دراسات

المنهجية الإسلامية: المدخل السنني وأنماط التفكير

السنن قانون الله العادل في الخلق، المؤثر في حياة الناس لا يحابي أحدًا، فالأمم تدور مع فعلها الحضاري إن سلبًا وإن إيجابًا، إن قوة وتمكينا وإن وهنا وهوانا، فبمقدار فعلها ووعيها وتفاعلها وتفعليها للسنن بمقدار ما تعطيها السنن من نتائج تتناسب والفعل الحضاري ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ إن في الآخرة وفي سابقتها في الدنيا.

السنن وفق هذه المعاني جميعًا عملية تربوية تعليمية وتدريبية وتحصيلية، إن من أهم عناصر العملية التربوية في ساحات الفعل الحضاري هي التربية بالسنن، وهو أمر يستحق دراسة مستقلة، السنن كعملية معرفية وحركية ترتبط بعناصر فقه قضية السببية في أصولها وجوهرها، ذلك أن العامل الأساسي والتأسيسي في البناء الحضاري.. هو فقه سنن الله في الحياة والتزامها منهجًا وشريعة في حياة الناس، وتواصل النتائج بالمقدمات بما يحقق عناصر الفاعلية الحضارية بالتزام سنن الوجود ولا مبدل لأمر الله ولا مغير لحكمه، والعلم بالسنن حقيقة تنصرف إلى الوعي بأسبابها الذي هو شرط للتفاعل بالنسبة ومعها، أما الجهل بها أو التقصير في التعامل مع عالم أسبابها لا يمنع إجراء السنن أو يوقفها أو يعطلها بمعنى النفاذ.

والسنن بهذا الاعتبار هي من كليات أصول الفقه الحضاري، والذي يجعلها من أهم أبوابه لفهم الأفعال الحضارية والمنتجة لعلاقات متعددة، على تنوع تلك الأفعال وتعدد تلك العلاقات وتداخلها وتفاعلها؛ والسنن من حيث مجالاتها التي تتعلق “بالفعل الحضاري”، فهي تشكل أحكامًا كلية تتحرك صوب افعل ولا تفعل، ولكن في الفعل الممتد المتراكم، فإذا كان الفقه يهتم بالأفعال الإنسانية الجزئية، فإن السنة تهتم بالأفعال الإنسانية الكلية الممتدة، وتظل العلاقة التراكمية، والتدرجية بين الفعل الجزئي والفعل الحضاري الممتد أكيدة تتطلب مزيدًا من البحث والتقصي؛ إن السنن تتعلق بالتحريك بالفعل الحضاري بكل التفاعلات فيها بين الساحة الحضارية الممتدة لتشمل الآفاق الكونية، والإنسان الفرد بكل دخائله ومكنوناته النفسية والسلوك المترتب عليها، والاجتماع والجماعة والمجتمع بما يمثله من مواقف ورؤى وممارسات، والتاريخ بما يمثله من ذاكرة للفعل الحضاري وامتداده لتحقيق معاني بالحدث، والاعتبار في الحركة، والعبور نحو عناصر الفاعلية والتمكين…؛إن الإنسان يستطيع، في حال قوته أن يتفاعل مع هذه السنن فيستثمر كل مكوناتها، بحيث يحدث فعلاً حضاريًا إيجابيًا، أما المسلم الواهن فيقف من هذه السنن مواقف متعددة هي في حملتها مواقف سلبية لا تحقق الفعل الحضاري الإيجابي.

ويوضح هذه المواقف السلبية للتعامل مع السنن الإلهية، إن المسلم المعاصر يجهل فعل السنن أحيانًا، وفي أحيان أخرى يغفل عن أثرها، وفي موقف ثالث يتعامل معها بضعف فلا تعطي له وفي موقف رابع يزيف هذه السنن؛ ويأتي تزييف السنن عندما يزيف الإنسان فهمه لها، يحدث ذلك في تعامله مع منتجات الحضارة المعاصرة حيث يتبنى فهما للسنن يؤدي به إلى الركون إلى استهلاك منتجات الحضارة لا إنتاجها، فيقول مثلاً: إن الله تعالى قد سخر لنا الغرب بتقنياته وعالم اشيائه فهو ينتج ونحن نستهلك هذا الانتاج، وهذا الفهم بالطبع لا يمت بأي صلة لسنة التسخير التي تعبر عن التفاعل الخلاق مع الطبيعة لإنتاج الحضارة أو التفاعل مع الجانب الحي منها……

  • فكل المجالات الحضارية وحركات الفعل الحضاري خاضعة لحقائق السنن وفعلها.
  • وللسنن جملة من الأهداف أهمها الهدف التربوي والتعلمي.
  • والسنن في دراستها في دراستها لابد من البحث عن:
    • منظومة السنن (العلاقات المختلفة).
    • قدرات السنن (التفعيل الوعي والسعي).

مجالات السنن وفعلها (كل ما يستوعب عناصر الفعل الحضاري والقابلة للتفسير والتحليل والتقويم):

  • السنن ترتبط أيضًا بالأصناف البشرية والنماذج، وأنماط التفكير، ومناهج التغيير والبحث في هذه السياقات إنما يعني البحث في استقرائها للعوالم المختلفة وباعتبارها مجالات ذات أهمية ضمن التعامل البحثي (عالم الأفكار- الأشخاص- والأهداف).
  • السنن تقوم بدور تفسيري ضمن حقائق التباين في المستوى الحضاري، كما أنها توضح الأصول الدافعة لعملية الحراك الحضاري (سنة التداول)، بل إن الحراك هنا ليس إلا سنة في غاية الأهمية زمن الواجب الوقوف عند حدودها ودراسة متغيراتها، والبحث في مآلاتها وآثارها.
  • السنن عملية منهجية تحرك كل عناصر التفكير المنهجي المنظم في الأمور والأحداث، وهي تضاد عناصر أخرى مختلفة تحاول أن توهم على السنن وتعطل فعاليتها:
    • الصدفة تفريغ للمفهوم السنني وقدراته وتوجيهاته العلمية والمنهجية.
    • العبثية حركة تضاد مفهوم السنن، وتحيل العالم إلى تفسير عبثي.
    • العدمية.
    • الفوضوية.
    • السنن ضد الحتميات الجبرية فهي لا تنافي عناصر الإرادة أو حركة الاختيار الإنساني.
    • الأسطورية والخرافة ضد التفسير والتفكير السنني والتفكير بهما، وهما ليسا من العلم النافع، ولكنها ليست ضد الغيب الذي يحدد مساحة القصور الإنساني والتي تقع فيها دائرة قابلة للكشف، والاكتشاف الإنساني في حركة سننية لابد من اعتبارها، الغيب كمفهوم ليس ضد السنن، بل هو حافز لها خاصة في جانب تحصيل الوعي والسعي.
    • السنن ضد التفسير التجزيئي أو التفسيخي أو التشطيري أو الواحدي.
  • – المنظور الحضاري يجعل من السنن أهم مباحثه الكبرى التي تسهم في فهم كل القضايا المتعلقة بالحضارة أو التابعة لها: البناء الحضاري، البنية الحضارية، المسيرة الحضارية، القيم الحضارية، الدفع والتدافع الحضاري، التحدي الحضاري، الابتلاء الحضاري، التداول والحراك الحضاريين، الفساد الحضاري والترف العمراني، الطغيان والاستكبار الحضاري، الصراط الحضاري، العاقبة الحضارية، الدورة التاريخية، والتعاقب الحضاري، الفاعلية الحضارية، الإبدال الحضاري، وشروط الاستبدال، التمكين الحضاري، الحركة الحضارية، العقل الحضاري السلبي والإيجابي، العمارة الحضارية، الاستخلاف الحضاري والإنساني، التداول الحضاري والانهيار الحضاري، الإخفاق الحضاري، عناصر التجدد الحضاري، والقدرات الحضارية، الرموز الحضارية، الاستيعاب الحضاري، التواصل الحضاري، الحوار الحضاري، التأسيس الحضاري، الصراع الحضاري، صدام الحضارات، الحضارة الغالبة، الحضارة المنتصرة ..إلخ

والسنن التحذيرية هنا هي في مقام السنن التي تقوم بجملة من الوظائف المتساندة والمتكافلة: – فهي سنن مبيّنة، وأيضًا فهي سنن معرَّفة، وسنن كاشفة لعناصر الذات الإنسانية، وسنن مرشدة إلى عناصر الفعل الإيجابي ضمن منظومة من الأفعال (ما ينبغي عمله)، كما أنها تلفت النظر إلى جملة السنة الدالة على إمكانات الانحراف وقابلياته………..

وضمن هذا السياق فإن السنن وضمن عناصر الحالات والعلاقات وتراكم الأفعال ضمن طريق معين يأتي ثباته في إطار “الجزاء من جنس العمل”، ولكن يظل هناك فرصة ضمن سنة التغيير إلى تغيير الفعل فيتغير الجزاء، إلا أن الواقع أن منطوق القاعدة لا يزال ساريًا، ولكن في قاعدة سنة التغيير، ومن ثم علينا دائمًا أن نرى السنن ضمن أفعالها ونتائجها ضمن منظومة من العلاقات بالسنن الأخرى (السنن المنظومة ومنظومة السنن)، والسنن ترتبط بالأفعال الحضارية سلبية كانت أم إيجابية:

سنن التحذير، سنن التأصيل، سنن التحريك، سنن التفعيل، سنن التشغيل، وفي هذا السياق إن جملة هذه العمليات، تؤصل عناصر الفعل الحضاري ومكناته، إنها تحاول ترتيب عناصر الفعل ضمن حركات متتابعة بحيث يرتبط منها ما يرتبط بمناهج التفكير، وبعضها يرتبط بأصول عمليات التغيير والتأصيل والتسيير والتدبير والتأثير والتمكين.

قد يتصور البعض أن السنن حينما لا تؤتي أكلها من خلال التقصير الإنساني، فإن ذلك إنما يعود إلى السنن وعملية (الثبات والتغير)، فإن معرفة جهة الثبات في السنن مهمة، وكذلك معرفة جوانب التغيير، ومعرفة أهم العوامل الحاجبة للتفاعل مع السنن مثل تغييب السنن أو تزييف السنن أو التعويل على أشباه السنن، وغير ذلك من أمور قد لا تجعل الإنسان في تمام تفاعله مع السنة أو تمام إدراكه لأصول الوعي بها..

إن هذه الأطر الحاجبة يمكن أن نسميها آفات السنن، وهي غير الضغوط الحضارية التي من الممكن تحويلها إلى طاقات دافعة، آفات السنن والعبوديات المختلفة، تترك آثارها في حجب الوعي والسعي بالسنن.

أن الظواهر التي تحكمها السنن يجب ألا تختلط بالسنن يجب ألا تختلط بالسنن أو فعلها، وهذه من الأمور المنهجية التي نعتبرها غاية في الأهمية ضمن التعرف على السنن والفعل المتعلق بها ونتائجها، (الظواهر السننية) غير السنن.

“قل كل يعمل على شاكلته”، إن هذه الأطر السننية، إنما هي تعبير عن السياقات السننية والتي تشير إلى أصول ومنهج للتفكير، فيما يحدث ويتراكم من أفعال حضارية إيجابية أو سلبية، يكمل هذا السياق “قل: هو من عند أنفسكم”، إنه لفت للنظر إلى منهجية تحليل وتفسير وتقويم لعناصر الفعل الإنساني الحضاري، ويشير إلى مناطق بحثية يجب التوجه إليها، وتحكم عناصر الصلة بين الداخل والخارج، والذات والغير.

سنن القابليات هي هم السنن التي يجب أن تظل في نسق تفكير لإنسان، إنها تحرك عناصر تفكير يبحث في القابليات قبل عناصر التأثير، والتي تعطي الأصول لبقاء جملة التأثيرات أو الأفعال غير المرغوبة، والتي تؤثر سلبيًا على الفعل الحضاري الإيجابي فتشله أو تحوله أو تعوقه، أو تؤثر جملة على الكيان الحضاري ذاته فتصيبه بالضعف والوهن المؤثر الذي يخلق بدوره عناصر قابليات جديدة تكون تعبير عن إحكام حلقة القابليات (القوم البور)، ترسخ جملة الأفعال السلبية، تحول الإيجابي لسلبي، تحريك الإمكانات في سياق الهدر، كل ذلك يقع ضمن سنن القابليات بما يعطي عناصر تحفظ حول (التفكير المؤامرة) (وعناصر معادلة الخروج).

من أهم العناصر التي تحجب السنة فعلاً وتفاعلاً مع الإنسان هو افتراض العبثية في الوجود أو في الفعل أو في كل متعلقات الوجود ذلط أن هذا التصور يحرك “عمل بلا مبدأ” أو “عمل بلا منهج” أو “عمل بلا هدف” أو قد يجمع بين المستويات الثلاث، ليحرك كل أصول البيئة تصورًا وحركة.

ويعتبر ذروة العبث في التفكير وفي الفعل هو القضية الخاصة باختلال الموازين، وهي من أهم الآفات الحضارية التي تفسر حركة الذات الإنسانية فتفسر ما تصنعه أو تقيمه ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {18/103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾.

والسعي هنا حركة حضارية لا يمكن وصفها بالسلب والإيجاب إلا من خلال مقصودها. إلا أنها تشير وفق معانيها وأصولها المعجمية واللغوية أن السعي حركة تكرارية تراتبية، مقصودة يبدو ذلك في معنى الكلمة تمييزًا لها عن عناصر “العمل”، السعي دأب في الحركة وإصرار عليها، ودوام في الفعل، كما تؤكد أنها حركة إلى الأمام بقصد الحصول على شيء أو بلوغه أو اغتنامه أو تحقيق وجوده.

إن من أهم عناصر ارتباط السنن ارتباطها بسياق الإطار التفكيري، وما يؤكد تأثيرها ضمن البنية المعرفية.

  • ذلك أن السنن تحقق أصول عملية التفكير والتدبير والنظر والاعتبار باعتبارها عمليات أولية تمكن لأصول هذه العمليات العقلية وإعلاء شأنها وفقًا لوظائفها وتأثيراتها.
  • أن النهج السنني يعبر في مكنونه، ويستند في ابتدائه، ويحرك عناصر الفاعلية فيه ما يعكسه من تصور كلي للحياة، وهو نهج يقوم في هذا السياق على منهج تفكير وأصول معرفية يرتفع فيها العقل فوق الجزئيات، فهو من ثم يختص بالظواهر الكلية للوجود ومنها الظواهر الطبيعية (الكونية) والفردية (النفسية) والاجتماعية (الاجتماع) ذات التأثير المصيري في حياة الوجود الإنساني.
  • أن هذا النهج السنني ضمن عناصر صياغته وأصوله في تكوينه المنظومي يقوم على عمليات تدريبية وتربوية، ومن خلال النظر إلى الحياة (تفاعلات – علاقات- ظروف وحالات) من خلال الظواهر الكلية (الانتظام- الاطراد- العموم) البحث عن الجوهر الناموسي والقانوني، بما يدفع إلى ضرورة تبني نظرة شمولية منتظمة الدرجات متدرجة الأطوار.

ومعنى هذا أنه ضمن هذا النهج فإنه يعبر عن تدريب على كيفية التفكير المنظم والمنهجي سواء في البحث والتمحيص، أم في المقابلة بين النتائج لاستخلاص القاعدة، وإمكانات القياس بين الأحداث وتواترها ضمن عناصر منهجية لإدراجها على صعيد واحد. إنها تفرض الجمع بين علوم الاشباه، والنظائر، وكذا علوم الفروق والخصائص وما يشير إليه ذلك من إمكانات للبحث في عناصر الأشباه الكلية والفروق الكلية.

  • إن طريقة النهج السنني تسهم في بناء العقلية وإعادة تشكيلها بما يؤصل عناصر فاعلية حقيقية لا متوهمة، ومن ثم فإن ذلك النهج ينبه الوعي، فهو يجعله في حضور فكري متفتح وبذلك يستنقذه من غفلة اللامبالاة وجمود الإلف.
  • إن هذا النهج السنني في رؤيته لجملة الظواهر الكلية إنما يصحح علاقة الإنسان بذاته فكرًا وشعورًا وإمكانات حضارية، وبذلك يصبح كائنًا حيًا شاعرًا بنفسه شعورًا حرًا، واعيًا لوجوده وعيًا نقادًا وممحصًا، إنه يكون أصول الأوابة المنهجية، ومناهج التحقيق المنهجي والبحثي، والتعرف على مفاصل النموذج وسماته الكلية والجوهرية.

أن هذا النهج السنني يؤصل عناصر قدرات التحرير للإنسان من عناصر الضغوط الحضارية المتعددة، الضغوط الحضارية قد تختلط بالآفات الحضارية الحاجبة لوعي وسعي التفاعل الإنساني مع السنن، الضغوط الحضارية على أنواع متعددة، ووفقًا لمعادلات الفعل والتفاعل الإنساني يمكن أن تؤثر هذه الضغوط ضمن مسارات سلبية (ضغوط المانعية) و(الضغوط المفجرة) و(الضغوط المفرغة) وجملة هذه الضغوط تشل الفعل الحضاري، أو تجعله شظايا متناثرة، أو تجعله خاويًا من المغزى والمعنى، والفعل والفاعلية، والغرض والمقصود والمصلحة.

كما يمكن أن تؤثر هذه الضغوط ضمن مسارات إيجابية (الضغوط الدافعة) و(الضغوط الرافعة) و(الضغط الجامعة)، وجملة الضغوط تلك تؤدي ضمن مساراتها إلى الدافعية والتجدد في الفعل الحضاري، أو رافعة للفعل الحضاري ضمن مدارج الترقي والبناء والعمارة الحضارية، أو تحرك أصول الضغط نحو التجميع لا التفجير، والتلاحم والتماسك لا التجزؤ المفضي إلى حركة تشرذم وتشتت، هذا التلاحم هو حركة إيجابية إما تحرك المسار ضمن دفع الضغوط، أو مواجهة التحديات ضمن استجابات فاعلة.

في هذا السياق ما الذي يحرك وجهة الضغوط إلى مساراتها السلبية وما الذي يدفعها إلى هذه المسارات الإيجابية؟!

تساؤل يجد إجابة في حقيقة السنن والوعي بجوهرهًا، وعناصر فعلها، وإدراك حقائقها، وتوابعها ومآلاتها ومجالاتها وتأثيراتها المنظومة الشاملة، في استطراق الفعل السنني عملاً وتمامًا وسيرة ومسيرة وصيرورة، إن معادلة الوعي والسعي السنني هي التي توصل وتمكن من توجيه جملة الضغوط نحو لفعل الإيجابي، الفاعلية المبتغاة والمقاصد الأصلية والجوهرية، إن وجود الضغوط الحضارية هو أمر لا فكاك منه ضمن عناصر الساحة الحضارية وتفاعلاتها، وضمن المسيرة الحضارية بكل تنوعاتها وعلاقاتها وحالاتها وضمن تأثيراتها على الفاعلين الحضاريين وتفاوت عملية التأثير…..

إن الضغوط الحضارية لازالت تفعل فعلها ضمن الظاهرة والقابليات لها (هذه السنة القاضية) التي لفت النظر لها “مالك بن نبي” ضمن مقولته الشهيرة المفتاحية (الاستعمار والقابلية للاستعمار)، القابليات إنما تكمن في عناصر طرائق التفكير وعمليات التغيير والتصور الإنساني لهذه العمليات وهذه القابليات، تولد أنماط سلوكية تشكل البيئة والوسط الملائم لعقليات متعددة تحرك الضغوط ضمن مساراتها السلبية، ولكن الوعي بالقابليات والسنن الكفيلة بالتحكم فيها، وتحريك القابليات نحو أصول الطاقات والقدرات إنما يرصد مسارات التحرك الإيجابي والفاعلية (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء.. وما كان عطاء ربك محظورًا)، والضغوط الحضارية ضمن هذا المسار كثير الفئات ومتنوعة التأثيرات منها ما يتعلق بالتاريخ والماضي، ومنها ما يتعلق بالحاضر والواقع، ومنها ما يتعلق بالتدبر والمستقبل.

وغالبًا ما تقترن هذه الضغوط بالتنازع بين أحوال القوة والضعف، العزة والوهن، الغثائية والتمكين، وفي ظل هذه الضغوط قد يتحرك الإنسان إلى إعفاء نفسه من التقصير فيركن إلى هذه الضغوط التي تبرر عجزه عن الفعل وقعوده عن الحركة والفاعلية، إن التعرف منذ البداية أن لكل أمر وكل فعل حضاري سننه الشرطية القاضية والحاكمة هي من أوليات عناصر التفكير والتدبير، وأن أحوال الضعف والقوة هي أحوال نتيجة تحصيل البشر وتفاعلهم مع السنن (قل هو من عند أنفسكم)، إن النظر إلى سنن الضعف والتجزئة والتدهور عمليات بعضها من بعض. والاعتبار والنظر إلى الساحة التاريخية الممتدة والتي تشتمل على أفعال حضارية متنوعة فنتعرف على سننها، خاصة أن اكتمال الحدث (وقائع ونتائج) يشكل بحق معملاً تجريبيًا مهما للتفكير والبحث والتدبير والاعتبار، باعتبارها جميعًا ضمن عناصر تفكير منهجي ممتد ومتراكم.

السنن بهذا تعبر عن نظرة شاملة كلية ممتدة تمتد عبر الزمن وعبر المكان وعبر عالم الأحداث المتنوع وتفاعلاته، وعبر العلاقات بأطرافها المختلفة ومستوياتها المتعددة، إن الوعي بالضغوط الحضارية يحرك عناصر حافزة لفهم السنن وتأثيراتها، وينفي كل العناصر التي تحجب فهم السنن والوعي بها والسعي من خلالها….

ومن الصور الأساسية التي هي موضع التبصر العقلي ووزنها بميزان التعقل، وتطبيق أصول الوعي السنني، هي جملة الظواهر التاريخية الرئيسية والمحددة تحديدًا كليًا، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ .

إن الوعي السنني يقوم بدوره في تأصيل أحد مستويات هذا الوعي، وهو الوعي التاريخي فضرورات التدبر للظواهر الاجتماعية، ومقومات البناء الحضاري تدبرًا علميًا يشير إلى وجوب تدبر التاريخ كذلك تدبرًا علميًا فنخضعه للبحث العلمي حيث نستخلص من ظواهره وتتابع أطواره، القوانين التي تتحكم في حركته وتدافع أحداثه، والتي يمكن بواسطتها أي بواسطة هذه القوانين –ترجيع احتمالات الضرر وما قد يسفر عنه.

وعلى هذا فإن هذه الرؤية تسهم في تأصيل ثلاثة أمور عظيمة بالنسبة للإنسان ووجوده الحضاري وبالنسبة لتفسير التاريخ وفلسفة أحداثه.. وهي:

أولاً- تربية الوعي التاريخي وإذكاؤه في ضمير الإنسان وفكره..

ثانيًا- دعوة الإنسان إلى دراسة التاريخ دراسة علمية قائمة على أساس القواعد الرئيسية التي تتحكم في حركة التاريخ..

ثالثًا- دعوة الإنسان إلى معاناة الأحداث التاريخية معاناة وجودية كأنه يحياها، ويعالج أحداثها حتى يتمكن من تصور التاريخ وفهمه وتفسيره………

والسنن كعملية منهجية تتعلق بعناصر تجريبية والنظر في التاريخ كمعمل تجارب يحقق مقصود الاعتبار والعبرة فالسير سير غاية (التعرف على العاقبة) وسير عناية (النظر والفحص)، والنظر والفحص)، والنظر هنا عملية تجنب الفاعل الحضاري موقف الترقب والانتظار، فبين النظر كمنهج والانتظار كطريقة لمواجهة الأحداث بون واسع، فالوعي بالمحصلة أو العاقبة لا يعني انتظارها.

ومن أهم أصول التكوين المنهجي النابع عن السنن هو الشك النقدي والذي يتضمن بدوره أربعة أمور أساسية تتطلب من الإنسان المراجعة:

  • أن هناك خللا في البناء الكلي للفكرة.
  • أن هناك سببًا أو مجموعة من الأسباب تضافرت على إحداث الخلل وإبعاد الفكرة (أو الوعي السنني) عن الصواب.
  • أن الزاوية التي نظر منها صاحب الفكرة إلى فكرته كانت ذاتية مضللة.

وتكاد هذه الأسباب الأربعة تلخص الموقف النقدي العام الذي يصطنعه جمهرة الناس في ظل هذا التصور، فإن السنة إذ تشير إلى أصول منهج نظر، فإنها في ذاتها تتطلب أو تستلزم منهجًا للنظر يتعرف عليها، ويستنبط أنواعها وغير ذلك من أمور حول السنن وطرائق التعامل معها.

ولكن نظن أن التفكير السنني فضلاً عن أنه يدرب من يتفهم عناصره وجواهره، ومكامن فعله وفعاليته، ومقاصد هذا النهج ومراميه، رابطًا بين سنن الوعي المتعلقة بهذا التفكير ذاته، وسنن السعي المترتبة على هذه السنن، فإنه كذلك يحرك مجمل عناصر التحليل والتفسير لمشيرة إلى قدرات للتعامل المنهجي أهمها:

المنهجية الإسلامية المدخل السنني وأنماط التفكير-1

  • الفهم الكلي للظواهر:

ذلك أن للربط بين الكلي والجزئي سننًا من المهم التعرف عليها، الفهم الكلي ينفي عناصر تصور تشطير الظاهرة، أو تفسيخ لتكاملها، أو تجزئي في الفهم أو الوصف أو التحليل أو التفسير، وعمليات تسكين الجزء في سياق الكل واندراجه فيه وفعله من خلاله، كلها عمليات ترتبط بقوانين من المهم إدراكها والوعي بها.

  • الفهم السببي للظواهر:

إن السنن والتفكير من خلالها تدفع المتعامل دفعًا إلى نهج تفكير لا يهمل أصول التفكير السببي من غير إهمال لوجود دائرة الغيب من جهة، وعناصر التحريك الإيماني التي تردف الفهم السببي فتؤثر في العطاء الإيجابي للسنن لذلك الإنسان المؤمن.

  • الفهم المتشابك للظواهر:

السنن تشير إلى الإنسان، والأفعال الحضارية المتعلقة بها إلى أن تشابك الظاهرة لا يمكن معالجته عن طريق السنن إلا في سياق اعتبارها (المنظومي)، السنن منظومة من المفردات تتحرك في شكل علاقات متنوعة، تفعل في الواقع من خلال الوعي بسياقاتها وتأثيراتها وتفاعلاتها، تحريكها في سياق ربما يولد سنن محركة ودافعة، هذا التفكير السنني هو من أهم أنماط التفكير في التعامل مع الظواهر المعقدة على النحو اللائق بها.

  • الفهم القياسي للسنن:

إن السنن وفق تكويناتها ومنظوماتها وقدراتها التوليدية تحرك في التعامل معها عناصر فهم تبحث عن “الجوهري” في الفعل الحضاري، والعارض منه، عن الثابت المحرك في دائرة الفعل الحضاري، والمتغير الحادث فيه إنها تحرك البحث عن “مفاصل الفعل الحضاري” المؤثر فيه، إن هذا البحث الذي يعطي القيمة لما نعنيه بالشرط، الكامن والقاسم المشترك بين فعل الشرط وجواب الشرط، إنه نهج يبحث في الدائرة العميقة للفعل الحضاري (العلل والأسباب) وترابطها وتفاعلها على نحو يحرك كل عناصر الفاعلية الإيجابية.

  • الفهم المنظومي للسنن:

وهو ما يعني النظر الى السنن باعتبارها منظومة كلية تتساند وتتراتب وتتواقف وتتفاعل مع بعضها والعمل على التوازي والعمل على التوالي، وفي هذا المقام يمكننا الإشارة الى أن عدم فهم التكوينات البشرية والاجتماعات الإنسانية لحقائق ومقتضيات السنة وفعلها وأحكامها الشرطية الواجبة والفهم العميق لها وعيا وسعيا، والمآلات والآثار المتربة عليها والنتائج المتحصلة على التفاعل بها ومعها سواء كان هذا التفاعل سلبيا أو إيجابيا؛ إن عدم الوعي والسعي الذي تفترضه سنة مثل التداول يمكن أن يوقع مع طول الأمد وحالة القساوة النفسية والسلوكية فترد عليهم سنة الاستبدال؛ (يستبدل قوما غيركم).

  • الفهم التقويمي للسنن:

وتعد هذه السمة لوصف هذا النهج السنني من أهم السمات، فإن السنن من حيث تحركها نحو كل ما سبق، تملك قدرات في تقويم الأفعال الحضارية والسنن المرتبطة بها وفعل الإنسان بها ومعها ولها، إنها تشير إلى مناطق قصور وتقصير، وتحرك أصول مناهج نقدية للواقع وحركة للفاعلية بأفعالهم وعلاقاتهم وحالاتهم وسياساتهم، هذا التقويم من أصول التفكير السنني، وهو يتحرك بفعل الأمر القرآني بالتدبر والاعتبار والتفكير والنظر، كلها عناصر إذ تلفت إلى ضرورة رؤية الثابت والقانون العام في دائرة عالم الأحداث فإنها تعتبر هذا التفكير والنظر والتدبر ليس خلوا من مقصد، أو يمارسه الإنسان باعتباره عملاً يقع في دائرة الرياضة الذهنية أو الترف الفكري، فإن هذا الربط الشرطي في التفكير السببي وتحديد أصول التعامل مع المفاصل، كل ذلك من الواجب أن يصب ضمن وظيفة أساسية ترتبط بكل هذه العمليات، مقصودها الاعتبار للعبور من الفعل وبه إلى دائرة أكثر فهماًا ووعيًا وسعيًا بمقتضى السنة والمنظومة المرتبطة بها.

  • الفهم المستقبلي للسنن:

ذلك أن مفهوم الاعتبار كما يشير إلى معاني التقويم والتأصيل والبحث الإنساني والنظر المدقق والتدبر العميق، فإنه يشير من ناحية أخرى إلى أصول التفكير ضمن دائرة النظر المستشرف إلى المستقبل، إن السنن في صيغتها الشرطية تتضمن كذلك وبفعل المقابلات والتفكير بدائرة الانعكاس الشرطي، إلى دائرة مهمة إذ تلعب السنن دورًا تحذيريًا، هذا الدور التحذيري، لابد أن يؤتي كل آثاره بفعل عناصر الرشد الإنساني، فيكون التدبر فعلاً مستقبليًا يقدر للفعل عواقبه، ويبحث عن سننه الفاعلة، السنن التآثير، وسنن التدبير كلها سنن تتحدد في ضوء عناصر العبرة والاعتبار، والمقاصد والأهداف فتحرك عناصر التفكير المستقبلي لا بشأن أنه يستند فقط على الإيمان بالغيب، ولكن باعتباره ضرورة إنسانية تعبر عن كمالات التفكير الإنساني لمقصود التفكير الراشد والتدبر والاعتبار، فإن النظر في (عواقب الأمور) (واعتبار المآل) (وأفعال التمكين) كلها عناصر تردف فكرة المستقبل.

كما أن هذا التصور السنني يتيح إمكانات لدراسة القرارات التأسيسية والاستراتيجية (القرارات الفاصلة والمفصلية) وتأثيراتها الفاعلة في مجال التعامل الدولي، بحيث يمكننا دراسة جملة هذه القرارات سواء تعلقت بسياقات تاريخية أو معاصرة ضمن أصول المنهج السنني.

تبقى بعد ذلك الإشارة إلى أن الضغوط الحضارية كفكرة محورية ضمن عناصر النهج السنني لابد أن تترك تأثيراتها، وبما يشير أن حقل العلاقات الدولية تتجلى فيه جملة من الضغوط الحضارية التي ترتبط بهذا المجال مثل ضغوط: الضعف والقوة، وضغوط التجزئة والتشرذم، والضغوط المتعلقة بالنظرة التي تقوم على تزييف السنة في الوعي التاريخي والمعاصر، وباعتبار أن هذه العناصر الحاجبة من أهم مصادر الفعل الارتجالي غير المخطط.

ويبقى كواحد من أهم تأثيرات هذا النهج السنني أنه يشكل أهم عناصر تحفظ على كل التحليلات والتفسيرات والتقويمات القائمة على إعفاء التراث من المسئولية عن حال الضعف والغياب، فإن هذا التحليل السنني يصد كل عناصر التحليل الذي يركن إليه البعض ضمن التضمينات السيئة “لنظرية المؤامرة”، والتي لا تهمل عناصر القابلية للمؤامرة من جهة، كما لا تغفل الإشارة إلى عدم الأخذ بأسباب المواجهة والتحدي من جهة أخرى.

كذلك فإن التحليل السنني يشير إلى إمكانات الخروج من دائرة المفعولية في حقل العلاقات الدولية إلى دائرة الفاعلية في إطار تحقيق أسس هذه المعادلة التي تستند في البدء على قاعدة من الإدارة السياسية والعدة ضمن تحويل إمكانات القوة إلى عناصر قدرة.

كذلك فإنها تشير ضمن هذا التحليل السنني إلى أن الظواهر السلبية التي تفت في عضد الكيان العربي والكيانية الإسلامية خاصة التجزئة والتفرق إنما تحركها عناصر فهم سنني يركز على أبعاد القابليات لهذه العمليات، وليس بإحالة ذلك على الاستعمار وسياساته الظاهرة والخفية في هذا السياق، والاستعمار في أشكاله الجديدة والقديمة، إن عناصر التجزئة البنيانية هي أهم قابليات الفعل الخارجي، من دون تحميل أو إحالة ومن دون إعفاء الآخر من القيام بجملة من السياسات التي تشير إلى عناصر تربص تحقق مصالحه المتنوعة على مر الزمن.

وأخيرًا فإن سياقات التبعية لا يمكن تفسيرها إلا ضمن عناصر تحكم حلقات التبعية وذلك ضمن البحث عن سنين التبعية والإبقاء عليها، والاستمرار ضمن دوائرها المتعددة، إن هذه التفسير السنني كما يشير إلى شروط البقاء، يشير إلى شروط الخروج، ولكن هذه الأمور ليست فقط على هذا النحو التبسيطي أو الاختزال ولكن ضمن سنن الآليات التي ترتبط بدورها بهذه الأطر السننية الكلية.

عمليات شديدة التعقيد والتشابك تفرض أن تعتبر هذا النهج السنني بالاعتبار اللائق في علاقات تتعلق بحقل العلاقات الدولية وضمن عمليات تتعلق بالوصف والتحليل والتفسير والتقويم.

سنة التدافع وسنة التغيير: مدخل للفهم ومقدمة للحركة:

هاتان السنتان هما ساقا السنن جامعة إن حالة التدافع تدفع الى مسالك التغيير ومناهجه، وهو ما يؤدي إلى جملة علاقات “التدافع الحضاري”، التدافع الحضاري حركة فعل ممتد، إيجابية مانعة لكل أنماط التخريب الكوني والجماعي والفردي، ودافعة إلى تيسير وتحقيق كل الفاعليات الكونية بمقتضى التسخير للعمارة الحضارية الكونية والتيسير لها واستمرارها. وهي رافعة لكل عمل حضاري يشكل إضافة عمرانية إلى الكون فيه صلاحه وإصلاحه، التدافع الحضاري تحريك للقدرات الإيجابية للإنسان واستثمار للمكنونات الكونية التسخيرية للحفاظ على شرط العمارة الكونية، وهي التكريم الإنساني الذي يضمن لتلك القدرات الإيجابية عملاً عميقًا ممتدًا في الأزمات والمكان والإنسان، في عالم الأفكار والأشياء والأشخاص والأحداث. والدفع عمل حضاري مفتوح للعودة بأطر التوازن الكوني والعدل في العمارة الكونية إلى حقيقته وجوهره، “إدفع بالتي هي أحسن”، بحيث يجعل من حركة الدفع الحضارية غاية هادفة إلى الإحسان الحضاري بكل تنوعاته ومجالاته ومن هنا تبدو حركة الدفع الحافظة لجملة العلاقات الدولية المتشابكة، وحركة التعامل الدولي المساندة، ووقائع العلاقات الخارجية المتفاعلة، هي الأساس في منع عناصر التخريب والخراب الحضاري، وفي المقابل تعمل على تشييد العمارة الكونية الحضارية كفعل إيجابي من جانب آخر.

معادلة العمران في مواجهة معادلة الطغيان، وفلا شك أن ترك معادلة الطغيان ضمن مجالات العلاقات الدولية والتعامل الدولي والعلاقات الخارجية تفعل فعلها وتراكم عملها من غير مجابهة يؤدي إلى نقيض العمران، “لهدمت صوامع وبيع وصلوات”، “لفسدت الأرض” ويحرك جملة الحركة في هذه المجالات المتنوعة للحركة الحضارية في طريق سلبي، يشوه أصول هذه العلاقات وفروعها، بحيث يكمن الظلم في أشكالها وأساليبها، ويحرك عناصر القوة الطاغية في الحركة والعلاقات، ويدجن أسس المصالح الاستئثارية وفق علاقات قوة وتبعية، بما ينتج جملة من مظاهر الاستخفاف في العلاقات السياسية الدولية. إنها تنتج نفس عناصر المعادلة الفرعونية في التعامل الدولي من علاقات القوة والاستكبار. الرؤية العقدية تجعل من الاختلاف “سنة” ومن التعدد “حقيقة” ومن التعارف والتعايش “ضرورة” ومن التدافع “عملية”، والتدافع كعملية حضارية ممتدة ومستمرة تنتج جملة من الأفعال الحضارية هي في حقيقتها عملية جزئية، تشكل فروعًا لعملية التدافع إلا أنها بدورها تعبير عن سنن وأشكال من التعامل في نفس الوقت، واختلاف الأحوال الحضارية لا يمنع من معنى السنة الحاكم لها على اختلافها ونوعها بل وتناقضها، الحرب والقتال شكل من أشكال التدافع يُحكم جملة بالسنن الخاصة به. والتعاون والتعايش والتفاعل والعلائق التي يقتضيها حال السلك شكل من أشكال التدافع، وفي الحالتين تتداخل العلاقات وتتفاعل ضمن نماذج متنوعة يستغرقها الوصف القائل “بالتي هي أحسن”، وفق أصول وضوابط شرعية مرعية من جانب، وأحوال ونوازل وأحداث معتبرة من جانب آخر، والاعتبار المستثمر لعناصر القدرات والإمكانات المتاحة بما يكون عناصر القوة وفق منطق العصر وتحصيل أصول القوة فيه من جانب ثالث.

السنن تحرك عناصر التفكير، السببي المنظومي، بما يحرك السبب إلى السنة، ربما يشير إلى أكثر من حالة ومعنى، منظومة الأسباب توافق الأسباب، تساند الأسباب، تفاعل الأسباب، دائرة الأسباب، الأسباب وحراكها، الأسباب المقدمة، الأسباب النتائج، أوزان الأسباب، تراتب الأسباب، سبب الأسباب، هامش الحركة الإنسانية ومعرفة الأسباب، الوعي السببي وعملية التفسير، هضم السنن والأسباب والتنوع بتفسيرات “الجبرية- القدرية- المؤامرتية، الخرافية، والعبثية”.

لقرأة الجزء الأول الرابط البديل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى