدولي، بحيث أكدت أنه بالرغم من أن التدخل كانت له دوافع أمنية تتمثل في القضاء على تنظيم داعش، إلا أنه لم يكن يجمل أي صبغة قانونية حسب وجهة النظر الروسية، كما أكد الموقف على أن الانسحاب الأمريكي سوف يفتح آفاقا للتسوية السياسية التي فتحتها مخرجات محادثات أستانا، وأنه سيؤثر بشكل إيجابي على تشكيل اللجنة الدستورية السورية، على الرغم من تحفظ موسكو على حيثيات القرار الذي لم يكن واضح الملامح حسب ما صرح به صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بالإضافة إلى الهدف الرئيسي عن سبب التواجد الأمريكي في سوريا وهي محاربة التنظيمات الإرهابية، إلا أن هناك دوافع أكثر أهمية حيال سبب هذا التواجد، وهو احتواء إيران من تعزيز نفوذها وتمدده في المنطقة، ومنع روسيا من مواصلة بسط نفوذها في المنطقة. ومن ثم فإن إعلان ترامب قرار الانسحاب خصوصا في هذه الظرفية والوقتية يعتبر تناقضا للمواقف الأمريكية السابقة وانتصارا لروسيا وحلفاؤها سواء النظام السوري أو إيران، إذ سيمكن الانسحاب الحلفاء الثلاث أن يكونوا اللاعبين الأبرز والأكثر قوة في الميدان من خلال سيطرتهم على نسبة كبيرة من الأراضي السورية.

ومن تم يعتبر القرار بمثابة بداية تراجع لاستراتيجية مكانة الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط لصالح النفوذ الروسي، وهذا الأمر الذي يقوي الشكوك حول علاقة ترامب بالجانب الروسي، ويؤكد بنسبة كبيرة فرضية أن القرار جاء بناءً على طلب وتنسيق مع الروس وليس بطلب أو تنسيق مع الأتراك كما يعتقد الكثيرون.

تركيا بين الترحيب والحذر

عرف الموقف التركي تدرجا في المشاركة في التحالف الدولي، إذ لم ترد تركيا في البداية المشاركة بصفة مباشرة، واقتصر عملها في البداية على التنسيق مع الشركاء، وكان التحفظ التركي في البداية راجع لعدة اعتبارات، أولهما أنه يجب معالجة مشكلة تنظيم داعش من خلال البحث عن الأسباب الجذرية التي أدت إلى ظهوره وتعاظمه، من أجل قطع الطريق على ظهور تنظيمات أخرى يكون لها خطر أكبر من تنظيم داعش، لذلك تحفظت أنقرة على الاستراتيجية التي وضعت لمواجهة التنظيم وحل الأزمة، فأكدت على أنه بالرغم من أهميتها ولكنها غير كافية لتحقيق الاستقرار، خصوصا أن تركيا هي من أكبر المتضررين من تنامي الخطر الإرهابي على حدودها. ثانيهما خوفها على الرهائن الأتراك الذين كانوا قيد الاحتجاز لدى مقاتلي تنظيم داعش في الموصل.

ولكن بعد ذلك وبوقت وجيز وبعد حل مشكلة الرهائن، شاركت تركيا بصفة مباشرة بعد أن درست ووضعت خططها الاستراتيجية الدقيقة، وعلى إثر ذلك تدخل الجيش التركي في عمليات عسكرية ضد داعش، كما سمح الجانب التركي لقوات التحالف باستخدام قواعده العسكرية وتوظيفها من أجل دعم أكثر فاعلية في جهود التحالف الدولي في عملياته الجوية.

ولذلك اعتبرت تركيا من أكثر الشركاء فاعلية في محاربة تنظيم داعش، بحيث شكلت هذه المشاركة تعزيزا قويا للتحالف، وذلك ما لمس واقعيا من خلال النتائج التي حققها التحالف في تضييق الخناق على التنظيم ميدانيا مع تراجع إمكانيته اللوجستية.

وفي جانب آخر، فقد شكل التدخل العسكري التركي في سوريا في أغسطس 2016 نقطة فارقة في محاربة التنظيمات الإرهابية، فبعد تردد طويل قررت تركيا التدخل مباشرة في الأراضي السورية، وقد ساهمت جملة من العوامل في دفع أنقرة لاتخاذ هذا القرار، بعضها مرتبط بالوضع الداخلي التركي السياسي والأمني، وبعضها الآخر مرتبط بالوضعين الإقليمي والدولي.

وقد شكل تنامي التهديدات الأمنية القادمة من سوريا أهم الأسباب الرئيسية للقيام بعملية عسكرية تؤدي إلى وقف حملة العمليات الإرهابية التي تعرض لها الداخل التركي انطلاقا من الأراضي السورية. وقد اكتسب التدخل التركي الشرعية بصفته يمثل حالة دفاع عن النفس في مواجهة التهديدات الإرهابية.

وفيما يخص الموقف التركي من قرار الانسحاب الأمريكي، فقد عبر رأس هرم السلطة في تركيا رجب طيب أردوغان على أنه قرار صائب، ولكن أكد في نفس الوقت على أنه يجب أن يكون مرهون بضرورة التخطيط والتنسيق لهذا الانسحاب مع الشركاء لعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في العراق، وإنشاء منطقة آمنة على الحدود، وهي الفكرة التي كانت تنادي إليها تركيا منذ العام 2013.

وعلى الرغم من تصريحات جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي حول الأكراد، والتي أثارت استياء المسؤولين التركي والتي كانت أن تعصف بالتوافق التركي-الأمريكي حول آليات التنسيق لخروج القوات الأمريكية. إلا أن تركيا ورغم هذا التذبذب واللاتوازن في تصريحات المسؤولين الأمريكيين التزمت بتوفير كافة أشكال الدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية خلال عملية انسحاب من سوريا.

وكانت تركيا قبل إعلان ترامب الانسحاب من سوريا، قررت أنها سوف تتدخل عسكريا في منبج وشرق الفرات مرة أخرى، وذلك نتيجة تنامي التهديدات الأمنية على الحدود. إذ تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، إلى جانب خطر تنظيم داعش الذي لازال له بعض البؤر في الأرض السورية. من أهم دوافعها للتدخل المباشر لتأمين حدودها البرية من هذه الأخطار. مع تصميمها على إنهاء الإرهاب سواء داخل حدودها أو خارجها.

معارضة أكبر حلفاء التحالف (الترويكا الأوروبية)

عارضت الترويكا الأوروبية الممثلة في كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والتي تعتبر من أهم حلفاء واشنطن في التحالف القرار الأمريكي، ففرنسا وباعتبارها أحد الأعضاء الرئيسيين في التحالف أعلنت أنها ستحتفظ بقواتها في سوريا لأنه لم يتم القضاء بشكل كامل على تنظيم داعش كما جاء في أسباب ترامب التي قرر على إثرها سحب قواته من سوريا.

كما ذهبت بريطانيا على نفس منوال الموقف الفرنسي مؤكدة أنها ستلتزم ببقائها في التحالف إلى حين تحقيق الهدف الكامل وهو تدمير التنظيم بصفة نهائية، وهذا ما أكدته وزارة الدفاع البريطانية مضيفة أن تنظيم داعش تحول إلى أشكالٍ أخرى من التطرف، مما يؤكد أن التهديد لا يزال قائم وبقوة.

أما الموقف الألماني فقد جاء متناغما مع الموقفين الفرنسي والبريطاني. إذ أكدت الخارجية الألمانية على بقائها في التحالف الدولي. وأن القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي سوف تكون له عواقب وخيمة في الحرب ضد تنظيم داعش، وسيقوض النجاح التي حققته قوات التحالف في الميدان.

إذا فمواقف لندن وباريس وحتى برلين اعتبرت أن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال يمثل تهديدا وأنه لم يهزم بشكل تام، وأن هذا القرار ربما سيعطي للتنظيم مساحة لإعادة هيكلة وإحياء صفوفه في ظل التصدع الذي قد يطال التحالف.

إسرائيل….. الموقف الضبابي

على الرغم من أن إسرائيل كانت تخشى على الدوام من التواجد العسكري لخصومها في المنطقة إيران وحزب الله على الأراضي السورية. إلا أن القرار الأمريكي لم يشكل صدمة بالنسبة إليها. إذ أكد نتنياهو أن الانسحاب الأمريكي قرار خاص بواشنطن، مؤكدا على أن هناك تنسيق مسبق بين الطرفين على شكل الانسحاب وكيفية تنفيذه وانعكاساته على أمن إسرائيل.

توافق الرؤى بين الطرفين بات واضحا عندما صرح نتنياهو أن إسرائيل سوف تحارب إيران عسكريا، والولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا. مؤكدا بذلك علاقته القوية في التأثير على قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي ومن تم إعادة فرض العقوبات على طهران.

إذن، فالموقف الإسرائيلي لم يركز على تنظيم داعش أو على الجماعات الإرهابية، بل نصب تركيزه على التواجد الإيراني في سوريا، من خلال تأكيد الجانب الإسرائيلي أنه جاهز لتصعيد المعركة ضد إيران ومواقع تواجدها في الداخل السوري بعد الانسحاب الأمريكي.

الأسباب الحقيقية وراء قرار ترامب

إن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا مرتبط بشكل وثيق بالضغوطات الداخلية الكبيرة التي تعرض لها دونالد ترامب، وهذا ما أدى إلى انخفاض في التأييد لسياساته وسط الأمريكيين، وهذا ما وضحته مجموعة من استطلاعات الرأي. ومن هنا جاءت محاولاته التخفيف من حجم الضغط الداخلي المتصاعد وحتى الخارجي تجاه سياسته. وهذه الاستراتيجية انتهجها سابقوه من الرؤساء الأمريكيين من أجل الخروج من دواليب الأزمات الداخلية. إذ أراد من وراء هذا القرار تحويل الأنظار من حوله، بالإضافة إلى الرفع من شعبيته خصوصا أن مثل هذا القرارات تلقى تأييدا كبيرا وسط المجتمع الأمريكي.

وتدور الفرضيات المتوقعة من وراء هذا القرار في التالي:

الفرضية الأولى:

تحقيقات المدعي العام الأمريكي روبرت مولر التي شكلت عبئ كبير على الرئيس الأمريكي، والذي يحاول بطريقة أو بأخرى تحويل الأنظار حول القضية، وهذا ما أدى به لاتخاذ هذا القرار الذي يعتبره بمثابة منفذ للخروج من الأزمة، والذي أتى بعد أيام قليلة من سجن محاميه السابق مايكل كوهين في قضايا متعلقة بحملته الانتخابية في العام 2016.

ويدور محور تحقيقات مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي كات عاملا مساعدا في فوز دونالد ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض، والشكوك تدور حول علاقات أعضاء من حملة ترامب الانتخابية بالروس وتمويلهم للحملة، بالإضافة إلى الصفقات التجارية التي تربط ترامب بالجانب الروسي. هذه التحقيقات أدت إلى حد الآن بسجن مايكل كوهين محامي ترامب السابق، لمدة ثلاث سنوات مع غرامة مالية بعد إثبات مخالفته لقانون تمويل الحملات الانتخابية والتهرب الضريبي والكذب على الكونغرس بشأن مشاريع ترامب العقارية بروسيا. وقبل ذلك أدانت التحقيقات أيضا رئيس حملة ترامب الانتخابية ومعاونه السابق المقرب بول مانافورت نتيجة علاقته مع رجل أعمال روسي يرجح ارتباطه بالاستخبارات الروسية والذي كان قد سلمه معلومات دقيقة متعلقة بالانتخابات الرئاسية.

هذه القضية تشكل خطرا حقيقيا على مسقبل ترامب السياسي، بالإضافة إلى المحاسبة القانونية التي يمكن أن يواجهها في حال أثبتت التحقيقات بصفة نهائية تواطئه المباشر مع روسيا.

الفرضية الثانية:

الضغط الذي شكلته قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بحيث أن الكونغرس الأمريكي بالإضافة إلى التحقيقات التركية وتحقيقات الاستخبارات الأمريكية شكلوا عبئا مطردا على ترامب. فأراد من هذا القرار تخفيف الضغط عليه وعلى الحليف السعودي في آن واحد. لأن تحويل البوصلة من قضية اغتيال جمال خاشقجي إلى موضوع الانسحاب الأمريكي من سوريا سيشتت الأنظار، وسيمثل نقطة مهمة لإخفات القضية ولو لفترة، عن طريق تخفيف الضغط على الرياض من طرف الكونغرس الذي سينشغل بموضوع حساس سيجر التجاذب بينه وبين إدارة ترامب إلى زاوية ومنحى آخر. وأيضا ما ستحققه القضية من تراجع إعلامي بعدما كانت تشكل رقم واحد في المنصات والمنابر الإعلامية الأمريكية والعالمية.

ومن زاوية أخرى محاولة تخفيف حدة الموقف التركي المتصاعد في قضية خاشقجي، الذي كان قاب قوسين أو أدنى الوصول إلى نقطة حاسمة وهي نقطة قبل إعلان من أعطى الأمر بتنفيذ جريمة القنصلية.

فعلى الرغم من أن تركيا رفضت في جميع مراحل القضية إدخال القضية في أي مساومة أو مناوئة سياسية، فإن حيثيات القرار الأمريكي وما سيفرزه من تداعيات أمنية على الحدود مع سوريا، سيؤدي بالداخل التركي سواء رسميا أو إعلاميا وشعبيا إلى تحويل اهتماماته إلى قضية تعتبر من أهم أولويات الأمن القومي التركي.

الفرضية الثالثة:

التوتر والصراع مع الكونغرس، جراء ارتفاع انتقادات أعضائه لسياسات ترامب التي اعتبروها أنها تتسم بالفوضوية واللاعقلانية، وتمثلت تلك الانتقادات في عدة قضايا من أبرزها:

1- توبيخ موقف ترامب المساند لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أدى بالنهاية إلى تبني قرار بالإجماع من طرف مجلس الشيوخ، يحمل فيه صراحة المسؤولية لولي العهد السعودي في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي من الممكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى احتمال إصدار تشريع آخر يفرص عقوبات على ابن سلمان.

2- انتقاد الدعم العسكري المقدم من طرف الإدارة الأمريكية للتحالف العربي في اليمن، نتيجة ما خلفته هذه الحرب من مآسي إنسانية اعتبرت من أشد الأزمات الإنسانية على مر التاريخ. وهذا ما ظهر ملموسا من خلال تبني مجلس الشيوخ مشروع قرار دعي فيه إلى وقف مساعدات الولايات المتحدة لعمليات التحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن.

إذن، فبعد بدء الكونغرس الجديد أعماله، يستعد ترامب لمواجهات كبيرة خصوصا مع لجان مجلس النواب التي تعهد أغلبية قادتها ومن أبرزهم جيرولد نادلر رئيس اللجنة القضائية وآدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات بفتح تحقيقات تخص العلاقات المشبوهة خصوصا المالية لترامب بكل من روسيا والسعودية والإمارات، والتي أثرت في توجهات السياسات الأمريكية إلى ما يخدم مصالح هذه الأطراف.

من صفوة القول، فلقد اتخذ ترامب قرار الانسحاب من سوريا لاعتبارات داخلية من أجل تخفيف الضغط المؤسسي في محاولة لتوجيه بوصلة الرأي العام الأمريكي بجميع مكوناته للتركيز على قضايا أخرى. واعتبارات خارجية يوجه من خلالها رسالة غير مباشرة إلى حلفاؤه في منطقة الشرق الأوسط على شكل مقايضة مفادها أن الدعم الأمريكي العسكري للحلفاء مرهون بالامتيازات الاقتصادية والمالية التي يجب تقديمها مقابل الحماية الأمريكية، بمعنى أن: “الأمن والبقاء في السلطة مقابل المال”.

وأخيرا إن لعبة الأمم تتغير بحسب الاستراتيجيات المتمثلة في السياسة الواقعية التي تحكم منطق العلاقات الدولية. ومن هنا يمكن زيادة نظرية أخرى في حقل العلاقات الدولية وهي النظرية الترامبية القائمة على أساس: “أن المصلحة المالية قبل المصلحة القومية”[1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close