fbpx
تقديرات

السعودية والكيان الصهيوني بعد زيارة عشقي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

يقول الكاتب الصهيوني سمدار بيري، إن اللقاء الذي جمع الجنرال السعودي السابق أنور عشقي بالمرشح لإدارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد في واشنطن، لم يكن الأول بل (الخامس). فقد عقدا اجتماعات قبل ذلك في الهند وواشنطن والعديد من الدول الأخرى. وهذا يعني أن لقاء عشقي مع غولد الأخير في الكيان الصهيوني كان (السادس) بينهما. وأشار بيري بمقاله في صحيفة “يديعوت”، إن عشقي أخذ على نفسه تحديا غير بسيط فهو متفانٍ لخدمة مبادرة السلام السعودية. وأشار إنه يصعب الشك باستقلالية تحركات عشقي الذي يحمل الكثير من ألقاب “السابق”، وحتى بعد أن انكشفت اتصالاته مع الإسرائيليين فإنه يذهب إلى بلاده ويأتي منها بلا مشاكل.

وهنا تثير زيارة عشقي للكيان الصهيوني العديد من التساؤلات حول أبعادها، وكيف تعامل الصهاينة على المستوي الرسمي وغير الرسمي معها؟

أولاً: التفاعل الصهيوني مع زيارة أنور عشقي:

1ـ على المستوى الرسمي:

(أ) قال عيمانويل نحشون، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية؛ نرحب باللواء أنور عشقي لزيارته إسرائيل والتقاؤه دوري غولد المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية في فندق الملك داوود في القدس.

(ب) قال عيساوي فريج (عضو الكنيست والذي كان هو وميخال روزين عن حزب ميرتس وكسينيا سفيتلوفا وعومر بار ليف عن المعسكر الصهيوني من بين الذين التقاهم عشقي والوفد السعودي): “إن السعوديين يرغبون بالانفتاح على إسرائيل، وهذا يعتبر أمراً استراتيجيا بالنسبة لهم وهم يرغبون باستكمال ما بدأه الرئيس المصري الاسبق أنور السادات ولديهم الرغبة بالتقارب من إسرائيل، هذا امر واضح للعيان”. وصرّح فريج لصحيفة “هآرتس” أنّ عشقي التقى أيضا برئيس حزب “يش عتيد”، يئير لبيد.

(ج) قال زلمان شوفال: سفير إسرائيل الأسبق في واشنطن والقيادي الليكودي؛ إن إسرائيل مطالبة باستغلال توجه المزيد من الدول العربية “السنية المعتدلة” للتعاون وبناء شراكات معها في محاولة تمرير “تسويات مؤقتة” للصراع مع الفلسطينيين. وفي مقال نشرته صحيفة “ميكورريشون”، أوضح شوفال أنه على الرغم من أن القضية الفلسطينية “لم تعد الأمر الذي يشغل حقا الأنظمة العربية، إلا أن هناك حاجة لتوظيف هذه الأنظمة في تمرير حلول لها على اعتبار أن الأمر يخدم المصالح الإسرائيلية”.

2ـ ردود الفعل على المستوى غير الرسمي:

حازت زيارة عشقي لدولة الكيان الصهيوني اهتماما كبيرا عند وسائل الاعلام الصهيونية المختلفة، بعد أن وصل عدد المقابلات الإعلامية الصهيونية معه إلى 7 مقابلات؛ كما تناولت وسائل الاعلام الصهيونية هذه الزيارة عشرات المرات (أخباراً، وتحليلات، وتحقيقات وحوارات).

– صحيفة “هآيتس”: زيارة الجنرال عشقي إلى إسرائيل، رغم كونها غير رسمية، ما كانت لتتم على الارجح لو لم تكن هناك موافقة عليها من قبل الحكومة السعودية.

– صحيفة جيروزاليم بوست: جاء عشقي لإسرائيل وبصحبته وفد يضم رجال أعمال وأكاديميين بهدف دعم مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية عام 2002.عشقي التقى يوعاف موردخاي القائد العسكري المسؤول عن العمليات في الضفة الغربية وغزة، كما التقى نوابا برلمانيين يمثلون المعارضة.

– إذاعة الجيش الإسرائيلي: أجرت مقابلة هاتفية باللغة العربية مع عشقي أنكر خلالها وجود تعاون أمني بين السعودية وإسرائيل.وقال عشقي “على حد علمي ليس هناك تعاون في مواجهة الإرهاب”.

– الصحافي الإسرائيلي عكيفا إلدار: الزيارة التي قام بها وفد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين برئاسة اللواء أنور عشقي لإسرائيل ولقائه بمسؤولين إسرائيليين كبار “تعد إنجازا كبيرا” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي تحليل نشره موقع “يسرائيل بالس” استهجن “إلدار”، الذي يعارض نتنياهو، عدم إشادة وسائل الإعلام الإسرائيلية بدور نتنياهو في توفير الظروف التي أفضت إلى حدوث هذه الزيارة.وسخر “إلدار” من المزاعم التي تروجها بعض النخب السعودية، والتي تدعي بأن زيارة عشقي والوفد المرافق له تمت بمبادرة شخصية من أعضاء الوفد، مشددا على أنه “لا يمكن لهذه الزيارة أن تتم بدون الحصول على ضوء أخضر من العائلة المالكة في الرياض”.

ثانياً: أبعاد زيارة عشقي:

تأتي زيارة عشقي في الوقت الذي يُدفع فيه العالم العربي، بقيادة مصر، إلى إستئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ففي وقت سابق من هذا الشهر قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة إلى القدس، حيث التقى هناك بنتنياهو لمناقشة عملية السلام المتعثرة منذ مدة طويلة. وورد أن نتنياهو أعرب عن استعداده لقاء عباس في القاهرة لإجراء محادثات يستضيفها عبد الفتاح السيسي.

وفي هذا السياق تتعدد أهداف زيارة عشقي لدولة الكيان بالتالي:

1ـ ذكرت صحيفة يديعوت ان زيارة عشقي، تهدف للانفتاح على المجتمع الإسرائيلي، بهدف تحسين صورة الصهاينة في ذهن المواطن العربي، وبالتالي تقبل إمكانية التعايش السلمي بين الشعب الصهيوني والشعوب العربية.

2ـ أفادت صحيفة جيروسلم بوست الإسرائيلية بأن عشقي جاء على رأس وفد سعودي يضم رجال أعمال وأكاديميين في مهمة “للترويج” لمبادرة السلام العربية.وهذا ما أكده عشقي في مقابلة مع يديعوت احرنوت في قوله: “نحن تلقينا ملاحظات إسرائيل على المبادرة السعودية وبالإمكان مناقشتها وحل الإشكالات بشأنها، نحن الآن بإمكاننا إجراء اتصالات مباشرة معا وفحص مطالبكم”.

3ـ التأكيد على ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي العدو المشترك بين السعودية والصهاينة وهذا ما أكده تصريح عشقي للتلفزيون الإسرائيلي “إن طهران تفكر في إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية من خلال التوسع في العراق وسورية ولبنان وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط.

4ـ أفادت قناة “الحرة” الأمريكية أن عشقي وغولد بحثا سبل مواجهة التطرف في المنطقة وتفعيل المفاوضات مع الفلسطينيين.

5ـ هدف تم الكشف عنه خلال مؤتمر سابق عقد في واشنطن، نُظم من قِبل مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي بحضور اللواء عشقي، ودور جولد المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية. وهو ضرورة التنسيق بين السعودية ودولة الكيان الصهيوني في ملف “حقل أوجادين” الواعد في أفريقيا والذي سوف يوحد القرن الأفريقي برئاسة إثيوبيا، وأن السعودية تخطط لبناء جسر يربط بين مدينة النور في جيبوتي ومدينة النور في اليمن، وهذا يتطلب عدة أمور: الأول تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، الثاني تغيير النظام السياسي في إيران، الثالث وحدة مجلس التعاون، الرابع تحقيق السلام في اليمن وإحياء الميناء الحر في عدن، الخامس إنشاء قوة عربية بمباركة أوروبية وأمريكية لحماية الدول الخليجية والعربية والمحافظة على الاستقرار، السادس السرعة في إرساء قواعد ديموقراطية بثوابت إسلامية في العالم العربي، السابع العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية، لأن ذلك سوف يخفف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية لان ذلك من شانه يخفف المطامع الإيرانية والتركية والعراقية بعد ان يقتطع الثلث من هذه البلدان.

ثالثاً: الموقف السعودي من لقاءات عشقي:

حاولت الخارجية السعودية أن تنأى بنفسها عن الزيارة الأخيرة لإسرائيل التي قام بها مواطنون سعوديون بينهم اللواء أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية. بقولها إن “الزيارات النادرة التي قام بها سعوديون لإسرائيل مؤخرا لا تعكس وجهة نظر الحكومة السعودية.”.

إلا ان وسائل الاعلام الصهيونية تناولت هذا التصريح باستهجان في قولها لا توجد علاقات رسمية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ كما وتحظر المملكة على مواطنيها السفر إلى إسرائيل. إلى جانب أنها لا تمنح الإسرائيليين تأشيرات دخول لأراضيها. بيد أن الحصول على إذن الحكومة السعودية، على الأرجح، كان ضروريا لسفر أنور عشقي ووفد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين إلى إسرائيل فكيف تم ذلك؟

وأكد “متاي شطانبيرغ”، المستشار السابق لرئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي “الشاباك”، على حقيقة أن السلطات السعودية تحظر على مواطنيها السفر إلى كل من إسرائيل وإيران والعراق وتايلاند. مؤكدا ان زيارة عشقي والوفد المرافق له مؤخرا لإسرائيل تمت بـ”ضوء أخضر” من وزارة الداخلية السعودية. وأن زيارة عشقي لم تكن فقط بمباركة نظام الحكم في السعودية بل بمبادرته أيضا، متسائلاً: “هل يمكن أن نتصور أن نظام الحكم في السعودية يمكن أن يسمح للواء متقاعد أن يزور إسرائيل ويلتقي بمسؤولين كبار فيها بدون معرفته ومباركته؟”.

وأمام هذه الاعتبارات، وعلى الرغم من خروج مصدر من الخارجية السعودية يقول أن هذه الزيارة لا تمثل موقف المملكة، يبرز احتمالان، الأول: ان الحكومة السعودية صادقة في موقفها تجاه دولة الكيان الصهيوني وترفض أي تقارب رسمي مع دولة الكيان، والثاني: أن تحركات أنور عشقي مدفوعة وموجهة من قبل الحكومة السعودية بهدف تشجيع قادة دولة الكيان الصهيوني للتعامل بإيجابية مع مبادرة السيسي للسلام. وأن محاولة الخارجية السعودية في بيانها تأتي لرفع الحرج عنها أمام المواطن العربي، إضافة إلى انه قرار يأتي في سياق الدبلوماسية، وأن الحكومة السعودية لا تلهث وراء تطبيع لعلاقاتها مع دولة الكيان الصهيوني.

ويعد الاحتمال الثاني هو الأقرب للمنطق. وذلك للأسباب الآتية:

1ـ لا ترغب المملكة العربية السعودية في تطبيع علاقاتها رسميا مع دولة الكيان الصهيوني دون ثمن سياسي، ورغبتها في وجود علاقة مع دولة الكيان الصهيوني بشكل تدريجي يبدأ على المستوي غير الرسمي ثم ينتقل على المستوى الرسمي ليتم تمريرها على النخب العربية المثقفة والمواطن العربي رويدا رويدا.

2ـ رغبة السعودية في بناء علاقة قوية مع دولة الكيان الصهيوني، لعدة اعتبارات، أولها: لاتفاقهما بان اعدائهم مشتركين كإيران، وحزب الله. وثانيها: توافقهم إلى أهمية أن يكون هناك دور خارجي للنظام المصري الحالي برئاسة السيسي، وهو ما رحب به نتنياهو في منزل السفير المصري بقوله: “علينا أن نتشابك الأيدي ضد الإرهاب من خلال دعم مصر في تحركها من أجل السلام مع الفلسطينيين”، وثالثها: رغبة السعودية في بناء علاقة مع دولة الكيان الصهيوني بعد التقارب الجغرافي السعودي الصهيوني بعد حصول السعودية على جزيرتي تيران وصنافير.

رابعاً: مسارات العلاقات السعودية الصهيونية:

السيناريو الأول: بقاء الوضع القائم

ويقوم هذا السيناريو على أن تبقي العلاقات الصهيونية السعودية في المنظور القريب على حالها “قطيعة على المستوى الرسمي واتصالات محدودة على المستوي غير الرسمي” وذلك يرجع للأسباب الآتية: انشغالات السعودية في اشكالاتها الإقليمية بما يجعلها غير قادرة على اتخاذ موقف واضح مع الكيان الصهيوني، خشية من أن يستغلها خصومها فتجد نفسها أمام حالة غضب عامة، وحالة التيه التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني يجعل السعودية غير قادرة على إيجاد طرف فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني وقادر على التواصل مع القادة الصهاينة وأن يتوصل معهم إلى أي اتفاق حتى لو مرحليا، وكذلك غياب الاستقرار في مصر، نتيجة لأوضاعها الداخلية المتردية، بما يجعلها غير قادرة على أن تلعب دور الوسيط القوي بين الفلسطينيين والصهاينة.

السيناريو الثاني: التوافق وتقوية العلاقات:

يشير هذا السيناريو إلى تمتين العلاقات السعودية الإسرائيلية وخروجها للعلن، بعد أن وصلت العلاقات المصرية الإسرائيلية؛ والأردنية الإسرائيلية والتركية الإسرائيلية إلى توافقات كبيرة، وظهور منظومة إقليمية جديدة تتكون من السعودية ودول الخليج وإسرائيل ومصر وتركيا والأردن. وتنبع احتمالية هذا السيناريو من إعلان قبول إسرائيل مبدئيا للمبادرة العربية 2002 م، والمقدمة من السعودية مع وجود بعض التحفظات الإسرائيلية، والتي ستدخل القضية الفلسطينية في مرحلة جديدة تسير على خطي اتفاقية أوسلو، وربما تكون سيناء جزءا من الحل.

وفي حال إن تم ذلك سيتم فتح مكاتب للكيان الصهيوني في كافة الدول العربية، وسترتبط اقتصاديا بالدول العربية؛ وستصبح الأسواق العربية سوقا للمنتجات الإسرائيلية، إلى جانب السماح لإسرائيل بحرية الحركة في المناطق المائية العربية مع زيادة التنسيق في الأمور العسكرية لتحل إسرائيل محل أمريكا في المنطقة العربية.

السيناريو الثالث: توقف العلاقات السعودية الإسرائيلية:

وترجع احتمالية وجود هذا السيناريو في حال تغير النظام السياسي المصري بالكامل، وحدوث ثورة تقلب النظام المصري رأسا على عقب، وتعود مصر لممارسة دورها في القضية الفلسطينية، وكذلك في حال حدوث تغيرات مفاجئة في الأسرة الحاكمة في السعودية.

خاتمة:

بعد الاتصالات المكثفة بين الجنرال السعودي السابق أنور عشقي والمقرب من نتنياهو والمرشح لمنصب وزير الخارجية الصهيونية دوري غولد، تبقي احتمالية السيناريو الأول والثاني هي الأقرب للمنطق وذلك للأسباب الاتية، أنه لا تلوح في الأفق مؤشرات حقيقية قوية تشير إلى حدوث تغيرات جذرية في الأسرة الحاكمة في السعودية في المنظور القريب، كما أن نظام السيسي، الحليف للسعودية والمتمتع بعلاقات استراتيجية مع دولة الكيان الصهيوني، ما زال متماسكا، ويهدف إلى أن يكون له دور إقليمي خارجي يعزز من تحالفاته ومكاسبه الإقليمية والدولية؛ لذا سوف يدفع باتجاه ترسيخ وتعزيز العلاقات السعوديةـ الصهيونية.

وهنا يمكن أن تتعدد الاجراءات العملية في المستقبل القريب، من قبيل: استمرار زيارات ولقاءات عشقي مع دوري غولد لفترات قادمة، وتشجيع عدد كبير من رجال الاعمال والأكاديميين السعوديين للقاء نظرائهم الصهاينة، وسماح السعودية لبعض الوفود الصهيونية غير الرسمية بزيارتها تحت مسميات مختلفة، والتفكير في تشكيل غرفة تجارية سعودية صهيونية مشتركة، وصدور تصريحات صهيونية على المستوي الرسمي تعلن ملاحظاتها على المبادرة العربية السعودية والعمل على احيائها مرة أخري، وتكثيف نظام السيسي من نشاطه لعقد لقاءات صهيونية ـ سعودية، وصهيوينة فلسطينية برعاية مصرية، دعماً لمبادرة السيسي القائمة أساسا على المبادرة السعودية التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد، في القمة العربية 2002م.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close