fbpx
تحليلات

العشوائية بين استبداد السلطة وصمت المجتمع

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يفرز المجتمع العشوائي ظواهر عشوائية، وتتراكم الظواهر العشوائية لتحكم بناء مجتمع عشوائي وهكذا الجدلية والتفاعل بين المجتمع العشوائي والظاهرة العشوائية، وفي هذا السياق من الأهمية أن نقوم بتعريف المفاهيم التي ترتبط بهذه العلاقة وأهمها على وجه الإطلاق: ماذا نعنى بالظاهرة العشوائية؟

مفهوم الظاهرة بوجه عام يشير إلى عناصر التكوين والتراكم، وخصائص الاستمرارية والتواتر وأشكال الشمول النسبى والتكرار، وهي قد تشير إلى حدث أو مشكلة أو إشكال أو قضية صارت مع توافر هذه الأركان والسمات والأشكال تأشيراً على وجود ظاهرة وتنامى أشكالها وتكاثر تجلياتها في جنبات المجتمع، وسائر أنساقه ونظمه وتنظيماته وتفاعلاته وعلاقاته.

والظاهرة لها جزء من اشتقاقها العربى، وهو الظهور والبروز بحيث لا تخطئها عين عند الرؤية أو الملاحظة، وذلك في إطار توافر عناصر الظاهرة، التي لا يمكن أن تفعل دون ملاحظة سياقاتها العامة وسياقها الزمني، وتجلياتها الآنية، وأثارها المستقبلية.

العشوائية: تكرار وانتشار واستمرار وآثار

العشوائية هي حالة من الاختلاط والاختلال والمصادفة، والتداخل وقد تعبر عن مظاهر وتأشيرات انحرافية، ومرضية، تمثل في البداية حالات استثنائية تتراكم في الوجود وتستمر في المشاهد وتنتشر في الجنبات ويمكن رؤية بعض الآثار السلبية الدالة عليها وجودا واستمرارا وآثارا. في العشوائية تشير إلى كلمات في اللغة من مثل خبط عشواء، أو اختلاط الحابل بالنابل، أو الفوضى.

وفي هذا المقام تبدو الظاهرة العشوائية مع استمرارها حالة أو مسألة أو قضية كبرى تتحول مع التراكم الشديد واستحكام عقدة الظواهر وإمعانها في التأثير في المجتمع والأفراد (فكرا، وقيما، وسلوكا) على جملة من الأزمات الأساسية التي تتحول مع تجاهلها أو إغفالها أو التعتيم عليها (كحالات عشوائية في ذاتها) وفي إطار مناهج وطرائق التعامل معها، تتحول إلى جملة من الأزمات البنيانية والهيكلية في المجتمعات وأنساقها، فتفقد الأنساق ميزتها في الإنسجام والتراتب والسواء وتتحول إلى حالة من التشرذم والفوضى والانحراف. وتصير العشوائية حالة إنسانية ومجتمعية تتسم بها.

بحيث يمكن وصف المجتمع بكونه مجتمعا عشوائيا تتفاعل فيه حزمة من الظواهر العشوائية التي تراكمت وتمكنت في أنساق المجتمع (المعرفية والإدراكية، القيمية والأخلاقية، الحركية والسلوكية)، فتصير مع تفاعلاتها طرائق تفكير وأحوال تسيير وأساليب تدبير كلها تصب في عشوائيات الظواهر المجتمعية والمجتمع العشوائي، فتمكن له ما تمكن، وتصير عشوائية الظواهر من وجودها (كهوامش) أو حالة استثنائية إلى تراكمها في متن الظواهر وأساسياتها وجوهرها ومعظم وسطها والبيئة المجتمعية عامة فتتحول إلى (متن) في المجتمع بعد أن كانت هامشا؛ إن صح هذا التعبير.

وتتشابك عشوائية الظواهر من غير اشتباك حقيقي معها، فيقع معظم الناس في حبائلها وشباكها، ويصير التصور المجتمعي المكون لصوره الذهنية معايشا لهذه العشوائية، متفقا مع صورها وأشكالها موافقا على كامل مساراتها، فتحدث حالة من حالات التفكير الذي يتسم بحالة من حالات اللامبالاة الشديدة، وتخرج مقولات تتوج حال الظاهرة وتراكمها واستمرارها وانتشارها على قاعدة “دع الأمور تمشى في أعنتها”، أو مقولة حاكمة من مثل “نحن لا نصلح الكون”، ويصير من ينبه إلى هذه الظواهر أو خطورتها “يعيش في كوكب أخر”، قد لا يرى الجميع في رسالته تلك غير مقام “النذير” بل هو “الخيالي” الذي لا يتعرف على حقيقة الواقع وشروطه في إطار يساير مقولات “ما تغلب به، إلعب به” في وقوعية تأخذ سمت الواقعية المدُعاه فتؤصل معنى التقليد والمحاكاة والمسايرة، لا معاني الإصلاح والممانعة والمقاومة لهذه الظواهر، فتملك بذلك وكل يوم أنصارا جُددا وتفقد كل يوم أو تحبط معظم عناصر استجابات المواجهة أو الممانعة. ويصير كل من ينبه أو يقف في وجه تنامي هذه الظواهر وتراكمها وإحكام عقدتها كمن “يسبح ضد التيار”، “وكناطح صخرة” لا يؤثر فيها بينما قد تكون الصخرة سببا في تكسر أفعاله وانكسار أحواله بل وإهلاك كيانه.

وتتساند ظواهر لتحكم حال الظواهر العشوائية والمجتمع العشوائي من مثل: ـ

الظواهر الدالة على الامبالاة “أنا مالي” “اسكت تسلم”.

الظواهر الدالة على الانخداع برأي الجمهور وسواء فكر الإمعية فيها “أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت”.

الظواهر الدالة على التعامي وافتعال الغفلة “كبّر دماغك” “ليس في الامكان أبدع مما كان” “باب يأتيك منه الريح سده واستريح”.

الظواهر الدالة على عبثية الاصلاح أو الممانعة “نحن لن نصلح الكون” “دع الخلق للخالق”

الظواهر الدالة على اليأس والإحباط وعدوى المسايرة “كان غيرك أشطر” “وليس هناك من فائدة” “وهذه ليست بلادنا.. هذه بلادهم”

الظواهر الدالة على الحالة الإذعانية في إطار من الرضا الكاذب ونفاق الظواهر غير المرضي عنها “نحن نستأهلهم…!! “من خاف سلم”

تتسم الظواهر العشوائية بسمة رئيسية قد ينخدع البعض في تصورها، وتبدو هذه الظواهر في حال استحكامها وتراكمها تستفيد من طبيعتها “الحربائية” أو التلون الذي يصيبها بحيث تتخذ لون الوسط الذي تعيش فيه، فستخفي، فلا يلاحظها أحد في بدايتها وبواكيرها هذه “الحالة الحربائية” مع وسط الغفلة والتغافل القابل لهذه الظواهر يشكل شروط تمكين الظواهر العشوائية، ويجعل الظاهر منها قليلا إذا ما قورن بحجم المكنون في جوفها في عناصر تكوينها وتراكمها. (سطح الظاهرة) يوهم الكثيرين بأن الظاهرة مازالت تعبر عن حالات استثنائية بينما تكون الظاهرة على أرض الواقع قد تراكمت وتعقدت واستحكمت.

ويقع في قمة الأسباب التي تسمح بتمكين هذه الظواهر العشوائية ظاهرة السلطة ذاتها وتصوراتها حيال نفسها وحيال الآخرين، خاصة إذا ما عرفنا أن من أكد على ضرورة السلطة للاجتماع الإنسانى وجعلها من الظواهر الفطرية انطلق من قاعدة تؤكد أن في السلطة والسلطان: الأمان والأمن، النظام والتنظيم، الاستقرار والنماء

السلطة بما تملكه من “قوة” مرهونة “بشروط” هي القيام “بوظائفها” على نحو “شرعي” وذلك ضمن إطار عقد تأسيسي يقوم على قاعدة السلطة قوة، ولكنها من جانب آخر السلطة مسؤولية، والمسؤولية تفرض المساءلة، وكل أمر لا يرتجى إلا لآثاره ولا يؤمنه العمل إلا العمل لمقصوده، فإن تحول الأمن لهرج والنظام إلى فوضى والاستقرار إلى حالة من الخنوع والخضوع، أو التفلت من غير ضابط فإن كل ذلك لا يمكن بأي حال أن يشكل بيئة للنماء أو الارتقاء، أو للتعمير أو للتثمير.

ومن هنا لو كانت القوة والسلطان كما في أحد معانيهما القوة والبطش؛ فإن الوجه الثاني من معانيهما هو الحجة والبرهان، ومن هنا وجب على السلطة أن تسير ضمن مسار سلطان الحجة، لا حجة السلطان في وجوده ضرورة، ومن سلطان الحجة يكون مسار السلطة في سياق شرعيتها (الرضا العام) ومشروعيتها (التوافق النظامي والقانوني) وليس للسلطة أن تجعل من القانون مجال تلاعبها أو تجعله ألعوبتها فيفقد القانون معناه ولا يحقق مبتغاه، ويصير القانون ملكا لمن يعزفه لا تحقيقا لمصالح البشر وضبط عناصر معاشهم.

وسلطة تحقق عناصر قرارها واستقرارها باستبدال الخوف بالأمن، والنظام بحال الفوضى أو هو في حكمها من عشوائية الاستقرار المزعوم بالشرعية الحقيقية، “أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ” (سورة البقرة: آية 61).

إنها السلطة بأمراضها، السلطة المريضة التي تجعل من بطشها غاية، ومن سلوكها قيمة، هي تلوح دائما بالبطش فتنتج “عبيدا… خائفين مذعورين مذعنين خاضعين” تتحول فيه السلطة من وظيفة عليها أن تضطلع بها لتحقيق مقصود العمران البشري وعلاقاته، إلى جهاز لا يرى إلا استقراره وقراره، وأمنه وأمانه، وحصوله على مزيد من السلطة والسلطان له ولأعوانه.

هذه السلطة في تصوراتها الإدراكية للعلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم تحكمها قاعدة كلية “إن أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” حتى لو كانت رؤاها عشوائية، ووسائلها تستخدم بعشوائية ولا تملك استراتيجيات كلية، بل عشوائيات منتشرة. وتحمي عناصر عشوائيتها بسلطتها، فتفقد حقيقة حجتها، سلطان الحجة، وتتعامل بحجة السلطان الباطشة، وتفقد وظيفتها حيال الناس والمواطنين، ولكن تحتفظ بها لها، ولها فقط، الأمن للسلطة والاستقرار والقرار للسلطان. وتفعل ذلك وهي تفعل فتغفل أن عشوائية فعلها لابد أن تطول بنيتها واستقرارها. وتصير عشوائية السلطة (تفكيرا أو تدبيرا وتسييرا) من أهم منتجات المجتمعات العشوائية، كما أن هذه النوعية من السلطة العشوائية تجد من أهم مصالحها تحقيق حالة من استقرار “الأمر الواقع” طالما كان في مصلحتها وتحقيق مصلحتها وتحقيق مقصودها في بقاء السلطة استقرارا واستمرارا.

وتمارس هذه السلطة منظومة أمراضها المكرسة لحال الظاهرة العشوائية ويمكنها جملة وتفصيلا، بعضا أو جزءًا، بما يضمن لها إقرار تسلط السلطة، وسلطة التسلط. وبدلا من أن تمثل السلطة خريطة القوى الاجتماعية والسياسية على أرض الحقيقة والواقع فإنها في ذاتها تمثل “القوة” احتكارا أو تسلطا، ينظم فيما بينها مصالح ووجهات شتى يتفق هؤلاء بإعمال استبدادهم لحماية مصالحهم وفسادهم، فيؤصلون علاقات “زنا” بين الاستبداد والفساد لينتج زرارى جديدة من اللقطاء وحالات من العشوائية تزيد الظواهر تراكما وإحكاما.

وهي تمارس ذلك تشوه أصل وظائفها الحقيقية وتستبدلها بوظائف زائقة تتخذ نفس مسميات الوظائف القديمة (الأمن، النظام، الاستقرار) ولكن توجهها نحو طبعات خاصة بها ومن أجل إعمال مصالحها، وتتلاعب السلطة في كل ذلك لتتهم كل من يعارضها بأوصاف ذميمة، وكل من يقاومها هو طالب للسلطة يريد أن يختطفها أو يركبها وهو يحتال للوصول إليها…

“السلطة ذات مصونة لا تمس” إلا من أهلها وعم أهلها لا يسمحون لغيرهم بالاقتراب حياضها، تتلاعب السلطة بكل أنساق الإدراك والتفكير والتعليم والتربية والتثقيف والإعلام وبكل أنساق القيم فترفعها كشعارات وتنتهكها على أرض الواقع وتُنتج مواطن أو بالأحرى “عبد” يري ما يرى وهو صامت يؤدي ما يطلب منه من غير “تعقيب” أو “وجع دماغ” وتمرر قيم سلطوية مواتية لحركتها وتحقيق مصالحها.

وهي كذلك تتلاعب بأنساق السلوك تقيم كل عناصر سلوكها على قاعدة من التمثيل “حق الاداء العلني” للجماهير في إطار من التعبئة العامة لهؤلاء يساندون الحكم والحاكم وإن لم يقل خيرا في السلطة فعليه أن يصمت، فتؤسس لبيئة الصمت والسكوت، والسكوت لدى هذه السلطة علامة على الرضا والاستقرار، ولكن في حقيقة الأمر قبول في ثوب الإذعان ورضا زائف أو كاذب، وهي ما استطاعت تقيم سلطانها على قاعدة من السكوت، ولا بأس إن وجدت من يتكلم أن تلقى الكلام على لسانه “فتوزع الكلام” “وتوزع الأدوار” ضمن علاقة “السيد والعبد”

تؤسس به نظاما، وما هو بنظام، يحافظ على أمر واقع ظالم في معادلاته تائه في علاقاته، عشوائي في تفاعلاته، ولكن في النهاية يضمن للسلطة البقاء، وعلى الشعوب نترحم والبقاء لله. وهو الذي مارس كل ذلك في إطار إصلاح ضال “تقوم به ليل نهار”، “إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” (سورة البقرة – آية 11)

الهاجس الأمني (الأمن للناس، الأمن للسلطة):

هكذا تستبدل عناصر السلطة أمن الناس بأمنها فتجعله من القلب من وظيفتها الأمنية وإذا كانت أي سلطة يشغلها الجانب الأمني، ولكن يزداد هذا الانشغال حتى يصل لأقصى درجاته لدى السلطة غير المنطقية ولدى السلطة الفرعونية ولدى سلطة السلطة، إنها السلطات المستبدة، التي تجعل من هواها سلطة ومن أفكارها رشدا ومن أساليبها طريقة مثلى، هي لا تقبل المراجعة أو المحاسبة أو المساءلة هي سلطة حسبما اتفق، تمارس كل عناصر عشوائيتها وتسميها سياسة واستراتيجية وخطة، أو تجعل من كل ذلك مما نسميه خططا خمسية أو عشرية غطاء لحالة عشوائية مكنونة أو مستورة، تتحرك في جوفها فتزيد الأزمات وتتراكم فلا ترده مرة واحدة إلى سوء عملها أو حال تقصيرها أو حال قعودها عن الإنجاز، هي المنجزة أبدا، هي الفاعلة دائما، هي التي تسهر على راحة الناس، ألا تستحق سلطة مثل هذه الأمن والأمان؟!

لأن الأمر لا يخلو من متربص يتربص بها، ومن خصم يحاول القفز على السلطة وكراسيها، ولا ضير أن نضيف إلى أعداء الداخل أعداء الخارج، فالسلطة مستهدفة، وأن هناك من يحاول تعطيل مسيرتها في إشاعة الأمن والنظام والاستقرار ليكون المجتمع مؤهلا للعمل والنماء والارتقاء، فإذا لم يحدث أي شيء من هذا فإن الأمر قد يعود إلى زيادة سكانية تأكل النمو، ولا تتحدث عن فسادها الحقيقي أو فساد أعوانها إلا من كُشف.

وهي أيضا في هذا (المقام ضمن هواجسها “الأمنية: أمن السلطة) تشعر في دخيلة نفسها أنها اغتصبت شيئا مهما من الجماهير، لذلك فهي تتوجس خيفة من هذه الجماهير ولا تصدق مظاهر ولائها، لأنها تعلم يقينا أنها مظاهر كاذبة وأن الجماهير تتمنى اللحظة التي تزول فيها السلطة سواء بأيديها أو بأيدي القدر، ولذلك تأخذ السلطة احتياطات أمنية كثيرة ومبالغ فيها على قدر خوفها من الجماهير وعدم ثقتها بها، أو احتقارها لها، فالسلطة التي تحتقر الجماهير تبالغ كثيرا في الحلول الأمنية والاحتياطات الأمنية فهي ترى في الجماهير بوادر الخداع والغدر، كما أنها ترى هذه الجماهير غير جديرة بالحوار السياسي أو الثقافي؛ وإنما هي تستحق التأديب بعصا غليظة متمثلة في بطش الجهاز الأمني لأي نبضة تبدر من هذه الجماهير، حتى لا تعتاد ذلك خروجا على النص الذي يجب أن تؤديه أداء علنيا.

فهذه السلطة ترى في الجماهير أكبر عدو ولذلك تعد العدة لمقاومته وقهره ولا تدع له فرصة يفيق فيها أو يستعيد وعيه وعافيته وهي كذلك تعني ضمن ما تعني في حلقة أمنها أن الجماهير ملك خاص لها لا ينازعها فيه أحد، فإن نازعها أحد قصمته، ومن حاول بث روح الوعي فيها اتهمته، ومن دافع عن مصالحها وسمته بالمزايدة والمتاجرة بهموم الشعب والجماهير، ومحاولة تعطيل مسيرة السلطة وسياستها لرفع المعاناه عن كاهل الجماهير وتحقيق الإنجازات من أجلها.

والسلطة في هذه الأنظمة كثيرا ما تقوم بعمليات استباقية (كالحروب الأمريكية الوقائية والاستباقية) التي تشنها بما تهوى وترغب، وتركب لها الحجج والأسانيد للتسويغ والتبرير. ومن أهم أهداف السلطة في عملياتها الاستباقية تلك، هدفها إجهاض أي محاولة حقيقية أو متخيلة لتجمع الجماهير الغاضبة أو المطالبة بحقها، أو المتمردة على ظلمها، فتلجأ في سبيل ذلك إلى إصدار القوانين التي تحول دون تكون كتلة جماهيرية تكون قادرة في الحاضر أو المستقبل على تحريك الجماهير الأوسع ضدها أو تكون لتجمعات خطرة من وجهة نظر السلطة، حيث يمكن أن تعتبر بعضها خطرا على “الأمن القومي” وتحظر التجمعات والمسيرات وتستخدم قوانين الطوارئ والأحكام العرفية التي تسمح بالحركة السريعة للسيطرة على أي بادرة تجمع أو تظاهر. أو أي فاعلية محتملة أو ممكنة.

تزيييف الوعي بين ادعاء السلطة والمواطن الصالح كما تريده:

فالسلطة المستبدة غير المنطقية أو غير الشرعية لا تستطيع الاستمرار لفترات طويلة إلا إذا قامت بعمليات تزييف الوعي الجماهيري، فهي تريد أن تشكل هذا الوعي كي يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها ومصالحها دون الحاجة إلى الإفراط في استخدام القمع الأمني. لذلك فهي في هذا السياق تشكل أجهزة الدعاية والإعلام والإعلان لدى السلطة، فيكون هذا مع الأمن قدمان للنظام فتقوم هذه الأجهزة بالمبالغة في إظهار إنجازات السلطة وتبرير أفعالها، وتحويل هزائمها إلى انتصارات تاريخية، كما تقوم بإضفاء صفات البطولة والحكمة والتضحية على رمز السلطة المستبدة، فهو ملهم وهو الزعيم الأوحد، وهو الذي يصدر التوجهات، وتضع صورهم وتماثيلهم في كل مكان. وهي حالة إعلانية بالغمر والتعبئة والتكرار والإلحاح، فحيثما ذهبت يطالعك وجه القائد أو صوره أو أقواله أو إنجازاته.

ويتحرك صاحب السلطة شيئا فشيئا إلى سلوك ادعائي غير طبيعي، فيلبس قناعا يراه مناسبا لتحقيق هذا الهدف في استمرار السلطة أو توريثها بما يشكل وعي وتفكير الجموع في اتجاه مصالحه الخاصة. إنه نوع من الدائرة التمثيلية، الذي يقدم فيها صاحب السلطة دورا تمثيليا لتكتمل دائرة تزييف الوعي، ومع هذا الوضع تبقى الصور المزيفة سيدة لاموقف في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطار من عبارة تجعل الأمر برمته “كله تمام” ومن ثم فإن أصحاب السلطة والسلطان يحاولون إعدام كل بارقة وعي لدى الجماهير حتى تحافظ على عملية تكريس وعيها الزائف وتنويم قواها وفاعليتها.

 وفي إطار الصور المزيفة تكون البيئة مواتية وقابلة للعزلة بين الطرفين وإحداث حالة انفصال من خلال منطقة عازلة تشكلها “البطانة” التي لا يكون هناك اتصالا بين السلطة والجماهير إلا بها او من خلالها، وتصير الصورة في مجملها زائفة وغير حقيقية، حتى تسوء حالة الناس وتتراكم أزماتهم ويتعرفون على الوهم المتحكم في حياتهم، وتصير السلطة مطالبة بتأدية واجباتها أو القيام باصلاح أو تغيير، فتواصل حركة زيفها في إطار ما ترى أنه إصلاحات زائفة أو تغييرات ديكورية في محاولة التفافية على حقيقة الإصلاح وذلك أن حالة الزيف تلك تمثل بيئة خصبة ليس فقط لتسويغ الكذب الإنجازي، بل كذلك تحاول أن تدفع وتدافع عن فساد رموزها، الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر من اتجار بالبشر وآلامهم بل وبحياتهم.

تضخم السلطة وتغولها وتأميم المواطنة والاستبداد بها:

من عناصر تضخم السلطة الإحساس المتضخم بخلودها، الزعيم الخالد واحدة من الشعارات التي تقع في نفس الشخص الساعي للسلطة المتشبث بها، إنه لا يشبع من التملك، يسعى إلى الخلود في الدنيا، وكلما اتسعت دائرة نفوذه وانتشرت صوره وتماثيله في كل مكان كلما انزلق إلى الاعتقاد بفكرة خلوده، ولو أصابه المرض أو أدركته الشيخوخة وأيقن بفكرة موته فإنه يعمل بسلطانه من خلال أبنائه وتوريثهم، أو توريث بطانته، عما يسيطر عليه “ملك لا يبلى” ومن هذه الفكرة يتولد ذلك الرعب الدفين مما بعد السلطة ومحاولة استبعاد ذلك الاحتمال.

المستبد يرى نفسه دائما في السلطة، ويعرف أن النفاق والخوف والتزلف والمزايا التي يجتنيها لا يمكن أن يصل إليها إلا من خلال السلطة واستغلال وجوده فيها، ومن ثم يسعى مع تضخم الذات إلى امتلاك السلطة والتشبث بها، ويرى في كل نصيحة مؤامرة، ولا يثق بأحد ممن حوله ويسيء الظن بالكثيرين ويتوقع منهم الإيذاء والتآمر. إنه لا يعرف إلا قانون التسلط والسيطرة للحفاظ على ذاته. هذه الذات المستبدة المتضخمة تحاول أن تضع نفسها حيث تراها، فيهتم الزعيم المستبد الخالد بصحته ومظهره وشياكته بشكل واضح.

ولديه ذات متضخمة يشعر أن الجماهير التي يحكمها محظوظة بحكمه إياها. “إن عليها أن تحمد ربها أن وضعه القدر في هذا المقام”، ومع هذا التوحد والتضخم السلطوي تتضخم الأجهزة الحامية له والقابضة على جماهيره “التي ربما لا تستحقه”، ومن وجود في السلطة إلى طلب المزيد منها والتشبث بها، وهذا يستدعي ممارسات تحايلية والتفافية وتلفيقية، وخداع وكذب، وتصبح هذه الأشياء من ضرورات اغتصاب السلطة وتغولها، ويخرج من رحم قاموس الاستبداد والطغيان، قاموس آخر يتلازم معه هو قاموس “الفساد وإخوانه” إذ يعد الفساد من لوازم الاستبداد، ويكون الفساد عاما ما كان الاستبداد كاملا وشاملا.

الفساد هنا ضرورة بقاء حتى يحدث تناغم بين المنظومة السلطوية والمنظومة العامة، لأن المنظومة العمة لو بقيت نقية في حالة فساد وتلوث المنظومة السلطوية فإنها سرعان ما تلفظها. وفساد السلطة واستبدادها التي تمارس فسادا كبيرا يمكن أن تسمح بشيوع الفساد الصغير في مراتب أدنى حتى القاع بحيث يسمح لها هذا الإفساد باستقرار المستبدين وتوحش الفاسدين ويزحف الفساد.

وتصير سلطة المستبدة مشروع فساد وإفساد ولكنها مع هذا سترفع الشعار الذي يخفي هذه الشبكة الاستبدادية والفسادية؛ الشعار هو المواطنة الصالحة، والمواطن الصالح الذي تنتجه هو المواطن المؤمم الخانع الخاضع أو على أقل الفروض الساكت اللامبالي رغم ما تدعوه وتدعيه في كل يوم بالمشاركة والفاعلية، وهي تحرمه من كل مشاركة حقيقية وتصادر كل فاعلية جوهرية له، وكل حركة احتجاجية على أحواله أو على ممارسات السلطة. هنا المواطن لا يكون صالحا؛ بل هو مشروع مجرم، أو هو مطلوب لاحقا أو ملاحقا.

ويشكل كل هذا مزيدا من إدمان السلطة وعزلتها وافتقاد الحياة الطبيعية ومزيدا من سكرة السلطة والإغراء بالقدرة والقوة الكامن فيها، وعناد السلطة الذي لا تخطأ المتكون من غطرسة السلطة والتكبر على الناس واحتقار الأخرين واحتكارهم واغتصاب إرادتهم بحجة أن صاحب السلطة هو العارف والأعلم والأحكم والأقدر “أبو العريف” “الذي يمسك بجميع الخيوط” وكل منتقد للسلطة إما جاهل أو غافل لأنه لا يعرف، أو متآمر حاقد على انجازات مُدّعاه وفي هذا الإطار تصاب السلطة بحالة من التأله، رغم حال جمودها وحال شيخوختها.

السلطة الاستبدادية (الفاسدة المفسدة) + المجتمع (المرتبط بالرضا الكاذب وتزييف الوعي وحالة اللامبالاة) = تراكم الظاهرة العشوائية وتكريس قابليات تحكمها وإحكام عقدتها.

هذه هي المعادلة التي يمكن أن تخرج بها من هذا الاستعراض للظاهرة العشوائية والقابلية لها التي تمكن من عناصرها ومن آثارها.

الظاهرة العشوائية إذن في ظل هذه المعادلة الكلية يمكن أن تتسم بمجموعة من الخصائص الكلية التي تعين على تبينها والتعامل معها، إلا أنه من الشروط الأساسية أن نتعامل في البداية مع مسبباتها لا أعراضها وعوارضها، على العوامل الكامنة والدافعة لتكونها وتراكمها.

-عشوائية الحدوث والتكون والتلائم والتضخم وبما يتضمن ذلك من عشوائية العناصر المختلفة والتقاطع والتفاعل في إطار فوضى التفاعلات، تحوطها أحيانا بيئة من التغافل أو نفاق الظواهر.

-التناقضات بين عناصر الظاهرة وافتقادها مع الزمن عناصر الضبط والتنظيم، وذلك ضمن سياقات تعقيد الظاهرة وتداخلاتها العشوائية، تعويم الظواهر وعدم مواجهتها على نحو حقيقي أو محاولة التعرف عليها، الظواهر العشوائية تنشأ أحيانا وربما غالبا من خلال قوى اجتماعية كامنة غير معروفة الحجم أو التأثير، المستور منها أكثر من الظاهر منها (وما خفي كان أعظم). وتناقضية الظاهرة تكمن في الجمع بين المتناقضات جمعا نفاقيا يكمن في جوفها حالة من تخبط المصالح وتنازعها، وتسييس معظم الظواهر حتى وإن لم يكن بها شأن مباشر “بالسياسي”

-الضبط القسري والإكراهي في ظل حال الاستبداد لكثير من الظواهر يمكن أن يؤدي إلى حالة من التفجر العشوائي لكثير من الظواهر الانحرافية داخل المجتمع بحيث تحدث حالة من التفكيك الاجتماعي وبنية المجتمع ونسيجه الهيكلي.

كثرة العوامل الداخيلة في الظواهر بما يؤكد عناصر المناخ العام الذي تسوده صفات الاختلال والاختلاط والفوضى والعشوائية، استقرار الفوضى ـ إن صح هذا التعبير ـ قد يشكل قابلية للانتقال العشوائي للظواهر من حال السكون إلى حال الحركة العشوائية أو الغليان أو الانفجار أو الاتساع.

-عدوى العشوائية بين الظواهر، في ظل أن تنشأ الظاهرة العشوائية لنفسها نظاما، وهو أن يضمن استمرارها، بل وتعدى هذه الظاهرة من مجال إلى أخر طالما أن الأمور فيما يعتقد هؤلاء الذين يحيطون بالظاهرة “أن الأمور تمر بسلام” إلى أن يفاجأ ويفجع الجميع بأزمة أو مصيبة وكارثة تكشف الستار والمستور معا، على أسوأ صورة وأقبح مشهد يمكن أن تراه. ولكن في كل مرة سترى الحل الالتفافي يقفز إلى الواجهة فتعتبر الحادثة “قضاء وقدرا” أو “جنحة إهمال” أو “إلقاء التهمة على الأضعف” أو “تهريب المسؤول” حتى يمر المشهد ثم نواصل حال التعامل العشوائي اليومي مع كل الظواهر من دون مواجهة حقيقية أو حل.

ومع عدوى الظواهر العشوائية تحتشد الظواهر ضمن حالة عشوائية عامة، وتكون هذه الظواهر “منظومة عشوائية متكاملة” وتأخذ هذه الظواهر بخناق بعضها البعض بما يعظم من درجات الاختلاط والفوضى فيها.

-الظاهرة العشوائية تحتمي بظواهر قشرية مصنوعة أو إن شئت الدقة مصطنعة إنه “الظاهرة المعرض” على ما يشير “ثيموثي ميتشل” في كتابه استعمار مصر تعرض ظواهر غير حقيقية “مدارس نموذجية”، “مكاتب للشهر العقاري نموذجية” وكأنها زرع الصوبات في المجتمع، هذه الظواهر القشرية الزائفة تغطي على حقيقة الظواهر القبيحة في المجتمع (النظام التعليمي ـ النظام الإعلامي ـ النسق الثقافي ـ النظام الإداري والبيروقراطي…. إلخ)

-الظاهرة العشوائية تضمن عناصر استمرارها وشروط تراكمها، وهي تضمن عوامل استمرارها من أنها لا تملك “قواعد لعبة” والتي تنظم قواعد العمل والسير بل هي في كل ظاهرة على حدة يمكن أن تنشأ قواعد عرفية في حل الأزمة والتعامل بالقطعة مع الظواهر المختلفة، طالما تسير الأمور، حتى إذا وقعت الواقعة صار المسؤولون غير مسؤولين، واختفى هؤلاء في لحظتها، ليطلوا علينا بكل وقاحة في حفلة أو مهرجان، الأزمات تمرر والاحتفالات تغطى، والمسؤولون مستمرون في مقاعدهم لأنهم لا يخطأون، وفي كل مرة ستمر العاصفة، ويبقى المسؤول “دعه يعمل دعه يمر” ويكمل غموض قواعد اللعبة، عملية تعويم الظاهرة ذاتها وعدم مواجهتها، لتستمر الظواهر العشوائية، برضا أصحاب السلطان ورغم أنف الجميع، ولننتظر مشهد أخر أقبح من سابقه.

بين جلد السلطة السميك الذي لا يحس ولا يشعر وبين ثقافة الانتظار ستولد الظواهر العشوائية وتتراكم.

-ويبقى في النهاية أن من أهم قواعد “استمرار الظاهرة العشوائية وتمكينها “هو أسلوب مواجهتها وعناصر الاستجابة لها، فإذا كانت السلطة قد تواجه ذلك بالتهوين أو بالتعتيم أو بالتعويم فإن الأخطر من ذلك أن يواجه المجتمع المثقف والأكاديمي هذه الظواهر بهذه الخفة والاستخفاف.

من عشوائية في التناول المنهجي، من تبسيط مخل أو خلط بين الأعراض والأسباب أو الممارسة التفسيخية للظواهر أو حال الانقسام الثقافي والانشطار الفكري والاستقطاب المذهبي وتأثير كل ذلك على الاقتتال حول الظواهر “وصفا وتفسيرا وتحليلا وتقويما، أو التعامل الآني مع الظواهر وهو ما يفرض علينا رؤية تتعلق بالظواهر العشوائية واستمراريتها في إطار “النفاق البحثي للظواهر” وتغطية حجمها الحقيقي، والتسكين الخاطئ لها وتغييب الظواهر وذلك من خلال “دكاترة السلطان” الذين يبررون ويسوغون على حد تعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، وصناعة الاهتمام بظواهر أقل أهمية، والحديث عن الواقعية في تناول هذه الظواهر وعدم المبالغة في محاولة لتكريس خطوط وخيوط الانصياع لقوانين الظاهرة العشوائية إن ملكت تلك القوانين أو تزكية النظام الذي يولد معها.

وتبدو العملية في مجملها إلى جانب عشوائية تكوين الظاهرة وعشوائية الوسط المحيط بها، تضاف إليها عشوائيات أخرى عشوائية الوصف والرصد، وعشوائية في التحليل والتفسير، وعشوائية في التقويم، هل يمكن بعد كل هذا التعرف على مآلات هذه الظواهر ومستقبلها. وغاية أمر هؤلاء أن يسهموا في حل المشكلات بعقد ندوة هنا أو هناك في أفخم الفنادق فيحلون هذه القضايا والأزمات بندوة أو ندوات وكأن في “نصب” الندوة حلا للقضية ومواجهة للأزمة.

وغاية أمر قضايانا التي تعتمل على ساحة بلادنا ومجتمعنا وفي عقر دارنا، أن نتعامل معها بالوأد، تصرخ القضايا في وجهنا “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ” (سورة التكوير: أية 8-9)

تداعت كل تلك الخواطر حول الظاهرة العشوائية حينما استعرضت شريط حال المواطن في مصر المحروسة، وأحوال سلطانها ونظامها، وحال مجتمعها. فتشهد مصر في الآونة الأخيرة ليس فقط امتدادا جغرافيا للظاهرة العشوائية (سكان المقابر ـ حال العشوائيات السكنية ـ المهمشون ـ أطفال الشوارع… إلخ) بل تشهد امتدادا أفقيا صار يزحف على كل مجالات المجتمع شهدت مجموعة من الأحداث والظواهر تداخل فيها السياسي مع الاجتماعي مع الديني.

واختلطت فيها المجالات، الشخصي مع الخاص مع العام مع السياسي وأحاط بكل هذا “إعلام” وفي غالب أحواله “إعلان” رصد ووصف كيفما أراد وهون وهول كيفما اتفق، وهمش ظواهر وأكد على بعضها، وتشابكت الأطراف وربما اشتبكت، السلطة والسلطان، والرعايا والأفراد والمواطنون والمثقفون والمفكرون، وبدا كل شى يتحرك عشوائياً، مختلطاً مرتبكاً، متداخلاً مشتبكاً، متزامناً محتشداً، متناقضاً مجتمعاً.

وسنظل نفتح ملف العشوائيات والظاهرة العشوائية لأنه سيلد كثيرا من المتناقضات، إلا أن الظاهرة العشوائية صارت تحيط بنا وتمسك بتلابيبنا، وصارت تشكل معظم أنساق التفكير والتدبير والتسيير والتغيير والتأثير. فصار كل ذلك عشوائيا، وظلت الاستجابات عليلة وكليلة وعشوائية تتراوح ما بين الانفعال والافتعال والإغفال فهل سنظل ننتظر أن تتحول العشوائيات إلى أزمات، والأزمات إلى فيضانات مغرقة وطوفانات مهلكة؟

“إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ…” (سورة هود: من آية 88)

للإطلاع على ملف الPDFإضغط هنا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close