fbpx
قلم وميدان

قلم وميدان: الدور المهني والنقابي في العمل الثوري

تابعنا في الآونة الأخيرة تحركات نقابة الأطباء واحتشادها بأعداد وفيرة للمطالبة بكرامة الطبيب، والاعتراض على إهانة قوات الأمن لأفراد المنهة وإساءتهم لها، كذلك فمن جانبها شهدت نقابة الصحفين تحركات متكررة تتبنى قضايا الحريات بشكل عام، وترفض سياسات القمع والتنكيل والإخفاء القسري.

فهل من الممكن أن تمثل هذه التحركات النقابية إرهاصات ثورية جامعة، أم سوف تقتصر على بعض المطالب الفئوية والمهنية فقط..

مساحات محدودة

بداية ومن جانبه يؤكد “أحمد أبو زيد” -المتحدث باسم الائتلاف الثوري للحركات المهنية- أن: فرص نجاح المقاومة النقابية في مصر قوية؛ لكن ذلك في مساحات خاصة بالمطالب المهنية وفقط في ظل تنامي القمع السياسي الذي يدفع كثيرا من الفئات إلى التقوقع حول ذاتها ومطالبها، وفي ظل مساعي النظام إلى سحب كافة الامتيازات التي حصل عليها المهنيون والعمال من ثورة يناير في مقابل تعظيم مكاسب طائفة أبناء النظام من الجيش والقضاة والداخلية باعتبارهم ركائز حمايته وبقائه في ظل انسداد الأفق السياسي وعدم وجود ظهير سياسي للنظام في الشارع .

يضيف: أما عن احتشاد الجمعيات العمومية على مطالب مُجمعة خاصة بالمجال العام فهذا صعب لحسابات قيادات النقابات السياسية وخشيتهم من النظام لكنهم قد يحتشدون خلف مطالب اقتصادية أو اجتماعية خاصة بكل مهنة على حدة وهذا يصب في توسيع المجال العام وتأهيله لاحقا لحراك شعبي ينتزع الحقوق السياسية ويعيد مشهد ثورة 25 يناير مجددا .

أما عن تحول المطالب المطالب من فئوية إلى ثورية فهذا قد يكون في “الشارع العام” عندما تكتشف الجمعيات العمومية مقدار الغضب المكتوم لدى أصحاب المهن من ممارسات النظام، ما يهيئ الشارع إلى تحرك خارج هذه الأطر ليعيد ترتيب المشهد السياسي مجددا بما يعيد رسم خارطة القوى الفاعلة في المجتمع وقد يسهم في تخليق قيادات جديدة تناسب المرحلة القادمة .

علي المدي البعيد

وفي السياق نفسه يرى “عمار ياسر” -الناشط بحركة مهندسون ضد الحراسة- يرى أن: هناك فرصة لنجاح المقاومة النقابية في مصر لكن على المدى البعيد وليس على المدى القريب، وذلك لأن التكتلات النقابية التي كانت قد وصلت إلى أفضل حالاتها أثناء ثورة يناير ونجحت بنسبة كبيرة في تحرير النقابات من سيطرة الدولة وتوحيد أبنائها على مساعب الاستقلال النقابي وتطوير المهنة ونهضة الوطن، هذه التكتلات بعينها تم استهدافها مبكراً من خلال الثورة المضادة ضمن استهداف كل مكونات ثورة يناير، وبعد مرور 5 سنوات يمكن أن نقول إن الثورة المضادة نجحت بالفعل في تفكيك التكتلات النقابية وإعادتها 30 عاماً للوراء وأصبحت تحتاج إلى عدة سنوات حتى يتم إعادة بنائها كما كانت عليه قبل وأثناء ثورة يناير.

ويشدد “ياسر” على أن أهم مظاهر الاستهداف الذى تعرضت له التكتلات النقابية كان أولا:الاستقطاب السياسى داخل النقابات وتفتيت التكتلات النقابية الثورية من الداخل وشغلها بنزاعات سياسية وحزبية وتعميق الخلافات والصراعات فيما بينها والإقصاء في بعض الأحيان يصل إلى المشاركة في التنكيل بزملاء المهنة، وثانيا: تشويه الحراك النقابي الوطني والثوري واختزاله في المطالب الفئوية الخاصة والتي لا يتبناها المجتمع، وثالثا: كان هناك القمع والتضييق الأمني واستهداف الرموز الثورية من النقابيين والتدخل في مسار الانتخابات النقابية بما يضمن إقصاء أكبر قدر من الوطنيين والثوريين وإفراز مجالس نقابية موالية للنظام تسهم في القضاء على الحراك النقابي بدلاً من تقويته.

وعلى جانب آخر يؤكد “ياسر” أن احتشاد الجميعات العمومية للنقابات حاليا مرتبط بوجود من يمثلها تمثيلا حقيقيا في مجالس النقابات ولديه القدرة على مواجهة النظام في تبنيه لقضايا أبناء النقابة على السواء بدون تمييز أو إقصاء، وهذا يحتاج إلى جهود ومساعٍ مسبقة تعالج آثار الاستقطاب الحاد وتعيد توحيد أبناء المهنة على أساس المهنة وليس على أساس الانتماءات والمواقف السياسية.

ومن جانبه يشدد “ياسر” على أن: وصْم الحراك النقابي الوطني والثوري بالمطالب الفئوية يهدف إلى تشويهه وإضعافه والقضاء عليه؛ على اعتبار أن المجتمع لن يتبنى مطالب فئوية خاصة إلا إذا كانت تتقاطع بشكل واضح مع معاناة إنسانية عامة يعاني منها المجتمع ككل وعلى رأسها مسألة الكرامة الإنسانية.

تمهيد لبيئة ثورية مناسبة

وفي السياق نفسه يقول “د.أحمد رامي”- عضو الجمعية العمومية لنقابة الصيادلة- إن الفعل السياسي والنقابي عادة ما يكون من داخل النظام، ومن ثم فسقفه غالبا ما يكون منخفضا عن أي فعل ثوري، كما أن النقابي بطبيعة الحال سقفه منخفض عن الثوري، ولذا ففي الغالب لا يعتبر أيا منهما فعلا ثوريا؛ إلا أنه في ذات الوقت الممارسة النقابية والسياسية الجيدة توفر بعضا من متطلبات التحول الديمقراطي مثل إيجاد مجتمع مدني ومؤسسات مجتمعية قوية تغل يد السلطة نسبيا، وإيجاد ثقافة لازمة لتشكيل رأي عام منحاز لقضايا مثل حقوق الإنسان والتضامن المجتمعي للوقوف ضد انتهاكها، وكل هذا يوفر الأرضية والبيئة اللازمة للعمل ثوري.

يتابع “رامي” ما علينا هو أن ندعم كل تحرك لنيل حق وكل وقفة لنصرة أي مظلوم، في حين أن

العمل النقابي لا يتحول إلى عمل ثوري إلا بعد تراكم ممارسات نقابية في قطاعات مختلفة يصل بعدها الجميع إلى حتمية التحرك الجماعي لتحقيق مطالبهم وإلى أنه لا حل جزئي لتحقيق مطلب لفئة دون أخرى، وهنا أعنيأنه لا بد من أن يتنوع ليشمل كافة الفئات من النقابات المهنية والعمالية، ثم لاحقا يتم التنسيق بينهم، ثم اليقين والعمل المشترك من أجل تغيير سياسي للحصول على المطالب التي كان البعض يظنها فئوية، وهذا هو التحدي الحقيقي أن تثبت الممارسة النقابية أن الجميع يعاني من ذات الشكاوى، وأنه لا حل لمشاكل فئة دون أخرى، ولا حل من داخل النظام السياسي.

وهناك أمر آخر يرى “رامي” أنه يتحقق من خلال التحركات النقابية ألا وهو: صناعة الزعامة الثورية، وذلك على غرار ما حدث سابقا مع “ليشفاونسا” في بولندا؛ حيث كان “ليشفاونسا” قيادة عمالية نقابية، قاد حركة نقابية للمطالبة بمطالب عمالية في البداية، ثم استدعى تطور الصدام مع الحكومة للإضراب العام، فتحول لزعيم سياسي.

ويستبعد “رامي” أن تخرج مثل تلك الزعامة من داخل تشكيلات المجالس النقابية الحالية، وذلك لأنها أتت بانتخابات لا نستطيع أن نقول إن لها قاعدة جماهيرية، نظرا لتدني المشاركة، وفي هذا فقد تخرج مثلا زعامة كتلك من تحركات رابطة أسر الصحفين المعتقلين، بعيدا عن مجلس النقابة الحالي، كنا أن في كل مهنة تلعب اتحادات الطلاب دورا هاما إذا اهتمت بالقيام بدور قريب ومتماسّ مع المجالس أو الجمعيات العمومية.

وبشكل مباشر وحول فرص النجاح أمام التحركات النقابية للتحول إلى فعل ثوري يقول “د. ياسر فرج”- الباحث السياسي- : يمكن النظر إلى التحركات النقابية الأخيرة إلى أنها تأتي في إطار سلسلة متصلة من التفاعلات الاحتجاجية ضد الانقلاب أو النظام القائم.

يضيف: لا يمكن إغفال الطابع الثوري في الحشد الذي ظهر عليه اجتماع نقابة الأطباء الأخير احتجاجات على الاعتداء على أطباء المطرية. حيث إنه من المؤكد أن كثيرا من المشاركين في الجمعية أو الأغلبية العظمى منهم كانت مشاركة أو مؤيدة لثورة يناير ومعارضة صراحة أو ضمنا للنظام الحالي بفرض أن المؤيدين للنظام الحالي من الأطباء غالبا لا يشاركون في هذه الاحتجاجات، ومن ثم فلابد من النظر لنوعية المشاركين في هذه التحركات النقابية سواء للأطباء أو للمحامين في البحيرة أو مرسى مطروح. حيث إن الثوار منهم يستطيعون تحويل الفعل الاحتجاجي من خلال النقابات إلى ما يشبه كرة الثلج لتزداد فرص التحول لثورة.

يتابع “فرج” أنه يمكن إبراز أهم العوامل التي من الممكن أن تسبب نجاحا للتحركات النقابية للتحول إلى فعل ثوريفي الآتي:

1- استمرار الضغط من قبل النقابات على السلطة القائمة لإرجاع حقوقها ووقف الاعتداءات الحاصلة على أعضائها من قبل أفراد الأمن والإصرار على تقديم المعتدين للمحاكمات العاجلة والعادلة مع مراقبة إجراءات التقاضي ورفض أي محاولات للصلح.

2- النقطة السابقة ستشكل ضغطا كبيرا على النظام وعلى آلية عمله وتماسكه الداخلي بين مؤسساته الأمنية التي قامت منذ الانقلاب على فرضية عدم محاكمة أي فرد أمن يعتدي على مواطنين أو عمل محاكمة صورية لهم حتى لا ينفرط عقد التحالف بين المؤسسات ومن ثم ينهار تماسك الانقلاب.وبالتالي فإنه متوقع ألا يستجيب النظام لهذه الضغوط ويحوّل أفراد الأمن للمحاكمة خوفا على تماسكه الداخلي، مما سيزيد الضغوط النقابية والاحتجاجية ليس في نقابة الأطباء وحدها ولكن في كثير من النقابات التي أعلنت تضامنها مع الأطباء خوفا من أن تطالهم هذه الاعتداءات مستقبلا خاصة بعد أن طالت المحامين في البحيرة ومطروح.

3- استمرار وتفعيل التضامن بين النقابات كما حدث في الجمعية العمومية للأطباء مما يزيد من تماسك الحركة الاحتجاجية ويوصلها إلى قطاعات وفئات جديدة.

4- عدم تصدر أى دعوات سياسية للاحتجاجات النقابية كان عاملا مؤثرا على نجاح نقابة الأطباء في الحشد، وخاصة صعوبة اتهام النظام لهم بأن الحشد إخواني الهوى، مما أسهم في زيادته بصورة غير مسبوقة. وبالتالي يمكن البناء على نفس الدعوات في أي احتجاجات نقابية قادمة.

5- أهمية وجود مجموعة تخطط لدراسة أسباب الاحتجاجات النقابية وكيفية البناء عليها وتشكيل مجموعات للتواصل مع أعضاء النقابات وحتى روابط الأولتراس والمجموعات السياسية للاتفاق على مطالب عامة للجميع يمكنهم التوحد عليها أمام النظام.

6- وجود دعاية مضادة لدعاية النظام وأتباعه وأفراده الأمنيين في نظرتهم لأنفسهم ووظيفتهم بأنهم الأكثر تضحية والأكثر وطنية. والرد بأهمية أدوار الوظائف الأخرى بالقول من سيعلمك ويعلم الشعب القراءة لتحسن عملك في الجيش والشرطة، من سيعالجك إذا أصبت أو مرضت، من سيطعمك إلا الفلاح ومن سيزيل قمامتك إلا عامل النظافة ومن سيبني لك وللشعب المنازل إلا المهندسون وعمال البناء.. إلخ، فإبراز جوانب أهمية كل وظيفة مع أعضائها سواء المهندسين أو المحامين أو العمال أو الفلاحين يكرّس نظرتهم لأنفسهم وإحساسهم بقيمة ما يقومون به بجانب ما يقوم به أفراد الأمن، فتبدأ النظرة المتعالية لأفراد الأمن والسلطة في الخفوت تدريجيا، ويعرف كثير من قطاعات الشعب أن لكل وظيفة أهميتها ولا فضل لوظيفة على وظيفه إلا بحسن أدائها.

ويختتم “فرج” بقوله: عندما تُشعِر كل فرد في المجتمع بذاته وأهمية دوره ستجعله مع الوقت لا يقبل أي اعتداءات على حريته أو على نفسه بداعي الأمن أو الاستقرار، وكذلك ستدفعه إلى التضامن مع غيره من أصحاب المهن والوظائف الأخرى خوفا من أن سكوته الآن سيجعل الاعتداء يطوله في المستقبل؛ وبالتالي يزداد التضامن بين فئات المجتمع المختلفة وصولا لحالة ثورية كاملة لن تكون على غرار حالة يناير فقط ولكن بصورة أكبر منها خاصة بعد أن انكشفت كل الأقنعة عن الجميع.

 

عدد مجلة قلم وميدان ـ مارس 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close