تحليلاتقلم وميدان

السيسي وخطاب الجُزر: قراءة نفسية

في الثالث عشر من أبريل 2016، أجري عبد الفتاح السيسي، لقاء سُمي “لقاء القوى الوطنية”، وألقى فيه خطاباً، كان من المفترض أن يكون “حواراً مفتوحاً”، وكان في واقع الأمر خطاباً من طرف واحد، تم بثه مباشرة على القنوات الإعلامية المصرية، الرسمية والخاصة، وقد تابعتُ اللقاء المذاع وما تضمنه من حوارات بتركيز شديد، للحصول على تحليل نفسي يستند إلى مفهوم علمي وموضوعي لهذا الخطاب ، وقد قمت بإعادة مقاطعه أكثر من مرة والذي استمر لنحو ساعة ونصف من الجمل المتقطعة والعبارات غير المكتملة والإشارات الغريبة، وقد قمت بإعادة عرضه أكثر من مرة، حتى وقفت على المحاور التالية:

1ـ الحديث الاقصائي:

الحديث الفردي الوحدوي الإقصائي، والذي يعيش صاحبه حالة “المازوخية” والفكر العصابي المليء بالاتهامات والشكوك، وحالة من الترقب والخوف والقاء الاتهامات على الآخرين والتنصل من المسؤولية والبعد عن المواجهة، والذي يظهر في بعض الجمل مثل : (بشكل … مش اخفاء …أهل الشر .. في (وسطينا) ناس كتير مش كويسين … وبنسمع كلام كتير).

يحوي الخطاب على كثير من الكلمات والإشارات التي تدل على انفصاله عن وطنه وعدم الشعور بأنه جزء من هذا النسيج وتصريحاته المستمرة أنتو يا مصريين، وكثرة كلمة “انتو” لأكثر من 32 مرة، وتبدو أيضاً في (أنكم أمنتوني على بلدكم، اسمحولي أكلمكم يا مصريين … انتو بتأذوا نفسكم يا مصريين مرتين ..”. انتو بتسيؤا لنفسكم مرتين، رسائلة انفصال وعدم ولاء وانعدام الشعور بالاندماج والانتماء.

2ـ المدخل العاطفي:

يتحدث السيسي بلهجة مصرية بسيطة ويستخدم المدخل الديني والعاطفي لدغدغة المشاعر للإقناع (مفيش رجل على رجل الا بقدر .. ومفيش حد بياخد إلا نصيبه .. بيكم ومش من غيركم)، وقد أبدى ذلك صراحة ليطمئن رجل الشارع ويظهر التواضع.

3ـ الضبابية وأزمة الثقة:

يبدو أن صاحب الخطاب منفصل عن المشروعات التي قال أنه بدأها ولا يعرف إلى أي مدى وصلت وأنه تفاجأ بالنتائج، (إلي كان بيتخطط ليه قبل كدة فشل …. وهنحتاج إلى وسائل وطرق جديدة)، ويبدو هنا أن الأهداف غير معلومة، في حالة من الضبابية وعدم الوضوح للمستقبل.

كما عكس الخطاب أنه يعيش أزمة ثقة وبدا أنه قد ذاكر الكلام كثيرا من الورقة التي رفعها وقوله، “أتكلم عن نفسي شوية …. ازاي نبني ثقة … وكذلك عدم الثقة في نفسه أو فيما يقول وأن الآخرين لا يصدقون وغير مقتنعين بكلامه في تكرار معظم الجمل والكلمات مرتين .. (أقلوكم تاني .. أقولكم تاني).

وقيامه لمدة من النوادر بالتصريح بالأسماء (اخوان .. سلفي) في مرحلة صارخة ليفصل الشعب ومن يسمعه عن الكتلة الإسلامية ويستبدلها بالجيش الذي حصره في نفسه هو جيش مصر (جيش مصر بس مش اخوان ولا سلفيين)، قائلاً في دلالات غير مفهومة (متخفش بس متتهورش)، وهي دعوة صريحة لاستخدام القوة ولكن مع الحذر.

ظهرت الضبابية كذلك في قوله “أنا مصري شريف” لمرتين متتاليتين ولا أشترى ولا أباع .. وهو بهذا يريد إصلاح تبعات جملة سابقة قالها في الخطاب السابق، دار وعليها الجدل بعد بيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية.

4ـ البرانويا:

تظهر الحالة المرضية النفسية في الشخصية “البرانويا” في كثرة الكذب حتي أنه يصدق ما يقول، وتبدو في كثرة القسم (لا والله) ولغة الجسد من الابتسامة الساخرة وحركة اليد والتكرار الذي يؤكد أنه يعرف أن من يشاركه لا يصدقه.

ثم يقول: “الدولة الوحيدة دايماً إلى محدش قادر …” ويكمل على أساس انه قال شيئاً ليحقق مفهوم التوصيل من طرف واحد وفي اتجاه واحد وأنه يسمع نفسه فقط ولا ينتظر رد الآخرين (شخصية البرانويا).

وفي قوله: “مبناخدش حق حد”، والتي تكررت ثلاث مرات، ليكرس لشيء في مستقبل الخطاب وضرب الثقة في الخصم .. وهذا يؤكد تأثيرها الحقيقي على تفكيره ونفسيته، كما أنه عندما يضحك وهو يتكلم عن حجم الإنجاز ويضم يديه وينظر بالأسفل لحوار داخلي تماماً يرد فيه على نفسه .. ميتعملش في عشرين سنة .. بعد القسم وحركة اليد السيفية القاطعة، وهنا يعضد مفهوم البرانويا (المهارة في الكذب الخداع).

كما صرح عن هدف آخر وهو تفكيك وإبداة الكتلة الإسلامية والمتمثلة في الإخوان والسلفيين، كما في قوله: “شراسة الهجمة تعكس النجاح .. وهتزيد مش هتقل”. وهنا يظهر الوجوم الذي يخيم على الوجوه وشعور باليأس وعدم الأمل، يملأ القاعة، وبعض أحيان سخرية من بعض الشباب في الابتسامة والنظرة. وخاصة مع الدمج والخلط بين شخصيته كفرد والدولة المصرية، كما في قوله: “نخلص عليكي يا مصر خلال أربع سنوات” “نخلص..”، والمقصود هو رمز الدولة الذي بدأ بها الجملة ليرسل رسالة تهديدية أن بانهياره انهارت الدولة.

5ـ الشعور بالذنب:

يعيش صاحب الخطاب حالة من عدم اكتمال السيطرة وتأثير شبح الماضي والشعور بالذنب يطارده ويشغل باله والرد على أسئلة لم تُسأل ولم تُطرح، كالحديث عن الدكتور محمد مرسي، فهو لا يشعر أنه رئيس بل ما زال موظف عنده، وهو ما يظهر في العديد من العبارات، من قبيل (واحنا قولنا له … .. قلناله قدمناله .. ايه .. ساعدنا جدا جدا ..)

6ـ الصراعات الداخلية:

كشف الخطاب والحوار أن هناك خلافاً كبيراً بين المؤسسة العسكرية وصاحب الخطاب حيث أنه عرض في الكلام عن حق وإرادة الشعب ودور الجيش (لما المصريين يخرجو عليك أو على غيرك .. أنا .. طيب أنا طالما الشعب راضي الجيش ملوش دعوة … البلد دي لها صاحب .. صحابها الشعب…”. وهي رسالة للمجلس العسكري الذي يخشى أن ينقلب عليه أنه ليس لكم شأن بالأمر هو بيني وبين الشعب.

كذلك فإن النظر لأعلى اليسار عندما ذكر التاريخ (.. لغاية ظهر 3 /7 عصر 3/7 .. مفيش كان لابد من تحرك طبقاً للي احنا قلناه”. هي معلومة حقيقية كان يحاول فيها الضغط على الدكتور محمد مرسي للحصول على ما يريد، وإنه كان قد رتب مسبقا وخطط للانقلاب في حال لم يوافق باعتراف واضح وصريح في الكلام.

7ـ اللاوعي والحقيقة:

قال السيسي: “ممكن أوي لما نعتدي على دولة …” وهنا يأتي كلام خطير واعتراف واضح بالنية على الاعتداء الذي يرمي إليه، وهنا يبدو اللاوعي في الطرح وهو يتكلم حقيقة ما يفكر فيه، و، ودا لو قيس على الطريقة السابقة أنه يلمح فعلا لعمل ذلك كما قال على العريش يسمع نفسه فقط ولا ينتظر رد الآخرين (برانويا)

لو قمنا بقياس ذلك على تصريحاته السابقة عندما كان وزيرا للدفاع وقد لمح فعلا لعمل في ضرب أهل رفح والعريش وتهجير أهلها، وقد فعل، ولحظات قول الحقيقة هذه تخبر عن المكنون الداخلي للأفكار التي تتبناها هذه الشخصية. كما أنه يكرس لمفهوم جديد مكنون في الصدر وهو “الانتحار القومي”، وكما عودتنا هذه الشخصية على التصريح بنيته قبل المضي قدما، فهو في ذلك يحقق هذا المفهوم عملياً.

حديث اللاوعي كذلك ظهر باستخدام الصوت الخافت الهادئ البطيء حتى يرسم صورة في الأذهان ليشيطن بها الخصم ورسالة تخدع الوجدان، فيقول (صدقوني ويضع يده على صدره بهدوء ويهز رأسه)، ثم يقول: “ال30 و40 سنة”، ولم يُحدد ماضي أم مستقبل، ولكن تبدو حالة الارتباك وأن الكلام من القلب والحقيقة تظهر عند الحديث الحر في هذه الشخصية .. فالمقصود هو والدولة العميقة ومؤسساتها.

حقيقة مكنون أهدافه يجمعها في هذه الجمل “طمس الحقيقة ..” “تزييف الواقع ..” “افقاد الثقة في كل شيء جيد” .. “تعظيم النقد في كل شيء غير جيد” “هدم قدرة الدولة معنوياتها وتحطيم الأمل” .. “تقديم اليأس من المسقبل وضياع وعدمية” .. “دا إلي ماشي بقاله سنتين” .. “الموضوع مش كدة خالص .. “. “أعطينا حق الناس للناس ..”.

هنا يكمل ليعالج الجملة التي بدأ بها، ويضغط على الجانب الوطني وخطر تأمين مصر ووهم السلام مع إسرائيل، ليكون التبرير له أثر في النفوس والضرب على القضية القديمة دون ذكر العدو أو الخطر بصورة تدينه. ثم يبدأ في رسائل التأكيد على ما بدأه في البداية ومهد إليه “.. 11 لجنة .. الجيش .. المخابرات ..”. ثم يذكر الثوابت حتى يخلي مسؤوليته أمام العامة فيهدأ الناس ولا يخونوا الجيش.

8ـ الأهداف الخفية:

في التشبيه بين بيع الجزيرتين وسد النهضة وهو أكبر الدلائل على المخطط والأهداف المخفية، حيث أنه يعترف أنه موظف وأنه ليس مسلوب الإرادة ولا نية لديه في الدفاع أو الحفاظ عن الأرض ولا العرض التي ذكرها في الآخر، ويقول “هنديها أرضها ولا ندير أزمة”.. مع ارتفاع الصوت، ويعود ويستخدم فزاعات “عزل مصر وشبح وهم الاستقرار” … ومن ثم باقي الفزاعات التي يخيف بها رجل الشارع ويركز على حالتي سوريا العراق .

9ـ التعميم:

يقول صاحب الخطاب (سألت كل الناس .. ويكرر كل الناس) ثم القسم بالله، وهو ما يؤكد أنه يعيش حالة “ذهان البرانويا” وأنه مرشح للتطور، ويشيح بنظراته إلى الشخص الذي سأله في البداية هل سألت كل الناس وينظر إليه نظرة تحد واستخفاف على يساره، ليكشف أنه كان بينهما سجال.. وهذا يؤكد أنه بعيد عن وزير دفاعه والكلام ردا عليه، كما يؤكد ذلك في كثرة تسجيله للملاحظات خلال الخطاب.

10ـ الخداع:

يضمر صاحب الخطاب عكس ما يقول وتكشفه كلماته وحركات عينيه، عندما قال (اطمنوا على إللي انتو أمنتوه على بلدكم وأرضكم وعرضكم أمانة هنا .. ويشير إلى “رقبته”، ثم “يغمز بعين واحدة” ويقول: “مش واخد الموضوع شخصي .. خالص”. وهذا ما في اللاوعي حقيقة وطبيعة الشخصية البرانويد.

هو يسعى بشدة لعدم الصدام مع من هو أعلى منه سلطة وتحكماً، وهذه تبدو في قوله وكأنه ليس رئيس دولة بل موظف، حد يقول يتم التوقيع في وقت تاني – وهو الجدال والخلاف الداخلي – ويأتي بهدف التوقيع ليسعد شعبه ويحقق له رغبته دون صدام وتلبية للرغبة، وهنا يبدو أنها حقيقة لإنقاذه من حالة كان فيها قاب قوسين أو أدني من الإنهيار فيقبل بأي ضغط أو عرض يخرجه من هذه الأزمة.

11ـ الانهزامية:

جاءت حركة تشبيك اليدين عند عرضه للمكالمة التي كانت بينه وبين الرئيس القبرصي لتشير إلى أنه سيقول شيء يفخر به، وتأتي المفاجأة أنه يتحدث عن نوع آخر من تسليم مستحقات البلد لغيره ببساطة، ورأي فردي شخصي وكأن الأمر هو يملك فيه القرار الكامل دون الرجوع لأحد، ويكتشف في الطرح أن الأمر ليس مفخرة بل أنه كشف ما بداخله وأنه يعرض بئر البترول للبيع، فيقول “.. أنا ليس لي شيء إنها القوانين..”.

ثم يبرز التردد عندما يقطع باليدين ويقول: “لا أحد يتكلم عن ذلك الأمر بعد ذلك”، وكأنه أثبت عليهم الحجة، الرسالة ذات الاتجاه الواحد للشخصية الديكتاتورية في حركات الجسد، وخصوصا النظرة الخاطفة لصدقي صبحي حيث أنه كان صاحب هذا الجدل. ويعيد ويكرر ويردد “أنتم أمنتوني على بلدكم وعلى ناسكم” وكأنه فرد جاء من الخارج دون الولاء والخطاب الجمعي التضامني الاندماجي مع الوطن.

وفي قوله: “كل ما تؤذوني أكثر كل ما أشتغل أكتر ..” يعكس صورة مشوهة وشعور انهزامي واضطراب نفسي “مازوخي” لشخصية تبدو في صور متككرة خلال الخطاب الذي تم عرضه. ويختم بالهاجس، حقيقة ما بداخله، “أنا لم أخذلكم ولم أتخلى عنكم ولم أشك في اخلاصكم، فعاملوني بالمثل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى