fbpx
تقديرات

الخطر القادم: سيناريوهات تقسيم سوريا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

يرتبط الحديث عن تقسيم سوريا بالاحتدام السياسي والعسكري الميداني الراهن، الذي يفتح الباب أمام كل الاحتمالات. ورغم أن سوريا شهدت في فترات سابقة احتدامات سياسية أمنية، تكررت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وكانت الأخيرة أشدها عنفاً ودموية، فإن كل تلك الأزمات لم تطرح فكرة تقسيم سوريا. ومع نهاية كل مرحلة من الاحتدامات السابقة، كان السوريون يتجاوزون ما حصل، ويواصلون حياتهم العامة في إطار وحدتهم الكيانية السياسية.

إلا أن الأزمة السورية الحالية أوجدت عوامل داخلية وخارجية – إقليمية ودولية – تدفع نحو تقسيم سوريا، سواء عبر الممارسات على الارض أو من خلال تسريبات تعبر عن سيناريوهات التقسيم.

وعلى الرغم أن هناك من يقول إن موقع سوريا وتموضعها في قلب الشرق الأوسط القديم والجديد يجعل من المستحيل تحقيق التقسيم فيها، ويستدل هؤلاء على ذلك بفشل محاولات تقسيمها إلى أربع دويلات صغيرة على يد الاحتلال الفرنسي سابقاً، إلا أن آخرون يؤكدون قرب تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق، بين السنة والشيعة والكرد، وهو ما أكده نظام الأسد الذي أنجز على الأرض الجزء الأكبر من المهمة التي صارت حقيقة بمساعدة دول اقليمية وترسانة عسكرية روسية.

وينصب تركيز هذه الدراسة على فرض احتمالية “السيناريو الأسوأ” الا وهو سيناريو تفكيك سوريا: والذي ينطلق من بقاء نظام الأسد مدعوما بالعلويين وكثير من المسيحيين السوريين وبعض من النّخبة السُنية القديمة، مما سيجعلهم قادرين في الاحتفاظ بسيطرتهم الحالية على منطقة دمشق وضواحيها ومُعظم المنطقة الساحلية المُطلّة على البحر المتوسط، وستساندهم إيران وروسيا، التي تحتفظ بقاعدة بَحرية لها في طرطوس. ووفقا لهذا السيناريو، يتوقّع أن يُسيطر السُنّة السوريون على مساحة مُماثلة من أراضي سوريا، تمتد من الشمال الغربي وحتى الحدود مع العراق، بما في ذلك شمال حلب، وستحظى المنطقة بمساندة دول كالسعودية وقطر وتركيا. فيما قد يحاول أكراد سوريا السَّعي للإستقلال في الشمال الشرقي أو تشكيل تحالُف مع أكراد شمال العراق.

وبعد ان افترضت الدراسة سيناريو تقسيم سوريا. سنقوم باستشراف مستقبل العلاقات الاقليمية والدولية للاقاليم السورية والتى ربما يمكن حصرها بثلاث مناطق سوريا المفيدة “العلوية”؛ والمنطقة الكردية؛ والمنطقة السنية. وعلى الرغم ان الائتلاف السوري المعارص حذر في تاريخ17/3/2016م؛ من أي محاولة لتشكيل كيانات أو مناطق أو إدارات، مؤكدًا أن مبادئ الثورة السورية تقوم على ضرورة التخلص من الاستبداد وإقامة دولة مدنية تعددية ديمقراطية تحفظ حقوق جميع السوريين، على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم. الا ان التدخلات الاقليمية والدولية في المسالة السورية تعد الاشرس مما يعني بانها ستكون حاضرة في رسم مستقبل سوريا.

المحور الأول: مؤشرات التقسيم:

أولا: المؤشر الواقعي:

  •  الدعم الامريكي الكبير المقدم للاكراد في سوريا “الطامحين في دولة لهم”، والذي بدأ بدعم أمريكي للأكراد بالاسلحة والعتاد دون إعلان ذلك حفاظا على المشاعر التركية، إلى دعم لا محدود، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” أن الجيش الأمريكي نشر عددا من جنوده في مواقع غربي بلدة منبج الواقعة شمالي سوريا لمنع أي اشتباك بين القوات التركية من جهة والقوات الكردية من جه أخري.
  •  الفشل في إسقاط النظام السوري على مدى 6 سنوات، وعدم التوصل في نفس الوقت لتحقيق تطلعات الشعب السوري للحرية والديموقراطية في دولة واحدة تستوعب كل الأطياف السياسية والأيديولوجية والطائفية، أدي إلى تسلل بعض القناعات لدي الأطراف الداخلية والإقليمية المتناحرة داخل سوريا بضرورة التقسيم.
  • أن الجغرافيا السياسية لسوريا باتت على وقع التقسيم الفعلي بين قوى وأذرع ومليشيات تسيطر على الأرض، فمن الصعوبة توافق الآراء بين قوى لديها رؤى متباينة ومختلفة تماما كالولايات المتحدة وتركيا والسعودية وبعض دول الخليج، وروسيا وإيران والأسد وحزب الله وبعض الأذرع الشيعية الحاضرة بشكل مباشر. كما لا يمكن إغفال دور الكيان الصهيوني الحاضر عن بعد.
  • أصبحت المعادلة في سوريا شديدة التعقيد، فإذا كانت غالبية السوريين يرفضون تقسيم بلادهم تحت أي ذريعة، إلا انسداد كل الطرق لإيجاد صيغة للحل، وهي أن تحرير السوريين من القمع والقهر ربما أصبح مرهون بتقسيم بلادهم!

ثانيا: المؤشر السياسي:

  •  أكد “كيري”  في مقابلة مع برنامج “مورنينغ إيديشن” في الإذاعة الوطنية العامة، أن الاتفاق “الأمريكي الروسي” في سوريا هو “فرصة أخيرة للإبقاء على سوريا موحدة”.
  •  تصريح جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه)، إن هناك احتمالات تشير لإمكانية تقسيم سوريا والعراق، معربًا عن عدم ثقته في إمكانية إنشاء حكومة مركزية في كلا البلدين قادرة على ادارة الأمور بشكل عادل.
  •  تصريحات بعض المراقبين والخبراء أن العدوان الروسي على سوريا وإصرار بوتين على بقاء الأسد يُعجل من تقسيمها، مضيفين أن الصراع الدولي والإقليمي لن يترك سوريا دون تقسيم.
  • نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالًا للكاتب بريت ستيفنز، يقترح فيه تقسيم سوريا، معتبرًا أن “17 مبادرة لحل مشكلة الحرب الأهلية في سوريا لم تسفر إلا عن المزيد من القتل والتشريد”. ويرى ستيفنز أن «خيار التقسيم هو الخيار الأفضل، وإن كان لن يحل مشكلاتها بالكامل، إلا أنه سيعمل على تخفيضها إلى مستوى يمكن من خلاله السيطرة عليها، فوجود دويلة علوية على شاطئ البحر المتوسط في المستقبل قد يؤدي إلى نجاة حكم عائلة الأسد واستمرارها، وستكون دولة كردية مرتبطة بكردستان العراق منطقة إثنية آمنة، خاصة لو حصلت على ضمانات أمنية من روسيا، وستكون ملجأ للمدنيين لو توفرت لها الحماية الأميركية، إلا أن تركيا تنظر إلى هذا الحل تهديدا لها ؛ الا ان هذا ربما لن يمنع تركيا من تغيير مواقفها في المستقبل القريب!
  • أوردت صحيفة الفاينانشال تايمز مقالا بعنوان “التقسيم هو الحل الأفضل لإحلال السلام في سوريا”. وأوضح أن “التقسيم هو الحل الوحيد الواقعي الذي تراه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ومنهم بريطانيا وفرنسا، فهو كفيل بوضع مجموعة من القوانين في ظل مشاركة الحكم ثم نشر قوات لضمان تطبيق التقسيم”.
  • تصريح الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني إن تقسيم العراق وسوريا نتيجة محتملة للاقتتال الطائفي في أنحاء المنطقة.  وقال قاسم إن هناك احتمالا أن يحدث تقسيم لسوريا وجارها العراق.
  • 14/2/2016م: وصف مدير عام وزارة المخابرات الإسرائيلية رام بن باراك، التقسيم بأنه “الحل الممكن الوحيد”، مؤكداً أنه في نهاية الأمر يجب أن تتحول سوريا إلى أقاليم تحت سيطرة أي من يكون هناك، العلويون في المناطق التي يتواجدون فيها والسنة في الأماكن التي يتواجدون فيها.
  • قال يوري بالويفسكي رئيس الأركان الروسية السابق، إن الولايات المتحدة تعمل على إقناع الجميع بأن مباحثات أستانا ستخلص إلى قيام 3 مناطق نفوذ في سوريا تتقاسمها روسيا وتركيا وإيران.
  • أشار الكاتب بصحيفة “نيويورك بوست” أرنولد ألرت إلى ظهور عوامل التحلل على خريطة المنطقة العربية بعد مرور نحو قرن ساد فيه الحكم الاستعماري ثم العسكري الشمولي، ورأى ألرت أن الصورة الأنسب لضمان استقرار الكيان الجمهوري في سوريا تكمن في تأسيس نظام “ترويكا” تتوزع السلطة فيه بين السنة والأكراد والعلويين.
  • في 23، يونيو، 2015م، اقترح الخبير في الشؤون الأمنية بمعهد بروكينغز، مايكل أوهانلون، حسم الصراع في سورية من خلال تأسيس نظام فيدرالي يبدأ من منطقتين: كردية في الشمال ودرزية في الجنوب، ومن ثم إنشاء منطقة آمنة للعلويين وتشكيل مجلس إدارة علوي يعمل على توفير الخدمات الأساسية بالتنسيق مع الروس والإيرانيين.

ثالثا: مؤشر الخطط والسياسات:

  • في يونيو، 2002م، دعا الخبير الإستراتيجي بمؤسسة “راند” لوران موريس الإدارة الأمريكية، في دراسة مقدمة إلى وزارة الدفاع الأمريكية إلى تبني حلول عسكرية متشددة إذا فشلت جهود الإصلاح في المنطقة العربية. وأن هذه الحلول العسكرية يجب أن تؤدي إلى واقع جيو سياسي جديد.
  • في يونيو، 2002، وفي مؤتمر بإيطاليا، تحدث القيادي في أوساط المحافظين الجدد وليام كريستول، في مداخلته عن وجود أجندة أمريكية ستبدأ بالحرب على العراق وتنتهي: “بإسقاط الأنظمة الملكية في الخليج العربي” مرورا بسوريا وإعادة رسم الخارطة.
  • في أبريل، 2006م، نشر معهد “غلوبال ريسيرتش” الكندي مقالاً لغاري هلبرت تحدث فيه عن وجود مخططات أمريكية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس إثنية وطائفية، وأكدت الدراسة أن نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني ونائب وزير الدفاع الأسبق بول ولفويتز كانا من أبرز المؤيدين لفكرة التقسيم.
  • في نوفمبر، 2006م، نشر معهد “غلوبال ريسيرتش” ذاته تقريراً آخر، تحدث فيه الكاتب عن إمكانية أن تشهد المرحلة المقبلة بذل جهود استخباراتية لتشجيع الأقليات في المنطقة للمطالبة بكيانات سياسية مستقلة.
  • نشر موقع «ديفنس نيوز» الأميركي في 5 ديسمبر 2016م. يؤكد على التوافق الأميركي الإسرائيلي بشأن تقسيم سوريا بل إن الوزير الإسرائيلي أكد على أن التقسيم قادم لسوريا والعراق وليس سوريا وحدها، وأن ما يجرى من صراعات في الدول العربية المجاورة للكيان الإسرائيلي يجب أن يصب حسب قوله في ضمان الأمن القومي لأسرائيل، ورغم أن ليبرمان ركز على أمن إسرائيل وضرورة إعادة تقسيم الدول المجاورة لها. وهذا ما تم تاكيده في مقالة لليبرمان جاء فيها أن إسرائيل هي المستفيد الأول من وراء ما يجرى في سوريا والعراق واليمن والاضطراب الموجود في المنطقة وأن تقسيم هذه الدول يصب في المصلحة الإسرائيلية بالدرجة الأولى وأنه قادم لا محالة، ومن ثم فإننا حينما نرى العالم صامتا إزاء ما يجرى من مجازر غير مسبوقة في حلب ونجد أن عملية تدمير سوريا والعراق تسير بتنسيق وترتيب وتناغم بين الأطراف المختلفة فإن ذلك كله من أجل إسرائيل التي تريد أن ترى كل شيء حولها مدمرا لكن إشعال الحروب وإذكائها لا يعني أبدا أن نهاياتها يمكن أن تكون على هوى من أشعلوها وربما تكتوي إسرائيل بهذه النار التي تذكيها من حولها.

المحور الثاني: سيناريوهات التقسيم

تشير بعض  الخرائط إلى إمكانية تقسيم سوريا إلى خمس دويلات، الغربية “الساحل حتى دمشق”، والكوردية، والشمالية “إدلب وحلب”، والشرقية “الرقة ودير الزور والحسكة”، والخامسة هي الجنوبية وتضم درعا والقنيطرة والسويداء.

وهناك بعض الخبراء  الذين تحدثوا عن ثلاث دويلات فقط كاحتمال أقرب، وهي سنية وعلوية وكوردية؛ وهو الشكل الذي تتبناه فرضية الدراسة ورجحت الدراسة هذا السيناريو انطلاقا من عدة معطيات: أن المتغيرات في الجغرافية السياسية لسوريا غير مستقرة وبالتالي لا يمكن ترسيم حدود معينة، كما لا يمكن الأخذ بالتفاصيل اليومية التى تجري وتتبدل من حين لآخر، فبناء السيناريوهات يحتاج إلى معلومات وتفاصيل واضحة وخطط محددة وليس إلى متغيرات يومية، كما أن كافة التقسيمات حتى لو كانت أكثر من ثلاثة فرضاً، ففي النهاية ستكون هناك أقاليم أقرب لبعضها، بمعني من الممكن أن تقسم المنطقة السنية إلى قسمين لكن في النهاية تبقي سنية:

أولا: الدويلة المفيدة (العلوية):

استحضر بشار الأسد رئيس النظام السوري، فكرة “سوريا المفيدة”، التي انسحب إليها وتُشكل ٢٥٪ من البلاد. وتعتبر سوريا المفيدة مفهوماً اخترعه الانتداب الفرنسي، هي المنطقة التي تمتد من دمشق إلى القلمون وحمص ودرعا وحماة، وصولاً إلى طرطوس واللاذقية وحتى الحدود التركية وهي الدويلة العلوية التي ستمتد من حلب إلى درعا، مكونها الديمغرافي سيكون قريب التوازن بين السنة والأقليات مع أرجحية بسيطة للأقليات بفضل عمليات التهجير المحتملة؛ وترجع رغبة العلويين بهذه الدويلة إلى:

  • ممارسات نظام الأسد التى ارتكبها تدفع بقبول العلويين بفكرة الدولة العلوية كخلاص؛ خاصة وأن خيار فرض السيطره بالقوة قد فشل.
  • قدرة النظام الحالى على الصمود حتي الآن، يدفع بعض القوى المعارضة له تقديم بعض التنازلات أقلها الاعتراف بوجود دويلة علوية.
  • وجود إيران وميليشاتها الشيعية أعطي الصراع صورة مذهبية، مما يشجع على قبول هكذا أفكار في ظل التنازع المذهبي.
  • أن العلويين باتوا يشعرون بأنه غير مرغوب فيهم في الوسط الاجتماعي السني الممثل لأغلبية السكان بعدما ارتكب النظام فظائع سجلت باسمهم. وعلى الرغم من الرفض الإعلامي الدعائي الرسمي لفكرة التقسيم، فإن غالبية العلويين يعتبرون قيام دولتهم أمراً ملحّاً وضرورة يفرضها الخوف من المستقبل والمحاسبة خاصة وأن هناك عشرات آلاف المتورطين في قتل المدنيين.

ولعل رغبة العلويين بالتقسيم تحت دفع الشعور بالخوف لم تأخذ بالاعتبار احتمالات المستقبل والمخاطر وخصائص الدولة العلوية ديموغرافياً وقابليتها للحياة. ومن هنا يرى البعض أن التحدي الحقيقي لهذه الدويلة سيكون داخلياً، ويتمثل في أن نصف سكانها على الأقل لن يكونوا علويين. وإنما جماعات سنية.

ويرى الباحث أن هذا قد يشكل عائقاً ولكن لن يكون مانعا حقيقيا وذلك للأسباب الآتية:

  • أن العلاقات التى ربما تربط بين المواطنيين العلويين والسنة في هذه المنطقة علاقات اجتماعية قوية. استمرت على مدار عشرات السنوات إن لم تكن مئات السنين نتيجة للاقامة في نفس المنطقة، مما يخلق حالة من التعايش.
  • لا يمكن نكران أن استمرار الأزمة السورية إلى هذا الحد قد يدفع بعض المواطنين بالتسليم بالأمر الواقع والعيش تحت حكم العلويين أفضل من حالة الصراعات التى لا تنتهي.
  • ما الذي يمنع النظام من اتباع سياسة التهجير الجماعي “ترانسفير” للمكون السني، واستقطاب الأقليات الأخرى كالإسماعيلية والمسيحيين للمنطقة.

التفاعل الدولي والإقليمي مع الدويلة العلوية:

من المتوقع أن تسيطر الدولة العلوية على غالبية عناصر الاقتصاد السوري وأنها “ستصمد وتستمر ولو بكلفة مرتفعة” لأن روافعها موجودة والأطراف الخارجية مستعدة للدفاع عنها.

1ـ روسيا: من المتوقع أن  تكون راغبة بمثل هذا الحل بدوافع عدة؛ منها: التخلص من حالة الحرب الدائرة في سوريا؛ والتى تتكبد فيها العديد من الخسائر، خاصة وأن هناك ملفات إقليمية مفتوحة أمام الرغبة الروسية الطامحة في أن يكون لها حضور في المنطقة. كما أن فكرة خلق كيان علوي على مناطق ساحل البحر المتوسط، يضمن وجودها الدائم ويحفظ مصالحها في المنطقة. مما سيجعل هذا الاقليم بمثابة منصة روسية في منطقة الشرق الاوسط.

2ـ إيران: في الغالب ستكون هذه الدويلة تحت النفوذ والتوجيه والحماية الإيرانية، وبالتالي سيتمتع الإقليم بعلاقات دولية مع إيران وحزب الله والعراق كتحصيل حاصل.

3ـ تركيا: نظرا لاهمية الدويلة اقتصاديا فانه من المتوقع أن تقيم تركيا مع الدويلة علاقات اقتصادية وتجارية عبر البوابة الروسية، هذا في حال بقاء نظام الأسد. أما في حال انتهي زمن الاسد وجاء رئيس جديد لقيادة الإقليم فمن المتوقع أن تكون العلاقات تجارية اقتصادية علنية.

4ـ الكيان الصهيوني: لن يمانع في إقامة علاقات مع الدويلة سواء دبلوماسية أو اقتصادية وبكافة المجالات. إلا أن العائق في هذا الأمر سيكون مدى النفوذ الايراني في الدويلة. بمعنى أنه إذا خضعت الدويلة للنفوذ الإيراني، وهو الأرجح، ستكون العلاقات مقطوعة أو شبه مقطوعة، مما سيدفع الكيان الصهيوني للتعاون مع الدويلات الأخرى، وستكون الدويلة الكردية هي الأرجح.

ثانيا: الدويلة الكوردية:

كل المؤشرات والتطورات المتلاحقة على الارض سياسيا وعسكريا تؤكد تقدم مشروع إعلان الكيان الكوردي المستقل سياسيا وإداريا في شمال سوريا. فقد رسم مركز دراسات يتخذ من مدينة “بون” الألمانية مقراً له، خريطة جغرافية لما سماه بـ”إقليم كردستان سوريا” في المنطقة التي يشكل الكرد أغلبية سكان مدنها شمال سوريا. وتبدأ حدود الإقليم الكردي، حسب الخريطة التي أعدها مركز “ياسا” الكردي للدراسات والاستشارات القانونية، من قرية “عين ديوار” التابعة لمدينة “ديريك” في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء إسكندرون.

وتظهر الخريطة مدن الشمال السوري الرئيسة، مثل “ديريك، رميلان، تربه سبيه، قامشلو، عامودا، الحسكة، سري كانيه، كوباني، عفرين”. ويبلغ عدد كرد سوريا حسب “ياسا” 3 ملايين أغلبهم يعيشون في مدن الشمال السوري، يشاركهم أقليات عربية ومسيحية.

في 23، يونيو، 2015 أشار موقع بلومبيرغ، إلى أن الأكراد هم الكاسب الأكبر من أحداث المنطقة، فبعد تحقيق حلم الحكم الذاتي في كردستان العراق، يعمل أكراد سورية على فرض إقليم كردي شمال البلاد، ويحظون في سبيل ذلك بإسناد جوي أمريكي وتمويل أوروبي بغض النظر عن الانتهاكات التي يرتكبونها وعمليات التغيير الجغرافي المتمثلة في إزالة الحواجز التي كانت تفصل إقليم الجزيرة شرق سورية عن إقليمي عفرين وعين العرب في شمالها. وتمتد على طول الشريط الحدودي مع تركيا، ومن المتوقع أن تكون هذه الدولة مغلقة على الداخل السوري ومفتوحة باتجاه كردستان العراق.

التفاعل الدولى والإقليمي مع هذا الدويلة الكردية:

1ـ تركيا:

لا يمكن لها أن تسمح بإقامة إقليم “شمال سوريا”، على غرار إقليم “شمال العراق”، واندماج الإقليمين، وتشكيلهما دولة واحدة، تفصل تركيا عن سوريا والعراق. ومما يؤكد ذلك تصريح رئيس الوزراءالتركي احمد داود اوغلو في 3-6-2016م: أن “تركيا ترفض تقسم سوريا لدويلات، مشيرا إلى حديث جمعه بالمسؤولين الإيرانيين في طهران واتفاقه معهم على دعم بقاء سوريا موحدة. وأكد داود أوغلو في تصريح صحفي له أن “اتفاقية سايكس بيكو قسمت المنطقة قبل مئة عام، وينبغي ألا نسمح بتقسيم جديد”، وفي 28/2/2016 م: صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: الجميع قلق حاليًّا إزاء الادعاءات حول تقسيم سوريا إلى 3 مناطق، ونحن أيضًا قلقون”.

إلا أن الموقف التركي قابل للتغيير للأسباب الآتية:

(أ) البراغماتية التركية: بحسب تقارير إعلامية فإن قائد القوات الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل قد قام بزيارتين إلى عين العرب (كوباني)، وغادرها إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وإبلاغه بالقرار الأميركي ببدء معركة منبج، قبل أن يعود في اليوم التالي، في 22 أيار/مايو، لإطلاع شركائه الأكراد على خطة العمل التي تم الاتفاق عليها.

وقالت مصادر كردية في الشمال السوري إن الأمريكيين نظموا اجتماعاً في قاعدة إنجيرليك الجوية التركية بين قادة من الوحدات الكردية، وبين مسؤولين أتراك، لإطلاعهم على تركيبة القوات المشاركة في الهجوم على منبج، وأسماء قادة الألوية العربية التي ستهاجم المدينة. وترافق الاجتماع مع رعاية أميركية لاتفاق كردي-تركي، قضى بنقل الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من سجنه الانفرادي في جزيرة إيمرلي إلى إقامة إجبارية، تسمح له بلقاء شخصيات كردية مقربة من “حزب العمال الكردستاني” وفتح قنوات الحوار مع أنقرة، واستعادة المفاوضات في الملف الكردي مجدداً. وتقول المصادر إن الأتراك طلبوا من “حزب العمال الكردستاني” وقف العمليات جنوب شرق تركيا وحول ديار بكر، مقابل موافقتهم على دخول قوات كردية إلى منبج وغرب الفرات.

(ب) الانطباع التركي الجيد عن كردستان العراق: ربما لن يعترض الاتراك على نشوء كيان كردي “سوري” على حدودهم الجنوبية، إذ استطاع الأتراك التعايش مع كردستان العراق بعد طول ممانعة.

(ج) التشكيل السلس للكيان الكوردي السوري: رغم تضارب التصريحات الكردية حول حقيقة التوجه إلى إعلان الانفصال بين من يؤكده، ومن ينفيه، فإنه لا يمكن على ما يبدو الركون إلى التطمينات. ذلك أن تجربةً سابقة للأكراد في شمال العراق مرت بنفس الفصول وأصبحت اليوم أمراً واقعاً. إذاً، يلوح في أفق الأزمة السورية أكثر من سيناريو تقسيمي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميين. مما يجعل تركيا والدول الاقليمية تتعاطي مع الكيان الكوردي باعتباره كياناً موجوداً فعلا.

(د) اشكاليات تركيا الداخلية: تعاني تركيا جراء الحرب الدائرة في سوريا من عدد من الاشكاليات، فقد تعرضت لهجمات ارهابية على أراضيها نتيجة لبعض مواقفها من سوريا. إلى جانب أزمات اقتصادية حادة، خاصة وأن تركيا الحاضن الأكبر للاجئين السوريين. إضافة إلى الخلافات السياسية الداخلية حول آلية التعامل مع الأزمة السورية.

(هـ) الدعم الامريكي العسكري العلني للقوات الكردية في سوريا: فهناك أرقام متباينة لعدد الجنود والقوات  الخاصة الأمريكية في شمال سوريا والذين يرتدون شارات وحدات حماية الشعب الكردية”، التي تعتبرها أنقرة مجموعة “إرهابية”. كان ذلك المشهد الذي وقع على وثيقة تداعي العلاقات التركية الامريكية ما دفع أردوغان إلى القول “بأنه لا فرق بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وداعش، جميعهم إرهابيون”.

(و) ضعف الموقف العربي من الازمة السورية: من الممكن القول أن الموقف العربي الاقليمي تجاه المسألة السورية ضعيف تارة ومشتت تارة أخرى. وهو ما أثقل الازمة على الكاهل التركي. فدولة بحجم مصر تدعم نظام الاسد، بينما دول الخيلج تدعم قوات المعارضة السورية، كما أن الدعم لا يرتقي لحجم الأزمة.

مما تقدم، فإن تركيا سوف تبقى في حالة ترقب الوضع الكردي في سوريا عن كثب، وفي ظل حالة المتغيرات الجارية على الأرض والتى ربما ليست في صالح تركيا حتى الآن،  وهذا سيدفعها للتسليم بقبول كيان كردي في سوريا نزولا للأسباب سالفة الذكر، على أن تحقق مكاسب أمنية في داخل الاراضي التركية، كتوقيع اتفاق هدنة مع الفصائل الكردية المسلحة في تركيا، إضافة إلى وجود قوات تركية أو قوات مسلحة تحت النفوذ التركي في الدولة السنية المجاورة للكيان الكردي مما يشكل ضغطا مستمرا على الكيان الكردي في حال شكل اي ازعاج على تركيا مستقبلا.  كما لا يمكن اغفال في حال تحرك الاقليم الكردي ضد تركيا فان تركيا سوف تتخذ قرارا بتهجير اكراد تركيا ” المشاغبين” إلى اقليمهم ونفيهم كورقة ضغط.

2ـ التفاعل الصهيوني مع الدويلة الكردية:

قال نتنياهو في مؤتمر نظمه معهد دراسات الأمن القومي إن إسرائيل تؤيد إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق وسوريا لأنهم جديرون بها. وتابع “نشهد اليوم تطورات تاريخية في منطقتنا تترتب عليها تبعات مركزية لأمن إسرائيل والعالم واتفاقية سايكس بيكو التي صاغت حدودها قبل قرن”. ويقول المحلل آرييه شافيط: “إن التعاون الإسرائيلي اللامحدود مع الكيان الكردي يرجع إلى رغبة الأخيرة في بناء علاقات مع إسرائيل على قاعدة المصالح المشتركة منذ أن سعوا للاستقلال، ومنذ أن  رغبت إسرائيل في إضعاف العراق، ولأن “ذلك يضعف العراق وسوريا إستراتيجيا”. مؤكدا أن “شبكة علاقات سرية ربطت إسرائيل بالأكراد منذ سنوات طويلة”.

من جانبه رحب رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سوريا “شيركو عباس” بدعم إسرائيل للدولة الكردية، وقال إن “الأكراد لم يناصبوا يوما العداء لها، وإنهم المحرك للديمقراطية في الشرق الأوسط”. وقال عباس لموقع “ميدا” الإسرائيلي إن تاريخا ومآسي مشتركة تجمع الطرفين، معتبرا أن “دعم إسرائيل للأكراد سيساهم في بناء حدود آمنة لها“.

3ـ العلاقات الامريكية مع الدويلة الكردية:

مسألة الدعم الامريكي للأكراد أصبحت واضحة، وهنا يبرز السؤال لماذا تساند أميركا الأكراد إلى هذا الحد؟

الاجابة على هذا السؤال يمكن ردها إلى أن الاكراد هم أقرب الأقليات المتواجدة في الشرق الاوسط للكيان الصهيوني، ويرغبون في إقامة علاقة معها، وأن قيام كيان كردي في سوريا موصول بكردستان العراق يعني أن الخارطة السياسية الجديدة أصبحت واقعا لا مجال لتغييره، بمعني لن تعود العراق إلى ما كانت عليه سابقاً، كما أن الكيان الكردي الموالي لاسرائيل، قد يشكل البديل عن تركيا كحليف لأميركا في المنطقة من خلال إقامة قواعد عسكرية في الدويلة الكردية تحسبا لاي موقف تركي براغماتي أو طامح مفاجئ.

4ـ العلاقات الايرانية مع الدويلة الكردية:

ايران سوف تناصب الدويلة الكردية العداء للأسباب الآتية: التواجد الإيراني في الدويلة العلوية، ربما يجعل الاحتكاك أقرب بين الطرفين خاصة وأن الكيان الصهيوني لن يسلم بوجود إيراني أكثر قربا جغرافيا منه، كما أن الفكر الميليشياتي الذي تتمتع به الأحزاب الكردية والمليشيات التابعة لإيران يعزز من حدوث اشتباكات بينهما، وكذلك أن التسليم بقبول كيان كردي يهدد إيران كما تركيا، فهما الدولتان اللتان يتبقى لديهما أكراد مما يعزز النزعة الانفصالية، ويحيي حلم الدولة الكردية الكبرى.

ثالثا: الدويلة السنية:

يمكن أن تكون حدود هذه الدويلة “في الرقة ودير الزور وامتداداً حتى الحدود الأردنية والعراقية”، وتقسيم الأرض وشكل الدويلات ومكوناتها الديموغرافية، باتت احتمالات تلامس الواقع الذي يحاول السوريون الهروب منه، وربما يتم وصلها مع أجزأء أخرى من العراق، ليتم تشكيل خريطة سياسية جديدة.

1ـ العلاقات التركية مع الدويلة السنية:

من المتوقع ان تكون الدولة السنية في سوريا تحت النفوذ التركي، ولذلك للعديد من الأسباب أهمها: أن تركيا ترغب في ايجاد موطئ قدم لها تستطيع أن تحمي نفسها ومصالحها خاصة في حال تم تكوين الدويلة الكردية، كما أن أهل السنة يمكن أن يرحبوا بهذا التعاون في ظل الدعم التركي للثورة السورية، كما ستعد تركيا حلقة الوصل بين قيادات الدويلة السنية في سوريا والدول الخليجية.

2ـ العلاقات الخليجية مع الدويلة السنية:

ستقوم دول الخليج بتقديم دعم اقتصادي لهذا الكيان، والذي من المتوقع أن يكون الأكثر تضرراً من العمليات العسكرية الراهنة التي تشهدها سوريا منذ 2011، وحتى الآن لأنه ساحة المعركة، إضافة إلى فقره اقتصاديا.

3ـ العلاقات الامريكية والغربية:

ربما يشهد هذا الإقليم تهميشا دوليا، وفي حال دعمه غربياً سيكون فقط من أجل أمرين الأول وقف الهجرة المنطلقة منه؛ والثاني استيعاب المهاجرين السوريين إلى أوروبا مرة أخري.

رابعاً: العلاقات بين هذه الدويلات الجديدة:

في حال حدث التقسيم فعلياً فى سوريا، فإن هناك عدد من الاحتمالات لمستقبل العلاقات بين الدويلات الجديدة، من ذلك

1ـ من المتوقع أن تشهد العقود الثلاثة القادمة تناحراً اقتصادياً بين الدويلات المقسمة، والذي سيأخذ شكل “اقتتال عنيف” مع مراعاة تحديات ارتفاع كلفة إعادة إعمار المناطق المدمرة.

2ـ التقسيم لن يحل المشكلة بل ربما يعقدها وصولاً إلى إعادة تدمير الحدود الجديدة، بحيث تتحول سوريا إلى كانتونات هشة تحمل بذور فنائها، وتدخل نفق التصادم المتواصل، خاصة أنه ليس هناك منطقة سورية نقية عرقياً أو مذهبياً.

3ـ إن فرض التقسيم في سوريا وإنشاء دويلات لا يعني انتهاء الصراع، بل يشكل مرحلة جديدة لصراع مركب من أسبابه العبث بالتركيبة السكانية ودخول لاعبين من القوى الدولية المتصارعة بإرادات متعاكسة، وبما أن اللاعب المحلي سيبقى أهم عناصر ذلك الصراع، فإن المكون السني سيبني معركته على تحالفات ومعطيات أكثر وضوحا خلال المرحلة المقبلة، ولعل رسم حدود “الدولة السنية” والتخلص من القوى الراديكالية الدخيلة ومنها “داعش” ستكون مبرراً لجزء ثان من هذا التحقيق الاستشرافي.

خاتمة:

في ظل الاعتبارات والتصورات المفترضة، وفق سيناريو التقسيم وما يمكن أن يترتب عليها، يجب أن تكون فكرة التقسيم مرفوضة على المستوى الإقليمي؛ لأن تقسيم سوريا بهذا السيناريو سيفجر المنطقة، فتركيا لا تحتمل وجود إقليمين كرديين مستقلين أحدهما في العراق، والآخر في سوريا، هذا في حال إن لم يتصلا.  ولبنان لا يحتمل وجود دولة طائفية أو كيان طائفي على حدوده الشمالية والشرقية. والعراق لا يحتمل كيانا كرديا سورياً يكون امتدادا لإقليم كردستان العراق، كما أن الأردن لا يحتمل قيام دويلات متعددة على حدوده وكذلك الوضع بالنسبة لإيران، ولن تكون دول الخليج بعيدة عن نيران التقسيم وتداعياته المتفاقمة (1).

————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close