fbpx
دراسات

التدخل الدولي الإنساني: المفهوم والأبعاد

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مع نهاية الحرب الباردة، في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، سقط النظام الدولي الذي جري وضعه في نهاية الحرب العالمية الثانية، بفعل الانهيار الداخلي لأحد قطبيه، أي دون حرب شاملة في النظام، على غرار ما كان يحدث، ومن ثم فهي المرة الأولي في تاريخ العلاقات الدولية الحديث التي ينتهي فيها نظام دولي قائم، دون حرب تطيح بالمؤسسات القائمة وتفتح الطريق أمام الدول المنتصرة كي تصيغ مؤسسات النظام الجديد وفق ما تراه من مبادئ وما تسعي إليه من مصالح.

وفي الوقت الذي سقط فيه النظام الدولي الذي جري وضعه بعد الحرب العالمية الثانية، فإن أسسه ومبادئه وأيضا مؤسساته ظلت قائمة وتتحكم في تفاعلات الدول في بيئة عالمية مغايرة. وفي الوقت الذي نظرت فيه دول المعسكر الرأسمالي إلى الوضع القائم على أنه بات ضارا بمصالحها ولا يعبر عن مكانتها الجديدة، فإن بقايا المعسكر الآخر تمسك بمبادئ ومؤسسات النظام الذي تهاوي لأنها تحقق مصالحها وتعطيها مكانة رسمية أعلى بكثير مما تمثله قدراته الواقعية.

وقد أدي هذا الانفصام بين البنية القانونية من ناحية والتفاعلات الواقعية النابعة من توزيع القدرات في النظام الدولي، إلى حالة من الاضطراب في العلاقات الدولية، أدت إلي تداخل الشؤون الداخلية للدول بالعلاقات الدولية، وبروز مفهوم التدخل الإنساني من جانب القوي الكبري، التي تملك القدرة العملية على القيام بكل ما تريد بعيدا عن البنية القانونية الدولية، ثم تقديم الحجج التي تجعل هذا العمل مقبولا من المجتمع الدولي.

وقد تم التركيز على “حق التدخل الإنساني” والانتقاص من مكونات مفهوم سيادة الدولة لمصلحة مفهوم المحاسبية الدولية، وهو مبرر شكلي استهدف وضع بذور وأسس بنية قانونية دولية جديدة يجري العمل على تضمينها في البنية القائمة وإن كان بشكل عملي في مرحلة أولي، والعمل على تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني من أجل تقنين وتشريع حق التدخل، واختلاق السوابق التي تتحول عبر التواتر إلى عرف دولي له قوة القانون.

فالتدخل هو تعرض دولة للشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخري، دون أن يكون لهذا التعرض أساس قانوني. والغرض من التدخل هو إلزام الدولة المتدخل في أمرها بإتباع ما تمليه عليها، في شأن من شئونها الخاصة، الدولة أو الدول المتدخلة. لذا ففي التدخل في شكله المطلق تقييد لحرية الدولة واعتداء على سيادتها واستقلالها[1].

ويجعل بعض الفقهاء من واجب عدم التدخل مبدأً مطلقاً، فلا يجيزون بأي حال تدخل دولة في شئون دولة أخري، إلا إذا كانت الدولة الأولي في حالة دفاع شرعي[2].

والأصل في التدخل أنه عمل غير مشروع لأن فيه اعتداء على ما للدولة المتدخل في شئونها من حق الاستقلال والسيادة، والتزام الدول باحترام حقوق بعضها البعض يفرض عليها واجب عدم تدخل إحداها في شئون غيرها الخاصة، وإن كانت الدول لم تتبعه دائما في تصرفاتها، فهي طوراً تستبيح التدخل لنفسها إذا اتفق ومصالحها، وطوراً تستنكره إن لم يكن لها فيه صالح، حتي أننا نجد في ظروف متشابهة أمثلة أبيح فيها التدخل وأخري حرم فيها، في نفس الوقت ومن نفس الدول.

وأصبح تدخل الدول في شؤون بعضها البعض يكاد يجري مجري العادة السياسية، ويدل على مدي ما بين هذه الدول من ارتباط على الرغم من الحدود والحواجز التي تجزئ المعمورة، ولكن هذا التدخل سياسياً كان أم اقتصادياً، كثيراً ما ينشأ عنه تدخل عسكري، يقابله موقف عسكري مضاد، ويكون ذلك مثار اشتباكات وحروب تنشب بين الأمم المتصارعة وتهدد السلام العالمي والأمن الدولي.

فالتدخل يعبر من جانب عن مدي الارتباط بين الدول، ولكنه ينطوي من جانب آخر على احتكاك بينهما قد تتولد عنه شرارة نواة الحرب والقتال. لذلك لم يكن غريباً أن تحاول المنظمات الدولية تحريم التدخل، وإن تسعي لنقل اختصاص التدخل من الدولة العضو إلى المنظمة الدولية، وبهذا يصبح هذا التدخل الجماعي باسم المنظمة الدولية وتحت إشرافها، باعتباره ركناً من أركان نظامها، مظهراً من مظاهر السيادة الجديدة التي تحاول المنظمة الدولية أن تنفرد بها لغاية سامية هي تحقيق السلام والأمن في العالم.

ومن ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة مقرراً مبدأ عدم التدخل، كركن من أركان نظامه السياسي والقانوني[3]، واستثني الميثاق من قيد “الاختصاص الداخلي” أو “الشؤون الداخلية” حالة ما إذا اتخذ مجلس الأمن قراراً بتطبيق عقوبات، أو تدابير قمع ضد أي دولة، فعندئذ لا يتقيد مجلس الأمن بمبدأ عدم التدخل.

وعلى الرغم من أن الدول التي انضمت إلى الأمم المتحدة قد تعهدت باحترام مبدأ عدم التدخل، لا تكاد تمضى فترة من الزمان حتي نري دولة تشكو من تدخل دولة أخري في شؤونها الداخلية، أو من تدخل منظمة الأمم المتحدة لأنه في ـ رأيها ـ لا مبرر له[4].

وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد نهض على فكرة المساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة، ورفض استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس وردع العدوان. وظلت هذه المبادئ تحكم العلاقات الدولية طوال الفترة من 1945 وحتي انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي وتهاوي النظام الثنائي القطبية دون أن تثار مشاكل كبري بصدد الصراعات الداخلية في الدول، إذ لم يتعامل الميثاق مع هذه الصراعات على نحو مشابه للصراعات التي تندلع بين الدول، وتعامل فقط مع الحالات التي يراها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، واشترط أن يكون أي عمل في مواجهة أي حالة من هذا النوع، بموافقة واشتراط أن يكون أي عمل في مواجهة أي حالة من هذا النوع، بموافقة وتفويض مجلس الأمن الدولي.

فإنه بمرور الوقت بدأت الدول المنتصرة في الحرب الباردة تشعر بعدم ملاءمة ميثاق الأمم المتحدة لحكم تفاعلات ما بعد الحرب الباردة، وانصب الاعتراض الرئيسي على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من مجلس الأمن، وأيضاً على مضمون المفهوم المستقر لسيادة الدولة والذى رأته يمثل الحاجز القانوني الذى يحول دون تنفيذ أفكار “حق التدخل الإنساني”.

وبدأت الدول المنتصرة في الحرب الباردة في الدعوة لتعديل ميثاق الأمم المتحدة وتطويعه كي يلائم واقع العلاقات الدولية التي تجري في ظل نظام أقرب إلى الأحادية القطبية، منه إلى النظام متعدد الأقطاب الذى جرت في ظله صياغة الميثاق. وبالتالي جاءت كافة دعوات تغيير الميثاق من بلدان المعسكر الغربي، بهدف تطويع وتكييف المؤسسات مع واقع حال العلاقات الدولية التي تجري في ظل نظام أقرب إلى الأحادية القطبية[5].

وحتي يمكن الوقوف علي طبيعة التدخل الدولي، فإن ذلك يتطلب بيان تعريف مفهوم التدخل في إطار الفقه الدولي، والمقصود به في إطار العلاقات الدولية، ثم تقييم اتجاهات تعريفه وصولاً لوضع تعريف إجرائي له، وهو ما سيقوم به الباحث من خلال المحاور التالية:

المبحث الأول: تعريف التدخل

يعرف التدخل في اللغة العربية لغة بأنه “تدخل قليلاً، والدخل ضد الخرج، وجاء أيضاً بمعني العيب والريبة، ويقال هذا الأمر دخل، ولذا قال تعالى (ولا تتخذوا إيمانكم دخلا بينكم)، أي مكر وخديعة[6]. “أما التدخل في اللغة الإنجليزية (Intervention) فجاء بمعني يتدخل لتسوية نزاع أو التدخل بالقوة أو التهديد بالقوة في الشئون الداخلية للدول الأخرى”[7].

واصطلاحاً فإن تعريف التدخل الدولي، ومدي مشروعيته، كان ومازال محل خلاف فقهي، ومحلاً للشك من جانب العديد من الدول، خاصة في العالم الثالث.. وهذا الخلاف والشك تأثر إلى حد بعيد بالأحداث والتطورات الدولية.. سواء فيما يتعلق بتلك التي حدثت قبل قيام الأمم المتحدة، أو بعد قيامها ، خاصة الفترة التالية على انتهاء الحرب الباردة عام 1990، لما شهدته من تطورات هائلة وجدل كبير حول تحديد مفهوم التدخل الدولي، ومدي مشروعيته، سواء فيما يتعلق بتدخل الدول أو المنظمات والهيئات الدولية[8].

حيث يعرف البعض التدخل[9]، بأنه ضغط يمارسه شخص دولي على إحدى الدول، بقصد إرغامها على إتباع سلوك معين، أو الامتناع عنه بغض النظر عن كيفية ونوع هذا الضغط.. وبتحليل هذا التعريف يمكن تحديد معني التدخل.. فالتدخل هو فعل يستلزم عملاً مادياً يظهر من خلاله، ويتمثل في الضغط، والضغط، هو سلوك يأتيه الطرف المتدخل، سواء كان هذا السلوك متسماً بالعنف أم لم يكن كذلك؛ وسواء كان هذا السلوك قائماً على استخدام القوة المسلحة ، أو كان قائماً على تدابير اقتصادية أو تجارية، كقطع العلاقات التجارية، أو التهديد بذلك، أو كان قائماً على تدابير سياسية، كما لو هدد الطرف المتدخل بتعطيل مصالح الدولة المستهدفة في المحافل الدولية، إذا لم تقم بعمل ما أو تمتنع عن القيام به. كما يمكن الضغط على شكل دعاية سياسية هدامة، كأن تستحث شعب الدولة المستهدفة على الثورة ضد الحكومة القائمة.. ومن ناحية ثانية فإن ممارسة هذا الضغط تتم من قبل شخص دولي، وهذا يعني أن التدخل يمكن أن تمارسه الدول والمنظمات الدولية على حد سواء.

وإذا كانت الدول هي الأشخاص الأصلية التي تقوم بالتدخل في شؤون غيرها من الدول، سواء كان تدخلها مشروعاً أو لا، وسواء كان تدخلها سياسة متبعة لديها أم رداً على موقف الدول الأخرى[10]، فإن المنظمات الدولية يمكن أن تمارس التدخل تجاه الدول. فميثاق الأمم المتحدة، رغم حظره الصريح للتدخل في الشؤون التي تقع ضمن السلطان الداخلي للدول، إلا أنه يستثني صراحة أيضاً التدابير التي تتخذ وفقاً لنظام الأمن الجماعي[11].

وقد شهد هذا الاستثناء تطبيقات عديدة، وإن كانت الأمم المتحدة في بعض ممارساتها للتدخل، قد انحرفت ـ حسب وجهة نظر جانب من الفقه ـ عن المشروعية في تدخلها[12]. وكذلك فإن المنظمات الدولية الاقتصادية قد تتدخل في شؤون الدول التي تتعامل معها؛ فالصندوق والبنك الدوليان كثيراً ما يمتنعان عن تقديم القروض إلى الأعضاء، ما لم ينفذ هؤلاء شروطهما التي تنطوي على تدخل واضح في الشؤون الداخلية لهذه الدول.

وغني عن البيان، أن الدول الكبري هي التي تتخذ مواقف التدخل سياسة لها، بغية فرض إرادتها على الدول الأخرى المستهدفة بالتدخل.

ويشير جانب من الفقه إلى أنه ـ من الناحية القانونية ـ ليس لدولة حق سيادي في أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخري ذات سيادة، لأن القول بمثل هذا الحق لا ينطوي على مجرد تناقض في العبارات، وإنما يشكل اعتداءً أو هجوماً على النظام الذى تستند إليه حرية كل دولة.

ومن جهة أخري، فإن الدولة يمكن أن تمارس التدخل، ولو كان ذلك بشكل غير مباشر، عن طريق المرتزقة، أو الشركات المتعدية الجنسية مثلاً. ولكن المثلبة التي كانت تشكل مأخذاً على القانون الدولي التقليدي، هي أن القواعد التقليدية للمسؤولية الدولية ولاسيما تلك التي تحكم نسبة الفعل الضار إلى فاعله، كفيلة بجعل الدول التي تقدم على التدخل بمنجاة من المسؤولية، لأنها لا تقوم بنشاطاتها بشكل مباشر؛ كما حدث مثلاً في تشيلي، وما تلاه من إسقاط سلفادور “الليندي”، الذى كان يتهم الشركات الأجنبية بالتدخل، بلا وازع، في الحياة الداخلية للأمة، إلى درجة زعزعتها تماماً.. وقد دفعت هذه المثلبة الواضحة على القانون الدولي التقليدي، جانباً من الفقه إلى وصفه بالعجز عن مواجهة تلك الأوضاع، التي تمس ـ مساساً مباشراً ـ بسيادة الدول الصغرى واستقلالها[13].

ومن ناحية أخري، فإن الجهة المستهدفة بالتدخل من بين أشخاص القانون الدولي، هي الدول. أما المنظمات الدولية، وإن كانت تتعرض لضغوط من جانب بعض الدول، فإننا لا نجد الفقه الدولي ينحو إلى وصف هذه الضغوط بأنها أعمال تدخليه، ويمكن تصور حدوث هذه الأعمال على أنها إخلال بالتزامات تعاقدية؛ كما لو امتنعت الدول التي تمارس الضغط على المنظمات الدولية، عن تسديد التزاماتها المالية، لحمل المنظمة على إتباع سلوك معين، أو الامتناع عنه، وهو ما مارسته الولايات المتحدة تجاه الأمم المتحدة غير مرة[14].

هذه الممارسات لا يصفها الفقه الدولي بالتدخل، لأن المستهدف بهده الممارسات ليس دولة، وإنما منظمة دولية.. وبعبارة أخري، فإن الأشخاص الدولية التي هي محل للتدخل، هي الدول فحسب، دون المنظمات الدولية.

ومن ناحية أخري، فإن من يقدم على التدخل سواء كان منظمة دولية أو دولة، يقصد من وراء تدخله، فرض إرادته على الدولة المستهدفة وسلب إرادتها؛ ومعني ذلك أن الطرف المتدخل يجب أن يقصد التدخل في شؤون الغير، على أن وقوع التدخل بحد ذاته، يعد كافياً لإملاء هذه الإرادة، ما لم يثبت عكس ذلك. ويجب أن يكون القصد من وراء التدخل هو سلب إرادة الدولة المستهدفة في مسألة تقع في اختصاصها الداخلي، أي في مجالها المحجوز بموجب القانون الدولي.

فالطرف المتدخل يرمي إلى حرمان الدولة المستهدفة من ممارسة سيادتها في شؤونها الداخلية أو الخارجية على حد سواء، وبالرغم من التفرقة بين الشؤون الداخلية والخارجية، إلا أن الآثار لا تختلف حسب القانون الدولي بالنسبة للتدخل.

فالشؤون الخارجية ليست سوي ممارسة لسيادة الدولة على الصعيد الدولي، وهنا تبدو التفرقة بين الشؤون الداخلية والخارجية تفرقة لا مبرر لها، نظراً لوحدة الآثار القانونية التي يرتبها التدخل غير المشروع، فهذا التدخل محظور في الحالتين، اللتين يعترف القانون الدولي بأنهما واقعتان ضمن الاختصاص الداخلي. وبالتالي فإن الاختصاص الداخلي يشمل كلاً من الشؤون الداخلية والخارجية.

أما بالنسبة لطبيعة السلوك الذى يبتغى الطرف المتدخل حمل الدولة المستهدفة على انتهاجه، فإنه يمكن أن يكون سلوكاً إيجابياً، كأن يفرض على الدولة المستهدفة التصويت إلى جانب قرار ما[15]، أو تسهيل استخدام إقليمها لقوات أجنبية، بغية القيام بأعمال عسكرية ضد دولة ثالث، أو إجبار الدولة المستهدفة على إتباع سياسة اقتصادية معينة على نحو يتلاءم مع إرادة الطرف المتدخل…الخ.

كما يمكن أن يكون سلبياً، كمطالبة الدولة المستهدفة بالامتناع عن سلوك أو سياسة متبعة لديها في مسألة معينة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

وإذا كان هذا التعريف ينطبق على التدخل المحظور بموجب القانون الدولي، فإن هناك اتجاهاً لتوسيع مجالات التدخل المشروع، إلا أن المشكلة هنا، تتمثل في ارتباط محاولات التوسع بسياسات الدول الكبري، فنجد ادعاءات لتبرير التدخل لأسباب كثيرة، كالتدخل من أجل الديمقراطية، والتدخل من أجل حماية حقوق الإنسان، والتدخل الدولي الإنساني، بل حتي التدخل من أجل حماية البيئة.

وهنا يأتي التأكيد علي أن جوهر التدخل يتمثل في فرض تنفيذ الالتزامات جبرياً، سواء كانت هذه الالتزامات مما يرتبه القانون الدولي، أم مما تحدده الدولة المتدخلة. فعندما تحدد دولة ما التزامات دولة أخري، فإن تدخل هذه الدولة انفرادياً لفرض هذه الالتزامات، يكون غير مشروع، لعدم جواز تحديد الالتزامات المترتبة على عاتق دولة من جانب دولة أخري.

أما إذا كانت الالتزامات مما يرتبه القانون الدولي، فإن فرض تنفيذها قد يكون مشروعاً، وقد يكون غير مشروع. فإذا ما أباح القانون الدولي للدولة المتدخلة، أن تفرض حقوقها “التي انتهكتها الدولة الأخرى” بشكل أحادي الجانب، كأن تتدخل الدولة من خلال استخدام حق الدفاع عن النفس، فإن هذا التدخل يتصف بالمشروعية.. أما إذا أناط القانون الدولي حق التدخل، لفرض تنفيذ الالتزامات الدولية جبرياً بأحد الأجهزة الدولية دون غيره “كمجلس الأمن مثلاً”، فإن التدخل الانفرادي من جانب الدولة يصبح غير مشروع في هذه الحالة. ويتمثل ـ في القانون الدولي التجاري ـ فإن التدخل الانفرادي، لفرض تنفيذ الالتزامات الدولية على الدولة المستهدفة، لا يكون مشروعاً إلا إذا سمح به القانون الدولي التجاري ذاته.

فإذا ما خولت الاتفاقيات الدولية العضو الذى أضيرت حقوقه بالتدخل بوسائله الخاصة لفرض التنفيذ الجبري لهذه الالتزامات على الدولة التي انتهكت القواعد الدولية، وأضرت بحقوق ذلك العضو؛ وكذلك إذا ما تم الترخيص للعضو المضار بالتدخل لفرض حقوقه نتيجة حكم قضائي صادر عن جهاز تسوية المنازعات، فإن هذا التدخل يكون مشروعاً. أما اللجوء إلى التدابير الانفرادية، خلافاً لما تبيحه القواعد الدولية، أو خلافاً لحكم صادر عن جهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، فإنه يكون غير مشروع.

فالنقطة الأساسية في التدخل لفرض تنفيذ الالتزامات الدولية، التي ترتبها اتفاقيات تحرير التجارة العالمية، تتمثل في كون الأصل في التدخل لتنفيذ الالتزامات “بعد الترخيص بذلك من جانب منظمة التجارة العالمية”، أنه تدخل تبادلي، أي أن عضو منظمة التجارة العالمية يقوم بفرض التنفيذ الجبري لحقوقه، التي أقرتها الأجهزة المعنية في المنظمة، بموجب ترخيص منها، أما المنظمة ذاتها فإنها لا تتدخل من أجل فرض قواعدها، تجاه منتهكي هذه القواعد[16].

المبحث الثاني: اتجاهات تعريف التدخل في العلاقات الدولية

تتعدد تعريفات مفهوم التدخل، ويمكن في إطارها تحديد الاتجاهات الأساسية التالية:

الاتجاه الأول: الواسع[17]:

ترجع أصوله إلى آراء العلامة “فاتل”، الذى استخدم التدخل، بمعني الوساطة لحل المنازعات الداخلية لدولة أخري، أو بمعني وساطة طرف ثالث بين دولتين متحاربتين. ويؤكد “فاتل”، أن ذلك متناقض مع حرية واستقلال الدول الأخرى[18].

بيد أن جانباً من الفقه المعاصر، إن كان قد خفف من حدة هذا الاتجاه، إلا أنه يري أن التدخل لا يقتصر على استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها، وإنما يشمل أي فعل يؤثر في شخصية الدولة وسيادتها واستقلالها؛ فالتصرفات التي تمس سيادة الدولة واستقلالها، تتسم بعدم المشروعية، سواء كانت هذه التصرفات القائمة على استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها، أو لم تكن كذلك. أي أن التدخل يمكن أن يكون سياسياً أو اقتصادياً، أو حتي على شكل دعاية هدامة.

والأبعد من ذلك، أنه يمكن أن يكون التدخل في صورة ظاهرها تقديم المساعدة للدولة المستهدفة، وباطنها ينطوي على تدخل في شؤونها الداخلية، وإحكام الرقابة على سياساتها الخاصة. فالتدخل بمعناه الواسع يشير إلى ممارسات خارجية تؤثر على الشؤون الداخلية لدولة أخري ذات سيادة[19].

ويذهب جانب من الفقه إلى التعويل على قوة الدولة، لتحديد وقوع أو عدم وقوع التدخل، فالدولة العظمي يمكن أن تتدخل بمجرد القول. أما الدولة الضعيفة، فإن سلوكها لا يكون تدخلياً ما لم يؤثر فعلاً على الشؤون الداخلية للدولة المستهدفة.

وفي إطار هذا الاتجاه تبرز التعريفات التالية للتدخل:

ـ إن التدخل يشمل كل أنماط سلوك السياسة الخارجية، بل أن اتخاذ دولة ما لموقف تجاه صراع ما، قد يوصف بأنه سلوك تدخلي، ومن محددات هذا السلوك محدودية فترة التدخل، وهو سلوك تقوم به القوي المتفوقة، دول أو منظمات دولية، تتجاوز به الحدود القائمة للعلاقة، وتحاول فرض إرادتها عل دولة ضعيفة، دفاعاً عن بعض المبادئ السياسية أو الأخلاقية أو القانونية.

ـ أن هناك العديد من النشاطات التي تعد تدخلاً، مهما اختلفت دوافعها ونتائجها، بل إن عدم التدخل في حالات معينة، أنه تدخل، وهو ما يعتبره البعض غموضاً في المفهوم وقصوره عن التعبير، عن الظاهرة.

ـ التدخل هو “أي تدخل قسري أو جبري في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة ما، مما يؤثر على استقلالية هذه الدولة، ومن ثم يربط التدخل باختراق الاستقلالية للدول، وبالتالي فهو خطيئة ما لم يتم تبريره بمبرر شرعي.

ـ التدخل مرادف للتفاعلات أو التأثيرات عبر القومية، ومن ثم يتسع ليشمل عمليات سحب الدبلوماسيين أو تجميد المفاوضات التجارية، والوعود أو التهديدات بسحب أو منح المساعدات الاقتصادية وكلها أمور غير محظورة قانوناً، فالمحظور فقط هو أشكال معينة ومحدودة من التدخل العسكري والسياسي والاقتصادي.

ـ التدخل هو استخدام محسوب وبغرض للأداة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية من دولة ما للتأثير على السياسات الداخلية أو السياسة الخارجية لدولة أخري.

ووفق هذا التعريف توجد أربعة سمات أساسية للتدخل: إن التدخل يجب أن يكون محسوب وله أغراض محددة وله طبيعة دولية، وإن التدخل يشمل اختيارات واسعة لآليته يمتد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى العقوبات الاقتصادية والأعمال التدخلية غير المعلنة “مثل الجاسوسية”، والتدخل شبه العسكري والتدخل العسكري المباشر، وإن محاولة التأثير على السياسات الخارجية أو الداخلية لنظام ما لا يشمل فقط جهود تغيير هذه السياسات، بل يشمل أيضاً مساندة سياسات قائمة حتي لا تتغير، كما أن هذا التدخل يشمل المجال الخارجي والداخلي لسياسات الدول.

ومن ثم يقضى هذا الاتجاه بتعريف التدخل، باعتباره أي فعل يكون لفاعل دولي يتم بمقتضاه التأثير على شئون الآخر[20].

ويتضمن الاتجاه الواسع أنواعاً وصوراً عديدة من التدخل، مما يشكل صعوبة في تحديد خط فاصل بين الضغط المقبول وغير المقبول. وتزداد مشكلة التدخل صعوبة، مع تزايد الاعتماد المتبادل ، بحيث أن أي تصرف لدولة ما ـ حتي لو كانت صغيرة ـ تؤثر على الدول الأخرى، ويضاف إلى ذلك أن الدول الكبري تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، ليس بقيامها فقط بالتدخل الفعلي ولكن برفضها التدخل أيضاً، أي بمجرد وجودها المطلق. أي أن التدخل في هذا الاتجاه يتسم بالغموض.

كما لم يسلم هذا الاتجاه من النقد، إذ أن التدخل وفقاً لهذا الاتجاه يمكن أن يكون أي فعل أو قول يتعلق بشؤون دولة أخري. ورغم أنه لا يمكن إنكار القيمة الهامة لتوسيع نطاق مبدأ عدم التدخل، ضماناً لاستقلال وسيادة الدول، فإن المغالاة في هذا الاتجاه دفعت إلى وصف الدفاع عن عدم التدخل، بأنه دفاع عن الجمود وعدم التحرك.

الاتجاه الثاني: الضيق:

يرجع هذا الاتجاه في أصوله إلى آراء العلامة “جوروشيوس”، الذى يقصر التدخل على السلوك المتسم بالعنف، وهو بمثابة الحرب، ولكي يكون هذا السلوك مشروعاً فإنه يجب أن يتصف بالعدالة، أي أن تكون الحرب عادلة، ومعيار عدالة الحرب يتوقف على الغرض منها، فإذا كان الغرض هو الحيلولة دون قمع الشعوب وقهرها، فإن الحرب تكون عادلة، أي أن الحرب تكون عادلة عندما يقصد منها منع المعاملة السيئة من الدولة لرعاياها. ويطلق على هذا النوع من التدخل” التدخل الإنساني. ووفق هذا الاتجاه فإنه ليس هناك أي فرق بين التدخل والحرب.

وينطلق أصحاب هذا الاتجاه، من ارتباط التدخل بالاستقلال، ولكنهم يرون أن الاستقلال لا يتأثر إلا بالتدخل القسري، الذى يتمثل باستخدام القوة العسكرية، وبالتالي فإن هذا النوع من التدخل يتسم بعدم المشروعية، لأنه يهدد استقلال الدولة المستهدفة، أو سيادتها الإقليمية، على أنه إذا كان هناك رضاء من جانب الدولة المستهدفة، فإن التدخل لن يتسم بعدم المشروعية[21].

أي أن الفقه التقليدي يركز على التدخل بوساطة القوة العسكرية فحسب، ويجب أن يستهدف المساس باستقلال الدولة وسلامتها الإقليمية. بيد أن مفهوم الاستقلال ليس بسيطاً إلى الدرجة التي يمكن القول معها بأنه لا يتأثر إلا من خلال التدخل العسكري.. فالاستقلال السياسي، يمكن أن يعني حرية الشعب في البلاد، لاختيار شكل الحكم؛ أو يعني حرية تشكيل الحكومة دون ضغط أو تدخل مهما كانت أدواته.

وبالتالي فإن الاستقلال يمكن أن يتأثر بأي نوع من أنواع التدخل، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً. ولما كان هذا الاتجاه، غير متوافق مع الواقع الدولي، الذى يشهد أنواعاً أخري من التدخل، قد تؤدي إلى النتائج المبتغاة دون استخدام القوة العسكرية، أو التهديد باستخدامها؛ فإنه يمكن القول إن هذا الاتجاه يتسم بالقصور[22]، حيث توجد صور أخري لتدخل، العسكري، كالتدخل الاقتصادي والتدخل السياسي، لذلك فقد نحا الفقه الدولي إلى اتجاه أكثر رحابة.

ويركز أنصار هذا الاتجاه في تعريف مفهوم التدخل، على تحديده في التعريف، فيضيق من المفهوم حتي يتجنب غموضه وعدم دقته فيحصره “فيردريك بيرسون”، في التدخل العسكري. ويراه “نيل مازيسون”، في استخدام الإجبار بصورة منظمة من قبل فاعل دولي على دولة ما لإحداث تغيير أو لمنع تغيير في النظام السياسي لهذه الدولة، أو في سياساتها الداخلية أو الخارجية أو تصرفاتها أو إمكانياتها، ومن ثم يميز التدخل كعمل إجباري عن التأثير، أو أي تفاعل غير جبري بل أن التهديد بالتدخل في نظر “مازيسون” لا يعتبر تدخلاً.

ومن ثم ينتقد تعريف “روزيناو” للتدخل كخرق للتقاليد، وخروج على النمط الطبيعي للتفاعل ويثير تساؤلات، عما يعد نمطاً طبيعياً وتقليدياً للتفاعل، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية معروفة بكثرة تدخلاتها في دول أمريكا اللاتينية، فهل يعد ذلك نمطاً طبيعياً؟، كما ينتقد أيضاً وصف “روزيناو” للتدخل بأنه يهدف مباشرة إلى البنية الأساسية للسلطة في المجتمع المستهدف، فالتدخل قد يهدف إلى تغيير سياسات داخلية أو خارجية أو قدرات لهذا المجتمع، بل أن معظم التدخلات العسكرية تكون موجهة إلى عملية اتخاذ القرار، أكثر منها لأشخاص متخذي القرار، يضاف إلى ذلك نجد مازيسون ينحو إلى التركيز على تحليل دوافع المتدخل إيماناً بوجود عدة تفسيرات للعمل الواحد بعكس تحليل “روزيناو” الذى ينتهي إلى أن مفهوم التدخل لا يتطلب تحليلاً لدوافع المتدخل التي لا يمكن أن تكون خيرة.

وهذا الاتجاه يركز على وضع محددات للتدخل للتمكن من إخضاع التدخل للدراسة العلمية وأهم هذه المدخلات هو الإكراه أو الإجبار، ومن ذلك تعريف “بيلوف” للتدخل بأنه: “محاولة من دولة للتأثير على البنيان الداخلي والسلوك الخارجي لدول أخري من خلال درجات متنوعة من الإكراه”.

ولكن لا يمكن أن يفسر قبول العرض بأنه عدم استعداد للتعرض للعقوبة المرتبطة بمعارضته؟، بالتالي فما يمكن أن يبدو امتثالاً طوعياً في ظاهرة قد يكون في حقيقته إكراهاً ضمنياً، مما يعني أن تقييد التعريف بمعيار الإكراه لا يف بدقة ووضوح المفهوم[23].

وهناك من يضع محدداً آخرا فيضيق من المفهوم على أساس درجة جسامة الأمر، فيعرفه د. محمد يونس، بأنه “عمل إداري على درجة من الجسامة ـ أياً كانت طبيعته عسكرية أو اقتصادية أو سياسية ـ يباشره شخص قانوني دولي بغية حرمان الدولة المعنية من التمتع بسيادتها واستقلالها”. وينتقص هذا التعريف أيضاً في كيفية تحديد درجة الجسامة[24].

الاتجاه الثالث: الرافض للتدخل:

يري أن التدخل أمر مرفوض قانوناً، وأنه أكثر المفاهيم استخداماً في الحديث العالمي، وإن تعريفه صعب، حتي أن “جيمس فاوست” تفادي تعريفه قائلاً: “نحن نتعرف عليه حينما نراه”.. أما “ماك دوجال” فلقد رفض غموض المفهوم، وبدأ يتعامل معه بوصفه مجموعة من الظواهر التي عرفت بأنها تدخل.

أما “والش” فوضع خمس نقاط أساسية في تعريف التدخل، تشمل أنه مفهوم قانوني يمكن تحديده، وإن هناك علاقة وثيقة تربطه بسيادة الدولة، وأنه مفهوم مرفوض قانوناً.. ويستثني والش من ذلك حالات قد يكون هناك فيها تدخل مرر، لكن لفظ التدخل يوحى دائماً بعدم الشرعية والمحظورية، ويؤكد أنه مفهوم واسع واستخداماته السياسية والعامية عديدة.

وعند “هيراكليز” فإن السلوك التدخلي الذى يؤدي لانفصال، له عدة سمات، حيث تهدف الدولة المتدخلة أساساً من خلاله إلى تقوية موقف الانفصاليين، ويؤدي العمل التدخلي إلى تقوية موقف الانفصاليين حتي لو كانت الدولة المتدخلة لم تهدف إلى ذلك، ويتم تعريف تصرفات الدولة المتدخلة ـ من قبل الانفصاليين ـ بأنها مساعدة لهم، وهذا التعريف الواسع ينبع من طبيعة الصراع الانفصالي الذى يتحدد موقف الأطراف الثالثة، إما بالدعم والتأييد أو المعارضة والعداء، فلا يوجد موقف يوصف بأنه موقف وسط في الصراع الانفصالي.

الاتجاه الرابع: التوفيقي:

ويقوم علي أن التدخل يمكن أن يكون بأي وسيلة، وهذا يعني أنه غير مقصور على التدخل العنيف أو القهري، أو ما يسميه “أوبنهايم” بالتدخل الدكتاتوري، وبالتالي فإن التدخل يمكن أن يكون عسكرياً أو غير عسكري. ويميل جانب من الفقه إلى استبدال فكرة التدخل القهري، بفكر التدخل الإرادي، وهو ما يتطلب توافر نية التدخل لدي الدولة المتدخلة.

فاستبعاد صور التدخل غير العسكري، لدي أصحاب الاتجاه الأول، لا يمكن التسليم به. كما أن اعتبار أي فعل أو قول لدي أصحاب الاتجاه الثاني، من قبيل التدخل، لا يتفق مع واقع العلاقات الدولية، لأن قبول هذا الرأي يعني مصادرة جميع أوجه العلاقات الدولية[25]، ومن الواضح أن الاتجاه التوفيقي يبدو واقعياً، ومنسجماً مع العلاقات الدولية.

فالتدخل يمكن أن يكون بأي وسيلة، ولا يقتصر على استخدام القوة المسلحة، وإذا كانت الأفعال المتسمة بالقهر أو الديكتاتورية، متلائمة مع التدخل العسكري، فإن التدخل القهري ربما لا يتناسب مع الصور الأخرى للتدخل “فيما لو قصرنا مفهوم القهر على القوة المسلحة”، لأن صور التدخل لا تكون واضحة أو مباشرة. وما يعنيه التدخل الإرادي، هو أن الدولة المتدخلة تسعي إلى فرض إرادتها على الدولة المستهدفة، وبحيث تؤثر على إرادة الدولة المستهدفة بالتدخل[26]، ومن خلال صيغة آمرة أو إلزامية.

إن تطلب وجود نية التدخل إذا كان لازماً، فإن هذه النية يجب أن تكون مفترضة، ويترتب على وجود النية المفترضة مسألة هامة تتعلق بعبء الإثبات، فلو أخذنا بمعيار النية المفترضة، لكان مجرد وقوع الفعل التدخلي كافياً لإثبات السلوك غير المشروع من جانب الدولة المتدخلة، ما لم تثبت الأخيرة أنها لم تكن تقصد التدخل في شؤون الدولة المستهدفة[27].

المبحث الثالث: تقييم اتجاهات تعريف التدخل والتعريف الإجرائي له

التعريف الإجرائي يعتمد على “الاتجاه الثاني” في التضييق بمحددات أو شروط عند التعريف، وربط التعريف بأسباب وأهداف التدخل، فهناك أغراض متعددة يستهدفها التدخل وأسباب مختلفة تسبب حدوثه، والأسباب قد تتراوح من أسباب اقتصادية واستراتيجية إلى أخري ترتبط بظروف الدولة المستهدفة “مثل الشقاق الاجتماعي، والثقافي، والاستقرار أو عدمه”، وإلى أسباب تتعلق بعلاقات القوة بين الدول المتداخلة والمستهدفة، أو إلى أسباب متغيرة وترجع إلى طبيعة النظام العالمي، وبتعدد الأسباب تتعدد أغراض وأنواع التدخل، ومن الأنواع الأساسية، ما يلي:

1ـ التدخل المضاد: وهي عملية يقصد بها المساعدة في تحرير دولة ما من متدخلين، ومن ثم فهو يعين الدولة الهدف لاستعادة سيادتها الكاملة واستقلالها، أي مساعدة دولة لتصبح مرة أخري خالية من أي تدخلات.

2ـ التدخل الاحتياطى: وهي حالات تدخل في نظم استبدادية أو سلطوية قد يرأسها “متطرفون” قد يعوقونها عن مسيرة الديمقراطية التي تسعي هذه النظم إلى الوصول إليها، ومن ثم يهدف التدخل هنا إلى توجيه سياسات دولة ما، ويطلق على هذا النوع أسم “التدخل عن طريق المشاركة”، أو التحالف من أجل التقدم، ومثال ذلك ما تعقده الولايات المتحدة من تحالفات مع دول أمريكا اللاتينية.

3ـ التدخل المبرر باعتبارات إنسانية: وهو نوع خاص من التدخل له أغراض إنسانية ـ ليست دائماً واضحة ـ وهو ليس بنوع جديد، ولكن الاهتمام به وبعث الحياة فيه هو الجديد، وهذا النوع من التدخل يرتبط ـ في معظمه ـ بحالات الحروب الأهلية.. وهذا النوع محور حديثنا في هذا المبحث، ونظراً لخصوصيته ولإشكالياته العديدة التي يثيرها[28].

المبحث الرابع: أبعاد التدخل الدولي الإنساني

يثير مفهوم التدخل الدولي العديد من الأبعاد حول طبيعته وأسبابه ودوافعه، وأنواعه، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

أولاً: الطبيعة القانونية لمبدأ عدم التدخل

يتسم مبدأ عدم التدخل بالاستقرار في القانون الدولي من الناحية النظرية، بيد أن الممارسات الدولية تنحو في كثير من الأحيان إلى مخالفة هذا المبدأ رغم التسليم به، الأمر الذى يدعو إلى إحاطة مبدأ عدم التدخل بالغموض، سيما وأن من يخرقه لا يعترف بمخالفته، بل يقدم التبريرات والتفسيرات المتلائمة مع سلوكه، على نحو يفرغ المبدأ المذكور من مضمونه.

والتدخل عادة قديمة، ويذهب جانب من الفقه إلى أنه يكون أحياناً ضرورة سياسية، وأنه موجود بشكل دائم وفي كل مكان. وإذا كان التدخل يختلط ببعض المفاهيم في القانون الدولي، لاسيما عندما يكون التدخل عسكرياً، فإنه يزداد غموضاً وتعقيداً في أنواعه الأخرى، مما يصعب معه تحديد معني التدخل ومدي مشروعيته، لأنه في مثل هذه الأحوال لا يكون مباشراً بشكل دائم، فضلاً عن أن الدولة المستهدفة بالتدخل، لا تدعي به ولاسيما إذا كانت تأمل الحصول على بعض المكاسب، وخاصة في العلاقات الدولية المعاصرة، القائمة علي الاعتماد المتبادل.

وتزداد صعوبة مشروعية التدخل ومداه، عندما يكون إتيان التدخل من جانب منظمة دولية، أو تحت إشرافها، إذ غالباً ما يكون هناك شعور لدي المجتمع الدولي بمشروعية هذا التدخل، وإذا كان التدخل بنوعه العسكري يمكن أن يكون ظاهراً بشكل واضح، فإن التدخلات الأخرى ليست كذلك بالضرورة، رغم أنها قد تؤدي في غالب الأحيان إلى تحقيق النتيجة المبتغاة منها.

وإذا كان التدخل يشكل خرقاً لسيادة الدول، التي هي أساس مبدأ عدم التدخل، فإن هذه السيادة تتأثر دون شك على نحو يدعو الدول المستهدفة بالتدخل، إلى التمسك بها بشكل قوي لمنع الاعتداء على اختصاصها الداخلة.

وقد أدي انتهاء الحرب الباردة إلي إعادة رسم التحولات الرئيسية، في القانون الدولي، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وإحياء وانتشار نظام الأمن الجماعي للأمم المتحدة، وازدياد التحرير التجاري والمالي. فضلاً عن نزايد دور بعض الأحلاف العسكرية، كحلف الأطلنطي، وتزايد دور بعض الدول كالولايات المتحدة، في تسيير النظام الدولي وفق رؤيتها.

ومع هذه التطورات أصبح التدخل بمختلف معانيه، سمة مميزة، وظاهرة واضحة في العلاقات الدولية، بشكل يهدد الدول أكثر من أي وقت مضى، وليس ذلك بعائد إلى كثرة التدخلات فحسب، بل لأن هذه التدخلات تتم تحت غطاء من المشروعية المصطنعة، وربما المقننة. لذلك يبدو أن الادعاءات التي تحتج بها الدول التي تقدم على التدخل في شئون الدول الأخرى، والطرق التي يتم التدخل من خلالها، والمدي الذى يصله التدخل، تجعل مبدأ عدم التدخل محكوماً بالاعتبارات السياسية، أكثر من بقية المبادئ التي ينطلق منها القانون الدولي.

وإذا كان من المسلم به أن مشكلة التدخل، تشتمل على جانب قانوني وآخر سياسي، فإن هناك عدم اتفاق فيما يتعلق بالتفرقة بينهما، وكذلك بكيفية ارتباطهما، رغم أن العلاقة بين القانون الدولي والسياسة الدولية هي بذاتها مسألة سياسية [29].

ثانياً: دوافع عملية التدخل

تتعدد العوامل والاعتبارات التي يمكن أن تؤدي إلى التدخل الدولي، ويمكن تحديد أهم هذه العوامل فيما يلي:

1ـ وجود الفرصة، فعندما يوجد عدم استقرار داخلي فإن هذا يتيح فرصة للتدخل، فكما أشار “أوران يانج”، أنه كلما قلت قدرة الفاعل الداخلي على المقاومة، كلما كان عرضة للتدخل الخارجي من دولة أخري، وهذا هو المحدد الأساسي لوجود “فرصة” للتدخل، وكما هو واضح فإن أعداد الدول التي تعاني من عدم استقرار داخلي في تزايد وتزايد، وهو ما يشار إليه بسياسة الهوية، والتي تعبر عن نفسها في الصراعات الإثنية القبلية وفي التعصب الديني، وتتسم صراعات الهوية هذه بأنها مباريات صفرية حادة تستمر لفترات طويلة، ولا تقبل الحلول الوسط السياسية.

وهكذا طالما توفرت الفرصة، توفر الحافز، فعدم الاستقرار في الشئون الداخلية يؤثر على مصالح دول أخري، خاصة في ظل التأثيرات العابرة الحدود، فمصالح الدول أصبحت تتأثر بدرجة كبيرة بالتطورات الداخلية للدول الأخرى سواء أكانت هذه المصالح سياسية أو عسكرية أو استراتيجية أو اقتصادية أو اهتمامات إنسانية وقيميه.

2ـ القدرة على التدخل، وهي تزداد كلما امتلكت دول عديدة قوة عسكرية كبيرة ـ وهذا هو الوضع الحالى ـ ومن ثم تكون هذه الدول قادرة على توظيف قوات كافية لتدخلات عسكرية، ولأن العلاقة التدخلية ثنائية “متدخل، ودولة هدف للتدخل”، فإن ضعف القدرة على منع التدخل يزيد من احتمالات حدوثه، كما أن محدودية الاستراتيجيات البديلة تعد من العوامل المساعدة للتدخل.

وبعد الحرب الباردة تعددت العوامل التي أدت لاتساع نطاق عمليات التدخل الدولي، ومن ذلك:

أ ـ تفككت الكتلتين مما سبب فقدان السيطرة السياسية وتعدد مراكز اتخاذ القرارات ولم يؤد ذلك إلى تخفيض حدة التحديات أو الأزمات الدولية، بل على العكس، ففي أثناء الحرب الباردة لم يكن لدولة مثل العراق ـ حليفة للاتحاد السوفيتي وتستمد منه كل أسلحتها ـ إن تغزو دولة مثل الكويت حليفة للولايات المتحدة والغرب.

ب ـ انخفضت التهديدات الخارجية، وضعفت نظم التحالف، وتآكل نظام القطبين، وتحطمت العديد من الدول متعددة القوميات، ودخلت القومية مرحلة جديدة، فأصبحت الحركات تعرف بإثنيتها أكثر من أيديولوجيتها السياسية وأراضيها، وحولت معظم هذه الجماعات نشاطها ضد من هم في حدودها، وهكذا انتشرت الصراعات الداخلية التي لم تتطلب ـ كما يري “موينيهان” ـ سوي وجود اختلافات صغيرة وليست كبيرة لينشأ صراع إثني، وساعد على ذلك اختفاء حلف وارسو، وانتهاء تقسيم أوروبا وما تلى ذلك من تفكك الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا وآثار ذلك من حرب ليست عبر الحدود فقط، ولكن داخل الحدود بين قوميات ترغب في إقامة دول جديدة.

ج ـ إنعاش القوي السياسية الكبري التقليدية، فلم يعد العالم ينقسم على المحور الشرقى ـ الغربي، بل تمكنت بعض الدول القوية في بعض المناطق على تحدي الولايات المتحدة، وأظهرت الدول الصديقة أو الحليفة رغبة أكبر في اتخاذ مواقف تدعم مصالحها القومية الضيقة، وأخذت كل دولة تتصرف بناءً على مصلحتهما القومية، ومن ثم أصبح عادياً أن نسمع عن التقارب الروسي الصيني وفقاً لمصلحتهما القومية وليس كأعداء للولايات المتحدة، وبالتالي سمعنا أيضاً عن التقارب الفرنسي الروسي أو التقارب الفرنسي الصيني.

د ـ انتشار التكنولوجيا العسكرية التقليدية، من كيميائية وحيوية ونووية وآليات توصيلهم، مما خلق نوعاً من عدم الاستقرار بين من يملك هذه الأسلحة ـ غير التقليدية بالذات ـ واحتمال أن يستخدمها، من لا يملك ويخشى أن يقع فريسة لاستخدام أعدائه لها.

وفي إطار هذه الاعتبارات، حدد البعض ثلاثة أبعاد لدوافع التدخل:

الأول: الدوافع التي تنبثق من مجتمع القوة المتداخلة، والفرض المقدمة بهذا الصدد تشير إلى احتمال وجود متغيرات مجتمعية تزيد من الميول التدخلية يبدو قليلاً إلى حد كبير، فمعني وجود هذه المتغيرات أنه توجد مطالب موجهة إلى المسئولين بالتدخل، ويتناقض هذا ما هو معروف عن دور الرأي العام كمتغير في سلوك مسئولي السياسة الخارجية، فثمة اعتقاد بأن السلبية هي الوضع المعتاد للرأي العام تجاه الشئون الخارجية، وأن أقصى دور متصور للرأي العام بهذا الصدد هو إمكان قيامه بدور القيد على سلوك هؤلاء المسئولين، ومن ثم فإن الرأي العام نادراً ما يستثار أو ينظم إلى درجة الضغط من أجل أتباع مبادرات جديدة في السياسة الخارجية، تخرج على الأساليب المألوفة.

وفي المناسبات القليلة التي تثير فيها التطورات الخارجية قطاعات رئيسية من الشعب، بحيث تطالب بسلوك خارج على المألوف تكون بؤرة اهتمامه عادة هي تصرفات الحكومات الأجنبية، وليست أبنية السلطة فيها، ومن ثم فقد يلح الرأي العام على إجراءات كقطع العلاقات الدبلوماسية أو القيام بإجراءات اقتصادية انتقامية… الخ، ولكن الأمر لا يصل إلى درجة حدوث ضغط شعبي من أجل القيام بجهود لتغيير الأفراد أو الطريقة التي يحكم بها مجتمع آخر نفسه، وعلى أية حال فإن السلطة الخارجية بعيدة للغاية عن الاهتمامات اليومية للمواطنين، بحيث لا تدفعهم إلى المطالبة بالتدخل، وبالطبع فإنه يمكن دائماً أن توجد استثناءات لهذه القاعدة.

الثاني: ينبثق من مجتمع الدولة هدف التدخل: فالتدخل يكون أكثر ما يكون انتشاراً كلما وجدت دول ضعيفة إلى الحد الذى يجعلها معرضه للتدخل، ويعبر “يانج” عن ذلك بقوله: “إن أحد الدوافع الرئيسية للتدخل هو القدرة الذاتية للفاعلين في النظام الدولي على الحياة داخلياً، فكلما قلت هذه القدرة زاد احتمال التدخل من قوي خارجية، خاصة وأن الواقع يشير إلى أن الجماعات المحلية المختلفة تميل في هذه الحالة إلى الاعتقاد بملاءمة تشجيع التدخل”.

ويعبر “روزنو” عن نفس المضمون بقوله: “إن استقرار الدول في النظام الدولي يشكل أحد دوافع التدخل، فكلما قل استقرار أبنية السلطة في الدول الأجنبية زاد احتمال المحاولات الخارجة عن المألوف للحفاظ على هذه الأبنية أو لتغيرها، إذ أنه من المحتمل أن يتأثر مسئولي السياسة الخارجية باستقرار الحكومات الأجنبية، بحيث أنه كلما قل هذا الاستقرار زاد استعدادهم إلى التدخل لتجنب المخاطر أو الاستفادة بالمزايا التي يمكن أن تنتج عن المواقف غير المستقرة.

الثالث: ينبثق من بنية النظام الدولي بصفة عامة: وهنا تشير الفروض إلى أن دوافع التدخل، تميل إلى الازدياد كلما ازداد انتشار الأيديولوجيات السياسية الحركية، فوجود فاعل أو أكثر من ذوي الميول الأيديولوجية القوية، يزيد من الضغط من أجل التدخل أو التدخل المضاد، كما أن وجود مفاهيم متنافسة عن النظم السياسية يحفز إلى المزيد من التدخل وإلى زيادة دوافع التدخل، وفي الحالات المتطرفة من القطبية الثنائية من المحتمل أن يقوم صانعوا القرار لدي الفاعلين المتنافسين الرئيسين بتقسيم العالم من الناحية الأيديولوجية ويحبذون التدخل حينما يساعد هذا التدخل على توسيع نطاق سيطرة المفاهيم التي يؤيدونها، أو عندما يحفظ نفوذهم[30].

ويفترض “روزنو” أنه حين تكون الخصوبة الأيديولوجية شديدة يزداد الاحتمال في أن يضفي صانعوا القرار أهمية على التغيرات الحكومية الممكنة في الخارج بدرجة أكبر مما لو كانت السمات الأيديولوجية أقل بروزاً في الحياة الدولية، ومن الحقيقي لديه أنه حينما تكون الأيديولوجية سمة واضحة للغايات وللسياسات الدولية، فإن الرغبة في إحداث تغيرات حكومية في الخارج قد تثير سلوكاً تدخلياً، تحى على الرغم من أن إمكانية إحداث مثل هذه التغيرات قد تكون بعيدة للغاية.

ثالثاً: أنواع التدخل

عالجت الدراسات الفقهية أنواع التدخل، وكان التركيز على التدخل العسكري وبدرجة أقل على التدخل السياسي، كما كانت تشير إلى التدخل الاقتصادي إشارات مقتضبة، وهنا تم التأكيد علي أن أنواع التدخل كثيراً ما تختلط ببعضها، على الأقل بالنسبة لأهداف التدخل.. فالتدخل العسكري، قد يترافق مع تدخل سياسي وتدابير اقتصادية لتحقيق هدف معين[31].

ويذهب جانب من الفقه إلى تقسيم التدخل إلى ثلاثة أنواع:

ـ تدخل داخلي: وهو يعني تدخل دولة في مسائل متنازع عليها في دولة أخري، وهي غالباً ولكن ليس بشكل دائم تتعلق بتغييرات دستورية..

ـ تدخل عقابي: وهو يعني، اتخاذ تدابير عقابية من قبل دولة ضد أخري لإجبارها عل مراعاة التزاماتها التعاقدية، وتصحيح أخطائها غير المشروعة..

ـ تدخل خارجي: ويعني، تدخل دولة في علاقات الدولة الأخرى دون رضاء من هذه الدول. كما يقسمه جانب آخر من الفقه إلى ثلاث صور هي: التدخل المذهبي، والتدخل المالي، وتدخل البوليس الدولي[32].

وإذا ما أخذنا التدخل بمفهومه الواسع، فإنه يبدو في أدني صوره من خلال الخطابات الموجهة إلى دولة أخري، أو إلى شعب دولة أخري للإطاحة بحكومتها مثلاً، أو إنشاء إذاعات لبث رسائل مناهضة لأنظمة الدول المستهدفة[33].

كما أنه يمكن النظر إلى المساعدات الاقتصادية على أنها شكل آخر للتأثير على الشؤون الداخلية لدولة أخري، فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة تهدف من تقديم المساعدات الاقتصادية للسلفادور، كما كان الاتحاد السوفيتي يهدف من تقديم المساعدة الاقتصادية لكوبا إلى التأثير على الشؤون الداخلية لتلك البلاد.

ويعتبر تقديم الرشوة أحد الأشكال غير المشروعة للمعونة الاقتصادية، والتي تعد تدخلاً في الوقت نفسه. ففي أثناء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تقدمان الكثير من المساعدات للانتخابات في الدول الأخرى؛ وفي السبعينات أنفقت الحكومة في كوريا الجنوبية، أموالاً طائلة للمساعدة في انتخابات سياسيين أمريكيين، يؤيدون مصالحها.

ومن أشكال التدخل تقديم الخبراء العسكريين والمساعدات العسكرية. ففي الأيام الأولي لحرب فيتنام، بدأت الولايات المتحدة تدخلها بمساعدات اقتصادية، تلتها مساعدات عسكرية، وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي وكوبا اللذين قدما معونة وخبرات عسكرية إلى نيكاراجوا. وأحد أشكال التدخل الأخرى يتمثل في مساعدة المعارضة[34].

ومن أشد أشكال التدخل وضوحاً، التدخل العسكري، الذى تتنوع أسبابه، إلا أن المصالح الاقتصادية للدولة كثيراً ما كانت تحمل الدول على التدخل المباشر، ولو كان بالقوة العسكرية لحماية هذه المصالح خارج الحدود[35]؛ كما تختلف درجاته أيضاً.

ومن حالات التدخل العسكري قصف الولايات المتحدة لليبيا في الثمانينيات بدعوي مساندتها للإرهاب، والقصف الإسرائيلي للسودان في أواخر التسعينيات بحجة وجود مصانع أسلحة كيماوية، والقصف الأمريكي ـ البريطاني المتكرر للعراق بعد خروج القوات العراقية من الكويت. وأما أقصى درجات التدخل العسكري، فتتمثل في الغزو العسكري الكامل؛ ومن ذلك القبيل، الغزو الأمريكي للدومينيكان عام 1965، وجرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، وكذلك أعمال الاتحاد السوفيتي في المجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 وأفغانستان عام 1979، وإذا كانت التدخلات العسكرية غالباً ما تتم من جانب الدول العظمي، فإنه يمكن أن يكون من جانب دول أخري، ومن ذلك ما قامت به تنزانيا من إرسال قوات إلى أوغندا عام 1979، وكذلك الغزو الفيتنامي لكمبوديا[36].

وقد تزايد اللجوء إلى التدخل العسكري بشكل ملحوظ بعد انتهاء الحرب الباردة؛ ومن بين أهم واخطر الادعاءات لتبرير هذه التدخلات[37]:

ـ التذرع بالتدخل الإنساني، كالتدخل الأمريكي في الصومال بناءً على قرار من مجلس الأمن؛ وتدخل حلف الأطلنطي في البلقان لإنهاء أزمة كوسوفا.

ـ التذرع بالديمقراطية، فقد ازداد دور المنظمات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة بشكل كبير، واتسع نطاق التدخل عندما أخذت المؤسسات الدولية على عاتقها حمل رسالة حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية.

وشهدت فترة ما بعد الحرب الباردة تغيرات عديدة، حيث ازدادت الدعوة إلى تبني الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، من جانب النظام الليبرالي الذى رأي نفسه النموذج الأمثل لهذه المفاهيم؛ بل أن جانباً من الفقه الغربي ذهب إلى الادعاء بأن الحق بالحكم الديمقراطي المضاد للنظام الحكومي القائم، يمكن أن يكون مشروعا.

بينما تجاوز البعض هذه الفكرة إلى إمكانية تدخل المؤسسات الدولية باستعمال القوة، حيثما حكم بأن النظام الحكومي غير شرعي، عندما يقوم بسلوك مناف للحكم الديمقراطي، أو لحقوق الإنسان.

إلا أن المقصود من هذه الدعوات، هو توسيع مجال التدخل الدولي على حساب سيادة الدول. ويحدد دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان نموذجاً معيناً، هو النموذج الليبرالي الذى كان سائداً منذ القرن التاسع عشر. وبينما يركز مؤيدو الديمقراطية على آليات المنافسة الانتخابية كمعيار للديمقراطية، نجد مؤيدي التدخل يتبنون فكرة مفادها أن الديمقراطية يمكن أن تتوافق مع التقسيم الحاد للمجتمع، طبقاً للأصل والنوع والجنس؛ وبالنتيجة فإن التدخل يكون مشروعاً إذا كان يستتبع خلق الديمقراطية[38].

وهذا المفهوم لمعني الديمقراطية، يفترض دوراً محدداً للحكومة. فالديمقراطية حسب المفهوم الليبرالي لا تتمثل في المقدرة على المشاركة الجماعية في القرارات المؤثرة، وإنما تتمثل في تأكيد الحرية الفردية في ممارسة العمل دون تدخل حكومي غير لازم.. والحقيقة أن الانتباه إلى المناقشات حول معني الديمقراطية وحقوق الإنسان، يظهر أن هذه المصطلحات هي من المسائل الخلافية، وأنه ليس هناك اتفاق حقيقي على ما تعنيه هذه المفاهيم.

إلا أن رفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لإضفاء المشروعية على التدخل، يتجاهل النقد التقليدي للديمقراطيات الليبرالية، كما يتجاهل مسألة المفاضلة بين حقوق الإنسان وأولوية بعضها على البعض الآخر، نظراً لأن الدعوة للتدخل من أجل حقوق الإنسان وفق المفهوم الغربي، تركز على الحقوق السياسية، دون الحقوق الاقتصادية التي تراها بعض الدول أكثر أهمية ولاسيما الدول النامية[39].

ومن هنا يمكن القول أن مضمون مفهومي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وفق المنظور الليبرالي، يمكن أن يتوافق مع مفهوم الاستعمار سابقا؛ والعولمة حالياً. فالصيغة الليبرالية للديمقراطية في القرن التاسع عشر، شكل مناسب للمجتمع الغربي، الذى يقوم على تهميش وإهمال مصالح الشعوب الأخرى. أي أنه يمكن وصفها بأنها ديمقراطية مبتورة يستخدمها الغرب، ليس كجزء من الاصطلاح الاجتماعي، وإنما كبديل عنه، ويحاول الغرب تبرير التدخل من أجل الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان من خلال رؤيتهم التي تقوم على أن الديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الغربية، وإن ما عداها ليست ديمقراطية، أو ضد الديمقراطية.

ويؤكد جانب من الفقه أن التدخل الإنساني ـ إذا ما أقرت مشروعيته ـ فسوف يستخدم فقط من دول قوية نسبياً، ضد دول ضعيفة نسبياً. وأنه سيستخدم كذريعة لحماية المصالح التجارية؛ أو كحيلة لتبرير التدخلات التي تكون بواعثها ضد الإنسانية. وإذا كان التدخل الإنساني قد عولج منذ بداية نشأة القانون الدولي، فإنه بعد قيام الأمم المتحدة أصبح موضع تشكيك في مدي مشروعيته، ولاسيما بعد تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية[40].

وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول أن أهم صور التدخل، وفق المفهوم الواسع له، تتمثل في:

1ـ الدعاية والتجسس والتدخل غير المعلن: يعد التدخل غير المعلن، أداة من أدوات السياسة الخارجية ـ القائمة على الخداع والسرية، وتشمل عمليات خاصة من التلاعب في الانتخابات الخارجية، أو الإطاحة بحكومات خارجية أو اغتيال للقادة السياسيين، أو مساعدات مالية سرية ويواجه هذا النوع صعوبة في دراسته لأنه غير معلن، ومن ثم فدراسته تعتمد على الترجيح وليست على الوثائق.

والتدخل السري، قد يستخدم لدعم حلفاء أو أصدقاء يضيرهم إظهار حاجتهم للمساعدة في هذا الوقت، ويعد في حالات معينة، البديل الوحيد للقيام بالتدخل العسكري المباشر، أو عدم فعل أي شيء، وكلاهما قد يكلف كثيراً مقارنة بالعمل السري، كما قد يكون عملاً وقائياً، من أعمال سرية من دول أخري، ومن ثم فقد يكون لإحباط خطط الأخرىن، وفي بعض الحالات يكون النظام السياسي معقداً، بدرجة تعيق اتخاذ قرارات حاسمة سريعة التنفيذ، في أوقات الأزمات، ومن ثم فإن مجال السرية هو مجال القرارات الحاسمة.

إلا أن الأعمال السرية، في معظمها أعمال غير قانونية، وتعد من أعمال الحرب، ومحاولة لفرض إرادة أمة على أخري، وهي خرق لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي، كما أنها أمر مناف للطبيعة الديمقراطية وله أضرار كثيرة.

2ـ التدخلات القولية، والتصريحات أو الحملات الدبلوماسية: وغيرها من صور الضغط السياسي التي يتم اعتبارها تدخلا، وهذا النوع، في أغلبه، لا يمكن تمييزه عن الضغوط السياسية العادية خاصة وأنها عادة ما تتم في سرية.

3ـ المساعدات الاقتصادية والعسكرية: إن المساعدات الخارجية تعد أداه لتخفيف المعاناة الإنسانية “تحقيق هدف إنساني”، أو تشجيع النمو الاقتصادي “تحقيق هدف تنموي”، أو للمساعدة على استقرار المجتمعات غير المستقرة “تحقيق هدف أمني”، أو لتحسين القدرة الدفاعية للحكومات الحليفة “تحقيق هدف عسكري”، أو لضمان التأثير على الدولة المتلقية للمساعدات “تحقيق هدف سياسي”.

فبرامج المساعدات، بالرغم من نواياها المختلفة، تعد أداة للتدخل خاصة إذا ما قدمت للمتمردين في دولة ما، وهو ما يطلق عليه البعض التدخل شبه العسكري، وبالتالي تعد المساعدات في هذه الحالة وسيلة لتجنب تكاليف الحرب على يد العملاء، وهو أمر يتنافى مع القانون الدولي، فالحكومة الشرعية هي وحدها صاحبة الحق في طلب، أو الحصول على المساعدات من الدول الأخرى، بينما لا يحق للمتمردين الثوار، على الأقل حتي يتم إعلانهم طرف متحارب، طلب مساعدات، وهنا يثار دور “عدم التدخل” لاعتباره بمثابة “تدخل” لمساندة الحكومة على الثوار بالامتناع عن مساعدة الثوار.

ولأهمية دور المساعدات، خاصة الاقتصادية، فقد حاول “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” الانكتاد “UNCTAD”، تنظيم هذه العلاقة التي كانت تعد علاقة خاصة بين المستثمر الأجنبي والدولة المتلقية، عن طريق آلية القانون الدولي، فأصدر قراراً في ديسمبر 1962 بالتأكيد على السيادة الاقتصادية والسيطرة على الموارد الطبيعية لكل دولة، ولكن هذا الاتجاه لم ينجح واستمر الشكل الاقتصادي كأبرز مظاهر اختراق السيادة وتمثل بشكل واضح في شروط المساعدات الاقتصادية والتقنية التي يقدمها الغرب.

وفكرة استخدام المساعدات الاقتصادية، أصبحت سلاحاً استراتيجيا واسع الاستخدام، ينطوي على تنازلات سياسية واستراتيجية واضحة من جانب الطرف المتلقي. وأصبح هناك توسع في استخدام هذا السلاح لفرض أنماط معينة من السياسات والتوجهات، ودمج المجتمعات المتلقية في شبكة واسعة من العلاقات والنظم وصولاً لما يعرف بالتبعية، ولم تعد المساعدات تقدم باسم الصداقة والتعاون، وإنما صارت هناك مفاوضات تتداولها وسائل الإعلام حول حجم وشروط المساعدات الاقتصادية، التي يمكن أن تقدمها دولة ـ أو مجموعة دول ـ لأخري مما “يوحى” بأن هذا التدخل قد أصبح شرعياً، وإن “شرعيته” تستند إلى قوة المال لا إلى نص القانون، وإنه أصبح يمس الأمور التي تتعلق بصميم السيادة الوطنية، مثل تقرير طبيعة النظام سياسياً واقتصادياً.

ويقابل المساعدات الاقتصادية المقاطعة الاقتصادية، وتثير المقاطعة أسئلة وإشكاليات كبيرة، مثل من له حق إصدار وتنفيذ هذه القرارات العقابية في ظل غياب حدود دنيا للتوازن الدولي، وسيطرة دولة كبري، وهل يمكن أن يوجد دور لمجلس الأمن وللأمم المتحدة في ذلك؟ [41].

4ـ التدخل الإعلامي: ففي عصر تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات تستطيع الدول المتحكمة في وسائل الاتصال ووكالات الأنباء أو حتي عن طريق السينما العالمية، إن تصدر تصورات الطرف الأكبر وقيمه، ومن ثم تعيد تشكيل الوعي لدي الأطراف الأصغر قدرة والأقل إمكانيات.

5ـ التدخل العسكري: وفي إطاره يتم التمييز بين: التدخل العسكري “المباشر” و”غير المباشر”، والمباشر يتم فيه التدخل بالقوات المسلحة العادية للدولة المتدخلة، أو عن طريق القوات الموجودة بحلف ما، ويتميز هذا النوع بالانتقائية الشديدة، فلا توجد قواعد تحكمه، كما أن يصدر ـ في العديد من الحالات ـ من الفرع التنفيذي للدولة، وليس بالضرورة من الفرع التشريعي، ويكون عادة بعيداً عن تأثيره.

أما التدخل العسكري “غير المباشر” فيشمل المساعدات العسكرية ودور البعثات الاستثمارية العسكرية “الخبراء العسكريين”، وهذه المساعدات تعد من أهم صور التدخل، خاصة إذا ما تزايد نشاط هؤلاء الخبراء أو إذا ما حدث عدم رضا من الدولة المقدمة للمساعدات العسكرية عن مستوي وتصرفات الدولة التي تحصل على هذه المساعدات، ومن ثم تقوم هي بالعمليات التي تراها، أي يتحول إلى الشكل العسكري المباشر.

والمساعدات العسكرية ليست محظورة دوليا أو قانونياً، كما لا يوجد ما يمنع وضع الدولة المانحة لشروط لإعطاء هذه المساعدات بربطها بتدخلات أساسية في شئون الدولة المتلقية للمساعدة، وهو ما يعتبره البعض اتفاقاً مرضياً للتدخل، ومن ثم تدخل محظور واسع.

وتتعدد أغراض التدخل العسكري، ومن بينها:

أ ـ الردع: بإقناع الخصم بأن التكاليف والمخاطر لتصرف ما له من العواقب أكثر من المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها، وتعد تحركات القوات العسكرية مكون أساسي لاستراتيجية الردع فوجود وانتشار القوات في مكان ما يؤكد وجود مصلحة والاستعداد لاستخدام القوة إذا ما هوجمت هذه المصلحة.

ب ـ الهجوم الوقائي: وهو يهدف إما إلى وقف دولة أو طرف ما من تطوير قدراته العسكرية قبل أن تصبح قدرة مهددة للطرف الذى يقوم بالهجوم الوقائي، وإما أن يهدف الهجوم الوقائي إلى ضرب وتدمير هذه القدرات “مثل ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في عام 1981، وكذلك ضرب معاقل الأسلحة غير التقليدية للعرق أثناء حرب الكويت”.

ج ـ الإجبار: وهو استخدام سري للقوة هدفه التأثير على صنع القرار بضرب الأهداف القومية المختارة بدقة، والتي لها قيمة في عيون شعب الدولة وقيادته، أو على الأقل استهدافها إظهار القدرة والنية على ضرب هذه الأهداف، ومن ثم إقناع الدولة المستهدفة بتغيير حساباتها، والفرق بين الردع والإجبار يحدده الأستاذ “روبرت أرت” بأنه الفرق بين الاستخدام الفعلي وعدم استخدام القوة، فنجاح الردع يكون بعدم استخدام القوة، أما نجاح العمل الإجباري يكون بمدي تنفيذ العدو لما طلب منه، وعادة ما يكون نمط الإجبار تصاعدياً، وهو أسلوب قديم عرف من قبل باسم دبلوماسية القوات البحرية، وإن كان الآن يستخدم القوات الجوية أكثر.

د ـ الهجمات العقابية: وتهدف إلى إيقاع خسائر وألم للدولة المستهدفة ـ كثمن لتصرفاتها، كأن تعتبر دولة ما تصرفاً ما من أخري بأنه أضرها ضرراً يستحق عقاب الدولة المتسببة في هذا العمل، ومن ثم فهذا العمل قد يؤدي إلى مزيد من الأعمال العدائية[42].

هـ عمليات السلام: وتتضمن عمليات عسكرية لحفظ السلم أو لبناء السلم أو لصنع السلم، وسوف نعرض لها في إطار الحديث عن التدخل المبرر باعتبارات إنسانية لاحقاً.

و ـ الحظر: ويتضمن الاستخدام المباشر للقوة المسلحة لمنع معدات أو موارد أو بضائع أو أشخاص معينين من الوصول لمكان أو مينا محدد ويمكن أن يتم ذلك في إطار تطبيق عقوبة معينة، مثل ما حدث في عمليات القوات البحرية متعددة الجنسيات لفرض العقوبات الاقتصادية على العراق منذ منتصف 1990.

ي ـ العمليات الإنسانية: سواء في مهام إنقاذ لمواطني الدولة نفسها أو في علميات التدخل لاعتبارات إنسانية[43].

6ـ التدخل لحماية الموظفين الدوليين: وهي سابقة في تاريخ الأمم المتحدة أشار إليها الأمين العام للمنظمة د. بطرس غالى في خطة السلام، وضعها عام 1992، حيث أنه نظراً للحاجة الملحة لتوفير حماية كافية لموظفي الأمم المتحدة، الذين يعملون في ظروف تعرض حياتهم للخطر، فقد أوصى الأمين العام مجلس الأمن أن ينظر جدياً في الإجراءات التي ينبغى اتخاذها ضد من يعرضون موظفي الأمم المتحدة للخطر، أي إمكانية اتخاذ تدابير جماعية، بناء على الفصل السابع من الميثاق في حالة تعرض عملية الأمم المتحدة لأعمال عدائية[44].

7ـ التدخل المعلوماتي: ففي عالم يتجه نحو المعلومات والطرق السريعة لنقل المعلومات، ومع الربط الحالى لشبكات المعلومات، فإن الطرف الأكثر تقدماً يمكن أن يصدر تصوراته عما يحدث في العالم، وإن يشكل وعياً كونياً تابعاً يحقق استراتيجياته ومصالحه ويخدم ثقافاته واهتماماته[45].

8ـ التدخل لمنع كوارث أو لوقف خطر الإرهاب: فقد اقترح “د. بطرس غالى” إرسال قوات للمراقبة يتم إرسالها لبلاد الشرق الأوسط التي تعاني من الإرهاب، ويتحدد دورها في مراقبة الأوضاع وكتابة تقارير تقصى حقائق في المرحلة الأولي، ثم يمكن في مرحلة ثانية أن تتدخل للفصل بين الحكومة والمتمردين، وذلك بناءً على طلب الدولة، وهذا الاقتراح ينطوي على غرض جديد لعمليات التدخل الدولي لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط [46].

9ـ التدخل الأيديولوجي: وهو صيغة جديدة لفكرة قديمة، فبالرغم من أن هذا العصر يوصف بأنه عصر سقوط الإيديولوجيات، إلا أن منطق “التدخل الاقتصادي بصورته الثوابية والعقابية يمثل في جوهرة تدخلاً إيديولوجياً، بمعني أنه يسعي لفرض عقائد ورؤى سياسية محددة[47].


الهامش

[1] د. علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، القاهرة، دار نشر الثقافة بالإسكندرية، ط2، 1948، ص 178.

[2] جاء في المادة الثانية من إعلان حقوق وواجبات الأمم الذى أقره الاتحاد القانوني الدولي عام 1919، ما يؤيد ضمناً هذه الوجهة من النظر، حيث نصت المادة علي أنه: “يجب أن يفهم أن استقلال الدولة يعنى أنها تستطيع بحرية أن تعمل في سبيل تقدمها، دون أن يكون لأية دولة أخري أن تتدخل استناداً إلي سلطانها وحده في ممارسة نشاطها الداخلي أو الخارجي”. (د. علي صادق أبو هيف، مرجع سابق، ص 180 ـ 182).

[3] نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية منه بقولها “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو علي أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة” ولم يقتصر الميثاق علي تسجيل مبدأ عدم تدخل الدول في شؤون دول أخري، بل لم يبح للتنظيم الدولي نفسه التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء إذ قال: “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق”.

[4] د. بطرس غالي، التدخل العسكري الأمريكي والحرب الباردة، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد7، يناير 1967، ص 6 ـ 7.

[5] د. عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والأبعاد السياسية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، 2000، ص 145 ـ 146.

[6] محمد أبى بكر عبد القادر الرازي، المختار الصحاح، بيروت: دار التنوير العربي، ص 200.

[7] منير البعلبكي، المورد، بيروت: دار العلوم للملايين، ط22، 1994، ص 477.

[8] مسعد عبد الرحمن، تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 2001، ص 91.

[9] يعرفه د. الغنيمى بأنه: “تعرض دولة لشئون دولة أخري بطريقة استبدادية، وذلك بقصد الإبقاء علي الأوضاع الراهنة أو تغييرها، ومثل هذا التدخل قد يحصل بحق أو بدون حق….”. أنظر: د. الغنيمى، مرجع سابق، ص 292.

ويعرفه د. عبد الواحد الفار بأنه: “ضغط فعلي تمارسه دولة أو عدة دول أخري، بقصد إلزامها بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، أو بالعدول عن تصرفات تعسفية تأتيها الدولة ضد المصالح الخاصة للدول الأجنبية، أو الأجانب المقيمين علي أراضها”. د. عبد الواحد الفار، مرجع سابق، ص23.

ويعرفه د. علي إبراهيم بأنه: “سلوك أو عمل صادر عن دولة ما تبحث عن التسلل داخل النطاق المقصور علي دولة أخري، بهدف مساعدتها علي تنظيم شؤونها الخاصة بها، أو الحلول محلها وتنظيمها بدلاً منها، أو تنظيمها بشكل معين حسب هوى ورغبة الأولي”. د. علي إبراهيم، الحقوق والواجبات الدولية في عالم متغير، مرجع سابق، ص 413.

ويعرفه د. محمد مصطفي يونس بأنه: “كل عمل إرادي علي درجة من الجسامة يباشره شخص قانوني دولي بغية حرمان الدولة المعنية من التمتع بسيادتها واستقلالها”. د. محمد مصطفي يونس، مرجع سابق، ص 32.

ويصفه د. محمد عبد الوهاب الساكت بأنه: “إقحام دولة لنفسها إقحاماً استبدادياً بحق أو بدون حق في الشؤون الخارجية أو الداخلية لدولة أخري، وبغرض تغيير الأوضاع القائمة فيها، أو المحافظة عليها أو إرغامها علي القيام بعمل معين أو الامتناع عنه، مستعمله في ذلك نفوذها أو سلطتها وما لديها من وسائل الضغط، وهو بهذا يمس الاستقلال الخارجي والسيادة الإقليمية والشخصية للدولة المعنية…”. أنظر: د. محمد عبد الوهاب الساكت، دراسات في النظام الدولي المعاصر، دار الفكر العربي، 1985، ص 115 ـ 116.

[10] كانت مواقف بعض الدول الكبري من مبدأ التدخل متناقضة إلي حد كبير. فعقب الثورة الفرنسية أعلنت فرنسا تمسكها بمبدأ عدم التدخل ضماناً لعدم الاعتداء علي حرية الشعوب، ولكنها أعلنت أنها ستقف إلي جانب الشعوب التي ترغب باستعادة حريتها، أي أنها أعلنت تمسكها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى.

وقد أثبتت فرنسا أن سياستها الحقيقية، عقب الثورة، قائمة علي التدخل، وهذا ما أكدته حروبها التوسعية. ولكنها بعد ذلك تراجعت عن التدخل وأكدت تمسكها بمبدأ عدم التدخل، نتيجة وقوف الحلف المقدس ضدها، لاسيما وأن الجيوش الفرنسية قد ضعفت نتيجة هذه الحروب. وكان القصد من التمسك بمبدأ عدم التدخل، هو منع الدول الأخرى من التدخل في شؤون فرنسا. أنظر: بوكرا أدريس، مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي المعاصر، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1990، ص 21 ـ 22.

وبالمثل، فقد أعلنت الولايات المتحدة المبدأ المعروف بمبدأ “مونرو”؛ وقد كان هذا المبدأ ناتجاً بشكل مباشر عن سياسة التدخل لصالح المشروعية التي اتبعها الحلف المقدس في بداية القرن التاسع عشر بعد هزيمة نابليون. فقد كانت دول الحلف تميل إلي مد سياساتها التدخلية إلي أمريكا؛ وإن تساعد أسبانيا في استعادة سيطرتها علي المستعمرات الأسبانية في أمريكا الجنوبية، التي أعلنت استقلالها واعترفت بها الولايات المتحدة كدول مستقلة ذات سيادة. ولتجنب الخطر الوشيك، صرح الرئيس الأمريكي “جيمس مونرو” في رسالته السنوية إلي الكونجرس في 2 ديسمبر 1823، عن ثلاث نقاط مختلفة تماماً ولكنها متساوية الأهمية:

1ـ فيما يتصل بالحدود غير المستقرة في شمال غرب القارة الأمريكية، ومع الإشارة الخاصة للتحديات الروسية في 28 سبتمبر 1821، أعلنت الرسالة أن: “القارة الأمريكية من خلال وضعها الحر والمستقل، الذى استطاعت فرضه والحفاظ عليه، هي من الآن فصاعداً لا يمكن اعتبارها خاضعة للاستعمار المستقبلي من قبل أية دولة أوروبية”. هذا الإعلان لم يكن معترفاً به من قبل الدول الأوروبية، وقد هاجمته بريطانيا وروسيا صراحة؛ وفي الواقع فإنه لم يكن هنالك ثمة احتلال لأي إقليم أمريكي، من جانب أي دولة أوروبية منذ ذلك الإعلان.

2ـ استمرار سياسة الرئيس “واشنطن” المعبر عنها في الرسالة التي بعثها عام 1796، والتي تقرر أنه: “في الحروب بين الدول الأوروبية، في مسائل فيما بينهم، فلن نقف بأي جانب، وليس من المتناسب مع سياستنا أن نفعل ذلك…”.

3ـ بخصوص تدخل الحلف المقدس فيما بين أسبانيا ودول أمريكا الجنوبية، أعلنت الرسالة أنه في الوقت الذى لم تتدخل فيه الولايات المتحدة، ولن تتدخل في الحروب في أوروبا؛ فإنها من جانب آخر، ومن أجل السلام، فإنها لن تسمح لدول الحلف الأوروبية أن تمد نظامها السياسي إلي أي جزء من أمريكا وأن تحال أن تتدخل في استقلال جمهوريات أمريكا الجنوبية.

ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة من خلال إعلانها مبدأ عدم التدخل وتمسكها به تجاه الدول الأوروبية، فإنها تبيح لنفسها التدخل في شؤون الدول الأمريكية، إذ يبدو أنها أعطت لنفسها الحق في التحدث عن غيرها من الدول. حول مبدأ “مونرو”.

[11] تنص المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة علي: “إن هذا المبدأ ـ مبدأ عدم التدخل ـ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”.

[12] د. عبد العزيز سرحان، النظام الدولي الجديد والشرعية الدولية وأثره علي العالم العربي دراسة في ضوء النظرية العامة للمنظمات الدولية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1993، ص 6 وما بعدها.

[13] محمد بجاوى، مرجع سابق، ص 203. وراجع بشأن نسبة العمل المترتب للمسؤولية الدولية علي شخص دولي، د. إبراهيم العنانى، القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 95 ـ 99.

[14] نصت المادة السابعة عشر من ميثاق الأمم المتحدة في فقرتها الثانية، علي أن: “يتحمل الأعضاء نفقات الهيئة حسب الأنصبة التي تقررها الجمعية العامة”. وعادة ما تنص مواثيق المنظمات الدولية علي كيفية معالجة الإخلال بهذه الالتزامات. فقد نصت المادة التاسعة عشر من ميثاق الأمم المتحدة، علي أنه: “لا يكون لعضو الأمم المتحدة الذى يتأخر عن تسديد اشتراكاته المالية في الهيئة، حق التصويت في الجمعية…”.

كما نصت الفقرة الرابع من المادة السابعة من اتفاقية منظمة التجارة العالمية علي أنه: “علي كل عضو أن يسدد في أسرع وقت مساهمته في مصروفات المنظمة، وفقاً للأنظمة المالية التي يعتمدها المجلس العام”. في حين نصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها، علي أن “تقترح لجنة الميزانية والمالية والإدارة علي المجلس العام أنظمة مالية تتضمن أحكاماً تحدد: الإجراءات التي تتخذ بشأن الأعضاء الذين يتأخرون عن سداد مساهماتهم”.

[15] لا تزال ظاهرة التبعية في المنظمات الدولية قائمة ولو بشكل مخفف، وكلما ظهرت أغلبية مستقلة من دول العالم الثالث، تشهر الدول الكبري في وجه الدولة الصغيرة، سلاح المعونة المالية والعسكرية والثقافية، بل وسلاح الجوع، بالتهديد بحرمانها من المعونة الغذائية، من أجل الحصول علي الأصوات في القرارات الهامة”. محمد بجاوى، مرجع سابق، ص 198 ـ 199.

[16] ياسر الحويش، مبدأ عدم التدخل واتفاقيات تحرير التجارة العالمية، رسالة دكتوراه، القاهرة، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 2001، ص 158 ـ 164.

[17] من الألفاظ المعبرة عن هذا الاتجاه، أن التدخل “اختزال أحكام القانون الدولي في جملة واحدة: عدم التدخل”. راجع د. علي إبراهيم، الحقوق والواجبات الدولية في عالم متغير، مرجع سابق، ص 409 وما بعدها.

[18] د. محمد مصطفي يونس، مرجع سابق، ص 24.

[19] جوزيف س. نأي. الابن، المنازعات الدولية، مقدمة للنظرية والتاريخ ـ 1993، ترجمة د. أحمد الجمل، ومجدى كامل، القاهرة، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، الطبعة العربية الأولي، 1997، ص 196.

[20] د. أحمد يوسف أحمد، الدور المصري في اليمن 1962ـ1967، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1978، الجزء الأول، ص 9.

[21] راجع: د. محمد مصطفي يونس، النظرية العامة لعدم التدخل في شئون الدول “دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء مبادئ القانون الدولي المعاصر”، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1985، ص22.

[22] د. محمد مصطفي يونس، مرجع سابق، ص 26.

[23] د. أحمد يوسف أحمد، الدور المصري في اليمن 1962 ـ 1967، رسالة دكتوراه، مرجع سابق، ص 10 ـ 12.

[24] د. محمد مصطفي يونس، النظرية العامة لعدم التدخل في شئون الدول ـ دراسة فقهية وتطبيقية، رسالة دكتوراه في القانون، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1985، ص 29.

[25] د. محمد مصطفي يونس، النظرية العامة لعدم التدخل في شئون الدول “دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء مبادئ القانون الدولي المعاصر”، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1985، ص 29 ـ 31.

[26] د. علي إبراهيم، الحقوق والواجبات الدولية في عالم متغير، مرجع سابق، ص 413 ـ 415.

[27] ياسر الحويش، مبدأ عدم التدخل واتفاقيات تحرير التجارة العالمية، رسالة دكتوراه، القاهرة، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 2001، ص 153 ـ 158.

[28] عبير بسيوني، التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية ـ حالة التدخل في العراق: مارس 1991ـ سبتمبر 1996، رسالة ماجستير في الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1997، ص 2 ـ 12.

[29] ياسر الحويش، مبدأ عدم التدخل واتفاقيات تحرير التجارة العالمية، رسالة دكتوراه، القاهرة، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 2001، ص 151 ـ 152.

[30] د. أحمد يوسف أحمد، الدور المصري في اليمن 1962 ـ 1967، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981، ص 38 ـ 40.

[31] ياسر الحويش، مصدر سابق، ص 167 ـ 175.

[32] د. الشافعى محمد بشير، القانون الدولي العام في السلم والحرب، القاهرة، مكتبة الجلاء الجديدة بالمنصورة، 1979، ص 356 ـ 360.

[33] جوزيف س. نأي. الابن، مرجع سابق، ص 196.

[34] تبنت لجنة القانون الدولي عام 1951، مشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن للجنس البشري، الذى وضع قائمة بهذه الجرائم، ومنها: “تعهد أو تشجيع النشاطات التي تعد محرضة علي الكفاح المدني في دولة أخري من قبل سلطات الدولة، أو تسامح هذه السلطات مع تنظيم النشاطات التي تعد محرضة علي الكفاح المدني في دولة أخري “.

[35] حازم الببلاوى، النظام الاقتصادي المعاصر من نهاية الحرب العالمية الثانية إلي نهاية الحرب الباردة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوني للثقافة والفنون والآداب، عدد 257، مايو 2000، ص 8، وص 24.

[36] جوزيف س. نأي، مرجع سابق، ص 196 ـ 197.

[37] تتذرع الدول أحياناً لتبرير تدخلها، من خلال وصفه بأنه: “تدخل بناء علي دعوة من الحكومة”، ورغم المبدأ الأساسي بالنسبة لهذا التبرير هو أن الحكومة تمثل الدولة حسب القانون الدولي، وإن الدولة تستطيع أن تتصرف فقط عن طريق وكلائها وممثليها، كما ورد في الرأي الاستشاري للمحكمة الدائمة للعدل الدولي، في قضية المستوطنين الألمان في بولندا. ورغم ذلك، يشكك جانب من الفقه بما إذا كان بإمكان الدولة تقديم العون بشكل مشروع لحكومة دولة أخري. بل إن جانباً آخر من القه يؤكد أن هذا التدخل يصبح وسيلة لمنع التغيير الاجتماعي، الذى هو سمة جوهرية لتقرير المصير الوطني.

[38] يظهر تناقض الدعوة إلي الديمقراطية من جانب الغرب بشكل واضح عندما تقع أحداث، يمكن وفقاً لاعتبارات سياسية معينة أن تؤثر علي الغرب. وقد بدأ ذلك واضحاً من موقف الدول الأوروبية من النمسا، عندما وصل حزب الأحرار إلي الحكم عام 2000، حيث رفض الغرب قبول نتائج الانتخابات الديمقراطية”، مما حمل النمسا علي التمسك بحقوقها السيادية، ورفض التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية، الأمر الذى استتبع فرض العقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي ضد النمسا، إلي أن تذعن للمطالبة الخارجية بإسقاط حزب الأحرار. أنظر: جريدة الأهرام، القاهرة، 6/5/2000.

[39] في الوثيقة الختامية الصادرة عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذى انعقد تحت رعاية الأمم المتحدة في 25 يونيه 1993، وبعد أن أعلن المؤتمر شمولية وعدم تجزئة حقوق الإنسان، والترحيب بالميل المتزايد نحو الديمقراطية؛ أعلن المؤتمر: ” إن السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى يجب ألا ينتقص منهما تحت أي ذريعة… وليس لأي دولة أن تستخدم قوتها لفرض مفهومها بشأن حقوق الإنسان، أو لفرض شروطها علي الآخرين”.

[40] د. حسام هنداوي، التدخل الدولي الإنساني، دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء قواعد القانون الدولي، دار النهضة العربية، 1997، ص 6 وما بعدها.

[41] د. صالح سالم زرنوقة، “أثر التحولات العالمية علي مؤسسة الدولة في العالم الثالث”، السياسة الدولية، القاهرة، عدد 122، أكتوبر 1995، ص 71 ـ 72.

[42] من الأمثلة المعاصرة ما حدث من قبل الإدارة الأمريكية علي يد كلينتون عام 1993، عندما تلقت إدارته أدلة مقنعة بتورط العراق في محاولة اغتيال بوش، فقام بهجمة تأديبية وعقابية للعراق.

[43] عبير بسيوني، التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية ـ حالة التدخل في العراق: مارس 1991ـ سبتمبر 1996، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1997، ص 5 ـ 9.

[44] د. بطرس غالي، السياسة الدولية، القاهرة، عدد 110، أكتوبر 1992، ص 325.

[45] عبد الله السناوى، “اللا نظام القانون الدولي هل بدأ عصر شرعية التدخل؟”، مستقبل العالم الإسلامي، مالطا، مركز العالم الإسلامي، عدد 6، ربيع 1992، ص 71.

[46] صحيفة الحياة، لندن، عدد 9/2/1995.

[47] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close