العسكر وقانون تدمير الأزهر
خلال الشهور القليلة الماضية بدا أن ثمة خلافا كبيرا بين عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وقد وجد هذا الخلاف طريقه للعلن حينما كرر السيسي نقده لشيخ الأزهر على الملأ، فتارة يقول له “كل ما أشوفك بتعذبنى”، وأخرى يقول: “تعبتنى يا فضيلة الإمام”، وقد شنت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام هجوماً منظماً على أحمد الطيب بلغ ذروته في مقال لأحد الصحفيين، قال فيه لأحمد الطيب صراحة: “اعتزل قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت”.
ولم تقف مؤسسة الأزهر مكتوفة اليدين أمام هذا الاستهداف المتكرر، فقد أصدر المكتب الإعلامي للمشيخة بيانا في أبريل 2015 نص على أن “الإمام الأكبر أكد بوضوح أنه ليس ممن يتخلى عن أمانته وأنه باق في عمله لخدمة الدين والوطن”، ووجد شيخ الأزهر في مطالبة السيسي بإصدار قانون يمنع الطلاق الشفوي فرصة مواتية للرد، فاستصدر بيانا من هيئة كبار العلماء بإجماع أعضائها يرفض الطلب ويرد على صاحبه ردودا قاسية جاء في ختامها: “وتتمنى هيئة كبار العلماء على من يتساهلون في فتاوى الطلاق على خلاف إجماع الفقهاء، وما استقر عليه المسلمون أن يؤدوا الأمانة في تبليغ أحكام الشريعة على وجهها الصحيح، وأن يصرفوا جهودهم إلى ما ينفع الناس ويسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع، فليس الناس الآن في حاجة إلى تغيير أحكام الطلاق بقدر ما هم في حاجة إلى البحث عن وسائل تيسر سبل العيش الكريم”.
أولاً: تفكيك مؤسسة الأزهر:
يبدو أن هذا السجال كان مجرد مقدمة يسيرة لتطورات أكثر خطورة وعمقا كشف عنها مشروع القانون الذى أعلن محمد أبو حامد (النائب عن ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية البرلمانية، في برلمان العسكر) أنه سيتقدم به رسميا إلى البرلمان يوم الخميس 6 أبريل 2017م، ونشرت وسائل الإعلام تصريحات لأبو حامد يكشف فيها عن ملامح مشروعه لتعديل قانون الأزهر والتي حملت مفاجآت عديد تعنى بوضوح أن الأمر أبعد كثيرا من فكرة الخلاص من أحمد الطيب، وأنه يتعدى ذلك إلى تفكيك مؤسسة الأزهر العريقة وإنهاء وجودها الحقيقى، ولعل ذلك يتضح من خلال الملاحظات المبدئية الآتية حسب ما نشر على لسان أبو حامد من ملامح لمشروعه المقترح:
1- ينص القانون على إعادة تشكيل هيئات الأزهر الثلاث: المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، وهذا يعنى أن تحل كل هذه الهيئات بمجرد صدور القانون ويعاد تكوينها في وفقا لقواعد جديدة وعلى قياسات مختلفة بطبيعة الحال.
2- من بين قواعد إعادة تشكيل هذه الهيئات إضافة مجموعة من المتخصصين في العلوم الإنسانية المختلفة مثل الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد … وقد يفهم هذا في تشكيل مجمع البحوث الإسلامية الذى يضطلع بمهام علمية واسعة، لكنه غير مفهوم في حق هيئة كبار العلماء التى يُنتَخَب من بين أعضائها شيخ الأزهر، كما يشترط التعديل المقترح التمثيل النسائى والشبابى في هذه الهيئات!
3- تنص التعديلات على استقلال مجمع البحوث الإسلامية عن الأزهر وتجعله تابعا لجامعة الأزهر، ومجمع البحوث يضطلع قانونا بمهام البحث والتأليف والفتوى والبعوث وإصدار مجلة الأزهر والمعاهد الأزهرية الخارجية، وفصل هذه المؤسسة عن الأزهر يعنى بالضرورة تجريده من وظيفتى الفتوى والدعوة اللتين يمارسهما الأزهر من خلال المؤسسات الكثيرة التابعة لمجمع البحوث.
4- في تناقض واضح فإن مجمع البحوث المنفصل كلياً عن الأزهر، يُشارك أعضاؤه في انتخاب شيخ الأزهر، فالتعديلات تجعل انتخاب شيخ الأزهر مهمة مشتركة بين هيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية! ولا يمكن فهم هذا التناقض إلا على أنه محاولة للسيطرة الكاملة على انتخاب شيخ الأزهر عبر أعضاء مجمع البحوث الذين يعينهم –وفقا للتعديلات – رئيس جامعة الأزهر الذى يعينه رئيس الجمهورية!
5- وكما فصلت التعديلات مجمع البحوث عن الأزهر، فإنها أيضا تفصل عنه جامعة الأزهر وتجعلها جامعة مستقلة تابعة للمجلس الأعلى للجامعات ويتبعها مجمع البحوث الإسلامية وقطاع المعاهد الأزهرية، وهذا يعنى تجريد الأزهر من وظائفه التعليمية بكل مستوياتها، وجعل منصب رئيس جامعة الأزهر أعلى قدرا وأكثر أهمية من منصب شيخ الأزهر.
فرئيس جامعة الأزهر يدير الجامعة ومجمع البحوث الإسلامية بمؤسساته وقطاع المعاهد الأزهرية، وهي كل مؤسسات الأزهر الفاعلة تقريبا، ومن ثم فهو يدير الفتوى والبحوث والتعليم والدعوة، في حين لم يبق للأزهر أى وظيفة واضحة وهذا يعنى بالضرورة أن يتحول الأزهر إلى جامع تاريخى، ومشيخته إلى منصب شرفى بروتوكولى لا أكثر.
6- ولم تسلم جامعة الأزهر -ثالث أقدم جامعة في العالم -هى الأخرى من نيران التعديلات، فسوف تفقد أكثر من ثلاثين كلية تنتقل تبعيتها للمجلس الأعلى للجامعات هى كل الكليات غير الشرعية وهو ما يعنى أيضا حرمان طلاب التعليم الأزهرى من دراسة العلوم التجريبية في المستوى الجامعى!
7- ولا يختلف مصير المعاهد الأزهرية كثيرا عن مصير جامعة الأزهر، فوفقا للمشروع سيتم الإبقاء على عدد محدود منها بكل محافظة، ثم تحول بقيتها إلى مدارس للتعليم العام تتبع وزارة التعليم، وهو ما يعنى تجفيف التعليم الأزهرى من المنبع !
إن المتأمل في هذه الجملة من التعديلات يكتشف بوضوح أن المقصود منها تدمير الأزهر وتحويله إلى ذكرى تاريخية لا وجود لها على أرض الواقع!
ثانياً: تطويع شيخ الأزهر:
في مرتبة ثانية من الأهمية تأتى تعديلات أخرى تستهدف الخلاص من أحمد الطيب ومعظم المحيطين به من كبار العلماء، ومن أهم هذه التعديلات:
1- تنص التعديلات على أن شيخ الأزهر ينتخب لدورة واحدة مدتها ثمانى سنوات، وهذا يعنى أن تنتهى خدمة أحمد الطيب في 2018 القادم حيث شغل الرجل منصب المشيخة في عام 2010 م ، وتنص التعديلات على إمكانية انتخابه لدورة ثانية، في حال تم ترشيحه ضمن الثلاثة الذين ينتخبهم أعضاء هيئة كبار العلماء مع أعضاء مجمع البحوث ثم حصل على أعلى الأصوات.
2- حل الهيئات الأزهرية الثلاث وإعادة تشكيلها يعنى تجريد أحمد الطيب من أنصاره البارزين واستبعاد كبار علماء الأزهر من التشكيلات الجديدة التى ستضمن تمثيلاً لمختلف التخصصات العلمية غير الشرعية وتضمن كذلك تمثيلا شبابيا ونسائيا! وهذا يعنى أن انتخاب الشيخ الجديد سيكون من خلال هيئتين سيعاد تشكيلهما بالكامل وبالضرورة لن تكونا في اتجاه الطيب.
2- تشترط التعديلات التنوع الفكرى والمذهبى بين الثلاثة المرشحين لمنصب المشيخة، وهى عودة بالأزهر إلى مرحلة المذهبية دون سبب مفهوم، اللهم إلا أن يكون المقصود الدفع بمذاهب جديدة على الأزهر إلى الواجهة لحاجة في نفس صانعى التعديلات.
خلاصة:
إنها ليست مجرد تعديلات ولا حتى محاولات لتطويع الأزهر أو إقصاء شيخه، بل هى تمزيق لأوصال الأزهر وتجريد له من كل وظائفه وتعامل شديد التطرف مع المؤسسة الإسلامية الكبرى بتاريخها العريق، وهذا لا يعدو أن يكون جزءا من حرب الهوية التى يخوضها السيسي ويسترضى بها دوائر دعمه في الغرب، لكن المغامرة هذه المرة كبيرة والأزهر ليس لقمة سائغة بما له من رصيد لدى المسلمين جميعا وليس المصريين فحسب (1).
———————————
الهامش
(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.