fbpx
تحليلاتقلم وميدان

الحكومة التركية الجديدة وقضايا السياسة الخارجية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(1)قبل أن يصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لم تكن السياسة الخارجية التركية تأخذ اهتماماً في العالم، وربما بصورة أكبر في البلاد العربية والاسلامية، فقد تحددت السياسة الخارجية التركية في الماضي على علاقات تحالف مع أمريكا وإسرائيل على حساب علاقاتها مع دول الجوار التركي، وفي مقدمتها الدول العربية وسوريا على وجه التحديد، فقد كادت ان تقع الحرب بين تركيا وسوريا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن أحد يسأل عن تغير السياسة التركية الخارجية بتغير الحكومات التركية أيضاً، إلا بعد وصول الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية إلى المشاركة في السلطة من خلال حزب السلامة وحزب الرفاه والفضيلة بزعامة نجم الدين أربكان، ولكن تلك التغيرات الطارئة على السياسة الخارجية التركية لم تكن لتصنع نهجا ثابتا في السياسة الخارجية التركية.

ولكن مجىء حزب العدالة والتننمية إلى السلطة عام 2002 آذن بإحداث سياسة خارجية ثابة وواضحة ومعلنة وشفافة، تقوم على الاحترام وتبادل المصالح والمكاسب والتعاون والسلام والعدل ونصرة المظلوم واللاجىء وإغاثة الملهوف والمحتاج، وقد اشتهر مبدأ “صفر مشاكل” مع تولي داود اغلو وزارة الخارجية التركية، وقد بدأه في علاقات دولية حسنة وتوقيع اتفاقيات كثيرة وكبيرة في مجال التعاون السياسي والاقتصادي وغيرها، وحل المشاكل العالقة مع دول الجوار وفي مقدمتها سوريا وأرمينيا.

وإذا كانت العلاقات الدولية تقوم على المصالح وليس على المبادىء فقط، فإن السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية امتازت بالجمع بين الأمرين بنجاح، فلم تجعل المصالح المتبادلة وبالأخص في الجانب الاقتصادي على حساب المبادىء والقيم وحقوق الشعوب، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الدولية العديد من التغيرات بحكم المصالح دون الالتفاف إلى حقوق الشعوب، كما يحصل الآن في مواقف الدول الغربية مما يحدث في سوريا ومصر واليمن والعراق وليبيا وغيرها، فازدواجية المعايير واضحة ومؤسفة.

هذا الثبات الايجابي في السياسة الخارجية التركية نستقرؤه من حكم أربعة عشر عاماً متواصلة لحزب العدالة والتنمية، بالرغم مما تعرضت له تركيا من مظالم واعتداءات وإساءات إعلامية وإرهابية في السنوات الأخيرة، التي صاحبت الاحتجاجات الشعبية في عدد من الدول العربية باسم ثورات الربيع العربي، التي وجدت التأييد والدعم الأخلاقي والإنساني من الحكومة التركية، والتي تمثل ديمقراطيا الشعب التركي، الذي انتخبها في أربع انتخابات برلمانية متوالية منذ عام 2002 وحتى الأول من نوفمبر عام 2015، حيث فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة نوفمبر 2015 بزعامة داود اغلو، بعد انتخابات صعبة في السابع من حزيران من نفس العام.

ومنذ ذلك التاريخ زادت الأصوات المنتقدة للسياسة الخارجية التركية لحزب العدالة والتنمية داخليا وخارجيا، حتى ان المعارضة الحزبية التركية تعتبر أن السياسة الخارجية التركية هي من أكبر الأسباب التي ادت إلى تراجع حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7حزيران، ولكن إعادة الفوز السريع في انتخابات 1نوفمبر 2015 بنسبة 49.5% أثبت خطأ هذه الدعاوى والانتقادات، فحزب العدالة والتنمية لم يغير سياسته الخارجية في الأشهر الخمسة بينهما، ولكن هذه الاشاعات الإعلامية والتحليلات الصحفية عادت للظهور مرة أخرى مع تغيير حكومة داود اغلو بحكومة جديد لحزب العدالة والتنمية برئاسة بن علي يلدرم، وتشكيله للحكومة التركية الجديدة بتاريخ 24/5/2016.

وبالنظر إلى تشكيلة الحكومة الجديدة لابن علي يلدرم، نجد أن الوزارات التي توصف بالوزارات السيادية بقيت على حالها، وهي وزارة الخارجية والداخلية والعدل وغيرها، وأن التغيير البارز هو لوزارة الدفاع والمالية والاتحاد الأوروبي، بالرغم من دخول أربعة عشر وزيرا جديداً عليها، فقد أعلن رئيس الوزراء “بن علي يلدرم” أسماء القائمة الجديدة، وهم: نواب رئيس الوزراء: “نور الدين جان إيكلي”، “ميهمت شيمشيك”، “نعمان كورتولموش”، “يلدرم توغرول توركيش”، “فيسي كايناك”.

و”بكير بوزداغ” وزيراً للعدل، “فاطمة بتول سايان قايا” وزيراً للأسرة والشؤون الاجتماعية، و”مولود جاويش أوغلو” وزيراً للخارجية،  و”عمر تشيليك” وزيراً للاتحاد الأوروبي، و”فاروق أوزلو” وزيراً للعلوم والصناعة والتكنولولجيا، و”سليمان سويلو” وزيراً للعمل والضمان الاجتماعي، و”ميهمت أوزهاسيكي” وزيراً للبيئة والتخطيط العمراني، و”بولنت توفينكجي” وزيراً للتجادرة والجمارك، و”نهاد زيبكجي” وزيراً للاقتصاد، و”بيرات البيرق” وزيرا للطاقة والثروات الطبيعية، و”عاكف جغتاي كيليش” وزيرا للرياضة والشباب، و”فاروق تشيليك” وزيراً للزراعة والثروة الحيوانية، و”إيفكان ألا” وزيراً للداخلية، و”لطفي إيلفان” وزيراً للتنمية، و”نابي أوجي” وزيراً للثقافة والسياحة، و”ناجي أغبال” وزيرا للمالية، و”عصمت يلماز” وزيراً للتعليم العالي، و”فكري إشك” وزيراً للدفاع الوطني، و”فيصل إيرأوغلو” وزيراً للغابات وشؤون المياه، و”رجب أك داغ” وزيراً للصحة، و”أحمد أرسلان” وزيراً للاتصالات والنقل البحري.

هذه هي التشكيلة الجديدة، وقد ثبت فيها عميد السياسة الخارجية التركية جاويش أغلو، بينما جاء التغيير البارز على صعيد السياسة الخارجية في وزارة الاتحاد الأوروبي، وهو تغيير بارز في هذه الحكومة لأن الوزير السابق للاتحاد الأوروبي هو الذي شارك رئيس الوزراء السابق داود أغلو في الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ورفع التأشيرات في بداية آذار/ مارس 2016 الماضي، وربما يكون ذلك مؤشرا إضافيا بعدم رضا رئيس الجمهورية التركية أردوغان عن ذلك الاتفاق، والذي أفسده الأوروبيون انفسهم باشتراط التزام تركيا بقانون مكافحة الإرهاب في دول الاتحاد الأوروبي، والذي لاقى رفضا تركيا حازما وحاسماً، مع تلكؤ البرلمان الأوروبي التعاون بشكل إيجابي مع الدولة التركية.

أما برنامج الحكومة الجديدة فهو لا يختلف عن برنامج الحكومة السابقة، وإن وقع اختلاف بين طريقة تناولها، وسبب عدم الاختلاف هو أن تحديات الواقع تفرض نفسها على الحكومة الجديدة، ومنها تحدي تعديل الدستور التركي إلى نظام رئاسي، يمكن تركيا من تحقيق تقدمها المنشود مع خطة تركيا الجديدة لعام 2023، وتحدي الملف الأمني العام أولاً، والخاص في جنوب شرق البلاد ثانياً، وتسوية المسألة الكردية وطنياً ومع ممثلين حقيقيين لأبناء القومية الكردية، ونزعها من أيدي الأحزاب “الإرهابية”، التي تدعي تمثيل الشعب الكردي، مثل حزب العمال الكردستاني في تركيا وسوريا والعراق وتوابعه المحلية مثل حزب الشعوب الديمقراطي، وتوابعه الإقليمية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب، وقد يكون قريبا منها قوات “سوريا الديمقراطية”، التي تثير الشبهات في سوريا.

وفي الملف الخارجي كذلك، فإن ثوابت السياسة التركية الخارجية هي مهمة هذه الحكومة أيضاً، في بناء العلاقات الدولية بتعزيز مكانة تركيا بزيادة عدد دول الاصدقاء وتقليل الأعداء، وعدم تنفيذ تركيا لإلتزاماتها نحو اللاجئين إلى أوروبا ما لم تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بتعهداتها مع تركيا، بما فيها رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، وتقديم المساعدات التي تم الاتفاق عليها، والتي ينبغي أن تُقدم إلى اللاجئين السوريين مباشرة، وتسعى تركيا إلى جعلها مساعدات إنشائية لمساكن كبيرة وفي منطقة آمنة شمال سوريا، فتركيا لا تحتاج إلى المال الأوروبي لنفسها، فهي قدمت أكثر من عشرة مليارات دولار من الخزينة التركية، وقدمت عشرة مليارات أخرى من المساعدات الأهلية ومنظمات إنسانية تركية، وما تسعى له من مساعدات مالية من الأوروبيين هي لتنفيذ مشاريع عمرانية وسكنية لمئات الألوف من الشعب السوري وفي شمال سوريا تحديدا.

إن حزب العدالة والتنمية ومعه الشعب التركي نجح في بناء سياسة خارجية تركية قوية وثابتة في الدفاع عن مصالح الشعب التركي والشعوب الصديقة والشعوب المستضعفة، والقمة الإنسانية الأولى التي عقدت في تركيا (23 ـ 24 مايو 2016) كانت شهادة عالمية بأن السياسة الخارجية التركية قد وضعت قدميها راسخة في الشؤون الدولية، وفي تبني القضايا الإنسانية في العالم أجمع، فتركيا هي الدولة الأولى في العالم في تقديم المساعدات الإنسانية بالنسبة إلى نسبة دخلها القومي، وهي الدولة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية لشعوب العالم.

وخرجت تركيا من سياسة الانعزال والانطواء السابقة إلى سياسة الانفتاح والتدخل في الشؤون الدولية، ولعل مطالبتها بإجراء تعديلات على قانون مجلس الأمن الدولي هو خطوة أساسية في هذا السياق، فكثيرا ما أعلن الرئيس أردوغان بأن العالم أكبر من خمس دول، وأن الأمة الإسلامية وتعدادها نحو ملياري إنسان غير ممثلة في مجلس الأمن، بالرغم مما تحظى به الأمة الإسلامية وشعوبها من حضارة إنسانية متميزة، وموقع جغرافي كبير في العالم، أي أن السياسة الخارجية التركية تتطلع إلى تعديل القانون الدولي الذي وضع قبل سبعين عاماً، ولم يعد صالحا لقيادة البشرية ودولها بعدل وتوازن وسلام.

إن من يُحمل تركيا مسؤولية سوء علاقاتها مع عدد من الدول العالمية والعربية ينظر إلى هذه العلاقات من زاوية واحدة فقط، وهي المصالح الآنية والأنانية لنفسه، وهو يدعي أنها مصالح تركيا، فهذا لا يعير الأخلاق والمبادىء وحقوق الشعوب شيئاً، ولذلك فإن انتقاده نفسه يفتقر إلى الأخلاق أولاً، كما يفتقر إلى العدل ثانياً، فلا يحق لأحد سواء كان مواطنا تركياً أو عربياً أو ايرانياً أو كرديا أو أمريكياً أو غيره أن يلوم السياسة الخارجية التركية على مناصرتها للشعب السوري أو المصري أو الليبي أو اليمني أو الكردي أو الإفريقي أو غيره، ووقوف تركيا ضد بشار الأسد ومحوره الظالم ليس شخصياً وإنما بسبب قتله لشعبه، فلا مبرر لقتل أكثر من نصف مليون مواطن سوري وتشريد الملايين إلى خارج سوريا لمجرد بقاء شخص أو أسرة مستبدة بالحكم، أو بسبب سياسات طائفية إيرانية متهورة في المنطقة.

إن تركيا كانت وستبقى ضد الأنظمة الاستبدادية والانقلابية التي تقتل شعبها بطمع السلطة والثروة، ما دام حزب العدالة والتنمية في الحكم، بل ما بقي الشعب التركي حياً وقوياً وقادراً على مساعدة الشعوب المظلومة، فتركيا تؤثر مساعدة الشعوب المظلومة على مصالحها الاقتصادية التي ستجنيها بمناصرة الظلمة والانقلابيين والقتلة، والحكومة الجديدة ممثلة لهذا الشعب، وأعلنت في برنامجها عن مواصلة هذه السياسة الخارجية الثابتة والإنسانية والأخلاقية والصادقة.

————————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close