fbpx
تقديرات

المصالحة الفلسطينية ومستقبل الدور المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

شهدت العاصمة القطرية الدوحة، جولة جديدة من جولات المصالحة الفلسطينية الداخلية، بدأت في 7 فبراير 2016م، بلقاء يجمع وفدين رفيعي المستوى من حركتي فتح وحماس، لمناقشة الملفات العالقة، التي تسببت في تعطيل تنفيذ ما سمي “اتفاق الشاطئ” الذي جرى توقيعه في 23 أبريل/ نيسان 2014. علما أن لقاءات الدوحة جاءت ثمرة لقاءات سرية جمعت أطراف فلسطينية قطرية تارة، وفلسطينية تركية تارة أخري. وعلى الرغم من حالة الإحباط المسيطرة على الشارع الفلسطيني إلا أن هناك بوادر لخطوات جدّية من أجل إتمام المصالحة وإنهاء الإنقسام، وحول دوافع هذه المصالحة واحتمالاتها ومستقبل الدور المصري فيها، يأتي هذا التقدير؟

المحور الأول: دوافع حركتي فتح وحماس للمصالحة:

أولاً: دوافع حركة فتح:

1ـ حالة السخط الشعبي في الضفة الغربية ضد قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله؛ وذلك نتيجة لاستمرار تعطل العملية السلمية بين الفلسطينيين والصهاينة والتي تتبناها حركة فتح، مما أوقع قيادة فتح وسلطتها في رام الله في حرج شديد بعد التزامها بكافة واجباتها نحو الحفاظ على أمن دولة الاحتلال في المقابل تنصل الصهاينة من كافة التزاماتهم مما خلق حالة من السخط لدي المواطن في الشارع الفلسطيني على السلطة الفلسطينية في رام الله وتشبيهها بذراع أمني لإسرائيل لا أكثر؛ لذا تسعي السلطة لتغيير هذه الصورة الذهنية والعمل نحو إتمام المصالحة الفلسطينية.

2ـ رغبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة تيار محمد دحلان المتصاعد والذي بدأ يعمل مؤخراً للعودة إلى دائرة الضوء مدعوماً بموجة الثورات المضادة ومستقوياً بارتباطاته بأجهزة استخبارات غربية وعربية، وخشية عباس على مستقبل عائلته في حال وصول دحلان لسدة السلطة، نتيجة للخلافات الشخصية بينهما، خصوصا بعد أن طلب السيسي مؤخراً من محمود عباس تعيين محمد دحلان نائبا له.

3ـ تنامي القناعات لدي حركة فتح وقيادات السلطة الفلسطينية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية بأنه لا يمكن القضاء على حركة حماس، وأن الحل الوحيد للتعامل معها هو التصالح فقط.

ثانياً: دوافع حركة حماس:

ترغب حركة المقاومة الإسلامية – حماس – في التوصل إلى مصالحة حقيقية مع حركة فتح بهدف تخفيف تداعيات الحصار على سكان القطاع والتي أثقلت كاهل المواطن الفلسطيني، والذي بدأ يحمل حركة حماس جزءاً كبيراً من هذه المسئولية؛ “لعدم امتلاكها رؤية واضحة لرفع الحصار على غزة”، ومن أهم هذه الدوافع التي تحرك حماس نحو إتمام المصالحة:

1ـ ما تمر به حركة حماس في قطاع غزة من أزمة مالية خانقة؛ ناتجة عن الظروف المحلية والإقليمية التي أثرت سلباً على قدراتها فى إدارة الوضع المعيشي لسكان قطاع غزة، بعد أن فرض على الحركة حالة حصار وعزلة إقليمية ودولية.

2ـ خشية حركة حماس من هبة شعبية ضدها في قطاع غزة؛ بعد وصول الحياة إلى مستويات الانهيار؛ وذلك تعدد المؤشرات السلبية في القطاع مثل: بلوغ محاولات الانتحار شهرياً في قطاع غزة إلى 30 حالة(1)، وتجاوز حدود البطالة حاجز 80% من بينهم حمله الشهادات العليا “الدكتوراه والماجستير”، كما طال الفقر 90% من سكان القطاع؛ وفي بيان صادر عن وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين أكدت أن عدد المتقدمين للحصول على فرص عمل (دائمة – مؤقتة) قد بلغ 377 ألف مواطن معظمهم حمله شهادات جامعية(2)، وكذلك معاناة سكان غزة بسبب سوء الخدمات العامة الأساسية وتدني جودتها مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي(3)، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض في قطاع غزة  بنسبة 25% عن العام الماضي؛ وذلك نتيجة لمخلفات العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014م، وقد أشارت وزارة الصحة الفلسطينية أنها تسجل شهرياً ما بين 70-140 حالة سرطان جديدة في غزة، علما أن غزة لم يتوفر بها مستشفيات لعلاج السرطان، هذا إلى جانب نقص في كافة الأدوية داخل القطاع(4)، وعدم تقدم مشروعات إعادة إعمار القطاع بعد العدوان الصهيوني عام 2014م، والذي خلف 96 ألف منزل هدم كلي، و42 ألف منزل هدم جزئي، مما ترتب عليه عدم توفر مسكن لأكثر من ربع سكان قطاع غزة والبالغ عددهم 600 الف فلسطيني(5).

3ـ استهداف حكومة حماس من قبل نظام السيسي بعد إغلاق الأنفاق الواصلة بين غزة ومصر، مما تسبب في فقدان حوالي 30 ألف عامل بشكل مباشر و60 ألف عامل بشكل غير مباشر، لوظائفهم، إضافة إلى فقدان أكثر من 50% من المواد الغذائية والأدوية التي كانت تأتي عبر الأنفاق لغزة.

4ـ خشية حركة حماس من سيطرة محمد دحلان على منصب الرئاسة بعد وفاة الرئيس محمود عباس؛ والذي بعد الخصم العنيد واللدود للحركة.

5ـ إنشغال معظم أطراف المنطقة الإقليمية بمشكلاتهم الخاصة، كمصر وسوريا واليمن …. الخ؛ مما جعل الحركة وحيدة في مواجهة تحدياتها.

المحور الثاني: مستقبل جولة المصالحة الراهنة:

تلعب قطر دوراً هاماً في القضية الفلسطينية، من خلال دورها المتنامي في الدعم السياسي والعسكري والإعلامي والمالي للقضية الفلسطينية؛ لذا تحاول قطر من خلال إتمام المصالحة الفلسطينية إثبات نفسها كلاعب مهم على الساحة الإقليمية، مستفيدة من حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها مصر مؤخراً، ومن جهة أخري فإن قبول حركة  فتح بأن يكون لقطر وتركيا دوراً في المصالحة يأتي نتيجة لغياب الدور المصري من جانب، ومساندة مصر للقيادي محمد دحلان من جانب آخر على حساب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حين أن تفضيل حركة حماس للدور القطري على الدور المصري نتيجة طبيعية لما بذلته قطر تجاه قطاع غزة في فترات الحصار، إضافة لعدم قناعه حماس بنزاهة الموقف المصري والعائد لسوء العلاقات بين حماس ومصر.

كما يأتي الموقف التركي الداعم للمصالحة الفلسطينية الجارية في قطر لرغبة الحكومة التركية في أن يكون لها دورها إقليميا من خلال القضية الفلسطينية والتي تعتبر حركة حماس من أهم لاعبيها، إضافة إلى رغبة تركيا في تحسين علاقتها مع إسرائيل وذلك بعد تخفيف الحصار عن غزة كما وعدت، وفي هذا الإطار تبرز عدة سيناريوهات للجولة الراهنة من جولات المصالحة:

السيناريو الأول: فشل المصالحة:

1ـ نتيجة لضغوط مصرية على حركة فتح، بعدم قبول بنود المصالحة بهدف إحراج قطر، وإفشال دبلوماسيتها؛ والتأكيد على أن مصر هي فقط الراعية للقضية الفلسطينية.

2ـ رفض السيسي رفع الحصار عن غزة واستمراره في إغلاق المعبر؛ مما قد يجعل المصالحة لا قيمة لها، خصوصا وأن الشيء الأساسي المرجو من المصالحة هو رفع الحصار عن غزة.

3ـ رفض الجناح العسكري لحركة حماس ” كتائب عز الدين القسام ” للمصالحة، وذلك من خلال إصداره بيان بأنه سيحاكم كل قيادي من سلطة رام الله له يد في حصار غزة.

4ـ إعلان الصهاينة الحرب على غزة، بهدف خلط الأوراق وبالتالي “في حالة أي حرب جديدة على غزة ” من المتوقع العودة إلى تراشق الاتهامات بين فتح وحماس، فمن المتوقع أن تتهم حركة فتح حركة حماس بأنها تجر الشعب للدماء، وكذلك تتهم حماس حركة فتح بأنها متعاونة مع الصهاينة.

السيناريو الثاني: النجاح الجزئي

ويقوم على أن تشهد المصالحة حالة نجاح جزئي بسيط، بمعني الوصول لحلول جزئية في مشكلة الطاقة الكهربائية، والمعبر من خلال تسلم الحرس الرئاسي التابع لمحمود عباس معبر رفح البري من أجل إتاحة الحركة أمام الراغبين في السفر، مع إعطاء حكومة الوفاق الفلسطيني برئاسة رامي الحمد لله صلاحيات أوسع في قطاع غزة، مع الإبقاء على بعض المشاكل الخاصة المتعلقة بحركة حماس وأبناؤها الموظفين والبالغ عددهم 47 ألف موظف عالقة.

إلا أن هذا السيناريو يبقي الأبعد عن الواقعية وذلك لسببين الأول: أن حركة حماس لن تقبل بمصالحة لا تجد حلولا لقضايا الموظفين، أما الثاني: أن حركة فتح لن تقبل بتخفيف الأعباء عن حماس في غزة دون سيطرة كاملة أو شبه كاملة على القطاع.

السيناريو الثالث: نجاح المصالحة

تصريحات قيادات فتح وحماس الأخيرة، تشير إلى نجاح المصالحة في الدوحة، وذلك لأنه الحل الوحيد الذي يمتلكانه، فكلاهما يعلمان أنه في حالة الفشل فإن البديل سيكون محمد دحلان بعد عام أو عامين على أبعد تقدير. وهو الذي يشكل تهديداً على كلا الطرفين، ومن هنا فإن سيناريو النجاح يقوم على القدرة على:

1ـ تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها كافة الأطراف – بدون برنامج سياسي-لفترة زمنية محدودة من 6 شهور إلى سنة، مهامها رفع الحصار عن غزة، وتحسين حياة المواطنين، والتحضير لإنتخابات تشريعية ورئاسية.

2ـ حل مشكلة الموظفين الذين عينتهم حماس جزئيا بمعني “الموظف المدني فقط”، على أن ينظر في باقي الموظفين “العساكر” من قبل الحكومة التي ستنتخب لاحقا.

3ـ بعد قدوم حكومة ورئيس جديد ومنتخب، يتم التحضير لإنتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد فترة زمنية ومن خلال جدول زمني ومن المتوقع أن تكون بعد عامين من الأن.

4ـ الاتفاق على تولى حركة فتح ملف المفاوضات مع الصهاينة عبر بوابة منظمة التحرير الفلسطينية؛ مع التوصل إلى هدنة ما بين حماس والصهاينة لفترة زمنية من 3-7 سنوات، تشمل صفقة تبادل أسري بين الطرفين، مما يتيح لحركة حماس فرصة في تعزيز شعبيتها الجماهيرية من خلال نجاحها في إطلاق سراح أسري جدد.

وهذا السيناريو يعد الأرجح وذلك لضيق الخيارات أمام حركة حماس نتيجة للأوضاع المأساوية التي تعيشها الحركة في قطاع غزة، وهذا ما يفسره تقديم حركة حماس بعض التنازلات الكبيرة التي قدمتها في هذه الجولة أهمها تنازلها عن الوزارات السيادية في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، إضافةً لتنازلها عن منصب رئيس الوزراء لصالح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقبولها بالتعاطي في حل أزمة رواتب الموظفين بغزة الذين عيّنتهم حماس على مراحل بدلاً من حل الحزمة الواحدة. في حين تُدرك فتح أنها ملزمة بإتمام المصالحة خشية من تولي دحلان منصب الرئاسة وقيامه بتصفية حساباته مع عباس وعائلته والمقربين له.

المحور الثالث: بدائل الدور المصري في عملية المصالحة:

تبرز الإحتمالات التالية للموقف المصري من المصالحة الفلسطينية:

الاحتمال الأول: في حال تضمنت المصالحة هدنة بين حماس والصهاينة؛ مع صفقة تبادل أسري بين الطرفين، فهذا سيكون محط استحسان لدي الصهاينة، بمعني إنها سترحب بهذه المصالحة وستعمل على إنجاحها؛ مما سيدفع الصهاينة لتشكيل ضغط على نظام السيسي لقبول المصالحة، ورفع الحصار عن غزة؛ وتأجيل قدوم دحلان للسلطة لما بعد إنتهاء الهدنة أو حدوث متغيرات طارئة.

الاحتمال الثاني: في حال عدم إشتمال المصالحة على صفقة تبادل أسري، سيرفض الصهاينة الإتفاقية، وبالتالي سيتم العمل على تشجيع السيسي للاستمرار في الخطوات التصعيدية ضد غزة؛ ويمكن أن تشهد العلاقات الرسمية بين السلطة الفلسطينية ونظام السيسي نوعاً من التوتر، إضافة لاحتمالات تعرض غزة لحرب يمكن أن تكون الأشرس في تاريخها؛ أمام رغبة إسرائيل في استعادة جنودها الأسري بالقوة المفرطة.

الاحتمال الثالث: التعاطي الجزئي من قبل نظام السيسي مع تفاهمات المصالحة، من خلال فتح المعبر على فترات زمنية قصيرة، مما يُشعر المواطن الفلسطيني بتحسن في الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، وقيام السيسي بهذا الإجراء قد يكون له عده دوافع أهمها التخلص من تصريحات بعض قادة الصهاينة التي تصف السيسي بأنه “يقدم لإسرائيل أكثر مما تتوقع” والتي توقعه بالحرج، من خلال إظهار نفسه بأنه يمتلك قرارات، ومحاولة التقارب مع قطر وتركيا، بهدف تثبيت حكمه وشرعنته.

————————————

الهامش

(1) سما الإخبارية، تاريخ الزيارة 15-2-2016. الرابط

(2) وكالة معا الإخبارية، تاريخ الزيارة 15-2-2016، الرابط

(3) ما وراء الحدث، تاريخ الزيارة 15-2-2016. الرابط

(4) وكالة معا الإخبارية، تاريخ الزيارة 15-2-2016. الرابط

(5) وكالة الراي الفلسطيني، تاريخ الزيارة 15-2-2016م. الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close