fbpx
دراسات

القضاء وضمانات حماية حقوق الإنسان

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

العدالة الجنائية هي مجموعة من العناصر المتعاونة فيما بينهما في سبيل إحقاق العدل والإنصاف، بدءا بمرحلة البحث التحقيق في الجرائم مرورا بمرحلة إصدار الحكم انتهاء بمرحلة تنفيذ الحكم.

والعدالة الجنائية تهدف إلى تحقيق العدل والإنصاف بين أطراف ثلاثة وهي: المنسوب إليه ارتكاب الجريمة (المتهم)، حيث يجب أن توفر له كافة الضمانات القانونية والعملية في جميع المراحل السابقة، أما الطرف الثاني فهو الضحية، ففي حال ثبوت أركان الجريمة وجب تعويضه تعويضا عادلا عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية، أما الطرف الأخير فلا علاقة له بالجريمة بشكل مباشر وهو المجتمع الذي ينتمي إليه كل من المتهم والضحية، والذي ينبغي إنصافه عن طريق إقامة العدل سواء مع المتهم أو مع الضحية حتى لا يفقد المجتمع ثقته في العدالة وما تمثله من سيادة للقانون إذا ما تم تبرئة المتهم رغم وجود حجج دامغة ضده، مما قد يشجع أشخاصا آخرين على ارتكاب جرائم مماثلة، وأيضا عقاب أي شخص إدانته بغير وجه حق قد يضر بالمجتمع.[1]

وهناك مصطلحان يتدافعان بقوة في هذا الشأن وهما المجال الجنائي أو المسائل الجنائية ” Pénal Matière” من جهة ومصطلح العدالة الجنائية من جهة ثانية، وهو ما يطرح مشكلا حقيقيا حين البدء في تطبيق الإجراءات الجزائية إلى غاية الوصول إلى العدالة الجنائية والوصول كذلك إلى تطبيق النظام العام من خلال تحمل الدولة كامل مسؤولياتها.[2]

ويعتبر القضاء الجنائي المحور الرئيسي في عناصر العدالة الجنائية ممثلا في ذلك بالقضاة والنيابة العامة، ويساعدهم أيضا في تحقيق هذه العدالة أعوان وضباط الشرطة القضائية، بالإضافة إلى الخبراء، المترجمون، كتاب الضبط، والمحامون باعتبارهم من مكونات العدالة، زيادة على ذلك يساعد القضاء إدارة السجن كساهر أمين على تنفيذ الأحكام القضائية.[3]

ولأجل فاعلية العدالة الجنائية ينبغي أن تكون هناك ضمانات قوية من خلال تحقق مبدأي المساواة أمام القضاء واستقلال القضاء، واحترام مبدأ القاضي الطبيعي، بالإضافة إلى توفير كل ما يضمن لرجال القضاء راحتهم في عملهم ومعيشتهم.

يعتبر القضاء السلطة الأهم التي يلجأ إليها الشخص للدفاع عن حقوقه لذا وجب أن يتميز هذا الأخير في تعاطيه مع المتقاضين بأن يكون ضامنا لكل حق دافعا كل مظلمة، وهذا لن يتأت إلا إذا كان القضاء بصفة عامة والقضاء الجنائي بصفة خاصة مراعيا لهدف المشرع من رصد هذه الحماية الجنائية في حال كانت هناك جريمة.

ومن هذه الضمانات كذلك ضرورة مراعاة الشرعية الجنائية ومراعاة مبدأي المساواة أمام القضاء واستقلاله عن أية سلطة أخرى أو أي مؤثر خارجي مهما كان، وهذا ما سيتم تناوله في المطلبين الآتيين، المطلب الأول: الحماية الجنائية لحقوق الإنسان، المطلب الثاني: ضمانات حماية حقوق الإنسان في القضاء الجنائي

المطلب الأول: الحماية الجنائية لحقوق الإنسان

الإعدامات خارج نطاق القضاء
الإعدامات خارج نطاق القضاء

الحماية الجنائية تهدف بالأساس إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في إطار القوانين الوطنية مع مراعاة الاتفـــاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها هذه الدول، ولا يمكن الحديث عن أية حماية جنائية لحقوق الإنسان طالما كان كل من العقاب والثواب بعيدين عن الشرعية وبالخصوص الشرعية الجنائية، سواء تعلق الأمر بتطبيق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات احتراما للمبدأ القانوني “لا عقوبة بغير نص قانوني” من جهة، ومن جهة ثانية ضرورة احترام القانون عند محاولة الوصول إلى الحقيقة المتمثلة في العدالة الجنائية سواء في أثناء التحقيق أو عند المحاكمة الجنائية، حتى يتسنى أن تتناسب العقوبة والجريمة المرتكبة وهو ما يعرف بشرعية التنفيذ العقابي.

والحماية الجنائية لحقوق الإنسان تتمحور حول أمرين اثنين وهما بمثابة فرعي المطلب الأول وهما: الفرع الأول: هدف الحماية الجنائية، الفرع الثاني: الشرعية الجنائية

الفرع الأول: هدف الحماية الجنائية

وقع الفقه عند تعريفه للحماية الجنائية في الخلط بين الحماية الجنائية لحقوق الإنسان، وبين الدراسة التطبيقية والنظرية للجرائم التي تقع على هذه الحقوق والتي لا تعدو أن تكون تحديدا لأركان الجرائم والظروف المحيطة بها مع الاستشهاد بتطبيقات قضائية عليها.[4]

لأنه في بعض الأحيان قد يكون الحد من تجريم الفعل بنص قانوني هو الوسيلة المناسبة لحماية حق من الحقوق، مثل منع تجريم الإضراب لأنه حق منصوص عليه في قواعد الشرعة الدولية بموجب الفقرة (د) من المادة (8) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهو يمثل الحد الأدنى من الحقوق المعترف بها للإنسان العامل، وقد يكون وجوب تجريم الفعل أحيانا سببا في حماية حقوق الإنسان لأن عدم التجريم والعقاب يؤدي إلى انتهاك حق الإنسان والاعتداء عليه من السلطة العامة، ومثال ذلك تجريم التعذيب الواقع على الشخص المتهم من قبل رجال الشرطة واستنطاقه بالقوة، ونفس الشيء بالنسبة للاعتقال التعسفي بغير وجه حق.

وأحيانا يمكن الاستغناء عن الحماية الجنائية ليستعاض بدلا عنها بحماية قانونية أخرى، حتى لا يكون هناك ازدواجية في الحماية القانونية.

وهناك أيضا تميز واضح بين الحماية الجنائية لحقوق الإنسان وبين الحماية الجنائية للأشياء والأموال، حيث يوجد اختلاف نوعي في المنهج والنطاق والمصادر بينهما، فالحماية المقررة لحقوق الإنسان جنائيا لا ينبغي أن تتأثر بالظروف الداخلية للدولة لتعلقها بآدمية الشخص وإنسانيته، وينبغي أن تخضع هذه الحماية لقواعد الحد الأدنى المقررة دوليا، وهي الحماية المقررة للإنسان في مواجهة السلطة العامة بخلاف الحماية الجنائية المقررة للأشياء والأموال حيث لا يوجد فيها حد أدنى ينبغي توفيره بل يختلف مداها من دولة لأخرى تبعا لأوضاعها الداخلية، وقد يختلف في الدولة ذاتها من وقت لآخر كما أن الحماية الجنائية للأشياء والأموال موجهة إلى عدوان الأفراد عليها وليس إلى عدوان السلطة العامة.

وتعتبر الحماية الجنائية أهم أنواع الحماية القانونية لحقوق الإنسان ووسيلتها في ذلك هي القانون الجنائي ووظيفة هذا الأخير حمائية، حيث أنه يحمي حقوقا لم تعد تكفيها الحماية المقررة لها في ظل فروع القانون الأخرى،[5] فحسب بعض الفقه الفرنسي فالقانون الجنائي يحمي الإنسانية والعنصر البشري في آن واحد،[6] وذلك بما يوفره من إجراءات تنال شخص المعتدي على حقوق الإنسان، كما أن هناك تلازما بين ديمقراطية نظام حكم معين وبين اتساع نطاق هذه الحماية من ضيقها.[7]

لذا فالقانون الجنائي يجب أن يستمد مبادئه من الديمقراطية وفي هذا ضمانة كبرى للسيادة الوطنية وهو ما سيحمي حتما السيادة الشعبية لأن المشرع في نهاية الأمر لا يتكلم إلا باسم الشعب.

و قد ظهرت في فرنسا أصوات تنادي بوجود مشكل حقيقي وهو أن هذه الأخيرة على وشك فقدان السيطرة والتحكم في قانونها الجنائي وهذا لصعوبة الموازنة بين القانون الجنائي وسيادة الديمقراطية.[8]

فالقانون الجنائي بشقيه- قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية- هدفه الأساسي هو حماية المصالح الاجتماعية، سواء كانت مصالح عامة تتعلق بالمجتمع بأسره أو مصالح خاصة تتعلق بحقوق الأفراد،[9] وهو ما يعطي للقانون الجنائي خصوصية تميزه عن بقية فروع القانون الأخرى نظرا لطبيعة الجزاء المقرر والذي يتسم بالشدة ويمس بحرية الشخص إذا ما قورن بفروع القانون الأخرى، وكذلك نظرا لطبيعة المصلحة التي يحميها قانونا.[10]

حيث يحمي قانون العقوبات المصلحة الاجتماعية من خلال الجزاء القانوني الذي يفرضه عند الاعتداء على قيم ونظام المجتمع، ولكي يحقق قانون العقوبات مبتغاه في الحماية ينبغي أن يوفق بين معيارين، فالمعيار الأول يتمثل في قدرة قانون العقوبات على حصر المصالح والقيم التي يجب حمايتها، أما المعيار الثاني فهو تناسب الجزاء الجنائي مع الاعتداء على قيم ومصالح المجتمع.[11]

بينما قانون الاجراءات الجزائية يحمي المصلحة الاجتماعية من خلال تنظيمه للإجراءات المؤدية لكشف الحقيقة، وما يوفره من ضمانات للمتهم حماية له من كل اعتداء على حريته في أثناء البحث عن الحقيقة، ويبقى هدف القانون الجنائي من خلال الإجراءات الجزائية تحقيق التوازن بين المصلحة العامة وحقوق الإنسان وذلك من خلال فاعلية العدالة الجنائية في ضمان حماية حقوق الإنسان، علما أن الصراع مستمر بين مقتضيات الضبط الاجتماعي ومتطلبات حق الفرد في الحرية على حسب ما جاء به بعض الفقهاء.[12]

وقد رأى جانب من الفقه في أن تشجيع الناس على زيارة بلد ما لا يكون إلا بدفعهم للبحث والاطلاع على دستور ذلك البلد وعلى قانون الإجراءات الجزائية فيه.[13]

فأهم شيء يحميه القانون الجنائي هو حقوق الإنسان سواء في شقه المتعلق بقانون العقوبات أو في شقه الآخر المتعلق بقانون الاجراءات الجزائية، فالشرعية الجنائية التي يخضع لها القانون الجنائي لها صلة قوية بحقوق الإنسان.[14]

وقد يطرح القانون الجنائي مشكلة حماية حقوق الإنسان لما ينطوي عليه قانون العقوبات من التجريم والعقاب، وكذلك من خلال مباشرة إجراءات الخصومة عن طريق قانون الاجراءات الجزائية، وما قد ينجر عنه من تجاوز السلطة للقدر الضروري واللازم لحماية المجتمع وضمان أمنه، وكذلك من خلال إجراءات التنفيذ العقابي على الأفراد المحكوم عليهم جنائيا.[15]

وبخصوص قانون الاجراءات الجزائية فإنه توجد صعوبة بالغة لأجل التوفيق بين الفاعلية في البحث عن الحقيقة، وما يسببه ذلك من احتمال انتهاك حقوق الإنسان، وبين حتمية احترام حقوق الإنسان وما يترتب عليه من كبح للعدالة في الوصول إلى عقاب الجناة، ففي فرنسا مثلا وجدت محاولة للتوفيق بين أهم مكونين وهما الفاعلية والعدالة من خلال استعمال النظام التنقيبي أحيانا مثل ما هو حاصل في مرحلة التحقيق، فهي مرحلة سرية مكتوبة ولا تعتمد على الوجاهية، كما يتم الاعتماد على النظام الاتهامي في أحيان أخرى – في محاولة للتوفيق بين الفاعلية والعدالة- وذلك في مرحلة المحاكمة التي تتميز بالشفوية والعلانية والوجاهية.[16]

وقانون الإجراءات الجزائية يمس معظم مفاصل الحياة الخاصة للفرد لما له من أهمية بالغة القدر.[17]

قد اعتبر احترام حقوق الإنسان أساسا للعدل بموجب الفقرة الأولى من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها ما يلي:” لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”، بينما نصت الفقرة الثالثة على أنه:” ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد والاستبداد والظلم”، فيما أكدت الفقرة السادسة على أن الإدراك العام لهذه الحقوق والحريات ذو أهمية كبرى في الوفاء التام بهذا التعهد العالمي الذي تم التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة وهو أن حقوق الإنسان مضمونة ومصونة.

فمن غايات الأمم المتحدة إنفاذ القانون وإدارة شؤون العدالة بمزيد من الكفاءة والفعالية مع ضرورة احترام حقوق الإنسان، وهو ما يحتم على كل دولة إقامة نظام للعدالة الجنائية منصف ومتسم بالمسؤولية الأخلاقية والكفاءة.[18]

والعدل القائم على سيادة القانون هو عماد المجتمع المتحضر، ونظام العدالة الجنائية المتسم بالإنسانية والكفاءة هو أداة للإنصاف وإحداث التغيير الاجتماعي البناء وإحقاق العدل الاجتماعي وحماية القيم الإنسانية وحقوق الشعوب غير القابلة للتصرف.[19]

وهو ما لا يتحقق إذا كان النظام القانوني للدولة لا يتسق مع إعمال الحقوق حيث جاء في المادة (2/2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية”.

حقوق الإنسان التي تعتبر محلا للحماية الجنائية هي كل ما هو معترف به من حقوق مقدسة تستمد طبيعتها من الإنسانية ذاتها والتي تمثل الحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه، فهي حقوق ملتصقة بشخصية الإنسان، كما تمثل ضمانة لحماية الأشخاص ضد استبداد الدولة، ولا يمكن تصور انتهاكها لأنها في هذه الحالة ستعصف بإنسانية الفرد.

وقد يقترب من هذا التعريف لحقوق الإنسان اصطلاح حقوق الشخصية، هذه الأخيرة تعني فيما تعنيه كل الحقوق التي تنصب على مقومات الشخصية وعناصرها والتي تهدف إلى حماية وتتمة هذه الأخيرة، وهي الحقوق التي تعنى بعلاقات الأفراد بين بعضهم البعض، وبالتالي حماية مقومات الشخصية من اعتداء الأفراد لا الدولة.[20]

وبالرغم من اقتراب معنى حقوق الشخصية من معنى حقوق الإنسان إلا أنه يبقى لكل منهما مجاله الخاص وخصوصيته، والذي يتحدد بحسب طبيعة الحماية إن هي رصدت لحماية الشخص من عدوان الأشخاص العاديين أو من عدوان الدولة، كما يمكن إرجاع الاختلاف بين الحماية المرصودة لكل الحقوق الواردة تحت المعنيين السالفين بالدرجة الأولى إلى ازدواج القانون إلى عام وخاص، لأنه يتعين في حال تعرضت هذه الحقوق المتعلقة بشخص الإنسان إلى اعتداء من جانب الدولة أن يتولاها القانون العام، وفي حال تعرضها لاعتداء الأفراد فإنه يتدخل القانون الخاص لكي يحميها، حيث أن الأفراد متساوون في هذه الحقوق وفي إلزامية احترامها.[21]

ويعتبر بعض الفقه أن السياسة الجنائية تمثل جوهر حماية حقوق الإنسان، هذه السياسة التي هي عبارة عن مجموعة من الأساليب المعينة سلفا والتي يتوجب الالتزام بها لمواجهة الجريمة بجميع مراحلها بهدف حماية المجتمع من الإجرام، ولكن الدعامة الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها السياسة الجنائية – لأجل تحقيق العدالة الجنائية- هي الموازنة بين حماية المجتمع وحقوق الإنسان في مرحلة التدابير المانعة للجريمة والموجهة ضد الخطوات التي تسبق الجريمة والتي قد تنتهك فيها الحقوق والحريات مما يوجب إخضاع جميع الوسائل والأساليب التي تلجأ إليها السلطات المعنية لمبدأ الشرعية، وبالتالي فصلاح السياسة الجنائية يؤدي إلى حماية حقوق الإنسان بينما إذا أسيء استعمالها سيحدث العكس.[22]

بحسب ما جاءت به ديباجة مرفق الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا(9/12/1998) فإن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، حيث نصت الفقرة (6) من الديباجة على أن:” وإذ تعيد تأكيد أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حقوق وحريات عالمية غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتصلة فيما بينها، وينبغي تعزيزها وتنفيذها بطريقة عادلة ومنصفة دون الإخلال بتنفيذ أي من هذه الحقوق والحريات”.

و ينص البند(3) من نفس الإعلان على أن القانون الوطني المتسق مع ميثاق الأمم المتحدة والالتزامات الدولية الأخرى التي تقع على عاتق الدول في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية يمثل الإطار القانوني الذي ينبغي أن يجري فيه إعمال هذه الحقوق والتمتع بها بشكل فعال، وهو ما دعا المشرع الدستوري الجزائري في القانون رقم 16/01 المتضمن التعديل الدستوري والمؤرخ في 26 جمادى الأولى 1437 الموافق لـ 6 مارس 2016 إلى تبني مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه لأول مرة كنص من نصوص الدستور في المادة (31).

كما نص الدستور الجزائري في المادة(32) من دستور 1996 والتي أصبحت تحمل الرقم (38) بموجب التعديل الدستوري المشار إليه على أن: “الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة، وتكون تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته وعدم انتهاكه”.

فالمسؤولية الأولى عن منع الجريمة والعدالة الجنائية تقع على عاتق الدول،[23] لذا فكل دولة ملزمة باستحداث نظام لمنع الجريمة والعدالة الجنائية يتسم بالإنصاف والفعالية، مع ضرورة أن تراعى حماية حقوق الإنسان في سياق إقامة العدل ومنع الجريمة ومكافحتها.[24]

وقد أشار القانون الدولي إلى الترابط بين الديمقراطية والأمن والخطر الذي يتهددهما من الجريمة بكل أشكالها:” ونحن نسلم أيضا بأن الديمقراطية ونوعية الحياة الأفضل لا يمكن أن يزدهرا إلا في سياق من السلم والأمن للجميع وتشكل الجريمة خطرا يتهدد استقرار البيئة وسلامتها وعلى ذلك فإن منع الجريمة والعدالة الجنائية مع المراعاة الواجبة لاحترام حقوق الإنسان يسهمان على نحو مباشر في صون السلم والأمن”، وفي سبيل ذلك أنشئت لجنة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية تضم (40) دولة.[25]

فوجود نظام عدالة جنائية يتصف بالإنصاف والمسؤولية الأخلاقية والفعالية يشكل عاملا مهما في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأمن الإنسان.[26]

و تأخذ الحماية الجنائية على المستوى الدولي مفهوما يرجع بالأساس إلى المعاهدات الملزمة والمتعلقة بحماية حقوق الإنسان من تعدي السلطة على الفرد، والتي تمثل الحد الأدنى الذي لا يمكن تجاوزه من حقوق، لما تمثله هذه الأخيرة من قاسم مشترك بين البشرية جمعاء وهو ما أكده الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ ضد الدولة الإيطالية: “إن موضوع معاهدة حقوق الإنسان لم يكن لحماية الدولة وإنما كان لحماية الإنسان وحقوقه الأساسية، وهو ما يلزمنا بفهم قواعد المعاهدة بما يحقق تمتع الأفراد بهذه الحقوق بالفعل، وبصورة إيجابية بعيدا عن مجرد الفهم النظري للنصوص فيتعين على الدولة علاوة على احترامها وحمايتها لهذه الحقوق أن تعمل ما يؤدي إلى تحقيقها للإنسان بالفعل، حتى يتمكن من التمتع بها فعلا، فالتزام الدولة هنا التزام فوري وحاسم لأنه في حقيقته التزام بتحقيق غاية”.[27]

الفرع الثاني: الشرعية الجنائية

سجون مصر تاريخ المفاوضات على الحرية
سجون مصر تاريخ المفاوضات على الحرية

يعتبر القانون هو الحكم والسيد في الوقت ذاته بين جميع مكونات المجتمع في علاقاتهم بعضهم ببعض وفي علاقات الأفراد بالدولة وسلطاتها المختلفة، حيث يضمن احترام حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة السلطة العامة، وهو ما يعبر عنه بمبدأ سيادة القانون وقد يتلون أحيانا بعدة مصطلحات.[28]

وقد نصت المادة (7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ سيادة القانون حيث جاء فيها:” كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا”، كما نص الدستور الجزائري على مبدأ سيادة القانون في المادة (29) والتي أصبحت تحمل الرقم (32) بموجب القانون 16/01 المتضمن التعديل الدستوري.

كل الذي يعطي لمبدأ سيادة القانون معناه الفعال هو مبدأ الشرعية أو المشروعية بمعناه الدقيق، حيث جاء في تعريف المؤتمر الدولي لرجال القانون بنيودلهي عام 1959 للشرعية على أنها كل المثل والخبرة القانونية المجمع عليها جميع رجال القانون في أغلب دول العالم، وهو المبدأ الذي يقوم على عنصرين هامين، فالعنصر الأول ومهما اختلف مضمون القانون فإن كل سلطة من سلطات الدولة ترجع في نشأتها للقانون وتعدل وفقا له، أما العنصر الثاني وهو أن هدف القانون هو احترام حقوق الانسان.

وواضح أن الشرعية الدستورية وسيادة القانون مكملان لبعضهما البعض، فالشرعية الدستورية هي المبدأ، أما التزام سلطات الدولة باحترام هذا المبدأ، فإنه يكون بمثابة مبدأ سيادة القانون، واجتماع الشرعية الدستورية مع مبدأ سيادة القانون هو ما اصطلح على تسميته بالمشروعية أو الشرعية مثلما سبق ذكره.[29]

وهناك من حاول إعطاء فكرة وتصور آخر للشرعية، يتمثل في منح الاختصاص للقضاء في إشرافه على التنفيذ العقابي، مثلما جاء في المؤتمر الدولي الرابع لقانون العقوبات سنة 1937 المنعقد في باريس حيث جاء بتوصية مفادها: “إن مبدأ الشرعية وضمانات الحرية الفردية تتطلب تدخل السلطات القضائية في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية”.[30]

ونظرا لتتبع القانون الجنائي للجريمة في كافة مراحلها بدءا من تجريمها إلى إصدار الحكم وتنفيذه، فإن الشرعية ترافق جميع المراحل لما قد يلحق حرية الإنسان من اعتداء، ولضمان ذلك كانت هناك ثلاثة قواعد للشرعية الجنائية لا يمكن تجاوزها بأي حال وهي:[31]

أولا- شرعية الجرائم والعقوبات: بناء على القاعدة الفقهية لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، وذلك إمعانا في حماية الإنسان من تسلط الدولة عليه بهواها وبغير قانون، وهو ما يمثل الجانب الموضوعي للشرعية الجنائية.

وهو ما نص عليه المشرع الجزائري في قانون العقوبات رقم 66/156 (18صفر 1386 الموافق لـ 8 يونيو 1966)، بموجب المادة (1) حيث جاء فيها:” لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون”، وأيضا نص عليها الدستور الجزائري لعام 1996 بموجب المادة (46) والتي تحولت إلى المادة (58) بموجب التعديل الدستوري لعام 2016.

وفي هذا الشأن أبرزت المحكمة الدستورية العليا المصرية النتائج المترتبة عن شرعية الجرائم والعقوبات فيما يلي: ألا تكون العقوبة الجنائية التي توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة في ذاتها أو ممعنة في قسوتها، ورجعية القانون الأصلح للمتهم ضرورة حتمية لصيانة الحرية الفردية مما كان سيلحقها في ظل القانون القديم، وينبغي أن تكون الأفعال التي يعاقب عليها قانون العقوبات محددة بشكل قطعي ما يجنبها الالتباس مع غيرها، ويجب الاعتداد بالركن المادي للجريمة في إقرار العقوبة، أما النوايا فإنها من غير المعقول أن يعاقب عليها الشخص لأنها غير معلومة ولم تخرج للعلن في شكل عمل مادي.

وهو ما ذهبت إليه كذلك المحكمة العليا في الجزائر في كثير من اجتهاداتها، حيث جاء التأكيد على المبدأ الوارد في نص المادة (1) من قانون العقوبات والقائل بأنه لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص القانون.[32]

ولأجل تأكيد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات جاء في قرار آخر للمحكمة العليا ما يفيد الأخذ بالقانون الأصلح للمتهم وعدم رجعية القانون، حيث نسب إلى المتهم وقائع بتاريخ 26/04/1992 لكن المرسوم التشريعي رقم 92/03 المؤرخ في 30/09/1992 المتضمن محاربة الإرهاب شدد في العقوبة المقررة على أفعال المتهم، ولهذا أبطل حكم محكمة الجنايات المخالف للمادة (2) من قانون العقوبات والتي تنص على عدم رجعية القانون إلا إذا كان في صالح المتهم.[33]

وفي قرار آخر للمحكمة العليا تم تطبيق نص المادة (29) من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في جريمة اختلاس أموال عمومية، على الرغم من أن هذه الجريمة وقعت في ظل المادة (119) الملغاة من قانون العقوبات والتي تشدد في العقوبة ضد المتهم، حيث أن المادة (29) تعاقب على فعل الاختلاس بالحبس من سنتين إلى عشرة سنوات، في حين تم إدانة الطاعن وفقا للمادة (119) الملغاة بالسجن المؤبد وهو ما يخالف القانون.[34]

ونفس التأكيد على القانون الأصلح للمتهم جاء في قضية النيابة العامة ضد (م م)، حيث كان على قضاة الاستئناف أن يطبقوا القانون الأصلح للمتهم وليس التصريح بعدم الاختصاص النوعي لأن السرقة المقترفة بظرف الليل سرقة موصوفة ولم تعد بعد تعديل المادة (354) من قانون العقوبات معاقبا عليها بعقوبة الجناية، لكن إذا صدر قانون جديد يجرم نفس الفعل مثله مثل القانون السابق فإن الدعوى العمومية لا تنقضي ولن يكون هناك محل لتطبيق القانون الأصلح للمتهم والذي قد يكون في شكل عدم متابعة قضائية.[35]

ثانيا- الشرعية الإجرائية الجنائية: وهو ما يمثل الدعامة الثانية للشرعية الجنائية بعد الدعامة الأولى المتمثلة في شرعية الجرائم والعقوبات، بحيث ينبغي أن يكون القانون هو المصدر الأول لأي إجراء يتخذ ضد الفرد مع افتراض براءة المتهم في كل إجراء من هذه الإجراءات.

ثالثا- شرعية التنفيذ العقابي: وهي الجانب التطبيقي والتنفيذي للشرعية الجنائية، فإدانة المتهم تبيح المساس بحريته لأجل تقييدها وفقا لحكم القانون، لكن ينبغي أن يتم ذلك بشروط تراعي الهدف من الجزاء الجنائي، ولم يبدأ الاهتمام بحقوق الإنسان في هذا الجانب التنفيذي إلا استجابة لتيار الدفاع الاجتماعي، مما دعا الأمم المتحدة لإصدار القواعد النموذجية لمعاملة السجناء التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه لعامي 1957 و1977.

وقد اعتبرت المحكمة الدستورية العليا في مصر أن شرعية التنفيذ تكمل الشرعية الإجرائية، لأن تنفيذ الحكم هو الحلقة النهائية في حلقات التقاضي.

و هو ما ذهبت إليه كذلك المحكمة العليا الجزائرية في أحد قراراتها حيث أقرت بأن المسؤولية الجزائية في حال التنفيذ العقابي تكون شخصية ولا يمكن تجزئتها بين عدة أشخاص بل يتحملها المسؤول عنها إن كان فردا أو مجموعة من المسؤولين عن ارتكاب الجريمة والمعيار الذي يؤخذ فقط في حالة تعدد المشاركين هي وضعية كل منهم في ارتكاب الفعل سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا أو بصفته مشاركا، لكن لا يمكن بأي حال تقسيم المسؤولية الجزائية بين شخص اعتبر الفاعل الأصلي وبين شخص الضحية.[36]

و قد أحالت غرفة الاتهام المتهمين على أساس المادة (422) مكرر من قانون العقوبات على أساس الإخلال بالتزامات وظيفية من دون إثبات عنصر العمد لقيام المسؤولية الجزائية ولهذا اعتبرت المحكمة العليا ذلك مخالفا لمبدأ المسؤولية الجزائية القائم على المسؤولية الشخصية.[37]

و لهذا تعتبر الشرعية الجنائية بجوانبها الثلاث صمام الأمن القانوني الذي يجب أن يراعيه المشرع الجنائي من أجل حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.[38]

و يُرى بأن أغلب المشاكل والاعتداءات على حقوق الإنسان تتم في مرحلة تتبع الواقعة الإجرامية وتوجيه التهمة وإصدار الحكم، لذا فإننا سنركز على الشرعية الإجرائية باعتبارها القاعدة الثانية من قواعد الشرعية الجنائية فيما سيأتي من هذه الدراسة.

ولهذا فإن للشرعية الإجرائية وجهان هامان: أحدهما شكلي والآخر موضوعي.

فالوجه الشكلي يعني أن يكون الدستور هو المصدر الأول لأي إجراء جنائي، وفي حقيقة الأمر فإن ما أوردته المواثيق الدولية يعتبر معيارا للشرعية فيما تعلق بتحديد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، مما يحتم على المشرع الدستوري الأخذ بما جاء في هذه المواثيق الدولية.[39]

وهذا ما أخذ به الدستور الفرنسي لعام 1958، حيث جاء في ديباجيته أن الشعب الفرنسي يعلن بصفة رسمية تمسكه بحقوق الإنسان، كما قرر المجلس الدستوري الفرنسي عدم دستورية أي قانون يناقض ما جاء في ديباجية الدستور – تضم الديباجية إعلان 1789، مقدمة دستور 1946، الحقوق والواجبات المنصوص عليها في ميثاق البيئة لعام 2004، والمبادئ الأساسية التي تعترف بها قوانين الجمهورية- حيث وبالرغم من عدم وجود نص دستوري صريح فإن المجلس الدستوري اعتبر بعض النصوص التشريعية مخالفة للدستور، كما أنشأ مبادئ لم ترد بشكل صريح في الدستور الفرنسي مثل: مبدأ احترام حقوق الدفاع، مبدأ استمرار المرفق العام، ومبدأ استقلال أساتذة الجامعة.[40]

وهو نفس الأمر الذي سارت عليه المحكمة العليا الأمريكية والمحكمة العليا الدستورية في مصر، والتي اعترفت بدورها بمبدأ عدم جواز معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد رغم عدم وجود نص صريح في الدستور المصري، بل جاء تماشيا مع المادة 14/7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك اعتبار الحق في تنفيذ الحكم حلقة من حلقات التقاضي،[41] وهو نفس ما ذهبت إليه المحكمة العليا في الجزائر حيث أكدت عدم جواز محاكمة شخص تم تبرئته على نفس الوقائع حتى ولو صيغت بتكييف جديد.[42]

واعتبرت المحكمة العليا أن إدانة شخص بحكم حاز قوة الشيء المقضي فيه ليتبين لاحقا أنه بريء بمثابة الخطأ القضائي.[43]

وقد تبنى الدستور الجزائري لعام 1963 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب المادة (11) منه، كما تبنى التعديل الدستوري الجديد لعام 2016 بموجب القانون رقم 16/01 ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه بموجب المادة (31).

كما تم التأكيد على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدستور الجزائري الحالي لعام 1996 بموجب المادة (32) والتي أصبحت تحمل الرقم (38) بموجب التعديل الدستوري الجديد لعام 2016، كما نصت المادة (34) منه على أن:

” تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان.

و يحظر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة”، وهي نفسها المادة (40) من التعديل الدستوري الجديد مع إضافة فقرة جديدة وهي:” المعاملة اللاإنسانية أو المهينة يقمعها القانون”.

و نصت المادة (35) من دستور 1996 والتي أصبح رقمها (41) بموجب التعديل الدستوري رقم 16/01 على أن القانون يعاقب كل اعتداء على الحقوق والحريات وكل ما يمس بالسلامة البدنية والمعنوية للإنسان، فيما أشارت المواد (45- 47) من دستور 1996 إلى مبدأ قرينة البراءة وهي المواد نفسها التي جاء بها التعديل الدستوري الجديد في المواد (56-59) مع إضافة مادة جديدة وهي المادة (57) المتعلقة بالمساعدة القضائية لكل معوز، وتعديل طفيف للمادة (45) من الدستور السابق والتي أصبحت تحمل الرقم (56)، كما اعتبرت المادة (59) من الدستور الجديد المعدلة للمادة (47) من الدستور السابق على أن الحبس المؤقت إجراء استثنائي وأن أي اعتقال تعسفي يعاقب عليه القانون، بل جاء التأكيد على حماية هذه الحقوق من خلال اليمين الدستورية لرئيس الجمهورية والتي نصت عليها المادة (76)من دستور 1996 والتي أصبحت تحمل الرقم (90):” وفاء للتضحيات الكبرى.. وأحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن”، كما نص دستور1996 على احترام حق الدفاع بموجب المادة (151) والتي غير رقمها إلى (169) بموجب التعديل الدستوري رقم 16/01:

” الحق في الدفاع معترف به.

الحق في الدفاع مضمون في القضايا الجزائية”.

و في كثير من المواد تطرق بشكل أو بأخر المشرع الدستوري لحماية حقوق الإنسان بمختلف أشكالها، وهو ما يؤكد أنه لا توجد أية مشكلة بالنسبة للدستور الجزائري بخصوص هذا الأمر، بل الإشكال هو في النصوص القانونية والتطبيق القضائي.

لنصل إلى الوجه الموضوعي للشرعية الإجرائية والذي يتمحور حول احترام حقوق الإنسان حيث لا يحق لأي دولة بأن تنزل بقوانينها وتنظيماتها فيما تقرره من حماية لحقوق مواطنيها وحرياتهم الأساسية عن الحد الأدنى لما هو معمول به في الدول الديمقراطية، أو لما تعتبره الدول الديمقراطية من المسلمات لأجل قيام دولة القانون.[44]

وبهذا تعكس الشرعية الإجرائية – قانون الاجراءات الجزائية – وبحق تطور الديمقراطية، لذا يجب تثبيت الضمانات اللازمة لحماية الحقوق والحريات بصفة عامة ضمن نصوصه وينبغي أن يكون ذلك تحت إشراف القضاء.[45]

لكن تبقى حماية حقوق الإنسان بالغة الأهمية وأمر صعب في نفس الوقت، خصوصا وأن التطور السريع الذي عرفته المجتمعات في مختلف المجالات بما في ذلك التطور العلمي الذي قد يستخدم بطريقة فيها مضرة لمصلحة الإنسان،[46] لذا فالصعوبة تكمن في كيفية حماية حقوق الإنسان من عدوان السلطة العامة كون عدوان الأفراد لا يثير إشكالا – يمكن تجاوز الاعتداء بالتوجه إلى السلطة العامة – وهذا ما يحتم وضع معيار واضح لا غبار عليه لتحديد متى تتدخل الدولة للقيام بمهامها ووظائفها، وبين التدخل الذي يعتبر عدوانا على الحرية،[47] لا سيما وأن مبدأ الشرعية الجنائية يمثل ما يصطلح عليه ” بالأمن القانوني” والذي تعبر عنه القاعدة الفقهية:” لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون”، والتي أصبحت قاعدة قانونية في قانون العقوبات الجزائري بموجب المادة (1)،[48] مما يحتم أن يوفر للقانون الجنائي الاستقرار القانوني اللازم لما يترتب عنه من نتائج بالغة الأهمية على حقوق وحريات الإنسان إذا تم إنكار هذا الاستقرار.[49]

و هناك علاقة وثيقة بين شكل النظام السياسي والدستوري للدولة من جهة، وبين الشرعية الجنائية من جهة أخرى، حيث أنها تتحدد بحدود وطبيعة العلاقة بين الفرد والدولة،[50] لكن وبالرغم من عمومية وقدم القانون الجنائي بفرعيه فإن حقوق الإنسان قد تمتهن بسبب اعتداء السلطة العامة على الضمانات التي يقررها.[51]

لهذا فحماية حقوق الإنسان في القضاء الجنائي لا تظهر جليا إلا في الواقع العملي وفي الممارسة اليومية للقضاء والدفاع، ولا يجب التعويل فقط على استقلال القضاء لأنه غير كاف بل يجب أن تدعمه عناصر أخرى أساسية مثلما سبق ذكره.[52]

المطلب الثاني: ضمانات حماية حقوق الإنسان في القضاء الجنائي

المصادر القانونية لنظم تسليم المجرمين
المصادر القانونية لنظم تسليم المجرمين

بداية نشير إلى مبدأي الفصل بين السلطات والمشروعية وبعدها نركز على مبدأي المساواة أمام القضاء واستقلال القضاء.

حيث لم يشر المشرع الجزائري في الدستور إلى مبدأ الفصل بين السلطات بشكل صريح، وإن كان يستشف ذلك بسهولة من استقراء نصوص مواد دستور1996 فقد نص في المادة (138) أن:” السلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون”، لكن التعديل الدستوري بموجب القانون رقم 16/01 والذي عدلت ديباجته وأصبحت أطول من سابقتها، حيث نص في الفقرة (13) منها على الفصل بين السلطات واستقلال العدالة ليأتي ويؤكد على أن هذه الديباجة مثلها مثل أية مادة فهي ملزمة واعتبرت الفقرة (22) منها أنها جزء لا يتجزأ من الدستور. كما نص على أن السلطة التنفيذية من مهامها تنفيذ القانون والسهر على حسن سير المرافق العامة،[53] أما السلطة التشريعية المشكلة من غرفتين وهما: مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، فلهما كامل السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليها وفقا لما جاءت به المادة (98) من دستور1996 وأصبحت تحت رقم (112) بموجب التعديل الجديد، وتمارس السلطة التشريعية دورها الرقابي على عمل الحكومة بموجب المادة (99) من الدستور السابق وهي نفسها المادة (113) من الدستور المعدل في 2016، فيما اعترف هذا الأخير لأول مرة بموجب المادة (114) للمعارضة البرلمانية بحقوق سياسية.

و بخصوص مبدأ المشروعية أو ما يعرف بسيادة القانون فقد أشار إليه الدستور بشكل صريح من خلال نصي المادتين (140، 142) من الدستور السابق، واللتان أصبحتا تحت الرقم (158، 160) بموجب التعديل الدستوري رقم 16/01.

و فيما يخص ضمانات حماية حقوق الإنسان في القضاء الجنائي فإنها تتراوح مثلما تمت الإشارة إليه بين مبدأ المساواة أمام القضاء (الفرع الأول)، ومبدأ استقلال القضاء (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مبدأ المساواة أمام القضاء

التدخل الإنساني والمبادئ العامة للقانون الدولي
التدخل الإنساني والمبادئ العامة للقانون الدولي

المساواة تعني عدم التمييز بين مواطني الدولة، فهم سواء أمام القانون لا فرق بينهم في تحمل الواجبات ولا في اكتساب الحقوق، مما يعني غياب كل معاملة تفضيلية بين المواطنين نظير اختلافهم في العرق، الدين، اللغة أو حتى في المركز الاجتماعي،[54] وبذلك فالمساواة هي منع التفرقة والتمييز بين المواطنين المتساوين حقيقة عند مخاطبتهم بالقواعد القانونية عند توفر شروط تطبيقها من أية سلطة من السلطات الثلاث، أو حتى عند مخاطبتهم من أشخاص قانونية أخرى موازية لهم في المجتمع، وهذا ما يصطلح عليه بالمساواة القانونية.[55]

فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ المساواة أمام القانون في المادة (7)، كما نص الدستور الجزائري على هذا المبدأ بموجب نص المادة (29) واعتبر كل الناس سواسية أمام القانون بحيث لا يمكن التذرع بأي سبب كان أو أي ظرف شخصي أو اجتماعي للهروب من هذه المساواة، والتي تغير رقمها ليصبح (31) بموجب التعديل الدستوري رقم 16/01.

و المساواة لا تعني التماثل والتطابق، فإذ أراد المشرع أن تكون المساواة بهذا التطابق فإنها سوف تكون بمثابة اللامساواة بكل تأكيد، لأن المساواة لا تتحقق إلا باختلاف المراكز القانونية للأشخاص المخاطبين بالقانون،[56] هذا ما يؤدي إلى نتيجة مفادها أن المساواة هي المعاملة بغير تمييز بين المراكز القانونية الواحدة وفقط، أما المراكز القانونية المختلفة فإنها تحتم عدم المساواة بينها وجوبا،[57] مما يؤدي بالمشرع عند سنه للقواعد القانونية مراعاة جانبين هامين هما:

1- أن يكون معيار التمييز موضوعيا ومجردا عند وضع القواعد القانونية بغض النظر عن جنس أو أصل أو لغة أو عقيدة الأشخاص المخاطبين بها، والقاعدة القانونية ينبغي أن تعبر بشكل صريح عن المصلحة العامة للمجتمع.

2- أن تُفعل الغاية من القانون في تحديد القواعد القانونية المطبقة على كل مركز قانوني، فلكي تكون هناك مساواة وجب أن يتطابق اختلاف القانون مع الغاية من النص القانوني، فقد قرر المجلس الدستوري الفرنسي أنه ينبغي فيما يخص القانون الذي يحدد اختيار القضاة عن طريق الانتخاب ألا يعطي بالا للمكانة الاقتصادية للمشتركين في الانتخاب، وإلا اعتبر إخلالا بمبدأ المساواة أمام القانون لأن الغاية من القانون هي تشكيل محكمة وليس تشكيل جمعية لأصحاب المصالح الاقتصادية.[58]

وفي كل الأحوال لا ينبغي أن يتعارض إقرار مبدأ المساواة بين الأفراد مع الصالح العام للمجتمع في حال التطبيق الخاطئ لها المبدأ.[59]

والمساواة في القانون الجنائي تشمل كلا الشقين، الشق الموضوعي الذي يمثله قانون العقوبات والشق الإجرائي الذي يمثله قانون الإجراءات الجزائية، وقد أطلق على هذا المبدأ مصطلح “مبدأ الألف وجه”، فالمساواة في الإجراءات الجزائية مثلا ذات طبيعة خاصة بالنظر للمصالح المختلفة التي يستوجب حمايتها، فمراكز الخصوم تتمايز وتختلف في الدعوى الجنائية، حيث يعطي القانون للنيابة العامة كونها تمثل المجتمع سلطات واسعة، بخلاف المتهم الذي لا يحوز على هذه السلطات بالرغم من الضمانات المتاحة له لمواجهة هذه السلطات، وهو ما يختلف كلية عن مركز الخصوم في الدعوى المدنية والذين لهم نفس التوازي والتوازن في هذه المراكز القانونية.[60]

واعتبرت المحكمة العليا أن منح التعويض لأي طرف لم يتأسس كطرف مدني على مستوى الدرجة الأولى هو خرق لمبدأ التقاضي على درجتين وهو بذلك خرق لمبدأ المساواة في الإجراءات الجزائية.[61]

و رأت المحكمة العليا إخلالا بمبدأ المساواة ما ذهب إليه قضاة الموضوع في إعادة تكييف التهمة من جنحة العصيان إلى جنحة التعدي على ملكية عقارية وفصلهم في القضية من غير تمكين الأطراف من إبداء رأيهم في التكييف الجديد وهو ما اعتبرته خرقا لقواعد جوهرية في الإجراءات.[62]

و نظرا لاختلاف المراكز القانونية بالنسبة للخصوم وما تملكه النيابة العامة من سلطات واسعة اعتبرت المحكمة العليا أن استئناف النيابة العامة جائز ولو غير الحكم لصالح المتهم أو لغير صالحه.[63]

و النيابة تملك صلاحيات واسعة بالمقارنة مع المتهم لأنها تباشر الدعوى باسم المجتمع وهو ما لا يعطي لها الحق في التنازل عنها وكان ذلك ما قضى به المجلس الأعلى سابقا،[64] والاختلاف في المراكز يظهر بوضوح وفقا لنص المادة (496 ق إ ج) من خلال عدم جواز الطعن في أحكام البراءة إلا من جانب النيابة العامة ولا يمكن للطرف المدني مناقشة البراءة من عدمها.[65]

لكن تغير الأمر بموجب التعديل الجديد للمادة (496) ق إ ج بموجب الأمر رقم 15/02،[66] حيث أصبح بمقدور المحكوم عليه والمدعي المدني والمسؤول المدني إذا ما تعلق الأمر بحق من حقوقهم المدنية أو رد أي من الأشياء المضبوطة، أن يطعن بالنقض في الأحكام الصادرة بالبراءة في مواد الجنايات بموجب الفقرة (4) من المادة المعدلة، ويمكن بحسب الفقرة (5) من نفس المادة أن يطعن بالنقض في قرارات المجالس القضائية إذا أيدت أحكاما بالبراءة في مواد الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تساوي (3) سنوات أو تقل عنها وكذلك الأمر في المخالفات.

وبموجب المادة (27) من الأمر 15/02 فإن تطبيق نص المادة (496) ق إ ج المعدلة سيبدأ بعد (6) أشهر من تاريخ نشر هذا الأمر أي (6) أشهر ابتداء من يوم 23 يوليو 2015.

و المقصود بالمساواة هي المساواة النسبية وليست المطلقة لأن هذه الأخيرة لا وجود لها في عالم القانون ولا حتى في الواقع،[67] وقد أثار هذا الخلاف نقاشا كبيرا امتد عبر الزمن الغابر إلى الحضارة اليونانية -كتابات بيركليس في القرن (5) قبل الميلاد ثم أرسطو- ليتناولها الأثينيون بعدهم، فقد اعترفوا بالمساواة النسبية لتفاوت الناس في المواهب والقدرات، لكن ظهر طرف آخر أخذ بالمساواة المطلقة لكنه تعرض لنقد شديد كون هذه المساواة ستؤسس لنوع من الاستبداد تسيطر فيه الكثرة غير المؤهلة، وتسير العامة وراء من يحسن خداعها على حساب القلة الموهوبة ذات الكفاءة.[68]

و مبدأ المساواة يرتبط بشكل كبير بالعدالة ذلك أن العدالة تقتضي أن يكون القانون نابعا من المجتمع كله معبرا عن إرادة الجماعة وليس عن إرادة الفرد، وأن يراع في تطبيقه الصالح العام للمجتمع.[69]

فطالما أن الأفراد يولدون متساوين فإن أي تمييز بينهم على أساس الثروة أو أي امتياز أو ظرف يعتبر أمرا غير عادل ومرفوض.[70]

و قد ربط الكثير من الفقهاء على مر العصور بين المساواة والحرية، حيث اعتبرت الحرية في الديمقراطية اليونانية القديمة جزءا من المساواة ومشتقة منها.[71]

و بالتالي تعتبر المساواة حجر الزاوية بالنسبة لجميع الحريات، فإذا انهارت المساواة انهارت معها الحريات العامة.[72]

و هناك من الفقهاء من اعتبر أن الحرية هي توأم المساواة،[73] فالأنظمة الديمقراطية تقر بأن وجود أو تنظيم الحقوق والحريات العامة، لن يتم إلا بقواعد عامة ومجردة تكفل المساواة بين المواطنين وأن مبدأ المساواة بمثابة الأب للحريات الفردية.[74]

و لمبدأ المساواة علاقة وطيدة بحقوق الإنسان، فمن خلال قانون الاجراءات الجزائية يتحقق التوازن في حماية الفرد -المتهم- من أجهزة السلطة العامة بما تملكه من قوة، حيث أن قانون الاجراءات الجزائية يحمي العديد من الحقوق لعل أبرزها حق المساواة باعتباره أحد مبادئ القانون الطبيعي، حيث يصطلح على تسمية قانون الاجراءات الجزائية بقانون الحريات الفردية.[75]

و تظهر علاقة المساواة بحقوق الإنسان من خلال ما ذهب إليه قضاء النقض الجزائري على أنه بات من المستقر عليه قانونا وقضاء أنه يمكن تحريك دعوى عمومية بغير شكوى من الضحية طالما يتعلق الأمر بالمس بالنظام العام، حيث أن قضاة الموضوع أخطؤوا عند الحكم ببراءة المتهم على أساس عدم تقديم الضحيتين للشكوى بنفسيهما رغم أن وقائع الاتهام تمس بالآداب والنظام العام.[76]

و المحكمة الجنائية ملزمة بالفصل في الدعوى المدنية بغض النظر عن الحكم الذي سيصدر في الدعوى المدنية إن بالبراءة أو بالإدانة.[77]

و لهذا فالمساواة أمام القضاء – بحسب ما جاء في تعريف لجانب من الفقهاء- تمثل أحد تطبيقات مبدأ المساواة شأنها في ذلك شأن مبدأ المساواة أمام القانون، المساواة أمام الوظائف العامة، المساواة في الحق في التعليم وغيرها،[78] بينما اعتبره جانب آخر من الفقه عنصرا في مبدأ المساواة أمام القانون، ويسري عليه كل ما يسري من قواعد تتعلق بمبدأ المساواة أمام القانون، فطالما أن الأفراد متساوون أمام القانون فهم بالضرورة على قدم المساواة في حق اللجوء إلى القضاء.[79]

و هناك جانب فقهي ثالث اعتبر مبدأ المساواة أمام القانون ومبدأ المساواة أمام القضاء وجهان لعملة واحدة.[80]

و نقصد بمبدأ المساواة أمام القضاء حق جميع الأفراد في التقاضي أمام محاكم واحدة، بغير تمييز بينهم مهما اختلف أصلهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو عرقهم أو مكانتهم الاجتماعية وميولهم السياسية، مما يقتضي عدم اختلاف المحاكم باختلاف الأشخاص المتقاضين أمامها، وأن يكون القانون المطبق على المتقاضين موحدا، ونفس الأمر بالنسبة لإجراءات التقاضي، وألا يفرق بين الأفراد في تطبيق العقوبة ولا في كيفية تطبيقها عليهم متى تماثلت الجرائم وظروفها.[81]

و قد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الفرد في اللجوء إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أي اعتداء على حقوقه الإنسانية وحرياته الأساسية بموجب المادة (8).

بل حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية ليس مقصورا على مواطني البلد الأصليين، وإنما هو حق لكل أجنبي يعيش في أي بلد أعتدي عليه أن يلجأ إلى محاكم هذا الأخير، باعتباره تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القضاء.[82]

و أمام هذه المساواة في لجوء الأجنبي كما الشخص الوطني إلى القضاء الوطني، فقد طالبت حكومة السنغال بتسليم المدعو (ر س) تنفيذا للأمر بالقبض الدولي الصادر بتاريخ 05/08/1996 عن السيد قاضي التحقيق لدى محكمة داكار، وبالرغم من ذلك فقد أفرج عنه بتاريخ 31/12/1996 لعدم تقديم طلب التسليم من طرف السلطة القضائية السنغالية، لكن أعيد القبض عليه بتاريخ 05/03/1997 وقد مكن المتهم من جميع حقوقه في الدفاع لكن اعترافه بالوقائع وتطابق التسليم مع مقتضيات المادة (696) ق إ ج عجل بتسليم المطلوب للسلطات السنغالية.[83]

ولا يعتبر إخلالا بمبدأ المساواة أمام القضاء اختلاف المحاكم تبعا لاختلاف أنواع المنازعات وطبيعة الجرائم، ولا يعتبر إخلالا أيضا وجود بعض المحاكم ذات الطبيعة الخاصة والتي تختص بنظر منازعات فئة معينة من المواطنين مثل محاكم الأحداث وهي في أصلها محاكم خاصة.

كما لا يعتبر إخلالا بمبدأ المساواة أمام القضاء، اختلاف أحكام القاضي تبعا لاختلاف ظروف كل قضية وظروف المتهمين ولو كانت الجريمة واحدة.[84]

وتعتبر المساواة أمام القضاء من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام القضائي، ولتحققها يلزم توافر شرطين أساسيين: الأول: حق كل مواطن في اللجوء إلى القضاء.

أما الثاني فهو: عدم التمييز بين المتقاضين وحماية حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي،[85] ويرتبط مبدأ المساواة أمام القضاء بالمحاكمة العادلة، حيث يعتبر أساسها وقوامها، حيث يوفر هذا المبدأ الحماية الرئيسية لمبدأ فقهي متعارف عليه هو ” مبدأ المساواة في الأسلحة”، هذا الأخير الذي يتطلب من المتهم في المحاكمة الجنائية ألا يوضع في موضع ضعيف بالمقارنة مع خصمه، وأن يكون لكل طرف في الدعوى الحق في الوصول إلى الوثائق والمستندات الضرورية في القضية المعروضة أمام المحكمة،[86] فالمساواة أمام القضاء هي ما يحقق فعالية العدالة الجنائية مما يوفر قدرا كبيرا من الحماية لحقوق الإنسان،[87] وينتج عن مبدأ المساواة أمام القضاء ثلاثة نتائج بالغة الأهمية وهي: وحدة القضاء، المساواة أمام التشريعات

و العقوبات المطبقة، ومجانية القضاء.

فوحدة القضاء تعني تقاضي جميع المواطنين أمام نفس القضاة الذي هم من درجة واحدة بغير تمييز بين الأفراد، أما المساواة أمام التشريعات والعقوبات المطبقة فهي ضرورة تساوي المتقاضين في القوانين التي تطبق عليهم في أثناء قيام نزاع بينهم وتوقيع نفس العقوبة المقررة لنفس الجرائم على جميع مرتكبيها، وأن يكون اللجوء إلى القضاء بالمجان كنتيجة ثالثة.[88]

و لهذا فمحكمة النقض لها مهمة واضحة هي التأكد من تطبيق القانون وهو ضمانة لحق المساواة بين المواطنين.[89]

فالمساواة أمام القضاة أكد عليها قرار للمحكمة العليا في قضية (م ك) ضد (ش ت) والنيابة العامة، حيث أن قضاة الاستئناف حرموا المتهم من حقه في مبدأ التقاضي على درجتين لعدم فصلهم في الدعوى الجنائية (الدعوى العمومية) حيث أنهم لما قضوا بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي ببطلان الاجراءات وتصديهم للدعوى المدنية المستأنفة من الطرف المدني وحده أخطؤوا، فقد كان عليهم عند قضائهم بإلغاء الحكم الابتدائي إعادة القضية مرة أخرى أمام المحكمة الابتدائية للفصل في موضوع الدعوى العمومية حتى لا يحرم الطاعن من حقه في التقاضي أمام الدرجة الأولى فهم بذلك خرقوا القانون.[90]

والمساواة أمام القضاة تقتضي عدم تحيز القضاة لأي طرف مهما كان السبب، وهو ما جاء في قضية (ن ع) ضد (خ م)، حيث تم قبول طلب رد القاضي لأن الحكم قد أصدر من قبل القاضي الذي كان ضحية في نفس القضية وهو ما يثير إمكانية التحيز ضد المتهم وهو خرق جوهري للقانون ممثلا في المواد (554-556) من ق إ ج، حيث كان القاضي (أ ع) رئيس المحكمة قد تعرض لمحاولة رشوة من المتهم (خ م) وبعد جدولة القضية أمام محكمة الجنح بتاريخ 26/11/1995 ترأسها بنفسه وأصدر بعد المرافعات حكما يدين من خلاله المتهم بشهرين حبسا و2000 دج غرامة نافذة مع مصادرة مبلغ 5000 دج المحجوز، وعلى الرغم من استئناف النيابة العامة للحكم طالبة إلغاءه إلا أن مجلس قضاء بجاية أيده، وبتاريخ 27/02/1996 أصبح نهائيا لعدم طعن الأطراف فيه، لكن وبتاريخ 18/05/1996 تقدم المدير الفرعي للشؤون الجزائية بوزارة العدل أمام النائب العام لدى المحكمة العليا بطلب يلتمس فيه الطعن لصالح القانون ضد قرار المجلس طبقا لنص المادة (530) ق إج وهو ما تم فعلا.[91]

و المساواة أيضا أمام العقوبة ضرورية للغاية ، حيث أنه وعلى أساس المادة (422) عقوبات فإن المسؤولية الجزائية تقوم على المسؤولية الشخصية.[92]

و المسؤولية الجنائية شخصية ولا يمكن أن تجزء بين عدة أشخاص بل يتحملها فقط المسؤولون عنها.[93]

ولا يعتبر تنازل الطرف المدني عن حقوقه من بين الظروف المخففة للعقوبة على المتهم، لأن هذا ما يقتضيه مبدأ المساواة أمام العقوبة.[94]

و يحفل الإسلام بمبدأ المساواة أمام القضاء فقد جاء في القرآن العظيم قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُوْنُوْا قَوَّامِيْنَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِيْنَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيْرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوْا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوْا وَإِنْ تَلْوُوْا أَوْ تُعْرِضُوْا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِيْرًا” الآية (135) النساء، ومما جاء في السيرة النبوية قول الرسول (ص) لأسامة حينما جاء ليشفع لامرأة من بني مخزوم بعد أن سرقت: ” أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ إنما هلك من قبلكم، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”.[95]

و من سيرة الصحابة والتابعين الكثير من الأثر عن مبدأ المساواة بين المتقاضين، فهذا عمر بن الخطاب مخاطبا أبي موسى الأشعري: ” آسي بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك”، كما أكد على ذات المبدأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بقوله:

” اجعلوا الناس عندكم في الحـــق سـواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، إيــــاكم والرشـــا

و الحكم بالهوى وأن تأخذوا الناس عند الغضب فقوموا بالحق ولو ساعة من نهار”.[96]

و قد اعتبرت المحكمة الدستورية المصرية مبدأ المساواة أساسا هاما لحماية الحقوق

و الحريات الفردية.[97]

الفرع الثاني: مبدأ استقلال القضاء

التدخل الإنساني في ضوء القواعد الدولية العرفية
التدخل الإنساني في ضوء القواعد الدولية العرفية

يقصد باستقلال القضاء تحرره وابتعاده عن أي تدخل مهما كان شكله من لدن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعدم خضوع القضاة إلا للقانون أثناء أدائهم لمهامهم، فمبدأ استقلال القضاء يعني عدم الإمكان أن يكون أي شخص أو هيئة في مكان القاضي أو أحد الأطراف في الدعوى،[98] وقد عرفته لجنة الحقوقيين الدوليين بجنيف عام 1991 كما يلي:

” استقلال القضاء يعني أن كل قاض يجب أن تكون له حرية لتقدير القضايا التي أمامه حسب تقديره للوقائع وحسب فهمه للقانون بدون أي تدخل غير مناسب أو ترهيب أو ضغط مباشر أو غير مباشر من أي جهة لأي سبب كان”.

و تعتبر الاستقلالية هي الأصل في وجود القضاء وتحقيق العدالة، مما يحتم أيضا ضرورة استقلالية المحكمة وهــذا لن يتأتى إلا باستقلال الجهاز القضائي، لهذا فالاستقلال المنشود لكي يكتمل لا بد له من ثلاثة أسس: أولــــها: ضــــرورة استقلاله عن السلطتين التنفيذية

والتشريعية بالرغم من أنه يحكم بطريقة غير مباشرة بواسطة قوانين تصدرها السلطة التشريعية، أما ثاني هذه الأسس فهو استقلال المحكمة الجنائية في قضائها ولا يمكن أن تحل هيئة أخرى مكانها مع التزامها بما تصدره الهيئات القضائية الأعلى درجة منها أما ثالث الأسس فهو استقلال المحكمة الجنائية عن الأطراف المتقاضين وحيدتها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية،[99] ومن خلال قرارات المحكمة العليا القائلة باحترام تشكيلة محكمة الجنايات واعتبارها من النظام العام اعتبر المجلس الأعلى سابقا أن انعقاد محكمة الجنايات عند طرحها لسؤال إضافي ومناقشته مع الأطراف وبدون حضور المحلفين فإنها بذلك تكون قد خالفت القواعد الجوهرية للإجراءات وبالذات نص المادة (258) ق إ ج ،[100] ونفس القرار ذهبت إليه المحكمة العليا في قضية (ن ع) ضد (ه ط) فقد أقرت بأن انعقاد محكمة الجنايات جاء بتشكيل مخالف لنص المادة (258) ق إ ج ، حيث لم يبين الحكم المطعون فيه رتبة الرئيس ومساعديه.[101]

لكن وبعد تعديل نص المادة (258) ق إ ج بموجب الأمر رقم 15/02 فإنه أصبح لا يهم وفقا للفقرة الأولى منها رتبة القاضيين المساعدين في تشكيلة المحكمة، لكن القاضي الرئيسي للمحكمة الجنائية لا زال محل اعتبار حيث ينبغي أن يكون برتبة رئيس غرفة بالمجلس القضائي على الأقل.

ويجب احتراما لمبدأ الاستقلال أن تكون المحكمة الجنائية محايدة وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرار لها، ورأت أن المحكمة الجنائية في تشكيلتها لم تحترم المبدأ القضائي القائل بأن القاضي الذي نظر في القضية بصفته قاضيا للتحقيق أو عضوا في غرفة الاتهام لا يجوز له الفصل في نفس القضية أمام محكمة الجنايات، وقد حصل في قضية أن اسم القاضي المشكل لقضاة محكمة الجنايات كان مقررا في نفس القضية عندما نظرت فيها غرفة الاتهام وهو خرق واضح لنص المادة (260) ق إ ج.[102]

و من مبادئ الاستقلال إلتزام المحكمة بما تصدره الهيئات الأعلى وهو ما بدر عن المجلس الأعلى سابقا، حيث أن المجلس الأعلى قضى بنقض قرار المجلس القضائي الذي لم يصادر المركبة المستعملة في التهريب، وبالرغم من ذلك فإنه بعد إحالة القضية إلى جهة الاستئناف لم تحترم قرار المجلس الأعلى ولم تصادر في قرارها بعد الإحالة هذه المركبة مخالفة بذلك نص المادة (524) ق إ ج، لأن القضاة مقيدون بما فصل فيه المجلس الأعلى.[103]

و قد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (10) على ضرورة أن تكون المحكمة التي تنظر أمامها القضية مستقلة ونزيهة، وكما اعترفت الاتفاقيات والإعلانات الدولية بحق الأشخاص البالغين في أن يحاكموا أمام محاكم مستقلة فإنها كذلك أعطت هذا الحق للأطفال بموجب اتفاقية حقوق الطفل، حيث نصت على ضرورة وجود سلطة قضائية مستقلة ونزيهة على أن تتولى الفصل في أية دعوى يكون طرفها طفل دون تأخير ووفقا لمحاكمة عادلة بحضور مستشار قانوني ووالديه أو الأوصياء القانونيين عليه مادام ذلك في مصلحة الطفل.[104]

والطفل بموجب المادة (1) من هذه الاتفاقية هو كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه.[105]

لكن هذا الاستقلال لا يعني التحكم والتسلط بل يعني عدم خضوع القضاة لغير ضميرهم واقتناعهم الحر والسليم عند استخلاص إرادة المشرع من القانون محل البحث لأجل تحقيق المحاكمة العادلة، والتي من بين شروطها تكافؤ الأطراف من غير تبعية لأية سلطة ولا حتى لأطراف الدعوى،[106] فاستقلال القضاء هو الحصن الذي يلجأ إليه أفراد المجتمع لحماية حقوقهم وحرياتهم، باعتباره المكان الذي يوفر لهم الإحساس الطبيعي بالعدل، لذا وجب أن تظهر العدالة أمام المجتمع بمظهر مستقل ومحايد وبعيدا عن كل شبهة، ونظرا لهذه الأهمية البالغة في حماية حقوق الإنسان فقد أصبح مبدأ استقلال القضاء من المبادئ الدستورية في أغلب الدساتير الحديثة.[107]

فقد ورد مبدأ استقلال السلطة القضائية في المادة (64) من الدستور الفرنسي لعام 1958،[108] حيث تعتبر من أهم سلطات رئيس الجمهورية الفرنسية السهر على احترام استقلال القضاء.[109]

حيث جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التأكيد على ضرورة أن توفر الدول كل سبل التظلم وبشكل فعال لكل من انتهكت حقوقه أمام جهات قضائية مستقلة بموجب المادة (2/3).

فيما اشتُرط على الدولة أن تكفل استقلال السلطة القضائية بالنص على ذلك في الدستور أو في القوانين الوطنية المختلفة.[110]

وهو ما دعا الجزائر الموقعة والمصادقة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتبني نص المادة (2/3)، وأيضا النص على استقلال السلطة القضائية من خلال نص المادة (138) من الدستور والتي أصبح رقمها (156) بموجب القانون رقم 16/01 المتضمن التعديل الدستوري حيث تم إضافة فقرة ثانية لها جاء نصها كما يلي:” رئيس الجمهورية ضامن استقلال السلطة القضائية” مثلما ورد في الدستور الفرنسي إلى حد بعيد، وهو ما انعكس بدوره على الأمر رقم (96/25) المؤرخ في 27 ربيع الأول 1417 الموافق لـ 12 غشت 1996 المعدل والمتمم للقانون رقم (89/22) والمتعلق بصلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وسيرها (الجريدة عدد(48) السنة (33) الصادرة بتاريخ 29 ربيع الأول 1417 الموافق لـ 14 غشت 1996) حيث نصت المادة (1) مكرر منه والمعدلة للمادة (2) من القانون رقم 89/22 على أن المحكمة العليا تتمتع بالاستقلال المالي والاستقلال في التسيير، وأن لها ميزانية تسجل بصفة مستقلة عند رصد الميزانية العامة للدولة، وتخضع في تسييرها المالي لقواعد المحاسبة العمومية.

ولا شك أن استقلال القضاء هو نتاج لمبدأ الفصل بين السلطات، كما يعتبر الحرص على هذا الاستقلال تجاه كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية محل إجماع كل الأنظمة الديمقراطية،[111] لهذا كان لزاما الفصل بين الوظائف القضائية.[112]

بالرغم من أن القانون هو الوسيلة الأولى في تنظيم التمتع بالحقوق والحريات نتيجة لما يرتبه من قواعد عامة مجردة وملزمة فإنه يبقى غير كاف، لذا وجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة، فبهذا الاستقلال تعتبر الأقدر من غيرها في التعبير عن الإرادة الحقيقية للقانون لأن نصوص القانون تبقى في حالة سكون وصمت ما لم يتدخل القضاء ليحولها إلى حقيقة واقعية ومرئية، ويفرض الاستقلال أن تكون أحكام القضاء المتعلقة بحماية حقوق الإنسان واجبة الاحترام من الجميع على السواء، لذا اعتبر القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات، وهذه الحراسة تمتد للإشراف على الإجراءات التي تمس هذه الحقوق والحريات وهي مهمة منبثقة من أصول الشرعية الإجرائية.[113]

وقد اعتبرت المحكمة العليا أن عدم الامتثال لأحكام القضاء النهائية فيه مساس باستقلال القضاء وبسلطته.[114]

فالعلاقة إذا وثيقة بين استقلال السلطة القضائية والقانون،[115] وهذا الاستقلال يضمن حسن سير اجراءات التقاضي بشكل عادل ويحمي حقوق المتقاضين بشكل فعال.[116]

وقد أشار بعض الفقه إلى العلاقة الوطيدة بين الديمقراطية وما توفره من حماية الحقوق والحريات، وبين القانون باعتباره أداة تنظيمها، وبين القضاء ممثلا في شخص القاضي باعتبــــــاره الجهــــة الأصلــح والأقــدر والأكـــثر تأهيلا – من غيــره من بين أجهزة الدولة

و سلطاتها- لتطبيق هذا التنظيم، وهذه الثقة في القضاء ترجع إلى عاملين اثنين:

1- استقلال وحياد القضاء.

2- الشروط المحيطة بعمل القاضي من ضمانات وضوابط صارمة.[117]

وينعكس مبدأ استقلال القضاء على مهنة المحاماة أو ما يعرف بالدفاع إن بالسلب أو بالإيجاب، فلا يتصور وجود قضاء مستقل في غياب هيئة الدفاع، لأن الدفاع والقضاء شريكان أساسيان في إقامة العدالة وفي حماية حقوق الإنسان، كما أنه لا يتصور وجود عدالة دون وجود قضاء مستقل ودفاع حر ونزيه،[118] والبعض يعتبر أن استقلال المحاماة جزء لا يتجزأ من استقلال القضاء واستقلالهما معا شرط أساسي لتحقيق العدل والإنصاف واحترام حقوق الإنسان.[119]

وفيما يخص احترام حق الأفراد في اللجوء إلى القضاء واحترام حق الدفاع جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا، بأن عدم إجابة المتهم الطاعن الذي تمسك بحالة الدفاع الشرعي عن النفس أمام كل من قضاة الدرجة الأولى والثانية، حيث لم يتصد لدفعه لا بالإيجاب ولا بالرفض بل تم إدانته، وهو ما يعتبر انتهاكا صارخا لحق الدفاع وحسن سير العدالة.[120]

و قد اعتبرت المحكمة العليا أن محكمة الجنايات ملزمة بموجب حكم مستقل الرد على الدفع الأولي المقدم من قبل دفاع الطاعن، وعدم ورود هذا الدفع كتابة في محضر المرافعات يعتبر إخلالا جوهريا بحقوق الدفاع والقانون لعدم تحرير المحكمة حكما نطقت به علانية.[121]

ومحكمة الجنايات أخطأت عندما استبعدت من تشكيلتها المحلفين ورأت في أن تفصل في تهمة المشاجرة والمشاركة في عصيان أو في اجتماع بغرض الفتنة والتي أدت إلى وفاة الضحية (د ف) وذلك بحجة أن المتهم (الطاعن) متابع بجنحة فقط ولا تجوز محاكمته إلا من قبل القضاة المحترفين، وهو ما يعتبر خرقا للقانون وحقوق الدفاع حيث أن المحكمة الجنائية ذات اختصاص شامل ما يخولها الفصل في كل الجرائم المحالة إليها مهما كانت طبيعتها لكن بشرط احترام التشكيل القانوني الذي هو من النظام العام ولا يمكن أن تتحول إلى محكمة جنح بدعوى أن الجريمة كيفت على أساس جنحة ولا يناقشها حينئذ إلا القضاة المحترفون.[122]

و أصبح من غير الممكن في الدول المتقدمة الديمقراطية إنكار استقلال القضاء في جزئيتيه الهامتين وهما:

  • استقلال القضاء كسلطة كاملة الصلاحيات بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية.
  • استقلال القضاء كأفراد بحيث لا يؤثر أي عامل خارجي على القاضي أثناء تأديته لمهامه.[123]

وللبحث أكثر في ذلك كان لابد من دراسة حقيقة العلاقة بين القضاء كسلطة في مواجهة السلطتين التنفيذية والتشريعية كما سيأتي:

أولا- استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية

يتجلى استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية بعدم تدخل الأخيرة في أي من أعمال القضاء مهما كان شكل التدخل أو شخص المتدخل ومركزه القانوني، حتى ولو كان يمثل أعلى شخص في هرم الدولة أو وزارة العدل، ففي بداية الأمر كان يعني استقلال القضاء فصله عن السلطة التنفيذية وتنظيم العلاقة بينهما،[124] وخوفا من تدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء أصرت بعض الدول على عدم إدراج وزارة العدل في منظومتها السياسية وهو حال انجلترا التي يعتبر رجال القانون فيها ذلك بمثابة أحد الخصائص المميزة للقضاء الانجليزي المستقل،[125] لكن هذا الأمر لم يمر دون إثارة نقاش فقهي كبير في انجلترا،[126] ولعل الدولة العربية الوحيدة التي لا يوجد فيها وزارة للعدل هي السودان وذلك منذ عام 1973، حيث يشرف على السلطة القضائية كل من رئيس المحكمة العليا ورئيس الجمهورية باعتباره رئيسا لمجلس القضاء العالي، لكن في المقابل يوجد ديوان النائب العام الذي يختص بمباشرة الدعاوى الخاصة بالحكومة، ويعد النائب العام وزيرا في الحكومة وعضوا في مجلس الوزراء لكنه لا يرقى إلى كونه وزيرا للعدل.[127]

لكن في الجزائر يملك وزير العدل عددا هائلا من الصلاحيات التي تتيح له التدخل بأي شكل في أعمال القضاء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بموجب المرسوم التنفيذي رقم 04/332 المؤرخ في 10 رمضان 1425 الموافق لـ 24 أكتوبر 2004 والذي يحدد صلاحيات وزير العدل حافظ الأختام.

حيث تنص المادتان (1، 3) على أن وزير العدل يتولى السهر على السير الحسن للجهاز القضائي في إطار السياسة العامة للحكومة ووفقا للدستور، كما يسهر على حسن سير جهاز الشرطة القضائية وتنسيق الدعوى العمومية، كما يسهر بموجب المادة (4) على تنفيذ قرارات العدالة، وتنص المادة (5) على أنه يقترح مشاريع القوانين في مجالات شتى بدءا بالتنظيم القضائي مرورا إلى قوانين العقوبات والإجراءات الجزائية وغيرها، فيما تنص المادة (7) على سهر وزير العدل على تطبيق العقوبات وسير المؤسسات العقابية، وبالرغم من التنبيه المستمر لرجال القانون والفقه في الجزائر على ضرورة استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، إلا أن المشرع الجزائري يأبى إلا أن يسبح عكس التيار ولا ندري حقيقة ماذا وراء هذا القصد، فآخر هذه التدخلات الصريحة وبلغة القانون ما جاء به الأمر رقم 15/02 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية حيث تم إضافة فقرة ثالثة للمادة (33) هذا نصها:

” يعمل النائب العام على تنفيذ السياسة الجزائية التي يعدها وزير العدل، ويرفع تقريرا دوريا عن ذلك”.

لكن إذا كانت هذه السياسة تتعارض واستقلال القضاء هل يحق للنائب العام ر فض ذلك واعتباره مخالفا للدستور؟ الأكيد أنه لن يفعلها لأن مصلحته المهنية تكون على المحك.

ويظهر جليا مدى تحكم السلطة التنفيذية في زمام السلطة القضائية بدءا من أولى مراحل الدعوى الجنائية إلى غاية صدور الحكم وتنفيذه.

حيث جاء في قرار المحكمة العليا أن وزير العدل يملك اختصاصا مانعا وإقصائيا في رفع الطعن لصالح القانون وهو فقط من يملك هذه الصلاحية بغير تفويض لأي كان.[128]

وحتى فرضا لو قبل هذا الطعن فإنه من الأفضل نزع هذه الصلاحية من وزير العدل فلا يمكنه تخطي درجات التقاضي فهو ليس إلا سلطة تنفيذية في حقيقة الأمر، وسبق فصل المحكمة العليا بعدم القبول لا يحول دون فصلها في الطعن لصالح القانون المرفوع من النائب العام لــــدى المحكمة العليا بناء على تعليمات من وزير العدل لأجل إبطال القرار المطعون فيه وليس للنقض.[129]

كما يعتبر المجلس الأعلى للقضاء تابعا للسلطة التنفيذية باعتبار أن رئيس الجمهورية هو من يرأسه بموجب المادة (154) من دستور 1996 وتقابها المادة (173) من الدستور المعدل بالقانون رقم 16/01، علما أنه وبموجب المادة (155/1) من الدستور السابق والمعدلة إلى المادة (175/1) من الدستور الجديد فإن المجلس الأعلى للقضاء هو من يعين القضاة وينقلهم ويسير مسارهم الوظيفي وانضباطهم.

فالظاهر أن السلطة القضائية في الجزائر بين فكي كماشة والقاضي غير مستقل، حتى وإن أشارت القوانين المختلفة إلى ذلك لأن الواقع والتحكم لا يمكن إنكاره.

حيث يتفرع هذا التدخل إلى التدخل في القضايا الجزائية والحقوقية، وقد تناولت المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية هذا الجانب من التدخل، وأكدت بأنه غير مقبول مهما كان شكله أو نوعه أكان مباشرا أو غير مباشر وفقا لما جاء في المبدأ (2) منها.

كما نص الدستور الجزائري لعام 1996 على أن القاضي لا يخضع إلا للقانون بحسب نص المادة (147)، وهو في ذلك محمي من كل أشكال الضغوط التي يمكن أن تعترضه بحسب نص المادة (148) وتقابلهما على التوالي المادتين (165، 166) من الدستور المعدل لعام 2016 مع التوسع أكثر في نص المادة (166).

وقد صدر حكمان للغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية في 2010 و2011 بأن النيابة العامة ليست سلطة قضائية لأنها لا تضمن الحياد والاستقلالية فيما يخص التوقيف للنظر (Garde à vue).[130]

هذا ويتخذ التدخل في استقلال القضاء صورا عدة نوجزها فيما يلي:

1- التدخل في القضايا الجنائية

يكون تدخل السلطة التنفيذية موجها بهذا الشكل في مرحلة التحقيق الذي تقوم به النيابة العامة وقد يكون أثناء نظر الدعوى الجنائية في مرحلة المحاكمة، فبالرغم من ارتباط أعضاء النيابة العامة وفقا لتدرج السلطات بمن هو أعلى منهم درجة كرؤسائهم المباشرين وحتى وزير العدل، فإنه لا يمكن تصور تدخلهم في أعمال النيابة إلا في حالة سلطة الاتهام وما عدا ذلك من إجراءات التحقيق فإن النيابة تستمد سلطتها في ذلك من القانون مباشرة لا غير، حيث لا تملك السلطة التنفيذية إصدار أمر بالإفراج عن الموقوف أو إلقاء القبض عليه خلافا للقانون والتحقيق، فأول مبدأ في عمل القضاة هو ضرورة استقلال القضاء،[131] لكن حدث في الأردن أن قام مدعي عمان – القضية رقم 1047/ 73 بتاريخ 15/08/1973- بمخالفة القانون بتوقيفه أحد المواطنين بتهمة الاختلاس خلافا لنص المادة (174/2) عقوبات والمادة (202) من قانون الشركات والمتعلقة بأحكام التصفية، فما كان من هذا المتهم إلا أن تقدم إلى محكمه جنايات عمان بطلب الإخلاء المشروط بكفالة لكن المحكمة رفضت، وفي اليوم الموالي أمر مدير الأمن العام بالإفراج عنه.[132]

وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا حيث وبمقتضى المادة (173/3) من ق إ ج فإنه لا يجوز لوكيل الجمهورية أن يتقدم بطلب عدم إجراء التحقيق إلى قاضي التحقيق ما لم تكن الوقائع لأسباب تمس الدعوى العمومية نفسها غير جائز قانونا متابعة التحقيق من أجلها أو كانت الوقائع لا تقبل قانونا أي وصف جزائي في حال ثبوتها، وهو ما يعاكس الحال في هذه القضية حيث تقدم الزوجين بعريضة شكوى ضد مجهول مع التأسيس كطرف مدني في الوفاة المزعومة لابنهما البالغ من العمر (14) سنة، وقد عرض قاضي التحقيق الشكوى أمام وكيل الجمهورية لكي يبدي طلباته بشأنها لكنه رفض ذلك بحجة أن التحقيق لا زال جاريا أمام الدرك الوطني وامتثالا لأمر النيابة العامة أصدر قاضي التحقيق أمرا بعدم إجراء تحقيق غير مسبب وهو ما أيدته غرفة الاتهام.[133]

ويمكن لرئيس الجمهورية في الجزائر بموجب المادة (77/9) من الدستور السابق والتي تحولت إلى المادة (91/7) بعد تعديل الدستور بالقانون رقم 16/01، إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها، وهو بالفعل تدخل سافر في استقلال القضاء من جانب رأس السلطة التنفيذية، ولكن بالرغم من ذلك فهذا التدخل مقنن دستوريا لذا كان من الضروري استبدال هذه الفقرة بنص قانوني آخر يكون أكثر مواءمة لمبدأ استقلال القضاء، والذي نص عليه نفس المشرع الدستوري في نفس الدستور، فالأجدر ألا يتدخل رئيس الجمهورية في إصدار أي عفو إلا بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء وغرفتي البرلمان وجوبا، وأن يكون قرارهما هو الفيصل أما رئيس الجمهورية فلا يملك أي سلطة في تغيير هذا القرار بل يملك فقط صلاحية تنفيذ هذا القرار سواء قبل العفو أو لم يقبل.

ولا أهمية تذكر للمادة (156) من الدستور السابق والتي أصبحت بعد تعديل 2016 تحمل الرقم (175) حيث جاء نصها كما يلي: “يبدي المجلس الأعلى للقضاء رأيا استشاريا قبليا في ممارسة رئيس الجمهورية حق العفو”، لأن الرأي الأول والأخير والأقوى سيكون لا محالة لرئيس الجمهورية.

2- التدخل في القضايا الحقوقية: ويتخذ هذا التدخل من جانب السلطة التنفيذية في أعمال القضاء عدة جوانب أهمها:

أ- منع المواطنين من اللجوء إلى القضاء ومصادرة حقهم في التقاضي: بالرغم من كونه حقا طبيعيا من حقوق الإنسان، وهو ما حدث في الأردن بمنع المواطنين الذين نزعت ممتلكاتهم وأموالهم من رفع دعاوى للمطالبة بحق التعويض لأنه يخالف أحكام المادة (2) من نظام الدفاع رقم 2 لسنة 1939 لأن تقدير التعويض مقصور فقط على رئيس الوزراء في حالة تم تأمين أراض خاصة لأجل تأمين شرق الأردن في إطار المصالح التي توجب الدفاع عن شرق الأردن.[134]

وذهبت المحكمة العليا للتأكيد على أنه من المستقر عليه فقها وقضاء أنه لا يمكن لقاضي التحقيق محاسبة النيابة العامة حول ما إذا قامت بالتحريات اللازمة لكشف هوية الأشخاص الذين سيفتح ضدهم تحقيق، كما رفض قاضي التحقيق إجراء التحقيق بحجة أن الدعوى مقيدة ضد مجهول وهو ما أيدته فيه غرفة الاتهام، لكن المحكمة العليا نقضت هذا القرار لمخالفته المواد (35، 36، 67) من ق إ ج.[135]

ولا يجوز لقاضي التحقيق رفض شكوى ادعاء مدني بالرغم من تضرره من الجريمة ووجود التكييف الإجرامي للوقائع المنسوبة للمشتكى منه.[136]

حيث لا يجوز رفض شكوى مصحوبة بادعاء مدني إلا في الحالات المنصوص عليها حصرا في المادة (73) من ق إ ج وبناء على طلب النيابة العامة،[137] وفي حالة عدم ثبوت الجريمة فإن قاضي التحقيق يصدر أمرا بانتفاء وجه الدعوى وليس رفض إجراء التحقيق.[138]

ب- منع تنفيذ الأحكام: بما أن استقلال القضاء مستمد من مبدأ الفصل بين السلطات فإن على السلطتين التشريعية والتنفيذية تطبيق قرارات السلطة القضائية، لأن قراراتها ملزمة وفوق الجميع، لكن ما يحدث أن السلطة التنفيذية تمتنع عن تنفيذ هذه الأحكام سواء بإصدار قرارات صريحة أو ضمنية في هذا الشأن مثلما حدث في مصر بصدور حكمين متناقضين بشأن الوقف، حيث صدر الأول عن محكمة مصر الأهلية والثاني عن محكمة مصر الشرعية، حيث حكم بتعيين ناظر على الوقف وأصبح الحكم نهائيا، لكن الحكومة أصدرت أمرا بإيقاف تنفيذ الحكمين وإبقاء إدارة الوقف تحت يد الناظر المعين من الحكومة إلى حين حسم الخلاف.

و قد يكون منع تنفيذ أحكام القضاء بالاستعانة بالقوانين الاستثنائية أو بالتنفيذ الناقص للحكم، ومن الأمثلة الواضحة ما حدث في الأردن حيث أصدرت المحكمة الابتدائية بعمان قرارا بتاريخ 14/10/1971، يقضي بإلزام سلطة المصادر الطبيعية أداء مبلغ (20767 د أ) مع الرسوم إلى المدعين مع فائدة قانونية تقدر بـ (5%) في السنة من تاريخ الإخطار: 14/01/1969 وحتى الوفاء التام، و100 دينار أجور هيئة الدفاع، وهذا القرار بالرغم من كونه نهائيا، ما كان من المدعين إلا التقدم بطلب إلى رئيس الوزراء لتنفيذ هذا الحكم وفقا للقانون، وبعد اجتماع لمجلس الوزراء وتدارسه موضوع تنفيذ الحكم قرر تنفيذ الحكم في شقه المتعلق بدفع المبلغ المحكوم به، وعدم تنفيذ الشق المتعلق بتأدية الفائدة، وهو تدخل سافر في استقلال القضاء باجتزاء الحكم القطعي.

وقد يكون تدخل السلطة التنفيذية بغرض الرقابة على إجراءات المحاكمة، في مخالفة واضحة لمبدأ غل يد السلطة التنفيذية سواء في شقه الدستوري أو في شقه القانوني.[139]

مثل اختصاص وزير العدل في رفع الطعن لصالح القانون، فهي بمثابة رقابة على الاجراءات القضائية من قبل السلطة التنفيذية.[140]

وقد نص المبدأ (4) من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على عدم جواز التدخل في سير الإجراءات القضائية أو إعادة النظر في الأحكام القضائية بأي شكل كان أو اجتزاؤها، حيث جاء النص كما يلي:” لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة أو لا مبرر لها في الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر، ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطات المختصة وفقا للقانون بتخفيف أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية”.

ولا يمكن إعادة النظر في القضية ولا يتخذ الخطأ القانوني المستشهد به لتدعيم الإدانة بابا للنقض متى كان النص الواجب تطبيقه يقرر نفس العقوبة تطبيقا لنص المادة (502) ق إج.[141]

وقيام المحكمة الجنائية بالجمع بين الوصف الخاطئ لقرار الإحالة وتصحيحه بوصف آخر من نفس السؤال يعتبر بمثابة تجاوز للسلطة وتعقيدا للسؤال في آن واحد،[142] لكن يجوز للسلطات القضائية تعديل الأحكام القضائية.[143]

ومن جهته نص الدستور الجزائري في المادة (146/1) من دستور 1996 والتي أصبحت بعد التعديل الدستوري 16/01 تحمل الرقم (164/1) على أن الجهة الوحيدة المكلفة بإصدار الأحكام القضائية هي القضاء من غير معقب عليها من أي جهة كانت غير القضاء ذاته وفقا لطرق الطعن المعروفة العادي منها وغير العادي، لكن يطرح إشكال آخر وهو مدى توافق أو تعارض هذا النص الدستوري مع حق رئيس الجمهورية في إصدار العفو بموجب المادة (77/9) من الدستور السابق وهي نفسها المادة (91/7) من الدستور المعدل لعام 2016، فالعفو هو بمثابة التعقيب على حكم قضائي حاز قوة الشيء المقضي به، وهو تعارض صريح لا يمكن إنكاره، فقد نص الدستور المعدل بالقانون 16/01 في المادة (198) على إنشاء مجلس وطني لحقوق الإنسان يتبع لرئيس الجمهورية على أن لا يمس بصلاحيات القضاء بموجب المادة (199) عند تناول حالات انتهاك حقوق الإنسان، والسؤال المحير حقا هل توجد لدى الجزائر كدولة مؤسسة تسهر على احترام الدستور وعدم تعارض نصوصه أو الإخلال بما جاء فيها؟

وبالرغم من استحداث نص قانوني جديد بموجب المادة (182/1) من الدستور المعدل بالقانون رقم 16/01 والتأكيد على أن المجلس الدستوري هيئة مستقلة مكلفة بحماية احترام الدستور إلا أنه لم يحدد طبيعتها هل هي قضائية أم إدارية، وبالرغم من زيادة عدد أعضائه بموجب المادة (183) والذي وصل إلى 12 عضوا بعد أن كان 9 أعضاء فقط وزيادة مدة العضوية لتصبح 8 سنوات بدلا من 6 سنوات، وحتى مع استحداث نص دستوري جديد هو المادة (184) والتي تشترط بلوغ 40 سنة لكل عضو معين أو منتخب والتمتع بخبرة مهنية مدتها 15 سنة على الأقل في التعليم العالي في العلوم القانونية أو في القضاء أو في مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا أو لدى مجلس الدولة أو في وظيفة عليا.

والجديد كذلك هو ما جاءت به المادة (188) وهو الإخطار بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة عندما يدعي أحد الأطراف انتهاك حقوقه وحرياته الأساسية بما يخالف الدستور، لكن الخطير هو ما جاءت به المادة (215) وهو تأجيل تطبيق ذلك إلى (3) سنوات أخرى بعد سريان هذه الأحكام أي إلى غاية مارس 2019، وهو نفس تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء عهدة الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” ! وهذا بحد ذاته استخفاف بالتعديل الدستوري لا يجد ما يبرره، وأيضا في حال تطبيق نص المادة (188) فإنه يلاحظ بأن المجلس الدستوري بموجب المادة (189/2) يصدر قراره خلال 4 أشهر من تاريخ إخطاره ويمكن تمديد هذا الأجل لمدة أقصاها (4) أشهر، وهو طول قد يخل بفاعلية هذا الإجراء ويلحق ضرار بمن طلبه.

و قد يكون التدخل في ترجيح السلطة التنفيذية الكفة لأحد أطراف الخصومة ضد الطرف الآخر بأن تتدخل في تقديم بيانات لمصلحة أحد الخصوم، لأن الخصم هو المكلف وحده بتحضير ادعائه أو دفاعه وأن يأتي بما يفيد حجته، ولا يجوز للمحكمة أن تتلقاها من أي جهة أخرى غير أطراف الدعوى، مثلما حدث أن تدخل وزير العدل الأردني عام 1974 بأن أرسل إلى محكمة استئناف عمان طلبا يدعو فيه المحكمة لقبول مجموعة بيانات لمصلحة أحد الخصوم لكن المحكمة رفضت هذا التدخل.[144]

ثانيا- استقلال السلطة القضائية في مواجهة السلطة التشريعية

مبدأ الفصل بين السلطات يستدعي استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويكون من اختصاص السلطة القضائية مراقبة هاتين السلطتين والتدخل في حال مخالفة القانون، ولا يجوز للسلطة التشريعية أن تتدخل في أعمال القضاء، لكن قد يحدث أن تقوم السلطة التشريعية بأعمال تدخل في اختصاص القضاء كمحاكمة رئيس الدولة أو الوزراء عن بعض الجرائم التي يرتكبونها أثناء ممارسة وظائفهم كالخيانة العظمى أو الرشوة، وهو ما أخذت به فرنسا في دساتير عديدة (1814، 1850، 1875)، حيث جرت محاكمة لويس (16) أمام مجلس الشيوخ الفرنسي.

وهو ما أخذت به الولايات المتحدة الأمريكية أيضا بحيث يحق لمجلس النواب اتهام رئيس الجمهورية والــــوزراء عند اقترافهم أثنــــاء ممارسة وظائفهم جريمة ما كــالخيانة والـــــرشوة، ولمجلس الشيوخ الحق في إجراء المحاكمة ويشترط لصدور الإدانة صدور قرار من المجلس ذاته بأغلبية ثلثي الأصوات على الأقل.[145]

أما في الجزائر فقد تنشأ محكمة عليا استثنائية لمحاكمة رئيس الجمهورية عن أي فعل يقترفه يمكن أن يوصف بالخيانة العظمى، كما يمكن محاكمة الوزير الأول عن الجنايات والجنح التي يرتكبها بمناسبة تأديته لمهامه وهو ما جاءت به المادة (158) من الدستور السابق وهي نفسها المادة (177) بعد التعديل الدستوري لعام 2016، والتي أحالت تشكيل المحكمة والإجراءات المطبقة بصددها إلى قانون عضوي، وهو ما لم يحدث مطلقا.

وفي غير الأحوال التي يجيز فيها القانون تدخل السلطة التشريعية استثناء في أعمال القضاء كما سبقت الإشارة إليه، نجد أن تدخلها يصبح غير مقبول في حال قامت بمراجعة الأحكام التي تصدر عن المحاكم ولا يحق لها ذلك حتى ولو كان الخطأ ظاهرا للعيان ويعيب الحكم، فلا تتدخل السلطة التشريعية في أداء القضاء لوظيفته مطلقا، وهذا هو الحاصل في انجلترا حيث يمتنع البرلمان الانجليزي عن مناقشة أية قضية لازالت بيد القضاء ولا حتى التعليق عليها حتى يفصل فيها القضاء، وهو ما حدث عام 1907 عندما كان مجلس العموم يناقش مشروع قانون يهدف إلى تحديد تطبيق عقوبة الموت وفي نفس الوقت كان القضاء بصدد الفصل في قضية “أدمزا” في مقاطعة “إيست بورن” وعندما تناول نائب عمالي الكلمة تحدث عن مخاطر الأخطاء القضائية في أمور تتعلق بالسموم وأشار إلى قضية “أدمزا” لكن وجه له لوم شديد لإثارته الحديث عن قضية لم ينته القضاء منها بعد ونفس الشيء في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.[146]

و قد صادف أن قررت اللجنة القضائية بمجلس النواب الياباني التحقيق في دعوى تشغل بال الرأي العام وهي لا زالت مطروحة أمام القضاء للبت فيها، فما كان من جمعية قضاة المحكمة العليا إلا أن رفضت هذا التدخل ووجهت بشأن ذلك رسالة إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ 20/05/1949.[147]

و يعتبر بعض الفقهاء الانجليز أن الدستور هو من صنع القضاء- الجزء الأكبر من الدستور الإنجليزي غير مكتوب وإن اشتمل على بعض الأجزاء المكتوبة فقط- وتنظيم المحاكم وتحديد اختصاصها يكون بقوانين تشريعية يصدرها البرلمان ولا تستطيع أي هيئة أخرى أن تلغي أو تنقص هذا احتراما لما يعرف بمبدأ سيادة البرلمان، وتبقى هذه خاصية انجليزية بامتياز لا تتوافر في دول العالم الأخرى، حتى أن بعض الفقهاء يعترف بأن القضاة الانجليز لا يشعرون بأي خوف أو تشكك من هذه السيادة البرلمانية، لأن البرلمان لا يصدر أي قانون يمس بتنظيم وتحديد اختصاصات المحاكم إلا بعد العودة إلى استشارة رجال القانون، وقد يظهر أن البرلمان الانجليزي – السلطة التشريعية- له نفوذ على القضاء لكن بغير انتقاص للسلطة القضائية في شيء، لأن سيادة البرلمان تقتصر فقط على معناها القانوني دون السياسي فالسيادة السياسية هي من حق الهيئة الناخبة – الشعب- وبالتالي فالبرلمان بنظره إلى القضاء إنما يمثل نظر المواطنين له.[148]

وهو ما أدى إلى استحداث فقرة ثانية في المادة (180) من الدستور المعدل بمقتضى القانون رقم 16/01 والتي تنص على ما يلي:” لا يمكن إنشاء لجنة تحقيق بخصوص وقائع تكون محل إجراء قضائي”، وحسنا فعل المشرع الدستوري لكنه في نفس الوقت بموجب الفقرة الأولى من نفس المادة اعترف بأحقية البرلمان بغرفتيه في إنشاء لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة.

و يعتبر تدخل السلطة التشريعية في تنظيم القضاء غير شرعي للأسباب التالية:

  • حفاظا على استقلال القضاء، لأن منع المشرع من التدخل لا يقتصر فقط على منعه من تعطيل الأحكام أو المساس بها وإنما يجب أن يمتد المنع إلى عدم التدخل في تنظيم القضاء حتى ولو حسنت النية في هذا السبيل.
  • تنظيم القضاء والوقوف على شؤونه هو من اختصاص مجلس أعلى للقضاء، باعتباره الهيئة الماسكة بزمام شؤون القضاء بكل تفرعاته، وهدفه في ذلك تحكيم القانون ومصلحة العدالة بعيدا عن كل مصلحة شخصية أو حزبية.
  • حتى لو كان البرلمان يمثل إرادة الشعب فإنه لا يحق له التدخل لتنظيم القضاء لأن الفيصل هو الدستور الذي حدد اختصاصات كل سلطة من السلطات الثلاث، حتى لا تصبح السلطة التشريعية سيدة على السلطة القضائية.[149]

ومما جاء في المبدأ (14) من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية أن إسناد القضايا إلى قضاة بعينهم للفصل فيها يدخل في إطار اختصاصات المحكمة التي يمارسون العمل في دائرة اختصاصها وهي مسألة داخلية لا يمكن للسلطة التشريعية ممثلة في البرلمان أو غيرها التدخل في هذا الاختصاص لأنه اختصاص داخلي للإدارة القضائية.

وقد اتخذ التدخل في فرنسا من لدن السلطة التشريعية عدة أشكال، فبعد إصدار الجمعية التأسيسية عام 1790 القانون رقم (16) والذي نص على عدم قابلية القضاة للعزل، تدخلت بعد ذلك السلطة التشريعية بأن أصدرت عام 1810 قانونا تم على إثره عزل عدد من القضاة.[150]

كما اتخذ القضاء في كل من انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية سبيلا في عدم مد السلطتين التنفيذية والتشريعية بأية استشارة قانونية وألا يقوم بتفسير القانون إلا بناء على وقائع عرضت أمام القضاء في قضية فعلية، حيث امتنعت المحكمة العليا الأمريكية في قضية “مسكراتي” في أن تمد الرئيس جورج واشنطن بآراء استشارية فيما يخص المعنى القانوني للحياد والآثار التي تترتب عليه، فرفضت على أساس أنه لا يجوز للقضاة أداء آراء استشارية لأي كان لأن وظيفتهم تقتصر على الفصل في المنازعات داخل المحاكم لا غير،[151] وهو ما يطرح أكثر من تساؤل في الجزائر بخصوص الطبيعة القانونية للمجلس الدستوري، هل هو هيئة قضائية أم سياسية بالنظر إلى تشكيلته من جهة ومن جهة ثانية لدأبه على إعطاء آراء استشارية من جهة ثانية ؟

وهو ما أكد عليه التعديل الدستوري الجديد رقم 16/01 بموجب المادة (186) وهو إعطاء آراء بخصوص دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات.


الهامش

[1]– عبد الرحمن بن عمرو، الامتياز القضائي والعدالة الجنائية، مجلة البحوث، المغرب، العدد (1)، مارس 2002، ص 41، 42.

[2]– Geneviéve Giudicelli-Delage, La responsabilité des magistrats et de l’état en matière pénal, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚5 janvier-mars 1997, p 27.

[3]– عبد الرحمن بن عمرو، المرجع السابق، 42.

[4]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 20، 21.

[5]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع نفسه، ص 7 ـ 22.

[6]-Mireille Delmas-Mraty, Humanité, Espèce humaine et droit pénal, revue de sciences criminelles et de droit pénal comparé, éditions Dalloz France, n˚3 Juillet-septembre 2012, p 496.

[7]– د. حسن علي، حقوق الإنسان، وكالة المطبوعات، الكويت، بدون تاريخ نشر، ص 91.

[8]– Christophe Eoche-Duval, Droit pénal et souveraineté démocratique : La France est-elle en train de perdre la maitrise de son droit pénal ?, revue de sciences criminelles et de droit pénal comparé, éditions Dalloz France, n˚2 Avril-Juin 2012, p305.

[9]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، مصر، 1998 ، ص 9-11.

[10]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 7، 8.

[11]– حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة والتدابير الاحترازية، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2002، ص 2، 3.

[12]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 12، 13.

[13]– « Que peut-on conseiller a un voyageur désireux de visiter pour la première fois un pays dont il ignore tout ses habitants ? Recommanderais volontiers la lecture de deux documents : la constitution –la loi fondamentale disent les allemands – et le code de procédure pénale dont madame l’avocat général COMMARET nous a dit qu’il (incarne l’identité juridique d’une nation) ».

– Jean Pradel, La procédure pénale Française au début du XXI ͤ siècle, revue pénitentiaire et de droit pénal, éditions Cujas France, n˚2 Juin 2003, p 341.

[14]– د. أحمد فتحي سرور، الحق في الحياة الخاصة، مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية، السنة (54) 1984، مطبعة جامعة القاهرة، مصر، 1986، ص (3).

[15]– د. كريم يوسف أحمد كشاكش، المرجع السابق، ص 471.

[16]– ألبرت شافان، حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية (مرحلة المحاكمة)، مقالة وردت في: “حماية حقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية في مصر وفرنسا والولايات المتحدة، المؤتمر الثاني للجمعية المصرية للقانون الجنائي، الإسكندرية 9-12 أفريل 1988، المعهد الدولي العالي للعلوم الجنائية، الجمعية الدولية لقانون العقوبات “résé” مصر، 1989، ص 255.

[17]-Jean Pradel, Ibid, p 341.

[18]– المادة (2) والبند (3) من إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة: مواجهة تحديات القرن (21) الصادر بتاريخ: 4/12/2000.

[19]– البند (2) من إعلان المبادئ وبرنامج عمل الأمم المتحدة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية (18/12/1991).

[20]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 15، 16، 25.

[21]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع نفسه، ص 16.

[22]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع نفسه، ص 10، 11.

– د. عبد الحميد محمود البعلي، الحماية الجنائية للحقوق والحريات أثناء المحاكمة الجنائية، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد(4)، السنة (18)، ديسمبر 1994، ص 103، 104.

[23]– الفقرة (10) من ديباجة مرفق إعلان المبادئ وبرنامج عمل الأمم المتحدة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية (ديسمبر 1991).

[24]– البند (1، 2) من إعلان سلفادور بشأن الاستراتيجيات الشاملة لمواجهة التحديات العالمية: نظم منع الجريمة والعدالة الجنائية وتطورها في عالم متغير، والذي جاء في مؤتمر الأمم المتحدة (12) لمنع الجريمة والعدالة الجنائية المنعقد بسلفادور البرازيلية (12-19) أفريل 2010 والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في شكل قرار تم اتخاذه بتاريخ 21/12/2010.

[25]– البند (7، 23، 24) من إعلان سلفادور.

[26]– بحسب ما جاء في ديباجة إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة.

[27]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 13، 14.

[28]– اصطلح على تسمية مبدأ سيادة القانون في انجلترا بمبدأ ” حكم القانون ” Principal of Rule of Law، واصطلح عليه في الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ الحكومة المقيدة ” The Principal of Limted Government ” كما يعبر عنه أحيانا بـ: ” حكومة قانون لا حكومة أشخاص ” Agouvernment of Law Not of Men “، ويصطلح عليه في مصر وفرنسا بمبدأ سيادة القانون ” prééminence du droit” .

[29]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 130، 131.

[30]– د. كريم يوسف أحمد كشاكش ، المرجع السابق ، ص 472.

[31]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 134، 137.

– د. كريم يوسف أحمد كشاكش، المرجع السابق، ص 473.

[32]– قضية (ط ل) ومن معه ضد (ط س) و(ن ع) ملف رقم 36665 قرار بتاريخ 25/12/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1989، ص 312-314.

[33]– قضية (ك ب) ضد النيابة العامة (ملف رقم 119932 قرار بتاريخ 22/03/1994)، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1994،

ص 247- 250.

– وهو نفس الأمر الوارد في قرار المحكمة العليا في قضية (أ أ) ومن معه ضد مؤسسة بريد الجزائر والنيابة العامة ملف رقم 427994 قرار بتاريخ 24/01/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 2/2007، ص 527-530.

[34]– قضية (ب ب) ومن معها ضد النيابة العامة ملف رقم 436871 قرار بتاريخ 21/03/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 2/2007، ص 541- 547.

[35]– ملف رقم 492845 قرار بتاريخ 01/04/2009، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 1/2009، ص 388- 391.

و قد جاء في قرار للمحكمة العليا في قضية (ه ق) ومن معه ضد النيابة العامة ملف رقم 324411 قرار بتاريخ 30/03/2004، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2004، ص314-318، حيث جاء فيه ما يلي:” حيث أن القانون الجديد في المادة (119) مكرر يجرم نفس واقعة ترك أموال عمومية للضياع والتلف التي كان يجرمها نفس نص المادة (422) الملغاة وأن النص الجديد جاء بصياغة مغايرة للنص القديم غير من أركان الجريمة ودرجة التجريم وخص التغيير خاصة الركن المعنوي كما أملت التغيير أيضا متطلبات التبويب وترتيب النص ومتى كان ذلك فالوجه غير مؤسس وينجر عنه رفض الطعن”.

[36]– قضية (ش ب) الشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين لاكار وكالة تلمسان وشركة مازاري ضد (ج أ) ومن معه والنيابة العامة ملف رقم 240793 قرار بتاريخ 08/10/2002، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2003، ص 349-351.

[37]– قضية (ي ب) ومن معه ضد النيابة العامة قرار رقم 152292 بتاريخ 23/04/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1997، 1999، ص 171 وما بعدها.

[38]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 24.

[39]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 138، 150.

[40]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 144.

– ديباجة الدستور الفرنسي الصادر بتاريخ 4 أكتوبر 1958، مأخوذ من الموقع الإلكتروني للحكومة الفرنسية،

www.legifrance.gouv.fr، تاريخ النظر 02/08/2015.

[41]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 151 و153.

[42]– قضية (ب م) ضد (ب ز) ملف رقم 46823 قرار بتاريخ 14/07/1987، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1990،

ص 271- 273.

[43]– حيث جاء فيه:” حيث بالفعل أن المسمى (أ أ) كان محكوما عليه ظلما من طرف محكمة الجنايات لبجاية بتاريخ 06/07/1997 ولحسن سير العدالة ينبغي قبول طلب إعادة النظر في هذا الحكم وإبطاله دون إحالة طبقا لمقتضيات المادة (531/4) من ق إ ج والإفراج عليه فورا إذا لم يكن محبوسا لسبب أخر”. قضية النيابة العامة ضد (ب م) و(ح س) ملف رقم 680434 قرار بتاريخ 21/01/2010، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2010، ص 283-285.

[44]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 139.

[45]– د. كريم أحمد يوسف كشاكش، المرجع السابق، ص 472 و474.

[46]-د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 13.

[47]– د. خيري أحمد الكباش، المرجع السابق، ص 55.

[48]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 10.

– د. كريم يوسف أحمد كشاكش ، المرجع نفسه، ص 472.

[49]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 10.

[50]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 3.

[51]– د. محمد إبراهيم دسوقي، الحماية المدنية لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان، نشرة غير دورية، تصدرها جمعية حقوق الإنسان، كلية الحقوق جامعة أسيوط، مصر، العدد(1)، يناير 1998، ص 116.

[52]– هاشم علوي بوخريص، دور الدفاع والقضاء في حماية حقوق الإنسان، مجلة المعيار، نقابة المحامين، فاس المغرب، العدد(17)، 1991، ص 9، 11.

[53]– المواد: 70، 77، 78، 79، 80- 85، 87، 88، 91، 93- 97، 124- 137 من الدستور الجزائري لعام 1996، وهي نفسها المواد (84- 111) من التعديل الدستوري الجديد بموجب القانون رقم 16/01.

[54]– د. كريم يوسف أحمد كشاكش ، المرجع السابق، ص 304.

– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، مبدأ المساواة في الدساتير العربية في دائرة الحقوق والواجبات العامة وتطبيقاته القضائية، بدون دار نشر، 2001، ص 32.

– د. مصطفى محمود عفيفي، الحقوق المعنوية والسياسية بين النظرية والتطبيق، دار الفكر العربي، مصر، الطبعة (1)، بدون تاريخ، ص 18.

– د. أحمد عبد الكريم سلامة، حقوق الإنسان وأخلاقيات المهنة، جهاز نشر وتوزيع الكتاب الجامعي، جامعة حلوان، مصر، بدون تاريخ، ص 108.

– د. راغب جبريل خميس راغب سكران، الصراع بين حرية الفرد وسلطة الدولة، المكتب الجامعي الحديث، مصر 08/2009، ص 590، 591.

– د. عوض محمد عوض، المحكمة الدستورية العليا وحماية حقوق الإنسان المكفولة في الدستور المصري، حقوق الإنسان المجلد (3)، دراسات تطبيقية عن العالم العربي، من إعداد د. محمود شريف بسيوني، د. سعيد الدقاق، د. عبد العظيم وزير، دار العلم للملايين، بدون بلد ولا تاريخ نشر، ص 251.

[55]– د. مصطفى محمود عفيفي، المرجع السابق، ص 23.

[56]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 326.

[57]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، ضمانات حقوق الإنسان أمام المحاكم الجنائية، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر، بدون تاريخ، ص 88.

[58]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 327، 328.

– د. مجدي مدحت النهري، مبدأ المساواة في الحقوق العامة، مكتبة الجلاء الحديثة، المنصورة مصر، 2002، ص 58، 59.

[59]– د. مصطفى محمود عفيفي، المرجع السابق، ص 23.

[60]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 94، 97.

[61]– قضية (م م) ضد (ح ل) والنيابة العامة ملف رقم 233755 قرار بتاريخ 20/03/2002، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2004، ص 335-337.

[62]– قضية (ب ذ ع) ضد (ن ع) ملف رقم 60949 قرار بتاريخ 17/04/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 4/1992،

ص 200-202.

[63]-قضية (إ إ) ضد (س ب والنيابة العامة) ملف رقم 233935 قرار بتاريخ 20/06/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2001،

ص 395-397.

[64]– قضية النائب العام ضد (ب ب) ملف رقم 62942 قرار بتاريخ 10/07/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1993،

ص 263-265، ونفس الأمر ورد في قرار للمحكمة العليا في قضية (ل ح) والنيابة العامة ضد إدارة الجمارك ملف رقم 88720 قرار بتاريخ 14/02/1993، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1994، ص 267-282.

[65]– قرار بتاريخ 14/03/1989 ملف رقم 55057، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1992، ص216-218.

[66] – الأمر رقم 15/02 المؤرخ في 7 شوال 1436 الموافق لـ 23 يوليو 2015 المعدل والمتمم للأمر رقم 66/155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الصادر بالجريدة الرسمية عدد (40) بتاريخ 7 شوال 1436 الموافق لـ 23 يوليو 2015).

[67]– د. صلاح الدين فوزي، مبادئ القانون الدستوري، دون دار نشر، 1997، ص 857.

[68]– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، المرجع السابق، ص 40.

[69]– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، المرجع نفسه ، ص 42.

[70]– د. أحمد عبد الكريم سلامة، المرجع السابق، ص 108.

[71]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 87.

– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، المرجع نفسه، ص 53.

[72]– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، المرجع نفسه، ص 53 – 56.

– د. حسن علي، المرجع السابق، ص 62.

– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 87.

[73] – د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع نفسه، ص 89.

[74]– د. كريم يوسف أحمد كشاكش، المرجع السابق، ص 303.

[75]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع نفسه، ص 86.

[76]– قضية النائب العام لدى مجلس قضاء الأغواط ضد (ب إ ب) ملف رقم 62489 قرار بتاريخ 11/06/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1992،ص 203.

[77]– قضية (ج ع) ضد (ج ع ومن معه) ملف رقم 189499 قرار بتاريخ 24/02/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 609، وهو ما ذهبت إليه كذلك في قرار لها بتاريخ 21/09/2005 ملف رقم 360694 في قضية النائب العام ضد (ق ع)، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2005، ص 445.

[78]– د. مجدي مدحت النهري، المرجع السابق، ص 96.

[79]– د. علي فضل البوعينين، ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة، دار النهضة العربية، مصر، 2006، ص 268.

– د. محمد أنس قاسم جعفر، الوسيط في القانون العام الجزء (1) النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، مصر، 1995، ص 255.

[80]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 326.

[81]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله، مبدأ المساواة أمام القضاء وكفالة حق التقاضي، منشأة المعارف، مصر، 1993، ص 16.

– د. كريم يوسف أحمد كشاكش، المرجع السابق، ص 323.

– د. شحاتة أبو زيد شحاتة، المرجع السابق، ص 39.

– د. راغب جبريل خميس راغب سكران، المرجع السابق، ص 597.

[82]– وهو ما نصت عليه المادة (5/1/ج) من الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه (13/12/1985) حيث جاء فيها:” الحق في المساواة أمام المحاكم بأنواعها وأمام سائر الهيئات والسلطات المختصة بإقامة العدل، والحق عند الضرورة في الاستعانة مجانا بمترجم شفوي في الإجراءات القضائية والإجراءات الأخرى التي ينص عليها القانون”.

[83]– قضية حكومة السنغال ضد (ر س) ملف رقم 178268 قرار بتاريخ 25/03/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1997، 1999، ص 141- 145.

[84]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله، المرجع السابق، ص 16، 17.

[85]– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، بدون دار نشر، 2006 ، ص 43، 44.

– د. أحمد السيد صاوي، المساواة أمام القضاء في القانون المصري والشريعة الإسلامية، وردت في دراسات في حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون المصري، تم إعداد المشروع بالتعاون بين كلية الحقوق جامعة القاهرة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، 1983، ص 173، 174.

[86]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 268، 269.

[87]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 325.

[88]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله، المرجع السابق، ص 18 و19- 24.

[89]-Damien Vandermeersch, La place et le rôle du ministère public dans l’instance en cassation, revue de droit pénal et de criminologie, éditions La charte Bruxelles, n˚7-8 Juillet-Aout 2009, p 780.

[90]– قضية (م ك) ضد (ش ت) والنيابة العامة ملف رقم 134280 قرار بتاريخ 12/05/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1997، 1999، ص 157-161.

[91]– ملف رقم 170655 قرار بتاريخ 26/11/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1997، 1999، ص 166- 169.

[92]– قضية ( ي ب ومن معه) ضد النيابة العامة ملف رقم 152292 قرار بتاريخ 23/04/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1997، 1999، ص 171-182.

[93]– قضية (ش ب) الشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين لاكار وكالة تلمسان وشركة مازاري ضد (ج أ) ومن معه والنيابة العامة ملف رقم 240793 قرار بتاريخ 08/10/2002، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2003، ص 349-351.

[94]– قضية (م م) ضد (م ع والنيابة العامة) ملف رقم 112469 قرار بتاريخ 29/05/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1994، ص 289-292.

[95]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله، المرجع السابق، ص 38، 39.

– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات، المرجع السابق، ص 44.

– د. آمال الفزايري، ضمانات التقاضي، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر، بدون تاريخ، ص 32.

[96]– د. آمال الفزايري، ضمانات التقاضي، المرجع السابق، ص 32، 33.

– د. محمود سلام زناتي، حقوق الإنسان بين القرارات والإعلانات، مطبعة جامعة القاهرة مصر، 1994، ص60- 63.

[97]– د. مجدي مدحت النهري، المرجع السابق، ص 62.

[98]– Georges Wiederkehr, La responsabilité de l’Etat et des magistrats du fait de la justice, revue de Justices, éditions Dalloz France, n˚5 Janvier-Mars 1997, p 18.

[99]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 141- 143.

[100]– قضية تحمل رقم 51467 قرار بتاريخ 12/04/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1992، ص 168-170.

[101]– ملف رقم 267845 قرار بتاريخ 27/03/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 336-340.

– وجاء نفس الأمر كذلك في قضية (ب ع) ضد (ك م) والنيابة العامة ملف رقم 270381 قرار بتاريخ 26/06/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/2001، ص 316-319.

[102]– قضية (ن ع) ضد (حكم صادر) ملف رقم 168183 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص323-326.

[103]– قضية (أ ج) ضد (م ط ن ع) ملف رقم 20727 قرار بتاريخ 19/04/1998، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1991، ص 280-283.

– ونفس التأكيد ورد في قرار المحكمة العليا في قضة (خ م) ضد النيابة العامة ملف رقم 186010 قرار بتاريخ 28/10/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1999، ص 174-177.

[104]– المادة (40/2/ب/3) من اتفاقية حقوق الطفل بتاريخ 20 نوفمبر 1989، التي وقعت عليها الجزائر بتاريخ 26/01/1990 وصادقت عليها يوم 16/04/1993.

[105]– الجزائر لم تتحفظ على هذه المادة لكن الغريب أن السن القانوني للانتخاب بموجب المادة (3) من القانون العضوي رقم 12/01 المؤرخ في 18 صفر عام 1433 الموافق لـ 12 يناير سنة 2012، المتعلق بنظام الانتخابات الجزائري هو 18 سنة أي أن الطفل يستطيع الانتخاب وتقرير مصير بلد بأكمله في حين أن سن الرشد القانوني بموجب المادة (40) من القانون المدني هي 19 سنة، ولا يستطيع من هو دون هذه السن الإقدام على أي تصرف قانوني ولو كان بسيطا إذا لم يكن قد بلغ سن الرشد القانوني، وهو ما يتطلب بالضرورة إعادة النظر في سن الرشد.

ليأتي القانون رقم 15/12 المؤرخ في 28 رمضان 1436 الموافق لـ 15 يوليو 2015 المتعلق بحماية الطفل (الجريدة الرسمية، عدد (39) بتاريخ 3 شوال 1436 الموافق لـ 19 يوليو 2015) ليؤكد في المادة (2) على أن الطفل كل من لم يبلغ (18) سنة، وأن الحدث هو بمثابة طفل ويعامل على أساس ذلك، ويكون بذلك هذا النص القانوني قد عارض نص المادة (1) من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجزائر.

[106]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 144، 145.

[107]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 145.

[108]-Thierry S. Renoux, Le président de la république garant de l’indépendance de l’autorité judiciaire, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚3 Janv-Juin 1996/1997, p 97.

[109]-Thierry S. Renoux , Ibid, p 100.

[110]– المبدأ(1) من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والتي اعتمدها المؤتمر السابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بميلانو من 26 أوت إلى 6 سبتمبر 1985، والتي نشرت بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة32/40 المؤرخ في 29 نوفمبر 1985، والقرار 146/40 المؤرخ في 13 ديسمبر 1985.

[111]– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات، المرجع السابق، ص 62.

– فاروق الكيلاني، استقلال القضاء، دار النهضة العربية، مصر، الطبعة (1)، 1977، ص 17.

– د. الحسن بوفيم، انعكاس استقلال القضاء ونزاهته على مهنة المحاماة ودور الدفاع في المحاكمة العادلة، مجلة المرافعة، هيئة المحامين بأكادير، المغرب، العدد(16)، أكتوبر2005 ، ص 138.

[112]-Jean Parade, Jurisprudence de procédure pénale: Panorama 2004, revue de Dalloz, éditions Dalloz France, n˚10, 10 mars 2005, p 684.

[113]– د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء حق من حقوق الانسان في القانون المصري، المرجع السابق،

ص 109-112.

– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 6، 7.

[114]– قضية (ط ش ومن معه) ضد (ط ع والنيابة العامة) ملف رقم 116585 قرار بتاريخ 30/10/1994، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1996، 1998، ص 213-215.

– قضية (د م) ضد (ب ع والنيابة العامة) ملف رقم 117699 قرار بتاريخ 26/05/1996، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص الجزء (1) 2002، ص 213-215.

[115]-Jean Foyer, Le corps judiciaire et la loi, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚3 Janvier-Juin 1996, p 87-96.

[116]– المبدأ (6) من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

[117]– د. محمد سعيد مجذوب، الحريات العامة وحقوق الإنسان، دون دار ولا تاريخ نشر، ص 123.

[118]– د. الحسين بوفيم، المرجع السابق، ص 138، 143.

[119]– د. محمد تاج الدين الحسيني، ازدهار حقـــوق الإنســــان والديمقراطية ودوره في تطـــوير استقـــلال المحاماة والقضاء، مجلة المحاكم المغربية، هيئة المحامين بالدار البيضاء، المغرب، العدد (121)، أوت 2009، ص 141.

[120]– قضية (ع ه م) ضد (ب م) و(ن ع) ملف رقم 27369 قرار بتاريخ 28/05/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 4/1989، ص 335، 336.

[121]– قضية (ع/ ع ق) ضد النيابة العامة ملف رقم 340648 قرار بتاريخ 02/02/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2005، ص 365-367.

[122]– قضية (ش ر) ضد النيابة العامة ملف رقم 351390 قرار بتاريخ 20/07/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2005، ص 375-378.

[123]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 16.

[124]– Jean-Denis Bredin, Qu’est-ce que l’indépendance du juge ? revue de justices, éditions Dalloz France, n˚3 Janvier-Juin 1996, p 161.

[125]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 78.

[126]– “شكلت لجنة أطلق عليها اسم اللجنة الخاصة بأداة الحكم”Commitee on the machinery of couverment “، سنة 1967 برئاسة “اللورد هالدينLord Haldane “حيث اقترحت إنشاء وزارة للعدل، مما خلق لها الكثير من الانتقادات، فالمعارضون يرون أن إقامة وزارة للعدل لا محالة سيخضع القضاء لجهة سياسية وهو ما يمس استقلال القضاء وحريات المواطنين.

أما المناصرون لإنشاء وزارة للعدل، يرون بأن الجانب الإداري والتنظيمي هو الدافع الرئيسي لمطلبهم، لأنه ينبغي أن يكون هناك من يسأل أمام البرلمان في حال تم ارتكاب أخطاء أثناء أداء القضاء لمهامه، لكن الأغلبية انتصرت لفكرة عدم اقامة وزارة للعدل”،

بلودنين أحمد، استقلالية القضاء بين الطموح والتراجع، رسالة ماجيستير، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، الجزائر، 1999، ص 22.

[127]– بلودنين أحمد، المرجع السابق، ص 23.

[128]– قضية (ن ع) ضد (م ي) ملف رقم 251995 قرار بتاريخ 11/07/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 691-694، حيث جاء فيه:” من حيث الشكل:

حيث أن المادة (530) من ق إ ج تنص في فقرتها الثالثة أن:(إذا رفع النائب العام لدى المحكمة العليا، بناء على تعليمات وزير العدل أعمالا قضائية أو أحكاما صدرت من المحاكم أو المجالس القضائية مخالفة للقانون، جاز للمحكمة العليا القضاء ببطلانها).

حيث أنه يستنتج من هذه المقتضيات أن الصلاحيات التي تمنحها هذه السلطة غير المألوفة لوزير العدل تجعل من تعليماته شرطا أساسيا لقبول الدعوى وبالتالي فإن الطعن المبني على أحكام المادة (530/3) من ق إج هو من الاختصاص المانع والإقصائي لوزير العدل والنابع من أمره القاطع الموجه للسيد النائب العام لدى المحكمة العليا لا يمكن أن يصدر من مدير الشؤون الجزائية، إذ لا يجوز ممارسة هذه الصلاحيات بالتفويض.

و عليه يتعين التصريح بعدم قبول الطعن المرفوع من السيد النائب العام”.

[129]– قضية النيابة العامة ضد (ق م) ملف رقم 570886 قرار بتاريخ 22/10/2008، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 2/2008، ص 377- 379.

[130]-André Giudicelli, Jean Danet, Procédure Pénale, revue de sciences criminelles et de droit pénal comparé, éditions Dalloz France, n˚1 janvier- mars 2011, p 142.

[131]– Thierry S .Renoux, Ibid, p 97.

[132]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 80-82.

[133]– قضية (ب م) ضد (مجهول والنيابة العامة) ملف رقم 62906 قرار بتاريخ 02/05/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1993، ص 166-169.

[134]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 83-92.

[135]– قضية والي ولاية عنابة ضد (مجهول والنيابة العامة) ملف رقم 124961 قرار بتاريخ 12/07/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1994، ص 255-259.

[136]– قضية (ب ع) ضد النيابة العامة ومن معها ملف رقم 139258 قرار بتاريخ 26/03/1996، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1996، 1998، ص 167- 169.

[137]– قضية النائب العام ضد مجهول ملف رقم 251785 قرار بتاريخ 03/12/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2003، ص 452- 455.

[138]– قضية (ب ن) و(ب ف ر) والنيابة العامة ملف رقم 306989 قرار بتاريخ 27/05/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد2/2003، ص 333- 336.

[139]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 84- 89.

[140]– قضية (ن ع) ضد (م ي) ملف رقم 251995 قرار بتاريخ 11/07/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 691- 694.

[141]– قضية (ح م) ضد (د ج) ملف رقم 72782 قرار بتاريخ 12/02/1991، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1992، ص 214- 217، وهو نفس ما ورد في قضية (ي ت ع) ضد (م س) والنيابة العامة ملف رقم 103495 قرار بتاريخ 22/03/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1994، ص244- 247.

[142]– قضية النائب العام ضد (ه م) ملف رقم 320583 قرار بتاريخ 24/06/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2003، ص 440- 443.

[143]– قضية (س ب) ضد النيابة العامة ملف رقم 536660 قرار بتاريخ 23/04/2008، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 1/2009، ص 327 – 330، حيث جاء فيه:

” حيث أن المحكمة العليا وهي المخولة دستوريا بتقويم الأعمال القضائية وتوحيد الاجتهاد القضائي على المستوى الوطني لا تقبل قراراتها أية مراجعة فيما سبق أن قضت به إلا إذا شابها خطأ مادي أو كان هناك خطأ مصلحي يتمثل في عدم إدراج مذكرة الطاعن بملف طعنه المودعة في الأجل القانوني قبل النطق بالقرار الذي قضى بعدم قبول طعنه شكلا أو لم يتوصل شخصيا بالإنذار لإيداع مذكرته فإن المحكمة العليا اجتهادا منا أجازت قبول استدراك هذه القرارات رغم عدم وجود نص يسمح بذلك في المادة الجزائية وقياسا على ما هو منصوص عليه بالمادة (294) ق إ م”.

[144]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 92.

[145]– فاروق الكيلاني، المرجع نفسه، ص 119.

– د. علي فضل البوعينين ، المرجع السابق، ص 172، 173.

[146]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 203، 204.

[147]– فاروق الكيلاني، المرجع نفسه، ص 205، 206.

[148]– يس عمر يوسف، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والإسلامي، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، مصر، 1984، ص 120، 121.

[149]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 297 – 300.

[150]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 300، 301.

– 1814 بموجب الأمر رقم 12/07/1815 تم عزل عدد من القضاة، وعندما نشبت ثورة 1848 تم عزل عدد آخر من القضاة.

– وعندما طلب من القضاة حلف يمين الولاء لنابليون (3) في عهد الإمبراطورية (2) رفض البعض من القضاة وقدموا استقالتهم.

– 1871 أصدرت حكومة الدفاع الوطني مرسومين عزلت بموجبهما (15) قاضيا.

– 1883 أصدر مجلس الشيوخ قانونا بمنح القضاء الحصانة كما أعطى السلطة التنفيذية صلاحية عزل القضاة خلال 3 أشهر من تاريخ صدور القانون.

– 1926 ألغيت 227 محكمة ابتدائية وأحيل القضاة على التقاعد بموجب قانون “بوانكارييه”.

– في عهد حكومة فيشي منحت للحكومة سلطة عزل القضاة بموجب قانوني 1940 و1942.

– 1943 أصدرت الحكومة الفرنسية أمرا يعطيها الحق في عزل أو تنزيل درجة أي قاض أو نقله حتى انتهاء تحرير فرنسا، وبعد التحرير أعيد العمل بقانون الحصانة القضائية.

– في المادة (64) من دستور 1958 أعلنت حصانة القضاة وأن رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء.

[151]– يس عمر يوسف، المرجع السابق، ص 148، 149.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close