fbpx
قلم وميدان

الثورة المصرية خبرات ومراجعات: السيسي ومبارك

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تناول صاحب هذه الكلمات في الجزء الأول منها، المنشور في 12 من ديسمبر الجاري بعنوان (مصر: مراجعات ما قبل 25 يناير 2011) أهمية مراجعة الخطوات بدقة، وتدبر الأخطاء والخطايا دون تفريط أو إفراط، وأن الأمر يُمثل بداية الخطو نحو الانتقال من المحن وأوقاتها نحو آفاق المستقبل، فالناظر إلى واقع مصر قبل 25 من يناير/كانون الثاني 2011م يُدرك أن الأوضاع كانت غير مؤهلة للاستمرار على النحو نفسه، في ظل حكم “محمد حسني مبارك” المولود في 4 من مايو/أيار 1928م، ورغم بلوغه الثمانين من العمر، وهو ما يزال على رأس السلطة في مصر إلا أن الجوقة والبطانة المُحيطة من المستفيدين والمُنتفعين الذين كانوا  يُصرون على إنشاء مزيد من صفحات وجوب استمرار حكمه، كما كانوا يُدبجون العناوين الرئيسية للصحف كل عام في يوم ميلاده تمجيداً في عبقريته وحسن أفعاله، من مثل (يوم ميلادك..يوم ميلاد مصر)، ومن طريف الأمور ما ذكرته جريدة “الوفد” عقب الثورة من أن الموسيقار الراحل “محمد عبد الوهاب”، مُلحن النشيد القومي المصري الحالي كان يوم وفاته يوافق يوم ميلاد “مبارك” فحولته الأجهزة السيادية إلى اليوم السابق (3 من مايو/آيار 1991م)، حتى لا يُقال أن يوم ميلاد “مبارك” كان شؤماً عليه!

 

أما عن الفساد في عهد “مبارك” فحديث شرحه يطول، ويكفي أن الصحف المصرية القومية التي مجدته هي التي انقلبت عليه بعد 11 من فبراير/شباط 2011م، ومن ذلك ما تناقلته عن اللواء “أبو بكر الجندي”، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وقوله في برنامج تلفزيوني في 12 من يوليو/تموز 2008 إن نسبة البطالة في مصر بلغت 51% من حملة المؤهلات العليا. وأضاف أن قيمة الدين العام المحلي في نهاية سبتمبر/أيلول 2007 بلغت 651 مليار جنيه، وبمقاربة الرقم إلى الناتج المحلي الإجمالي تكون نسبة الدين 76.9%.

بالإضافة إلى أن التقرير الصادر عن “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار” في مجلس الوزراء يُشير إلى أن الأشهر الأربعة الأولى من عام 2008 سجلت 7 آلاف حادث على الطرق، ما يعني أن متوسط عدد الحوادث في العام نفسه بلغ 21 ألف حادث، وأشار التقرير إلى أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين 35 دولة على مستوى العالم في عدد الوفيات نتيجة حوادث الطرق ، فإذا أضفنا إلى هذا أن نسب الطلاق في مصر وصلت إلى الأولى عالمياً، علمنا وعرفنا أن المصريين وصل الاختناق بهم إلى جميع المستويات، بالإضافة إلى أن بلدهم صارت الأسوأ في التخطيط العمراني.

 

ومع ازدياد أيام “مبارك” في التقدم تمادى التخريب المُمنهج في المؤسسات الحكومية، ودولاب الدولة، ولم يكن يترك موطئاً لقدم فيها، وهو ما دفع بالشاب الراحل “عبد الحميد شتا” إلى الانتحار بإلقاء نفسه من فوق كوبري 6 أكتوبر في 29 من يوليو/تموز 2003م، بحسب جريدة “الأهرام” شبه الرسمية، وقيل في جرائد أخرى أنه تناول سُمّ حشرات، إذ كان الراحل الأول على دفعته في كلية السياسة والاقتصاد، ونجح في اختبار وزارة الخارجية إلا أن عمل أبيه الفلاح منعه من اختبار (الهيئة) (كُتبَ أمام اسمه في كشف النتائج: غير لائق اجتماعياً)، وهو اختبار الواسطة الذي يجب النجاح فيه للالتحاق بركب (السادة) في مصر؛ في كليات الشرطة، والجيش، وفي العمل بالإعلام والقضاء والخارجية، والتوزيع في الداخلية على الأماكن المميزة، كما في بقية وزارات في مصر.

 

كانت البلاد تعاني من دركات السقوط السريعة في عهد “مبارك”، بما في ذلك هبوط مستوى الأخير العقلي والإدراكي، ففي مباراة منتخب مصر مع “كوت ديفوار”، مثلاً، على استاد القاهرة الذي حضره المخلوع عام 2006م، وحين احرز المُنتخب المصري أول أهداف اللقاء (الذي انتهى بفوز كوت ديفوار 4 ـ 2) قامت زوجته “سوزان ثابت” من مقعدها في المُقصورة المحاطة بالزجاج العازل للرصاص منتشية بالهدف، فيما استلزم الأمر منه قرابة 15 ثانية ليدرك أن هناك هدفاً دخل شباك الخصم من فريق البلد الذي ما يزال يحكمه، بل لم يبدِ رد فعلٍ إلا لما قبّلته حرمه مشيرة إلى أرض الملعب.

وتردد بقوة أن “المخلوع” مات إكلينيكياً يوم وفاة حفيده “محمد علاء”، في مايو/أيار 2009م، و”مبارك” يومها تعدى الثمانين، وتقف الدولة ورئاستها بجبروتها وما تملك عاجزة عن علاج الطفل، فقيد الرئيس الأثير إلى قلبه (12 عاماً)، ومَنْ في مصر ينسى حينما غرقت العبارة (السلام 98)، وهي قادمة من ميناء ضبا السعودي في البحر الأحمر في فجر 2 من فبراير/شباط 2006، لتنهي حياة أكثر من 1400 مصري، وفي نفس اليوم كان الرئيس وحفيده الراحل “محمد” يشاهدان تدريبات المنتخب استعداداً للقاء منتخب “السنغال”، فيما أسماك القرش تأكل أجساد مصريين؟ (لاحقاً تمت تبرئة المتهمين في قضية العبارة 26 من يوليو/تموز 2008م، بما فيهم مالكها “ممدوح إسماعيل”).

 

أدركت المخابرات الحربية أن الرئيس الذي لم يقو بعد وفاة حفيده على السفر إلى الولايات المتحدة الزيارة الرسمية المعهودة لإقرار وضعه الرئاسي في مصر، وخاصة مع تولي إدارة أمريكية جديدة، وانتظر حتى مجيئ الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” لأول مرة إلى مصر في 4 من يونيو/حزيران 2009م، وهي الزيارة التي اشتهرت بصورة “أوباما” وهو يقفز عدة درجات من السلم في المرة الواحدة في طريقه إلى “مبارك” الواقف في أعلاه لا يستطيع حراكاً، أدركت المخابرات الحربية أن “مبارك” في طريقه إلى السقوط، وانه يُعد ابنه المدني “جمال” لرئاسة الجمهورية، وقامت لديها شواهد لا تعد على ذلك، وهو ما لم يكن الجيش ليقبله بحال من الأحوال.

وقدر رئيس المخابرات “عبد الفتاح السيسي” أن انتفاضة أو حركة شعبية للشعب المصري ستكون في عام 2010م ضد نظام مبارك، وهو ما صرح به قائد الانقلاب في حواره مع “ياسر رزق” في جريدة المصري اليوم في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2013م، مدعياً أنه قدم قراءة للموقف في أبريل/نيسان 2010م تقدر الحركة أو الانتفاضة في ربيع 2011م، وهو ما كذب تفاصيله موقع “البوابة” الإلكتروني في 26 من يناير/كانون أول من العام 2016 في حوار المشير، وزير الدفاع الأسبق “محمد حسين طنطاوي” لما قال إن المخابرات توقعت الحدث في 2010م.

 

وكان “السيسي” تولى رئاسة المخابرات الحربية في 3 من يناير/كانون الثاني 2010م حتى رقاه الرئيس “محمد مرسي” ترقيتين دفعة واحدة في 12 من أغسطس/أب 2012م، وهو ما سنتناوله في حينه، ونظراً لأحلام السيسي المُتسربة عن الحوار السابق نفسه، عن بشارة الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” له في المنام بأنه سيصبح رئيساً للجمهورية، رغم مواهب قائد الانقلاب المتواضعة، (التي دفعت أقرانه إلى اعتياد ضربه صغيراً، ودفعت القيادات في الجيش إلى السخرية منه كبيراً، بنص اعترافاته العلنية)، وهو الأمر الذي درسه “السيسي” بمعونة آخرين، ونجح فيه لأن الأقدار أرادت اختبار التيار الثوري في مصر، وابرز فصائله، ومن هنا كان “السيسي” الرابط في مقص من طرفين هما مكونا أبرز ما في مصر (الجيش والإخوان)، وقد استخدم (المقص) للقطع من جسد الوطن وطرفيه معاً بتأليبها على بعضهما، والدفع بكيان الوطن كله نحو الهلاك (1).

——————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close