fbpx
دراساتالحركات الإسلامية

المقدسي والسلفية الجهادية: المكانة والتأثير

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

الفهرس

المقدمة

أولا: من هو أبو محمد المقدسي؟

1. المولد والنشأة:

2. العلم الشرعي والعمل التنظيمي:

أ. التيار السروري (السلفية الحركية القطبية)

ب. الفكر القطبي

جـ. جماعة جهيمان (جماعة سلفية محتسبة بفهم خاص)

د. السلفية العلمية (التقليدية)

هـ. أئمة الدعوة النجدية

ملحوظات هامة:

3. السجون والجبهات:

ثانيا: الأفكار النظرية (الكتب والرسائل)

1. الحكم بغير ما أنزل الله (الحاكمية)

2. الديمقراطية

3. الولاء والبراء

4. الجهاد تحت راية نقية

ثالثا: التطبيقات العملية (الفتاوى والمواقف)

1. الجبهات:

أ. أفغانستان

ب. العراق

ج. غزة

د. سورية

2-العلماء والقادة:

أ. عبد الله عزام

ب. أحمد ياسين

ج. السياسيون ذوو التوجه الإسلامي

د. القرضاوي وابن باز

ه. فتاوى متفرقة:

3- شيوخ السلفية الجهادية

أ. سيد إمام:

ب. أبو قتادة الفلسطيني:

ج. أبو بصير الطرطوسي:

د. عطيّة الله الليبي (مفتي تنظيم القاعدة):

رابعًا: تأثيره داخل تياره

1- سبب التأثير

2- بين القاعدة وداعش

خاتمة

المقدمة

في العقدين الماضيَّن برز تيار فكري مسلح داخل المساحة الإسلامية، اشتهر إعلامياً باسم (السلفية الجهادية)، وكان له أثر كبير ملحوظ، خاصةً في البقع الجغرافية التي شهدت احتلالاً خارجياً أو ثورات شعبية داخلية. وكان من أبرز الموجِّهين والمؤثرين في شباب هذا التيار، رجل أردني من أصل فلسطيني شارف على الستين من عمره، يدعى الشيخ أبا محمد المقدسي، فمن هو؟ وما هي أهم أفكاره؟ وما هي درجة تأثيره على تياره وعلى الأمة الإسلامية بشكل عام؟

تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن هذه الأسئلة الهامّة وغيرها بشيء من التفصيل.

أبو محمد المقدسي: المرجعية الشرعية الأبرز للتيار السلفي الجهادي
أبو محمد المقدسي: المرجعية الشرعية الأبرز للتيار السلفي الجهادي

أولا: من هو أبو محمد المقدسي؟

العقل المفكر والمرجعية الشرعية الأبرز لأغلب تنظيمات وجماعات “السلفية الجهادية” منذ تسعينيات القرن الماضي. عَمل سابقاً في مجالات التدريس والدعوة والقضاء التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان بداية ظهوره، بتزكيةٍ من سيد إمام[1] منظِّر وأمير جماعة الجهاد المصرية. وبدءاً من عام 1994م أمضى أغلب وقته معتقلاً في السجون الأردنية.

1. المولد والنشأة:

وُلد عصام العتيبي (البرقاوي) الشهير إعلامياً بأبي محمد المقدسي في برقة بريف نابلس بفلسطين عام 1959 م، وما إن بلغ الثالثة من عمره حتى رحل مع عائلته إلى الكويت حيث عمل والده ومكث فيها إلى أن أنهى دراسته الثانوية.

ثم كانت له ثلاث تجارب جامعية لم يكلل أيٌ منها بالنجاح والتخرج لأسباب مختلفة. ففي الأولى (هندسة، يوغوسلافيا) كان لعامليْ اللغة والنظام التعليمي المعقًّد -على حد تعبيره- أثرٌ بالغ في عدم مواصلة الدراسة، وفي الثانية (علوم، العراق) ترك الجامعة عقب وصوله إلى السنة الثالثة بعد أن استفتى الشيخ بن باز فأجابه بعدم جواز المضي قدماً لوجود مخالفات شرعية كالاختلاط بين النساء والرجال، ووعده حينها بمساعدته في الالتحاق بإحدى الجامعات السعودية، وعند وصوله المدينة المنورة قاصداً جامعتها الإسلامية، وعلى الرغم من وجود تزكية خطِّية من الشيخ بن باز لم يُقبل في الجامعة، ربما لاختلاف تخصصه السابق عن التخصص الذي يرغب به (الشريعة الإسلامية)[2].

2. العلم الشرعي والعمل التنظيمي:

نستطيع أن نلخِّص مسيرة أبي محمد المقدسي في طلب العلم الشرعي في خمس مراحل (متفاوتة في الأهمية والتأثير) بعضها متزامنة:

أ. التيار السروري (السلفية الحركية القطبية)

كانت بداية التزام المقدسي دينياً على يد أحد زملائه في المرحلة الثانوية، من المنتسبين لجماعة الشيخ محمد سرور[3]. وانضم بعدها للجماعة وبدأ يحضر دروسهم ويشاركهم رحلاتهم وأنشطتهم المختلفة.

تنوعت هذه الدروس بين العقيدة والفقه والعمل الحركي والأدبيات التنظيمية. واستمر هذا الحال سنواتٍ قليلة قبل أن يختلف معهم عام 1980 م ويُفصل لأسباب انضباطية تنظيمية من جانب الجماعة ولأسباب منهجية فكرية بنظر المقدسي.

يمزجُ التيار السروري بين الفكر السلفي المعاصر[4] والفكر القطبي ويمتاز بحركية شبيهة بالإخوان المسلمين. وكانت بداية تشكَّله (المعروف أيضاً بتيار الصحوة) في السعودية نهاية ستينيات القرن الماضي وانتشر بعدها بشكل تدريجي متسارع (عربياً) في السبعينيات والثمانينيات ليصل ذروته عقب حرب الخليج الثانية في التسعينيات.

ويربط الكثير من الخبراء نشأة هذا التيار وتمدده الواسع مع توافد قائمة طويلة من أبرز مفكري وعلماء جماعة الإخوان المسلمين في سورية ومصر إلى السعودية، كمحمد قطب، علي جريشة، سيد سابق وغيرهم الكثير (من مصر) مثل محمد سرور، علي الطنطاوي، سعيد حوى وآخرين كثر (من سورية)، توافدوا للتدريس في الجامعات والمعاهد العلمية إثر حملات التضييق والبطش التي تعرضوا لها في بلدانهم[5].

أَسَسَ هذا التيار لرؤية وتطبيق جديد من تطبيقات (السلفية المعاصرة)، تتمحور حول قضيتين مركزيتين؛ الأولى: الموقف المفاصل الفاضح لأنظمة الحكم العربية (الجاهلية) لكونها لا تطبق الشريعة، ومعارضتها بشكل علني وحدِّي. والثانية: نشر الوعي بالمخططات الغربية وتفاصيلها بما يخص المنطقة العربية عامةً والخليج خاصةً.

بيد أنه طرأت بعض التغييرات في ممارسة هذه الأدبيات، وتحديداً فيما يخص أسلوب التعاطي مع الأنظمة الحاكمة بعد فترة التسعينيات وتجسدت في تقليل الصدام السياسي والفكري معها.

أبرز رموز هذا الفكر: سفر الحوالي، سلمان العودة وناصر العمر من السعودية، حامد بن عبد الله العلي من الكويت، صلاح الصاوي ومحمد عبد المقصود من مصر، على بلحاج من الجزائر، وآخرون منتشرون في أغلب البلاد.

ب. الفكر القطبي

أثناء عضوية المقدسي بجماعة الشيخ سرور، كان يتردد كثيراً ويحرص على لقاءات وخطب ودروس الشيخ السيد عيد بمسجد الشيخة في الكويت، وهو من الذين اعتقلوا مع سيد قطب وأحد أعضاء تنظيم 65 كما ذكر المقدسي[6].

ازداد تقرب المقدسي منه وكان يساعده في بعض أعماله الإدارية بعد مفارقته للسروريين، وكان يصفه أنه (ظلالٌ) يمشي على الأرض، في إشارة لتأثره الكبير بتفسير سيد قطب (في ظلال القرآن). بيد أن طلب المقدسي من السيد عيد إجازته بأحد كتب سيد قطب قوبل بالرفض إلا في إطار تنظيمي وهو ما لم يعجب المقدسي وقتها لكنه تفهمه في مراحل لاحقة من حياته.

القضية الجوهرية في الفكر القطبي هي: (حاكمية الشريعة) و (جاهلية الأنظمة) التي تحكِّم القوانين الوضعية. وهي وإن لم تكن خاصِّية للفكر القطبي دون باقي التيارات في هذه الحقبة الزمنية إلا أنها تبدو أكثر إلحاحاً ومركزية.

وطريقة التغيير وفقاً للخطة (القطبية) تتأتّى عبر ثلاث خطوات متعاقبة:

– تأسيس (النواة الصلبة) من الحركة الإسلامية.

– توسيع (القاعدة الشعبية الواعية).

– الصدام مع الأنظمة (الجاهلية) للإطاحة بها واستبدال نظام إسلامي بها.

جـ. جماعة جهيمان (جماعة سلفية محتسبة بفهم خاص)

التحق المقدسي بعد تركه للقطبيين بجماعة جهيمان، وهي جماعة سلفية بنكهة خاصة تربط بعض أعضائها بالمقدسي علاقة قديمة منذ كان مع جماعة محمد سرور إذ كان يحضر عندهم بعض الدروس، الأمر الذي سهَّل انضمامه إليها بشكل حقيقي في فترة أعقبت حادثة الحرم 1980 م. وقد درس المقدسي بعض علوم السنة كمصطلح الحديث وعلم تخريج الأحاديث مع هذه الجماعة المهتمة بهذا النوع من العلوم، وكان معجباً بها في هذا الجانب. ولكن نظراً لاختلافه معها في مسائل كتكفير الحكام والجيوش والشُرط بوصفهم (أنصار الطاغوت) وعدم اتفاقهم في البراءة من دخول البرلمانات (الشركية) وغيرها من المسائل تركهم بعد مدة قصيرة.

لم تكن هذه الجماعة ذات رؤية فكرية إصلاحية ثورية شاملة أو صاحبة مشروع تغيير سياسي أو حتى مشروع جهادي (لقلب نظام الحكم)، إنما كان برنامجها قائماً على الدعوة والحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في إطار معين، وكانوا يرون أشياء من قبيل: حرمة دخول الجامعات حتى الإسلامية منها لاعتقادهم بحرمة تقديم الصور الفوتوغرافية[7]!

ثم جاءت فكرة بيعة (المهدي) وهو محمد عبد الله القحطاني (عضو في الجماعة)، فجمع قادة الجماعة أنفسهم واصطحبوا نساءهم وأطفالهم وسيطروا على الحرم بأسلحتهم، وانتهت القصة باقتحام السلطات السعودية بالتعاون مع قوات الصاعقة الأردنية للحرم المكي وقَتل عدد كبير من قادة وعناصر الجماعة داخله.

د. السلفية العلمية (التقليدية)

بعد أن ترك المقدسي جماعة جهيمان، وأثناء فترة انتظاره للقبول بالجامعة الإسلامية بالمدينة بعمر 22 سنة تقريباً، واظب على دروسٍ عديدة في بعض العلوم الشرعية في كلٍ من: الجامع النبوي وجامعة المدينة الإسلامية (بشكل غير رسمي) على عدد من العلماء والمشايخ من بلاد مختلفة، إضافةً الى انقطاعه للمطالعة والقراءة والكتابة في مكتبتي الحرم النبوي والجامعة.

تنقَّل المقدسي مراراً بين الكويت والمدينة وحضر دروساً كثيرة للشيخ ابن باز (مفتي السعودية وقتها) وبعض دروس الشيخ ابن عثيمين (أحد أكبر علماء السلفية العلمية) وغيره، وتتلمذ على أشرطتهم الصوتية.

تركِّزُ السلفية التقليدية على الدعوة وطلب العلم وفق منهج (السلفية المعاصرة)، وتنهى الشباب عن العمل الحركي التنظيمي فضلاً عن مناوئة الأنظمة السياسية ومعارضتها.

هـ. أئمة الدعوة النجدية

هذه الفترة الأهم والأكثر تأثيراً في فكر المقدسي ليس فقط كما يلاحظ الكثير من المراقبين والمهتمين بإنتاجه الفكري، وإنما باعترافه هو بشكل مباشر[8]، فما أن وقَع كتاب الدرر السنيّة 16 ) مجلد) في يده حتى أعجب به أيما إعجاب، وعكف على قراءته ثم أتبعه بقراءة الكثير من كتب الدعوة النجدية.

وتراث أئمة الدعوة يُعني بشكل كبير بفهمهم لماهية العقيدة الإسلامية (الصافية) وفق منظورهم، وبالفتاوى والـتأصيلات الناتجة عن تصورهم للحالة الدينية في جزيرة العرب والعالم الإسلامي وقتها، وفي الصراع الذي وقع بين الخلافة العثمانية والدولة السعودية في القرنين ال 18 و 19 م.

ملحوظات هامة:

أ. لم يتسنَّ للمقدسي ملازمة شيخ كبير أو عالم (أو عدة علماء) لفترة طويلة -كما ذكر هو ذلك[9]– تكون كافيةً لتلقي سائر العلوم الشرعية الضرورية للتصدر والإفتاء لاحقاً، كما يرى الكثير من علماء الشريعة.

ب. لم يتتلمذ المقدسي ويختلط بالمذاهب والمدارس السنية المختلفة فقهياً وعقائدياً وسلوكياً، مما يؤدي غالباً إلى فقر ومحدودية في البُنية المعرفية.

ت. لم يتخصص المقدسي في بعض علوم الآلة الأساسية (اللغة العربية، أصول الفقه) التي يرى المتخصصون ضرورتها لتكوين عالم متمكن.

ث. لم يُزكَّ المقدسي كعالمٍ أو مفتيٍ إلا من شيوخ التيار الذي ينتمي له، كحمود بن عقلا الشعيبي (السعودي) وأبو قتادة (الفلسطيني) وهاني السباعي (المصري) وغيرهم[10].

ج. الفترة التي فصلت المقدسي من بدء طلبه للعلم إلى الإفتاء وتصنيف الكتب (وفي مسائل مصيرية) لا تتجاوز ست سنوات (1978 – 1984م)، وهذه المسافة الزمنية جدُ قليلة لهذا التحول الكبير.

3. السجون والجبهات:

في الثمانينيات تردد المقدسي مراراً وتكراراً على باكستان وأفغانستان أثناء الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، ولكن لا يُعرف له أي دور أو نشاط عسكري واضح. عدا عن ذلك لم يلتحق المقدسي بأي ساحة قتال أخرى، ولم يشارك بأي عمل مسلح ضد النظام الأردني.

أما فيما يخص الاعتقالات والسجون، فقد تكررت كثيراً ولسنوات طويلة منذ عام 1992 م، يصل مجموعها لسبعة عشر عاماً تقريباً، جميعها كانت في الأردن، وتنوعت التُهم بين إنشاء تنظيم مسلح داخلي وبين الإفتاء لأعمال مسلحة خارجية وتمويل منظمات مسلحة.

ثانيا: الأفكار النظرية (الكتب والرسائل)

بالنظر إلى إنتاج أبي محمد المقدسي الفكري وتصانيفه وكتبه العديدة، يظهر للعيان أنه ذو إنتاج غزير مستمر، فلقد تجاوزت مؤلفاته العشرين كتاباً ناهيك عن مئات الرسائل وآلاف الفتاوى المبثوثة في منبره الشهير على الإنترنت: منبر التوحيد والجهاد. ويأتي في مقدمتها انتشاراً وأثراً في ضمير أبناء التيار السلفي الجهادي: “ملة إبراهيم” الذي يعد باكورة مطبوعاته الهامة في بيشاور (باكستان 1984م) ويشرح فيه المقدسي رؤيته وفهمه لمفهوم “الولاء والبراء” والأحكام المتعلقة به على أرض الواقع، إضافة إلى “كشف النقاب عن شريعة الغاب”1988) م) وفيه تفصيل لقضية الحكم بالدساتير المعاصرة (المعتمدة على القوانين الوضعية) وحُكم محكِّميها، أيضاً لا نستطيع أن نُغفل كتابي: “الديمقراطية دين” بما يحويه من تقعيدٍ لتصورات بنى عليها أحكاماً تخص العمل النيابي والعملية الانتخابية والمشاركين بها في ظل (نظام ديمقراطي)، و”الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية” 1991)م) وتناول المقدسي فيه الدولة السعودية وقوانينها وسياستها الداخلية والخارجية.

وبعد تتبع مؤلفات وإصدارات المقدسي العلمية، يبدو أنه من الصعوبة بمكان المجادلة في التأثير الواضح لكتب أئمة الدعوة النجدية في فكره، فبمجرد المرور السريع على أهم كتبه ومقالاته تجد كماً هائلاً من الاقتباس منهم والنقل عنهم.

فمثلاً، كتاب (ملة إبراهيم): من أبرز إن لم يكن أبرز كتبه على الإطلاق (76 صفحة فقط)، جُل النقول فيه عن أئمة الدعوة النجدية (وهي بالعشرات). ويشرح فيه المقدسي نظريته عن منهجية دعوة الأنبياء والمرسلين وكنه الولاء والبراء معتمداً على تأصيلات وتطبيقات الدعوة النجدية.

يقوم فكر المقدسي على أربع ركائز أساسية: الأحكام المتعلقة بال (الحاكمية)، الأحكام المتعلقة بال (الديمقراطية)، الأحكام المتعلقة بال (الولاء والبراء)، الجهاد تحت (راية نقية)

1. الحكم بغير ما أنزل الله (الحاكمية)

اثناء فترة وجود المقدسي بالكويت، بعد أن تبلورت أفكاره، وأصبحت لديه قناعات صُلبة إثر مراحل طلبه للعمل الشرعي وانكبابه على كتب أئمة الدعوة النجدية، أصدر المقدسي عدة كتب منها كتاب (كشف النقاب عن شريعة الغاب)، ورغم أن الكتاب يركز على نقض الدستور الكويتي وإظهار مصادمته الجذرية للشريعة الإسلامية، إلا أن فحوى الكتاب تنطبق على سائر البلاد الإسلامية.

قال المقدسي “ولو أردنا أن نسوق ونتتبع دساتير وقوانين الأنظمة المنتسبة الى الإسلام كلها، ونذكر أمثلة من كفرياتها ونستعرضها واحداً واحداً لطال بنا المقام دون فائدة تذكر، وذلك لأن دساتيرهم (وقد اطلعت على أكثرها) منقولة عن بعضها البعض”[11].

وذكر في مقدمة هذه (الكفريات): الإقرار بحق التشريع المطلق والتحليل والتحريم لغير الله (سبحانه وتعالى)، إضافة الى وجود كم هائلٍ من التشريعات والقوانين المخالفة للشريعة الإسلامية في كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والجنائية وغيرها.

ثم بنى على هذه المسألة جوهر الإسلام وحقيقة الإيمان فقال بعد أن عنوّن كلامه بجملة (الكفر بالدستور والبراءة من القوانين شطر التوحيد) “يجب عليك قبل كل شيء الكفر بهذا الطاغوت (الدستور وقوانينه) وبغضه ومعاداته والبراءة منه وعدم الرضى والاستسلام إلا لحكم الله وحده وذلك كي تحقق معنى لا إله إلا الله”[12]

حقيقةً لم يكن هذا الكتاب الأول من نوعه فيما يخص هذا المجال، فقد تكلم وأسهب في هذه المسألة الهامة منذ سقطت الخلافة العثمانية وغزت الدساتير الغربية (الوضعية) أغلب بلاد المسلمين كثيرٌ من الأعلام المعاصرين: كالكوثري وأحمد شاكر وسعيد حوى وعلي الطنطاوي ومحمد قطب وعبد الله عزام وغيرهم[13]، بل إن بعضهم صاغ دستوراً إسلامياً كاملاً في كافة النواحي الاقتصادية والتجارية والقضائية والمدنية وغيرها كصلاح أبو اسماعيل و مصطفى الزرقا[14]، لكن ما انفرد به هذا الكتاب هو أحكام التكفير (بالجملة) المشتملة على قطاعات كبيرة من المؤسسات الرسمية العسكرية – باعتبارها “طوائف ممتنعة”[15]– منها والمدنية. ولم يسبقه في هذا المضمار إلا سيد إمام في كتابيه: (العمدة في إعداد العدة) و(الجامع في طلب العلم الشريف).

فانطلاقاً من أن الدستور المحكم (طاغوتٌ) يعبد من دون الله، لاعتماده على (القوانين الوضعية)، فعند المقدسي كل من حكم أو شارك في حماية أو تطبيق هذا الدستور وهذه القوانين، واقعٌ في الكفر والشرك، سواءً أكان رئيساً أم وزيراً أم قاضياً أم جندياً أم شرطياً أم برلمانياً[16]. ولا فرق بين إسلامي هدفه الغائي (تطبيق الشريعة) أو علماني هدفه (محو الشريعة)، فالحكم عنده على الظاهر والبحث في النوايا والقرائن من عقيدة (المرجئة)[17]. ولا اعتبار لظروف استضعاف أو حصار أو حرب فالمسألة تخص أصل الدين وعقيدة التوحيد.

ثم رَبط بين البراءة من الدستور (العلماني) والبراءة من محكِّميه تحت عنوان (البراءة من أولياء الدستور ومعاداتهم من لوازم لا إله إلا الله ومقتضياتها) فقال “وكما يجب عليك أن تبرأ من هذا الطاغوت (الدستور وقوانينه) فعليك كذلك أن تبرأ من كل من دافع عنه ونافح عن قوانينه وأصر على تحكيمه وتعبيد العباد له” [18].

تبرز هنا بطبيعة الحال، ثنائية النظرية والتطبيق، فقد يصف الكثير من العلماء، أقوالاً أو أفعالاً معيَّنة بأنها كفروا شرك أو ضلال أو بدعة، لكنهم يميِّزون بين القول والقائل وبين الفعل والفاعل، وغالباً ما يجتمع أكابر العلماء لدراسة كل حالة بتروٍّ وتؤدة ويُعمِلون (شروط وموانع التكفير) قبل إصدار الفتاوى المناسبة.

وبالرغم من أن المقدسي يقر بهذه الثنائية نظرياً وبشكل عام إلا أن تطبيقاته العديدة على مدار30 سنة خلت توحي بغير ذلك، وسنستعرض مجموعة من النماذج الواقعية خلال هذه الدراسة.

2. الديمقراطية

يدندن المقدسي باستمرار وبشكل مكثف في كتاباته وفتاويه حول الديمقراطية واصفاً إياها بالدين الجديد و(صنم العصر)، ذلك أنها تعطي البشر حق التشريع المطلق وحق التحليل والتحريم. ويرى المقدسي أن الناس في دين الديمقراطية بين “أرباب مشرِّعين وأتباعٍ لها عابدين”[19].

وبالنظر إلى مبادئ الديمقراطية الفلسفية، فإن السواد الأعظم من المنتسبين للعلم والعلماء من مختلف المشارب والتوجهات يرونها كذلك، إلا أن بعضهم يجيز استخدام (اللفظة) ويستخدمونها في غير هذا المعني الوجودي الفلسفي، أي بمعناها (العرفي) السائد: حق الشعب في اختيار ومحاسبة ومراقبة وعزل حكامه وحرية الدعوة والكلمة[20].

وهو الأمر الذي يرفضه المقدسي رفضاً قاطعاً بقوله “وبعض الجماعات التي تنتهج هذا المذهب الكفري وتدين به تقول: نحن نعني بالديمقراطية حين ننادي بها ونطالب بها ونشجعها ونسعى لها وبها (حرية الكلمة والدعوة)”[21]. فيرُدُ المقدسي قائلاً “ليس المهم ما تعنونه أنتم وما ترقعونه وتتوهمونه، لكن المهم ما هي الديمقراطية التي يطبقها الطاغوت ويدعوكم للدخول فيها وتجرى الانتخابات من أجلها ويكون التشريع والحكم الذي تشاركون فيه وفقاً لها؟”[22].

وبالانتقال الى الحكم على المرشَّحين للانتخابات البرلمانية (أياً كان توجههم وهدفهم) قال في إحدى رسائله الهامة (الجواب المفيد بأن المشاركة في البرلمان وانتخاباته مناقضة للتوحيد) والتي تعد مرجعاً قيماً عند الكثير من أبناء السلفية الجهادية “أما المترشح المباشر، للنيابة عن الشعب في التشريع، فقد تقدم أنه الطاغوت والرب الذي اختاره من اختاره من الناس، ليصرِفوا له عبادة التشريع، ليشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فهو مشركٌ كافرٌ عندنا ولو لم يفز بالانتخابات ولم يباشر التشريع فعلاً، ما دام قد ارتضى بهذه الوظيفة الكفرية وسعى إليها ودان بهذا الدين الشركي، الذي ينيط التشريع بغير الله، ودعا إليه وحشد الناس والطاقات جاهداً ليحرز مقعداً في مجلسه، فهو حين لم يحرزه وخاب في انتخاباته، لم يتركه كفراً بهذا الدين ولا براءةً من الدستور ولا اجتناباً للطاغوت أو تحقيقاً للتوحيد”[23].

وبعد إطلاق هذا الحكم على المرشَحين البرلمانيين، الفائزين منهم والخاسرين، قرر أنه لا مجال لأي عذرٍ يُحيل الحكم السالف عنهم، كالجهل والتأول وانتفاء القصد، ولك أن تتخيل الكم الهائل من المرشَحين في مختلف البلدان الإسلامية الذين أصابتهم هذه الفتوى.

أما فيما يتعلق بالمُصِّوتين (الكتلة الانتخابية)، فيصف المقدسي تصويتهم أنه اتخاذٌ لأربابٍ مشرعين من دون الله، وينزِّلُ عليهم الآية القرآنية] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [التوبة 31.

ويوضح ذلك بقوله “وهذه هي حقيقة ما يمارسونه في الانتخابات، فإنهم يدينون فيها بدين الديمقراطية الذي جعل التشريع والحكم للشعب لا لله، فيقومون باختيار الرب الذي سيوكلونه أو سينيطون به سلطة التشريع المطلقة، وفقاً لنصوص الدستور”[24].

ثم يستطرد مُتحسراً ومعللاً وضع الأمة الإسلامية المرير في هذا العصر “ومن تأمل أحوال الناس اليوم، وكيف تكالبوا على هذا الشرك وحداناً وزرافات، عُرف سبب انتكاس الأمة وضياع أمجادها وتسلط أعدائها عليها، فإن ذنب الشرك هو أعظم ذنبٍ عُصيَّ الله به”[25].

غير أن المقدسي يفرق بين من انتَخب وهو يدرك حقيقة البرلمانات وصلاحيات البرلماني الدستورية والقانونية كحال الكثير من أفراد الجماعات والحركات والأحزاب السياسية وكذلك حال المطَّلِعون على الدساتير والفاهمين لآلية العمل الديمقراطي، وبين (الجهَّال والبسطاء) الذين يصوتون لمن يدافع عن حقوقهم ويهتم بشؤونهم، فالصنف الأول يشمله حكم التكفير والصنف الثاني يُستثنَى منه[26].

3. الولاء والبراء

من العلامات الفارقة في فكر المقدسي هو فهمه لطبيعة العلاقة بين المسلمين من جهة، و(الكفار) ومن يراهم (مرتدين) من جهة ثانية، وتأثير هذه العلاقة على إيمان المسلم وإسلامه. وقد صاغ هذا الفهم بجلاء ووضوح في مواضعَ كثيرة، في مقدمتها زماناً ومكانةً بالنسبة لقطاعٍ عريض من تيار (السلفية الجهادية) كتابه الشهير: ملة إبراهيم.

ويرى مراقبون أن هذا الكتاب يمثلُ العقيدة القتالية عند شرائح واسعة من التيار السلفي الجهادي، وفيه يشرح المقدسي بالتفصيل فهمه للولاء والبراء في ضوء فتاوى وممارسات أئمة الدعوة النجدية. ولعل استحضار هذا السياق التاريخي ضروريٌ جداً وحتمي في استيعاب دلالات الألفاظ والنصوص المنقولة عن تلك الحقبة الزمنية، وفي إدراك منبع هذا الجانب من فكره[27].

يستهل المقدسي كتابه بتعريف معنى ملة إبراهيم، المكون من شقين: إخلاص العبادة لله بكل ما تحويه الكلمة من معان، البراءة من الشرك وأهله. ثم ينقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله: “أصل دين الإسلام وقاعدته أمران، الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله “[28].

قاعدة هامة: لفظة شرك عندما ترد في كلام وتقريرات أئمة الدعوة النجدية، لا يُقصد بها غالباً شرك الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية وغيرها، إنما يقصد بها جموعٌ من المنتسبين للإسلام (المتصوفة) الموجودين داخل الجزيرة العربية آنذاك والمنتشرين في شتى أرجاء العالم الإسلامي، إضافة الى الدولة العثمانية وجيشها ومن تعاون معها أو استنصر بها أو نصرها عليهم.

وعلى سبيل المثال استشهد المقدسي بكلام الشيخ حمد بن عتيق، وهو أحد شيوخ الدعوة النجدية البارزين، إذ قال في كتابه (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك) “إن كثيراً من الناس قد يظن أنه إذا قدر على لفظ الشهادتين وأن يصلي الصلوات الخمس، ولا يردُ عن المسجد فقد أظهر دينه وإن كان مع ذلك بين المشركين أو في أماكن المرتدين وقد غلطوا في ذلك أقبح الغلط”[29]، ثم ساق نموذجاً آخر من عشرات الأمثلة الموجودة في كتاب ملة إبراهيم اقتباساً من كتب أئمة الدعوة النجدية، وهذه المرة عن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ عندما قال “ودعوى من أعمى الله بصيرته وزعم أن إظهار الدين هو عدم منعهم من يتعبد أو يدرس دعوى باطلة، فزعمه مردود عقلاً وشرعاً، وليهن من كان في بلاد النصارى والمجوس والهند ذلك الحكم الباطل، لأن الصلاة والتدريس موجود في بلدانهم”[30].

تطوَّر أمر “البراءة” بعد ذلك وتسلسل ورُكَّب عليه حكم إضافي، ليشمل ليس من أُفتي بكفرهم وردتهم لأسبابٍ “عقدية” فحسب، وإنما كذلك من رأى هؤلاء “المشركين” مسلمين، فتعاون معهم واستنصر بهم على خصومه من أنصار (الدعوة النجدية). وقد أشار المقدسي إلى هذه الجزئية في كتابه كشف النقاب عن شريعة الغاب قائلا: “وأحيلك في مثل هذا إلى كتاب الدرر السنية في فتاوى أئمة الدعوة النجدية (جزء الجهاد) وجزء (حكم المرتد)، تأمل فيه تكفيرهم في كثير من المواضع لعساكر الدولة التركية وعساكر الدولة المصرية التابعة لها والتي كانت تحكِّم الدستور وتحمي بعض شركيات القبور، وتأمل تكفيرهم لمن والاهم وناصرهم وساعدهم كعساكر عبد الله بن فيصل آل سعود ومن تبعه من أهل نجد وانضم للأتراك واستنصرهم على أهل التوحيد حتى ألف العلامتان حمد بن عتيق وسليمان حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتابيهما (سبيل النجاة والفكاك) وحكم (موالاة أهل الإشراك) في تكفير من والى الدولة وأعانها أو كان من عساكرها”[31].

وباستقراء حال الأمة الإسلامية وفتاوى جماهير علماء المسلمين من مختلف المذاهب والمدارس وقتها، ورغم إنكارهم للكثير من البدع وبعض الأفعال الشركية، إلا أنه لم يصل الأمر إلى فتاوى تكفر الدولة العثمانية وجيشها، وتعتمد تلك الإطلاقات والتسلسلات الخطيرة.

لكن الأمر سارٍ لدى المقدسي على هذا النحو: بما أن الولاء والبراء مرتبطان بأصل الإسلام (الشهادتين)، وكونهما يجب أن يكونا ظاهرين علنيين، فيجب إظهار محبة ونصرة المسلمين، ويجب التصريح ببغض وعداوة الكافرين أو من يراهم المقدسي مرتدين ومشركين، فأيُ شخص أو جماعة أو دولة لا يلتزم بهذه المعايير، فهو إما مرجئ إذ لم يكفر من يرى المقدسي كفرهم جليًّا لا شبهة فيه، وإما قد يخرج هو ذاته من الإسلام اذا ناصر أو آزر أولئك “المشركين”.

ثمة ملمح ثابت في شخصية المقدسي منذ بدء طلبه للعلم الشرعي، أنه لا يأبَهُ بمخالفة أقوال جماهير العلماء والكثرة الكاثرة من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، فهو ينزِع الى (فقه الدليل) لا إلى (فقه الفقهاء).

4. الجهاد تحت راية نقية

مشروع الجهاد يمثل الشق الثاني من فكر المقدسي، ويأتي في الأهمية في المرتبة الثانية بعد رؤيته (الإيديولوجية) لماهيّة التوحيد والعقيدة ومكملاً لها.

والسمة المميزةٌ لصورة الجهاد المثالي كما يطمح ويدعو له المقدسي، تتبلور في قضية (نقاء الراية) التي ينبغي أن يلتف “الموحِّدون” حولها ويسمعوا ويطيعوا لمن يرفعها، ويبذلوا دماءهم في سبيل تمكينها. هذا النقاء يتجسد في مبدأين اثنين يميزها عن غيرها من الرايات “المنحرفة”:

المبدأ الأول: الكفر بالطاغوت والبراءة منه

يجب على أي جماعة جهادية أن تُكفِّر وتتبرَّأ من جميع الأنظمة والحكومات (الطاغوتية) الموجودة في العالم كونها تحكِّمُ القوانين الوضعية، وقد مرَّ معنا أن هذا الفعل شديد الصلة بالـ “التوحيد” وبـ “ملة إبراهيم”، فلا يجوز تلقي الدعم المادي أو اللوجستي أو العسكري من أي نظامٍ كان ولا يحل إقامة علاقات ودية مع أي حكومة لا تحكم بما أنزل الله، ويَحرُم الاتحاد والاندماج مع فصائل أو حركات إسلامية تعلن رضاها بدولة ديمقراطية فضلاً عن أحزاب أو جهات غير إسلامية[32].

المبدأ الثاني: الإيمان بالله والتسليم لحكمه

إضافة الى ذلك وبطبيعة الحال يرى المقدسي ضرورة الجهر بنية إقامة دولة إسلامية تُطبقُ الشريعة ولا عذر لأي جماعة وتحت أي ظرف ألا تصرّح بهذا الهدف. ولأن المقدسي يتمسك بهذين المبدأين ويعتبرهما من أصول التوحيد والجهاد، فيبني عليهما سياسته في توجيه الجهاد أو ما يمكن أن نطلق عليه استراتيجية الأرض المحروقة، بمعنى أنه وتحت أي ظرف (حرب عالمية، حصار، مجاعة) إما أن تقام دولة إسلامية (تطبق الشريعة) أو فليستمر القتال (كحرب عصابات) إلى ما لا نهاية ولا يجوز تولي أي مناصب سيادية في دولة تحكم (بالقوانين الوضعية) حتى لو تعرض الشعب لحملات إبادة أو قفز على السلطة عملاء الأعداء!

ثالثا: التطبيقات العملية (الفتاوى والمواقف)

تحولات جِسام وأحداث كبيرة مرت بالبلاد العربية والأمة الإسلامية في ثلاثين عاماً مضت، فمن احتلال افغانستان الى غزو العراق والمحاولات المتكررة لاجتياح غزة وصولاً إلى انفجار ثورات الربيع العربي وتجلياته الإقليمية والعالمية.

ومن أجل أن تكتمل الصورة حول أي عالم أو منظِّر أو داعية، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار وباهتمامٍ بالغ الفتاوى والمواقف الصادرة عنه، فهي تشكِّل المعيار الأقوم والاختبار الحقيقي لمدى إيمانه بأفكاره التي سطرها في كتبه ولصلاحيتها وصلاحها على أرض الواقع. ولهذا، قمنا برصد عدد كبير من فتاوى وممارسات المقدسي العملية المتعلقة بالساحات “المشتعلة” بوجه عام وبتفاعله مع العلماء والحركات والقيادات الإسلامية بوجه أخص، في محاولة لمناقشتها وتحليلها تحليلاً موضوعياً دقيقاً.

1. الجبهات:

أ. أفغانستان

مع قرب نهاية الحرب الأفغانية الأولى (في مواجهة السوفييت) أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وبعد تردد المقدسي على باكستان وأفغانستان مراراً وتكراراً، وبدء تأليفه للكتب وتدريسه للشباب في معسكرات القاعدة هناك، شهدت الساحة الموجة الأولى من ترجمة المقدسي لأفكاره التي خطها في الكتب إلى فتاوى وآراء تُعنى بأحزاب وجماعات وشخصيات معيّنة.

كانت الفتاوى مثيرة للجدل في أوساط “المهاجرين” وخاصة العرب، وتنوعت بين مؤيد ومتوقف ومعارض بشدة. أما في الوسط الأفغاني فلم تكن ذات أثرٍ يذكر، إذ الأفغان ملتزمون ومتمسكون بمرجعياتهم الدينية المختلفة تماماً، والمتمثلة بالمذهب الحنفي (فقهاً) والمدرسة الماتريدية (عقدياً) والطابع الصوفي (عموماً)[33].

فعلى سبيل المثال، غداة زيارة مجموعة من قادة الأحزاب الأفغانية المجاهدة للخليج العربي عام 1989م، عقب تشكيلهم لحكومة مؤقتة، كتب المقدسي مقالاً أثناء وجوده بالكويت بعنوان (فلتختاروا: الدبلوماسية أم ملة إبراهيم)، شن فيها هجوماً حاداً عليهم، وضمَّنها سلسلةً من الاتهامات، تنوعت بين “خيانة الجهاد” و”الوقوع في الكفر”!، وهذه النوعية من التهم لازمةٌ من لوازم المقدسي لا تفارقه عند تناول شؤون أي ساحة جهاد.

الاتهام الأول وُجِّه لصبغة الله مجددي (رئيس دولة المجاهدين)، ونوعية التهمة كانت: الإدلاء بتصريحات إعلامية تحوي بين ثناياها النية والعزم على تطبيق مبادئ كفرية في حال تم النصر على حكومة نجيب (الشيوعية الموالية للسوفييت). ومحل الشاهد عند المقدسي قول مجددي “نريد أن ننشأ دولة إسلامية ديمقراطية” التي تساوي عنده دولة إسلامية كفرية[34].

الاتهام الثاني كان لعبد رب الرسول سياف رئيس الاتحاد الأفغاني الإسلامي (أحد أشهر الأحزاب المجاهدة) على خلفية تصريحاته المتعلقة بإنشاء علاقات طيبة مع الحكومات الداعمة للجهاد الأفغاني وسعيه في حصول حكومة المجاهدين على اعتراف أممي[35].

وأخيراً عرَّج المقدسي على قلب الدين حكمتيار (رئيس الوزراء وأحد رموز الجهاد الأفغاني) ناعتاً إياه بالعمالة للسعودية ومستنكراً بشدة علاقاته مع النظامين العراقي والليبي.

إذاً وكما أسلفنا القول في هذا الصدد، تلك هي الأقوال والأفعال التي يبني عليها المقدسي أغلظ الأحكام وأشدها في الإسلام، فينتج عنها تكفير الآلاف من المسلمين وحتى المجاهدين ثم قتالهم وسفك دمائهم تقرباً الى الله! فمجرد التصريح بنية إقامة (دولة ديمقراطية) حتى لو كانت مقرونة بكلمة (إسلامية)، ومجرد العزم على إقامة علاقات مع دول وحكومات “غير إسلامية”، يعتبر عنده انحرافاً عن (ملة إبراهيم) وتجاهلاً لما تقتضيه كلمة التوحيد.

ثم بعد أن أسدل الستار على الحرب الأفغانية، بخروج السوفييت والقضاء على الحكومة الشيوعية في كابول، إثر اقتحامها من الأحزاب المجاهدة بقيادة أحمد شاه مسعود الملقب بـ “أسد بنشير”، والقائد العسكري الأبرز في تلك الحقبة. حينئذ لم يبد المقدسي تحمسه وتفاؤله بهذا النصر الكبير.

وقع بعدئذ الاقتتال الكبير بين الأحزاب الأفغانية نتيجة الخلافات الداخلية وبتأثيرات خارجية أخرى، حتى ظهرت حركت طالبان بدعم باكستاني كبير وغض طرف أمريكي[36]، لتسيطر على%95 من البلاد في سنتين فقط وينحسر نفوذ الأحزاب الأخرى التي شكلت ما أسمته (تحالف الشمال) فيما تبقى شمالي أفغانستان.

ومع أن طالبان أعلنت منذ البداية تطبيق الشريعة الإسلامية، ظل المقدسي مترقباً ومتوجساً لما له من تحفظات تتعلق بسياسة طالبان الخارجية، الساعية لبناء علاقات حسنة وطبيعية مع دول الجوار وبعض الدول العربية، و”المتكالبة” -بتعبير المقدسي- على حجز مقعد في منظمة الأمم المتحدة[37]، ولهذا ما كان المقدسي ليشجع على (الهجرة) إلى هناك[38] ومع ذلك كان يؤيد الحركة إلى حد ما وفي نفس الوقت يعذر من ألف كتاباً في كفرها[39]!

دامت سيطرة طالبان على أفغانستان لست سنوات قبل الاجتياح الأمريكي عام 2001م، وخلال هذه المدة لم تتوقف المعارك بين طالبان والتحالف الشمالي، وكل طرف يرى نفسه الأحق بالحكم ويرى الطرف الآخر “أخاه الباغي”[40] حتى لو كان له تحالفات وعلاقات خارجية: فطالبان دعمها –من خلال استقراء حال الدول التي اعترف بطالبان سياسيا وتبادلت معها البعثات الدبلوماسية- باكستاني وخليجي[41]، والتحالف الشمالي دعمه: فرنسي-روسي- هندي.

إلا أن المقدسي كان له رأي آخر، فأخرج فتوى بتكفير تحالف الشمال (قبل تعاونهم مع الأمريكان في احتلال أفغانستان) لمناداتهم بدولة ديمقراطية ولعمالتهم للكفار. الشيء الذي لم تتبنَّه طالبان نفسها واكتفت بوصف خصومها بالبغاة[42].

ثم تلتها حادثة الاغتيال الشهيرة لقائد تحالف الشمال (أحمد شاه مسعود) يوم 9 سبتمبر 2001م، على يد (القاعدة) بعدما كَفَّرَتْه هي أيضاً وبعثت له شابين تونسيين في هيئة صحفيّان ليقتلوه بكاميرا مفخخة!، الأمر الذي أيده المقدسي بشدة[43].

ختاماً، بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، أخذ المقدسي موقفاً مؤيداً للقاعدة بشكل كبير ولطالبان بدرجة أقل، بيد أن انتقاداته وملاحظاته عادت للواجهة من جديد وبشكلٍ تدريجي، مع ازدياد نشاط طالبان السياسي منذ عودتها رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، وعقب تصريحات قادتها بالتزامهم بقُطرية الصراع وحُسن العلاقات مع سائر دول العالم، وذلك عبر التعهد بعدم المساس بأمن الآخرين وضبط حدودها مع جيرانها[44].

يضاف الى ذلك جولات قادة مكتبها السياسي المكوكية لقطر وإيران وروسيا والصين سعياً وراء إقامة علاقات اقتصادية تنموية وسياسية فضلاً عن استجلاب الدعم المادي والعسكري. الأمر الذي أثار حفيظة المقدسي، وجعله يتخوف من عودة سياسة طالبان كما كانت بداية ظهورها[45].

ولم تلق البذور الفكرية للمقدسي رواجاً حقيقياً في أفغانستان، فالتربة الأفغانية الاجتماعية والدينية ترفض أطروحاته بشكل قطعي، وعلى الرغم من التأثر الكبير لكثير من قادة وشباب (المهاجرين) خاصة (العرب) بمنظومته الايديولوجية والذين شكلوا بعد ذلك نواة العديد من التنظيمات السلفية الجهادية وأفرع “القاعدة” في الساحات المتعاقبة إلا أن ذلك لم ينتقل للمجتمع الأفغاني الذي يبدو متمسكاً بإرثه الديني والثقافي بجميع حركاته وأحزابه وبمختلف مراحله وأزمنته، المتمثل بالاتجاه الحنفي الماتريدي البعيد كل البعد عن الاتجاه السلفي بكافة تشكلاته.

ب. العراق

دخلت القوات الأمريكية بغداد يوم 9 إبريل 2003، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من بدء حملتها على العراق، في مشهد حزين حُفر بالذاكرة، وانهار النظام العراقي بسرعة عجيبة لم تكن متوقعة لأغلب المراقبين.

بدأت المقاومة الشعبية الشرسة من الداخل، وخرجت الفتاوى من سائر أرجاء العالم الإسلامي بوجوب الجهاد، فوفدت الى العراق أمواج غاضبة من الشباب المسلم خاصة العرب وبالأخص السوريون والسعوديون.

تعامَل المقدسي مع هذه الوقائع بصورة مغايرة، فقَبل الاجتياح الأمريكي، كان لا يحبذ ذهاب الشباب الى العراق بغرض الاستعداد لمقاومة الأمريكان قبل قدومهم، ويرى أن هذه المعركة لا ناقة للمسلمين فيها ولا جمل[46] ، فهي حرب بين طرفين كافرين (أمريكا ونظام البعث).

ثم بعد سقوط النظام العراقي، ورجوع بعض الشباب الى بلادهم شاكين سوء المعاملة والاستغلال والإصرار على ختم جوازات سفرهم بـ “معركة الحواسم” من قبل الجيش والمخابرات العراقية، الأمر الذي سلط عليهم أجهزة الأمن فور عودتهم، كتب المقدسي مقاله “لم نُصْدَم بصدَّام” موضحاً للشباب خطأهم في النفير، فهو كان يتحفَّظ على القتال مع جماعات إسلامية له عليها ملاحظات فكيف بنظام البعث؟![47].

المهم، بدأ الجهاد الشعبي في العراق عبر شبكة من المجموعات الصغيرة، إلا أنه كان هناك جماعة كبيرة منظَّمة منذ تسعينيات القرن الماضي، جماعة (أنصار الاسلام) الكردية السلفية الجهادية، الموجودة في شمال البلاد (كردستان العراق)، والتي تمددت بشكل سريع في سائر المناطق السنية بعد الغزو الأمريكي.

احتضنت هذه الجماعة، أبا مصعب الزرقاوي[48] (حامل أفكار المقدسي[49]) قبل أن ينفصل عنها وينشئ تنظيمه الخاص (جماعة التوحيد والجهاد)[50]، وهو الحدث الذي قد يُؤرخَ له: كنقطة انطلاق لانتشار فكر المقدسي على مستوى العالم الإسلامي بعد أن كان محصوراً ضمن بيئة (الجهاديين) فقط، ونقطة تحول كبيرة في شكل وخطاب وممارسات ساحات الجهاد بشكل عام.

بدأت تظهر ولأول مرة في ساحات الجهاد شعارات: (الراية النقية) و(الطائفة المنصورة) و(الموحدون)، في مقابل: (الرايات العميَّة) و(الجهاد الوطني) و(المرتدون). والراية النقية تركز على: تكفير الأنظمة والمشاركة الديمقراطية، والمسارعة بإعلان دولة إسلامية والتقيُّد باستراتيجية الجهاد العالمي[51].

أما الرايات العميَّة فتتمحور حول: جمع كافة الأطياف لتحرير الأرض، وحصر القتال في العراق، وتحييد ما أمكن من الأعداء، وتأجيل الخلافات الحزبية والفكرية والمنهجية لما بعد التحرر، وأحياناً القبول والتصريح بالرغبة بدولة مدنية ديمقراطية، هذا التمايز أسعد المقدسي كثيرًا ودفعه الى العمل على توسيع الفجوة وترسيخ الفروقات.

بدأ نَجم الزرقاوي يرتفع عالياً من خلال خطاباته الحماسية العاطفية ومقاطع الذبح المصورة للأمريكيين وعملائهم، ومعه ارتفعت أسهم منهج المقدسي عبر المنتديات الجهادية ومنصة المقدسي الإعلامية الدعوية على الشبكة العنكبوتية (منبر التوحيد والجهاد).

وبالرغم من وقوع بعض الخلافات والمناصحات بين الزرقاوي وأستاذه المقدسي، فإنهما ظلا متفقَيْن على صحة المنهج المشترك، ذلك المنهج الذي دفع الزرقاوي يوماً لعدم الانضمام لطالبان (يوم كان بأفغانستان) لوجود مخالفات منهجية وشرعية بنظره[52].

من أمثلة هذه الخلافات استنكار المقدسي لمقاطع الذبح المصورة ودعوته لعدم توسيع الصراع مع الشيعة إضافةً إلى عدم تفضيل المقدسي نفير الشباب المجاهد لساحة العراق2005) م) ووصفها (بالمحرقة)[53]، الأمر الذي استدعى بيانا من الزرقاوي مفنداً عدة نقاط ومستهجناً خروج المقدسي على قناة الجزيرة في هذا التوقيت وكلامه العلني في هذه المسائل مما أضرَّ (الجهاد)، ومحرضاً الشباب على عدم الأخذ بنصيحته الأخيرة ومواصلة النفير للقتال في العراق.

لاحقاً، بعد مقتل الزرقاوي (أمير القاعدة هناك) بأشهر قليلة أُعلنت “دولة العراق الإسلامية”، الطبعة الأولى من داعش، ومضى المقدسي في دعمها وتأييدها على ما له عليها من تحفظات. ولم تمض سوى أشهر قليلة بُعَيْد هذا الإعلان حتى وقع أول اقتتالٍ داخلي كبير (بين الجماعات السنيّة) في الساحة العراقية 2007 م، الشيء الذي أتى كنتيجة طبيعية لسنوات من الاحتقان والتمهيد الفكري، ثم تلتها ظاهرة (الصحوات) المرتبطة بأمريكا والتي يُعتقد أنها نشأت كردة فعل على ممارسات دولة العراق الإسلامية الميدانية والمجتمعية.

استطاعت دولة العراق الإسلامية القضاء على جميع الفصائل الكبيرة عبر سياسة قتل قادتها وتشتيت جنودها إضافة الى اغتيالات منظمة لعدد من العلماء والمشايخ ما أدى الى ضعف كبير وسيطرة حكومة المالكي على كامل البلاد[54]

هذا الأداء لم يستدع كثير استنكار وتنديد من المقدسي، إذ هو حتى لو خالفهم في بعض التكتيكات الميدانية والاجتهادات الشخصية، فإن المشتركات الفكرية التي تجمعهم تَجُبُّ ما غيرها.

في المقابل، نستطيع أن نفهم لماذا لم يرشد المقدسي أنصاره ومؤيديه إلى التزام علماء ومشايخ العراق الموجودين على الأرض (ضمن هيئات ومجالس علمية) أبرزها هيئة علماء المسلمين في العراق، والناشطون في التصدي للاحتلالين الأمريكي والإيراني.

وتمثل تجربة العراق أول تشخّص عالمي لفكر السلفية الجهادية عموما وفكر المقدسي خصوصا. حيث شهدت هذه الفترة طفرة إعلامية جهادية متزامنة مع الحرب، تمثلت في منتديات كثيرة على الشبكة العنكبوتية، مهمتها نشر الفكر واستقطاب أعداد كبيرة من الشباب، إضافة الى انتشار صيت منصة المقدسي الفكرية على الإنترنت: منبر التوحيد والجهاد.

ج. غزة

منذ تأسيس حركة حماس وإعلان ميثاقها الأول، والتباين واضح جلي بين نهجها ونهج المقدسي. فلم يكن يوماً متحمساً لها أو معجباً بقادتها ومؤسسيها. وازدادت الفجوة شيئاً فشيئاً الى أن وصلت إلى مرحلة التضاد والعداوة والمفاصلة بل انتهت بتكفير حكومة حماس التي شُكِّلت إبّان دخولها وفوزها في الانتخابات الفلسطينية 2006م.

في العام التالي، بعد أن بسطت حماس سيطرتها الكاملة على غزة في أعقاب عملية (الحسم) ضد أجهزة حركة فتح بقيادة محمد دحلان، تعالت نداءاتٌ كثيرة في أوساط السلفية الجهادية تطلب من حماس الإعلان عن إمارة إسلامية والتطبيق الفوري للشريعة، لكنّ حماس أبت وتعللت بعدم القدرة والظروف السياسية المحيطة أو ما يسمى في الفقه (الاستضعاف) وأصدرت بعض الأبحاث أبرزها “شبهات مردودة في لمزات معدودة ” لمفتي حماس يونس الأسطل.

هنا، بدأ المقدسي بشن الحملات تِباعاً، فكثَّف من كتابة المقالات وإصدار الفتاوى بحق حماس، من أهمها: مقالة جاءت رداً على الأعذار التي ساقها مفتيها، وكانت بعنوان “الرد الأمثل على مفتي حماس الأسطل” جاء في مقدمتها واصفاً حال حماس: “هي تتمسح بالدين والإسلام وتجمع حولها الشباب بشعارات إسلامية، فمن اغتر بشعاراتها وانخدع بها وتابعها ظناً منه أنها ستقوده إلى الجنة، ولم يميز ما هو مكتوب على جبهتها وفي دستورها لقلة بصيرته، قادته بقوانينها الكفرية وديمقراطيتها الشركية التي يلبسها أحبارها لباس الدين والجنة، قادته الى نار تلظى”[55].

وقال أيضا “وحكومة حماس قد نقضت التوحيد بتحكيمها للقوانين الوضعية وانتهاجها للديمقراطية الشركية وتعطيلها لحكم رب البرية”[56].

ثم تساءل مستفهماً ومستنكراً في آن واحد: كيف تزعمون أنكم تصمدون صموداً أسطورياً أمام المؤامرات ثم عندما نطالبكم بتحكيم الشريعة والبراءة من الطواغيت لا نجد جواباً؟! وعند سؤاله عن حكم أفراد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، أفتى بردتهم ولم يستثن منهم إلا من لا ينصر حكومة حماس ولا يساهم في تطبيق القوانين الوضعية الموجودة بغزة، الأمر الذي لا يكاد يوجد[57].

إذاً فحكومة حماس وجميع أجهزتها الأمنية وكتائبها العسكرية التنفيذية طوائف ردة، هذا ما تتبناه أغلب مجموعات السلفية الجهادية (محدودة العدد) في غزة بفتوى المقدسي شخصياً. وفي السنوات الأخيرة تكررت الاحتكاكات والصدامات بين كتائب القسام وعناصر السلفية الجهادية، إلا أن أشهرها ما وقع في مسجد ابن تيمية برفح 2009م عندما أعلن عشرات السلفيين الجهاديين إمارة رفح الإسلامية بقيادة أبو النور المقدسي، فما كان من حماس والقسام إلا مهاجمتهم وإجهاض مشروعهم في ذات الليلة.

يرى البعض أن حماس استعجلت الحسم وارتكبت تجاوزات بينما يظن آخرون أنه لولا هذه الطريقة لدخلت غزة في دوامة دموية تشبه ما سببته داعش في شتى بلاد الربيع العربي.

ومؤخراً طرأ استحقاق جديد على حدود غزة: (ولاية سيناء) التابعة لداعش، والتي يختلف المقدسي معها في صراعها مع حماس (من جهة العواقب)[58] أما من حيث (الأحكام) فكلاهما يكفر حكومة حماس قادةً وجنداً.

وهنا يمكن القول وجود السلفية الجهادية في غزة لا يرقى إلى أن يوصف بظاهرة دينية، فأعداد أنصارها محدودة وفكرتها غير مستساغة مجتمعياً، خاصة مع وجود حركة حماس ذات الجذور العميقة في المجتمع الفلسطيني والتي تمتد لعقود، أضف الى ذلك تماسك هذه الحركة والتناغم الكبير بين أجنحتها السياسية والعسكرية والدعوية علاوةً على ارتباط قواعدها بقياداتها، الأمر الذي لم يترك ثغرات كبيرة تتيح لفكر المقدسي التسلل من خلالها.

د. سورية

إذا كانت مرحلة الجهاد العراقي نقطة الانطلاق لانتشار وعولمة الفكر السلفي الجهادي، فإن الثورة السورية مغناطيس التجميع لهذا الانتشار المعولم!، بمعنى آخر: موسم الحصاد. فوفقاً لتقارير ودراسات ميدانية كثيرة، لم تشهد أي ساحة قتال، هذا الزخم الهائل من (المهاجرين) وهذه الأرقام الفلكية (عشرات الآلاف)، وتلكم الجنسيات المتنوعة (100) جنسية! مثل التي شهدته سورية عقب ثورتها 2011م[59].

فمن التركستان شرقاً الى الولايات المتحدة غرباً مروراً بأغلب الدول العربية وآسيا وإفريقيا وأوروبا! والقاسم المشترك بين غالبهم هو (الفكر السلفي الجهادي) وكتب (المقدسي) التي ترجمت لعدة لغات عالمية عبر المنتديات الجهادية سابقاً، وانتشرت انتشار النار في الهشيم داخل مقرات وقواعد الجماعات في الداخل السوري لاحقاً.

وعلى غرار التجربة العراقية، أيَّد المقدسي الجهاد وأصدر الفتاوى المتعددة بهذا الشأن، ووجه طلابه وأتباعه ومؤيدوه للالتحاق حصراً بالفصائل السلفية الجهادية، التي تجهَر بإقامة الشريعة وتكفير الأنظمة والعمل (الديمقراطي)، وعلى رأسها الفصائل المرتبطة بالقاعدة كجبهة النصرة وداعش وجند الأقصى وغيرهم.

توزَّع طلاب المقدسي والمقربين منه بين جبهة النصرة وداعش، كالشرعي العام لجبهة النصرة د. سامي العريدي[60] والقاضي بلال خريسات (أبو خديجة الأردني) وأمير درعا ( قريب الزرقاوي) وإياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني) وغيرهم الكثير من القادة العسكريين والشرعيين والإداريين، لا يختلف الأمر كثيراً عند داعش فقد استلم منصب الشرعي العام فيها تركي البنعلي (أبو همام الأثري) صاحب الجنسية البحرينية والمفتي الرئيس ولسنواتٍ في منبر المقدسي (منبر التوحيد والجهاد)[61]، انضم له في فترة لاحقة سعد الحنيطي وعمل كقاضٍ شرعي، إضافة إلى عمر مهدي زيدان القيادي الكبير في التنظيم وغيرهم الكثير في مناصب قيادية بالغة الحساسية[62].

لم ينس المقدسي أن يذكِّر بكفر جميع الهيئات السياسية والفصائل العسكرية السورية التي تعلن رضاها بدولة مدنية ديمقراطية (وما أكثرها)، ولم يغفل عن التحذير من تلقي دعم الدول داعياً إلى الاكتفاء بـ(الغنائم)[63]. على الرغم من ذلك لم يرحب المقدسي كثيراً بالاقتتال الكبير الذي وقع بين داعش وفصائل الثورة السورية مطلع 2014 م، ثم انتقد توسعها في التكفير (وفق معاييره) وحرص تحديداً على ردم الهوة بين جبهة النصرة وداعش[64] إلى أن كفَّرت داعش النصرة والقاعدة بشكل عام، وقتها، انتفض المقدسي واتخذ موقفاً حازماً ناعتاً لها بالغلو[65].

لاحقاً، بدأت تعلو نبرة المقدسي في انتقاد الفصائل الثورية، فتارةً يصف من وقَّع على بيان مؤتمر (الرياض (1 2015 بالولوغ في الشرك[66]، وتارةً ينعت الفصائل التي تقاتل داعش في الشمال السوري بالعملاء[67] ثم وصل الى تكفير من يستعين وينسق مع تركيا في قتال داعش في عملية درع الفرات[68] وختاماً دعا الى استئصال الفصائل المشاركة في مؤتمر أستانة 1 ومعاملتهم كبني قريظة[69]!

وبخصوص فتوى بني قريظة، فإن الحيثيّات التي ساقها المقدسي لتبرير فتواه لا تقف على ساق، فهناك فصائل كبرى لم تشارك بل ورفضت مخرجات (أستانة1 ) كأحرار الشام والزنكي وغيرهما ولم يصفهم علماء المجلس الإسلامي السوري أو غيرهم بالخوارج، وهناك فصائل حضرت المؤتمر ولكنها لم توقف قتالها للنظام وحلفائه بل بعضها اقتحم دمشق خلال معركة (يا عباد الله اثبتوا) بعدها بأسابيع قليلة كفيلق الرحمن وأحرار الشام في (غوطة دمشق)، ولم يصفهم أحدٌ بالخوارج، وجميع الفصائل المذكورة (أستانة وغير أستانة) لم تبدأ فصائل السلفية الجهادية بقتال!. أما فيما يتعلق بجواز التنسيق مع الجيش التركي في قتال داعش والPYD (الحزب الديمقراطي الكردي: امتداد حزب العمال الكردستاني PKK)، فقد خرجت فتاوى كثيرة من علماء وشيوخ داخل سورية وخارجها تجيز ذلك كالمجلس الإسلامي السوري ومجلس شورى أهل العلم في الشام وتجمع أهل العلم في الشام وأغلب هيئات الفصائل الشرعية[70]، نظراً لخطورة الوضع الحاصل آنذاك من قرب سيطرة الPYD على كامل الحدود الشمالية لسورية بعد ابتلاعها لكثير من مناطق داعش بمساعدة الطيران الأمريكي، وتواتر الأخبار عن الشروع في مشروع التقسيم وإعلان الدولة الكردية[71]!

حتى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) لم تسلم من تجريح المقدسي بعد فك ارتباطها بالقاعدة واتخاذها خطاباً وسياسة مغايرة إلى حد ما (نظرياً)، فكال لها سيلاً من التهم بالتفريط بالثوابت والتمييع والتنسيق مع النظام التركي العلماني[72].

في المحصلة، الانطباع العام الذي يجده المتابع عند تصفح حسابات المقدسي (تويتر-تيليجرام)، هو أن الجميع متهم في دينه وفي صدق ولائه للإسلام باستثناء بعض المجموعات المنشقة عن “هيئة تحرير الشام” والمبايعة للقاعدة ومجموعات سلفية جهادية أخرى صغيرة شكلت مؤخراً جماعة أسموها (حراس الدين)، وحتى داعش مبرأة عنده من تهم العمالة وهي أقرب له بأشواط من معظم الفصائل الثورية، أما الجيش الحر بغالب تشكيلاته فهو عميل لأمريكا ووكلائها، وجيش الإسلام عميل للسعودية (وينفذ أجندتها)، وأحرار الشام وفيلق الشام وصقور الشام عملاء لتركيا وقطر.

يرى مراقبون، أن كتب وأفكار وفتاوى المقدسي لم تساهم وحسب في حرف مسار بندقية الثورة السورية وتمزيق صفها العسكري، بل أنتجت تصدُّعاً مجتمعياً قد تطول آثاره بين مكونات المنطقة الواحدة وفي أحيان كثيرة داخل العائلة الواحدة!، وذلك عبر المساهمة في صناعة عقلية الظاهرة (داعش) بدايةً، ثم تحريض الفصائل السلفية الجهادية الأخرى على التغلب والاعتداء على غيرها من الجماعات والحركات المجاهدة.

2-العلماء والقادة:

أ. عبد الله عزام

من الشخصيات القليلة التي لاقت درجةً عالية من القبول والاستحسان عند مختلف التيارات والتوجهات الإسلامية هي شخصية عبد الله عزام لتوازنه وإنصافه إضافة إلى شمولية عمله بين علم وتربية ودعوة وسياسة وجهاد.

بيد أن المقدسي منذ التحاقه بمعسكر صدى (التابع لعبد الله عزام) لم تعجبه طريقته ولم يقتنع بنهجه الدعوي والإصلاحي (رغم احترامه لشخصه كما قال) ولم يدم بقاؤه طويلاً في المعسكر قبل أن يغادره متوجهاً الى معسكرات القاعدة، وقد كان ينكر عليه مسائل جوهرية مثل[73]:

– سكوته عن انتشار ما أسماه (شرك) عند المجاهدين الأفغان.

– نهيه عن الكلام في الخلافات العقدية والفقهية مع الأفغان.

– إقراره بإجماع العلماء على التقليد الفقهي.

– مدحه لقادة الأحزاب الأفغانية المجاهدة.

– ثنائه على الرئيس الباكستاني ضياء الحق وعلاقته معه.

– نهيه الحازم للشباب عن الخوض في مسائل التكفير.

تَناول عبد الله عزام لهذه القضايا كان مختلفاً للغاية في المضمون والأسلوب، فبدايةً لفت أنظار الكثير من الشباب (خاصة السعودي) إلى أن غالب ما يعتبرونه شركاً هو في الحقيقة لا علاقة له بالشرك من قريب ولا من بعيد، وأن الأفعال الشركية الحقيقية قليلة جداً عند الافغان[74].

وأعرب عن سعادته بتمسك الأفغان بمذهبهم الحنفي، الذي أدى الى حصانتهم من التشيع آنذاك، وصرح باستيائه من خلط بعض الشباب (المهاجر) لمسائل العقيدة بمسائل الفقه ومحاولتهم نشر كتب (محمد بن عبد الوهاب)، الشيء الذي كاد ينهي وجود العرب في أفغانستان.

وبالنسبة لقادة الأحزاب الأفغانية فقد كان يجلهم جداً ويعتبرهم (أساطير) تمشي على الأرض[75]، وكذلك كان يُكن حباً جماً واحتراماً للرئيس الباكستاني ضياء الحق لتديُّنه ولما له من مواقف مشرفة ودعم كبير للقضية الأفغانية.

ب. أحمد ياسين

الشيخ القعيد ذو الهمة العالية الذي أبهر العالم كله في بداية تسعينيات القرن الماضي، بإنشائه حركة إسلامية مسلحة (حماس) داخل الأراضي المحتلة في فلسطين. وبعد توالي عمليات وضربات كتائب القسام النوعية داخل العمق الإسرائيلي، ازدادت شعبية ومحبته ومكانته في قلوب الشعوب على امتداد رقعة العالم الإسلامي، إلا أن للمقدسي رأياً معاكساً تماماً، فهو يراه إماماً في الضلال وله تصريحات وألفاظ شركية!

قد يظن البعض أن هذا الكلام مبالغٌ فيه أو أن هناك تشابه أسماء، حسناً، جاء في قناة المقدسي الرسمية على التيليجرام بتاريخ 18-1-2018 هذا الكلام “ثم إن ما ورد وانتشر في أدبيات حماس على وجه المفاخرة من إطلاقات لكلام أحمد ياسين تنافي التوحيد، وهو مما يجعل الشباب الفاهم لشيء من التوحيد يجنح الى المبادرة إلى التكفير، فالسبب في هذا الجنوح ليس هو فهمه للتوحيد، ولا هو تحذيرنا من الباطل والشرك والتنديد وبراءتنا منه” ثم أكمل قائلاً “بل السبب لذلك الجنوح هو تخبط حركة حماس واستمرارها في الإساءة الى مؤسسها بتأكيد هذا الباطل الذي قاله”. وأخيراً هاجم المقدسي أحد شيوخ السلفية الجهادية لمدحه أحمد ياسين فقال: “وهؤلاء الشيوخ المادحون والمرقعون والمثنون هم أولى بالوعظ عندي وتحميل المسؤولية من أولئك الشباب المسارعين في إنزال أحكام التكفير في ألفاظ كتلك الألفاظ الشنيعة”[76].

الجدير بالذكر أن هذه الألفاظ الشركية الشنيعة هي: تصريح أحمد ياسين بترحيبه وقبوله بدولة ديمقراطية متعددة الأحزاب (في فلسطين) واحترامه لنتائج الانتخابات حتى لو فاز فيها حزبٌ شيوعي.

إذاً فعند المقدسي مدح شيخ سلفي جهادي لأحمد ياسين أخطر وأعظم جرماً من تكفير شاب سلفي جهادي لأحمد ياسين! هذا إن كان يراه جرماً، فواقع الحال أنه لم يستنكر هذا الفعل ولم يصف صاحبه (الشاب) بالغلو والجهل.

ج. السياسيون ذوو التوجه الإسلامي

خلال العقود المنصرمة تولى بعض (الإسلاميين) أو بتعبير أعم أصحاب التوجه الإسلامي مقاليد الحكم في عدد من البلدان. فنذكر منهم على سبيل المثال: ضياء الحق في باكستان، علي عزت بيجوفيتش في البوسنة، دوداييف ويندر باييف ومسخادوف في الشيشان، رجب طيب أردوغان في تركيا، وختاماً حكومات (الإخوان) في مصر وتونس والمغرب بعد الربيع العربي.

أما ضياء الحق، فقد جهر المقدسي بتكفيره منذ كان يتردد على أفغانستان خلال الحرب مع السوفييت. وفي المقابل، كان عبد الله عزام وغالبية المجاهدين وقتها لا يرونه مسلماً فحسب بل ناصراً للإسلام وساعياً في التمكين له.

وبخصوص أردوغان، فربما هو أكثر الأشخاص تعرضاً لغارات المقدسي (خاصة في السنوات الأخيرة)، ناعتاً اياه بالعلماني وحليف الناتو ومحارب الشريعة وعدو المجاهدين وغيرها من النعوت والأوصاف. حتى أنه يفضِّل داعش عليه، بل يكفر من يتعاون معه ضدها!

الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين، وكان رد المقدسي عن تركيزه على نقد أردوغان، أن تجربته تمثل فتنة للمسلمين وللحركات الإسلامية بعكس أنظمة الحكم الأخرى (الواضحة في علمانيتها). وبالانتقال إلى د. محمد مرسي، فهو أيضاً طاغوت كافر وفقاً للمقدسي، إذ لم يطبق الشريعة بعد وصوله لمنصب الرئاسة في مصر، والتزم بتطبيق دستورها العلماني[77]

هذا الأمر يشمل أيضاً سائر الحكومات (الاخوانية) المنتخبة بعد ثورات الربيع العربي، فقد كتب أبو المنذر الشنقيطي (أحد المفتين بمنبر المقدسي: منبر التوحيد والجهاد) بحثاً ناقش فيه المسألة وأصدر حكماً نهائياً بعباراته التالية:

“واليوم ظهرت على الساحة حكومات تحكم بغير ما أنزل الله، وتعترف بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتسمي نفسها إسلامية، وتصر على إلغاء الشريعة الإسلامية! فهل من موانع الكفر كون هذه الحكومات الرافضة لشرع الله تسمي نفسها إسلامية؟ ما الذي تغير حتى جعل البعض يتردد في إسقاط حكم الكفر على هذه الحكومات؟”[78]. ومن خلال تتبع فتاوى ومواقف المقدسي، لم يُعثر على أي نصوص متعلقة بالمفكر والأب الروحي للبوسنة الرئيس بيجوفيتش، ولا برؤساء الشيشان المجاهدين (دوداييف ومسخادوف ويندر باييف)، إلا أنه باستنطاق الفتاوي وقياسها على الوقائع سالفة الذكر، لا يترجح أي تغيير في موقف المقدسي.

د. القرضاوي وابن باز

يعد القرضاوي من أشهر العلماء على امتداد العالم الإسلامي، وكتبه ومؤلفاته ومواقفه السياسية محل تقدير عند الكثير من المسلمين، خاصة في تصديه لنظام جمال عبد الناصر وسجنه وقتها، ثم معارضته وانتقاده لكثير من سياسات الأنظمة العربية وتأييده للجهاد في فلسطين، وأخيراً دعمه لثورات الربيع العربي، غير أنه في الطرف الآخر، ينكر البعض عليه عدداً ليس قليلاً من الفتاوى الشاذة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، منها فتوى مشاركة الجندي المسلم مع الجيش الأمريكي في حرب أفغانستان (تراجع عنها لاحقاً) والترحم على بابا الفاتيكان وجواز خلع الحجاب للمسلمات في أوروبا (لضرورة التعليم) وغيرها [79].

يُصنف المقدسي القرضاوي ضمن (أئمة الضلالة) الذين يجب التحذير منهم ومن فتاويهم الضالة حتى لا ينخدع الناس بهم ويحذروهم [80]، ولا يقول المقدسي بكفره غير أنه يضع مسألة تكفيره ضمن إطار الخلاف السائغ، والمفتي المكفِّر له بين الأجر إن أخطأ والأجرين إن أصاب![81].

أما ابن باز (مفتي السعودية السابق) فهو أكبر مرجعيات السلفية المعاصرة، وكتبه وفتاويه تحظى بانتشار كبير بين أوساط السلفيين في مختلف بقاع الدنيا. ويذكر له السلفيون مناقب كثيرة من نشر العلم والدعوة ومساعدة المحتاجين والزهد والخلق والتوسط لحل بعض المشاكل والقضايا عند السلطات السعودية، ولهذا تحبه وتقدره أغلب التيارات السلفية.

إلا أن السلفية الجهادية تشدد النكير عليه فيما يخص فتاويه المؤيدة لسياسات النظام السعودي وترى أنه قد تم احتواؤه وتوجيهه فيما يخدم مصالح نظام الحكم هناك، وأيضاً فيما يخص النظرية التي كان من أبرز دعاتها: (طاعة ولاة الأمور) وعدم الخروج عليهم.

سجَّل المقدسي موقفه من ابن باز مراتٍ ومرات، عبر مقالات وفتاوى وأحياناً ضمن كتبه، والسياق العام لها هو الاستياء الشديد من التماهي مع النظام السعودي رغم بشاعة سياسته الخارجية المتمثلة بالتبعية لأمريكا[82] وتأمين الغطاء الشرعي له بالإضافة لعدم معارضة فساده الداخلي واستبداله بالشرع القوانين الوضعية (كإباحة البنوك الربوية ووجود بعض المحاكم الوضعية).

شدة عبارات المقدسي جعلت البعض يتهمه بتكفير ابن باز، الشيء الذي أنكره مراراً، مع توضيحه بأن المسألة خلافية ولا يجوز وصف المخالف بالغلو.

ه. فتاوى متفرقة:

طبقاً للتأصيلات التي وضعها المقدسي ونوعية المواضيع التي هي مادة مؤلفاته وأبحاثه، فلن يكون مستغرباً إن تركَّزت الأسئلة والاستفتاءات التي تعرِضُ له حول: حكم الجنود والعساكر- حكم تولي وظيفة حكومية – حكم الصلاة خلف أئمة الأوقاف – حكم التحاكم الى المحاكم الوضعية – ما رأيكم في العالم الفلاني ؟، وهكذا دواليك ….، ومن أمثلتها:

السؤال الأول: ما حكم من انتهت فترة وزارته أو نيابته في البرلمان (هل يلزمه إعلان التوبة لنحكم له بالإسلام)؟

الجواب: عضو البرلمان لا يلزمه، أما الوزير فيلزمه[83].

السؤال الثاني: لم أرد السلام على أحد أعضاء الأمن الداخلي التابعين والمتعصبين لحماس ولا أهنئه بالعيد، هل أنا مخطئ؟

الجواب: لا حرج عليك في عدم تسليمك على أنصار القوانين، فالتقرب والمحبة ينبغي أن تكون بين قلوب الموحدين من أنصار الشريعة لا مع أنصار القوانين[84]

السؤال الثالث: أريد الزواج من فتاة موحدة على منهج السلفية الجهادية ولكن أهلها نقشبندية ويقومون بطقوس الرابطة وغيرها… ويضيقون عليها كثيرا ويعتقدون بما يقومون به، فهل يمكن أن تسقط ولايتهم عنها وهم على ما هم عليه أو إذا رفضوا زواجها من سلفي موحد ؟[85].

الجواب: إن كانوا يقومون بأفعال أو أقوال كفرية فلا ولاية لهم عليها وممكن أن يزوجك إياها أحد أقربائها المسلمين، أما إن كانوا يرتكبون البدع فلا تسقط ولايتهم، وحذار من تكفيرهم دون أسباب صريحة وواضحة.

السؤال الرابع: ما حكم الصلاة خلف من يجيز الدخول في الانتخابات التشريعية؟

الجواب: مكروهة وليست باطلة إلا إن صرح بجواز: المشاركة بالتشريع الكفري، التحاكم الى القوانين الوضعية، القسم على احترام القوانين الوضعية.

3- شيوخ السلفية الجهادية

خلال مشوار السلفية الجهادية في ربع قرن فائت، ذاع صيت مجموعة من الشيوخ كمنظِّرين ومفتيين لهذه المدرسة وانتشر ذكرهم في الإعلام، وكما هي الحال مع سائر الجماعات والأحزاب والمذاهب لا بد من وجود آراء وتوجهات داخلية متنوعة وأحياناً مختلفة، ويأتي في صدارة هذه المجموعة خمسةُ أسماء شهيرة: سيد إمام (منظِّر جماعة الجهاد المصرية)، أبو محمد المقدسي، أبو قتادة الفلسطيني، عطية الله الليبي (مفتي القاعدة) وأبو بصير الطرطوسي.

تتجلى الثوابت المشتركة لدي أكثرية شيوخ السلفية الجهادية في: تكفير جميع الأنظمة (العلمانية) الحاكمة. تكفير جميع الجيوش والشُرط والأجهزة الأمنية (الطوائف الممتنعة)، تكفير المشاركة الديمقراطية، وجوب الجهاد لتغيير الأنظمة.

وفي المقابل تأخذ الفروقات البينية أنماطاً وأشكالاً متعددة، فمرةً تأخذ شكل: التنوع الهادئ، وتارةً تكشف الاختلاف الجدي في وجهات النظر، وأحياناً تسفر عن تضاد يقود إلى تراشق وخصام حاد.

والآن، سنسلط الضوء على أبرز نقاط الخلاف ومواطن الاشتباك بين المقدسي وباقي الشيوخ المشار إليهم:

أ. سيد إمام:

نستطيع أن نعرِّف سيد إمام أو الدكتور فضل أو عبد القادر بن عبد العزيز (كلها أسماء لشخص واحد) بالمؤسس والمرجع الأول (تاريخياً) والمؤطر لفكر السلفية الجهادية.

وهو من قام بتزكية المقدسي للعمل مسؤولاً شرعياً مع القاعدة في بداياتها لمّا عاين التوافقات الفكرية الكبيرة بينهما، وكلاهما يستلهم فهمه للدين ولمسائل التوحيد والعقيدة والولاء والبراء من تجربة الدعوة النجدية بالدرجة الأولى.

ولا يمنع هذا من وجود بعض الاختلافات في تأصيل وتنزيل الأحكام فمثلاً:

– لا يشترط سيد إمام فهم المنتخِب لطبيعة الدستور (الوضعي) والصلاحيات التشريعية المطلقة التي يمنحها للمنتَخب حتى يُنْزِل عليه حكم الكفر بعكس المقدسي الذي يضع هذا الشرط في الحسبان. ولذلك لا يتحرج سيد إمام من تكفير ملايين المسلمين (وفق قواعده) عند كل جولة انتخابية في أي بلد إسلامي[86]! وهذا الأمر ليس بجديد أو طارئ على فكر سيد إمام[87]، رغم ذلك لم يتغير تقييم المقدسي له بوصفه من (العلماء الربانيين) الفاهمين للتوحيد.

– يفرِّق المقدسي بين من يترك الحكم بما أنزل الله أحياناً لشهوة أو رشوة أو قرابة (أي يعطله) ولكنَّه يمارس عمله وفق منظومةٍ مرجعيتها دستور إسلامي، وبين من يحكم أو ينوي أن يحكم بالقوانين الوضعية ولو مرة واحدة، فالأول لم يرتكب فعلاً مكفراً أما الآخر فقد فعل، بينما سيد إمام يرى الفعلين سيّان (عكس السائد عند مشايخ التيار).

– خلافاً للمقدسي وللتيار السلفي الجهادي عامةً، وبعد أن أصدر سيد إمام ما عرف بوثيقة (ترشيد العمل الجهادي) أو ما أطلق عليه (المراجعات)، انقلبت دعوة إمام من جهاد الأنظمة (المرتدة) الى اعتزال قتالها لعدم القدرة وضعف الحركات الجهادية مع الابتعاد عن العمل الديمقراطي لتجنب الوقوع في الكفر[88].

ب. أبو قتادة الفلسطيني:

أطوار عديدة مر بها أبو قتادة الفلسطيني مع الفكر الإسلامي وجماعاته، فالبداية كانت مع (التبليغ والدعوة) ثم السلفية العلمية إلى أن حطت به الرحال كأحد أكبر رموز ومنظِّري السلفية الجهادية.

باستثناء المرحلة الأخيرة التي شهدت توتراً في العلاقات وتبادل للتهم بين المقدسي والفلسطيني إثر خلافهم الحاد حول الموقف الشرعي من أحمد ياسين، كان الانسجام في المنهج والمواقف كبيراً لدرجة ألا تُعَكَّر بمسائل كـ:

– خلافهم حول إعذار الإسلاميين الممارسين للعمل السياسي، فرغم اتفاقهم على تكفير (فعل) المشاركة بالانتخابات الديمقراطية، إلا أن أبا قتادة يعذر (الفاعل)[89] في حين المقدسي لا يعذره.

– خلافهم حول توصيف داعش، فأبو قتادة يراهم (خوارج) يجب أن يُقتلوا قتل عاد (إلى آخر فرد) ولا يرى أي نقطة التقاء معهم، بينما المقدسي يكتفي بوصفهم بـ (الغلاة) ويدعو أتباع (السلفية الجهادية) في سورية للتعاون والتحالف معهم بوصفهم جميعاً (أنصار الشريعة) أما غالب الفصائل الثورية السورية فهم خليطٌ بين (مرتدين وعملاء ومنحرفين منفذين لأجندات خارجية).

– خلافهم حول مدح بعض الشخصيات الإسلامية المخالفة لتيارهم، فأبو قتادة يمدح أحياناً، والمقدسي يتحفَّظ دائما كي لا يعطي تزكية لمناهج منحرفة حسب وصفه (كمدح أحمد ياسين وعبد الله عزام)[90].

– خلاف المقدسي مع أبو قتادة في فتواه بجواز قتل نساء وأطفال العسكر الجزائريين أثناء (العشرية السوداء)[91].

هذه الاختلافات وغيرها لم تدفع أياً من الشيخين الى إسقاط (رمزية) الآخر وظلت أجواء الود والاحترام المتبادل سائدة، وترسخت من خلال مسار الثورة السورية، بالتناغم في حصر الحق في جماعات السلفية الجهادية خلا داعش، والتوافق بشكل كبير في التحريض المستمر والممنهج على مختلف فصائل الثورة والتشكيك في دينهم والضرب صفحاً عن جميع أقوال وآراء علماء ومشايخ الميدان.

إلى أن وقع خلاف بين أبي قتادة المؤيد لهيئة تحرير الشام (التي فكت الارتباط عن القاعدة)، والمقدسي المؤيد لأتباع القاعدة (المنشقين عن هيئة تحرير الشام وغيرهم: تنظيم حراس الدين).

النتيجة كانت معركة كلامية على صفحات التواصل الاجتماعي (تحديداً تيليجرم)، وتراشقاً بالاتهامات، فكتب أبو قتادة: (أنصاف الغلاة)[92] في إشارة الى المقدسي عقب تصريحه بوقوع أحمد ياسين والصادق الغرياني (مفتي ليبيا عقب الثورة) في (أقوال كفرية)، ملقياً باللائمة عليه بإعطاء الغلاة (مادة التكفير)، الأمر الذي استدعى ردّاً عنيفاً من المقدسي بمقالة أسماها: ولنا كلمات هادئة!، جاء فيها في ذم أبي قتادة: “وهذا ليس مستغرباً ممن يسعى لإسقاط أئمة ودعاة التوحيد، في مقابل تمجيد وتحبيب وتلميع دعاة الديمقراطية والمجادلين عن الطواغيت ومشايخ الحكومات”[93].

وأئمة ودعاة التوحيد الذين يقصدهم المقدسي هم على الأرجح بعض (أئمة الدعوة النجدية) الذين هاجمهم أبو قتادة سابقاً، وأما دعاة الديمقراطية فإشارة الى أحمد ياسين والغرياني.

ج. أبو بصير الطرطوسي:

أصبح أبو بصير الطرطوسي من المرجعيات الأساسية للتيار السلفي الجهادي منذ أكثر من عشرين عاماً، وذلك بعد خوضه لتجربة الطليعة المقاتلة في سورية في حقبة الثمانينيات، ثم انتقاله الى أفغانستان لفترة قبل أن يستقر به المطاف في بريطانيا.

من خلال الاطِّلاع على كتابات ومواقف الطرطوسي والأخذ بعين الاعتبار تسلسلها التاريخي، يلحظ أن ثورات الربيع العربي بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص، لا نقول أنتجت تغيراً جذرياً في أفكاره، ولكن لا شك أنها فجرت خلافاً حاداً وعداوةً بينه وبين المقدسي أدت في النهاية الى مفاصلة واضحة بين الطرفين.

وكي تتضح الصورة بشكل أكبر سنعرِّج على بضع صور خلافاتهم البينية الهادئة (خلاف التنوع) ونماذج أخرى من احترابهم العنيف الصاخب عقب مستجدات الثورة السورية تحديداً (خلاف التضاد).

خلاف التنوع:

– مع أن الشيخين اتفقا ليس فقط على حرمة دخول المجالس النيابية التشريعية، بل على تصنيف هذا الفعل ضمن (الشرك الأكبر)، إلا أن أبا بصير عذر الإسلاميين المتأولين (بشبهات قوية) فلم يسقط عليهم حكم الكفر واكتفي بتضليلهم[94].

– من ناحية أخرى، أطلق أبو بصير فتوى أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط الإسلامية وخارجها، ألا وهي فتوى: تكفير القرضاوي!، وبقي مصراً عليها رغم مراجعة كثر له[95]، لم يوافقه المقدسي لكنه عذره ودافع عنه معتبراً المسألة خلافية لا تستحق الإنكار[96].

– وبالنسبة للملابسات الميدانية للساحات الجهادية، وجَّه الطرطوسي نداءات مبكرة منذ 2007، محذراً من تفشي الجهل والتنطع والتكفير بين المنتسبين لفرع القاعدة في العراق (دولة العراق الإسلامية)، وداعياً قادة القاعدة بأفغانستان الى إصلاح هذا الخلل[97]، في المقابل، ظل المقدسي مؤيداً (في الجملة) للقاعدة وفروعها رغم ما له من ملاحظات على أدائها.

خلاف التضاد:

– في خروج واضح عن أدبيات السلفية الجهادية، شجَّع الطرطوسي الشعب المصري على انتخاب حازم صلاح أبو اسماعيل رئيساً لمصر[98] معللاً ذلك بحاجة مصر لرجلٍ قويٍ مميز، الأمر الذي عارضه فيه بشدة التيار السلفي الجهادي عموماً وفي مقدمتهم المقدسي[99].

– ومنذ انطلاقة الثورة السورية، لم يأل الطرطوسي جهداً في التحذير من دخول مسمى القاعدة وسياستها وكان يحرم الانضمام لجبهة النصرة[100]، وأبدى تخوفه من تكرار ثنائية العراق (الغلاة والصحوات)، فكان يشجع الشباب على الالتحاق بالجيش السوري الحر منذ بداية تشكل فصائله، الأمر الذي لم يرق للمقدسي واعتبره انحرافاً جلياً، وكان يدعو فقط للالتحاق بفصائل السلفية الجهادية (الذين ينصرون راية التوحيد) وعلى رأسها جبهة النصرة وداعش.

– تطور الأمر لاحقاً الى إفتاء المقدسي بردة الكثير من فصائل الثورة السورية لأسباب مختلفة: “كتبني الديمقراطية، العمالة للغرب، التحالف مع تركيا ضد داعش”[101]، في نفس الوقت كان الطرطوسي يفتي بجواز التنسيق مع تركيا ضد داعش (الذين يراهم خوارج)، وهو ما ترتب عليه أن أفتى الطرطوسي بخارجية المقدسي[102] بينما اتهم الأخير الطرطوسي بالفجور في الخصومة والدفاع عن فصائل هدمت عرى التوحيد[103].

د. عطيّة الله الليبي (مفتي تنظيم القاعدة):

لم يكد يبلغ العشرين ربيعاً عندما وطئت قدماه أرض أفغانستان قادماً من ليبيا ليشارك في عدة عمليات عسكرية جهادية (مع القاعدة) ضد السوفييت. ثم طوَّف في البلاد، بدءاً من موريتانيا بغرض طلب العلم الشرعي مروراً بالسودان للالتحاق بقيادة التنظيم هناك، ثم خاض جزءاً من تجربة الجزائر ونجا من القتل بأعجوبة، وأخيراً عاد أدراجه إلى أفغانستان لتحط رحاله هناك مجدداً وينتهي به المطاف كمفتي عام للقاعدة.

يعتقد مراقبون أن عطية الله يمثل (الجناح الإصلاحي) داخل منظومة القاعدة الفكرية والعضوية خاصةً في آخر حياته. وسيتضح معنا شيء من هذا في سياق نقاط الخلاف التالية بينه وبين المقدسي ومجمل التيار:

– عامةً، يُجمِع مشايخ السلفية الجهادية (ومنهم المقدسي) على إلصاق وصف (الإرجاء) بأغلب الجماعات الإسلامية (حتى المجاهدة منها!) وبمن لا يكفِّر الحكام الحاكمين (بالقوانين الوضعية)، ويعتبرون مسألة تكفيرهم من مُسلَّمَات مذهب أهل السنة والجماعة، أما عطية الله فيقر بوجود خلاف معتبر ولا يصف المخالفين بالمرجئة من أجل هذه المسألة [104].

– يلتمس عطية الله (بخلاف المقدسي) العذر لمن يشارك في البرلمانات بنية الإصلاح واستصدار قرارات وقوانين إسلامية، ويرى وجوب عدم التسرع في تكفيرهم[105].

– لا يرى عطية الله أي مخالفة شرعية في تلقِّي (المجاهدين) الدعم والتنسيق العسكري والمعلوماتي مع (دولة كافرة) ضد (دولة كافرة أخرى) طالما هذا الفعل يخدم الجهاد ويصب في مصلحة إحدى قضايا المسلمين، بينما المقدسي يستنكر هذه الأفعال ويعدها خللاً في العقيدة والمنهج.

– ينبه كثيراً ويحذر عطية الله شباب التيار (العوام) من الخوض في مسائل تكفير الأفراد والجماعات، ويرى أنه يكفيهم الإيمان الإجمالي بالله والكفر الإجمالي بالطاغوت، أما الحكم على الشخص الفلاني والجماعة الفلانية فهذه تفاصيل قضائية منوطة حصراً بالعلماء[106]، أما المقدسي فلا يعير هذه المسألة اهتماماً كبيراً كما رأينا في تطبيقاته العملية.

– ختاماً، يعرب عطية الله عن نظرته للمقدسي بقوله “ثم إنني ألاحظ أن هناك مبالغة قد تكون مقصودة من البعض بالقول إن الشيخ المقدسي من قيادات الجهاد، ومن منظري الحركات الجهادية! ورأيت بعضهم يعتبره من أكبر المنظرين وما شابه ذلك من عبارات! وهذا في رأيي مجانب للواقع وليس بدقيق أبداً لمن أراد أن ينصف”[107].

رابعًا: تأثيره داخل تياره

لعله من الأهمية بمكان، كي نصل إلى تشخيصٍ كامل لمدى تأثير المقدسي على تيار السلفية الجهادية، أن نفكك هذا التأثير الى جزأين: 1. تأثير الشخصية 2. تأثير الأفكار. فإن أردنا أن نعقد مقارنة بين تأثير شخص المقدسي وتدخلاته المباشرة وفتاويه المختلفة، مع سائر أقرانه من الشيوخ والمنظرين الذين مرَّ معنا ذكرهم في هذه الدراسة وغيرهم، نجد أن كفة المقدسي ترجحُ على الجميع بمن فيهم عطية الله (مفتي القاعدة). ففي العراق وكما ذكر تلميذه الزرقاوي، كان لفتواه الشهيرة ارتدادات ملموسة على أرض الواقع أدت لشق صف القاعدة هناك[108]، رغم عدم موافقة عطية الله له وقتها. الشيء الذي لا يُلْحَظ مع توجيهات الطرطوسي الأكثر حدة تجاه القاعدة.

إضافة الى المراسلات المتكررة والاستفتاءات التي تأتيه من قادة أفرع القاعدة في الجزائر واليمن والصومال والشيشان وغيرهم[109].

وبالانتقال الى الحالة السورية كمثال قريب، نجد أن تدخلات المقدسي فيها كانت ذا أثر بالغ على التيار خاصة وعلى الساحة عامة، فعند وقوع أي خلاف ونزاع داخل أسرة (السلفية الجهادية) بفصائلها المتعددة (داعش – النصرة – جند الأقصى – هيئة تحرير الشام)، يظهر اسم المقدسي في الصدارة دائماً كحكمٍ مقبول من الجميع[110] (قبل أن يغير البعض رأيه)، وكذلك تحريضه المستمر والدؤوب لفصائل السلفية الجهادية على التغلب على غيرها من الفصائل الثورية.

ولكن في الوقت ذاته، يبدو جلياً عند حصول خلاف عميق بين قادة الجماعات الميدانية والشرعية من طرف، والمرجعيات الشرعية (التاريخية) من طرف ثان، تقديم قول شرعيي الجماعات وفي أكثر الأحوال ينتهي الأمر بإسقاط هذه المرجعية التاريخية وعدم الأخذ منها مطلقاً.

يذكرنا هذا الأمر بقصة (تلميذ الساحر)، الذي أبدع آلات وعجز لاحقاً عن السيطرة عليها، فصارت هي تقوده بدل أن يقودها، هذا ما حدث مع (فكر) السلفية الجهادية وبشكل أخص مع المقدسي، فلقد أنتج فكره عقليات ورَسم تصورات في عقول الشباب (كالآلة) عصية على التوجيه والضبط (وهو ما يفسر فترة طفرة داعش واستقطابها لمعظم عناصر التيار في غالب الساحات، بالرغم من معارضتها الشديدة من القاعدة وجميع مرجعيات التيار).

فمن تربى على حصر الحق في تياره، وأنه وحده (الطائفة المنصورة) و(الفرقة الناجية)، وأسقط من مرجعياته سائر علماء الأمة ومفكريها وقادة العمل الإسلامي فيها (حتى مجاهديها!)، ثم رأى توسعاً وتساهلاً في التكفير من شيوخه، فليس من المستغرب أن ينقلب على شيوخه كما فعلوا هم قبله.

من هذه الناحية، نستطيع أن نقول أن فكر المقدسي هو الغالب والمنتشر في أوساط التيار، وهو الآلة التي توجّه وتؤثّر في التيار، وجميع محاولات اعادة برمجتها من آخرين لم تنجح الى الآن.

1- سبب التأثير

أسباب كثيرة ساهمت في تبوء المقدسي لهذه المكانة الأدبية العالية عند التيار السلفي الجهادي. بعضها تاريخي وبعضها (جيو/ ديني) وبعضها موضوعي.

فبدايةً، تدريسه في معسكرات القاعدة أول ظهورها، يعطيه صفة الرعيل الأول للجهاد كما يحلو لكثيرٌ من أنصار التيار تسميته، يضاف الى ذلك طباعة أهم كتبه وأشهرها وقتها (ملة إبراهيم)، والذي يمثل: العقيدة القتالية لأبناء السلفية الجهادية كما أشرنا سابقاً. في ذات الوقت لم يكن قد لمع نجم أي شيخ من التيار سوى المؤسس والمرجع الأول سيد إمام والذي أطاحت مراجعاته برمزيته لاحقاً.

فترة التسعينيات وما لفها من أحداث شهدت الانتشار الأول للمقدسي كمرجعية داخل التيار وتحديداً بين الشباب السعودي. فمع تصاعد الاحتجاجات السياسية من تيار الصحوة و قطَّاعات (إسلامية) في وجه النظام السعودي بعد ادخالهم القوات الأمريكية في حرب الخليج 2، ومع خروج القاعدة بشعار(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، أتى كتاب المقدسي (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية) ليكسبه شعبية كبيرة في أوساط الجهاديين السعوديين، خاصة مع إكثار المقدسي من الاستشهاد بكلام أئمة الدعوة النجدية في عامة كتبه وليس فقط في هذا الكتاب، فتمدد فكره بطريقة (جيو- دينية)، وحدثت عدة عمليات لشباب سعوديين ضد قوات أمريكية موجودة بالسعودية، كانوا قد زاروه من قبل وتأثروا بفكره، أشهرها تفجيرات الخُبر1996 م.

أيضاً، لا نستطيع أن نغفل سجنه لفترات طويلة ومرافعاته عن نفسه داخل المحاكم، وتحدِّيه للنظام الأردني وتكفيره بشكل علني. كذلك، احتلال أمريكا للعراق، والشهرة الإعلامية العالمية التي حظيَّ بها تلميذه (الزرقاوي)، مع انتشار المنتديات والإعلام الجهادي وازدياد أعداد الجهاديين بشكل ملحوظ، هنا: ترسخت مرجعية المقدسي داخل التيار وعلى نطاق أوسع.

ختاماً، وربما الأهم: ثناء رمز السلفية الجهادية الأول (أسامة بن لادن) عليه، ودعوته الشباب لقراءة الكتب الموجودة على منبره: منبر التوحيد والجهاد[111]، ثم التناغم والانسجام الكبير وأحياناً التطابق في المواقف عبر السنين والمستمر إلى هذه اللحظة بين الرمز الثاني للسلفية الجهادية (د. أيمن الظواهري) والمقدسي.

2- بين القاعدة وداعش

عقب الخلاف الكبير والمفاصلة التي وقعت بين تنظيم القاعدة وداعش، واختيار المقدسي الانحياز لصف القاعدة، سقطت مرجعية المقدسي بالكامل عند داعش وأنصارها، بل تم تكفيره وإخراجه من الملة. أما القاعدة والمجموعات المرتبطة بها في مختلف الجبهات فلم تُغير نظرتها له، وتبدو متمسكة به كمرجعية أولى للتيار. يظهر هذا في خطابات د. أيمن الظواهري (زعيم القاعدة الحالي) في سلسلة حلقات الربيع الإسلامي الصوتية[112]، وفي دعوة المقدسي ووصاياه الأخيرة لقادة ومجموعات القاعدة المنشقة عن (هيئة تحرير الشام) بالاستمرار على البيعة وعدم (نكثها) كما فعل الجولاني وهيئة تحرير الشام، وهو ما وقع بالفعل وأُصدرت البيانات وجُمعت القوات معلنةً فرعاً جديداً للقاعدة بسورية باسم (حراس الدين).

خاتمة

عبر هذا التناول لخارطة عمل (السلفية الجهادية) في سائر الجبهات الكبيرة، نلحظ أمراً هامّاً مطّرداً، وهو: البدء بقوة وانتشار الأفكار وتمددها بصورة ملفتة، يعقبها السيطرة بشكل كبير والتفرد بالساحة والهيمنة على غيرها من الجماعات (صاحبة الأفكار المغايرة) ثم بعد بضعة أشهر وأحياناً سنة أو سنتين فقط يقع: الانهيار السريع المفاجئ المصحوب بغضب شعبي عارم ينتج عنه غالباً عمليات انتقام واسعة وتدمير الفكر بشكل كامل (مع بقاء بعض الجيوب) مع عدم عودته الى هذه البلد مطلقاً.

هذا الأمر تكرر في الجزائر والعراق ومالي وباكستان وإلى حد كبير في سورية والصومال، ويرى مراقبون أن هذا الأمر راجعٌ الى غرابة هذه الأفكار المحدثة وعدم استساغتها من أغلب الشعوب والثورات وساحات القتال، وغياب من يؤيد هذا الفكر من العلماء والمفكرين والفقهاء والمثقفين الكبار ورؤوس العشائر ووجهاء الناس، بل جلهم يراه فكراً مدمراً وممزقاً للمجتمعات ومفككاً للثورات، ولا يمت بصلةٍ لسائر تجارب الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي قديماً وحديثاً، والتي كان يدير دفة القيادة فيها شخصيات بارزة وموثوقة علمياً ومجتمعياً([113]).

—————

الهامش

[1] للمزيد: منبر التوحيد والجهاد، الملف الخاص بعبد القادر بن عبد العزيز (سيد إمام).

[2] للمزيد: أبو محمد المقدسي، السلسلة المرئية الأولى للشيخ الإمام المجدد أبي محمد المقدسي التي يتحدث فيها عن سيرة حياته، سلسلة: ولكن كونوا ربّانيين، الحلقة الأولى،2009 م .

[3] انظر: د. محمد أبو رمان، الصراع على السلفية، ط 1 (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر،2016 )، ص22.

[4] السلفية المعاصرة: تُعرف أيضاً بالسلفية الوهابية، نسبةً إلى محمد بن عبد الوهاب النجدي التميمي، ومنها انبثقت غالب التيارات السلفية الحاليةّ، ويرى بعض المختصين أنها تختلف عن السلفية التاريخية بقيادة الإمامين ابن تيمية الحراني وابن قيم الجوزية.

[5] انظر: محمد أبو رمان، الصراع على السلفية، ص44.

[6] انظر: أبو محمد المقدسي، السلسلة المرئية الأولى ، سلسلة ولكن كونوا ربّانيين الحلقة الثانية،2009م .

[7] انظر: المصدر السابق.

[8] انظر: المصدر السابق، الحلقة الرابعة.

[9] انظر: المصدر السابق، الحلقة الخامسة الدقيقة 21.

[10] حمود بن عقلا الشعيبي: عالم سعودي كبير في العمر توفيّ عام 2001م، كان ممن درس على ابن باز وممن درّسوا ابن عثيمين، ودرس على يديه الكثير من علماء وشيوخ المملكة العربية السعودية وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، عُرف بتأييده للقاعدة وأفعالها وأصدر بحثاً في مشروعية هجمات سبتمبر على أمريكا 2001 م.

أبو قتادة الفلسطيني: شيخ فلسطيني شهير، من ألمع شيوخ السلفية الجهادية منذ التسعينيات، كان من أبرز مؤيدي الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر(جيا) وقت إقامته بلندن، اعتقل في بريطانيا عدة مرات بدءاً من عام 2001م بتهم الإرهاب وتأييد القاعدة، مؤخراً سلِّم إلى بلده الأردن وأفرج عنه بعد محاكمته 2014م.

د.هاني السباعي: محامي مصري ومدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن، كان من أعضاء جماعة الجهاد المصرية، وبعد أن حُكم عليه بالسجن في مصر، غادرها ومكث في لندن منذ مطلع التسعينيات، واشتهر بتأييده للقاعدة بشكل كبير.

[11] أبو محمد المقدسي، كشف النقاب عن شريعة الغاب، (نسخة إلكترونية : منبر التوحيد والجهاد،1408 هـ)، ص24.

[12] المصدر السابق، ص100.

[13] انظر: رضوان محمد رضوان (جمع وترتيب)، مقالات الكوثري بقلم العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري، (القاهرة: مكتبة التوفيقية)، ص 233؛ وانظر: عبد السلام محمد هارون (جمع وترتيب)، كلمة الحق بقلم العلامة أحمد محمد شاكر، (القاهرة: مكتبة السنة)، ص49.

[14] مصطفى أحمد الزرقا، الفقيه السوري والقانوني الكبير، ترأّس لجنة من العلماء والحقوقيين هدفها صياغة دستور متكامل ليطبق في جميع الدول العربية بطلب من جامعة الدول العربية، أسموه: القانون العربي الموحد عام 1981م، ولكن لم يطبق إلا في بعض المناطق المحررة والمحاكم الخاضعة لسيطرة الثوار في سورية عقب عام 2011م.

للمزيد: الجزيرة نت، صلاح أبو إسماعيل، 2016م.

[15] الطوائف الممتنعة: التي تمتنع عن شيء من شرائع الإسلام بقوة السلاح، حتى لو لم يكن فرضاً أو واجباً.

[16] انظر: كشف النقاب عن شريعة الغاب، من ص112 إلى 133.

[17] المرجئة: فرقة إسلامية نشأت في نهاية القرن الأول الهجري، ومن أصول عقيدتها: أنه لا يضر مع الإيمان ذنب.

[18] أبو محمد المقدسي، كشف النقاب عن شريعة الغاب، ص101.

[19] أبو محمد المقدسي، الديمقراطية دين، (نسخة إلكترونية: منبر التوحيد والجهاد)، ص 11

[20] انظر: حامد بن عبد الله العلي (الأمين العام السابق للحركة السلفية بالكويت)، الشيخ حامد العلي متحدثاً عن “الديمقراطية” من محاضرة بجمعية الإصلاح بالكويت بعنوان “دور العلماء والجماعات الإسلامية تجاه قضايا الأمة”، بتاريخ 12 نوفمبر 2013م.

[21] أبو محمد المقدسي، الديمقراطية دين، ص31.

[22] المصدر السابق.

[23] أبو محمد المقدسي، الجواب المفيد بأن المشاركة في البرلمان وانتخاباته مناقضة للتوحيد، (نسخة الكترونية: منبر التوحيد والجهاد، 1417 هـ)، ص19.

[24] المصدر السابق، ص24.

[25] المصدر السابق، ص25.

[26] المصدر السابق، ص26.

[27] انظر: د. سعد الفقيه(رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح)، لغز مرجعية الدعوة النجدية للأفكار المتناقضة من برنامج “من حوارات التناصح على قناة التناصح الليبية”.

[28] أبو محمد المقدسي، ملة إبراهيم، (نسخة إلكترونية: منبر التوحيد والجهاد، 1405هـ)، ص14.

[29] حمد بن علي بن عتيق، سبيل الفكاك والنجاة من موالاة المرتدين وأهل الإشراك، مراجعة وتحقيق: إسماعيل بن سعد بن عتيق، ط7 (الرياض: الإدارة العامة لمراجعة المطبوعات الدينية، 2002م)، ص116.

[30] عبد الرحمن بن القاسم بن محمد العاصمي النجدي (جمع وترتيب)، الدرر السّنيّة في الأجوبة النجدية (مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا)، الجزء الثامن: القسم الأول من كتاب الجهاد، ط5، 1995م، ص305.

[31] المقدسي، شريعة الغاب، ص113.

[32] انظر: أبو محمد المقدسي، رسالة مناصرة ومناصحة للطالبان في كسرهم الطواغيت والأوثان، منبر التوحيد والجهاد، 1421هـ.

[33] للمزيد: عبد الله عزام، حديث الذكريات الشهيد الدكتور عبد الله عزام، الدقيقة 38، مقابلة مع التليفزيون السعودي 1988م.

[34] انظر: أبو محمد المقدسي، فلتختاروا الدبلوماسية أم ملة إبراهيم ، منبر التوحيد والجهاد، 2010م.

[35] انظر: المصدر السابق.

[36] للمزيد: Michael Rubin, Who is responsible for the rise of Taliban?, The Washingtion Institute, 2002.

: Bruce Riedel, Pakistan,Taliban and the Afghan quagmire, Brookings, 2013

[37] انظر: أبو محمد المقدسي، الهجرة لأفغانستان “هذا سؤال قبل بدء الحملة الصليبية”، منبر التوحيد والجهاد، 2001م.

[38] انظر: المصدر السابق.

[39] انظر: أبو محمد المقدسي، سؤال حول ما جاء في كتاب “كشف شبهات المقاتيلن”، منبر التوحيد والجهاد.

[40] انظر: عبد السلام ضعيف (الوزير السابق لطالبان وسفيرها لدى باكستان)، حياتي مع طالبان، ترجمة: بياتريس طعمة، ط1 (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر 2014م)، ص182.

انظر: أحمد شاه مسعود، أثر الصراع العرقي في أفغانستان، الجزيرة نت، نوفمبر 2000م.

[41] انظر: عبد الله أنس (صهر عبد الله عزام وأحد أبرز القادة العرب)، برنامج إضاءات مع عبد الله أنس المقطع الثاني، العربية، الدقيقة 6، 2005م.

[42] انظر: أبو محمد المقدسي، وجوب نصرة المسلمين في أفغانستان، أرشيف النخبة للإعلام، 2001م.

[43] انظر: أم محمد “زوجة الشيخ عبد الله عزام”، قتل مسعود وصمة كبرى في تاريخ ابن لادن، صحيفة دنيا الوطن (غزة)، 2006م.

انظر: أسامة بن لادن، النزال النزال يا أبطال الصومال، وفيها ذكر تكفير أحمد شاه مسعود، شبكة شموخ الإسلام، 2009م.

انظر: أبو محمد المقدسي، وجوب نصرة المسلمين بأفغانستان، مصدر سابق.

[44] انظر: أبو محمد المقدسي، رسالة من الشيخ أبي محمد المقدسي إلى أمير المؤمنين الملا عمر، منبر التوحيد والجهاد، 2010م.

[45] انظر: المصدر السابق.

[46] انظر: أبو محمد المقدسي، إلى متى يبقى شباب الإسلام وقوداً لمعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟، منبر التوحيد والجهاد، 1423هـ.

[47] انظر: أبو محمد المقدسي، لم نصدم بصدام، منبر التوحيد والجهاد، 1424هـ.

[48] انظر:Jonathan schanzer, Ansar Al Islam: Iraq’s Al- qaeda connection,The Washington Institute, 2003

[49] للمزيد: أبو محمد المقدسي، لقاء الشيخ أبو محمد المقدسي مع قناة CNN العربية الجزء الثاني، 30 مايو 2015م.

للمزيد: أبو مصعب الزرقاوي، بيان وتوضيح لما أثاره الشيخ المقدسي في لقائه مع قناة الجزيرة، تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، 12 يوليو 2005م.

[50] انظر: حسن أبو هنية، البناء الهيكلي لتنظيم “الدولة الإسلامية”، مركز الجزيرة للدراسات، 2015م.

[51] لمتابعة تواريخ ظهور هذه المصطلحات، انظر: أبو مصعب الزرقاوي، أينقص الدين وأنا حي، 7 يوليو 2005م؛ أبو مصعب الزرقاوي، هذا بلاغٌ للناس، 24 أبريل 2006م؛ أبو مصعب الزرقاوي، فسيكفيكهم الله، 8 يناير 2006م.

[52] انظر: أبو محمد المقدسي، الزرقاوي؛ مناصرة ومناصحة، منبر التوحيد والجهاد، 1425هـ.

[53] انظر: أبو محمد المقدسي، لقاء الشيخ أبو محمد المقدسي مع الجزيرة، 2005م.

[54] للمزيد: أبوعبد الله محمد المنصور، الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم، نسخة إلكترونية، 2014م.

وأبو عبد الله محمد منصور هو: قائد ومفتي جيش المجاهدين بالعراق، والذي يعد من أكبر وأقدم وأكثر الفصائل تأثيراً في الجهاد العراقي، والشيخ ذو خلفية سلفية جهادية وعاصر الساحة منذ بداية الاحتلال الأمريكي، وكانت له علاقة جيدة بالزرقاوي خلال وجوده بالعراق، وكذلك كان على صلة ومعرفة بأبي بكر البغدادي (أمير داعش)، ويسرد في كتابه (الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم) كثير من الأحداث والوقائع والسياسات والجرائم المنسوبة لدولة العراق الإسلامية، ويستعرض جذورها ومراحل تطورها بدءاً من جماعة التوحيد والجهاد ووصولاً إلى دولة الإسلام في العراق والشام (داعش).

[55] أبو محمد المقدسي،الرد الأمثل على مفتي حماس الأسطل، منبر التوحيد والجهاد،2009م.

[56] المصدر السابق.

[57] انظر: أبو محمد المقدسي، سؤال عن حكم أفراد كتائب القسام، منبر التوحيد والجهاد(أسئلة المنتدي)، 2009م.

[58] انظر: أبو محمد المقدسي، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام، تعليقاً على خبر: استفادة إسرائيل من استهداف ولاية سيناء لمن يهرب السلاح لحماس ، 14يناير 2018م.

[59] انظر: Lizzie dearden, ISIS: UN study finds foreign fighters in syria “lack basic understanding of Islam”, Independent, 2017.

[60] د. سامي العريدي: (أردني الجنسية) وحاصل على دكتوراه في الشريعة الإسلامية (تخصص: الحديث) من الجامعة الأردنية عام 2001م ، نشأ وكبر وعاش في الأردن وحمل أفكار السلفية الجهادية منذ كان طالباً في الجامعة إلى أن التحق بجبهة النصرة، وتولى فيها عدة مناصب قيادية آخرها: الشرعي العام للجبهة، وكان ولا يزال ضمن لجنة الإفتاء الشرعية بمنبر التوحيد والجهاد، لم ينضم لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) بعد فك ارتباطها بالقاعدة ، وساهم في تأسيس جماعة “حراس الدين “المبايعة للقاعدة إثر خلافاته مع قيادة الهيئة.

بلال خريسات: المعروف أيضاً بأبي خديجة الأردني، من القيادات البارزة بجبهة النصرة ومن أوائل المنشقين عنها بعد فك ارتباطها بالقاعدة، ومؤخراً انضم ل”حراس الدين”، تقلّد عدة مناصب شرعية وأمنيّة حساسة داخل الجبهة، منها: القاضي العام للجبهة في غوطة دمشق، ثم القاضي العام للجناح الأمني في الجبهة، وختاماً برز كأحد الأمراء في قاطع بادية حمص.

إياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني): هو زوج بنت أخ الزرقاوي وأحد رفقائه المقربين في مرحلة العراق، وكان له تجربة جهادية سابقة في أفغانستان وسجون إيران، وفي سورية شارك بتأسيس جبهة النصرة ويعده خبراء أحد أعمدتها البارزين، وفيها شغل منصب الأمير العسكري بدرعا ثم الأمير العام للساحل قبل أن ينشق عنها إثر فك ارتباطها بالقاعدة ويؤسس مع آخرين: “حراس الدين”.

[61] انظر: أبو محمد المقدسي، مقطع من مقابلة تلفزيونية مطولة مع CNN العربية، يتحدث فيه عن طبيعة علاقته السابقة مع البنعلي(مفتي داعش)، 2015م.

[62] تركي البنعلي: الشهير أيضاً بأبي همام الأثري وأبي سفيان السلمي، بحريني الجنسية من خريجي الشريعة بكلية الإمام الأوزاعي بلبنان، أمضى فترة طفولته في مدينة المحرق بالبحرين وتعلم القرآن وبعض علوم الشريعة، ثم انتقل لدبي والتحق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية قبل أن تعتقله السلطات هناك وترجعه للبحرين قبل تخرجه، في السنوات الأخيرة قبل الربيع العربي درس على بعض شيوخ التيار كالمقدسي وعمر الحدوشي (انقلب عليهم جميعاً بعد انضمامه لداعش) ورغم أنه ما زال في العقد الثالث من عمره برز بشكل ملفت كمفتي في منبر التوحيد والجهاد، وبعد الثورات تنقّل بين ليبيا وسورية محرضاً على بيعة داعش ثم أصبح مفتي “الخلافة” قبل أن يقتل بغارة للتحالف في الرقة السورية.

سعد الحنيطي: أردني من عشيرة كبيرة، حاصل على ماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة آل البيت بالأردن، ظل لسنوات طويلة متبنياً ومناصراً لمدرسة السلفية القطبية (الحركية) قبل أن يصبح من قادة التيار السلفي الجهادي بالأردن ومن الدائرة الضيقة المحيطة بالمقدسي. نشط إعلامياً بشكل ملحوظ بعد الثورات من خلال الحراك الدعوى والفعاليات التظاهرية للسلفية الجهادية بالأردن، وبصورة مفاجئة اصطحب أهله ورحل لسورية عام 2014م حاملاً مبادرة إصلاح بين النصرة وداعش، ثم برز كقاضٍ كبير داخل جبهة النصرة ورئيس ما عُرف بدار القضاء (محاكم خاصة بالنصرة)، وختاماً ترك النصرة وبايع داعش ليعمل في مجال القضاء أيضاً ثم انقطعت أخباره وسط شكوك ومخاوف بتصفيته من قبل داعش.

عمر مهدي زيدان: أردني من مدينة إربد وأحد دعاة السلفية الجهادية المعروفين هناك. اعتقل لسنوات مع المقدسي والزرقاوي خلال تسعينيات القرن الماضي. وبعد الثورات وتوسع الحراك التظاهري للسلفية الجهادية بالأردن دخل في خلاف مع قادة التيار حول مشروعية هذه الاحتجاجات. كان من أشد المؤيدين لداعش والمعارضين للنصرة والقاعدة بعد وقوع الخلاف بينهما، وطالما شجع على بيعة ودعم داعش منذ كان بالأردن إلى أن نفر لسورية نهاية 2014م وأصبح من القادة الشرعيين البارزين بداعش.

[63] أبو محمد المقدسي، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام، آخر منشور بتاريخ 23 سبتمبر 2017م.

[64] انظر: العربي الجديد، المقدسي يدعو النصرة وداعش إلى التحالف مجدداً، سبتمبر 2014م.

[65] للمزيد: عربي 21، المقدسي يهاجم داعش مشيراً لنصح ووساطات لم تفلح، 26مايو 2014م.

[66] انظر: د. سلطان العميري، تكفير الموقعين في مؤتمر الرياض “تطبيقات جديدة للغلو المعاصر”، موقع مكافحة الغلو، ديسمبر 2015م.

[67] انظر: العربي 21، المقدسي يتهم أحرار الشام بموالاة الطواغيت وخدمة أمريكا؛ هو لم يحدد أحرار الشام ولكن وصف مجموعة من الفصائل بينهم أحرار الشام، أغسطس 2015.

[68] انظر: العربي الجديد، المقدسي يكفر فصائل “درع الفرت” التي سيطرت على جرابلس، سبتمبر 2016م.

[69] انظر: أبو محمد المقدسي، الخيار مع المتآمرين؛ قريظة وليس التغلب، قناة أبي محمد المقدسي الرسمية على التيليجرام، 26 يناير 2017.

[70] انظر: المجلس الإسلامي السوري، فتوى حول حكم التنسيق مع الحكومة التركية في القضاء على تنظيم داعش، الموقع الرسمي للمجلس الإسلامي السوري على شبكة الإنترنت، 4أغسطس 2015م.

انظر: مجلس شورى أهل العلم في الشام، القناة الرسمية لمجلس شورى أهل العلم على التيليجرام، بيان رقم:8، 4أغسطس 2015م

انظر: تجمع أهل العلم في الشام، القناة الرسمية لتجمع أهل العلم في الشام على التيليجرام، فتوى بشأن نازلة الريف الشمالي بحلب وما يتعلق بها، 22سبتمبر 2016م.

[71] للمزيد: شبكة شام، أحرار الشام تعلن شرعياً دخولها في “درع الفرات” ، 20سبتمبر 2016م.

[72] للمزيد: أبو محمد المقدسي، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام ، منشورات كثيرة ،على سبيل المثال: أين التحييد من التنديد!، 4 نوفمبر 2017م.

[73] انظر: أبو محمد المقدسي، سلسلة ولكن كونوا ربّانيين الحلقة 7، بدءاً من الدقيقة 22، 2009م.

[74] انظر: عبد الله عزام، حديث الذكريات الشهيد الدكتور عبد الله عزام من الدقيقة30 إلى 50، مقابلة مع التلفزيون السعودي،1988م.

[75] للمزيد: عبد الله عزام، شهر بين العمالقة، (بيشاور: مركز الشهيد عزام الإعلامي، 25 يناير 1989م).

[76] انظر: أبو محمد المقدسي، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام، 18 يناير 2018م.

[77] انظر: أبو محمد المقدسي، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام، تقريباً 15 منشوراً خلال شهر نوفمبر 2017م! تدندن حول علمانية وردة وكفر أردوغان وحكومته والجيش التركي.

انظر: اللجنة الشرعية بمنبر التوحيد والجهاد، هل يعتبر محمد مرسي معذور لأنه لم يطبق الشرع، منبر التوحيد والجهاد.

انظر: أبو محمد المقدسي، فوائد وعبر من الانقلاب على صناديق الاقتراع في مصر، منبر التوحيد والجهاد، 21 سبتمبر 2013م.

[78] أبو المنذر الشنقيطي، حكم القرآن في دويلات الإخوان، منبر التوحيد والجهاد، نسخة إلكترونية، 2012م، ص39.

[79] انظر: فهمي هويدي، الرأي الأسبوعي: فتوى جماعية وقّع عليها القرضاوي تجيز للمسلمين في الجيش الأمريكي المشاركة في الغارات على أفغانستان، جريدة الشرق الأوسط، 8 أكتوبر 2001م.

انظر: يوسف القرضاوي، برنامج الشريعة والحياة، قناة الجزيرة، 3 أبريل 2005م.

انظر: يوسف القرضاوي، القرضاوي على المسلمات بأوروبا خلع الحجاب، برنامج الشريعة والحياة، قناة الجزيرة، 30 نوفمبر 2003م.

[80] انظر: أبو محمد المقدسي، اللقاء المفتوح مع أعضاء شبكة شموخ للشيخ أبي محمد المقدسي، إصدارات غرفة الفجر الإسلامية، 2009.

[81] المصدر السابق.

[82] انظر: أبو محمد المقدسي، زل حمار العلم في الطين، منبر التوحيد والجهاد، 1417هـ.

[83] للمزيد: أبو محمد المقدسي، سؤال عمن انتهت فترة عمله من الوزراء والنواب السابقون، منبر التوحيد والجهاد، أسئلة منتدى المنبر.

[84] للمزيد: أبو محمد المقدسي، هل يجوز رد السلام على عناصر في الأمن الداخلي ومصافحتهم؟، منبر التوحيد والجهاد،

أسئلة منتدى المنبر.

[85] للمزيد: أبو محمد المقدسي: الزواج من فتاة موحّدة.. أهلها نقشيندية، منبر التوحيد والجهاد، أسئلة منتدى المنبر.

[86] للمزيد: سيد إمام يكفر مرسي والمصريين اللي اختاروه، مقطع من لقاء مع العربية الحدث، 2013م.

[87] للمزيد: سيد إمام، الجامع في طلب العلم الشريف، نسخة إلكترونية، الباب الرابع، ص163.

[88] للمزيد: سيد إمام يكفر مرسي واللي مصريين اللي اختاروه.

[89] للمزيد: أبو قتادة الفلسطيني، جؤنة المطيبين، نسخة إلكترونية، ص58.

[90] انظر: أبو قتادة الفلسطيني، في رثاء الشيخ أحمد ياسين، منبر التوحيد والجهاد، 2004م.

انظر: أبو قتادة الفلسطيني، عِماد شخصية عبد الله عزام، 8 أبريل 2016م.

[91] للمزيد: أبو قتادة الفلسطيني، “جواز قتل الذراري والنسوان”، (مجلة الأنصار: لندن)، العدد 90، ص10، 31 مارس 1995م.

[92] للمزيد: أبو قتادة الفلسطيني، أنصاف الغلاة، القناة الرسمية للشيخ أبو قتادة الفلسطيني على التيليجرام، 6 فبراير 2018م.

[93] أبو محمد المقدسي، ولنا كلمات هادئة، القناة الرسمية للشيخ أبو محمد المقدسي على التيليجرام، 6 فبراير 2018.

[94] للمزيد: أبو بصير الطرطوسي، حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية، ط2، (لندن: المركز الدولي للدراسات الإسلامية، 2000م)، ص 172.

[95] انظر: أبو بصير الطرطوسي، تكفير القرضاوي، موقع الشيخ أبو بصير الطرطوسي، 2013م.

[96] انظر: أبو محمد المقدسي، اللقاء المفتوح مع أعضاء شبكة شموخ للشيخ أبو محمد المقدسي، إصدارات غرفة الفجر الإسلامية، 2009م.

[97] للمزيد: أبو يصير الطرطوسي، عندما تنحرف مسيرة الجهاد عن المسار، منبر التوحيد والجهاد، 2008م.

[98] للمزيد: أبو بصير الطرطوسي، حوار الشيخ أبو بصير الطرطوسي مع أعضاء ورواد منتديات شبكة حنين، موقع الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة (أبو بصير الطرطوسي)، 22 سبتمبر 2014م.

[99] للمزيد: أبحاث كثيرة نشرها المقدسي على منبر التوحيد والجهاد له ولغيره ،عقب انتخابات (ما بعد ثورات الربيع العربي)، وأكد فيها على تأصيلاته السابقة بضلال وشركية هذا الطريق، منها تعليق اللجنة الشرعية على دعم أبو بصير لترشح حازم أبو اسماعيل 2011م ، إضافة إلى مقالته المعنونة ب فوائد وعبر من الانقلاب على صناديق الاقتراع في مصر 2013م.

[100] للمزيد: أبو بصير الطرطوسي، ما حكم الانضمام لجبهة النصرة؟،مقطع مصور مع مؤسسة رؤية للإعلام، 2016م.

[101] وللمفارقة : استل المقدسي فتوى من كتاب(سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك) ص 34 (مصدر سابق)، للحمد بن عتيق(أحد أئمة الدعوة النجدية) وطبّقها على الواقع السوري، الفتوى تقول : من تولى الترك فهو تركي، أي مشرك مثلهم، وهذه كانت على إثر استعانة بعض القبائل العربية بالجيش العثماني ضد قبائل أخرى من أتباع الحركة الوهابية في القرن ال 19م.

[102] أبو بصير الطرطوسي، دفتر الثورة والثوار الجزء الثالث، فقرة (يأبى شيخ الخوارج إلا أن يتنفّس السّم)، نسخة إلكترونية، ص105.

[103] مؤيد باجس، الطرطوسي يتهم المقدسي بسرقة “ملة إبراهيم” والاخير يرد، عربي 21 ، 25 أكتوبر 2016م.

[104] انظر: الزبير الغزي (جمع وترتيب)، الأعمال الكاملة للشيخ الإمام الشهيد المجاهد عطية الله الليبي، ط1 (نسخة إلكترونية: دار المجاهدين، 2015م)، ص390.

[105] للمزيد: المصدر السابق، ص472.

[106] انظر: المصدر السابق، ص184.

[107] المصدر السابق، ص1316.

[108] انظر: أبو محمد المقدسي، الزرقاوي؛ مناصرة ومناصحة، مصدر سابق.

[109] هناك العديد من المراسلات والاستفتاءات العلنية المنشورة على صفحة المقدسي الرسمية في منبر التوحيد والجهاد، مصدر سابق.

[110] حدث ذلك مراراً وتكراراً، بدءاً من خلافات النصرة وداعش، مروراً بخلافات النصرة وجند الأقصى، ووصولاً لخلافات هيئة تحرير الشام والمنشقين عنها (المستمرون على بيعة القاعدة: حراس الدين).

[111] أسامة بن لادن، خطوات عملية لتحرير فلسطين، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي، الدقيقة 19م، 2009م.

[112] للمزيد: الربيع الإسلامي (الحلقة الأولى للشيخ أيمن الظواهري)، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي1436هـ.

: الربيع الإسلامي (الحلقة الخامسة للشيخ أيمن الظواهري)،1436هـ.

[113] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close