
القوة متعددة الجنسيات في سيناء: الأبعاد والتداعيات
تنويه:
على حلقات غير دورية نشر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني” ثلاثة مقالات حول القوة المتعددة الجنسيات فى سيناء، المقال الأول، جاء بعنوان “تأمين قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في سيناء من دون تراجع أمريكي”، كتبه اريك تراجر، منشورات معهد واشنطن، بتاريخ 26 أغسطس 2015، والثاني جاء بعنوان: “القوة العسكرية الأمريكية الأقل شهرة في الشرق الأوسط”، كتبه ديفيد شينكر، منشورات معهد واشنطن، بتاريخ 1 نوفمبر 2015، والثالث جاء بعنوان: “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”، وكتبه ديفيد شينكر أيضاً، منشورات معهد واشنطن، بتاريخ 16 مايو، 2016.
ويقوم المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بنشر المقالات الثلاث في ملف واحد، نظراً لأهمية القضية وتداعياتها الكبيرة على مستقبل شبه جزيرة سيناء
المقال الأول: تأمين قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في سيناء من دون تراجع أمريكي
اريك تراجر، منشورات معهد واشنطن، 26 أغسطس 2015
في أعقاب الهجوم الصاروخي الذي شنه جهاديون على “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” [“القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”/”قوة المراقبين”/”القوة”] في 9 حزيران/يونيو، وغيره من الحوادث الخطرة، تعيد الحكومة الأمريكية النظر في مستقبل انتشارها العسكري في شبه جزيرة سيناء. وفي حين لا يبدو أنّ لدى واشنطن خطط على المدى القريب لإحداث تغيير جوهري في انتشار “قوة المراقبين”، ناهيك عن إنهائه، دفعت المداولات الجارية حول حماية “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بالبعض خارج الحكومة – من بينهم صحيفة “نيويورك تايمز” – إلى الدعوة إلى انسحاب القوات الأمريكية. وسواء تمّت الاستجابة لهذه الدعوات أم عدمها، فإن الوضع الحالي يعزّز السرد [المنتشر] بأنّ الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط، ويقوّض جهود واشنطن المستمرة الرامية إلى طمأنة الحلفاء الإقليميين بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
الخلفية
تتألّف “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” من أفراد عسكريين ومدنيين من 12 دولةً، وقد تأسّست عام 1981 للإشراف على الترتيبات الأمنية التي أرستها معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979. وتتحقّق “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” على وجه التحديد من احترام كلا البلدين للقيود المفروضة على القوات والمعدات العسكرية داخل المناطق الأربعة التي تمّ ترسيمها بموجب المادة الثانية من الملحق الأول. كذلك، تراقب “قوة المراقبين” حرية الملاحة في مضيق تيران، وتنفّذ هذه المهمة عبر تشغيل نقاط تفتيش ومراكز مراقبة في سيناء وعلى طول الحدود الدولية، وعبر إجراء عمليات تحققٍ دورية تضمن تنفيذ المعاهدة. وبالتالي، كانت “قوة المراقبين” ضرورية لضمان استمرارية السلام المصري الإسرائيلي لأكثر من ثلاثة عقود، وقد سهّلت في السنوات الأخيرة التعاون الأمني غير المسبوق بين البلدين على الرغم من “السلام البارد” المعروف بينهما.
غير أنّ نجاح “قوة المراقبين” أصبح اليوم يثير تساؤلات في واشنطن حول مستقبل البعثة على المدى الطويل. فبينما تؤيّد مصر وإسرائيل بشدة الإبقاء على “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بعددها الحالي – 1667 فرداً، بمن فيهم 692 أمريكياً – يقول بعض المسؤولين الأمريكيين أنّ حجماً كهذا لـ “قوة المراقبين” لم يعد ضرورياً بالنظر إلى عمق التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل.
مخاطر جديدة
يكمن السبب الرئيسي وراء أحدث المداولات حول مستقبل “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في تدهور الوضع الأمني في سيناء. ففي الأشهر الأخيرة، عمل تنظيم «ولاية سيناء» على زيادة تهديداته التي تستهدف قوات حفظ السلام؛ وهذا التنظيم هو فصيل جهادي كان يُعرف باسم جماعة «أنصار بيت المقدس»، إلى أن أعلن نفسه “إمارة”/”ولاية” تابعة لما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم. وقد وقع الحادث الأكثر أهمية في التاسع من حزيران/يونيو، عندما أطلق التنظيم صاروخاً على قاعدة الجورة الجوية التابعة لـ “قوة المراقبين”. كما أطلق قذائف هاون وزرعَ عبوات ناسفة على الطرق التي تسلكها “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. وفي غضون ذلك، أظهر التنظيم قدرات مُحسَّنة ضد قوات الأمن المصرية، فأطلق العنان للعبوات الناسفة التي تحملها السيارات والانتحاريين والصواريخ المضادة للدبابات ضدّ أهداف للجيش والشرطة، وحتى أصاب أيضاً زورق دورية بحرية. ولهذا السبب، يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أنّها مجرّد مسألة وقت قبل أن يشنّ تنظيم «ولاية سيناء» هجوماً كبيراً ضدّ “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات”.
إن نهج القاهرة المتعلق بمحاربة الجهاديين شمال شرق سيناء، والذي عفا عليه الزمن قد فاقم هذه المخاوف. فبعد مرور عامين على العملية الحالية للجيش المصري، لا يزال هذا الجيش يعتمد على تكتيكات أكثر ملاءمةً مع المعارك التقليدية من حملات مكافحة التمرّد. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، تسبّب الجيش بنفور السكان المحليين من خلال دخوله القرى في تشكيلات كبيرة، واستهدافه العدو على نحوٍ غير دقيق باعتماده على المواجهة النارية (المدفعية والضربات الجوية)، وإخفاقه في تزويد عمليات قواته الخاصة بالاستخبارات المستهدِفة.
ويقيناً، غالباً ما استجاب الجيش المصري للمطالب الأمنية التي تقدّمت بها “قوة المراقبين”، فزاد من عدد الدوريات، وعزّز بعضاً من نقاط التفتيش التابعة له، وأسّس وجوداً وقائياً في أخطر المناطق التي تعمل فيها قوات حفظ السلام – بعد أن هدّدت “قوة المراقبين” بالتخلي عن بعض مراكزها. لكن، لا يزال ثمة قلقٌ شديد بشأن أمن “قوة المراقبين” على المدى البعيد، ففي كلّ مرة واجهت وحدات “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” هجماتٍ محتملة، لم يخرج الجيش المصري من مواقعه المُحصّنة للاشتباك مع مقاتلي «ولاية سيناء»، الأمر الذي دفع بمسؤولين أمريكيين إلى إثارة التساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة تحاول فقط احتواء الوضع، بدلاً من إلحاق الهزيمة بالجهاديين.
مداولات جديدة
نتيجةً للتوقعات الأمنية القاتمة في سيناء، عمل مسؤولون في “قوة المراقبين” على حث واشنطن لفترة دامت أكثر من عام على تغيير انتشار قواتها. وقد دعا بعض المسؤولين الأمريكيين إلى إنهاء مهمة “القوة” على المدى البعيد. بيد، جاءت استجابة واشنطن و”قوة المراقبين” على المدى القريب عبر تحصين مواقع “القوة” والتركيز على حمايتها. وقد وُضعت أيضاً أجهزة استشعار وحواجز مطوَّرة، فضلاً عن أبراج حراسة إضافية شُيدت حول مراكز “قوة المراقبين” على مدى العامين الماضيين، كما تلقّت قوات حفظ السلام أسلحة متطورة في الأسابيع الأخيرة.
ورغم ذلك، تتداول واشنطن الآن في إجراء تغييرات أكثر أهمية، من جملتها اقتراح “قوة المراقبين” بإغلاق المراكز المأهولة والمعزولة (على سبيل المثال، في جزيرة في مضيق تيران) التي تُعتبر أكثر عرضةً للهجمات وأكثر تكلفةً للتشغيل، ومن ثمّ استبدالها بالمراقبة المتحركة. ويدرس المسؤولون في واشنطن أيضاً سحب القوات الأمريكية على مدى عدة سنوات، الأمر الذي من شأنه أن يقلّص “قوة المراقبين”، لتصبح جزءاً صغيراً ممّا هي عليه الآن، أو أن يؤدّي إلى إنهائها بالكامل. وكجزءٍ من هذه العملية، ستزيد “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” من اعتمادها على أجهزة الاستشعار عن بعد الغير مجهزة بالجنود مع الاستمرار في بناء الثقة بين مصر وإسرائيل.
ومع ذلك، جاء ردّ الحكومتان المصرية والإسرائيلية على هذه المداولات سلبياً، إذ يعتبر كلا الجانبين أنّ “قوة المراقبين” هي آلية مهمة لتسهيل التعاون الثنائي، ويقولان بأنّ “الوقت ليس مناسباً الآن” للتفكير في إجراء تغييرات نظراً إلى حالة الغموض السياسي الذي يكتنف المنطقة.
توصيات سياسية
ليست هذه هي المرة الأولى التي فكّرت فيها واشنطن بسحب “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. فقد دعت وزارة الدفاع الأمريكية خلال الإدارتين السابقتين ولفترة وجيزة إلى اتخاذ هذا النهج لأنّها أرادت أن تُوجّه أفراد “قوة المراقبين” إلى مكان آخر. غير أنّ هناك مخاوف مختلفة تماماً – وصحيحة للغاية – تحرّك مداولات إدارة أوباما حول ضمان أمن أفراد “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”. فالتطوّر المتزايد للجهاديين، إلى جانب استراتيجية الجيش المصري التي عفا عليها الزمن، يشكّلان تهديداً كبيراً لعملية حفظ السلام التي كان يُعتبر خطرها في السابق منخفضاً للغاية.
ورغم هذه المخاوف، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر تغيير انتشار “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” في أيّ وقت قريب. أولاً، يهدّد أيّ تقليص في قدرة “قوة المراقبين” بإضعاف بعثةٍ متعددة الجنسيات التي لم تكتف بالتحقق من تطبيق معاهدة عام 1979، بل تشجّع أيضاً على التنسيق الاستراتيجي غير المسبوق القائم حالياً بين مصر وإسرائيل. وهذا التنسيق ليس حتمياً، فالعلاقات الثنائية كانت على وشك الانهيار في أيلول/سبتمبر 2011، عندما هاجم غوغاء مصريون السفارة الإسرائيلية في الجيزة بعد ثلاثة أسابيع من مقتل ستة جنود مصريين خطأً من قبل القوات الإسرائيلية، بينما كانت هذه الأخيرة تطارد الجهاديين عبر الحدود. وفي وقتٍ لاحق، خفّض زعيم «الإخوان المسلمين» الرئيس المصري السابق محمد مرسي، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في العام الذي تبوّأ فيه الحكم. وطوال تلك الفترة المُبهمة، سهّلت “قوة المراقبين” التعاون الثنائي، لا بل استحصلت أيضاً، في وجه تنامي التمرّد في سيناء، على إذن من إسرائيل يسمح بنشر قوات مصرية يتجاوز عددها الحدود التي فرضتها المعاهدة. وعلى أقل تقدير، يشكّل التنسيق الاستراتيجي القوي القائم حالياً حجةً لصالح أهمية “قوة المراقبين” وليس لحجمها المفرط.
ثانياً، نظراً لأنّ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” تُعدّ من النجاحات القليلة التي حقّقتها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ أيّ خطة لتقليصها ستزعج بصورة أكثر أولئك الحلفاء الذين يشعرون بالقلق من المغادرة الأمريكية المحسوسة من المنطقة، وستقوّض كذلك الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لطمأنة هؤلاء الحلفاء بعد الاتفاق مع إيران. ولهذا السبب، إذا كانت هذه الإدارة جادة بشأن تغيير انتشار “قوة المراقبين” الأمريكية، ينبغي عليها أن تنسّق هذه التغييرات مع مصر وإسرائيل لكي تُظهر أنّها تعمل بشكلٍ كامل مع حلفائها في السعي إلى تحقيق المصالح المتبادلة. أمّا المداولات الأحادية، فتبعث برسالةً معاكسة وتشير إلى أنّ واشنطن لا تريد إلّا الانسحاب.
وفي غضون ذلك، ينبغي على إدارة أوباما الاستمرار في تشجيع الجيش المصري على تحديث استراتيجيته ضدّ الجهاديين في سيناء. وفي حين رفضت القاهرة سابقاً العروض الأمريكية بتوفير التدريب في مكافحة الإرهاب، إلا أن المسؤولين العسكريين المصريين أبدوا اهتمامهم بهذه التدريبات في أعقاب “الحوار الاستراتيجي” الذي عُقدَ هذا الشهر بين واشنطن والقاهرة. لذا ينبغي على واشنطن النظر في الفرص المتاحة لتحسين التنسيق في مكافحة الإرهاب، وذلك لأنّ وجود استراتيجيةً مصرية أكثر فعاليةً تعني توفير أمنٍ أفضل لأفراد “قوة المراقبين المتعددة الجنسيات” وللملايين من المصريين على حدٍ سواء.
المقال الثاني: القوة العسكرية الأمريكية الأقل شهرة في الشرق الأوسط
ديفيد شينكر، منشورات معهد واشنطن، 1 نوفمبر 2015
في نهاية الأسبوع الأخير من تشرين الأول/أكتوبر، ادّعى تنظيم مصري تابع لـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن اسقاط طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي أسفر عن مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها. وقد نفت كل من موسكو والقاهرة وجود صلة للإرهابيين بسقوط الطائرة، مدّعّيتان أن طائرة الركاب واجهت مشاكل في البداية على علو 30,000 قدم، وهو ارتفاع يتجاوز قدرات أنظمة الأسلحة أرض-جو التي تملكها الجماعة التي تطلق على نفسها اسم “محافظة سيناء.” وفي حين أن هذا التقييم عن الترسانة المحلية لفرع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء قد يكون صحيحاً، إلا أنّه ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل. فحالياً، تنشر “محافظة سيناء” “أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف” فضلاً عن الأسلحة المتطورة المضادة للدبابات، التي تشكل تحدياً فتاكاً على نحو متزايد لأمن مصر في شبه الجزيرة.
بيد، إن التهديد الذي يشكّله تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء يتجاوز أهداف الحكومة والمناطق السياحية المصرية. ففي 2 آب/أغسطس، أصيب أربعة جنود أمريكيين بجراح في انفجار عبوة ناسفة في مصر. وكان هؤلاء يخدمون مع «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» في شبه جزيرة سيناء، وهي إحدى أهم الالتزامات الأمريكية لحفظ السلام وربما الأقل معروفة [للجمهور]. فمنذ عام 1982، تساهم الولايات المتحدة بمئات من الجنود والطيارين لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» [«القوة المتعددة الجنسيات»]، وهي منظمة مهمتها مراقبة الأحكام الأمنية المتعلقة بمعاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية في سيناء التي وُقّعت عام 1979. وبالإضافة إلى العمليات البرية، تستخدم «القوة المتعددة الجنسيات» طائرات مراقبة تقوم بمهمات من على شبه جزيرة سيناء لتحديد ما إذا كانت مصر تنشر قواتها بالتناسق مع التزاماتها وفقاً للمعاهدة من عام 1979. وقد أدى هذا الهجوم والبيئة الأمنية الخطيرة على نحو متزايد في سيناء في السنوات الأخيرة، إلى دفع إدارة أوباما إلى إعادة النظر في نشر «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» ومهتمهم.
وقد تم أصلاً تصوّر «القوة المتعددة الجنسيات» في الأمم المتحدة في أعقاب “اتفاقيات كامب ديفيد”. فبعد أن اعترضت الصين وروسيا على هذه المهمة في مجلس الأمن الدولي، وافقت واشنطن ومصر وإسرائيل على إقامة «القوة المتعددة الجنسيات» خارج اطار الأمم المتحدة ، وتحديد إدارة القوة وتمويلها من قبل هذه الدول. ووفقاً للملحق الأول من المادة الثانية من المعاهدة، كُلِّفت «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» التابعون لها بمراقبة “المنطقة C”، التي تغطي ربع مساحة سيناء تقريباً وتمتد على طول الحدود مع إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، عملت «القوة المتعددة الجنسيات»، بدعم الولايات المتحدة، كقوة عازلة في بعض الأحيان، وكمنظمة لبناء الثقة، ووسيط و”مستشار زواج” لكلا الطرفين.
وتضم «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» 1667 عسكرياً من اثني عشر بلداً و 17 مسؤولاً مدنياً. ولكن الولايات المتحدة هي قلب المنظمة وروحها. فبين ثنايا “القوة الخاصة المؤلفة من كتيبة مشاة”، ووحدة الخدمات اللوجيستية التي توفر الطائرات وتقوم بالعمليات الجوية، وغيرهما من الوحدات والمهمات، تساهم الولايات المتحدة بما يقرب من 700 شخص لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون». كما تغطّي واشنطن أيضاً ما يقرب من ثلث الميزانية السنوية للمنظمة التي تبلغ 86 مليون دولار.
وعلى مدى السنوات الست والثلاثين الماضية، شهدت العلاقات الإسرائيلية المصرية مداً وجزراً. ففي عهد مبارك، على سبيل المثال، أدانت القاهرة بصورة متكررة العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي عام 2003، ذكرت بعض التقارير أن إسرائيل هددت بإسقاط طائرة استطلاع مصرية بدون طيار كانت تراقب قاعدة جوية إسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، شكلت فترة حكم الرئيس محمد مرسي من «الإخوان المسلمين» – والتي دامت عاماً كاملاً بين 2012-2013 – اختباراً للعلاقة – حيث تعهدت «الجماعة» بإلغاء معاهدة السلام. وخلال كل ذلك، كان لـ «القوة المتعددة الجنسيات» وجوداً ثابتاً ومطمئناً في في شبه الجزيرة، حافظت خلاله «القوة» على السلام البارد.
وفي الوقت الحالي، على الأقل على المستوى الرسمي، لم تكن العلاقات بين مصر وإسرائيل أفضل مما هي عليه الآن بتاتاً. ويُعزى هذا التطور المفيد إلى حد كبير إلى ظهور التمرد المستمر المدعوم من قبل تنظيم «داعش» في سيناء. وفي السنوات الأخيرة، وحيث اتسع التمرد الإسلامي، وصل التعاون الأستراتيجي بين إسرائيل ومصر ضد المسلحين إلى مستويات لا مثيل لها. وقد بلغ الأمر قيام إسرائيل باستهداف 5 متشددين إسلاميين بطائرات مسلحة بدون طيار فوق أجواء سيناء في نيسان/أبريل 2013، كما أفادت بعض التقارير.
ومن المفارقات، أنه في الوقت الذي أدّت الفائدة المتبادلة في احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» في شبه الجزيرة، إلى دفع إسرائيل ومصر على التعاون سوية، إلا أن التمرد هدّد استمرارية وجود «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون». وفي تموز/يوليو الماضي وحيث كان القلق يساور إدارة أوباما من سلامة القوات الأمريكية المتمركزة في سيناء، أفادت بعض التقارير أن الإدارة بدأت تُراجع السياسة المتعلقة بـ «القوة المتعددة الجنسيات»، بهدف سحب الوحدات الأمريكية منها.
ويقيناً، فحتى قبل تدهور الوضع الأمني الحالي، شهدت «القوة المتعددة الجنسيات» وقوع إصابات في صفوفها. ففي عام 2007، على سبيل المثال، تحطمت طائرة تابعة لوحدة ثابتة الجناح في «القوة المتعددة الجنسيات» في سيناء، وأسفر الحادث عن مقتل ثمانية فرنسيين وجندياً كندياً. إلا أنه خلال ثلاثة وثلاثين عاماً، لم تقع «القوة المتعددة الجنسيات» تحت وطأة النيران إلا على نحو دوري فقط.
ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة وجدت قوات «القوة المتعددة الجنسيات» على نحو متزايد بأنها معرضة للخطر. فقبل عامين في أيلول/سبتمبر، قامت مجموعة من البدو بمهاجمة “المعسكر الشمالي” لـ «القوة المتعددة الجنسيات» واختراقه واجتياحه، بإطلاقها نيران أسلحة آلية وقذفها قنابل يدوية، مما أسفر عن إصابة أربعة من قوات حفظ السلام قبل أن يتم التفاوض على انسحابها. وفي آب/أغسطس 2014، تم إطلاق النار على أحد أفراد الوحدة الأمريكية وإصابته بجراح من قبل مسلح مجهول بالقرب من المعسكر. وفي حزيران/يونيو 2015، تم قصف مطار «القوة المتعددة الجنسيات» المجاور لـ “المعسكر الشمالي”، وفي المدة الأخيرة في آب/أغسطس، أسفر انفجار عبوة ناسفة يدوية زرعها تنظيم «الدولة الإسلامية» عن جرح 6 جنود – أربعة أمريكيين واثنين من فيجي – تابعين لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون».
وعلى الرغم من أن القاهرة قد نشرت الآلاف من القوات الإضافية والمعدات الثقيلة – بما فيها مقاتلات من طراز ” F-16″ ومروحيات هجومية من طراز “أباتشي” – في سيناء، إلا أن مصر لم تتمكن من احتواء العنف. فقد قُتل حتى الآن أكثر من 1000 جندي وشرطي مصري في شبه الجزيرة، من بينهم أربعة وستين جندياً قتلوا في يوم واحد فقط في الصيف الماضي. وفي العام الماضي، أسقط متشددون إسلاميون مروحية عسكرية مصرية فوق صحراء سيناء. وفي تموز/يوليو الماضي، أغرقوا سفينة دورية تابعة للبحرية قبالة الساحل المصري. وفي آب/أغسطس 2013، استهدف هؤلاء الإرهابيين سفينة كانت تعبر قناة السويس بقذيفة صاروخية.
وفي الوقت نفسه، وحيث ينمو التمرد الذي يقوده تنظيم «داعش» في سيناء، فإن الأمر سيان بالنسبة إلى التهديد الذي تشكله هذه الجماعة لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» ومهمتها. وحالياً، ترافق أرتال مدرعة مصرية دوريات «القوة المتعددة الجنسيات»، وقد قلصت «القوة» من عملياتها الجوية، كما تحد من نشرالمراقبين في المناطق النائية.
وعلى الرغم من هذه القيود، لا تزال القوات الأمريكية تشكل عاملاً حاسماً. فرحيل الوحدة الأمريكية سوف لا يؤدي حتماً إلى انهيار «القوة المتعددة الجنسيات» فحسب، بل سيؤكد تقليص التزام واشنطن لحلفائها في المنطقة الأمر الذي سيوفر نصراً معنوياً وعملياتياً كبيراً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في الوقت غير المناسب تماماً. وستعارض مصر وإسرائيل هذا القرار أيضاً، وستتعاونان على الأرجح لوضع حد له.
وإذا قررت إدارة أوباما تقليص الوجود الأمريكي في «القوة المتعددة الجنسيات»، فلن تكون هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها هذه الخطوة. ففي التسعينيات، طرحت وزارة الدفاع الأمريكية مبادرة لسحب الوحدة، ولكنها أُلغيت من قبل وزارة الخارجية في وقت لاحق. وفي الآونة الأخيرة، في عام 2002 خلال الأيام الأولى من “الحرب العالمية على الإرهاب”، سعى “البنتاغون” أثناء فترة إدارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى تقليل المزيد من القوى البشرية العاملة من خلال تقليص حجم الوحدات التي كانت تضم آنذاك 865 جندياً وجعلها مساهمة رمزية تشمل 27 جندياً فقط. وفي آب/أغسطس 2002، استضافت وزارة الدفاع الأمريكية اجتماعاً ثلاثياً لمناقشة الخفض المزمع. وكان رد الفعل المصري والإسرائيلي شديداً لدرجة أنه تم تقليص عدد أفراد الوحدة الأمريكية بنسبة تقل عن 20 في المائة.
وعلى الرغم من تحسُّن المناخ بين البلدين في الوقت الحالي، تدرك كل من إسرائيل ومصر هشاشة العلاقة بينهما. وللعلم، في أيلول/سبتمبر 2011، ردّت إسرائيل على هجوم إرهابي كبير عبر الحدود من سيناء عن طريق قتلها خطأً خمسة جنود مصريين على الحدود. وفي أعقاب ذلك الحادث، اقتحم بعض الغوغاء السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وحاصروا ستة دبلوماسيين اسرائيليين في الغرفة الآمنة. ولولا باب الغرفة المعزّز الذي سمكه ستة بوصات [15.24 سنتمتر]، لم يكن هناك شك بأنه كان سيتم قتل المبعوثين، وتعريض معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية للخطر.
ومن المحتمل أن باب السفارة الإسرائيلية الذي سمكه ستة بوصات كان قد حافظ على المعاهدة قبل ثلاث سنوات، ولكن حتى في يومنا هذا، يَعتبر عدد كبير من المصريين أن إسرائيل عدوهم. ويقيناً، أن المعاهدة راسخة على المستوى الرسمي، ولكن بعد مرور ستة وثلاثين عاماً، لم تتحول إلى سلام بين الشعبين. ولنتأمل أنه في آب/أغسطس، رُفعت دعوى قضائية في محكمة مصرية تتهم طالب مصري أمريكي أنهى دراسته العليا في جامعة تل أبيب بـ “الخيانة العظمى” وتُطالب بتجريده من جنسيته المصرية.
وفي أعقاب قيام الحكومة الأمريكية بمراجعة سياستها في المنطقة، قامت إدارة اوباما في أيلول/سبتمبر الأخير بنشر 75 جندياً إضافياً في «القوة المتعددة الجنسيات» في سيناء لتعزيز قدرات حماية «القوة». وفي حين يمثل ذلك خطوة أولى جيدة، إلا أنه ينبغي عمل المزيد – بما في ذلك توفير ما يسمى بـ المركبات المدرعة “المقاومة للألغام المحمية من الكمائن” للوحدات الأمريكية التابعة لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» ولوحدات أخرى في «القوة». وفي الوقت نفسه، ينبغي على وزارة الدفاع الأمريكية النظر في تعديل إجراءات الرصد الحالي لـ «القوة المتعددة الجنسيات» لتشمل نشر المزيد من الأدوات المستترة وأدوات المواجهة مثل طائرات الاستطلاع بدون طيار. والأهم من ذلك، ينبغي على واشنطن الضغط أيضاً على مصر لقبول التدريب التي توفره الولايات المتحدة لمكافحة التمرد واعتماد تكتيكات مكافحة التمرد الحديثة للمساعدة في دحر مكاسب تنظيم «داعش» في سيناء.
وحيث أن هناك خمس دول فاشلة في الشرق الأوسط واثنتان آخرتان معرضتان للخطر، وفي الوقت الذي يُحرز تنظيم «الدولة الإسلامية» تقدماً ثابتاً، تُعتبر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واحدة من آخر ما تبقى من إنجازات سياسة واشنطن الإقليمية. ونظراً لهشاشة هذا السلام، فإن التزام الولايات المتحدة المستمر عبر وجود «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» لضمان استمرار “اتفاقيات كامب ديفيد” هو [الآن] أكثر أهمية من أي وقت مضى.
المقال الثالث: “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”
ديفيد شينكر، منشورات معهد واشنطن، 16 مايو، 2016
تشهد كلٌّ من مصر وإسرائيل منذ عام 2012 تعاوناً عسكرياً لم يسبق له مثيل بينهما جرّاء التمرد المستمر الذي يقوده تنظيم «الدولة الإسلامية» في شبه جزيرة سيناء، بحيث أصبحت هذه الظاهرة سبباً رئيسياً دفع كبار المسؤولين من كلا البلدين إلى الإقرار بصورة عامة تقريباً بأن العلاقات الثنائية بينهما تشهد أفضل حالاتها منذ توقيع معاهدة السلام في عام 1979. ويأتي هذا التقارب الأمني في الوقت المناسب، لا سيما وأن المكاسب العسكرية التي حققها تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء قد حفزت الولايات المتحدة وشركاءها على إعادة نشر «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» («القوة») بعيداً عن الحدود من باب التدابير الاحتياطية المتخذة لحماية القوات [من الأعمال العدوانية]. وفي حين سيستمر تمركز بعض جنود «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» في مناطق معينة، ستعتمد قوات حفظ السلام اعتماداً أكبر على الوسائل التقنية لمراقبة الأوضاع عن بُعد، علماً بأن تداعيات هذا الأمر على العلاقات الإسرائيلية-المصرية على المدى البعيد لا تزال مجهولة.
الخلفية
تعمل «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» على مراقبة الالتزام بالأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية كامب ديفيد منذ عام 1982، مع التركيز على «المنطقة “ج”» التي تعادل تقريباً ربع مساحة سيناء وتمتد على طول الحدود مع إسرائيل. وحالياً، تتألف هذه القوة من نحو 1700 عسكري وبضع عشرات من المسؤولين المدنيين المبعوثين من 12 دولة، منهم 707 أفراد من الجيش الأمريكي بما فيه “كتيبة المشاة” المحاربة ووحدة الدعم اللوجستي المسؤولة عن تنفيذ العمليات الجوية. وتقدم واشنطن أيضاً ما يقرب من ثلث الميزانية السنوية لهذه «القوة» والتي تبلغ 86 مليون دولار وتؤمّن تمويلاً إضافياً لتدابير الحماية الاحتياطية و”مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” (للمزيد من التفاصيل، انظر “القوة العسكرية الأمريكية الأقل شهرة في الشرق الأوسط”).
والجدير ذكره أن تشكيل العسكريين إلى «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» كان مرغوباً في السابق، فقد اقتصرت هذه المهمة على أعمال المراقبة الآمنة والرحلات المتكررة إلى شواطئ سيناء النظيفة. ويقيناً، ليست هناك مهمة تخلو من المخاطر – ففي عام 1985 توفي 248 جندياً أمريكياً من “الفرقة المجوقلة 101” في حادث تحطم الطائرة التي كانت عائدة بهم إلى بلادهم من سيناء، وفي عام 2007 تحطمت طائرة أخرى أودت بحياة تسعة عناصر من قوات حفظ السلام الفرنسية والكندية. غير أن «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» لم تواجه أي تهديدات خطيرة على الأرض قبل العقد الماضي.
تدهور الوضع الامني
ظهرت أولى بوادر تغيّر الوضع الأمني في سيناء في الفترة 2005 و2006، حين بدأ مقاتلون من البدو بتنفيذ هجمات على آليات وعناصر «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» بالعبوات المفخخة المزروعة على جوانب الطرق وبالعمليات الانتحارية. ثم تزايدت هذه الهجمات وغيرها منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك عام 2011 واندلاع التمرد بالكامل في شبه الجزيرة وانضمام الإسلاميين المتطرفين إلى المعركة. وفي عام 2012، تسلل البدو إلى “المعسكر الشمالي” لـ «القوة» وتسببوا بجرح أربعة من عناصر قوات حفظ السلام. وبعد ذلك بعام، تعرّض جندي أمريكي لإطلاق النار بالقرب من مدخل المعسكر. وفي حزيران/يونيو 2015، تعرّض مطار «القوة» في الجورة للقصف المدفعي، ثم بعد شهرين أصيب ستة من جنود «القوة»، من بينهم أربعة أمريكيين، جرّاء عبوة ناسفة زرعتها عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية».
وقد استدعى هذا الهجوم الأخير إلى قيام واشنطن بإعادة النظر في سياستها. فعلى الرغم من القوة العسكرية المصرية الساحقة التي تم حشدها لمواجهة أقل من ألفي متمرد إسلامي وفقاً لبعض التقارير، لم تحرز مصر أي تقدم في دحر هؤلاء بعد خمس سنوات من المعارك. وبدلاً من ذلك، منيت القوات المصرية بانتكاسات شديدة وتسببت بوقوع أضرار جانبية هائلة وفقدت ما يزيد عن ألف شرطي وجندي في سيناء. واليوم يواصل المتمردون هجماتهم على المواقع الثابتة للجيش والشرطة كل أسبوع تقريباً.
لقد استنتجت إدارة الرئيس أوباما على ما يبدو أن القاهرة تفتقر إلى الإرادة اللازمة لإخلاء سيناء من المتمردين وفرض سيطرتها على أراضيها. والأسوأ من ذلك هو أن واشنطن لا تثق بقدرة الجيش المصري على اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» كإزالة الألغام عن الطرقات الممتدة من “المعسكر الشمالي”، حتى لو طُلب منها ذلك. والمثال على ذلك هو أن «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» أعلنت في أيلول/سبتمبر الماضي أنها أخرجت عناصر لها من موقع يقع على مسافة خمسة كيلومترات فقط من المعسكر “بسبب العجز عن إعادة تموين الموقع ومواصلة تنفيذ المهام من ذلك الموقع بصورة آمنة”. وكما أخبر رتيب (ضابط صف) أمريكي مؤخراً لمراسل، «كان “المعسكر الشمالي” شبيهاً جداً بأفغانستان… فقد كان بالإمكان سماع الدويّ خارج السياج الشائك. وكانت القذائف والرصاصات الطائشة تنهال عشوائياً وكانت صفارات الإنذار تدوّي بضع مرات في الأسبوع. لقد كان الوضع خطراً».
وفي أيلول/سبتمبر، قامت الإدارة الأمريكية بإرسال خمسة وسبعين جندياً إضافياً لدعم التدابير الاحتياطية المتخذة لحماية القوات [من الأعمال العدوانية]. وحيث أيقنت «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» عدم كفاية هذا العدد، ما لبثت أن قلّصت عمليات المراقبة وبدأت بدعم الجنود في “المعسكر الجنوبي” في شرم الشيخ. وفي الشهر الماضي، أعلنت واشنطن أنها ستعيد تنظيم تلك «القوة».
إعادة تفعيل «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون»
مع أن تفاصيل إعادة الهيكلة لم تكشَف بعد، إلا أن معالمها التي أخذت بالظهور تشير إلى التركيز الشديد على حماية «القوة». فقد يتم نقل “مقر قائد «القوة»” وغالبية الجنود إلى “المعسكر الجنوبي”، ربما باستثناء فرقة صغيرة ستُترك هناك للحفاظ على بعض الممتلكات في “المعسكر الشمالي”. ووفقا لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين»، يتّسع حالياً “المعسكر الجنوبي” لقوة بحجم كتيبة تقريباً (حوالي 800 جندي)، لذلك قد يكون من الضروري توسيعه. كما أن المراقبين المتواجدين في جزيرتَي «تيران» و «صنافير» في البحر الأحمر – واللتين تخلّت مصر عنهما مؤخراً للمملكة العربية السعودية – قد يبقون في مواقعهم لأن المواقع العسكرية الأمامية محاطة بأميالٍ من المياه وتعتبر آمنة، ولكن في الوقت نفسه يكاد يكون من المؤكد أنه سيتم تقليص حجم «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون» ككل.
والواقع أن الاعتماد المتزايد على أنظمة الرصد الآلية و/أو المشغّلة عن بُعد هو ما سيتيح تقليص حجم هذه القوة. وقد تشمل هذه الأنظمة كاميرات الفيديو المثبّتة على الأرض، والأجهزة اللاسلكية لتحديد الاتجاه، والكاميرات المثبتة على المناطيد، والصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية التجارية والحكومية، والصور الجوية الملتقطة عبر طائرة “يو-2” المتمركزة في قبرص والتي تتولى مهمة مراقبة سيناء منذ عام 1973. وقد تستوجب الأنظمة الأرضية من العناصر إجراء أعمال صيانة روتينية وقد تدعو الحاجة بشكل دوري إلى تكليف بعض الجنود بمراقبة حركة الجنود المصريين في المواقع التي لا تصلح فيها أنظمة الرصد غير الفاعلة. ولكنّ استبدال مراقبي «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» بالأساليب التقنية سيتيح بالإجمال إجراء تخفيضات كبيرة في عدد الجنود.
التداعيات
في حين أن التكاليف المترتبة على الولايات المتحدة من «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» قد تنخفض بعض الشيء، يبقى شركاء واشنطن في السلام مرتاحين للوجود الأمريكي الكبير في سيناء ومن المحتمل أن يعارضوا أي عملية انسحاب واسعة النطاق حتى مع التحسن المستمر الذي تشهده العلاقات الأمنية بين مصر وإسرائيل. إن الدرس المستفاد من الثورة المصرية هو أن الوضع في القاهرة قد يتغير بسرعة – ففي عام 2012، على سبيل المثال، قامت حكومة الرئيس محمد مرسي الموالية لـ «الإخوان المسلمين» بنشر كتيبة دبابات في سيناء دون الحصول على موافقة واضحة مسبقة من إسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل وافقت لاحقاً على مثل هذا الانتشار وبدأت تعمل عن كثب مع القاهرة منذ الإطاحة بمرسي، فهي لا تزال تسعى على الأرجح إلى تجنب أي تخفيض جذري في القوات الأمريكية.
خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في 12 نيسان/أبريل، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر مراراً وتكراراً إلى أن العملية المزمعة لإعادة هيكلة «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» “لا تشكل استجابة إلى… التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الأرض”. إلا أن طبيعة هذه المبادرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية وتوقيتها يشيران بوضوح إلى العكس من ذلك. فالجيش المصري لا يقوم لا باحتواء ذلك التنظيم الإرهابي ولا بدحره؛ ففي آذار/مارس سقط ثلاثة عشر جندياً مصرياً في هجوم واحد قام به التنظيم، ولقي ثلاثة ضباط مصرعهم بعد شهر من وقوع هذه الحادثة. أضف إلى ذلك أن المتمردين يحاولون غرس جذور لهم غرب قناة السويس – إذ أفادت بعض التقارير في الأسبوع الماضي أن مقاتلي «الدولة الإسلامية» قتلوا ثمانية من رجال الشرطة في إحدى ضواحي القاهرة.
ونظراً إلى التطورات الحاصلة في شمال سيناء والتقنيات الجديدة المتاحة، أصبحت إعادة هيكلة «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» منطقية. بيد، بينما يكون جنوب سيناء أكثر أماناً من الشمال، إلا أن التهديدات ما زالت قائمة هناك أيضاً – فمنذ سبعة أشهر فقط، أسقط تنظيم «الدولة الإسلامية» طائرة ركاب روسية قادمة من مطار شرم الشيخ، مما أسفر عن مقتل 224 شخصاً. ونظراً إلى أهمية المنطقة كوجهة سياحية، من المرجح أن تولي القاهرة الأولوية لأمن الجنوب (شرم الشيخ على وجه الخصوص) للمساعدة على إنقاذ هذا القطاع الاقتصادي الهام والمحتضر.
ومع ذلك، سيبقى المصريون بحاجة إلى توجيه خارجي. من هنا، يتعيّن على واشنطن أن تضغط على القاهرة بشكل أكبر لقبول التدريب الأمريكي وتغيير وجهة تموينها بما يتيح اتباع منهجية حديثة لمكافحة التمرد في سيناء، وذلك من أجل المساهمة في الحفاظ على الهدوء في الجنوب وإعادة إرساء الأمن في الشمال. فإذا لم تعكس مصر مسار التمرد، قد تقتضي العملية المقبلة لإعادة نشر «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» إخراجها بالكامل من شبه جزيرة سيناء.