
الجهاد المعاصر بين عبد الله عزام وأسامة بن لادن
مروان حديد رائد الحركية الجهادية في سورية التي تجسدت بتنظيم الطليعة المقاتلة، الملا محمد عمر زعيم المشيخية المجاهدة في أفغانستان الممثلة بحركة طالبان، أحمد ياسين مؤسس الإخوانية المقاومة في فلسطين أو ما عرف لاحقاً بحركة حماس، عمر عبد الرحمن الأب الروحي للجماعة الدعوية المحتسبة ثم الجهادية في مصر: الجماعة الإسلامية، شامل باساييف قائد القوات الشيشانية النظامية ثم غير النظامية في حروب الاستقلال ضد روسيا إبان تفكك الإتحاد السوفيتي، وغيرهم الكثير من الأسماء اللامعة في سماء الجماعات والشخصيات الجهادية على امتداد خمسين عاماً خلت.
إلا أن الاسمين الأشهر والأكثر رمزيةً سواءً على صعيد الإعلام العالمي أو (في عيون غالب الشباب المسلم المقاتل) حول العالم هما: عبد الله عزام وأسامة بن لادن.
يعتقد البعض أن مدرسة بن لادن والقاعدة هي التطور التاريخي التسلسلي لرؤية عبد الله عزام وطريقته في الجهاد (خاصة العالمي) منه، بينما يرى آخرون أن البون شاسعٌ بين المنهجين في الفكر والممارسة وهما نقيضان لا التقاء بينهما. تحاول الأسطر القادمة فك الاشتباك ومقاربة الحقيقة عبر استنطاق إرث الرجلين النظري والعملي، والمرور سريعاً على أهم مساحات الاتفاق والاختلاف، مع الأخذ بعين الاعتبار ما استقر من نهجهما دون ما سبق أو ما شذ.
أولا: مواطن الاتفاق بين عزام وبن لادن
بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى المبادئ الرئيسية الجامعة بينهما والمكونة من خمسة عناصر:
1. التصور (الفلسفي) لطبيعة الدين والحضارة الإسلامية
وتتمثل أهم انعكاساته في إدراك جوهر الصراع (لاسيما المعاصر) وأولوياته بين الأمة المسلمة وأعدائها، والمقتبس بالدرجة الأولى من كتابات وتقعيدات المفكرين سيد ومحمد قطب.
هذا التصور دندن باستمرار على: تفرد ومركزية منظومة التشريع في حياة المسلم على مستوي الفرد والمجتمع والدولة، وفاصل كل من ينازع أو ينتزع شيئاً من خصائصها، وجهر بالعداوة لمنظومة الحكم العلمانية المحلية والعالمية، واصفاً إياها بالجاهلية المعاصرة، التي ينبغي العمل على الإطاحة بها لتعود قوانين الإسلام لمنصة الحكم مجدداً.
فالكثير من تنظيرات ومفاهيم عزام التأسيسية الراسمة لتصوره ولمساره مستنسخة أو مستقاة ممن يعده موجهه الفكري الأول وعملاق الفكر الإسلامي: سيد قطب[1]. ولعل من أهمها ما جسدته عبارة سيد التي يرددها عزام كثيراً: “الإسلام كقطعة العملة المعدنية، مكتوبٌ على أحد وجهيها لا إله إلا الله والوجه الآخر التحاكم إلى شريعة الله”[2].
في نفس السياق، قال عزام مؤكداً ومرشداً للموقف الذي يجب أن يتبناه كل مسلم في: “قضية القانون مهمة جداً جداً، فالتشريع بغير ما أنزل الله كفرٌ ينقل عن الإسلام، يخرج من الإسلام، فوظيفة المسلم أقل شيء يقبل منه ماذا؟، أن ينكر بقلبه، أن لا يرضى بقلبه”[3].
وأضاف في موطن آخر: “أخطر قضية في العصر الحاضر، وما ابتليت الامة الإسلامية بقضية عقدية أخطر من هذه القضية… قضية الحاكمية في حياة البشر”[4].
هذا التصور تجده مطبوعاً في عقل بن لادن، حتى إنك تلحظ تجدد دعوته وحماسه المتكرر لنشر الأطروحات الفكرية لمحمد قطب مع كل حراكٍ كبيرٍ جامعٍ للأمة: “ومن خير ما كتب في ذلك كتاب (مفاهيم ينبغي أن تصحح) وكتاب (واقعنا المعاصر) للشيخ محمد قطب”[5]، العبارة السابقة قالها بن لادن أثناء ثورات الربيع العربي مطلع 2011م، وقبلها بسنتين نصح بن لادن (في أعقاب حرب إسرائيل على غزة 2009م) بخمسة كتب محورية منها كتابا “مفاهيم ينبغي أن تصحح”، “هل نحن مسلمون” لمحمد قطب[6].
2. منهج التغيير
يرى كلا الرجلين أن منهج التغيير يتمثل بقيام ثورة شعبية بقيادة إسلامية فنظرية عزام الجهادية تقرر أنه: لا قيام لدولة إسلامية بلا حركة إسلامية من داخل الشعب (تحمل السلاح) ويلتف الشعب حولها “إذا أردت أن تقيم دين الله في الأرض لا بد من جهاد تشترك فيه كل الفئات ويلتف الشعب كله حولك… لن تستطيع أي حركة إسلامية أن تقيم دين الله في الأرض ما لم يلتف حولها الشعب، معركة طويلة، وقودها كثير… لن تزيد الحركة الإسلامية في أي حالٍ من الأحوال عن 5% لن تزيد”[7].
أما بن لادن فهو من أبرز الدعاة (لوجوب الخروج على الأنظمة الخائنة المرتدة) بعد إعداد العدة ومع حلول الأجواء المناسبة من تنامي الغضب الشعبي جراء انكشاف خيانات الأنظمة العظمى لقضايا الأمة؛ فعلى سبيل المثال صرح بن لادن في محاضرة تلت سقوط بغداد 2003م: “هذه الأفعال من الحاكم هي من الكبائر العظام في شريعتنا، ولا تجب له فيها الطاعة، بل إن تشريعه من دون الله وموالاته للكفار كفرٌ أكبر مخرجٌ من الملة يوجب الخروج عليه بعد إعداد ما يلزم” وقبلها (في نفس المحاضرة) قال متوقعاً عاقبة مشاركة بعض الدول في الحملة الأمريكية “وما يتبع ذلك من غضب شعبي، وتهيئة الأجواء للخروج على هذه الأنظمة العاجزة الخائنة المرتدة”[8]، وقال بعد الربيع العربي: “المؤشرات قوية من الواقع والتاريخ أن ثورة الشعوب المسلمة إن أضيئت بإدراك حقيقة التوحيد هي الطريق لإعادة الخلافة”[9].
فطريقة عزام وتصوره للثورة الشعبية تتمثل بـ: دعوة (لها جذور في الشعب) يحميها جهاد (السلاح الذي ستحمله) ويلتف حولها الشعب، في حين يعول بن لادن بشكل أساسي على حراك جهادي مسلح يعد العدة وينتظر فرصة خروج الأمور عن سيطرة السلطات نتيجة حالة الغليان الشعبي، ليقوم بعدها بتوجيه الثورة وضبط مسارها.
3. أولوية العدو الخارجي
ولأن الثورات الشعبية ضد الأنظمة المحلية (عادةً) ما تحتاج لوقت ليس بالقصير ريثما يشتعل أوارها تدريجياً من خلال: الدعوة للفكرة والإقناع بها، والإعداد للمواجهة، والحشد للطاقات، وامتصاص الصدمات، واختراق مؤسسات الدولة، أو لتنفجر من تلقاء نفسها نتيجة: إحساس الشعوب بتراكم المظالم والانتهاكات الممنهجة، أو العدوان الصارخ على هويتها الدينية والثقافية.
ونظراً لفشل جميع التجارب الإسلامية المسلحة في العالم السنّي في الإطاحة بأي نظام حاكم منذ بدء المحاولات في سبعينيات القرن العشرين، فإن عزام وبن لادن اعتمدا في رؤيتهما الجهادية سياسة البدء بقتال العدو الخارجي المحتل، وتأجيل الدخول في صدامات مبكرة مع العدو الداخلي المحلي.
قال بن لادن: “تعلمون أن حركات المقاومة ضد العدو الأجنبي المحتل حققت نجاحات كبيرة خلال القرن الماضي في العالم الإسلامي، وكان من آخرها في أفغانستان، ومن أسباب النجاح وجود أحد أهم عناصره، وهو العنصر المحفز للعامة أعنى وجود احتلال الروس الكفار الأجانب مما وفر تعاطفاً شعبياً أكبر… فالشعب للحركة كالماء للسمكة”[10].
وكذا نُقل عن عزام: “والأولى أن تبدأ بالقتال ضد اليهود باعتباره عدواً واضح الراية في كفره يجتمع عليه الجميع، وكذلك ضد كل عدو يدخل أرض المسلمين، وهنا لا يستطيع أن يسمى أحد الذي يقاتل الاحتلال الروسي خائناً ولا الذي يقاتل اليهود خائناً”[11] ومع ذلك تتباين اختياراتهما في تحديد ماهية العدو البعيد المستهدف، وآلية وأدوات مواجهته، سنتطرق لها في محور الفروقات.
4. الجهاد فرض عين على كل مسلم
وهذه المسألة من أظهر المشتركات العملية بين الطرفين. حتى إن عزام كان يشدد في هذه المسألة (على غير عادته)، ويغلظ القول أحياناً على من يفتي بأنه فرض كفاية[12]: “إن لم يكن الجهاد الآن فرض عين، لا بد أن ننسخ من قاموس المسلمين، قاموس الفقه الإسلامي، كلمة فرض عين… إن الذين يجادلون في حكم الجهاد هؤلاء كثيرٌ منهم إما جهلة وإما مغرضون”[13].
وقد ألّف رسالةً في حكم الجهاد لتحرير بلاد المسلمين المحتلة كفلسطين وأفغانستان وغيرها بعنوان: “الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان” أفتى فيها أن:
1- الجهاد بالنفس فرض عين على كل مسلمي الأرض ولا استئذان فيه.
2- الجهاد بالمال فرض عين ويحرم الادّخار.
3- ترك الجهاد كترك الصلاة والصيام بل أشد[14].
ونقل (في رسالته) إقرار مجموعة من العلماء لفتواه كالشيوخ سعيد حوى وعبد الله العلوان من سورية وابن باز وابن العثيمين من السعودية وعمر سيف من اليمن وعبد الرزاق عفيفي من مصر وغيرهم[15]، وكان يرى وجوب نفير كل العلماء إلى أرض الجهاد: “يجب أن يكونوا في أرض القتال، كل العلماء”[16].
أصل الفتوى والفكرة تبناها بن لادن بقوة وركز عليها في جل خطاباته وتوجيهاته: “العدو الصائل يندفع بجزءٍ يسير جداً من الأمة، هذا حق، ولكن يبقى الحكم أنه فرض عين… فهذه أحكام أجمع عليها الفقهاء من سلف الأمة رحمهم الله… مجرد أن يأتي العدد الذي يكفي لدفع العدو الصائل يصبح تلقائياً الجهاد فرض كفاية فيبقى الباقون”[17]، “وكذلك الجهاد بالمال المتعين اليوم”[18].
ولعل هذه الفتوى هي من دفعت الكثيرين لاعتقاد تماثل نموذجي عزام وبن لادن في العمل والفكر الجهادي.
5. العقيدة السلفية المعاصرة
يتبنى الرجلان المرجعية السلفية فيما يخص تفاصيل العقائد النظرية. صرح عزام في أحد حواراته الصحفية المرئية ناقلاً ما قاله للشيخ ابن باز: “إن هذه العقيدة التي هي العقيدة السلفية التي يقولون إني أحاربها إني أعتقدها قبل أن أعرفك بعشر سنوات”[19]، وفي سياق دعوته لتصحيح المفاهيم الشرعية في فكر وحياة الأمة نصح بن لادن بعدة كتب في مقدمتها: “كتاب (فتح المجيد) للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وهو كتاب مهم جداً لمعرفة التوحيد والتحذير من الشرك”[20]، وهو الشرح الأشهر لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
تهيمن هذه المدرسة بشكل كبير على الحالة العلمية بالسعودية وغالب الخليج العربي، ويتمسك بها غالب الملتزمين دينياً هناك. أما في باقي العالم الإسلامي الممتد شرقاً وغرباً من جاكرتا إلى طنجة، فتبرز المدرستان الأشعرية والماتريدية كتيار عقائدي عام سائد ومستقر منذ أزمان بعيدة.
وبالرغم من الاتفاق والتناغم بين المنهجين فيما سبق، إلا أن هناك مساحات خلافية كبيرة وحساسة لا تقل أهمية ولا تأثيراً عن المشتركات، نجمل أبرزها في خمسةٍ أيضاً.
ثانيا: مواطن الافتراق بين عزام وبن لادن
1. من الجهاد الآدابي إلى الجهاد الأدبياتي
يؤمن عزام بضرورة تلقي المجاهدين قسطاً من التربية قبل حمل السلاح، كيما لا تنحرف البندقية باتجاه رؤوس المؤمنين، فالتربية الإيمانية الأخلاقية (على الأصعدة القلبية واللسانية والعملية) تشكل عنده الأرضية الصلبة التي لا يمكن أن يقوم عملٌ قتاليٌ راشدٌ إلا بالارتكاز عليها، وهذا المبدأ تجده مكرراً وبجرعات كبيرة في توجيهات عزام، ومقدماً على الاتجاه والتيار الفكري.
قال عزام: “فيجب أن تنظر إلى إخوانك الذين من حولك أولاً بعين المحبة والعطف والرحمة… (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وبدون هذه التربية، حمل السلاح قبل هذه المرحلة المهمة الخطيرة، خطيرٌ على النفس التي تحمل السلاح، وخطير على الأمة فيما لو تمكن هذا السلاح من الوصول لسدة الحكم، لأن الدماء ستسيل والأعراض ستنتهك والأموال ستسلب ويتبدل الحكم القيصري بقيصر جديد ولكنه مدهون من الخارج بشعارات إسلامية وبأسماء إسلامية… أي إسلام هذا الذي تريد أن تقيمه في حياة الناس؟ أي دين هذا الذي تدعو إليه؟ كيف يمكن؟ إذا كانت فئة قليلة لا تستطيع أن تعيش متوائمة وأقل حقوق المسلم أن يأمن فيها على الكلام في غيبته، والشرع الإسلامي والمنهاج الإسلامي علمنا أن ننصح في الوجه ونحافظ في الغيبة”[21].
وكان يرى أن “التربية الإسلامية بصفائها وعمقها وأصالتها لا يمكن أن تجد بقعة أفضل من بقعة الجهاد”[22]، ومنذ أن أسس مكتب خدمات المجاهدين في بيشاور الباكستانية بغرض استقبال وتهيئة وتربية الشباب العربي قبل دخولهم أفغانستان كان يتفق مع الشباب على عدم إثارة الخلافات الفكرية والحزبية، يقول عزام: “هذه هي القاعدة التي انطلقنا منها منذ أول يوم، أننا مكتب الخدمات جماعة الجماعات، تبليغي: أهلاً وسهلاً، إخواني: على الرأس والعين، جهادي: في القلب، سلفي: على الروح، المهم جاء يجاهد، على رأسي وعيني… مفهوم”[23].
أما بن لادن فيغلب على خطاباته الإعلامية وأدائه العملي الدعوة إلى التمسك بأدبيات القاعدة الفكرية والقتالية بصورة أكبر وأكثر إلحاحاً من ترسيخ الجوانب التربوية السلوكية العامة. يظهر هذا بجلاء في ثنايا نصائحه وتوجيهاته في أهم ثلاث منعطفات مفصلية في تاريخ بن لادن على رأس القاعدة:
أولاً: مرحلة بداية الانتشار العالمي لفكر ومنهج التنظيم
وذلك عقب أحداث سبتمبر وخصوصا بعد غزو العراق، ونلحظ في هذه الحقبة الزمنية تركيزاً كثيفاً على الإقناع بوجوب:
- تكفيرالحكام والبراءة العلنية منهم.
- استهداف المصالح الأمريكية واليهودية حيثما وجدت.
قال بن لادن في سلسلة توجيهاتٍ منهجيةٍ: “فلا يختلف أحد في كفر هؤلاء الحكام”[24]، “التبرؤ من الطاغوت ليس من نوافل الأعمال، وإنما هو أحد ركني التوحيد فلا يقوم إيمان بغيرهما”[25]، “واعلموا ان استهداف الأمريكان واليهود بالقتل في طول الأرض وعرضها من أعظم الواجبات”[26].
ثانياً: مرحلة التمايز والهيمنة (عالمياً) على الخطاب والميدان الجهادي
وذلك في الفترة منذ بدء بزوغ نجم القاعدة في العراق، مروراً بإعلان “دولة العراق الإسلامية” وفتح أفرع جديدة للتنظيم في عدة بلاد، ووصولاً إلى الثورات العربية. فقد دأب بن لادن خلال هذه الفترة على الترويج لمزيج المفاهيم العقدية والفقهية والسياسية التي نضجت واستقرت عنده (كمنظومة صلبة متكاملة)، وأفرزت عدة ثوابت، في مقدمتها تقسيم الجماعات المجاهدة إلى معسكرين:
الأول: جماعات ضالة، وهي التي “أحدثت في ديننا ما ليس منه ودخلت في المجالس التشريعية الشركية”، أو تلك التي ترى “أنه لا يمكن إقامة دولة الإسلام ومقاومة الكفر العالمي والمحلي إلا بالتعاون مع الحكومات العميلة في المنطقة فضلوا ضلالاً مبيناً”.
الثاني: جماعات صادقة، وهي “الجماعات الملتزمة بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم” فلا تشارك في انتخابات تشريعية، وترى “إقامة الدين وتكون الكلمة العليا لله تعالى وحده ووجوب تنحية الحكام الطواغيت والحكومات العميلة”، “فيجب نصرة الطوائف المجاهدة الملتزمة بالمنهج الحق”[27].
ثالثاً: مرحلة إعادة طرح الفكر والأدبيات مع تعديلات تكتيكية
وذلك للتكيف مع الواقع الجديد والمتوقع الذي أحدثته ثورات الربيع العربي، لا سيما في البلاد التي شهدت ثورات وسقوط رؤوس أنظمة.
جاء في إحدى رسائل بن لادن لمفتي القاعدة عطية الله الليبي: “حبذا أن تذكر إخواننا في الأقاليم بأهمية التحلي بالمكث والأناة، ونحذرهم من الدخول في أي مصادمات مع الأحزاب المنتسبة للإسلام ويغلب الظن أن أغلب المناطق التي ستقوم فيها حكومات على أنقاض الحكومات السابقة ويترجح أن تلك الحكومات ستكون للأحزاب والجماعات الإسلامية كالإخوان ومن شابههم، وواجبنا في هذه الفترة أن نهتم بالدعوة بين المسلمين وكسب الأنصار ونشر الفهم الصحيح”[28].
في المرحلة الأخيرة، يُلحظ جنوح بن لادن للتهدئة مع التيارات والجماعات الإسلامية المخالفة (في بلاد الثورات التي شهدت سقوط رؤوس الأنظمة)، ولكن لا يظهر أي تغير أو مراجعة في مسألة أولوية الأدبيات على الآدابيات.
2. العقلية الفقهية بين الأصولية والوهابية
هناك تباين ملحوظ في نوعية التربية الجهادية عند عزام وبن لادن، ففي حين يركّز الأول على ترسيخ الجوانب الإيمانية السلوكية العامة، تأخذ الأدبيات الفكرية الخاصة نصيب الأسد من إرشادات وتوجيهات الثاني.
كي نفهم خلفيات هذا الخلاف، لابد من الرجوع إلى العقلية الفقهية الكُلية المنتجة للأحكام والفتاوى. فعزام يميل إلى العقلية الأصولية[29] التي تعي تنوع وقِدم وديمومة القواعد المستخدمة في استنباط الأحكام وتكييف الفتاوى، وما يتفرع عنها من مسائل كثيرة تقع في دائرة الخلاف الواسع المقبول بين المذاهب السنيّة، ومنها بلا شك مسائل كثيرة تُعنى بشؤون السياسة والجهاد.
فلذا تجد جهده منصباً على: رفع الجانب الأخلاقي عند وبين مختلف أطياف المجاهدين والإسلاميين وعموم المسلمين، وتلحظ تجنبه لتعميم الأحكام على الأشخاص التابعين للمؤسسات أو الكيانات وإن اختلف معهم.
هذا الملمح لا يُلحظ عند بن لادن، بل يظهر عكسه في أحيانٍ كثيرة، فترى تعميماتٍ كثيرة في تنزيل الأحكام على جُموعٍ من المخالفين، يرجع هذا إلى التأثر بالعقلية الفقهية الوهابية الأحادية التي تجري الأحكام على الظواهر المتماثلة دون التحري عن البواعث وقرائن الحال وبوصلة الأعمال.
نأخذ مثالاً تطبيقياً واحداً يوضّح مخرجات آلية التفكير عند العقليتين، وهو: الحكم على المشاركة في العمل السياسي الدستوري في ظل هيمنة المنظومة القانونية الغربية على العالم الإسلامي منذ عقود طويلة.
يؤمن بن لادن بأن أي مشاركة سياسية في ظل القوانين الوضعية الحاكمة منذ عشرات السنين محليةً كانت أو عالمية، هو عملٌ كفريٌ مخرج من الملة مهما كانت المعطيات والنيات والأهداف.
يشمل هذا: سائر الحكام والحكومات المشرّعة للقوانين الوضعية أو الحاكمة بها أو المتحاكمة لها (بلا استثناء)، وكذلك من يمارس الانتخاب والترشح إذا كان يعلم ويرضى بهذه القوانين الوضعية والدساتير والتحاكم إليها.
جاء على لسان بن لادن في أهم بيان تأسيسي شمل الأحكام الجديدة التي تبنّاها (وأكّد على القديمة) في أغسطس 1995م: “إن تحكيم القوانين الوضعية والتحاكم إليها هو بلا شك عبادة ممن يفعل ذلك لواضع هذه القوانين”، وجاء أيضاً: “ناهيك عما يحكم البلاد في علاقاتها الخارجية من تلك القوانين التي نأخذ مثالاً لها التزامكم بالتحاكم إلى هيئة تسوية المنازعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، فهذه الهيئة.. هيئة كفرية قانونية بما لا يدع مجالاٌ للشك.. التحاكم إلى مثل هذه الهيئات.. كفرٌ بواحٌ مخرجٌ من الملة”[30].
وعلى الرغم من أن هذا البيان موجهاً إلى ملك السعودية ونظامه وحكومته، فإن بن لادن أحال إلى فحواه كثيراً في الفترات اللاحقة وعمم الحكم الذي فيه: “فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار، وبتشريعهم للقوانين الوضعية، وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة”[31]، “فالعلة الكبرى في تكفيرنا للحكام أنهم لا يحكّمون شرع الله تعالى في جميع شؤوننا… حيث إن من أهم ما تعنيه كلمة “لا إله إلا الله” أي لا حاكم ولا مشرع إلا الله”[32].
وبعد أن استعرض بن لادن حال الأمة منذ سقوط الخلافة وقيام الدول العلمانية، قال في أحد بياناته الموجهة إلى الأمة بعنوان “بيان الإيمان” في 2007م: “جاءت قيادات جعلت الدخول إلى الإصلاح من بوابة الشرك الديمقراطي”[33]. وصرّح أيضاً: “وكل من يعلم حقيقة هذه المجالس، يعلم أن نواب هذه الجماعات، قد أقسموا بالله العظيم قسماً، يلزمهم باحترام والتزام ما جاء في دستور دولتهم الطاغوتية… وهذا اليمين لا يختلف فيه اثنان من أهل الإسلام بأنه عمل شركي قام به صاحبه عالماً طائعاً مختاراً وقد أفتى علماء أجلاء بكفر من قام بمثل هذا العمل الشركي”[34]، وهؤلاء العلماء أبرزهم: أبو محمد المقدسي وناصر الفهد وعلي الخضير[35]، وهم من أبرز شيوخ السلفية الجهادية. والمصدر المعتمد عندهم في تكييف وإطلاق الأحكام هو ميراث الحركة الوهابية الخالصة قبل اختلاطها بغيرها من الافكار والمدارس الإسلامية مطلع القرن العشرين.
ومما قاله أيضاً في إحدى رسائله: “فالملايين من المسلمين بما في ذلك الكثير من أعضاء الجماعات المنتسبة إلى الإسلام واقعون في الأعمال الشركية بسبب الانتخابات في المجالس التشريعية”[36]، وأضاف في موطن آخر متسائلاً: “فما بالكم إذا جاءكم الشرك من الحاكم اجتنبتموه، وإذا مرره عليكم تحت عباءة المرشد أو العالم استسغتموه”[37].
وفي إحدى أهم كلماته الصوتية للأمة عامة وللعراقيين خاصة (قبيل أول انتخابات برلمانية أعقبت الاحتلال)، وفي سياق قبوله لبيعة الزرقاوي وتدشين فرع القاعدة في العراق، صرح بفتوى نصها: “إن كل من يشارك في هذه الانتخابات والتي سبق وصف حالها عن رضى وعلم، يكون قد كفر بالله تعالى”[38].
وعنده، جميع المسائل السابقة من قطعيات العقيدة التي لا تقبل الخلاف ولا يُعذر من قام بها، يقول: “ثم إن ما يسوقه أصحاب هذه البدع الشركية من مسوغات فهي باطلة.. أَيُشْرَك بالله باسم الله، فتدبروا يا أولي الألباب، واعتبروا بما أصاب أهل الكتاب، الذين أطاعوا علماءهم بالتحليل والتحريم فأصبحوا مشركين”[39]، وهو في هذا يتبنى الرأي الأشد داخل التيار السلفي الجهادي، والذي يمثله المقدسي والخضير والفهد وغيرهم.
من ناحيةٍ أخرى، وبالرغم من اتفاق عزام مع بن لادن وجزمه أن: الأساليب الانتخابية السلمية لا تقيم للإسلام دولة، وأنها ليست الحل الشامل أوالخيار الإستراتيجي لتحرير الأمة من سلطات ونفوذ الجاهلية داخلياً وخارجياً، وأنه لا بد من الجهاد الشعبي المسلح، بالرغم من هذا فإن نظرته لحكم المشاركة السياسية لأصحاب التوجه الإسلامي شديدة التفصيل ولا علاقة لها غالباً بمسائل الكفر والإيمان، إنما تتراوح بين الحل والحرمة بحسب ظرف كل بلد، طالما أن المشارك يظهر من سيرته وأدائه العملي السعي لتقليل الفساد والظلم ومعارضة القوانين المخالفة للشريعة والبعد عن العمالة للأعداء.
ففيما يخص البرلمانات وحكم دخولها أجاب عزام على أحد الأسئلة المطروحة عليه قائلاً: “المجالس النيابية في بلد فيها رائحة حرية يكون فيها خير للمسلمين أو يخفف الظلم عن المسلمين لكن لا يعمل دولة إسلامية ولا يقيم مجتمعاً إسلامياً هذا العمل”[40].
وفي موطن آخر، ردًّا على أحد السائلين عن دخول البرلمان إيماناً، قال عزام: “ليس إيماناً نحن نعيش في مجتمع جاؤوا لنا بأوروبا وقوانينها وطبقوها على رؤوسنا، هي فوق رأسك إن شئت أم غضبت”[41]. وحول الفائدة المرجوة من دخول البرلمان، أشار عزام إلى أن المسألة تقديرية، ولخص موقفه الإجمالي من هذه القضية بقوله: “مجلس النواب عبارة عن منبر من المنابر التي يمكن أن يوصل كلمة الحق فيها إلى الأمة، يعني هذا الذي أقتنع فيه منذ زمن والله أعلم، فقد أكون مخطئاً وقد أكون مصيباً”[42].
أما فيما يتعلق بتولي الوزارات فموقفه العام تمثله كلماته التالية: “أما مجلس الوزراء أنا أظن والله أعلم أنه مجلس تنفيذي يحرم الدخول فيه”، بعكس مجلس النواب الذي يتيح المعارضة، إلا أنه في الوقت ذاته كان يحترم اجتهادات العلماء الآخرين، وقد ذكر حواراً دار بينه وبين أحد أشهر علماء الهند أبي الحسن الندوي: “أقول له عن الحركة الإسلامية، أي واحد يدخل الوزارة يفصلونه، فغضب غضباً شديداً فقال: لا لا لا، نحن نبحث عن شرطي مسلم ليخفف الرشاشات عن المسلمين عندما تفتح في الهند.. لا تتشددوا في هذه القضايا، هذا رأي الأستاذ الندوي بارك الله في عمره، وهو بقيةٌ من السلف الصالح نحسبه كذلك”[43].
تظهر ثمرة هذا الاحترام للاجتهاد الآخر في ثنايا ثنائه الكبير على عدة تجارب، منها على سبيل المثال: تجربة عدنان مندريس (الذي أعاد الأذان باللغة العربية لتركيا)، والتجربة السياسية الماراثونية للحركة الإسلامية بتركيا (بقيادة نجم الدين أربكان)، التي شاركت وشكلت عدة حكومات، ووصل قادتها في بعض الأحيان لمنصب رئاسة الوزراء[44]، وتجربة إسحاق الفرحان وزير التربية والتعليم بالأردن[45].
ذات الامر ينطبق على رأيه بضياء الحق رئيس باكستان الأسبق، فقد كان محل ثقة عزام، وقد وصفه بالشهيد فور مقتله، قال عزام: “طبعا باكستان هي تحت وصاية أمريكا.. لكن ضياء الحق نفسه حتى الآن أنا أظن أنه رجل طيب”[46]، “كبار المناصب كان يستلمها الشيعة والقاديانيون والإسماعيلية، اقتصاد البلد، الطيران، المخابرات، الجيش، كلها بيد هذه الطوائف الثلاثة… فجاء ببعض الطيبين، منهم هذا قائد الجيش الموجود ميرزا أسلم بيك، وجاء بحميد غل مديراً للاستخبارات.. نظّف نظّف نظّف، هذا الذي استطاع أن ينظفه، ولم يجد أحداً أن يساعده.. نحن نظن أنه شهيد بإذن الله”[47].
والخلاصة التي وصل إليها عزام في مسألة التعاطي مع القوانين الوضعية بعد بحث طويل أن: “الحاكم الذي يشرّع (ليس يطبق) يشرّع بغير ما أنزل الله يعني يقنن قوانين ويأمر بنصوص قانونية مخالفة لنصوص الكتاب والسنة، هذا يخرج من الإسلام، وكذلك المقنن الذي يصوغها في مواد قانونية، المشرّعون هؤلاء” إضافةً إلى “أي واحد في مجلس الأمة يوافق على أي مادة قانونية تناقض شرع الله”[48].
3. الجهاد العالمي بين المناصرة والمهاجرة
يتمحور البرنامج الجهادي المعولم عند عزام حول كيفية مؤازرة مشاريع المقاومات الإسلامية في المناطق الملتهبة، وذلك من خلال حشد الدعم الإنساني والإعلامي والخبراتي والعسكري (المجاهدين المتطوعين) وصهره ضمن جميع الجماعات المجاهدة، مع السعي لتوحيد صفوفهم، والتحذير من المشاركة في صراعاتهم، فضلاً عن الاستقلال بمشروع سياسي جهادي يتجاوز الخطوط العريضة لخططهم وأهدافهم، وهو ما يمكن أن نطلق عليه “جهاد المناصرة”.
يقول: “نحن ما أنشأنا منظمة جديدة، نحن أنشأنا مكتباً لخدمات الجهاد.. مكتب الخدمات وظيفته خدمة جميع الأحزاب الجهادية في داخل أفغانستان”[49]، ثم تحدث بإسهاب عن أهداف المكتب الرئيسية فعدد منها: إيصال المساعدات الإنسانية، وطبع المصاحف والكتب العلمية والتعليمية ونشرها داخل أفغانستان، واستقطاب الشباب من كافة التيارات والجماعات الإسلامية العربية وتوزيعهم بين سائر الأحزاب الأفغانية المجاهدة، كي يقوموا بعدة أدوار هامة (إضافةً إلى قتال الشيوعيين والمحتلين الروس) في مقدمتها: الإصلاح ومنع الاقتتال، وتقديم القدوة لإيقاف هجرة الأفغان للخارج، ناهيك عن بعض الأنشطة التعليمية[50].
وعندما سُئل عن الوجهة القادمة بعد تحرير أفغانستان، أجاب قائلاً: “إن شاء الله ربنا يفتح لنا باباً في الفلبين، في اليمن الجنوبي لتحريرها من الشيوعيين، في أي مكان.. لكن إن شاء الله فلسطين هي المرشحة الأولى لتكون معترك جهادنا ومحط أنظارنا”[51] وكان هذا بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وظهور حركة حماس قوة صاعدة مؤثرة في الشارع الفلسطيني.
لم يكن عزام يخفي أمنيته في أن تتحول أفغانستان إلى منطلق لتحرير العالم الإسلامي بأسره، وذلك بعد تحررها أولاً، ثم قيام دولة إسلامية تُحكم بالشريعة، الأمر الذي يحتاج لسنوات طويلة من تربية وتعليم وتثقيف الشعب إسلامياً وفق رؤيته[52]. ولكن بالرغم من جهره بأمنيته هذه، كان إذا تحدث عن الخطوات الواقعية الإجرائية السياسية أحال إلى تصريحات واجتماعات وقرارات قادة الأحزاب الأفغانية المجاهدة أو من عرفوا بالقادة السبع: يونس خالص ورباني وسياف وحكمتيار (من قادة الحركة الإسلامية)، ومجددي وجيلاني ومحمدي (علماء من التيار المشيخي المتصوف المشهور هناك باسم الملالي)[53]، وهم رؤوس الأحزاب الجهادية السبعة الأساسية في أفغانستان[54].
نقل عبد الله أنس صهر عزام عنه: “لا يهمنا من يحكم أفغانستان من بين القادة السبعة (حكمتيار، رباني، مجددي، محمد نبي، سياف…)، نحن لا يحق لنا أن نتدخل في شؤونهم، أي واحد منهم يُتفق عليه أو تحصل له البيعة فذلك الذي نعترف به… فإذا دخلوا كابول واقتتل المجاهدون فيما بينهم فلا يجوز أن نقف مع واحد منهم ضد الآخر”[55].
ومع ميله الفكري والعملي إلى أربعةٍ منهم (الحركيين) وهم الأكبر حجماً و تأثيراً (85% من الجبهات)[56] وعدم موافقته على بعض المواقف السياسية المفصلية للثلاثة الآخرين فإنه لم ينحز ويجيّش لطرف في مقابل الآخر، وبقي منهجه الإصلاح عند الخلاف، والفرح والتأييد عند الوفاق. ويمكن أن نسوق هنا موقفين آخرين لعزام يؤكدان ما سبق:
الأول: مع هزيمة السوفييت وقرب رحيلهم بداية عام 1988م، والبدء بالكلام عن البديل السياسي للحكومة الشيوعية الموالية للمحتلين السوفييت، طُرح الحل الأمريكي المتمثل بعودة ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه على رأس الحكم كمرحلة انتقالية في طريق الخلاص من الشيوعية. رفضت الأحزاب الأربعة الحركية، ووافقت الثلاثة المشيخية. أيد عزام وجهة نظر الرافضين دون معاداة الموافقين[57].
الثاني: بعد رفض الخيار الأول بسنة تقريباً، عُقدت اجتماعات ماراثونية داخلياً وخارجياً، أسفرت في النهاية عن تشكيلة حكومية جامعةً للأحزاب السبعة. فرح عزام بهذه التوليفة كثيراً واعتبرها من التدبير الإلهي: “لو مكثنا طويلاً نرتب هذه النتائج لا نستطيع”، وذلك لأنها توزّعت بين القادة المقبولين خارجياً والموثوقين عنده، ولأنها شهدت تنوعاً عرقياً (بشتون وطاجيك) وفكرياً (حركيين وعلماء) ومناطقياً (شمال وجنوب). ففي الرئاسة: صبغة الله مجددي (تصنيفه معتدل غربياً) وهو طاجيكي من علماء الشمال وقائد أحد الأحزاب المشيخية، وفي رئاسة الوزراء: سياف وهو بشتوني من الحركة الإسلامية في الجنوب، وهو قائد أحد الأحزاب الحركية… وهكذا دواليك[58].
وقد سار على نفس الخط إلى حدٍ كبير، قادة المجاهدين العرب في حرب البوسنة مطلع تسعينيات القرن الماضي تحت قيادة الرئيس بيجوفيتش[59]، إضافةً إلى تجربة خطاب في الشيشان تحت قيادة الرؤساء المجاهدين الثلاثة: دوداييف ومسخادوف وياندرباييف نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية عشرية القرن الحالي[60].
على الطرف المقابل، أسس بن لادن طريقته الخاصة للجهاد العالمي تحت راية القاعدة، والتي يمكن أن نطلق عليها: “جهاد المهاجرة”، وتفترق هذه الطبعة من الجهاد العالمي عن “جهاد المناصرة” بمسألتين هامتين:
الأولى: الاستقلال عن مجاهدي البلد المضيف بمشروع سياسي جهادي، ونأخذ على هذا مثالين، أحدهما في أفغانستان، والآخر في العراق. فبعد تبلور فكر وإستراتيجية القاعدة عام 1998م، وإعلانها حرباً مفتوحة على أمريكا في كل مكان، أجمع المجاهدون الأفغان على رفض هذه الخطوة، وفي مقدمتهم حركة طالبان وقائدها الملا محمد عمر، الذي بايعه بن لادن بيعة كبرى أميراً للمؤمنين في أفغانستان، وقد أمره مراراً بعدم تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأمريكان، إلا أن بن لادن لم يمتثل، واستهدف بعدها سفارتين أمريكيتين في أفريقيا عام 1998م، ومدمرة بحرية في اليمن عام 2000م، ثم جاءت عمليات الحادي عشر من سبتمبر داخل أمريكا. وقد ذكر أبو حفص الموريتاني (مفتي القاعدة وقتها) من ضمن أسباب خلافه مع بن لادن: “مخالفته المستمرة لأوامر الملا عمر زعيم حركة طالبان فيما يتعلق بالعمليات ضد الأمريكان”[61]، وعلل إنكاره عليه بقوله: “أننا في ضيافة إمارة طالبان وقد أكدوا علينا مراراً في هذه المسألة وقالوا لنا: لا تُقْدِموا على أي عمل من هذا القبيل، وضعنا لا يتحمل ردة فعل على عمل كهذا، وللأسف القاعدة تجاهلت كل هذه الأمور وضربت بها عرض الحائط”[62].
والمثال الآخر من العراق، عندما أقدم فرع القاعدة هناك على إعلان سلطة سياسية عليا “دولة العراق الإسلامية” دون اتفاق مع مجاهدي وعلماء العراق، بل دون إنباء بن لادن نفسه بالقرار[63]! ورغم ذلك، فقد أقرهم بن لادن ودافع عن هذا المشروع بقوة، ودعا الفصائل العراقية لبيعة أبي عمر البغدادي أميراً للمؤمنين في العراق، وعدم تعطيل الوحدة بحجة أنهم لا يعرفونه، فالرجل مُزَكّى من قادة القاعدة بالعراق: الزرقاوي (الأردني) وأبي حمزة المهاجر (المصري)، وهما من الثقات العدول عند بن لادن: “فالامتناع عن مبايعة أمير من أمراء المجاهدين في العراق بعد تزكيته من الثقات العدول بعذر الجهل بسيرته يؤدي إلى مفاسد عظام من أهمها تعطيل قيام جماعة المسلمين الكبرى تحت إمام واحد وهذا باطل”[64].
نستطيع هنا أن نستشعر دون كثير عناء نظرة بن لادن للدور السياسي المنوط به تجاه الساحات الجهادية، وهو ما تجسده كلمات عطية الله الليبي مفتي القاعدة للزرقاوي: “لابد ان تضع نصب عينيك أنك قائد ميداني في ناحية تحت قيادة كبيرة هي أقوى وأكثر قدرة على القيادة العامة للأمة”[65].
ورغم تراجع بن لادن بعد ذلك عن مسألة إعلان الدول أو مباركتها، واقتناعه بالعجز عن الحفاظ على أي دولة إسلامية يُعلن عنها في الوقت الحالي في ظل موازين القوى العالمية[66]، فإنه لم يظهر أي تراجع عن فكرة الاستقلال بالمشروع السياسي الجهادي عن مجاهدي البلد المضيف، وبقي للقاعدة مشروعها الخاص.
الثانية: المشاركة في الاقتتالات الداخلية بين الفصائل المقاتلة. وقع هذا في أفغانستان عندما كانت الحرب مشتعلة بين حركة طالبان وتحالف الشمال نهاية التسعينيات، ونستطيع أن نلخص المشهد وقتها على النحو التالي:
- رأي طالبان في تحالف الشمال “لم تكفرهم بل كانت تعتبرهم بغاة”.
- رأي الملا عمر في أحمد شاه مسعود[67] القائد العسكري لتحالف الشمال: “نحترم مسعود، وقد كنا مجاهدين معاً”.
- رأي الملا ضعيف[68]: “صحيح أن أطرافاً خارجية كانت تدعم الطرفين وتمولهما، وتغذّي الصراع الداخلي، لكن استمرار الحرب كان فعلياً بسبب الأفراد الذين انخرطوا فيها”.
- قرار طالبان بخصوص اشتراك القاعدة في القتال: “أنتم ضيوف خليكم بعيدين عن القتال، وتحت اصرار بعض الأخوة المجاهدين سمحت لهم طالبان بالقتال إلى صفوفها ضد الشمال”.
- موقف الموريتاني مفتي القاعدة من تحالف الشمال: “ضد قتالهم وضد تكفيرهم”.
- موقف بن لادن من تحالف الشمال: “كان يكفر هؤلاء”[69].
بالانتقال إلى العراق، رفضت غالب الفصائل العسكرية العراقية والهيئات العلمية الداخلية بيعة “دولة العراق الإسلامية” لعدم توفر مقومات الدولة وأسباب أخرى، ونشب بعدها صراعٌ عنيفٌ بين هذه الفصائل والدولة، وقف بن لادن بقوة مع “الدولة”، ووجه نداءً إلى الظواهري طلب منه فيه: “العمل على حشد الناس وفضح مؤامرات الخصوم عليها بشكل صريح وواضح أي أن يكون دعمكم للدولة بشكل ظاهر للعيان لا يخفى على أحد”[70]، وطلب منه أيضاً إخراج بيان يغلب عليه: “صورة الصراع بين القاعدة والكفر العالمي المحلي.. مع الإشارة إلى أن التدافع بيننا وبين الجماعات هو فرع لتقاطع مصالحهم مع مصالح الحكام في مجابهة وإفشال دولة العراق الإسلامية”[71].
4. حرب النظام العالمي أم دفع الصائل المباشر؟
الخاصيّة الثانية من خصائص نظرية بن لادن للجهاد العالمي بعد “جهاد المهاجرة” هي “حرب النظام العالمي” المؤلفة من شقين؛ الشق الأول: عسكري قتالي، ويتمثل بالاشتباك الشامل مع رأس النظام العالمي (أمريكا والغرب) لاستنزافه وإجباره على الانكفاء ورفع هيمنته عن العالم الإسلامي، وآنذاك يكون التحرك ضد الأنظمة لإسقاطها وإقامة الخلافة. والشق الثاني: سياسي قانوني، ويتمثل باعتزال المنظومة القانونية العالمية والإقليمية (الأمم المتحدة وتوابعها)، وعدم الاعتراف بأي سلطة أو نظام حاكم ضمنها.
وفلسفة الشق الأول لها ثلاثة تجليات:
- قتال الغربيين كافة: قتل وقتال الأمريكان وحلفائهم الغربيين واليهود مدنيين وعسكريين في أي بقعة ممكنة، كما جاء في البيان الأول للجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين في بداية عام 1998م، والذي صُدّر بتوقيع بن لادن “إن حكم قتل الأمريكان وحلفائهم مدنيين وعسكريين وقتالهم فرض عين على كل مسلم في كل بلد تيسر فيه” استناداً إلى قوله تعالى “وقاتلوا المشركين كآفةً كما يقاتلونكم كآفة”[72].
- أولوية قتال أمريكا: أولوية استهداف الأمريكان على غيرهم لأن “أمريكا هي رأس الكفر” و”أعداء الله اليوم كشجرة خبيثة ساقها أمريكي قطره 50 سم وفروعه كثيرة متفاوتة الأحجام منها دول حلف النيتو وكثيرٌ من الأنظمة في المنطقة، ونحن نريد إسقاط هذه الشجرة بنشرها في حين أن قوتنا وطاقتنا محدودة، فطريقنا السليم والفعال لإسقاطها هو بتركيزنا المنشار على أصلها الأمريكي”[73].
- ضرب العمق الأمريكي: ضرورة “تركيز القتل والقتال على الشعب الأمريكي” لأن “السيادة والسلطة العليا في أمريكا هي للشعب وهو صاحب القرار الأول ويمثله مجلس النواب والبيت الأبيض”، و”إيقاف هذه الحرب من مصدرها الرئيسي وبالقوة القادرة على إيقافها بأسرع وقت.. الشعب الأمريكي”، ويكون هذا “بعمليات داخل أمريكا تفقده أمنه”[74]، إضافةً إلى زيادة أعبائه المعيشية وخاصةً وقوده عبر استهداف النفط خاصةً في الدول المصدرة لأمريكا، ويتم ربط جميع ما سبق بفقدان الأمن الذي سببته أمريكا وحلفاؤها في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والصومال[75]. وأدوات الاشتباك الأهم كانت “العمليات الاستشهادية” والتفجيرات وخطف الطائرات.
أما فلسفة الشق الثاني فعائدة إلى ما نقلناه سابقًا من اعتقاد بن لادن بحرمة بل كفر المنضمين للأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الإقليمية، والمتحاكمين إلى محاكمها، القائمة على تحكيم القوانين الوضعية، وبضلال التعاون مع ومداهنة الأنظمة والحكومات لأن هذا يتناقض مع مبدأ “الولاء والبراء”، ففي أثناء مقارنته بين منهج دولة العراق الإسلامية وغيرها من الجماعات العراقية المجاهدة مدح بن لادن نهج الأولى في “العلاقات الدولية” قائلاً: “كما يرفضون أن يداهنوا[76] أي حكومة من حكومات العالم الإسلامي بدون استثناء وأبوا أن يتولوا المشركين لنصرة الدين… وهو غنيٌ سبحانه عن أن نشرك به لننصر دينه، ومحال أن تكون نصرة الدين بتولي الحكام الطواغيت المشركين”[77].
أما نظرية عزام لعالمية الجهاد فذات شقين أيضاً؛ الشق الأول: عسكري قتالي، ويتمثل بالتركيز على قتال وطرد الاحتلال المباشر وعملائه، ثم السعي لإقامة نظم إسلامية في البلاد المحررة. والشق الثاني: سياسي قانوني، ويتمثل بالتعاطي مع المنظومة القانونية العالمية، والترحيب ببناء علاقات مع الدول والحكومات.
وتنبثق فلسفة الشق الأول عند عزام من “فقه دفع الصائل” في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته المعاصرة التي تتجلى في صورتين:
- الجهاد الميداني الموضِعي، أي تركيز القتال في ساحات الجهاد الملتهبة ضد المحتلين وعملائهم، وعدم توسعة نطاقه إلى خارج البلاد المحتلة لتشمل مصالح أوجغرافية الدول الحليفة أو العميلة أو المحايدة. وهذا ظاهر جداً في مسيرة واختيارات عزام، إضافةً إلى إفتائه بعدم جواز قتل النصارى الغربيين والشرقيين في بلاد المسلمين إذا تم الدخول بتأشيرة “فهذا عقد أمان.. إلا إن نكث العهد بأن بدأ ينصّر المسلمين”[78] فيتم تحذيره أولاً، وكذلك الأمر في من دخل أي بلد في العالم بالطرق القانونية فإنه لا يجوز له إحداث أي ضرر فيها[79].
- الجهاد المركزي الموضوعي، “يجب أن نركز جهودنا على أفغانستان وفلسطين، لأنها قضايا مركزية والعدو المحتل ماكر يحمل برنامجاً توسعياً في المنطقة كلها.. وحمايتها حماية للمنطقة كلها”، “من استطاع من العرب أن يجاهد في فلسطين فعليه أن يبدأ بها، ومن لم يستطع فليذهب إلى أفغانستان، وأما باقي المسلمين فإني أرى أن يبدأوا جهادهم بأفغانستان لا لأن أفغانستان أهم من فلسطين، بل فلسطين هي قضية الإسلام الأولى”[80]، ولكن لمعطيات أهمها: المعركة قائمة ومشتدة، والراية إسلامية واضحة، والإسلاميون سبقوا للقيادة، واستقلال القضية، والحدود مفتوحة، والشعب فريد[81].
أما في ما يتعلق بالشق السياسي القانوني، فيؤمن عزام بأهمية تحصيل اعتراف سياسي وقانوني لأي دولة أو حكومة إسلامية ينشئها المجاهدون، ويرحب بذلك، وقد خطب بعد أسبوعين من تشكيل أول حكومة للمجاهدين في أفغانستان مطلع 1989م، فكان من جُملة ما قال أن رئيس دولة المجاهدين “مجددي من المعتدلين في نظر الغرب والأمريكان، إذن يمكن أن توافق عليها بعض الدول وتعترف بشرعيتها وقانونيتها”[82]، وفي آخر حوار صحفي أُجريَ معه قبل مقتله ثمَّن موقف أربع دول اعترفت بحكومة المجاهدين[83]، واستنكر طعن بعض الشباب العرب بدولة المجاهدين لأن وزير خارجيتها حكمتيار ذهب إلى العراق وليبيا وغيرهما طالباً منهم الاعتراف بدولته، وهذا ما اعتبروه عدم وضوح وعدم تطبيق لعقيدة الولاء والبراء، قال عزام: “القادة الذين يقودون الجهاد أناسٌ معتزون بربهم، شباب عرب قالوا: هؤلاء لا يجوز مساعدتهم.. عقيدة الولاء والبراء غير واضحة في أذهانهم.. يا حكمتيار تعال وأجبهم، قال لهم: ما المصائب التي صبت علينا إلا بسبب عقيدة الولاء والبراء، وإلا فقط لو رضينا قليلاً عن الأمريكان لاسترحنا منذ زمن بعيد”[84].
كذلك لم يخف عزام سروره بحصول دولة المجاهدين على مقعد أفغانستان (لوزارة الخارجية) في منظمة المؤتمر الإسلامي الملتزمة بميثاق وقوانين والعضو في الأمم المتحدة[85]، قال عزام: “على كل حال الدول العربية والإسلامية يعني الحمد لله وافقوا على أن يعطوهم مقعداً في وزارة الخارجية في المؤتمر الإسلامي.. وعندما تقدم حكمتيار ليحتل مقعد وزير الخارجية في المؤتمر الإسلامي دوىَّ التكبير في قاعة المؤتمر”[86].
يرجع هذا إلى ما مر معنا في هذه الدراسة من رؤية عزام لكيفية وحكم التعامل والمتعاملين مع القوانين الوضعية والهيئات الحاكمة بها بحسب نية وطريقة واتجاه المنخرط فيها والمعطيات والظروف المحيطة.
غير أن جميع ما سبق لم يمنعه من إبقاء جميع الخيارات مفتوحة: “إذا اعترفوا أهلاً وسهلاً، وإذا لم يعترفوا نحن لسنا بحاجة إلى أحد”[87]. وكان يعتقد أن قيام دولة إسلامية منعزلة ومحاصرة سياسياً واقتصادياً من العالم وارد في الحالة الأفغانية، فالموارد الداخلية تعين على الاكتفاء الذاتي، والسيطرة المطلقة للإسلاميين[88]، والحكم بالشريعة سيكون تدريجياً على فترات[89].
5. الموقف من الجماعات والتيارات الإسلامية
من المناسب أن نقسّم الجماعات الإسلامية إلى:
- الجماعات والتيارات العالمية الأم كالإخوان والسرورية[90] والقاعدة والسلفية والتبليغ والدعوة وحزب التحرير[91].
- الجماعات المحلية في ساحات الجهاد التي لا تنتمي فكرياً ولا سياسياً للحركات الأم.
يعتقد البعض أن نقطة الخلاف الجوهرية بين بن لادن والتيارات الإسلامية الأخرى هو تبني أكثرها للمسارات السلمية كمنهج للتغيير، إضافة إلى عدم إفتائها بفرضية عين النفير إلى ساحات الجهاد.
بيد أنه من خلال استقراء تراث بن لادن، يظهر معياران آخران هامان ومكملان لرباعيته في تقييم الجماعات (الأم أو المحلية):
المعيار الأول: اجتناب المشاركة في أي انتخابات أو حكومة في ظل الدساتير الوضعية.
المعيار الثاني: اجتناب الاعتراف بشرعية او مداهنة أي نظام او منظومة حكم وضعية.
ويرى بن لادن بأن توفر المعيارين الأخيرين في أي جماعة شرطٌ لازم قبل الانضمام لها (على صعيد الأفراد) أو التوحد معها (على صعيد الجماعات)، وهما الخط الفاصل بين الحق والباطل، ويؤمن كذلك أن قيام جماعة المسلمين الكبرى (الكيان السياسي الجامع) لن يكون من مجموع الجماعات الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي، وإنما من الجماعات الملتزمة بالمعايير أعلاه.
قال بن لادن: “فهذا ميزان يميز به المسلم أهل الحق من أهل الباطل.. فإن وجدت جماعة معادية لهذه الحكومات، مكفرة لها، قد بدت العداوة والبغضاء بينهم، فهذه علامة قوية من علامات الجماعة الأولى” ومقصوده بالجماعة الأولى: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وبالمقابل “فكلما وجدت جماعة في ظل هذه الحكومات المرتدة قد تولت الطاغوت وهي في طمأنينة وسكينة، قادتها يظهرون ويتحركون، وهم آمنون، فهذه الجماعة قد فرطت بركن عظيم من الأركان التي التزمت بها الجماعة الأولى، وهو الكفر بالطاغوت ومعاداته”[92]. ومصطلح “تولي الطاغوت” يبدأ عند بن لادن من الاعتراف بشرعية السلطة الحاكمة سواءً في البلد التي توجد فيها الجماعة المعترفة أو خارجها، والواجب الذي يراه ركن التوحيد هو تكفير جميع الحكام والحكومات والبراءة منهم[93]. ثم أردف قائلاً: “فكيف إذا عرفنا أن كثيراً من هذه الجماعات قد شاركت في مجالس النواب التشريعية الشركية”[94]. وفي الختام قال مقرراً وموجهاً: “السواد الأعظم من هذه الجماعات لا صلة لها بجماعة المسلمين التي تبحث عنها لتلتزمها”[95].
وفي مقدمة هذه الجماعات الإخوان (أولاً) والتيار السروري (ثانياً)، وذلك لمشاركة الإخوان بالانتخابات واعترافها بالحكومات، ولمهادنة السروريين لبعض الأنظمة. والخلاف معهما بلغ الذروة فكرياً وميدانياً، وأخذ طابع المنافسة على قيادة العمل الإسلامي في تصور بن لادن، يقول: “كما أن الإخوان والسروريين يعتقدون أنهم أصحاب السبق والفضل في نشوء الصحوة الإسلامية المعاصرة فبتالي يعتقدون اعتقاداً جازماً أنهم أولى بقيادتها ورعايتها وأن غيرهم تطفل عليهم وانتزع منهم هذه القيادة بغير حق.. ناهيك عن أنهم يعتبرون أن زعيم تنظيم القاعدة كان طالباً من طلابهم وفرداً من جماعتهم تمرد على أوامرهم قبل ربع قرن ويجب عليه أن يعود للسمع والطاعة للجماعة[96]. أما حزب التحرير والجماعات الدعوية التبليغية والسلفية التي لا تنخرط بالسياسة فالخلاف معها يبدو أقل حدةً.
وبالنسبة للساحات الجهادية، فالكثير من الخلافات والاقتتالات مُزجت بتهم الكفر من طرف بن لادن. ولم يقتصر الأمر على ساحة أو أفرع جماعة أو تيار أمّ، بل امتد ليشمل كل من قبل المشاركة السياسية في ظل دستور وضعي (في وجود الاحتلال أو بعد رحيله)، أو اعترف وتحاكم إلى الهيئات الدولية، أو داهن بعض الأنظمة السياسية.
نكتفي هنا بذكر مثالين بارزين، ففي نفس البيان الصوتي في ديسمبر 2007م دعا بن لادن عقلاء الفصائل العراقية للاعتبار بما آلت إليه قيادة حماس حين “أضاعت دينها” بقبولها الدخول في “دولة الوحدة الوطنية واحترام المواثيق الدولية”[97] بعد أسطرٍ من ذكره أن هذا الفعل كفرٌ مخلدٌ لصاحبه في النار[98].
وأضفى على فرع القاعدة “دولة العراق الإسلامية” صفة “الولاية الشرعية” مطالباً الجميع بنصرتها (رغم انفرادها بتكفير جل الفصائل)[99] لأن مجاهديها “من أكثر الناس تمسكاً بالحق” ولأنهم رفضوا “أن يداهنوا أي عاصمة من عواصم العالم الإسلامي بدون استثناء”[100].
وبالرغم من ميل بن لادن في شهوره الأخيرة للتهدئة مع الجماعات الإسلامية ودعوته أنصاره لعدم الاصطدام بها إن وصلت للسلطة (في بلاد الثورات التي شهدت سقوط رؤوس الأنظمة)[101] فإنه لم يثبت عنه أي تغيير في الرباعية التقييمية للجماعات. أما فيما يتعلق بحركة طالبان الأفغانية والعلاقة معها، فالأمر يحتاج لتخصيص دراسة مستقلة لكثرة تفاصيله وملابساته.
من ناحيةٍ أخرى، فإن خلاف عزام الأكبر كان مع التيارات التي تحمل ثقافة تعميم التخوين والتشكيك بولاء وإيمان الجماعات والمدارس الإسلامية، قال عزام: “صدقوا يا إخوة أن بعض الأحزاب التي اسمها إسلامية ما تركوا جماعة إسلامية في الأرض تدعوا إلى الله إلا وشككوا بها، إلا وربطوها بأحد الجهات العالمية الكافرة، تسألهم حزب السلامة في تركيا[102]؟ عميل، الجماعة الإسلامية في باكستان[103]؟ عملاء، حزب ماشومي[104]؟ عميل، الإخوان المسلمين؟ عملاء.. يقولون: الدخول في هذا الحزب مصيبة، يفسد دينك، يفسد قلبك”[105]. هذه الكلمات قيلت في حزب التحرير، والحزب كان أكثر حركة أم يهاجمها عزام.
في نفس السياق، عايش عزام عقليات مشابهة أرهقته كثيراً في الجهاد الأفغاني، وهي إحدي تيارات السلفية السعودية التي دأبت على وصف الجهاد الأفغاني بأنه “حرب بين المشركين الأفغان والملحدين الروس” وأن هؤلاء الأفغان “على الأقل أهل بدع، على الأقل عقيدتهم فاسدة، مخرفون”[106]، ومن التيارات التي كان ينتقدها بشدة “الصوفية السلبية الانعزالية، القائمة على: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”[107].
باستثناء التيارات الثلاثة المذكورة وما شابهها فإن عزام كان يرى حتمية تكامل أدوار جميع الجماعات والاتجاهات الإسلامية “فواحد سلفي عمله أن يحرر الأحاديث، يخرج الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، نقول: جزاه الله خيراً سد عنا باباً كبيراً.. واحد من التبليغ تقول جزاه الله خيراً سد عنا باباً كبيراً وهو باب الأمر بالمعروف وجلب الناس الضائعين إلى الإسلام.. إخوان مسلمون يصطدمون بالحكام والطواغيت، تقول: جزاهم الله خيراً كذلك قائمين بواجب كبير”[108].
وذلك لإيمانه أن “دولة الإسلام لا يمكن أن تقام إلا بجهود الجميع وتكاتف جميع هذه الحركات مع مخلصي الأمة وعلمائها”[109]، وأن الجماعات تشكل جداول تصب في نهر الإسلام، وتجفيف أي جدولٍ منها هو تجفيفٌ لنهر الإسلام في المحصلة[110].
نفس الرؤية كان يعتمدها ويطبقها عزام في ساحات الجهاد، سواءً على صعيد الأفراد أو الجماعات. وقد مرَّ معنا أنه عمل على استقطاب الشباب من سائر الجماعات الإسلامية العربية، ثم قام بتوجيههم لدعم مختلف الأحزاب الأفغانية المجاهدة، والعمل على تقليل خلافاتهم والسعي في الإصلاح بينهم.
ومع دفاعه المستميت عن الإخوان المسلمين، وارتباطه بالجماعة تاريخياً وتنظيمياً وعاطفياً[111]، وقناعته أن فكرها هو”أقرب المناهج إلى القرآن والسنة وأقربها إلى السيرة الصحيحة”[112] بيد أنه كان ينتقد تقصيرها في مناصرة القضية الأفغانية “الإخوان مقصرون”[113] ويعتبر الذين يمنعون عن الجهاد “هؤلاء ليسوا من الإخوان الحقيقيين”[114].
ومن أشهر المقولات المأثورة عنه في رفض حصر الحق في أدبيات جماعة معاصرة: “إن كنت في جماعة إسلامية فإياك أن تظن أن الحق كله فيها وأن الباطل كله في غيرها.. هذا تعصب مقيت كم مزق من الجماعات.. فالدعاة كثيرون غيرك والمجاهدون كثيرون غيرك والمخلصون كثيرون غيرك”[115].
وبالرغم من أن الجهاد عنده “أهم فروض الأعيان” وتاركه آثم، والسياسة “ضرورية لهذا الدين” لأن “حاكم واحد يخرب كل دين المسلمين”[116]، ودعوته جماعة التبليغ والدعوة التي لا تمارس الجهاد ولا تهتم بالسياسة للاهتمام بهاتين القضيتين الهامتين، فإنه كان يرى أنهم “يأتون بالسكارى من المقاهي إلى المساجد ويمشون معهم نصف الطريق وأنت أمسك بأيديهم وأوصل هؤلاء إلى الجهاد”[117].
وبالنسبة لقضية الحكم على الحكام والموقف الذي يجب أن يتخذ منهم، وجدلية “دعاة أم قضاة؟”، هذه الأمور كان يعدها ضمن المسائل النسبية الظرفية وليس من المسائل العقدية القطعية، أي بحسب المعطيات على الأرض: الحركة الإسلامية وقوتها في البلد؟ الظروف التي تمر بها؟ النظام الحاكم وطبيعته؟ الجبهات المفتوحة في دول الجوار سواءً ضد أنظمة أو في مواجهة قوات احتلال؟[118].
وقد ساق عدة حوادث قام بها بعض القادة مثل: إرسال حسن البنا لكشافة الاخوان لاستقبال الملك فاروق وقت تنصيبه عام 1936م، وعقّب عليها قائلاً “لو حصلت الآن ..يخرجونه من الملة”[119]، وكذلك تصريح عمر التلمساني مرشد الإخوان الثالث بأن السادات قُتل مظلوماً، واستنكر وصف البعض لهذا التصريح ب”الكفر” فهو حسب ظنه كان لالتقاط الأنفاس وترتيب الصفوف وحماية عشرات الآلاف ممن لم يمضي وقتٌ طويلٌ على خروجهم من السجون وأهوال الفترة الناصرية وتوابعها[120].
لا شك أن خارطة الجماعات والتيارات الإسلامية قد شهدت تغيرات بعضها كبيرة بعد مقتل عزام، فقد نشأت تيارات وتنظيمات جديدة، وطرأت تعديلات على خطة حركات أو أفرع جماعات أخرى، إلا أنه عبر سبر فكر وأداء عزام يمكن للمتابع استشراف موقفه منها إلى حدٍ ما.
خاتمة
حاولت هذه الدراسة المقارنة أن ترسم تصوراً تفصيلياً عن منهجي عزام وبن لادن في الجهاد، كونهما من أكثر الشخصيات تأثيراً في وجدان الشباب المجاهد ومسيرة الجهاد العابر للحدود في عصرنا الحالي. وتطرقت لأبرز نقاط الاتفاق والخلاف بينهما وخلاصتها:
أن عزام وبن لادن انطلقا في فكرهما وحركتهما من ثلاثة مرتكزات مشتركة:
- الأرضية الفكرية لسيد قطب
- الروح الجهادية والثائرة
- العقيدة السلفية المعاصرة
إلا أنه مع الممارسة وتبلور مدرسة كل طرف ظهرت عدة فروق فارقة، مردها بشكل كبير إلى: العقلية المهيمنة والمنظمة والمركبة للمرجعيات الثلاث، والبيئة الدينية الاجتماعية المحيطة بكل طرف.
عقلية عزام كانت تميل إلى الأصولية المستوعبة لجذور ومنابع الاختلاف والتنوع في المذاهب والآراء الإسلامية، إضافةً إلى تأثره بمبدأ “نجتمع فيما اجتمعنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”، فضلاً عن اهتمامه الشديد بالنواحي التربوية.
أما عقلية بن لادن فغلب عليها النمط الظاهري المنتشر بالسعودية والمتمثل بمدرسة الرأي الواحد الحائز للحق المطلق والحامي للتوحيد.
وهوما يفسر: تأطير عزام لأغلب الخلافات داخل البيت الإسلامي في سياق خلاف الأخوة وإن شدد النكير في بعضها (المرتبط بالإعداد والجهاد والسياسة). ويفسر جنوح بن لادن في أحيان كثيرة لوصف خلافاته مع شركاء السلاح والعمل الإسلامي بخلافات حول التوحيد.
ينطبق الأمر كذلك على رؤية بن لادن وطريقته في الجهاد العالمي إذ غلب عليها الفردية في: اتخاذ القرارات المصيرية والوسائل الغريبة والاستقلال بالمشروع عن أصحاب الأرض والمشاركة في النزاعات والاقتتالات البينية، بعكس عزام الذي كان لا يخرج عما يجتمع عليه أكثر القادة والعلماء في ميدان الجهاد ويتجنب المشاركة في أي احتراب داخلي[121].
الهامش
[1] انظر: عبد الله عزام، سيد قطب؛ عشرون عاما على الشهادة، النقطة الخامسة، منبر التوحيد والجهاد.
[2] مركز الشهيد عزام الإعلامي (نشر وإعداد)، في ظلال سورة التوبة للإمام الشهيد عبد الله عزام، بيشاور- باكستان، ص60.
[3] المصدر السابق، ص38.
[4] مركز الشهيد عزام الإعلامي (نشر وإعداد)، موسوعة الذخائر العظام، المجلد الثالث، الطبعة الأولى، بيشاور، 1417هـ – 1997م، ص473.
[5] نخبة الفكر (تفريغ وجمع وإعداد)، وثائق أبوت أباد ، ويست بوينت، ص545، 2015م.
[6] أسامة بن لادن، خطوات عملية لتحرير فلسطين، السحاب للإنتاج الإعلامي، مارس 2009م، ص7.
[7] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص1026.
[8] أسامة بن لادن، توجيهات منهجية “3”، منبر التوحيد والجهاد.
[9] وثائق أبوت أباد، رسالة من بن لادن لمفتي القاعدة عطية الله الليبي، ص429.
[10] وثائق ابوت أباد، الوثيقة: SOCOM-2012-0000017، ص119.
[11] محمود عزام (ابن أخت عزام ومرافقه ومدير مكتبه الإعلامي في باكستان)، شيخي الذي عرفت، نسخة إلكترونية، 2012م، ص124.
[12] فرض العين: يجب على كل المسلمين فعله كالصلاة والصيام.
فرض كفاية: إن قام به البعض سقط عن الآخرين.
[13] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، متى يصبح الجهاد فرض عين؟، ص497-498.
[14] انظر: عبدلله عزام، الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان، نسخة إلكترونية، منبر التوحيد والجهاد، ص25-26.
[15] انظر: المصدر السابق، ص2.
[16] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، استئذان المربي، ص448.
[17] أسامة بن لادن، جميع كلمات الشيخ المحارب أسامة بن لادن، توجيهات منهجية 1، ص6-7.
[18] المصدر السابق، توجيهات منهجية 2، ص17.
[19] عبد الله عزام، حوار صريح، مركز الهداية للصوتيات والمرئيات، الرياض، نفض الركام عن إرث العالم الهمام عبد الله عزام، الدقيقة 55.
[20] خطوات عملية لتحرير فلسطين، مصدر سابق، ص7.
[21] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، الخلافة كيف ومتى؟، ص1043.
[22] المصدر السابق، ص791.
[23] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، أسئلة هامة جداً، ص485.
[24] أسامة بن لادن، توجيهات منهجية 1، ص11.
[25] أسامة بن لادن، توجيهات منهجية 2، ص13.
[26] توجيهات منهجية2، ص19.
[27] وثائق أبوت أباد، ص957-1024.
[28] وثائق أبوت أباد، الوثيقة: SOCOM-2012-0000010، 22 جمادى الأول 1432هـ.
[29] وهو حاصل على درجة الدكتوراة في أصول الفقه من جامعة الأزهر.
[30] أسامة بن لادن، البيان رقم 17، هيئة النصيحة والإصلاح، لندن، 3 نوفمبر 1995م.
[31] أسامة بن لادن، توجيهات منهجية 2، ص12-11.
[32] أسامة بن لادن، يا أهل العراق، منبر التوحيد والجهاد.
[33] وثائق أبوت أباد، “بيان الإيمان”، ص974.
[34] المصدر السابق، ص1021.
[35] للمزيد عن فكر الشيوخ الثلاثة ومكانتهم الأدبية عند بن لادن والقاعدة، انظر: كرم الحفيان، المقدسي والسلفية الجهادية: المكانة والتأثير، تنظيم القاعدة: من أحداث سبتمبر إلى الربيع العربي، المعهد المصري، اسطنبول، 2018م.
[36] وثائق أبوت أباد، مصدر سابق، ص964.
[37] المصدر السابق، ص1022.
[38] أسامة بن لادن، وثائق أبوت أباد، ص564.
[39] المصدر السابق، ص1021-1023.
[40] موسوعة الذخائر العظام فيما أثر عن عبد الله عزام، المجلد الرابع، الطبعة الأولى، أسئلة هامة جداً، ص479.
[41] عبد الله عزام، في ظلال سورة التوبة، ص39.
[42] المصدر السابق.
[43] المصدر السابق، ص40.
[44] انظر: موسوعة الذخائر العظام، المجلد الرابع، ص1033.
[45] انظر: في ظلال سورة التوبة، ص33-32.
[46] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص789.
[47] موسوعة الذخائر، المجلد الثالث، ص1049.
[48] في ظلال سورة التوبة، ص38.
[49] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص807.
[50] انظر: المصدر السابق.
[51] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص 828.
[52] انظر: المصدر السابق.
[53] يونس خالص وبرهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف وغلب الدين حكمتيار، هؤلاء الأربعة من قادة الحركة الإسلامية وتربوا على كتب المودودي وسيد قطب وابن تيمية. والثلاثة الآخرين هم سيد أحمد جيلاني وصبغة الله مجددي ومحمد نبي محمدي، وهم علماء من المدرسة المشيخية الصوفية التقليدية أو ما يعرف في أفغانستان “بالملالي”، والملا هو طالب العلم، والمولوي هو العالم.
[54] الجماعات الأربع الحركية: الجمعية الإسلامية يرأسها رباني، الحزب الإسلامي برأسه حكمتيار، الاتحاد الإسلامي يرأسه سياف، الحزب الإسلامي يرأسه يونس خالص، الجماعات الثلاثة المشيخية: حزب الصف الوطني بقيادة جيلاني، جبهة الخلاص الوطني بقيادة مجددي، وحركة الإنقلاب الإسلامي بقيادة محمدي.
[55] عبد الله أنس (صهر عزام وأمير المجاهدين العرب في شمال أفغانستان)، ولادة الأفغان العرب، ط1 (بيروت: دار الساقي، 2002م)، ص88.
[56] انظر: موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، نظرتنا للجهاد الأفغاني، ص473.
[57] انظر: المصدر السابق، ص605.
[58] انظر: المصدر السابق، ص738.
[59] انظر: أيمن أبو عبد الرحمن..المجاهدون العرب في البوسنة، لقاء اليوم، الجزيرة نت، 1 سبتمبر 2000م.
[60] انظر: مقابلة القائد خطاب كاملة لقناة الجزيرة، من الدقيقة6 إلى 9.
[61] أخبار الآن، لقاء خاص مع أبو حفص الموريتاني المفتي السابق للقاعدة، الدقيقة 4، 12 ديسمبر 2013م.
[62] الجزيرة، ابو حفص الموريتاني هجمات 11 سبتمبر ج 1، لقاء اليوم، رداً على سؤال: لكن أليست هذه نتيجة منطقية للفكر الذي اعتنقتموه منذ سنوات قبل ذلك؟.
[63] للمزيد: كرم الحفيان، تنظيم القاعدة من أحداث سبتمبر إلى الربيع العربي، (اسطنبول: المعهد المصري، 18 سبتمبر 2018م)، ص28 (إعلان دولة العراق الإسلامية).
[64] أسامة بن لادن، السبل لإحباط المؤامرات، مؤسسة السحاب، ديسمبر 2007م، ص12.
[65] الزبير الغزي (جمع وترتيب)، الأعمال الكاملة لعطية الله الليبي، ط1، 2015م، ص1781.
[66] صرح بهذا بن لادن لناصر الوحيشي أمير فرع التنظيم في اليمن في أحد رسائله، انظر: وثائق أبوت أباد، وثيقة:
SOCOM-2012-0000016، 2015م، ص108.
[67] أحمد شاه مسعود: المدرسة الوحيدة المتكاملة لحرب العصابات الإسلامية حسب وصف عزام، للمزيد: موسوعة الذخائر، المجلد الثالث، ص825.
[68] الملا عبد السلام ضعيف: أحمد مؤسسي طالبان ووزيرها المقرب من الملا عمر، وسفيرها في باكستان.
[69] جميع الاقتباسات مأخوذة من برنامج لقاء اليوم على قناة الجزيرة مع أبي حفص الموريتاني، للمزيد: أبو حفص الموريتاني هجمات 11 سبتمبر ج2، باستثناء النقطة الثانية والثالثة فهي من كتاب حياتي مع طالبان للملا عبد السلام ضعيف، وهو أحد مؤسسي طالبان ووزير وسفير طالبان في باكستان، للمزيد: عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، ط1، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014م)، ص182-184.
[70] وثائق أبوت أباد، ص956.
[71] المصدر السابق، ص964.
[72] أيمن الظواهري، فرسان تحت راية النبي، الطبعة الثانية، نسخة إلكترونية، ص186.
[73] وثائق أبوت أباد، الوثيقة: SOCOM-2012-0000016، ص111.
[74] وثائق أبوت أباد، الدفعة الثانية، الوثيقة CR-019-S-4-RJD-Original-10-424، ص43.
[75] للمزيد: المصدر السابق.
[76] المداهنة هي التودد والتلطف والاعتراف بالشرعية، أما المهادنة فهي وقف اطلاق النار والمسالمة المؤقتة، والأولى مرفوضة عند بن لادن وهي تتعلق بالتوحيد والولاء والبراء، أما الثانية فجائزة بحسب الظرف. للمزيد في بيان صور المداهنة وخطورتها على العقيدة عند بن لادن: وثائق أبوت أباد، بيان الإيمان، ص973،
[77] أسامة بن لادن، السبيل لإحباط المؤامرات، ص10.
[78] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص76.
[79] انظر: المصدر السابق، ص77.
[80] عبد الله عزام، الدقاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان، ص16.
[81] انظر: المصدر السابق، ص17.
[82] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص738.
[83] وهم السعودية وماليزيا والبحرين والسودان، انظر: المصدر السابق، ص823.
[84] المصدر السابق، ص412.
[85] للمزيد: ميثاق المنظمة.
[86] موسوعة الذخائر، المجلد الثالث، ص833.
[87] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص848.
[88] انظر: موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص597.
[89] انظر: المصدر السابق، ص 385-1049.
[90] يعرف كذلك بتيار الصحوة أو السلفية الحركية، وأبرز رموزه سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وغيرهم، وهو يجمع بين العقيدة السلفية والفكر الإخواني وتحديداً تيار سيد قطب، وقد تفاوتت علاقته بالنظام السعودي بين المعارضة القوية لسياساته الداخلية والخارجية في تسعينيات القرن الماضي، وبين التهدئة والمهادنة في الفترة التي تلتها وأعقبت سجن وقمع أبرز رموزه كالحوالي والعودة.
[91] جماعة إسلامية سلمية عالمية لها أتباع في بلاد عديدة، تأسست على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين نبهاني عام 1952م، منهجها في التغيير يعتمد على التثقيف الفكري السياسي. لا تؤمن بنجاعة الخيار الجهادي المسلح ولا بجدوى المسار السياسي الانتخابي. للمزيد: حزب التحرير.
[92] وثائق أبوت أباد، ص1020-1021.
[93] المصدر السابق، ص963.
[94] المصدر السابق، ص1020-1021.
[95] المصدر السابق، ص1023.
[96] وثائق أبوت أباد، ص958-959.
[97] أسامة بن لادن، السبيل لإحباط المؤامرات، ديسمبر 2007م، ص2.
[98] لم يصرح بن لادن بكفر حكومة حماس، إلا أنه لم يخرق قاعدة “كفر من يحكم بالقوانبن الوضعية” أو “يدخل في حكومة وحدة وطنية تحكم بالقوانين الوضعية” ولا مرة، ولم ينكر على المنظرين الجهاديين المكفّرين لحكومة حماس كالمقدسي، وعلى نشر فتوى تكفيرها على أشهر منصة علمية جهادية “منبر التوحيد والجهاد”، بل وجّه الشباب لقراءة الكتب على المنبر في ذلك الوقت.
[99] انظر: كرم الحفيان، تنظيم القاعدة من أحداث سبتمبر إلى الربيع العربي، المعهد المصري، اسطنبول، 18 سبتمبر 2018م، ص38.
[100] أسامة بن لادن، السبيل لإحباط المؤامرات، ص10.
[101] وثائق أبوت أباد، الوثيقة: SOCOM-2012-0000010، ص 58.
[102] حزب إسلامي سياسي تركي، أسسه نجم الدين أربكان الأب الروحي وزعيم الحركة الإسلامية في تركيا، للمزيد: حزب السلامة.
[103] أكبر جماعة إسلامية سياسية في باكستان، ولقد تأسست على يد أبو الأعلى المودودي، أحد أشهر المفكرين الإسلاميين في العالم.
[104] حزب إسلامي سياسي أندونيسي كبير.
[105] في ظلال سورة التوبة، ص35.
[106] المصدر السابق، ص63.
[107] موسوعة الذخائر، المجلد الرابع، ص473.
[108] في ظلال سورة التوبة، ص35.
[109] محمود عزام، شيخي الذي عرفت، ص120.
[110] انظر: موسوعة الذخائر، المجلد الثالث، ص805.
[111] المصدر السابق، من ص803 إلى 808.
[112] المصدر السابق، ص791.
[113] المصدر السابق، ص783.
[114] المصدر السابق، ص802.
[115] الشيخ عبد الله عزام على الجماعات الإسلامية عدم التعصب.
[116] في ظلال سورة التوية، ص174.
[117] المصدر السابق، ص34.
[118] انظر: موسوعة الذخائر، المجلد الثالث، ص794-795.
[119] المصدر السابق، ص801.
[120] انظر: المصدر السابق، ص795.
[121] الأفكار الواردة تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات.
الملف مكتوب عليه علاء عادل ف اول صفحه , مش المفروض ده من تجميعك انت ؟
يبدوا انه خطأ وتم تعديله
خطأ مطبعي من المعهد وقد تم تصحيحه
مقال جيد لكن الإدعاء بأن نظرة ابن لادن ل( أي مشاركة سياسية في ظل القوانين الوضعية الحاكمة منذ عشرات السنين محليةً كانت أو عالمية، هو عملٌ كفريٌ مخرج من الملة مهما كانت المعطيات والنيات والأهداف) ترجع إلى (التأثر بالعقلية الفقهية الوهابية الأحادية التي تجري الأحكام على الظواهر المتماثلة دون التحري عن البواعث وقرائن الحال وبوصلة الأعمال) أحسبه مغالطة فالناظر إلى فتاوي علماء الدعوة مثل الشيخ عبد الرحمن السعدي وابن باز والعثيمين وابن جبرين بل فتاوي اللجنة الدائمة تُجيز ذلك بل ذهب الشيخ العثيمين إلى وجوبه, فنظرة ابن لادن لا ترجع إلى التأثر بالعقلية الوهابية بل أظن أن نظرته تلك استقاها من معايشته لجماعة الجهاد المصرية ، والله أعلم