أسيا وافريقيادراسات

الصراع في بوروندي الأبعاد والتداعيات

الفهرس

تمهيد

المبحث الأول: أبعاد الأزمة سياسيًا وأمنيًا واقتصادياً

المطلب الأول: أبعاد الأزمة على الصعيد السياسي

أولاً: تسوية الأزمة سياسيًا

ثانياً: دور الاتفاقيات والوساطة الإقليمية في تسوية النزاع

ثالثاً: انتخابات الرئاسة لعام 2010م والاتجاه نحو الاستقرار

رابعاً: دور النظام في توتر الوضع السياسي

المطلب الثاني: أبعاد الأزمة على الصعيد الأمني

المطلب الثالث: أبعاد الأزمة على الصعيد الاقتصادي

المبحث الثاني: أزمة التعديلات الدستورية وتصاعد الاحتجاجات

أولاً. اشتعال الأزمة مع ترشح نكورونزيزا لفترة رئاسية ثالثة

ثانيًا. تعديل الدستور وإجراء الانتخابات


تمهيد

بالرغم من التوتر الأمني الذي شهدته بوروندي 2016، إلا أن الدولة شهدت انتهاءً لفترة الحرب الأهلية، وعمليات الإبادة الجماعية، التي راح ضحيتها مئات الألاف من الشعب البوروندي لتعيش فترة من الاستقرار، وانتهاء هذه الحقبة المريرة، وذلك منذ التوقيع على اتفاق أروشا للسلام عام 2000م، وتولي الهوتو السلطة والحكم في البلاد منذ عام 2005م، ليبدأ عهد جديد في بوروندي انتهت معه الحرب، ولكنه شهد توترات، وأعمال عنف محدودة بين فصائل المعارضة والحكومة، خفت أحيانًا، وتأجج أحياناً أخرى، حتى تصاعد حدة هذا التوتر عام 2015م مع تولي الرئيس بيير نكورونزيزا، وهو من الهوتو، فترة رئاسية جديدة.

هذا العنف، والتصاعد في الأحداث على الصعيد السياسي والأمني، لم يكن حديثي عهد مع إعلان الانتخابات الرئاسية، التي قادها الرئيس، وحزبه الحاكم، وإنما كان متأصلاً، وكامناً منذ تولي الهوتو الحكم في البلاد عام 2005م، وسير مفاوضات السلام، التي تم إبرامها منذ عام 2000م، والتي استمرت حتى عام 2015، ويرجع هذا التوتر للعديد من القضايا، والمطالب، التي كان يطمح الشعب والمعارضة في تحقيقها، ولكن لم تنفذ سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو غيرها.

بداية لابد من طرح سؤال مفاده، إذا كانت فترة التسعينات حتى اتفاق أروشا للسلام عام 2000م انتهاءً بعام 2005م كانت السيطرة للتوتسي، وآل هذا الأمر إلى العديد من الحروب الأهلية الطاحنة بين الجانبين، فهل تغير الوضع بعد تولى الهوتو مقاليد السلطة منذ تولى نكورونزيزا الحكم عام 2005م حتى الوقت الحالي؟ وماهي المواقف الإقليمية والدولية تجاه الصراع في الدولة؟ وما هو تأثيره على دول الجوار، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة منه؟ وماهي تداعيات هذا الصراع على مصر والسودان والمتعلقة بمشكلة مياه النيل؟

هذا ما يحاول هذا الجزء أن يجيب عنه، من خلال عرض الأزمة وتبعاتها، والمواقف الاقليمية والدولية منها، وتداعياتها على الأوضاع في بورورندي، ودول شرق أفريقيا، وكذلك على الدول العربية شمال أفريقيا، ثم تداعياتها على تفشي الإرهاب في المنطقة، لنخلص بسيناريوهات محتملة للأزمة ثم نختم بتقديم رؤى مقترحة لتسوية النزاع في الدولة بما يعكس الاستقرار، والمشاركة السياسية وتعزيز التنمية للمواطن البوروندي.

المبحث الأول: أبعاد الأزمة سياسيًا وأمنيًا واقتصادياً

لم تكن الأزمة السياسية في بوروندي التي وقعت مؤخراً وليدة اللحظة بل كان لها أبعاد مختلفة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، والتي كان لها الدور الكبير في انفجار الكبت والغضب نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، والتي زادت حدتها مع تصعيد الأزمة مؤخراً نتيجة التغيرات السياسية الجديدة، والاتجاه نحو التعديلات الدستورية.

المطلب الأول: أبعاد الأزمة على الصعيد السياسي

منذ عام 2005م، وباسم الديمقراطية، ظلت وجود انتهاكات متعددة، وعدد لا يحصى من الفساد من قبل جميع القادة، فضلاً عن الاغتيالات، والعديد من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان من الحكومة الحالية بزعامة الرئيس نكورونزيزا، والمُغلَّفة بظواهر ديمقراطية، وأشكال سياسية، وإجراءات، وشكليات، ورموز متفق عليها في اتفاق أروشا، بينما أصبح السكان يعانون من نظام غير مسؤول، وإدارة سيئة موروثة من أنظمة اعتادت على هذه الممارسات في الحياة السياسية البوروندية 1 . فضلاً عن الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وأيضاً الاجتماعية سابقة الذكر، والتي كان لها الدور في تفجر الأزمة الأخيرة، ليصبح الوضع كما هو عليه حتى بعد تغير الجماعة العرقية، ليكون ذلك دليل على أن النظم الأفريقية هي تسلطية، ونفعية، وذات تبعية أيضًا في طبيعتها، وحكمها، وليس الأساس العرقي هو السبب الأوحد في تفجر الأزمات.

حيث كان التوتر، وأعمال العنف في الدولة منذ تولي الهوتو الحكم في البلاد برئاسة نكورونزيزا عام 2005م، بالرغم من انتهاء فترة الحرب الأهلية منذ اتفاق أروشا للسلام عام 2000م، ودخوله في التطبيق الفعلي منذ عام 2005م، سيد الموقف في البلاد، فضلاً عن أن المعارضة، خاصة المنتمية للتوتسي ظلت تواصل دورها التصعيدي في الدولة لعدم تلبية مطالبهم سواء في تقاسم السلطة، والمشاركة السياسية، أو على الصعيد الاقتصادي، من خلال تقاسم الثروة، ومن ثم ظلت عمليات التسوية مستمرة بين الأطراف المتصارعة حتى يومنا هذا.

أولاً: تسوية الأزمة سياسيًا

ظلت عمليات التسوية السياسية مستمرة بين الأطراف المتصارعة برعاية قوى إقليمية ودولية، وبالرغم من أن العديد من الاتفاقيات لم تؤثر على حدة الصراع، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في رضوخ الأطراف على طاولة الحوار، وأثَّرت في العملية السياسية، والأمنية من خلال وقف إطلاق النار، وتفعيل مبادرات التنمية مع المشاركة السياسية ولو بالقدر القليل.

ففي 22 أبريل 2005م، قررت القمة الـ24 للمبادرة الإقليمية، حول السلم في بوروندي، المنعقدة في عنتبي في أوغندا، تمديد الفترة الانتقالية للرئاسة إلى 26 أغسطس 2005م، موعد تأدية الرئيس المنتخب اليمين الدستورية، حيث تم تنظيم الانتخابات البلدية يوم 3 يونيو 2005 بالرغم من بعض الحوادث، التي وقعت في ست بلديات من ضمن 129 بلدية توجد في البلاد، وأحرز المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية CNDD / قوات الدفاع عن الديمقراطية FDD علي الأغلبية المطلقة بحصولها علي 67ر62% من الأصــوات، متبوعاً بالجبهة من أجـل الديمقراطيــة في بورونـدي (48ر20%)، وبعدها حزب الوحدة من أجل التقدم الوطني (25ر5%) 2 .

حيث انتهت اللجنة الانتخابية 9 يونيو، وتم نشر القوائم الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية، التي بدأت حملتها يوم 19 يونيو 2005م، في نفس التوقيت عرض حزب تحرير شعب هوتو/قوات التحرير الوطنية، وهي آخر حركة مسلحة لم تنضم إلى مسار المصالحة مشروع في مفاوضات جادة مع الحكومة الانتقالية لبوروندي، والعمل على وضع خطة سلام دائمة، حيث تم تقديم هذا العرض إلى قمة المبادرة الإقليمية في 22 أبريل 2005م، والتي سمحت للرئيس التنزاني ماكابا للتوسط بين الرئيس البوروندي في ذلك الوقت دوميتيان ندايزي ورئيس المعارضة من الهوتو واغاثون رواسا. وأثر هذا اللقاء الذي جرى بدار السلام في15 مايو 2005 م إعلان الطرفان عن وقف فوري للأعمال العدائية، وقررا إعداد فرق فنية تتكفل بتحديد آليات وقف دائم لإطلاق النار، وذلك في موعد لايتجاوز شهر 3 .

كما التزم الطرفان باستئناف المفاوضات في أقرب وقت دون إعاقة المسار الانتخابي الجاري، وفي 6 يونيو أوفدت بعثة من الخبراء للانضمام إلى خبراء الأمم المتحدة وأوغندا وتنزانيا، لمساعدة الأطراف على مواصلة مباحثاتها حول إقامة آلية لوقف إطلاق النار. وبالرغم من هذه المبادرات المتعددة إلا أن الأعمال العدائية، وإطلاق النار ظل مستمراً، الأمر الذي يدل على ضرب هذه الاتفاقيات عرض الحائط، ودليل أكثر على عدم وجود ضغوط فعالة من أجل سريان هذه الإتفاقيات، وهو الأمر الذي أدى إلى استمرارها أيضاً. هنا لم يكن بداً من وساطة دول الجوار في اتفاقيات وقف إطلاق النار، والتي ظلت مستمرة في محاولة لإنهاء الصراع الدائم إلا أنها كانت محاولات كللت جميعها بالفشل مع استمرار المفاوضات.

وهذا ما اتضح في عام 2006م، حيث تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة وحزب تحرير شعب الهوتو- قوات التحرير الوطنية في أيلول/سبتمبر، ولكن لم يتم تنفيذ الاتفاق، مع قيام بعثة الأمم المتحدة بمحاولة وقف إطلاق النار، ونزع السلاح، وإعادة الإدماج مرة أخرى 4 .

ثانياً: دور الاتفاقيات والوساطة الإقليمية في تسوية النزاع

في 2008 ظل برنامج العمل الذي أنشاته الأمم المتحدة لعملية التسوية السياسية في بوروندي أعماله في كيب تاون، والذي عمل على رجوع رواسا قائد حزب تحرير شعب الهوتو، وقوات التحرير الوطنية إلى بوجومبورا في أيار/مايو، حيث اجتمعت المعارضة في عاصمة جنوب أفريقيا للاتفاق على التسوية السياسية للصراع الدائر، وتم إعلان اتفاق نغوزي بين رواسا ونكورونزيزا رئيس البلاد لإكمال عملية السلام، التي قررت إكمالها قبل 31 ديسمبر 2008م. وفي عام 2009 تم الاتفاق على التسوية السلمية النهائية للنزاع الدائر بين المعارضة والسلطة، حيث اجتمع في اتفاق عقد في آذار/مارس 2009 بين رئيس بوروندي، قوات التحرير الوطنية، والإدارة السياسية ومجتمع المانحين، و”فريق عمل رفيع المستوى” يتألف من الميجور جنرال ديريك مغويبي من جنوب أفريقيا، الميجور جنرال إيفاريست نداييشيميي من حكومة بوروندي، والسيد جوناس نشيميريمانا من قوات التحرير الوطنية، حيث تم الاتفاق على التوزيع العادل للسلطات، ونزع أسلحة قوات التحرير الوطني، وإعلانها حزب سياسي، ورجوع الجيش إلى ثكناته.

وفي حزيران/يونيو، بدأ الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني الذي يرأس “المبادرة الإقليمية من” أجل بوروندي، والشراكة من أجل السلام في بوروندي، التوسط لتوطيد السلام في الدولة حتى كانون الأول/ديسمبر 2009، وفي أوائل آب/أغسطس من نفس العام، انسحب الجزء الأكبر من قوات الدفاع الوطنية في جنوب أفريقيا SANDF (South African National Defence Force ) من بوروندي، تاركين وراءهم فقط 300 جندي حتى الانتخابات المقررة لعام 2010 5 .

من ثم وصلت هذه الاتفاقيات منتهاها مع إعلان الانتخابات في البلاد كنوع من الاستقرار السياسي، والاتفاق على تسوية من شأنها تعزز مشاركة الحكومة والمعارضة في السلطة، من هنا اتضح أن النزاع هذه المرة لم يكن نزاعًا عرقيًا بقدر ماكان نزاعًا سياسيًا بين قوى السلطة والمعارضة خاصة داخل الجماعتين الإثنيتين (الهوتو والتوتسي)، ليبرز الصراع الذي اتخذ شكلاً مغايًرا لم يتغير معه حالة الدولة على الصعيد السياسي تحت حكم الهوتو، الذي كان يطمح يومًا أن يحصل على مشاركة سياسية، وتقاسم للسلطة منذ التسعينيات، لتتغير الموازين ويتحول إلى الحكم، والتوتسي إلى المعارضة، ولكن يظل الصراع قائمًا مع اتخاذه أبعادًا متعددة يشترك فيها قوى المعارضة من الهوتو ضد حكم نكورونزيزا .

هنا يتبادر سؤال مؤداه، أين ذهب النفوذ السياسي والاقتصادي للتوتسي الذين تولوا الحكم في بوروندي لمدة عقود من الزمان بعد سقوطهم، وتولي الهوتو الحكم في البلاد في فترة مابعد الألفية؟ وهل تغير الوضع بعد تولي الهوتو السلطة؟

ربما نجد أن القوة السياسية والاقتصادية مازالت لديهم (أي التوتسي)، وبالمثل كانت تمتلك المعارضة من الهوتو نفس القوة، وهو الذي جعلها تستمر في عملياتها الانقلابية، وتمردها، خاصة مع الدعم الإقليمي والدولي، ومن ثم عندما اعتلى الهوتو الحكم في البلاد تبدلت الأدوار، حيث أصبحت القوة الحاكمة في موقف المعارضة، والمعارضة في موقف القوة والنخبة الحاكمة، علمًا بأن من يمتلك النفوذ، والقوة الأكبر في السيطرة على الموارد هو من يصل إلى الحكم ليظل الصراع قائمًا بين أصحاب القوة والثروة أي كان من الجماعتين، ذوي القوة والثروة والدعم الإقليمي والدولي، وهو نفس الأمر الذي حدث في السابق حيث وقعت مجازر في بوروندي مرة تحت شعار «الأكثرية لشعب الهوتو» في 1965 وفق النموذج الرواندي، ومرة باسم «أمن التوتسي» في 1972 أثناء حملة لتصفية نخب الهوتو. ليظل باقي الشعب البوروندي سواء كان من الهوتو أو التوتسي ضحية أعمال العنف، وجرائم الحرب بين من يمتلك النفوذ، والقوة السياسية، والعسكرية من تلك الجماعتين.

ثالثاً: انتخابات الرئاسة لعام 2010م والاتجاه نحو الاستقرار

شملت انتخابات الرئاسة لعام 2010م التصويت لرئيس البلاد عن طريق الاقتراع العام المباشر، بينما في عام 2005 تم انتخاب الرئيس خلال جلسة مشتركة للجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، (وهو المخرج الذي اتخذه نكورونزيزا لتنصيب نفسه لولاية ثالثة)، حيث دخلت الساحة السياسية مختلف الأطراف الفاعلة الجديدة، بما في ذلك حركة (قوات التحرير الوطنية FNL ، ومن ثم كانت انتخابات عام 2010، وتنصيب نكورونزيزا دليلاً على اتجاه البلاد نحو الاستقرار السياسي، والأمني، مقارنة بفترات النزاع، حيث تم انتخاب ممثل الهوتو لفترة رئاسية ثانية، وحصل على 92% من الأصوات، فضلاً عن حصول حزب الرئيس على الأغلبية في كل من الانتخابات المحلية والبرلمانية أيضاً 6 .

حيث يوضح الجدول رقم (1) نسب المشاركين في الانتخابات المحلية لعام 2005م، و2010م، والتي أظهرت حصول المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية -قوات الدفاع عن الديمقراطية CNDD-FDD على المركز الأول في العامي 2005 ، 2010 بنسبة 2 , 55% ، و03 , 64 % على التوالي، يليه في المركز الثاني قوات التحرير الوطنية FNL ، ثاني أكبر حزب معارض، ثم حزب أبرونا UPRONA في المركز الثالث بنسب 1 , 8%، و 25 , 6 % على التوالي، ليفوز الرئيس نكورونزيزا بعد ذلك وهو ممثل الهوتو وحزبه بالانتخابات الرئاسية، ويتولى مقاليد السلطة في البلاد لفترة ثانية. بالتالي اتجهت البلاد إلى التحسن على الصعيد السياسي، والإداري، وتطبيق اتفاق إروشا للسلام، مع مواجهتها لتحديات حركات التمرد، وذلك مع إشراك حزب تحرير شعب الهوتو في العملية السياسية، ومن ثم كان هناك تحدي خطير في مواجهة المعارضة، على الصعيد الأخر كان هناك تحسن نسبي على مستوى التعليم والصحة.

جدول رقم (1) نتائج الانتخابات المحلية لعامي 2005م و2010م

Source: Jamila El Abdellaoui, Burundi: Overview of the 2010 elections and observations on the way forward, Institute for Security Studies (Washington: Institute for Security Studies, 14 October 2010), p.4.

يتضح أن فترات التسوية السلمية من عام 2005م إلى عام 2010م كانت تدور في إطار اتفاقيات دولية بمساعدة دول الجوار للتسوية السلمية للنزاع، الذي استمر بعد تولي الهوتو الحكم في البلاد، وهذا يعني أن تبديل الأدوار ما بين الهوتو والتوتسي لم تجني شيئًا نحو الاستقرار السياسي، والأمني، الذي استمر طوال هذه الفترات، والذي تمثل في استمرار العنف، والاقتتال، والذي اتضح أيضًا من خلال التسويات السياسية على مدار السنوات السابقة، التي كانت مُنصبَّه على عمليات وقف إطلاق النار بين المعارضة والحكومة، وهذا دليل على عدم الاستقرار السياسي، وعدم الاستقرار الأمني بالدرجة الأولى، لم يكن هذا فحسب، بل يوضح أيضاً عجز الحكومة عن احتواء وتطويق المعارضة المسلحة، مع عدم قدرتها على الاتجاه قدماً نحو تعزيز الديمقراطية، والإصلاحات الاقتصادية، وغيرها، ولكن هذا لم ينفي بعض الاصلاحات، التي أفرزتها هذه الاتفاقيات، وإن لم تكن مُفعَّلة بالشكل الكافي.

فعلى سبيل المثال قد أعقب هذه التسويات السياسية مزيد من الإصلاحات منها مشاركة المرأة في الحياة السياسية، حيث حصلت النساء في نظام الكوتا على نسبة 30% في مجلس المستشارين، ومجلس النواب، إلا أن نظام الكوتا لم يؤدي إلى سياسات تراعي النوع الاجتماعي، فلم تشارك المرأة في عمليات صنع القرار في السلطة التنفيذية، بالرغم من تمثيلها في السلطة التشريعية، أو عضوية اللجان البرلمانية الأكثر أهمية، ومن ثم كانت هذه السياسات بمثابة خيبة أمل لدور المرأة، التي تواجدت في الحياة السياسية باعتبارها صورة فقط 7 .

هذا يوضح أن الديمقراطية التي التزمت بها الحكومة كانت مُقننة، وغير مُفعَّلة بالشكل الذي يعزز المشاركة في الحكم، وصنع القرار في الدولة بين طوائف الشعب المختلفة بما يعزز الانتماء والولاء للدولة باعتبار أن كل فرد بها هو مسئول عنها، ومن ثم فهي ليست حكرًا على جماعة معينة دون أخرى.

رابعاً: دور النظام في توتر الوضع السياسي:

ساهمت ممارسات النظام، التي توصف بالتعسفية ضد قوات المعارضة في تأجيج الوضع السياسي، والأمني بالشكل الذي زاد من الحركات المسلحة ضد حكم نكورونزيزا، حيث أن الطرق القمعية التي لجأ إليها النظام لتعزيز سيطرته، ودحض ثوران المعارضة، أدت إلى تصعيد الأزمة، حيث قامت قوات الأمن بقتل أعضاء معارضين ينتمون إلى «قوات التحرير الوطنية» بصورة غير قانونية، واعتقالهم. وقتل نحو 40 شخصاً في مجزرة وقعت في غاتومبا في 18 سبتمبر/أيلول 2010. وظل في المنفى زعماء المعارضة الرئيسيون، ومن بينهم أغاثون رواسا من «قوات التحرير الوطنية»، وأليكسي سيندوهيجي، من «حركة التضامن والديمقراطية» 8.

هذه الممارسات القمعية التي اتخذها النظام البوروندي ضد المعارضة، وعدم احتوائها كانت عاملاً في تأجج الأوضاع السياسية في البلاد، وتزايد حراكها المسلح ضد النظام، والتي أثبتت هي الأخرى فشل الأولى في تبني استراتيجية سياسية فعالة في احتوائها، ومن ثم تزايد حراكها في البلاد خاصة مع تعاونها مع حركات المعارضة خارج البلاد؛ حيث أعلنت جماعتان مسلحتان جديدتان عن وجودهما في نهاية 2012م، وانضم العديد من الأعضاء السابقين في «قوات التحرير الوطنية» إلى باقي المعارضة المسلحة داخل بوروندي، وقد زاد الوضع حدة مع فقد البورونديون الثقة في القضاء التقليدي، فكثيراً ما لجأوا إلى «عدالة الرعاع»، وهو ماتشابه مع الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة، حيث ظل نظام العدالة مسيَّسًا، ويفتقر إلى الموارد.

كما أظهرت سلسلة من الاعتقالات، والاستدعاءات للمحامين، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان بدوافع سياسية، وازدياد عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء مدى محدودية استقلال القضاء، حيث وثقت الأمم المتحدة 57 عملية قتل غير قانوني على أيدي قوات الأمن، و42 عملية قتل أخرى، يعتقد بأنها ذات دوافع سياسية، حيث ظلت هويات الجناة غير واضحة. أما الحالات التي تورط فيها عملاء أمن الدولة، فقد شملت أفراداً سابقين، وحاليين في «قوات التحرير الوطنية» وغيرها من أحزاب المعارضة 9 .

حيث استمرت الحكومة في إنكار ضلوع عملاء الدولة في عمليات القتل غير المشروع. كما استمرت السلطات في وضع قيود على التجمع السلمي لمنظمات المجتمع المدني، بالرغم من الخطوات الإيجابية، التي اتُخذت من أجل إعادة العمل بالصفة القانونية « لمنتدى تعزيز المجتمع المدني»، وذلك في 28 يناير/كانون الثاني 2012 10 .

بالتالي كان المشهد السياسي ضبابيًا إلى حد كبير مع فوز نكورونزيزا في انتخابات 2010م، نتيجة العوامل سابقة الذكر على الصعيد السياسي، مع تباين المواقف ما بين مؤيد ومعارض لهذه الانتخابات، من ثم اتجه الموقف السياسي نحو التصعيد على النحو التالي 11:

– ضعف عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات، التي تلت المجالس المحلية.

– اتهام الحكومة لقادة المعارضة بالسعي على قلب النظام.

– مغادرة بعض قادة المعارضة البلاد، وخاصة رئيس حزب جبهة التحرير الوطنية أغاثون رواسا، والذي يعتقد أنه اختبئ في الغابات شرقي الكونغو الديمقراطية.

– تذبذب موقف حزب أوبرونا بين الاعتراف بنتائج الانتخابات، وبين رفضها.

من ثم أعطت هذه المواقف فرصة كبيرة لحصول نكورونزيزا على الأغلبية، وفوزه بالسلطة، وهذا بدوره دليلاً على الاحتقان الداخلي، وتزايد تصعيد المعارضة، والتوتر السياسي، خاصة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش، والذي وجه البلاد إلى أزمات متعددة عانى منها الشعب كثيراً، وتزايدت على أثارها حدة التوترات بين السلطة والمعارضة. خاصة مع تزايد عدم الاستقرار الأمني في البلاد، وتزايد الفساد بشكل مفرط، الأمر الذي قوى من موقف المعارضة ضد الحكومة، خاصة مع رفض الدول المانحة تقديم أي مساعدة مالية لبوروندي ما لم تتخذ خطوات جدية لمحاربة عناصر الفساد داخل الحكومة، وخارجها.

فمن المتعارف عليه أن 50% من ميزانية بوروندي العامة تأتى من الدول المانحة، فضلاً عن الفساد المالي، وكثرة سماسرة الحكومة ممن يعملون لصالحهم، خاصة مع صمت الحكومة وسكوتها عن تقديم أي إجراءات عقابية حول هذه القضايا، مع زاد من موقف المعارضة، والشحن الداخلي للشعب مع تصريح بعض قيادات من الحكومة نفسها بعمليات فساد.

كما أفادت تقارير بأن ما سعى إليه “نكورونزيزا” وحزبه الحاكم في مد فترة ولايتيه السابقتين هو القبض على جميع مفاصل السلطة بكل قوة، ولو كان ذلك يحتاج إلى استخدام العنف. كما أن مجموعة صغيرة من كبار ضباط الجيش، وموظفي القطاعات الحكومية احتكروا موارد الدولة لصالحهم، ناهيك من الرشاوى التي تقبلها الشرطة، وغيرها من الهيئات الإدارية. فضلاً عن عمليات الفساد، والقتل الممنهج 12 .

بالتالي كانت هذه السياسات دليلاً كافياً على تزايد الشحن الداخلي، مع استمرار نفس الممارسات التي تميز بها حكم التوتسي في التسعينيات على كافة الأصعدة بعد تولي الهوتو الحكم في البلاد. فبالرغم من أن هذا الوضع السياسي عزز من استمرار السلطة الحاكمة، إلا أنه أعطى دورًا مماثلاً للمعارضة يتميز بالقوة والنفوذ من خلال اعتبارها طرف هام في المفاوضات، وأحد قطبي الدولة، ومن ثم فإن إرضاءها، وتحقيق أهدافها يعتبر أحد عوامل الاستقرار في الدولة، وهذا الوضع ربما كان خافتًا أو ضئيلاً في فترة التسعينيات وما قبلها لتعاظم قوة ونفوذ السلطة الحاكمة واتساع نطاق الحرب الأهلية، التي كانت تنهي أي طرق سلمية من خلال عمليات الابادة الجماعية. وهذا لا ينفي ما تقوم به بعض النظم الأفريقية من انتهاك حقوق الانسان من خلال عمليات القتل الممنهجة، والاعتقال، والتعذيب لأطراف بعينها كأحد البدائل عن الحرب الأهلية، أو عمليات الإبادة الجماعية. إلا أن المرحلة الحالية تميزت بظواهر ديمقراطية نسبية تمثلت في عمليات التسوية السلمية، والتي بدأت تفعيلها منذ اتفاق أروشا للسلام، الذي أنهى مراحل الإبادة الجماعية، التي كانت تقدر بالآلاف.

المطلب الثاني: أبعاد الأزمة على الصعيد الأمني:

بالرغم من أن الدولة وصلت إلى حالة التحسن في الاستقرار الأمني منذ عام 2004م، إلا أنه استقرار نسبي، حيث ظل التأخر حتى عام 2008م في التنفيذ الفعلي لوقف إطلاق النار، الموقع عام 2006م، وبنود اتفاقية أروشا للسلام عام 2000م بين المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية CNDD ، وقوات الدفاع عن الديمقراطية FDD وهم من الهوتو، وقوات المعارضة من التوتسي، وبالتالي تزايدت أعمال اللصوصية، والصراعات على الأراضي، فضلاً عن انتهاك حقوق الإنسان، وتزايد أعمال العنف ضد المرأة، وجميعها ممارسات تؤدي إلى تراجع الاستقرار الأمني، وزيادة حدة التوترات في الدولة على الصعيد السياسي، والاقتصادي، مع تزايد الشعور بالكراهية بين النسيج الاجتماعي الواحد في الدولة 13 .

بالرغم من أن تلك الممارسات قد تزايدت حدتها إلا أن النظام لم يستطع تداركها، بل كان طرفاً في النزاع الدائر، كما وقف المجتمع الدولي موقف المتفرج أمام تلك الانتهاكات، فبالرغم من أن منطقة البحيرات العظمى من أكبر المناطق، التي تعتبر مناجم للثروات لدى القوى الكبرى، إلا أن بوروندي على الأخص لم تحظى بالثروات الهائلة، التي تمكن القوى الكبرى من التأثير في مجريات الأمور على الصعيد السياسي، والتي اقتصر دورها على الإدانة لأحداث العنف، وعمليات الاقتتال. إلا أن الوضع لا ينفي دور الولايات المتحدة، ومنافستها للدور الفرنسي في مناطق نفوذه.

هنا نجد أن الوضع السياسي يضعنا أمام عدة اعتبارات هامة تميز بها نظام الحكم في الدولة كباقي الدول الافريقية، والتي كانت سببًا في شيوع ظاهرة الصراعات، وعدم الاستقرار السياسي في المجتمعات الأفريقية بشكل عام، وذلك على النحو التالي 14 :

• الاتجاه نحو تأسيس نمط من الحكم الشخصي، يعطي أهمية كبرى لدور شخص الحاكم في النظام السياسي.

‏• عدم الاعتراف بالمعارضة السياسية المنظمة، واعتبارها مسألة لا تلائم الواقع الأفريقي.

‏• ضعف المؤسسات التشريعية، والقضائية، وعدم قيامها بالوظائف المنوطة بها دستوريًا، بحيث أنها أصبحت أداة طبيعية يستخدمها النظام الحاكم للحصول على الدعم، والتأييد السياسي. وهذا ما تم تطبيقه في نمط العدالة في بوروندي، والتي ضاق المواطن البوروندي منها ذرعًا، حيث انتهت بتأييد شرعية التعديلات الدستورية، وترشح الرئيس لولاية ثالثة.

‏• اللجوء إلى استخدام سياسات القمع، والعنف، لتحقيق أهداف النظام السياسي بدلاً من الاعتماد على سياسات الإقناع، والرضا الشعبي، وتحقيق نوعاً من الاندماج الوظيفي، الذي يرتضيه طوائف الشعب المختلفة.

‏• الربط بين المنصب السياسي العام، وتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع، وهي الظاهرة التي أطلق عليها (جان فرنسوا بيار) سياسة ملء البطون. هذه الظاهرة تميزت بها معظم الأنظمة الأفريقية التي استطاعت أن تسيطر على السلطة مقترنة بالثروة، ما أدى إلى انتشار الفساد والمحسوبية، وهو النمط الذي أعقبه حروب أهلية مستمرة تميزت بها معظم دول القارة.

‏• غياب التقاليد، والأسس الواضحة، التي تحكم عملية الخلافة السياسية، وهو الأمر الذي أدى إلى تبني الوسائل غير السلمية مثل: الانقلاب، والاغتيال، والحرب الأهلية في عملية نقل السلطة. وهذا ما حدث في بوروندي من خلال استخدام كافة الوسائل سابقة الذكر كطريقة معتادة للسيطرة على السلطة، كان أخرها عملية الانقلاب الفاشل، التي قام بها رئيس المخابرات البوروندي غودوفروا نيومباري.

• تبني صيغ المنهج الفوقي في التغيير السياسي، وعادة ما كان ذلك يتم من خلال عمل انقلابي، أو الوصول إلى السلطة عن طريق حركة تحرير مسلحة، أو فرض قناعات أيديولوجية من جانب شخص الحاكم.

من ثم كانت الأوضاع الأمنية التي تميزت بالتدهور كانت أحد أهم العوامل والأبعاد التي أدت إلى تفجر الأزمة السياسية في البلاد، فافتقار الدولة للاستقرار الأمني قد ألقى بتبعاته على الوضع الاقتصادي، والسياسي، وكذلك الاجتماعي، مع تزايد حراك المعارضة.

المطلب الثالث: أبعاد الأزمة على الصعيد الاقتصادي

لم يكن الاقتصاد البوروندي أفضل حالاً من الأزمات السياسية، والأمنية، فالأولى قد أثرت تأثيراً سلبيًا على الأخيرة، ومن ثم أصبحت أحد أهم عوامل الانفجار الداخلي للأزمة، التي عصفت بالبلاد، فسوء الإدارة الاقتصادية، وتعاظم الدين العام، وازدياد الفقر كان أحد الأسباب وراء عدم موافقة المعارضة على تولي نكورونزيزا الحكم مرة أخرى.

فبالرغم من بعض الإصلاحات التي تمت على الصعيد السياسي منذ عام 2005، إلا أن حرب الابادة الجماعة في التسعينيات، التي أدت إلى قتل 300 ألف شخص، مع تشريد، وفرار قرابة 850 ألف، قد ألقت بظلالها السيئة، بل والمدمرة على الحياة السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية، حتى بعد تولي الهوتو الحكم، وتخلصهم من معاناتهم الكبيرة جراء حكم التوتسي، فقد ظلت أوضاع البلاد السيئة، ومعاناة المواطن البوروندي أي كان انتمائه (سواء هوتو أو توتسي أو الأقليات الأخرى) هي التي فرضت نفسها على الوضع الاقتصادي، ومعيشة المواطن15 .

فقد شهدت بوروندي منذ عام 2000م معدلات بطيئة في النمو الاقتصادي، حيث وصلت إلى معدل نمو متوسط بلغ 3 في المائة، ثم ارتفع المعدل إلى 3.9 في المائة في عام 2010، وهي تقدر بنسبة 4.2 في المائة في عام 2011. ويرجع ذلك للنمو السكاني المرتفع، حيث تطلب معدل نمو نسبته 8 في المائة خلال السنوات الأربع من 2011 إلى 2015. وفي كانون الثاني/يناير 2009، حاولت الدولة التوصل إلى حلول تخفيف عبء الديون الخارجية الجديدة المثقلة من خلال بعض المبادرات، وبالرغم من الإصلاحات الضريبية، وزيادة الصادرات بين 2009م و 2011م، إلا أن خدمة الدين تدهورت من نسبة 1.7% إلى 6.9%، بسبب ضائقة الديون التي ما زالت مرتفعة بسبب التجارة الهيكلية بالرغم من اعتماد صندوق النقد الدولي سياسة مالية، ونقدية حكيمة اعتمدت على التمويل الخارجي فقط في شكل منح، أو قروض ميسرة 16 .

ناهيك عن الحالة الصحية للمجتمع، فبالرغم من التدابير الرامية لتيسير الحصول على الرعاية الصحية للنساء والأطفال، إلا أنه مازالت معدلات وفيات الأطفال والأمهات مرتفعة، فضلاً عن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والسل، والملاريا، خاصة بين أوساط الشباب والبالغين ، وهو الأمر الذي ينذر بمزيد من التدهور في الوضع المعيشي، والاجتماعي، والصحي، خاصة مع تزايد حدة العنف في الدولة، وانتشار الأعمال الإجرامية 17 .

وتوضح الجداول التالية (2، 3، 4) معدل الناتج المحلى الإجمالي GDP Growth ، ونسب التضخم Inflation ، والسياسات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي Fiscal Balance of GDP ، من عام 2003 إلى عام 2010 (النسبة بالمائة %)، والتي توضح انخفاض عام في تلك النسب، فمنذ عام 2000 وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% ولم يرتفع كثيراً حيث وصل إلى 3.9% عام 2010م، في حين أن معدلات التضخم بالرغم من أنها وصلت لمستوى منخفض بنسبة 9.5% عام 2010، ألا أنها ارتفعت إلى 14% عام 2011م والتي نجمت عن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، والنفط في السوق العالمية. مما عكس أثاره السيئة على الشعب البوروندي، ونفس الأمر بالنسبة للتدهور في السياسات الضريبية 18.

الجدول رقم (2) معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي %

Source: African Development Bank, African Development Bank Fund, BURUNDI, Country strategy paper (Bujumbura, African Development Bank Fund, October 2011), P.3.

الجدول رقم (3) مؤشر الأسعار الاستهلاكية، التضخم %

Source: African Development Bank, African Development Bank Fund, BURUNDI, Country strategy paper (Bujumbura, African Development Bank Fund, October 2011), P.3.

الجدول رقم (4) السياسات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي %

Source: African Development Bank, African Development Bank Fund, BURUNDI, Country strategy paper (Bujumbura, African Development Bank Fund, October 2011), P.4.

أما في إطار تأزم الوضع السياسي للدولة سعت الحكومة إلى وضع العديد من الاستراتيجيات للحد من الفقر، وتعزيز المشاركة السياسة، وتمكين المرأة، والقضاء على التمييز ضدهن، ووضع استراتيجيات لتنمية القطاع الزراعي من خلال تعزيز الأمن الغذائي، والإدارة المستدامة للأراضي، والموارد الطبيعية، وتشجيع الزراعة التجارية، وتقديم الدعم للتخطيط، والإرشاد، والبحوث، وذلك من الفترة 2007م إلى 2010م، ففي عام 2006م وافقت الحكومة على إعادة إحياء النشاط الزراعي على المدى القصير، وتخصيص حوالي 10% من الميزانية الوطنية للقطاع الزراعي، وذلك في إطار مبادرة النيباد، إلا أن هذه الحصة لم تتجاوز 4 , 1% ، وهي نسبة لاتغطي القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه معظم السكان 19 .

فـبين 1993 و2003، انخفض الناتج الاجمالي المحلّي للفرد بأكثر من 45 %، مسجلاً تراجعًا من 200 إلى 109 دولار. وفي 2014، بلغ المؤشر نفسه 330 دولار، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، أي 4 مرات أقل من المتوسّط بالنسبة لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، المقدّر بألف و400 دولار للساكن الواحد 20 ؛ وقد أوضح التقرير السنوي لعام 2012 أن نسبة السكان الذين يعيشون في فقر في بوروندي وصلت 3. 81 في المائة ، إلا أنه مع السعي للتنمية جري نشر التقنيات الجديدة من خلال مدارس المزارعين الحقلية، وتبادل الزيارات بين المزارعين، حيث قام 000 18 مزارع بتطبيق ممارسة تكثيف زراعة الأرز منذ عام 2009 حتى عام 2011 م 21 .

أما في التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2013م، حول مؤشر التنمية البشرية المستدامة، والذي جاء فيه أنّ “بوروندي تحتل المرتبة 180 من جملة 187 دولة خضعوا لقياس هذا المؤشر، حيث يرزح حوالي 68 % من سكان البلاد تحت خط الفقر، والمحدّد بـ 0.33 دولار في اليوم الواحد”، مضيفاً أنّ “القدرة الشرائية للسكان أصبحت أضعف مما كانت عليه منذ 20 عامًا، باعتبار النمو الديمغرافي”، والتوزيع غير العادل للموارد المحلية، والمحسوبية الطاغية على تدابير الحصول على عمل، وخصوصًا فيما يتعلّق بالمناصب الاستراتيجية، بارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب الذين يشكّلون أكثر من 60% من إجمالي السكان، مما يؤثّر سلبًا على الاستثمار الأجنبي المباشر 22 .

حيث صرح وزير المالية البوروندي السابق، شارل نيهانغازا، إنّ “الاستثمار الأجنبي المباشر كان يقدّر بـ 7 مليون دولار في 2013، مقابل 111 مليون دولار في رواندا، وحوالي 2 مليار دولار في تنزانيا، وأضاف أنّ “بوروندي لا يسعها التقدّم إلا في هذا المجال، خصوصًا وأنّ حجم الصادرات المتكونة أساسًا من المنتجات الزراعية، تشكّل سنويًا، منذ 2008، ما لا يقلّ عن 10 % من الناتج الاجمالي المحلي للبلاد، وهي واحدة من أدنى المعدّلات في العالم”. مع البطالة التي تحيط بالشباب الذين يمثلون 60% من تعداد السكان 23 .

بالتالي فإن تزايد نسبة الفقر في الدولة، وعدم قدرتها على تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، أصبحت تلجأ إلى الواردات التجارية، والمعونة الغذائية، مع انخفاض مساحة الأراضي الزراعية، وإزالة الغابات بصورة مكثفة، واستنزاف التربة، وتدني المحاصيل، ما أدى إلى تراجع مستوى نصيب الفرد من الانتاج من 610 كيلو جرامات في الفترة 1988- 1993 إلى 470 كيلو جرام عام 2007، وذلك في مقابل زيادة معدل النمو السكاني. مع تراجع الثروة الحيوانية نتيجة تأثرها بالأزمات السابقة، حيث إن 50% من الأسر هم فقط من يملكون الحيوانات 24 .

فبالرغم من توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في بوروندي بنسبة 4.7% عام 2014، و 4.8% في العام 2015، مقابل 4.5% في عام 2013، نتيجة قوة النشاط الزراعي والإنشاء، بما في ذلك تنفيذ المشاريع الكهرومائية الكبيرة، بفضل انتعاش الصادرات، إلا أن مؤشر التنمية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي قد عكس ذلك، موضحًا أن الفرنك البوروندي انخفض بنسبة 22 % بشكل تراكمي مقابل الدولار منذ عام 2011م، ولكنه ظل مستقرًا على نطاق واسع منذ عام 2013م 25 .

كما ارتفع سعر الصرف الفعلي الحقيقي بنحو 8 % في الربع الأول من 2014م مقارنة بنفس الفترة من عام 2013م. إلا إن زيادة مرونة سعر الصرف ساعدت الاقتصاد على التكيف مع الصدمات الخارجية، ولكن مع تفجر الأزمة السياسية الأخيرة قد زاد الوضع سوءاً مما كان عليه، ووصل الاقتصاد إلى حد الركود.

مما سبق يتضح أن تراجع العامل الاقتصادي، بل وانهياره، كان لها التأثير المدمر على الأوضاع المعيشية في البلاد، والتي انعكست أثارها السلبية على المواطن البوروندي، ليصبح أحد أهم العوامل في تفجر الأزمة السياسية في البلاد، فإحساس المواطن بالتهميش، والتردي المعيشي، وعدم تلبية ولو الحد الأدنى من متطلباته الأساسية، مع غياب العدالة في التوزيع، وسوء الإدارة، كانت أحد العوامل في عدم الاستقرار السياسي، والأمني في البلاد،، خاصة مع تراجع نسب الصادرات في الدولة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، مع ارتفاع نسب التضخم، ما أدي إلي انخفاض الدخل القومي، ودخول الملايين من شعب الدولة تحت خط الفقر.

هنا نجد أن الأزمة في بوروندي لم تكن حديثة عهد، أو قائمة فقط على صراع سلطة بين النخب السياسية بقدر ما كان لها أبعاداً متعددة تمثلت في الأوضاع السياسية، والأمنية، والاقتصادية المتدهورة في البلاد، والتي أدت الأزمة الأخيرة إلى تصعيدها، والرغبة في إزاحة الرئيس الحالي نكورونزيزا عن الحكم، خاصة بعد فشل العديد من الاستراتيجيات، التي اتخذتها الحكومة في التنمية، وعدم احتواء المعارضة بالشكل الذي يمنح الأطراف المتصارعة نصيباً من تقاسم الثروة والسلطة، وهذا اتضح على كافة الطوائف البوروندية سواء من الهوتو أو التوتسي أو حتى قبيلىة التوا، فجميعها نالت حظها من التهميش، والفقر، ومن ثم كانت الأزمة الأخيرة هي أزمة سياسية، ولكن لها أبعاد اقتصادية وأمنية واجتماعية وغيرها، والتي شملت المجتمع البوروندي كافة.

المبحث الثاني: أزمة التعديلات الدستورية وتصاعد الاحتجاجات

يرصد هذا المبحث أسباب اشتعال الأزمة في بوروندي، والتعديلات الدستورية، والمواقف الإقليمية والدولية تجاهها.

أولاً. اشتعال الأزمة مع ترشح نكورونزيزا لفترة رئاسية ثالثة:

بالرغم من تحسن الوضع الأمني، والاستقرار نسبياً في 2005م، و2010م، فإن الأوضاع في البلاد تميزت بالتراجع على كافة الأصعدة منذ خمسة أعوام، والتي تميزت بإدارة اقتصادية فاشلة، وفساد، وبؤس في المدن، والأرياف يتناقض مع ثراء الأقلية، وصولاً إلى حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والاغتيالات الغامضة، والدعاية المتطرفة لدائرة من المقربين من السلطة، والتي أعادت إنتاج ذات الشعارات العنصرية القديمة 26.

وسط هذا المناخ المسمم ترفض السلطة الحوار حول البدائل السياسية منذ نهاية 2014، مع عدم القدرة على إسقاط شرعية نكرورنزيزا حتى بعد الانتفاضة الأخيرة، وتوتر الأوضاع إلى حد وصف بالأزمة، التي تعاني بوروندي من تباعاتها الأن.

فقد ظل الوضع السياسي مستقرًا نسبيًا، مع استمرار الاتفاقيات المبرمة لوقف إطلاق النار بين الفصائل المعارضة، والتوازن بين الأحزاب، والعرقيات المختلفة في المشاركة السياسية، خاصة من خلال إطلاق مبادرات مدنية، شبه ديمقراطية من خلال برلمان 2005م، لكن ظل التوتر قائم بين طرفي الصراع ووصل مداه، منذ 25 إبريل 2014م (أي قبل موعد انتهاء مدته الرئاسية في أغسطس من نفس العام)، بعد عزم الرئيس البوروندي «بيير نكورونزيزا» والمهيمن الفعلي على فصائل المتمردين السابقين، (المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية CNDD ) ورئيساً للبلاد لمرتين، على عزمه الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وإلغاء القيود على الدستور بشأن فترات الرئاسة، باعتبار أن هذه هي الدورة الثانية له بموجب المادة 96 من الدستور، والتي تنص على الانتخاب المباشر للرئيس، مع رفض السلطة الحوار حول البدائل السياسية منذ نهاية 2014م.

الأمر الذي أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق في الدولة من قبل الشعب، والمعارضة، والمجتمع المدني، والكنيسة الكاثوليكية، وحتى من قبل بعض مؤيديه على هذا القرار، وهنا تصاعدت حدة التوترات في الدولة، حيث اشتعلت التظاهرات في العاصمة بوجمبورا، ووصلت إلى عنف مسلح، خاصة بعدما قام رئيس جهاز المخابرات غودفروا نيومباري من الهوتو بمحاولة انقلاب فاشلة للسيطرة على الحكم، والذي أكد أن العديد من قادة الجيش والشرطة يدعمونه، لإزاحة نكورونزيزا عن السلطة، حيث كان الأخير في تنزانيا يشارك في قمة لـمجموعة دول شرق أفريقيا، لبحث الأزمة في الدولة. بالتالي وصلت الأوضاع إلى درجة التمرد العسكري على النظام، وذلك في 13مايو2015م، والسيطرة على المراكز الحساسة داخل العاصمة لعدة أيام، خاصة مع اشتعال أطراف المعارضة ضد الرئيس.

على الجانب الأخر ازدادت عمليات القتل، والقمع من قبل القوات المؤيدة للرئيس، خاصة بعد نجاح قوات الأمن في إسقاط الانقلاب بعد يومين من قيامه، واعتقال نيومباري، وغيره ممن قادوا الانقلاب الفاشل، حيث قتلت قوت الأمن 12 جنديًا ممن أيدوا هذا الانقلاب، وذلك في الاشتباكات العنيفة، التي دارت بين القوات الموالية للرئيس وقوات المعارضة من الجيش، وذلك في 14 مايو 2015م، عندما حاولوا السيطرة على مبنى الإذاعة الرسمية في الدولة 27.

ما أدى إلى اندلاع أعمال العنف في البلاد، خاصة بعد العثور على جثة نجل ناشط حقوقي مقتولاً في أحدث سلسلة من جرائم القتل المرتبطة بالأزمة، مع التهديد من قبل الحكومة بمذابح رواندا أو بوروندى السابقة، حيث استمرت هذه الاحتجاجات على مدى ستة أيام في العاصمة بوجمبورا، والتي وصفها الرئيس بأنها “تمرد” إزاء الرفض العام لانتخابه في يوليو 2015م، حيث زادت أعمال العنف، وقُتل 200 شخصًا على الأقل، وفرَّ حوالي 200 ألف خارج البلاد، وتم اعتقال ما بين 800 إلى 1000 شخص 28 . لذلك وصل الأمر إلى حد الأزمة بين المعارضة والحكومة. إلا أن الحكومة استطاعت أن تحتوي هذه التظاهرات من خلال المواجهة المسلحة، وتطويق المعارضة، وذلك من خلال عمليات القتل المتعددة، حيث استطاعت قوات الجيش التابعة للنظام أن تقضي على التمرد المسلح نتيجة المواجهة غير المتكافئة.

ما أدى إلى انخفاض عدد المحتجين في الشوارع، وتراجع حدة الاشتباكات مع الشرطة، نتيجة تزايد عمليات القمع، وهو ما أكدته جماعات مدنية حقوقية، حيث قالت إن ستة أشخاص على الأقل قُتِلوا في الاحتجاجات، وأُصيب العشرات، مع توعد العديد من الجماعات استئناف التظاهرات، وأعمال العنف، خاصة مع انتشار السلاح بين أفراد ميليشيا من الشباب المعارضة موالية لكل من الرئيس فروديبو”، وجاك بيجيريمانا ممثلاً عن “القوى الوطنية للتحرير”، وتحالف الديمقراطيين من أجل التغيير”، والذي قدم مرشحه سلفستر نتيبانتنجانيا، وأغاثون رواسا، وهو مرشح مستقل عن حزب “الأمل للبورونديين”، والذي يجمع “القوى الوطنية للتحرير” 29 .

يتضح أن النزاع الذي تشهده العاصمة البوروندية بوجومبورا هو في أساسه صراع على القوة السياسية، بين حليفين سابقين في حزب واحد (المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية الحاكم)، وينتميان إلى نفس القبيلة (الـ هوتو) هما: الرئيس بيير نكورونزيزا، ورئيس جهاز المخابرات السابق الجنرال غودفروا نيومباري”. أيضاً تهديد الرئيس بمذابح رواندا وبوروندي هو إعلان صريح من الرئيس للاستعداد للقيام بحرب أهلية فقط للسيطرة على السلطة، وقمع المعارضة، وهو نفس الاتجاه الذي اتخذته التوتسي خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، من ثم فإن التهاون في إصدار التصريحات المُهددة للشعب، والتغاضي عن تداعياتها من شأنها تعزز من استمرار العنف، والمواجهة المسلحة بين النظام والمعارضة، وهو الأمر الذي يلقي تبعاته ليس على الدولة فقط، وإنما على دول الجوار الإقليمي، التي تعاني من نفس التوترات السياسية.

إذن نجد أن عمليات الشد والجذب بين المعارضة والشعب من جانب، والسلطة من جانب أخر لم يكن سوى نمط غير جديد من صراع تميزت به الأنظمة السياسية في أفريقيا بشكل عام في تعاملها مع المحكومين لضمان بقائها في السلطة، فلم يكن النزاع هذه المرة على أساس عرقي كما كان في السابق، وإنما صراع قوى داخلية في الدولة، خاصة أن من قاد الانقلاب هو من الهوتو أيضًا، هنا تفجر الصراع، واتخذ أبعاد مختلفة دخل فيه الهوتو والتوتسي معًا ضد السلطة الحاكمة، ومن هذا التقسيم في المؤيدين والمعارضين نجد أن الأزمة في أساسها أزمة سياسية، وأزمة شرعية، ومن ثم يصبح الوضع أكثر اختلافاً عما كان في السابق باعتبار أنه ربما سيكون هناك تحالفًا بين بعض الجماعات من الهوتو وأخرى من التوتسي ضد حكم الرئيس، وهذا ما اتضح جليًا في تقسيم المؤيدين والمعارضين، لتكون الأزمة قائمة نتيجة استئثار قوى أو نخبة معينة من السلطة الحاكمة مع رأس النظام ضد المعارضة مختلفة الانتماء، وشعب أخر متعدد، ومن ثم يصبح الهدف الأساسي هو هدف سياسي أولاً خاصة بالنسبة للمعارضة، ثم هدف أمني واقتصادي ثانياً بالنسبة للشعب بكل انتماءاته.

هنا نجد أن الأزمة لم تكن في أساسها أزمة تعديلات دستورية بقدر ما بها من أبعاد متعددة سواء أكانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو أمنية، هذه الأبعاد مازالت تعاني منها الدولة حتى الأن، فلم تكن هناك خيارات استراتيجية للتخلص من الفقر، وتسوية الصراع السياسي الدائر في البلاد، وتفعيل الاستقرار الأمني، الأمر الذي أدى إلى تفجر الأزمة لعدم رغبة الشعب في استمرار نظام لم يطرح بدائل، واستراتيجيات للتخلص من الأزمات، التى يعاني منها الشعب، ليصبح وجوده أمراً غير مرغوب فيه من كافة طوائف المجتمع، لتعود الدائرة حول نمط حكم الهوتو كما كان التوتسي في السابق، وبالتالي فإن أي تعديل دستوري لتولى الرئيس فترة أخرى غير مرغوب فيه، حتى ولو كان صحيحاً، ليزيد الوضع حدة مع الإيمان من قبل المعارضة والشعب بأنه غير دستوري.

ثانيًا. تعديل الدستور وإجراء الانتخابات:

استطاع النظام أن يُطوق المعارضة، ويفرض سيطرته على التظاهرات، وذلك لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وانتهى الأمر بتحقيق رغبة الرئيس في تعديل المادة 301 من الدستور، التي تمنع إعادة ترشيح نفسه لولاية ثالثة لعام 2015م، وأصر على إجراء الانتخابات التشريعية في نهاية حزيران (يونيو) 2015م، حيث أجريت الانتخابات الرئاسية في يوم 21 يوليو/تموز 2015م، وسط مقاطعة كبيرة لها، وذلك بعد تأجيل لأكثر من شهر، وقبل انتهاء ولايته في 26 أغسطس من نفس العام، وبالفعل تم فوزه بولاية ثالثة، وأُعلن أنه حصل على 69% من الأصوات، كما فاز حزبه “المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية CNDD ” بـ77% من مقاعد البرلمان من أصل مئة في الانتخابات التشريعية، التي أجريت يوم 29 يونيو/حزيران 2015م، والذي يرى العديد من المحللين أنه يهيمن على المؤسستين التنفيذية، والتشريعية 30 .

حيث ضمت الانتخابات منافسي الرئيس نكورونزيزا، وهم أغاثون رواسا (هوتو) (قائد أحد أجنحة جبهة التحرير الوطنية التي لا تحظى باعتراف السلطات)، وألكسيس سيندوهيج (توتسي) رئيس حزب الحركة من أجل التضامن، وجون ميناني (هوتو) رئيس حزب الجبهة من أجل الديمقراطية ببوروندي (معارضة)، فضلاً عن الكنيسة الكاثوليكية، ومنظمات المجتمع المدني. في المقابل ضم الفريق المؤيد لترشحه وزير الداخلية إدوارد ندوويمانا (توتسي) وبورسبير بازومبانزا (توتسي) النائب الأول لرئيس الجمهورية، والمستشار الأول للرئاسة ويلي نياميتوي (هوتو)، ورئيس الحزب الرئاسي باسكال نيابيندا (هوتو)، فضلاً عن حزب أوبرونا ذي الأغلبية التوتسية، والذي يعد حليف الحزب الحاكم في إدارة البلاد منذ مشاركته في انتخابات 2005م سعياً للحفاظ على موقعه في السلطة حسب ما ينص عليه اتفاق أروشا للسلام، مع انحياز مؤسسة الشرطة بصورة كبيرة إلى الرئيس 31 .

هنا تصاعد حدة التوترات في الدولة، خاصة بعد التشكيك في نتائج الانتخابات من قبل أغاثون رواسا، الذي يقود تحالف “مستقلو الأمل”، وقائد أحد أجنحة جبهة التحرير الوطنية، والذي حصل على المرتبة الثانية بفارق كبير بينه وبين الرئيس، بحصوله على 99 , 18% من الأصوات، وبالتالي دعا إلى عدم الاعتراف بنتائج هذه الانتخابات الرئاسية، وإلى إعادة تنظيم انتخابات حرة، وديمقراطية شفافة، فيما قاطعت بقية أحزاب المعارضة ما وصفته بالمهزلة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 32 .

من ثم كان التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، وكذلك التشريعية هو أمرًا مفروغ منه بعد إعلان فورز الرئيس، لأن القيام بالتظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت الدولة كان دليلاً على رفض سعي الرئيس للترشح لفترة رئاسية جديدة، وبالتالي كان من المفترض أن تكون نسبة التصويت لديه قليلة جدًا، وهذا دليل على التشكيك في نتائج الانتخابات، ومدي نزاهتها، وشفافيتها. وهو أمراً غالباً ما تلجأ إليه الأنظمة الأفريقية لضمان بقائها في السلطة.

يرى العديد من المحليين أن الأزمة قائمة على صراع سياسي قوي على السلطة، وليس صراعاً عرقياً كما ذكرنا سابقاً، حيث يضع المحليين ممارسات الرئيس البوروندي في منافسة مع الممارسات الدموية لكل من الرئيس الرواندي « بول كاغيمي»، أو الأوغندي « يوري موسيفيني»، في المنطقة، الأمر الذي دعي الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والدول المجاورة للتدخل مبكراً من أجل حل سياسي قبل اندفاع رئيس بوروندي إلى حلبة الصراع العرقي، أو الطائفي مرة أخرى، خاصة مع تزايد أعمال القتل من قبل الحكومة 33 .

هذا يوضح مدى ضمان تأييد الرئيس من القوى الإقليمية والدولية، وكذلك مؤسسات الدولة، والممثلة في بعض قيادات الجيش، والحرس الجمهوري، ووزارة الداخلية، والقضاء، إذن هناك قوات متعددة ضمنت تأييد الرئيس، وأعطت له شرعية التعديل الدستوري، ومن ثم أعطت له الفرصة لاستخدام طرق ضمنت بقاءه في السلطة، ربما اختلفت مع أنظمة أخرى في السبل المتاحة للسيطرة على الحكم، إلا أنها اتفقت في نفس الأهداف، والمساعي.

أيضاً نجد أن رفض القوى والشعب التعديلات الدستورية، وشكهم في نتائج الانتخابات دليل على الوعي الأفريقي بمدى الفساد، الذي عانت منه تلك الشعوب مرارًا وتكرارًا، ودليلاً على محاولة الأخذ بالنمط الديمقراطي، الذي رغبت فيه الشعوب لتحقيق الوحدة، وتقاسم السلطة، والثروة، يليها تأثير الوعي والثورات العربية في دول الجوار، والتي كان لها الدور في تغيير العديد من الأنظمة الفاسدة، ودليل أيضًا على إرادة هذه الشعوب الأفريقية في تحقيق هذه النماذج، خاصة مع إتاحة فرصة للمعارضة للمشاركة في العملية السياسية، مما كان له الأثر في تغيير الوعي تجاه هذه الأنظمة المستبدة.

من ثم قد ألقت هذه الأزمة بظلالها السيئة على الأوضاع في الدولة، وأدت إلى تداعيات سلبية على كافة الأصعدة داخليًا وخارجيًا. كما تباينت المواقف الإقليمية والدولية تجاهها، وإن توافقت جميعها حول إدانة أعمال العنف، ولكنها اختلفت في ممارستها، ومواقفها الفعلية تجاه ترشح الرئيس نكورونزيزا لفترة ثالثة، وتصاعد أعمال العنف في البلاد. والتي انتهت ببقاء الوضع على ماهو عليه (34 ).


الهامش

1 OCAF, Burundi: A Political Crisis or a Crisis in Politics?, African arguments , August 5, 2011.

http://africanarguments.org/2011/08/05/burundi-a-political-crisis-or-a-crisis-in-politics /

2 الاتحاد الأفريقي، المجلس التنفيذي، تقرير رئيس المفوضية عن أوضاع النزاع في أفريقيا، الدورة العادية السابعة، سرت ، ليبيا ، 28 يونيو-2 يوليو 2005م، ص1-7.

3 الاتحاد الأفريقي، المجلس التنفيذي، مرجع سبق ذكره، ص4-7.

4 Henri Boshof , Waldemar Vrey and George Rautenbach ,The Burundi Peace Process .. From civil war to conditional peace (Institute of Security Studies, June 2010), p.p. iv – viii, 51.

5 Henri Boshof ,Op.cit , p.p. iv – viii, 51-53.

6 Jamila El Abdellaoui, Burundi: Overview of the 2010 elections and observations on the way forward, Institute for Security Studies (Washington: Institute for Security Studies, 14 October 2010), p.p 2-10.

7 كلير كاستليليو، تعزيز مواطنة النساء في سياق بناء الدول، مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي (فرايد FRIDE ) (مدريد: فرايد ، مارس 2010)، ص 9، 10.

8 منظمة العفو الدولية، تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2012م: حالة حقوق الإنسان في العالم، واشنطن ، 2012م، ص 118.

9 المرجع السابق، ص 118-120.

10 المرجع السابق، نفسه.

11 عمر نتزيمبريري، آفاق المسيرة السياسية في بوروندي، مركز الجزيرة للدراسات (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، الأربعاء 24 أغسطس 2011م)، ص 1-5.

12 عبد الحكيم نجم الدين، بوروندي والولاية الثالثة.. صراعات سياسية ومخاوف دولية، قراءات إفريقية، 22يناير 2016. الرابط

13 شؤن الهيئات الرئاسية، مرجع سبق ذكره، ص 4-7.

14 د. حمدي عبدالرحمن حسن، الصراعات العرقية والسياسات في أفريقيا ” الأسباب والأنماط وآفاق المستقبل “، مجلة قراءات إفريقية – العدد الأول -04-04- 2016م . الرابط

15 شؤن الهيئات الرئاسية، مرجع سبق ذكره، ص 4-7.

16 African Development Bank, African Development Bank Fund, BURUNDI, Country strategy paper (Bujumbura, African Development Bank Fund, October 2011), Pp. 1-10.

17 Idem.

18 Ibid, p,3,4

19 شؤن الهيئات الرئاسية، مرجع سبق ذكره، نفسه.

20 المصريون، البطالة والمحسوبية والفقر.. ثلاثية الإحباط الاقتصادي في بوروندي، المصريون، الإثنين, 11 مايو 2015. الرابط

21 الأمم المتحدة، إيفاد Ifad ، التقرير السنوي، تمكين السكان الريفيين الفقراء من التغلب على الفقر، 2012، ص14-16.

22 المصريون، البطالة والمحسوبية والفقر.. ثلاثية الإحباط الاقتصادي في بوروندي، مرجع سبق ذكره، نفسه.

23 المرجع السابق.

24 شؤن الهيئات الرئاسية، مرجع سبق ذكره، ص 4-7.

25 الأناضول، صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد بوروندي 4.7% ، بوابة أفريقيا الإخبارية، 24 سبتمبر 2014م. الرابط

26 جان بيار كريتيان، إعداد: حسام عيتاني، فرصة ضائعة جديدة في بوروندي، جريدة الحياة اللندنية، الأربعاء، ١٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٥. الرابط

27 رويترز، منظمو الاحتجاجات في بوروندي يدعون إلى وقف التظاهر ليومين، رويترز، 2 مايو 2015, الرابط

28 أسماء عبد الفتاح ، بوروندي.. الحكومة تهدد بإجراءات صارمة والعنف يتصاعد، موقع البديل، الثلاثاء، نوفمبر, 2015. الرابط

29 رويترز، منظمو الاحتجاجات في بوروندي يدعون إلى وقف التظاهر ليومين، مرجع سبق ذكره، نفسه.

قال باسيفيك نينينهاوزي رئيس جماعة (فوكود) إحدى 300 جماعة مدنية دعت إلى المظاهرات “قررنا وقف المظاهرات ليومين .. أولا لإتاحة الفرصة لمن فقدوا أفرادا من عائلاتهم في الاحتجاجات للحداد. وثانيًا .. نريد أن يستعيد المحتجون طاقتهم قبل استئناف المعركة يوم الاثنين”.

أنظر:

أش أ – الـتلغراف: «بوروند» سجل مرير من الصراع العرقي ولا تقارن بـ«رواندا»، صدى البلد، الجمعة 15.05.2015 – 11:44 م. http://www.el-balad.com/1534568

30 بدر حسن شافعي، بوروندي.. ماذا بعد الانتخابات؟، الجزيرة نت، 4/8/2015. الرابط

31 المرجع السابق، نفسه.

32 سيدي أعمر شيخنا، “الولاية الثالثة وتعديلات الدساتير الإفريقية.. جدل داخلي وتشجيع خارجي”، مركز الجزيرة للدراسات (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 13 ديسمبر/كانون الأول 2015)، ص6

33 حلمي شعراوي، الصراعات الأفريقية بين «السياسي» و«العرقي»، صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 24 نوفمبر 2015. الرابط

34 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى