fbpx
ترجمات

التنمية في مصر بين الحقيقة والسراب

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

المتابع لتجارب التنمية والنهضة الاقتصادية للعديد من الدول المتقدمة، سيجد أن السمة المشتركة بين ما انتهجته تلك الدول من سياسات اقتصادية هو الإصلاح الشامل الذي يمتد ليطال جميع قطاعات الدولة وفقًا لرؤية محددة وواضحة الأهداف، وهو على العكس تمامًا مما حدث ويحدث في مصر، خصوصاً في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري على أول رئيس منتخب في 4 يوليو 2013. وقد نشر المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية مؤخراً دراسة هامة تقدم تقييماً موضوعياً عن مسار التنمية في مصر بعيداً عن الدعاية الكاذبة وبيع الأوهام. هذه الدراسة التي أعدها د. ستيفان رول* جاءت بعنوان: “هل التنمية في مصر محض سراب؟”. وتخلص الدراسة إلى أنه لا سبيل إلى إحراز أي تقدم في التنمية الاقتصادية بمصر دون إجراء إصلاحات هيكلية للاقتصاد المصري وتحسين الوضع الحقوقي في البلاد وتؤكد الدراسة في توصياتها أنه على ألمانيا أن تستخدم نفوذها للدفع في اتجاه التوصل إلى حل سياسي في مصر، والذي سيكون له آثاره الإيجابية على الاقتصاد في سبيل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تعود بالنفع على عموم الشعب المصري.
وقد قام المعهد المصري بترجمة الدراسة كاملة على النحو التالي:
مع غياب أي إصلاحات هيكلية للاقتصاد المصري وفي ظل انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في البلاد – فليس من الممكن أبداً أن يتعافى الاقتصاد على الرغم من الدعم الهائل الذي يتلقاه من صندوق النقد الدولي
في نوفمبر 2016، اتفقت مصر على برنامج مساعدات شامل مع صندوق النقد الدولي. وكان الهدف المعلن من هذا الاتفاق هو الوصول بالاقتصاد الكلي في البلاد إلى حالة من الاستقرار في غضون ثلاث سنوات، ووضعها في مسار النمو الاقتصادي الشامل. وبعد الوصول إلى منتصف الطريق، نجد أنه لم يتم تنفيذ أي إصلاحات هيكلية تُذكر على الرغم من تحقق حالة من الاستقرار الاقتصادي قصير الأمد بعد تنفيذ الإجراءات والشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي.
وبدلاً من ذلك، فقد حال الجيش، صاحب النفوذ المتزايد في البلاد، دون الوصول إلى اقتصاد سوق فعال. أضف إلى ذلك سجل حقوق الإنسان الكارثي للحكومة المصرية في ظل حكم عبد الفتاح السيسي (الجنرال الذي تحول إلى رئيس)، والذي كان له أيضاً تأثير سلبي على التنمية الاقتصادية في مصر. وقد لعبت ألمانيا دوراً رئيسياً في اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي. لذا ينبغي على الحكومة الألمانية أن تعمل على ضمان قيام صندوق النقد الدولي بإعداد تقييم نقدي للإصلاحات التي جرت حتى الآن. كما ينبغي عليها أن تربط استعدادها لدعم حزم المساعدات المستقبلية بتحسين حالة حقوق الإنسان وتعزيز دور المجتمع المدني.
وكانت مصر قد اضطرت في يوليو 2016 إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. وفي الأشهر التالية، تفاوضت الحكومة المصرية على برنامج للإصلاح الاقتصادي مدته ثلاث سنوات. وتُظهر التدابير المنفردة التي أعلن عنها في البرنامج مدى خطورة الوضع الذي كانت فيه الحكومة المصرية في صيف عام 2016. اعتاد المصريون في الماضي على رفض توصيات المانحين الدوليين بإجراء تخفيض شامل للدعم (الذي تقدمه الحكومة على الخدمات الأساسية وخاصة الوقود والخبز والكهرباء والماء)، وزيادة الضرائب، وتحرير سعر الصرف.
لكن الوضع كان مختلفاً هذه المرة، ولم يكن للقيادة السياسية، وعلى رأسها السيسي، في ظل الوضع شديد التردي للاقتصاد المصري، أي خيار سوى الموافقة على الالتزامات المطلوب منها الوفاء بها في المقابل. وقد قُدرت قيمة القروض الذي ينبغي أن تقوم الحكومة بتأمينها من أجل تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي بمبلغ 35 مليار دولار أمريكي. وقد وافق صندوق النقد على تقديم 12 مليار دولار من تلك القروض في إطار تسهيلات تمويلية موسعة. ومن أجل الحصول على بقية المبلغ المطلوب (23 مليون دولار)، كانت مصر بحاجة إلى اللجوء إلى التفاوض مع المؤسسات المالية الأخرى والبلدان المانحة الرئيسية في العالم، ولا سيما ألمانيا. وقد ارتبط الصرف التدريجي لقرض صندوق النقد الدولي على ست دفعات – ارتبط بإجراء الصندوق لتقييم نصف سنوي عن مدى التقدم الإيجابي الذي تحرزه الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي.

تنفيذ شروط الصندوق

في تقاريره المؤقتة حتى الآن، قدم صندوق النقد الدولي صورة إيجابية للغاية عن كيفية تنفيذ الإصلاحات المعلنة. وفي حقيقة الأمر، قامت القاهرة بالفعل بتطبيق السياسات النقدية والمالية المتفق عليها والتي ساعدت على تحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي (المؤقت) في البلاد. فعلى سبيل المثال، أسهم خفض قيمة الجنيه المصري، كجزء من تحرير سعر الصرف، في نوفمبر 2016 – أسهم بشكل كبير في خفض عجز الحساب الجاري إلى 0.8%من الناتج المحلي الإجمالي وذلك في الربع الأخير من عام 2017 (مقابل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي على نفس المستوى ﺧﻼل اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ) وزﻳﺎدة ﺗﻮاﻓﺮ اﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ. وبالإضافة إلى ذلك، ارتفع احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي بشكل كبير (من 17.55 مليار دولار أمريكي في يوليو 2016 إلى 44.26 مليار دولار أمريكي في يونيو 2018).
وقد تم خفض العجز في الميزانية بشكل أكبر من خلال خفض دعم الطاقة بأكثر من 40 % في بعض الحالات وإدخال ضريبة المبيعات بنسبة 14 %. ولأول مرة منذ سنوات، قد يصل عجز الميزانية إلى أقل من عشرة بالمائة فقط من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية الحالية [حيث كان عجز الميزانية يُقدر بـ 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2015/2016]. وهذا من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى تحقيق فائض صغير في الميزانية (باستثناء تكاليف خدمة الدين).
ونتيجة لاستقرار الاقتصاد الكلي (المؤقت)، يمكن لمصر الآن تدبير التمويل الذي تحتاجه من خلال سوق رأس المال الدولي مرة أخرى. والأكثر من ذلك، أن هذا الوضع من شأنه أن يمهد الطريق لمزيد من الصادرات، وإعادة السياحة لسابق عهدها، وتحقيق نشاط استثماري أقوى – وإن كان الحقيقة يعتمد في معظمه على الدولة. ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن يزداد النمو الاقتصادي بأكثر من نقطة مئوية واحدة إلى نسبة قد تصل إلى 5.2٪ (ميزانية العام 2017/2018).

الجوانب السلبية لسياسات الإصلاح المتبعة حالياً

استمر عبء الديون في مصر في الارتفاع منذ بدء البرنامج حتى الآن؛ ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية عام 2017.ووفقاً لأرقام البنك المركزي المصري، فقد كان من المفترض إنفاق أكثر من 40% من إيرادات الحكومة على خدمة الدين في النصف الأول من عام 2017/2018، مما يضيق بشدة نطاق للاستثمار، على سبيل المثال.  وبالإضافة إلى ذلك، فقد تدهور الوضع المعيشي لمعظم المصريين بشكل دراماتيكي في سياق تلك الإصلاحات.
وأدى خفض الدعم وارتفاع الأسعار بعد تحرير سعر الصرف إلى زيادة كبيرة في التضخم إلى أكثر من 30 في المائة في بعض الأحيان. ونظراً للأسعار المرتفعة، فإن أكثر من 35 في المائة من المصريين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر (45 دولاراً أمريكياً في الشهر). وبالتالي، لا يمكننا الحديث عن النمو الشامل للاقتصاد المصري حتى الآن. وفي ردها على هذا التطور المقلق، تشير الحكومة المصرية إلى انخفاض معدل البطالة من 12.5% (عام 2016) إلى 10.6% (خلال الربع الأول من عام 2018). ومع ذلك، فهناك شكوك كبيرة حول ما إذا كانت مثل هذه الأرقام ذات معنى في هذا السياق. ومن المدهش أنه وفقاً للأرقام التي تعلنها الحكومة بشكل رسمي، فإن نسبة من لديهم وظائف إلى إجمالي عدد السكان تقل عن الثلث – وهي قيمة منخفضة للغاية وفقًا للمعايير الدولية، مما يشير إلى ارتفاع كبير متوقع في نسبة البطالة.

إصلاح هيكلي غير كافي

تُعتبر الظروف المعيشية المتردية التي تسببها الإصلاحات المتبعة هي الأكثر خطورة حيث أنه ليس من الواضح بأي شكل من الأشكال أن هذه المصاعب الاقتصادية ستنتهي خلال فترة قصيرة، وأنه على المدى الطويل سيستفيد المصريون من هذا المسار الاقتصادي الذي تسلكه الحكومة.
ولكي يكون تعافي الاقتصاد (المؤقت) الحالي أكثر من مجرد زوبعة في فنجان، ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﺟراء إﺻﻼﺣﺎت ھﯾﮐﻟﯾﺔ ﺷﺎﻣﻟﺔ.. تلك التي أشار إليها البرنامج نفسه بأنها إجراءات “حاسمة” من أجل تحقيق النجاح. ومع ذلك، فإنه يبدو أن الإصلاحات الهيكلية التي اتفقت عليها الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي هي في الحقيقة اعتباطية إلى حد كبير. إن تدابير مثل تبسيط إجراءات الترخيص الصناعي، أو صياغة تشريع جديد للإفلاس، أو تحسين عناصر الأمان في النقل العام، هي بالتأكيد قضايا مهمة، لكنه طالما بقي الإطار المؤسسي والتنظيمي للاقتصاد المصري بعيداً عن أي إجراءات جذرية للإصلاح، فمن غير الممكن أن يكون لأي إجراءات من هذا القبيل أي تأثير.
ومن جوانب القصور على سبيل المثال الغياب التام للشفافية فيما تخطط له الحكومة وتنفذه من مشاريع البنية التحتية المثيرة للجدل، مثل إنشاء عاصمة جديدة أو بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد؛ ولم يرد ذكر ذلك في اتفاق صندوق النقد الدولي، ولا حتى الفساد المستشري أو الأجهزة المختلة المنوط بها مراقبة السوق. كما لم يرد أيضاً ذكر تمدد الجيش داخل الاقتصاد. وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن هذه الظاهرة، ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ، أﺻﺒﺤﺖ أكثر بروزاً ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 2013، حيث يعوق الجيش أيضاً أي جهود لتطوير اﻗﺘﺼﺎد ﺳﻮق فعال.
ويشارك العسكريون في العديد من القطاعات المدنية مثل البناء والإنتاج الغذائي والطاقة. ﻓﻬﻲ ولا يستفيد الجيش ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟتفضيلية ﻓﻲ نطاق التوريدات اﻟﻌﺎﻣﺔ، ولكنه يستفيد أيضاً ﻣﻦ الإعفاء من دفع الضرائب، ومن اﻟﻴﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺮﺧﻴﺼﺔ (المجانية تقريباً حيث يقوم بتشغيل المجندين)، وهذا ما يضع المستثمرين من القطاع الخاص في وضع غير عادل إلى حد كبير، وهذا ما أبرزته أيضاً الاستطلاعات الإحصائية، مثل مؤشر مديري المشتريات لمجموعة (Emirates NBD ) المصرفية. وفقاً لهذا المؤشر، فإن النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص (باستثناء قطاع الطاقة) قد تراجع كثيراً منذ بداية الإصلاحات (الإجراءات المرتبطة بصندوق النقد الدولي).

الدولة البوليسية تعوق النمو الاقتصادي

من المهم عدم تجاهل ما ترتكبه الدولة البوليسية في عهد السيسي من قمع مفرط، عند تقييم الإصلاحات الاقتصادية الحالية في مصر لأن هذا بدوره سيمثل عائقاً لأي تنمية اقتصادية مستدامة. فلا يمكن لمصر أن تتمكن من تفعيل إمكاناتها بشكل كامل كوجهة سياحية أو موقع استثماري جاذب إلا إذا حققت استقراراً سياسياً مستداماً. والجدير بالذكر أن الارتفاع الحالي في معدلات السياحة لم يتحقق إلا بسبب انخفاض التكلفة بسبب الوضع الأمني ​​المتوتر في البلاد.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأخير من عام 2017 دون بوادر لأي تحسن في وقت قريب. ويؤدي الاستخدام الممنهج للعنف المفرط من قبل الشرطة ضد قطاعات من المصريين إلى تزايد حدة الاستقطاب داخل المجتمع. وتقوم قوات الأمن كذلك على نحو متكرر بتنفيذ عمليات للاختفاء القسري. وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش تقارير عن الاستخدام الممنهج للتعذيب في مصر. ويقدر عدد السجناء السياسيين بأكثر من 60 ألف مواطن يعيشون في مراكز اعتقال مزدحمة تعتبر تربة خصبة لإذكاء التطرف الإسلامي.
ولا يقتصر قمع الدولة على المعارضين السياسيين فحسب، بل يطال كذلك المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل عام. ويكاد لا يكون هناك أي من نشطاء حقوق الإنسان الذين لم يشملهم الاعتقال أو توجه إليهم الاتهامات على أقل تقدير. وبالإضافة إلى ذلك، هناك قيود شاملة على حرية الصحافة. ولا يمكن للصحفيين القيام بعملهم بحرية، ويتم حظر القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام المختلفة التي تعمل عبر الإنترنت. وفي عام 2017، احتلت مصر المرتبة 161 في مؤشر حرية الصحافة العالمية من أصل 180 دولة شملهم المؤشر الذي تقوم عليه منظمة مراسلون بلا حدود. ونتيجة لذلك، يقوم النظام بقمع كل الناشطين الذين يدعون إلى مكافحة الفساد وشفافية الدولة وتأسيس إجراءات بالاستناد إلى حكم القانون.

الآثار المترتبة على سياسة ألمانيا بشأن مصر

لعبت ألمانيا دوراً رئيسياً في إبرام اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر. لم يكن الثقل الذي مَثّله تصويت ألمانيا لصالح مصر في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي وحده الذي دعم موقف مصر التي اعتمدت بشكل رئيسي على مساعدة ألمانيا لها في تنظيم التمويل الإضافي اللازم لقرض صندوق النقد الدولي. في السابق، كانت ألمانيا أكبر دائن بشكل منفرد لمصر داخل نادي باريس بقروض بلغت قيمتها 4.6 مليار دولار أمريكي في عام 2016. وفي عام 2017، بلغ إجمالي القروض والضمانات الحكومية 6.5 مليار دولار أمريكي.
وبالتالي جاءت ألمانيا في المرتبة الثانية كأكبر دولة دائنة لمصر بعد المملكة العربية السعودية (حوالي 8 مليارات دولار أمريكي في ودائع البنك المركزي). ومع ذلك، فإن تقديم ألمانيا المزيد من القروض لمصر (250 مليونًا دولار أمريكي في عام 2016 ونفس المبلغ في عام 2017) يُعد إشارة مهمة للغاية للدول المانحة الأخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة. وعلى خلفية أزمة اللاجئين، رأت الحكومة الألمانية دعم برنامج الإصلاح في مصر بشكل مبدئي لتشجيع مصر على إغلاق حدودها البحرية في البحر المتوسط في وجه الهجرة غير النظامية؛ بينما قام صندوق النقد الدولي وحده بالتفاوض على البرنامج ومراجعته بالكامل.
وﺗﻈﻬﺮ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺣﺘﻰ اﻵن أن هذا اﻟﻨﻬﺞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻌّﺎﻻً ﺟﺪاً ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ. ومع ذلك، فإن هذه التنمية الاقتصادية ضرورية من وجهة نظر ألمانية وأوروبية. فإذا انهارت الدولة المتوسطية الأكثر كثافة سكانية حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة، فسيكون لذلك عواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لأوروبا من حيث تصاعد ضغوط الهجرة غير الشرعية والتهديدات الإرهابية المتزايدة.

استنتاجات:

بالنظر إلى السياسة الألمانية تجاه هذا الموقف شديد الخطورة يمكننا التوصل إلى استنتاجين اثنين:
أولاً، ينبغي على الحكومة الألمانية إجراء تقييمها الخاص للإصلاحات الاقتصادية وأن تحث صندوق النقد الدولي بقوة على تحديد المشكلات شديدة الوضوح لمسار الإصلاح الاقتصادي، مثل تمدد الجيش داخل الاقتصاد المصري. أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فمجرد عدم ذكره للعوائق الرئيسية للإصلاح في تقاريره هو دليل كاف على سوء فهم خطير للتطورات في مصر. وهذا يرسم صورة معيبة عن البلاد، كما حدث في كثير من الأحيان في التحليلات التي أجرتها المؤسسات المالية الدولية قبل عام 2011 – بما في ذلك صندوق النقد الدولي. إن تحديد عوائق الإصلاح أمر أكثر إلحاحاً الآن حيث يمكن استخدام الدفعتين المستحقتين للدفع من قروض الصندوق كوسيلة للمطالبة بتحقيق تقدم ملموس من الحكومة المصرية، على الأقل في بعض المجالات.
ثانياً، يجب على ألمانيا، مع شركائها الأوروبيين، إن أمكن، مناقشة كيفية الاستجابة للحكومة المصرية في حالة طلباتها المستقبلية للحصول على المساعدة والدعم. وبالنظر إلى عبء الديون المأساوية الذي تتحمله الحكومة المصرية وعدم وضع مسار لتحقيق نمو اقتصادي أكبر ومستدام، فمن غير المحتمل أن تتمكن البلاد من تجاوز الأزمة الاقتصادية دون تلقي المزيد من المساعدات الخارجية بمجرد انتهاء برنامج الإصلاح الحالي المدعوم من صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن الدعم المتوقع تجديده بعد عام 2019 سيكون له معنى فقط إذا كان ذا جدوى للشعب المصري. وهذا يتطلب وضع الشروط التي يجب أن تكون مؤثرة وفعالة، ليس فقط من أجل تحقيق إصلاح هيكلي بشكل أكبر مما كان عليه الحال حتى الآن، ولكن أيضا تؤدي إلى تحسين حالة حقوق الإنسان وتعزيز المجتمع المدني. لا يبدو أن حث المؤسسات المانحة الدولية على إدراج الشروط المناسبة في برامجها فعال بشكل جيد. ولا يعتبر صندوق النقد الدولي، على وجه الخصوص، أن إنفاذ حقوق الإنسان ومراعاتها جزء من ولايته. ومع ذلك، فإن ألمانيا، بصفتها الدائن الأكثر أهمية بين دول نادي باريس، سيكون لها تأثير كبير على مثل هذه البرامج التي يتم الاتفاق عليها. وتستطيع الحكومة الألمانية، بالتالي، ربط موافقتها على المساعدات بشروط إضافية. ويجب أن يُستخدم هذا النفوذ لتعزيز إنتاج حل سياسي من شأنه التمكين لتنمية اقتصادية تكون في صالح عموم الشعب المصري(* ).
تنويه: الدكتور ستيفان رول هو نائب رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية.


(*) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. واضح ان الكلام كله ينصب فى عودة اخوان الشر الى صناعة القرار فى مصر وليست العملية بناء وتنمية اقتصادية …ولكن هناك شرطين اساسىين لعودتهم…1-ان يكون انتماؤهم للوطن ( مصر) فقط وليس لجماعة السمع والطاعة ..2-ان يحاسب كل من هرب خارج البلاد وحارب مصر وشجع ودعم بالمال او القول الارهاب القاتل لابناء الجيش والشرطة والمدنيين ….اما عن الاقتصاد فاسال صندوق النقد الدولى والمؤسسات العالمية ومنظومة الخبز (للفقراء) التى اشادت بها الؤسسات الدولية وتريد تطبيقها فى دول اخرى …ولا تنسى سيادتك ان احتياطى النقد الاجنبى اصبح اكثر من 44 مليار دولار بعد ما كان 12 مليار ايام مرسى…………على فكرة انا على المعاش وليس لى اى علاقة بالحكومة ولكن يهمنى مصلحة وطنى (مصر) صاحب الفضل عليه بعد الله

    1. الدراسة المنشورة قام بها المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية وهي موجودة على هذا الرابط
      http://bit.ly/2wxjPG7
      وليس لها علاقة من قريب أو من بعيد بإخوان الشر أو إخوان الخير أو بأمور السياسة عامة وإن كان الوضع الاقتصادي هو نتاج السياسات الاقتصادية المتبعة. أما الاحتياطي النقدي والسياسة النقدية فيمكنك الاطلاع على دراسة د. أحمد ذكرالله على هذا الرابط
      http://bit.ly/2PwTyyJ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close