fbpx
قلم وميدان

الطريق المسدود: تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي (6)

الجنرال السيسي ونهب أراضي الدولة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي

تمتلك الجيوش عادة مساحات واسعة من أراضي الدولة – أى دولة – لأغراض الدفاع عن الأمن القومي وحماية الحدود الجيوـ سياسية لها، وتتفاوت هذه المساحات من دولة إلى أخرى، وفقا لعدة اعتبارات منها حجم وطبيعة التهديدات واتجاهاتها، وكذا مصادر الخطر المختلفة، بالإضافة بالطبع إلى عوامل أخرى مثل حجم هذا الجيش من حيث عدده وتشكيلاته، وطبيعة تسليحه ومعداته، وكذلك حجم مساحة الدولة نفسها. وتحتاج الجيوش الكبيرة إلى مساحات أكبر، لأغراض مثل تنوع وتعدد مخازن الأسلحة، ومراكز التدريب، ومقرات القيادة والسيطرة، ومناطق تعسكر القوات، ومناطق المناورات والرماية، وغيرها من الأغراض.

وتبلغ مساحة مصر السياسية والجغرافية حوالى مليون كيلو متر مربع، أى ما يعادل تريليون متر مربع، وهى بلا شك مساحة هائلة، متنوعة التضاريس، وإن كان يغلب عليها الأراضي الصحراوية المنبسطة والمكشوفة. ومن الناحية النظرية والعملية – وليس الدستورية والقانونية – يمتلك الجيش المصرى واقعيا حوالى 75%  إلى 80% من أراضي مصر المترامية الأطراف، تحت ذريعة ”الأمن القومي” و ”احتياجات الدفاع عن البلاد”. ومنذ أن تولى الجنرال عبد الفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية فى يونيه عام 2014، بعد العام الانتقالي الذى تولى فيه المنصب المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا، بعد أحداث 30 يونيه عام 2013، قام الجنرال السيسي بإصدار مجموعة  كبيرة جدا من التشريعات والقوانين، بعد أن جمع فى يديه سلطتي التنفيذ والتشريع، فى غياب مجلس النواب، الذى نص عليه الدستور الجديد لمصر الصادر عام 2014.

وكان من أبرز قرارات وإجراءات الرئيس الجديد، ثلاثة أشياء:

الأول: إصدار قرارات بإنشاء عدد من الحسابات والصناديق الخاصة، بالمخالفة للمطالب الشعبية التي رافقت ثورة الشعب المصرى فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011، التي طالبت بتصفية هذه الظاهرة المالية الشاذة، والتي شكلت أحد ركائز دولة الفساد الممنهج والمقنن طوال الأربعة عقود السابقة، وكان من أبرز هذه الصناديق والحسابات الخاصة صندوق ”تحيا مصر”، الذى تجمع فيه عشرات المليارات من الجنيهات فى صورة تبرعات من الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتباريين، وبعض الرسوم والجبايات التي تجمع من المصريين فى صور شتى، وذلك خارج نطاق المالية العامة، وخارج نطاق الرقابة المالية والشعبية، سواء من حيث حجم الأموال التي جرى جمعها، أو أوجه التصرف فيها، بما يمثل استمرارا للسياسات الضارة والفاسدة التي ظلت السمة المميزة  للعقود الأربعة السابقة على ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حيث تركزت عشرات المليارات من الجنيهات ومن العملات الأجنبية الأخرى، لدى عدد كبير من الصناديق التابعة لبعض وزارات القوى فى النظام السياسي والإداري المصرى ( الدفاع – الداخلية – الخارجية –رئاسة الجمهورية – هيئة المجتمعات العمرانية – وزارة الإسكان – هيئة التنمية الزراعية.. إلخ ).

الثاني: إصدار قرارات ومراسيم بقوانين تجاوز عددها أربعمائة قرار بقانون، خلال الفترة الممتدة من يونيه 2014 حتى مارس 2016، التي جمع فيها بين سلطتي التنفيذ والتشريع وقبل انتخاب وانعقاد أولى اجتماعات المجلس النيابي الجديد فى مارس عام 2016. وقد شملت هذه القوانين كافة جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية، مثل قوانين الاستثمار، وقوانين الخدمة المدنية، وقوانين المناقصات والمزايدات  الذى جرت عليه ثماني تعديلات منذ إصداره عام 1989  بهدف تسهيل عمليات الإسناد بالأمر المباشر ( منها القوانين ( أرقام (5) لسنة 2005، و (148) لسنة 2006، و( 191) لسنة 2008 و (14) لسنة 2009)، ثم القرار الجمهوري بالقانون رقم ( 82) لسنة 2013، والقرار الجمهوري بالقانون رقم (48) لسنة 2014 )، وقانون التصالح مع رموز وقيادات نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وغيرها من القوانين. كما كان من بينها القرار  الجمهوري بقانون رقم (57) لسنة 2016، والصادر فى 8 فبراير، أى قبل انعقاد أولى جلسات مجلس النواب الجديد بأقل من شهر واحد.

الثالث: التركيز والتوسع فى الاستيلاء على أراضي الدولة، وتحويل جزء كبير من الأراضي المخصصة لأغراض الدفاع، إلى مشروعات استثمارية وعقارية، دون أن تستفيد منها الخزانة العامة للدولة، وضمها إلى شركات تشرف عليها وتديرها جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، أو شركات خاصة تابعة للجيش. وكان من اللافت للنظر، كثرة القرارات الجمهورية، والقرارات التنفيذية  المتعلقة باستخدامات هذه الأراضي، وخصوصا تلك التي كانت فى حوذة القوات المسلحة لأغراض الدفاع، ثم أخلتها الوحدات العسكرية، فانتفى عنها الغرض العسكري والأمني، وتحولت فجاءة إلى مجالات للاستثمار والربح لصالح المؤسسة العسكرية وجنرالاتها، بدلا من أن تكون مصدرا للثروة والقيمة المضافة للمجتمع وللخزانة العامة للدولة، تغطى جانبا كبيرا من احتياجات الشعب فى التعليم والصحة وغيرها من الحاجات الأساسية.

وقد أصبح من الصعب حصر عدد هذه القرارات التي أصدرها الجنرال السيسي منذ أن تولى الحكم بسبب كثرتها، طوال السنوات الستة الماضية من حكمه (يونيه 2014ـ يونيه 2020)، ولكننا نعرض بعضا منها على سبيل الاستئناس بها، والتعرف على اتجاهاتها من النفع العام إلى النفع الخاص:

1ـ فى عام 2014، صدر قانون معنى بتنظيم الأراضي التي يرفع الجيش يده عنها، فأستحدث بندا يسمح للمؤسسات الفرعية التابعة للجيش بتكوين شركات منفردة، أو بالشراكة مع القطاعين العام والخاص، وتحويل هذه الأراضي لمشروعات مملوكة للجيش.

 2ـ بتاريخ  8 فبراير عام 2016، أصدر الجنرال السيسي قرارا جمهوريا رقم (57) لسنة 2016 بتخصيص مساحة 166645 فدانا (ما يعادل 700 مليون متر مربع) لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وهيئة أراضي القوات المسلحة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لبناء العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد السكنى.

3ـ أصدر الجنرال السيسي قرارا جمهوريا بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلو متر على جانبي 21 طريقا جديدا  يتم إنشائها أو إصلاحها لصالح وزارة الدفاع.

4ـ بتاريخ 15/6/2016، أصدر الجنرال السيسي القرار الجمهوري رقم (272) بالموافقة على تخصيص قطعة أرض من أراضي الدولة مساحتها ( 1284638 متر مربع ) بالعين السخنة لصالح الجيش بمحافظة السويس.

5ـ بتاريخ 15/6/2016، أصدر الجنرال السيسي قرارا بالموافقة على إعادة تخصيص مساحة 3.17 كيلو متر مربع نقلا من أراضي مملوكة للقوات المسلحة وأراضي وزارة الإسكان والمرافق لصالح وزارة الدفاع.

 6ـ بتاريخ 15/6/2016، صدر القرار الجمهوري رقم (234) بإعادة تخصيص مساحة (244 فدانا) من أراضي الدولة بأول طريق القاهرة – الفيوم الصحراوي لاستخدامها كمعسكرات للأمن المركزي التابع لوزارة الداخلية.

 7ـ فى أغسطس 2016، صدر قرار جمهوري بتخصيص مساحة 107.55 فدانا (ما يعادل 451710 متر مربع)غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

 8ـ وفى عام 2016، منح السيسي ملك البحرين حمد آل خليفة قطعة أرض بمنطقة شرم الشيخ ومعاملته معاملة المصريين فى التملك.

 9ـ  بتاريخ 12/7/ 2016، أصدر الجنرال السيسي القرار الجمهوري رقم (313)، بتخصيص مساحة 6174.17 فدانا ( أى ما يعادل 25.9 مليون  متر مربع ) لصالح القوات المسلحة

10ـ بتاريخ   28 / 2 / 2017، صدر قرار جمهوري بتخصيص 14 ألف و596 فدانا غرب وصلة الضبعة (ما يعادل 61.3 مليون  متر مربع) لصالح القوات المسلحة.

11ـ بتاريخ 2/3/2017، صدر القرار الجمهوري رقم (85) لسنة 2017 بالموافقة على تخصيص 1351 فدانا ( ما يعادل 5.7 مليون متر مربع ) شرق النيل لصالح القوات المسلحة لمشروعات الاستصلاح السمكي.

12ـ ثم صدر القرار الجمهوري رقم (86) لسنة 2017 بتخصيص (1141254) فدانا من أراضي شرق العوينات لصالح القوات المسلحة.

13ـ بتاريخ 27/7/2017، صدر القرار الجمهوري بإعادة تخصيص 360 فدانا بمحافظة مرسى مطروح لصالح القوات المسلحة.

14- فى أغسطس عام 2017، أصدر السيسي قرار جمهوري بتخصيص ثلاث قطع أرض لأمير الكويت بمساحة 164 فدانا ومعاملته معاملة المصريين فى التملك.

15ـ وأصدر السيسي قرارا بتخصيص قطعتي أرض لمواطن سعودي يسمى (محمود محمد بن ناصر الصالح) بمحافظة الجيزة ومعاملته معاملة المصريين فى التملك.

16ـ وبتاريخ 13/9/2020، أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم (548)، حيث نص القرار الجمهوري فى مادته الأولى على (إزالة صفة النفع العام على مساحة 116.9 فدان (تعادل 491254 متر مربع الكائنة ناحية محافظة الإسكندرية)، وفى المادة الثانية نص على (تخصص قطعة الأرض المبينة فى المادة الأولى لصالح القوات المسلحة)، وفى المادة الثالثة نص على أن (يودع هذا القرار فى مكتب الشهر العقاري المختص بغير رسوم ويترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية).

بما يكشف عن مقدار الجشع والنهم الذى يتحلى به القائمون على إدارة موارد الدولة – وخصوصا الأراضي والعقارات – وهكذا وبجرة قلم وضع الجيش ورئيس الجمهورية الحالي يده  بهذا القرار على حوالى نصف مليون متر مربع، من أجل استخدامها فى أغراض خاصة واستثمارية لقيادات هذه المؤسسة ودون أن تستفيد الخزانة العامة للدولة جنيها واحدا..!!؟ وبرغم الهيمنة المطلقة لمؤسسة الجيش على معظم مناحي الحياة الاقتصادية فى البلاد بعد عام 2014، فإن الأداء السىء للقطاعات التي هيمنت عليها قيادات تلك المؤسسة قد دفع البعض إلى الصراخ علنا، وعلى مرأى من العالم، طالبين بتعديل هذا الوضع الشاذ. في كلمته أثناء افتتاح مصنع أسمنت بني سويف بتاريخ 15/8/2018 تطرق الجنرال عبد الفتاح السيسي للآليات القانونية المُنظمة لإجراءات تعاقد الدولة لتنفيذ المشروعات الجديدة، وتحدث عما أسماه الطريقة التقليدية لإدارة القطاع، وهاجمها كثيرا، ودعا إلى التخلي عن هذه الطريقة (أي التخلي عن التمسك بقانون المناقصات والمزايدات  كأسلوب عمل في تعاقدات الدولة وأجهزتها المختلفة عند طرح مشروعات استثمارية).

وأرجع ضعف قطاع الاستثمار إلى البنية القانونية، التي تلزم الجميع باتباع إجراءات قانونية محددة لدرء شبهات الفساد، ولاختيار أفضل عرض من الناحية الفنية والتكلفة المالية أيضا. كما تباهى الجنرال السيسي بقدرته على التفاوض وعبقريته في تقليل وقت تنفيذ المشروع المذكور، وألقى بكل اللوم على الإطار القانوني المنظم للإجراءات معتبراً أن هذا النظام نظام تقليدي، وأننا يجب أن نعتمد على المهارات الشخصية والفردية في التفاوض داعياً ضمناً إلى مخالفة القانون، وغاب عن السيسي أن القوانين التي يشير إليها وُضعت بالأساس لمواجهة الفساد وتحجيم دوره، وأن الأسباب الحقيقية وراء “البيروقراطية” السائدة هي نقص الكفاءة في كتابة مناقصات بشروط محكمة تلبي طموحات الدولة، بالإضافة إلى قلة خبرة وتدريب الكوادر الوظيفية المسؤولة عن تنفيذ القانون.وهكذا جرت إدارة موارد الدولة وثرواتها فى ضوء رؤية جديدة تماما تقوم على فكرة نسف وتجاوز القوانين وخاصة قانون المناقصات والمزايدات، عكس الفترة التي سادت فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، والتي كانت تقوم على فكرة إيجاد ثغرات فى القوانين تسمح بالتلاعب والفساد.

ففى سبتمبر عام  2013، أصدر عدلي منصور تعديلات على المادة الأولى من قانون المزايدات والمناقصات  بالقرار الجمهوري بقانون رقم ( 82) لسنة 2013،  استثنى فيه الأجهزة ذات الموازنات الخاصة، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية من تطبيق القانون، إذا كانت هناك نصوص خاصة في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناءً على تلك القوانين والقرارات.وقد جاء هذا التعديل ليتعارض مع إرادة المشرع السابقة، حيث كان الحرص في المادة الأولى قبل التعديل على سريان القانون على كافة الهيئات المخاطبة به دون أي استثناء، فكان النص كالتالي:  ”يعمل بأحكام القانون المرفق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات، وتسري أحكامه على وحدات الجهاز الإداري للدولة – من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة – وعلى وحدات الإدارة المحلية، وعلى الهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية. “.

وهذا ما نقرؤه في مذكرته الإيضاحية حيث جاء حرفيا: “(…) كما تسري أحكامه على الهيئات العامة ويشمل ذلك الهيئات القومية، ولا يعتد بأي نص خاص في القوانين أو القرارات الخاصة بإنشاء تلك الهيئات (…)”  ويوضح ذلك بجلاء أن نية المشرع اتجهت منذ البداية إلى إخضاع جميع الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية ووحدات الإدارة المحلية لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات. كما طال التعديل كذلك المادة 7 من القانون التي تجيز الإسناد المباشر لمشاريع اقتصادية دون إتباع إجراءات المزايدات والمناقصات في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة، حيث تم رفع قيمة هذا الإسناد لتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 50 ضعفا وفقا لمستوى السلطة المختصة كالتالي:

1ـ بالنسبة لرؤساء الهيئات والمصالح: في حالات شراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية، أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل، ارتفع الحد الأقصى إلى 500 ألف جنيه، بعد أن كان 50 ألف فقط، وأصبحت مليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال بعد أن كانت 100 ألف، وبالتالي تضاعف المبلغ 10 أضعاف.

2ـ بالنسبة للوزراء والمحافظين: في حال شراء المنقولات أو تلقي الخدمات، أو الدراسات الاستشارية، أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل، ارتفع السقف إلى 5 ملايين جنيه بدلاً من 100 ألف أي 50 ضعفا، وزادت بقيمة 33 ضعفا بالنسبة لمقاولات الأعمال فأصبحت 10 مليون جنيه بعد أن كانت 300 ألف. وأضاف التعديل بنداً جديداً على المادة المذكورة حيث أضاف الفقرة ج والتي أعطت الوزير المختص بالصحة والسكان الحق في التعاقد المباشر دون الخضوع لأحكام القانون بالنسبة للأمصال واللقاحات والعقاقير الطبية ذات الطبيعة الاستراتيجية وألبان الأطفال، وذلك وفقاً للضوابط والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية، ودون وضع أي سقف مالي لهذه التعاقدات. في يونيو 2014، صدر قانون آخر هو القانون رقم (48) لسنة 2014  بتعديل نص المادة 38 من القانون المشار إليه، والتي تسمح للجهات التي ينطبق عليها القانون التعاقدَ فيما بينها بالأمر المباشر.

وسمح  التعديل بسريان حكمها على الهيئة العربية للتصنيع، وهي هيئة ذات طبيعة عسكرية تتبع رئاسة الجمهورية ووزير الدفاع، بحيث أصبح من حقّ الجهات الحكومية التعاقد بالأمر المباشر مع الهيئة لتنفيذ الأعمال، وأصبح للهيئة كذلك الحق في إجراء المناقصات والمزايدات بديلا عن أيا من الجهات المخاطبة بالقانون من وحدات الجهاز الإداري للدولة – وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة  وكذلك وحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، سواء كانت خدمية أو اقتصادية. ومن شأن هذا الأمر أن يولد وضعاً شاذاً للهيئة، بحيث استثناها من ضرورة الالتزام بقواعد القانون الإجرائية واتباع المناقصات والمزايدات في تعاقداتها المختلفة، كما أنه أبقى على نظامها الخاص المنصوص عليه في القانون رقم 150 لسنة 1976 بشأن حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع، والذي يعطي الهيئة امتيازات عدة، كما يعفيها من كافة الضوابط المنصوص عليها في القوانين المختلفة ويغل يد الأجهزة الرقابية، ورجال السلطة العامة عن الإشراف عليها وذلك طبقا لنص المادة 2 من القانون المشار إليه.

إلا أنه في الوقت نفسه منح الهيئة الحق في أن تحل محل أي من الجهات المخاطبة بالقانون، ما يعني أن حلول الهيئة سيكون معفيا من اشتراطات قانون المناقصات والمزايدات، ما يسمح لها بالتعاقد عن أي من الجهات المخاطبة بأحكام القانون، لكن دون الالتزام بقواعده.

يتضح من عرضنا السابق أن نظام الجنرال السيسي يجنح إلى إلقاء عبء فشله في الملفات المختلفة، على التشريعات القانونية. فدائما ما يرى النظام أن المشكلة في القانون وليس في منفذيه، وأن أسباب انتشار الجريمة هو قصور في مواد العقاب. وها هو يستعيد النظرة ذاتها فيما يتعلق بملفات التنمية الاقتصادية، حيث يتعامل النظام الحالي مع كل الإجراءات التي تساهم في الحد من الفساد، باعتبارها عوائق لعجلة التنمية، مستبعداً قصور العنصر البشري، وغياب الكفاءة في اختيار الوظائف العليا.

وفيما منح تعديل قوانين العقوبات النظام هامشا واسعا للتحكم في حريات الناس، فإن من شأن استكمال التعديل على قانون المناقصات والمزايدات في اتجاه اعتماد مبدأ التعاقد المباشر، أن يشكل خطوة نحو تكريس وتجذير الفساد، بل نحو منحه حماية قانونية.

هذا المقال جزء من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق، الطريق المسدود ـ تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي. وسيكون نشره علي عده أجزاء

الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء الخامس

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close