fbpx
تحليلاتأسيا وافريقيا

الدور الإسرائيلي في المواجهة الهندية الباكستانية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في الوقت الذي تشهد فيه شبه القارة الهندية مواجهة تدريجية بين الهند وباكستان، ظهرت جملة مؤشرات متزايدة بشأن دور إسرائيلي في إذكائها، وتصعيدها، في ظل العلاقات المتنامية بين تل أبيب ونيودلهي.

أول هذه المؤشرات تحدثت عن السلاح الإسرائيلي الذي يلعب دورا مفصليا في الحرب المتوقعة بين الهند وباكستان؛ لأنّ الهند شريك أساسي لإسرائيل في التعاون العسكري، حيث تساهم بصورة فاعلة في تحديث الجيش الهندي، وتطوير طائرات دون طيار، وزيادة التبادل التجاري بينهما خلال الأعوام الأخيرة، بقيمة ستة مليارات دولار.

كما تعتبر الهند أكبر مستورد لسلاح إسرائيل، بنسبة 49% من مجمل صادراتها العسكرية، وبلغت قيمتها 15 مليار دولار بين 2000-2006، وتشكّل الصفقات العسكرية بينهما عنصرا أساسيا في مباحثات تل أبيب ونيودلهي، في ظل تقارير تتحدث أن القصف الهندي للمواقع الباكستانية أواخر شباط/ فبراير تمّ بصواريخ سبايس الإسرائيلية.

مع العلم أن التبادل التجاري بين إسرائيل والهند ازداد بوتيرة متسارعة خلال الأعوام الأخيرة، ووصل في عامي 2012 و2013 إلى ستّ مليارات دولار أميركي، نالت الشركات العسكريّة الإسرائيليّة نصيبًا كبيرًا منه، ومنها شركات “الصناعات الجويّة الإسرائيليّة و”رفائيل” المصنّعة لأنظمة دفاع جويّة إسرائيليّة، و”الصناعات العسكرية” المملوكة للحكومة الإسرائيليّة، وشركة “إلبيت” المصنّعة للطائرات الإسرائيليّة بدون طيّار.

ولذلك جاء تردد اسم إسرائيل في مواجهة الأيام الأخيرة بين نيودلهي وإسلام آباد، في ظل حيازة الأولى لمنظومة سبايدر الإسرائيلية التي تولت حماية الأجواء الهندية من عمليات التجسس الباكستانية، كما أن إسرائيل شاركت في تصميم النظرية الأمنية الهندية القاسية في صراعها ضد باكستان، ولعل ما قامت به الطائرات الهندية من تفجير في قلب أراض العدو هو النموذج الإسرائيلي المتعارف عليه عالميا، كما تقوم بذلك في بعض دول الشرق الأوسط.

تزعم أوساط إسرائيلية أن الهجوم الأخير على مواقع هندية استفز رئيس حكومتها “مودي”، مما جعله يسعى لاتباع ذات الطريقة الإسرائيلية في الرد على الهجمات المسلحة المعادية، بأي ثمن وفي أي مكان، حتى أن أحد المذيعين التلفزيونيين في الهند سأل في مقدمة نشرة أخباره: هل ترد الهند على الهجمات الإرهابية بذات الطريق الإسرائيلية؟ وكتبت صحيفة هندية أخرى أن دولا عظمى في العالم مثل إسرائيل تقف خلف الهند في صراعها مع الباكستان.

كما أن مقالات نشرت في صحف هندية معادية لإسرائيل واليمين الهندي ألمحت إلى دور إسرائيلي فيما يحصل من صراع مع جارتها الباكستانية، بل اتهمتها بانتهاج سياسة تصعيدية في هذا الصراع بين الدولتين النوويتين، وهناك من قارن بين السياسة الإسرائيلية في الهجمات على القوى المعادية لها، المسماة عقيدة الضاحية الخاصة بالجنرال غادي آيزنكوت القائد السابق للجيش الإسرائيلي، ومحاولة الهند محاكاتها مع الباكستان.

لكن تصريحات لافتة صدرت مؤخرا عن رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني والرئيس السابق مشرف ألمحا فيه إلى إمكانية تحسين العلاقات مع إسرائيل، بهدف تخفيف العلاقة الرومانسية القائمة بين تل أبيب ونيودلهي، لكن العلاقة الإسرائيلية-الباكستانية كانت على الدوام معقدة، ولديها عدة عناصر مركبة، لأنه بجانب العداء المعلن بين تل أبيب وإسلام أباد، فقد كشفت وثائق ويكيليكس أن باكستان حذرت إسرائيل سرا من عمليات قد تستهدف مواقع لها داخل الهند قبل عشر سنوات.

يبدو أن التورط الإسرائيلي في المواجهة الباكستانية الهندية له جذور راسخة في ظل ما يمكن وصفها الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والهند، وباتت تأخذ قطاعات أوسع في ضوء التهديدات المشتركة، والقواسم الثنائية التي تجمعهما في العديد من المجالات.

صحيح أن نيودلهي ترددت دائما بتوطيد علاقاتها مع تل أبيب، وتباطأت في استكمال علاقاتها الدبلوماسية معها، لكن التطور الحاصل بالعلاقات الثنائية بينهما يعطي نمطا مختلفا عن المدرسة التقليدية لسياسة نهرو التاريخية تجاه إسرائيل، التي رأى فيها جزءا من المحور الغربي، وكانت له توجهات لقيادة العالم الثالث.

يمكن قراءة التطور الآخذ بالتزايد في علاقات نيودلهي وتل أبيب، ووصل ذروته في الانخراط الإسرائيلي، الضمني أو العلني، في التوتر الهندي الباكستاني، إلى عوامل خارجية كالتغير في ميزان اقتصاد الطاقة العالمي، وإمكانية تراجع إمساك الدول العربية بزمام هذا السوق بصورة حصرية، لاسيما الدول المصدرة للنفط، وانطلاق عملية السلام بين العرب وإسرائيل عام 1991.

وهناك أسباب داخلية هندية سرعت من تطوير علاقاتها بإسرائيل، مثل إقصاء حزب الكونغرس الهندي، وصعود حزب بهارتيا جيناتا مما ساعد في تبديد أي مخاوف هندية من إسرائيل، وحولتها شريكة وحليفة متوقعة ضد باكستان والحركات الإسلامية، وجاء تطبيع العلاقات بينهما نتيجة لسياسة الليبرالية الاقتصادية، وباتت إسرائيل كأحد الدول الاقتصادية الكبيرة حول العالم التي تريد الهند العمل معها.

أكثر من ذلك، فقد رحبت الهند بزيادة نفوذ المنظمات اليهودية لديها، وأقامت منظمات يهودية أمريكية مباحثات عديدة مع نظرائهم الهنود، وحين طلبت نيودلهي الحصول على قروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بقيمة خمسة مليارات دولار، رأت أن تطوير علاقاتها مع إسرائيل جزء من تسهيل موافقة الولايات المتحدة على هذه القروض، ومن شأنه الإسهام بتحسين علاقاتها مع واشنطن.

كما أن البلدين تريان في الحركات الإسلامية عدوا مشتركا لهما، ولديهما صفقات سلاح مشتركة وصناعات عسكرية، وعقب تطبيع علاقاتهما بدأ عملهما الثنائي يشمل تبادل المعلومات الأمنية، ومراقبة تحويل الأموال للمنظمات المسلحة، والتعرف على طرق التجنيد المتبعة لديها، وتدريب عناصرها، وكل هذه الأعمال تحصل بعيدة عن عيون الجمهور، مع أن الهجوم المسلح على مدينة بومباي في 2008 لعب دورا كبيرا في تعزيز التعاون الأمني المشترك بين نيودلهي وتل أبيب.

إن التعاون الثنائي بين نيودلهي وتل أبيب يتمثل في توريد كميات كبيرة من السلاح الإسرائيلي والوسائل التكنولوجية ذات الاستخدامات العسكرية، بينها الطائرات المسيرة بدون طيار، ووسائل قتالية متطورة جدا، وأدوات رؤية ليلية، وجدران الكترونية لتحسين الرقابة على الحدود الهندية، فضلا عن الذخيرة والصواريخ والمضادات الجوية والأرضية.

مع العلم أن ما يميز تطور العلاقات الثنائية بين نيودلهي وتل أبيب، تلك الصداقة الحميمة بين رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث يعتبر الأخير رئيس الحكومة الإسرائيلية الثاني الذي يزور الهند، وقد سبقه أريئيل شارون عام 2003، وبجانب تطور العلاقات السياسية الهندية الإسرائيلية، فإن الاتصالات التجارية تتسارع بينهما، حيث تجد الشركات الإسرائيلية سهولة بدخول الأسواق الهندية، مع توقيع صفقات السلاح والاستثمار بالموارد الطبيعية.

في الجانب الدبلوماسي، فإن العلاقات تشهد تناميا تدريجيا، فقد انفصلت الهند عن انضمامها التقليدي للمعسكر المعادي إسرائيل، حين امتنعت عام 2014 عن التصويت على تقرير للأمم المتحدة حول حرب غزة الأخيرة 2014، حتى أن الدبلوماسيين الهنود باتوا يبتعدون عن استخدام مفردات قاسية بحق إسرائيل كما جرت العادة سابقا، رغم استمرار الهند بإدانة الاستيطان، ورفض قرار الرئيس الأمريكي الأخير بحق القدس.

وفي حين تبدي الهند حذرا بتطوير علاقاتها السياسية بإسرائيل أخذا بعين الاعتبار لعلاقاتها مع دول الشرق الأوسط، لكنها تسارع الخطى بتنمية شراكتها الاقتصادية والتجارية بها، رغبة منها بالظهور كدولة عظمى وقوة عالمية، مما يجعلها تستفيد من الصناعات الإسرائيلية في مجالات الهايتك والتكنولوجيا بصفة خاصة، حيث تسعى إسرائيل لزيادة حجم التبادل التجاري مع الهند من أربعة إلى عشرة مليارات دولار سنويا، على أن تتركز في الصادرات العسكرية التي تقدر قيمتها بـ500 مليون دولار.

كما تسعى إسرائيل لتوقيع اتفاق للتجارة الحرة مع الهند، فيما تسعى الأخيرة للاتفاق مع إسرائيل على توفير خط طيران مباشر لطيرانها للمطارات الإسرائيلية، مع العلم أنه في العام 2016 حل ارتفاع بنسبة 22% من حركة الطيران المتبادل، كما بلغ عدد مسافري البلدين إلى حد الذروة بما يقدر بـ158 ألفا، مع العلم أن السعودية وافقت لشركة “طيران الهند” السفر لإسرائيل عبر مجالها الجوي، وأعلنت الشركة اعتزامها القيام بثلاث رحلات أسبوعية إلى إسرائيل عبر السعودية لتقصير وقت الرحلة.

أخيراً.. لم يأت التورط الإسرائيلي، كما يبدو ويتزايد، في التوتر الهندي الباكستاني الجاري في هذه الأيام، مفاجئا أو طارئا، لأن إسرائيل باتت ترى في تطوير علاقاتها مع الهند مقدمة لوضع حد لحالة العزلة التي عاشتها في العقود الماضية، واليوم يوجد لديهما سلم أولويات مشترك وجدول أعمال موحد لمواجهة القضايا الاستراتيجية، أهمها أنهما تخوضان حروبا متماثلة ضد الجماعات المسلحة، ولديهما صراعات مع دول تحوز أسلحة غير تقليدية، الأمر الذي يبدو متجسدا في باكستان وإقليم وكشمير والحركات المسلحة [1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كل الشكر والتقدير للدكتور عدنان أبو عامر على هذا ” المقال-الدراسة “…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close