المعهد المصري للدراسات

المشهد السيناوي نوفمبر 2019

شهد شهر نوفمبر 2019 صدور قرار رسمي بتعيين بعض مشايخ القبائل في محافظة شمال سيناء، وتأتي التعيينات في الوقت الذي يعاني فيه سكان المحافظة من أوضاع اقتصادية متدهورة نظراً للحظر الاقتصادي المفروض من قبل قوات الجيش والأمن على بعض السلع والمهن وهو ما أدى إلى إغلاق العديد من الأنشطة التجارية مثل محلات بيع إطارات السيارات، واستمرت معاناة الصيادين في مدينة العريش رغم إطلاق حملة شعبية للتضامن معهم.

وافتتح السيسي في هذا الشهر أنفاق قناة السويس القديمة ليتم ربط ضفتي القناة، وهي خطوة اقتصادية هامة جدا إن كانت تأتي في ظل سياسة تنمية وطنية، ولكن التخوفات تشير إلى أن المشاريع الاقتصادية التي تشهدها منطقة شبه جزيرة سيناء والتي كان منها توصيل مياه النيل إليها لأول مرة في شهر أكتوبر من هذا العام، تأتي في ظل صفقة القرن السياسية والتي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية عبر فرض واقع سياسي واقتصادي معين به بعض المكتسبات الضئيلة.

على الجانب الآخر جدد فرع تنظيم الدولة في سيناء بيعته لزعيم التنظيم الجديد، ليصبح أول فروع التنظيم تجديداً للبيعة، وتظهر الصور التي نشرها التنظيم مجموعة من مسلحيه يرتدون ملابس عسكرية يقفون داخل مزرعة ويؤدون البيعة، واستطاع فرع التنظيم في سيناء امتصاص الضربات العسكرية والزمنية المكثفة التي تلقاها خلال عام 2018 بالإضافة إلى معاناته الناتجه من انهيار التنظيم الأم، ليقوم التنظيم ومنذ النصف الثاني من عام 2019 بالحفاظ على وتيرة ثابته من عمليات الاستهداف التي يشنها بالإضافة إلى تواجده بشكل ثابت في مناطق لم يتواجد بها من قبل بهذا المعدل مثل منطقة شرق مركز بئر العبد.

وبالمقابل يبدو أن مخاوف النظام المصري تتزايد من احتمالية قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات مؤثرة ضد المناطق السياحية في جنوب سيناء؛ وهو ما دفعها إلى مزيد من تعزيز الإجراءات الأمنية والتي كان منها إنشاء جدار خرساني مزود بأجهزة CCTV ونقاط للمراقبة بطول 37 كم حول مدينة شرم الشيخ.

ونستعرض في التقرير التالي مجريات العمليات العسكرية والأمنية خلال شهر نوفمبر مع تطورات المشهد الحقوقي والتنموي في شبه جزيرة سيناء، على النحو التالي:

أولاً: التطورات العسكرية والأمنية

1-الخسائر المعلنة في العمليات العسكرية وفق بيانات المتحدث العسكري:

أصدر المتحدث العسكري بيانا عسكريا واحدا فقط خلال شهر نوفمبر متعلق بالعمليات العسكرية التي تمت في شبه جزيرة سيناء خلال الفترة من 28 سبتمبر 2019 وحتى 4 نوفمبر 2019، وذكر البيان أنّ القوات الجوية استهدفت ودمرت 14 مخبأ وملجأ، و9 عربات دفع رباعي، وقتلت 77 شخصا وصفهم البيان بـ “التكفيريين” عثر بحوزتهم على 65 قطعة سلاح و78 خزنة و20 بمبة هاون وكمية من الذخائر وعبوات ناسفة معدة للتفجير، ووحدات طاقة شمسية وأجهزة اتصال بشمال ووسط سيناء، ومقتل 6 أشخاص وصفهم البيان بـ “التكفيريين شديدي الخطورة”، ولفت البيان إلى اكتشاف وتفجير 376 عبوة ناسفة واكتشاف وتدمير فتحتي نفق، وضبط وتدمير 33 سيارة، و93 دراجة نارية دون لوحات معدنية بدعوى استخدامها من قبل العناصر المسلحة، والقبض على 61 فردا من العناصر الإجرامية والمطلوبين جنائيا والمشتبه بهم.

* الأرقام الواردة في الرسم البياني الخاص بالمقارنة بين خسائر قوات الجيش والشرطة والمسلحين، يتضمن إجمالي خسائر المسلحين وفق بيان القوات المسلحة في الفترة ما بين 28 سبتمبر و4 نوفمبر.

صورة لبعض الذخائر والمعدات التي وجدتها قوات الجيش في مناطق العمليات في سيناء وفق بيان المتحدث العسكري

2-الخسائر المعلنة في العمليات العسكرية وفق ما تم رصده من بيانات المسلحين ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية:

وفق ماتم رصده من قبل المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية في شهر نوفمبر، فلقد كانت خسائر قوات الجيش والشرطة كالتالي: مقتل ما لا يقل عن عدد (11) عسكريا بينهم أربعة ضباط على الأقل، وإصابة عدد (18) عسكريا على الأقل، وهذا الرقم هو ما استطعنا حصره رغم حدوث عمليات عسكرية وخسائر ولكن سياسة التكتيم المتبعة من قبل النظام المصري على حجم الخسائر المنشورة حال دون معرفة حجم الخسائر الحقيقي، وقد لاحظنا نشاطا مكثفا لمسلحي تنظيم الدولة بمحيط قرية الجنادل شرق مدينة بئر العبد بالإضافة إلى نشاطه المستمر بمناطق شرق وغرب وجنوب الشيخ زويد وغرب رفح وغرب مدينة العريش، ولقد رصدنا خلال الشهر استهداف التنظيم لدورية راجلة بقذيفتين صاروخيتين، واستخدامه (14) عبوة ناسفة مضادة للمدرعات، أسفرت عن تدمير/ إعطاب ما لا يقل عن (14) آلية عسكرية.   

3- العمليات العسكرية في شبه جزيرة سيناء:

شهد شهر نوفمبر استمرار الهجمات المتنوعة من تنظيم الدولة في عدة مناطق (رفح، الشيخ زويد، العريش، بئر العبد)، ووفق متابعتنا لعمليات التنظيم فإنه يشهد تواجدا متزايدا بمركز بئر العبد وتحديدا في الشرق منه منذ شهر يونيو 2019 وقد استطاع مسلحو التنظيم خلال شهر نوفمبر من التسلل والتواجد في محيط قرية الجنادل وزرع عبوات ناسفة أكثر من مرة مستهدفين بذلك دبابات تابعة للجيش المصري، ويخشى السكان المحليون من قيام القيادة العسكرية للجيش المصري من استغلال تلك الأوضاع والقيام بتنفيذ عمليات تهجير وإخلاء قسري للسكان مع هدم منازلهم وتجريف مزارعهم في شرق منطقة بئر العبد.

ولقد كان تقييمنا وملاحظاتنا على تطورات المشهد العسكري في هذا الشهر كالتالي:

صورة تظهر مخبأ يستخدمه مسلحو تنظيم الدولة في الاختفاء

4- انتهاك السيادة “هجمات الطائرات بدون طيار الإسرائيلية”:

لم نسجل وفق رصدنا أي غارات لطائرات تابعة لسلاح الجو “الإسرائيلي” خلال هذا الشهر، ولكن تم تسجيل ما لا يقل عن عدة غارات جوية من الطيران الحربي استهدف أهداف مجهولة داخل الأراضي الزراعية جنوب مدينة العريش وهذا بتاريخ 6 نوفمبر، كما رصدنا هجمات بطائرات بدون طيار يومي 6 و9 نوفمبر بمناطق جنوب مدينة الشيخ زويد وجنوب مدينة رفح بمحيط قرية شبانه وتمت الهجمات بعد استهدافات طالت آليات تابعة لقوات الجيش المصري في كلا المنطقتين.

5- البيئة المحلية وتنظيم الدولة:

لم يشهد هذا الشهر أحداثا تذكر باستثناء حادثة انفجار لغم أرضي بمدينة الشيخ زويد بسيارة للمدنيين مما أدى إلى مقتل شاب اسمه “جاسر عبد ربه البطين” وإصابة آخر اسمه “محمد علي حسين المشوخي” ولم يتم معرفة هل هذا اللغم هو من مخلفات الحرب أو العمليات العسكرية الجارية في سيناء منذ سنوات، أم أنه لغم أو عبوة ناسفة تم زراعتها واستهداف السيارة به بشكل متعمد.

6- تأثير تغيير المشهد السياسي في قطاع غزة على المشهد السيناوي:

أحبطت قوات الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة تسلل ثلاثة مسلحين من شباب القطاع إلى داخل الأراضي المصرية، حيث اشتبكت معهم وقامت باعتقالهم ومصادرة الأسلحة التي كانت معهم، وكانت حركة حماس قد قامت بإخلاء مساحة 500 متر من الشريط الحدودي مع مصر لمنع تسلل المسلحين ومن يقوموا على عمليات التهريب، وذلك وفقا لطلب السلطات المصرية مقابل أن تقوم السلطات المصرية بتوفير بعض الاحتياجات الخاصة بقطاع غزة.

أيضاً شهد هذا الشهر قيام سفير فلسطين في القاهرة “دياب اللوح” بتوقيع اتفاقية تولي شركة “لاكي تورز” الحكومية المصرية تنظيم رحلات عمرة لنحو ١٠ آلاف فلسطيني، ووجه السفير الشكر للسلطات المصرية لمنح المواطنين الفلسطينيين فرصة لأداء العمرة، وبشكل عام استمرت السلطات المصرية بفتح معبر رفح لعبور المسافرين الفلسطينيين في كلا الاتجاهين.

7- تقاطع المشهد الصهيوني مع شبه جزيرة سيناء:

شهد هذا الشهر إصابة مبنى داخل إحدى المستوطنات “الإسرائيلية” جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة بقذيفة دبابة مصرية عشوائية دون أن تؤدي القذيفة إلى مقتل أو إصابة أحد؛ وبشكل عام لم يشهد هذا الشهر أي تطور مختلف في العلاقات ما بين النظام المصري والنظام “الإسرائيلي”، حيث ظل الجهد الاستخباراتي الأمني للنظام “الإسرائيلي” في سيناء مستمر.

صورة تظهر قذيفة الدبابة بعد اختراقها لحائط أحد المباني داخل المستوطنة

ثانياً: التطورات الحقوقية

شهد هذا الشهر معدلا منخفضا من الضحايا المدنيين في مناطق العمليات في محافظة شمال سيناء، مع وجود تخوف حقيقي عند سكان منطقة “تفاحه” بمركز بئر العبد التابع لمحافظة شمال سيناء من قيام قوات الجيش بتهجيرهم من أراضيهم وتجريف مزارعهم بزعم انتقال بعض المسلحين للمنطقة؛ وقد أعلن المتحدث العسكري في هذا الشهر مقتل أكثر من 77 شخصا بزعم أنهم مسلحون قتلوا في اشتباكات، ولكن بعض الصور التي نشرها تُظهر أشخاصا عاديين تم قتلهم بطلقة في الرأس ثم وضع سلاح رشاش “بدون خزنة رصاص” بجوارهم.

وعلى صعيد الإهمال الحكومي لقي المواطن “عصام السيد محمود جودة” مصرعه صعقا بالكهرباء بمنطقة عاطف السادات بمدينة العريش نتيجة ملامسته لعمود إنارة غير مؤّمن، ولقد تعددت أنواع الانتهاكات خلال شهر نوفمبر على النحو التالي:

1-المحاكمات:

2-الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي:

3-القتل والتصفية الجسدية:

صورة لجثماني مواطنين وقد وضعت بجوارهما قطعتا سلاح دون خزنة الرصاص (من بيان المتحدث العسكري)   

ثالثاً: التطورات الاقتصادية والتنموية:

أ – تطورات المشاريع الاقتصادية:   

افتتح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في شهر نوفمبر رسميا الأنفاق التي تربط بين ضفتي قناة السويس القديمة، وهذا عند علامة الكيلو 19.150 وعلى عمق 64 مترا من سطح القناة لتصل بين جنوب بورسعيد لشرق التفريعة لربط مدن القناة بسيناء مباشرة، وقد أطلق عليها أنفاق “3 يوليو” وستعمل الأنفاق مبدئيا لمدة 10 ساعات يوميا بداية من 8 صباحا وحتى 6 مساء، ثم سيتم زيادتها تدريجيا حتى تصل للعمل 24 ساعة يوميا، وتم ربط محور 30 يونيو بالأنفاق عبر طريق فرعي، وتستوعب الأنفاق 2000 سيارة في الساعة ويبلغ طول النفق الواحد 4 كيلومترات والقطر الداخلي 11.4 مترا، وارتفاع 5.5 أمتار من سطح الأرض، كما يتضمن كل نفق 4 ممرات لحالات الطوارئ.

وقد شهد هذا الشهر أيضاً إعلان أن جميع أعمال الإنشاءات المتعلقة بعدد 8 محطات تحلية بمدن رأس سدر وأبوزنيمة وأبورديس وشرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، ستنتهي في مارس 2022، وتعتبر الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي الجهة المنوطة بتنفيذ هذه المشروعات بتمويل من صندوق الدعم الكويتي يصل إلى مليارين و640 مليون جنيه

ب – حقيقة الواقع الميداني في التنمية على المواطن:

أولاً: إغلاق بعض المحال التجارية بمدينة العريش بسبب عدم استطاعة أصحابها تحمل نفقات الإيجار والعمالة في ظل الركود الذي تشهده المحافظة، أيضاً ذكر أصحاب محال قطع غيار السيارات والكاوتش أن محالهم فارغة من البضائع، وأن أصحاب السيارات يسافرون للمحافظات الأخرى لغيار الزيت أو تركيب قطعة غيار. يذكر أن الأجهزة الأمنية تمنع دخول بعض البضائع ومنها إكسسوارات الهواتف المحمولة، وقطع غيار السيارات كالكاوتش والزيوت والبطاريات، والفحم، بالإضافة إلى قائمة من المواد الخام التي يحتاجها الحرفيون في أعمالهم اليومية.

ثانياً استمرار قوات الجيش في حملاتها العسكرية لاستهداف منازل المواطنين وممتلكاتهم خارج المنطقة العازلة بمدينة رفح بالإضافة إلى المنطقة الواقعة حول مطار مدينة العريش، بالتزامن مع استمرار الحملات الهادفة إلى تجريف الأراضي الزراعية وهدم المنازل وحرقها وتهجير الأهالي.

ثانياً: قامت محافظة الإسماعيلية بتنفيذ حملة إزالات بمنطقة الجمعية العاشر بالقرب من كبرى الغفر، والتي يتواجد بها السكان المهجرون من محافظة شمال سيناء.

صورة لما نفذته حملة الإزالة

ثالثاً: استمرار تكرار انقطاع الكهرباء عن سكان مدينتي الشيخ زويد ورفح، بدعاوى متعددة، وقد قامت شركة كهرباء الإسماعيلية بقطع التيار الكهربائي عن بيوت الأهالي المهجرين من رفح بالكيلو 17.

رابعاً: استمرار أزمة وقود في مدينة الشيخ زويد وما تبقى من مناطق رفح، مع استمرار إغلاق وتوقف محطات الوقود.

خامساً: استمرار انقطاع شبكات المحمول الثلاث بمدينتي الشيخ زويد ورفح، وانقطاع جزئي في مركز مدينة بئر العبد، أما بالنسبة إلى مدينتي الشيخ زويد وما تبقى من مدينة رفح فإن شبكات المحمول مقطوعة عنهما منذ أكثر من ثلاثة أعوام وحتى الآن.

سابعاً: استمرار نزيف الطرق رغم الأرقام الضخمة التي يتم الإعلان عنها من قبل محافظي شمال وجنوب سيناء في عمليات الرصف، حيث شهد هذا الشهر فقط مصرع (3) قتلى و(7) مصابين، وتنوعت الحوادث بين محافظتي شمال وجنوب سيناء، ولقد استمرت ملاحظتنا حول تكرار الحوادث في نفس المناطق ومنها على الطريق الدولي “القنطرة – العريش” وتحديدا بمنطقة بئر العبد في محافظة شمال سيناء.

لقراءة ملف ال pdf

Exit mobile version