
القوي الثورية المصرية وإيران: كوابح العلاقات
من أبرز مميزات النظام السياسي العالمي والاقليمي الراهن تلك الزيادة سريعة الوتيرة في حجم وأهمية الكيانات من غير الدول التي تعمل على أساس عالمي عابر للحدود. مُشكلة بذلك تحدياً كبيراً لافتراضات المقاربات التقليدية للعلاقات الدولية، التي تفترض أن الدول هي الوحدات المهمة في النظام الدولي[1].
وتعتبر القوى الثورية المصرية من الفواعل المؤثرة -من دون الدول- والتي لها تأثيرات سواء على الساحة الاقليمية والدولية. كما تعتبر الجمهورية الإيرانية من القوى الإقليمية المؤثرة في منطقة الشرق الاوسط. وأن كلا من الجمهورية الإيرانية والقوى الثورية المصرية في حاجة آنية ماسة إلى كل منهما الآخر. فكلاهما يمر بظروف استثنائية، فإيران تعيش حالة شبه عزلة اقليمية ودولية، والقوى الثورية المصرية تمر بمرحلة يمكن تسميتها “بالتيه” بعد خروجها من المشهد السياسي المصري بشكل درامي.
جراء عزل قادة القوات المسلحة المصرية للرئيس المنتخب “محمد مرسي” من السلطة في 3 يوليو 2013م. وما تبعه من قيام أجهزة الدولة المصرية بشن أعنف حرب عدائية تلقتها القوى الثورية في تاريخها. فقدت خلالها طليعة رموزها ونخبة شبانها بين معتقل وصريع، مما جعلها في حاجة إلى توسيع دائرة الحواضن الإقليمية والدولية، ومن بين هذه الدول إيران.
ومن الممكن أن يحقق أي تحالف أو تقارب فعال بين القوى الثورية المصرية مع الجمهورية الإيرانية منافع لكلا الطرفين. أقلها توفير أماكن لجوء لبعض الفارين من القوى الثورية المصرية في إيران. خاصة وأن لدى إيران خبرة قريبة زمنيا في مسألة لجوء المعارضين المصريين إلى أراضيها، لاسيما بعد إيوائها عدد من معارضي النظام المصري إبان مقتل الرئيس المصري محمد أنور السادات 6 أكتوبر 1981م، وقد وصل الأمر إلى أن وفرت طهران ملاذا آمنا لأسر الفارين من ملاحقات نظام مبارك وما يزالون متواجدين حتى الآن بإيران بالرغم من امتعاض أجهزة الدولة المصرية من تلك السياسات.
وتعتبر هذه الحاجة وعلى الرغم من بساطتها ذات قيمة بالنسبة للجمهورية الايرانية أيضا. لأنها تستطيع من خلال إيوائها عناصر من قوى المعارضة المصرية أن تمتلك وسائل ضغط متعدد الأشكال، على المنظومة الاقليمية المختلفة والمعادية لإيران وعلى رأسها السعودية ومصر على الترتيب. وذلك بمجرد إطلاق إذاعة أو محطة فضائية يهاجم من خلالها رموز القوى الثورية لنظام المصري والمملكة العربية السعودية وبالتالي تشكيل حالة ضغط مزعجة للنظام السعودي[2]. هذا إلى جانب منافع اضافية لصالح الجمهورية الايرانية، والتي تسعى إلى تحسين صورتها الذهنية المشوهة في العقلية العربية بعد دورها في سوريا، والذي تراه الغالبية العظمي من الشعب العربي بالسلبي. خصوصا وأن القوى الثورية المصرية تخاطب الشارع المصري الذي يمثل ثلث الأمة العربية عدداً. كما تُمنى إيران نفسها أن تأتي القوى الثورية المصرية لفتح مشاريعها الاقتصادية في الداخل الايراني، والذي يعيش أسوأ أوضاع اقتصادية في التاريخ المعاصر لإيران.
وعلى الرغم مما تقدم إلا أن هذه الورقة تفترض أن هناك كوابح تقف حائلا دون تطوير العلاقات بين إيران والقوى الثورية المصرية، فعلى الرغم من أن هناك العديد من القواسم بين الجمهورية الإيرانية والقوى الثورية المصرية عموماً وحركة الإخوان المسلمين بالتحديد. كالمفاهيم المشتركة في بناء الدولة ونظام الحكم الإسلامي. وموقفهم المتشابه في “الاستكبار العالمي” الذي تقوده الولايات المتحدة. كما هناك علاقة أيديولوجية قوية تربط بين الإسلاميين في كل من إيران ومصر، فهم يتشاركون في المشاعر المعادية لإسرائيل، ويدعمون حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)[3].
كما أن الدور الإيراني في دعم حركات المقاومة المسلحة مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس[4] على الرغم من الاختلاف المذهبي يُعد حافزاً كبيراً للتقارب، خصوصا وأن التعاون العسكري والسياسي الكبير بين كل من حزب الله وحماس يعد نموذجا مشجعا بدون شك.[5] هذا إلى جانب وجود قوى ثورية مصرية ذات توجه ليبرالي، مثل “حزب الغد” يرأسه أيمن نور. من المفترض إنها ذات تنوع أيديولوجي تقل لديها الحدة في مسألة الخلافات المذهبية [6]. مما قد يعزز من احتمالية التقارب بين القوى الثورية المصرية والجمهورية الإيرانية. كما أن جماعة الإخوان المسلمين هي الطرف الأقل تشدداً مع المسلمين الشيعة والأكثر مرونة في الإطار ذاته.
كما تشير القراءة المتأنية في العقلية التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين إلى أنها تستطيع القفز على كافة الحواجز الأيديولوجية المانعة لتلاقي الجماعات الدينية في كافة بلدان العالم الإسلامي[7]. إضافة إلى أن النظام الإيراني أقرب إلى النظام الحركي الثوري وهو مشابه تماما لطرق وصول الاخوان المسلمين للحكم، وأيضا مشابه لنفس الطريقة التي لا تزال القوى الثورية المصرية تفكر فيها.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك العديد من المعوقات منها:
أولاً: اختلاف وجهات النظر في بعض الملفات الإقليمية:
مع وصول الدكتور محمد مرسي أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر يونيو/حزيران 2012م[8]، لم تكن إيران على رأس قائمة الرابحين من صعوده بسبب قرارته المناهضة لإستراتيجيتها في المنطقة خاصة فيما يتعلق بموقفه من نظام الأسد والأزمة السورية. في حين وبعد سيطرة السيسي على حكم مصر أصبح أن هناك تقاربا إلى حد ما بين طهران والقاهرة في المسألة السورية حاليا.
كما أن وجهتي نظر القاهرة وطهران حول العمليات العسكرية الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تكاد تكون متطابقة، إذ رفضت العاصمتان الانضمام إلى التحالف الدولي الذي يشن عمليات عسكرية على مناطق في محافظات سوريا. وهي نقطة التقاء يمكن للاعب الإيراني الذي يسعى عن كثب لإعادة العلاقات مع مصر البناء عليها.
علما أنه بات من الواضح أن هناك محوراً في منطقة الشرق الأوسط تقوده إيران، يضم معها كل من النظام السوري والنظام العراقي وحزب الله والحوثيين في اليمن، وهو محوراً في حالة خلاف مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوى الثورية المصرية. وهو ما يقلل كثيراً من إمكانية تحقيق تقارب فعلي على المدى المنظور بين إيران والقوى الثورية المصرية[9].
كما تُعتبر المسألة اليمنية، نقطة أخري لاختلاف وجهات النظر بين القوى الثورية المصرية والنظام الإيراني. في حين تُوجد بعض المؤشرات لوجود التمايز بين موقف النظام المصري، برئاسة السيسي وموقف السعودية إزاء إدارة الحرب في اليمن، وهو ما يرضى إيران ولو بشكل محدود[10].
ثانياً: خشية القوى المصرية من الابتزاز الإيراني
على الرغم من أن النظام الايراني لم يقم بابتزاز اللاجئين المصريين السابقين والمقيمين على أرضه، والمتهمين في قتل الرئيس المصري الاسبق أنور السادات. إلا أن جماعة الإخوان المسلمين والقوى الثورية المصرية، تخشى أن يكونوا ورقة مساومة في يد إيران. خاصة وأن مطالب النظام المصري في استعادة المطلوبين المتواجدين في إيران لا تزال مستمرة. وبالتالي قد تجد إيران نفسها أمام مكسب تكتيكي رئيسي. من خلال الضغط على القاهرة للتسريع من وتيرة إعادة العلاقات بشكل كامل، أو حتى السماح لطهران بمزاولة أنشطة على الأرض في القاهرة، في مقابل منع عناصر القوى المصرية من اللجوء إلى أراضيها، وهذا النقطة لو حدثت يمكن أن تشكل خطراً على أعضاء القوى الثورية المصرية، لأنه قد يؤدي إلى التعامل الإيراني معهم كطرف في معادلات التسوية، وبالتالي احتمالية تسليمهم للقاهرة.
عموما في حال تمت إعادة العلاقات المصرية – الإيرانية في الوقت الحالي سوف تعتبر ضربة موجعة إلى العديد من القوى المصرية والتي ستفقد قوة إقليمية بحجم إيران[11]. وعلى الرغم أن مصر قد لا تتقرب لإيران رغبتا منها في عدم إغضاب المملكة العربية السعودية. إلا أن نقطة الابتزاز تبقى حاضرة في ذهنية القوى الثورية المصرية. خاصة وأن إيران قد أوقفت دعمها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حليفتها بعد أن اختلفت معها في الأزمة السورية، مما يعني أن إيران تفعل ما يناسب مصالحها بالمقام الأول[12].
ثالثاً: توجهات القوى الثورية المصرية
تتميز القوى الثورية المصرية بالانتشار الدولي في حين يلقى النظام الإيراني غضبا دولياً فحركة الإخوان المسلمين تعتبر إحدى أبرز القوى الثورية المصرية والتي لها حضور في 52 دولة في شتى أنحاء العالم، من بينهم 13 دولة أجنبية أهمهم (بريطانيا – المانيا – استراليا – الولايات المتحدة الامريكية)[13]. في حين تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنذ ثورة 1979م، من الدول المغضوب عليها دوليا[14]. وعليه فإن القوى الثورية المصرية ربما تخشى أن يؤثر التقارب الكبير مع إيران على مصالحها وعلاقتها الخارجية. خصوصا بعد إقرار الرئيس الأمريكي ترامب عقوبات جديدة على إيران شملت شركات وأفراد [15].
وهذا يعني وبشكل شبه قطعي أن القوى الثورية المصرية لا تستطيع ان تتبني شعارات الثورة الايرانية ” الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”. ومن جانب ترفض قيادات القوى الثورية الدور المذهبي الايراني في المنطقة العربية. ففي استطلاع رأي أجراه مركز الجزيرة للدراسات لمعرفة توجهات النخبة من “الإخوان المسلمين” نحو إيران ودورها في المنطقة وأيضا حول العلاقات الإيرانية العربية. حملت فيه غالبية الآراء توجها سلبيًّا لدور رجال الدين سوء في إيران أو العالم العربي. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن 95% من الفئة المستهدفة من نخبة الإخوان المسلمين. قد وافقت على مقولة: “إن رجال الدين في إيران يلعبون دورًا كبيرًا في توتر العلاقات”، فيما عارض المقولة 3% منهم. أما فيما يتعلق برجال الدين في العالم العربي وافق 54% من المستجيبين فقط على مقولة: “إن رجال الدين في العالم العربي يلعبون دورًا كبيرًا في توتر العلاقات العربية-الإيرانية”[16].
رابعاً: العلاقات السعودية مع حركة الإخوان المسلمين.
لا يمكن تجاهل تاريخ العلاقة بين المملكة العربية السعودية وحركة الإخوان المسلمين. والتي تميزت في معظم فتراتها بالتناغم. إلى أن جاءت مرحلة الملك “عبد الله بن عبد العزيز” والتي تعتبر بداية الانقلاب في العلاقات السعودية الإخوانية، فعلى الرغم من أن السنوات الأولى في عهد الملك “عبد الله” لم تختلف عن أسلافه. إلا أنه مع الوقت وخاصة في عام 2011م، بعد اندلاع أحداث الربيع العربي، بدأت مرحلة الانقلاب، حيث خرجت بعض المطالبات بالإصلاح والتي تبناها المنتمون للإخوان مما دفع النظام السعودي إلى الانقلاب على الإخوان والوقوف ضد صعودهم لسدة الحكم في مصر، حيث باركت المملكة عزل الرئيس الإخواني “محمد مرسى” ودعمت النظام المصري الحالي للصمود في وجه الإخوان[17]. إلا أن الدولة الإيرانية تعتقد أنه في حال فتحت المملكة العربية السعودية الباب أمام عودة لإخوان المسلمين، فإن الحركة سوف تضحي بعلاقاتها مع إيران بسهولة.
خامساً: التأثير التركي على القوى الثورية المصرية.
بالرغم من صورة التعاون والتلاقي الإستراتيجي التي حرص الجانبان في طهران وأنقرة على أن تظل ثابتة في المنظور الذهني لسياسات إقليم الشرق الأدنى. إلا أن القضايا الخلافية الحادة ما زالت على الطاولة بين الجانين أهمها: الموقف التركي من المسألة السورية، والتعاطي مع ملف الأكراد المسلحين على الحدود التركية. وهي ملفات تؤثر بشكل غير مباشر على مستقبل العلاقات بين القوى الثورية المصرية والنظام الايراني. فإقامة القوى الثورية المصرية في تركيا مرتبط على أقل تقدير بعدم معارضة تلك القوى التوجهات والسياسات التركية الداخلية والخارجية.[18]. وربما هناك أيضا تخوفات في تركية من قيام إيران بالتعدي على الدور التركي الإقليمي والمتمثل في تقديم نفسها للعالم بأنها راعية حقوق الإنسان والمضطهدين في منطقة الشرق الأوسط.
سادساً: توظيف النفوذ الشيعي الايراني
على الرغم أن الشيعة يمثلون حوالي 10% فقط من عدد المسلمين في العالم[19].إلا أن البعد الديني المذهبي يمثل أحد أهم الأدوات الرئيسة في الإستراتيجية الإيرانية. والذي تستخدمه في التمدد وتعظيم نفوذها في المنطقة. فقد تم توظيف البعد المذهبي في العقيدة العسكرية. فالتحركات الإيرانية على الأرض تهدف إلى دعم الأقليات الشيعية في الدول العربية، وإذا ما وجدت الفرصة متاحة لها. سواء كان ذلك من خلال أحزاب سياسية أو ميليشيات عسكرية. كما هو الحال في حالة “حزب الله” اللبناني. والحوثيين في اليمن.
وعليه فإنه قد بات واضحا أن التحركات الإيرانية في السنوات القليلة الماضية توظف البعد المذهبي في سياساتها الخارجية. لتجعل من نفسها الدولة القائد للشيعة في دول المنطقة والعالم بأكمله. ولهذا تبرر في دستورها التدخل للدفاع عن الشيعة في أي مكان، متجاوزة بذلك حدود الدول وسيادتها، ولعل هذا ما يفهم من تصريحات الرئيس حسن روحاني في مارس 2016، والتي جاء فيه صراحة: إن “إيران سوف تتدخل في أي مكان توجد به مقامات للشيعة، وتتعرض إلى تهديد من قبل الإرهابيين”. وتلك هي الذريعة التي تفسر من خلالها إيران تدخلها في العراق ولبنان واليمن وسوريا والبحرين[20]. وهذه المنطلقات تعتبر تحدياً كبيراً أمام القوى الثورية المصرية، سواء تلك ذات الخط العروبي، أو حركة الإخوان المسلمين الممثل غير الرسمي للقوى السنية في العالم.
سابعاً: اختلافات المنظور حول أدوات التغيير
سعت أدبيات وكتب الثورة الإيرانية إلى التأكيد أن الثورة الإيرانية هي ثورة بيضاء خالصة. إلا أن منظور السياسة الخارجية الإيرانية الحالية في الشرق الأوسط تتميز “بالعنف”. خاصة تلك التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني وتحديداً عبر “فيلق القدس” بقيادة قاسم سليماني. والذي يتولى إنجاز العمليات الخارجية للنظام الإيراني. والذي ينظر إليه على أنه الحلقة المركزية في علاقات طهران مع مجموعات مسلحة مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والحوثيين في اليمن والعديد من المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية. وعلى الرغم أن ميزانيته تبقى أمرًا سرياً لا تخضع لمراقبة سلطة البرلمان، إلا أن رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي كشف أن طهران خصصت مبلغ 300 مليون دولار لهذا الفيلق. هذا إلى جانب جهاز الاستخبارات الإيرانية المعروف بـ “اطلاعات”، والذي له الدور اللوجيستي الأساسي في جمع المعلومات وهو المسؤول عن رسم وتنفيذ برامج العمليات السرية في الداخل والخارج[21].
وعلى الرغم من تبني بعض قيادات القوى الثورية المصرية، ولجوء بعض الشباب القوى الثورية المصرية لأساليب المواجهة العنيفة ضد المؤسسة العسكرية المصرية، إلا أن المنظور الإيراني وأدواته في التعامل الخارجي، لا ينسجم إلى حد ما مع رؤية وتطلعات القوى الثورية المصرية بشكل عام، والتي لا تزال تؤمن بالحلول السلمية والحوارات والدبلوماسية الناعمة كوسيلة رئيسية للتخلص من أزماتها الداخلية والخارجية.
ثامناً: الكل مأزوم
تعاني كلاً من القوى الثورية المصرية والنظام السياسي الإيراني من عدة إشكاليات وأزمات سواء كانت بنيوية أو طارئة ومن أهم هذه الأزمات:
1- الإشكاليات المتعلقة بإيران:
تعاني إيران من إشكاليات عديدة، فالنظام السياسي الإيراني يواجه تحدياً كبيراً في حال غياب المرشد الأعلى “علي خامنئي” عن المشهد. كما أن الشعب الايراني نفسه منقسم فمنهم من يريدون دولة أكثر محافظة، ومنهم من يريد دولة أكثر ليبرالية وحداثة وتطور على الرغم من نجاح إيران في تغييب هذا الانقسام عن العلن[22]. هذا إلى جانب حالة الصراع السياسي داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية، والتي أخذت تتصاعد منذ العام 2015م، وتحديداً بين الجيش والحرس الثوري الإيراني، وقد أخذت بوادر هذا الخلاف تتضح مع التصريحات التي أطلقها القيادي في الحرس الثوري الإيراني “حسن عباسي” منتقداً الجيش الإيراني بشدة، ومؤكداً أن الجيش الإيراني ضعيف.
وهو ما أثار حفيظة قادة الجيش، وسرعان ما هب قادة النظام وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي إلى احتواء هذه الأزمة، ولكن تصريحات حسن عباسي كشفت من جهة أخرى عن مدى الضعف الذي أعترى العقيدة العسكرية الإيرانية، المتمثلة بضعف الالتزام والانضباط العسكري داخل المنظومة الأمنية الإيرانية[23].
المشاكل الإيرانية الأخطر تتمثل في الاقتصاد فمن بين 80 مليون إيراني، هناك 26 مليون إيراني يعاني من الفقر بنسبة 33%. منهم 6% يعانون من الفقر المدقع. ووفقاً لمكتب شؤون العمل الدولية، فإن الفقر في إيران قد أدى إلى عمالة الأطفال. حيث اضطر الأطفال على العمل كباعة متجولين أو التسول للحصول على المال. وأفادت اليونيسف أن 11٪ من الإيرانيين يجبرون على تشغيل الأطفال بسبب الفقر. كما يضطر الآلاف من الإيرانيين إلى بيع كليتهم لكي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة ودعم عائلاتهم.
كما أشارت تقديرات إلى أن 35% من الإيرانيين يعيشون في مناطق تعاني من نقص في المياه. ويقدر أن 97٪ من المدن الإيرانية يواجهون نوعا من الجفاف[24]. وقد تزامنت الإشكاليات الاقتصادية مع قضايا فساد اقتصادية كبيرة لقيادات ونخب إيرانية بارزة[25].
2- الإشكاليات المتعلقة بالقوى الثورية المصرية:
تعاني القوى الثورية المصرية من إشكاليات متعددة، كهشاشة بنيتها وحداثتها في العمل السياسي وضعف تواجدها الميداني. كما لا يوجد تقدير عددي للمنتمين لهذه القوى، كما تعاني أغلب القوى الثورية من عدم وجود لائحة داخلية تحكم عملها على الرغم من وجود أنواع التنظيم كهيكل إداري. وعدم وجود لائحة قد يكون عامل أساسي في الانشقاقات العديدة التي تشهدها تلك القوى.
مما يعني غلبة الرأي الشخصي على تلك القوى بعيداً عن إطار فكرى ملزم يصعب من التحالف معهم. مع عدم ثبات خريطة القوى السياسية؛ حيث مازالت خريطة القوى السياسة في حالة عدم ثبات واستقرار فكل فترة يتم الإعلان عن تكتل أو مجموعة جديدة. إضافة إلى أن هناك اختلاف فكرى وأيدلوجى كبير بين القوى الثورية المصرية. فهناك أصحاب مرجعية اسلامية وآخرين ذات مرجعية علمانية تتهم الإسلاميين بالفاشية والطائفية. وفي المقابل، هناك قسم من شباب القوى الإسلامية يتخذ منحى أكثر راديكالية ضد القوى الليبرالية واليسارية[26]. كما لا تمتلك القوى الثورية المصرية رؤية حقيقية لمواجهة تحدياتهم الداخلية والخارجية [27].
ختاماً:
إن كل دولة أو جماعة مؤثرة تقوم على بناء علاقات متبادلة بينها وبين الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى على أساس المصالح. فلا تجد الثوابت والمبادئ تنطوي تحت ثنايا أي علاقة ما بين دولة ودولة أخرى أو جماعة وجماعة أخرى ولا حتى بين الدول والجماعات.
وانطلاقا من هذه القاعدة قد يكون النظام الإيراني أكثر تفهما وإدراكا لها وفقا لخبرته في الحكم لسنوات طويلة. بينما لا تزال القوى الثورية المصرية لم تدرك بعد مقاييس العلاقات بين الأطراف الدولية جيداً. كما أنه من المسلمات ارتباط النظام الدولي بشكل أو بآخر بموازين القوى التي تنشأ عبر التحالفات بين الدول أو المنظمات أو غيرها، وأساس هذه الموازين هي القوة. سواء كانت تلك القوة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية. والواضح أن كلا الطرفين القوى الثورية المصرية والنظام الايراني لا يمتلكان مقومات القوة الكافية لإجراء تحالف قوى بينهما على الأقل في المستقبل القريب [28].
الهامش
[1] إدري صفية، ” تشبيك علاقات الدولة-المجتمع من منظور الحوكمة العالمية: نحو تمكين الفواعل غير الدولاتية”، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، المجلد 7، العدد 1، ص 143-154.
[2] محمد محسن ابو النور، هل يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين؟!، (إسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2015)، الرابط.
[3] محمد محسن ابو النور، هل يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين؟!، مرجع سبق ذكره.
[4] AFSHON OSTOVAR,Carnge Endowment for International peace, Sectarian Dilemmas in Iranian Foreign Policy: When Strategy and Identity Politics Collide, NOVEMBER 30, 2016.27-2-2019.link.
[5] محمد برهومه، موقع العين الاخبارية، علاقة الإخوان المسلمين بإيران: تنسيق أمني وسياسي ودعم مالي، تاريخ الاطلاع، 16-1-2019م، الرابط.
[6] خالد فؤاد، ترسيخ الاستبداد: عسكرة الأحزاب السياسية في مصر، (اسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2015)، الرابط.
[7] محمد محسن ابو النور، هل يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين؟!، مرجع سبق ذكره.
[8] BBC, Profile: Egypt’s Mohammed Morsi, 21 April 2015, 26-2-2019.Link
[9] محمد محسن ابو النور، هل يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين؟!، مرجع سبق ذكره.
[10] مركز الامارات للسياسات، الدور المصري في الأزمة اليمنية: حدوده وآفاقه، تاريخ النشر 1-3-2015م، تاريخ الاطلاع، 20-10-2019م، الرابط.
[11] محمد محسن ابو النور، هل يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً للإخوان المسلمين؟!، مرجع سبق ذكره.
[12] The Guardian, Hamas rules out military support for Iran in any war with Israel,6-3-2012, 20-1-2019,link.
[13]موقع الجزيرة، الإخوان المسلمون: حضور في 52 دولة، تاريخ النشر 21-3-2016م، تاريخ الاطلاع 16-1-2019م. الرابط.
[14] AFSHON OSTOVAR,Carnge Endowment for International peace, Sectarian Dilemmas in Iranian Foreign Policy: When Strategy and Identity Politics Collide, NOVEMBER 30, 2016.27-2-2019.link.
[15] HFW, SANCTIONS UPDATE: US SANCTIONS ON IRAN, 8 MAY 2018,20-1-2019,link.
[16] فاطمة الصمادي، توجهات النخبة من “الإخوان المسلمين” نحو إيران ودورها في المنطقة، تاريخ النشر، 18 أكتوبر، 2016، تاريخ الاطلاع 20-1-2019م، الرابط.
[17] محمد مختار قنديل، الإخوان والمملكة العربية السعودية: بين الماضي والحاضر، موقع معهد واشنطن، تاريخ النشر، 18-5-2018م، تاريخ الاطلاع، 16-1-2019م، الرابط.
[18] محمد محسن ابو النور، مرجع سبق ذكره.
[19] Ian Siperco, Iran: Shia Tide Rising, Middle East Policy council.17-1-2019, Link.
[20] فراس الياس، العقيدة العسكرية الإيرانية، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 15-11-2017م، تاريخ الاطلاع، 17-1-2019م، الرابط.
[21] مركز DW، أذرع إيران الثلاثة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، تاريخ الاطلاع، 20-1-2019م، الرابط.
[22] Anthony H. Cordesman, The Crisis in Iran: What Now? , Center for strategic and international studies, January 11, 2018,link.
[23] فراس الياس، سابق، الرابط.
[24] Mehdi Ghanbarzadeh, Quoru. What are the major problems facing Iran?, 26-2-2019,Link.
[25] محمد عبّود، موقع الخليج اون لاين، الفساد في إيران.. شفافية غائبة ومليارات ضائعة وأحياء يسكنون القبور تاريخ النشر 10-1-2017م، تاريخ الاطلاع 26-2-2019م، الرابط.
[26]المعهد المصري، خريطة القوى الثورية الليبرالية واليسارية في مصر، تاريخ النشر، 17-1-2015م، تاريخ الاطلاع 17-1-2019م، الرابط.
[27] محمود شاهين، مدونات الجزيرة، أدوات الثورة المفقودة، تاريخ النشر 17-10-2016م، تاريخ الاطلاع 26-2-2019م، الرابط.
[28] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.