دراسات

المنهجية الإسلامية: مقدمات التفكير ومقومات المنهج


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


المنهجية الإسلامية: مقدمات التفكير ومقومات المنهج

مقدمة:

من الأهمية بمكان ونحن بصدد الحديث عن توجيه البحوث لخدمة الأمة أن نسترجع المعاني التي تطلق على تلك العلوم والبحث فيها ” علوم الأمة ” لارتباطها بقضاياها وتحدياتها، و ” علوم العمران” ارتباطا بالكونية الإنسانية واستخلافها بقاء وارتقاء ونماء.

إذ تعتبر الأمة هي المجال الحيوي لإرساء قواعد المثالية وبلوغ القيم التي تشكل أهم مقاصدها، كما أنها تعبير عن قمة التجانس الإدراكي والعقيدي والتأكيد على الجانب المعنوي والفكري.

إن كل ذلك يعني ضمن ما يعني أن نجعل من الأمة فاعلا حاضرا وحضاريا الأصل فيه الحضور والشهود لا الغياب والمغيب.

الأمة وفق هذا التصور هي الفاعل الحضاري، فإذا أردنا أن نجعل من الفعل الحضاري ” وحدة تحليل ” فإن الأمة هي أهم شرط للفاعلية التحليلية لمثل هذه الوحدة.

هذا التصور لابد أن يولد ” حالة بحثية ” تتيح عن نموذج يولد رؤية كلية للعالم الذي حولنا، وإمكانات التفاعل معه والفاعلية فيه.

رؤية تحرك أصول إسهام النظام المعرفي الإسلامي في إطار ما يولده من نظرية ” للوجود “، ونظرية للقيم، ونظرية للمعرفة على تفاعل فيما بينهما، تحاول أن تسير مع عناصر تفعيلها وتشغيلها في إدراك الحالة العالمية وحال الأمة والظواهر المرتبطة بهما.

إدراك الذات وقدراتها وإمكانات تعظيمها، وعي يتحول إلى سعي، يبدأ من وعي الذات إلى وعي الآخر إلى وعي الموقف الحضاري بكليته وإمكانات الفاعلية والحضور فيه. وهو ما يحدد أجندة بحثية تتوافق وأصول فكرة الأمة الجامعة ” في بناء ” الحضارة الفاعلة ” بما يحقق أصول الشهود الحضاري بما يعني دراسة التحديات والكشف عن جذورها ودراسة الواقع في ضوء عناصر الذاكرة التاريخية والحضارية للأمة، ودراسة الواقع في إطار تدبر حال الأمة وإمكانياتها المستقبلية في الفاعلية في عالم شديد التشابك سريع التطور والتغيير.

الأمة وبما تمثله من قيمة وتضطلع به من وظيفة تشكل الفاعل الحضاري الأساسي إنها مفهوم وفق عناصر الجامعية التي تشكل جوهره يجعل من عناصر تشكيل الأمة ومقتضياته، وعناصر فاعلية الأمة في الاستمرارية والقدرة والتأثير والقيام بالأدوار المنوطة بها.

كل هذا بدوره يفرض عناصر بحثية تشير إلى البحث في مستويات الفاعلية للأمة وآليات تحقيق هذه الفاعلية، والإمكانات والمعوقات، وتجليات الفاعلية من المجالات النظامية والمؤسسية والعلائقية. ويشكل ” حديث القصعة والكثرة الغثائية “، إشارة إلى عناصر تفسيرية يحملها الحديث من الأهمية بمكان في البحث في مناط الفاعلية للأمة، بل ربما تحدد أصول مناطق البحث، وموضوعاته التي تسهم في فهم واقع الأمة وتحدياتها وإمكانات فاعليتها في ظل وضع التعدد في الوحدات والكيانات. والأمة بما تعنيه من أصل ” الأم ” و ” القصد ” في مبناها اللغوي تحرك إشكالات بحثية من نوع معين تتوجه إليها بالدراسة والبحث، إذ يتفرع عن معاني ” الأم” أي القصد وتحديد وجهة البحث، ومنهج النظر فيه، وفهم أصول التعامل مع قضايا الأمة ومؤسساتها، ومنهج التفاعل مع الموضوعات المرتبطة بكيان الأمة وإشكالاتها [1].

إنها تعبر عن معنى لو استطعنا تأصيله وتحريكه أن يحدد ” الوجهة البحثية ” وبما تشكله من تمثيل ” القبلة البحثية ” في هذا المقام.

وهذه مهمة إذ ترتبط بالأمة لا تنفصل عن مهمة ارتقاء العالم والإنسانية بما تقومه من مراجعات نقدية منهجية تتسم بالعدل والاستقامة لكافة القابليات والإمكانات التي مكنت ” النظام الغربي ” من أن يبلور بواسطتها، صورة عن ذاته ويخلق بشكل مواز صورة مشوهة للآخر لتأكيد ذاته. ثم تبيان محاولته ليستقيم ذلك، رسم ” مصير متعال ” له ليجعل من نفسه ” محورا ” بل ” مرجعا ” تاريخيا عالميا وحيدا في معالجة مجتمعات ” ما وراء البحار ” وذلك من خلال منظومات فكرية متوخيا من ورائها إجماعا نسبيا على رسالته التبشيرية ” التحضيرية “: لكي يتسنى له تصديرها من خلال إغواء وتنشئة نخب في المجتمعات الأخرى.. لتكون معابر لبسط سيطرته وترسيخها في جسم هذه المجتمعات.

والحقيقة أن ما يقصده النظام الغربي، في إستراتيجية هذه، هو تحويل تواريخ الشعوب في الأطراف إلى أصفار على هامش الحضارة. فبدلا من النظر إلى ثقافات ما وراء البحار من زاوية تعبيرها عن ذاتها صار الاهتمام بها مرهونا، لسبب أو لآخر، بقدر اندماجها في دائرة السوق العالمية من الموقع الأدنى المتمم لحاجات إنتاجية للمركز الأوروبي والحضارة الغربية الغالبة.

بناء على ما تقدم فإن أية مقاربة لمكونات الصرح الأيدلوجي للنظام الغربي تستدعي التعرف على المفاهيم والأدوات الإجرائية التي اتبعها بدءا من عصر النهضة الأوروبية.

بيد أن هذه النشاطات، لم تقم في المجتمع الأوروبي، عن سيطرة الإنسان على الطبيعة وإبداع مناهج جديدة للإنتاج وبناء الآلات والحصول على مستوى صحي لائق وحسب، إنما أقيمت أيضا على مبادئ سيطرة البشر عن بعضهم على بعض وذلك عبر شبكة مؤسسية من المعاني الجيوسياسية والاقتصادية والأيدلوجية.

أنه ليس أمامها إلا الامتثال لهجمة التحليل ” العلمي ” وأدواته المفاهيمية المسبقة الصنع كي يضمنها إسقاطاته؛ حينئذ تصبح قابلة للفهم إنسانيا وتاريخيا [2].

ضمن هذا السياق تبدو لنا أهمية مقولة توجيه البحوث بصدد “علوم الأمة ” و” علوم العمران ” للاستجابة لتحديات مركبة ترتبط بعالم:-

  • الذاكرة الحضارية (ودراسات التراث والفكر السياسي الإسلامي)
  • المعضلة المنهجية (ودراسات المنهجية الإسلامية)
  • والنظام المفاهيمي (وعمليات بناء المفاهيم والجهاز المفاهيمي)

وهو أمر يحدد أصول استخدام ” البوصلة البحثية ” في هذا المقام.

بين هذا وذاك تتم الترجمة المؤسسية لذلك النهج لعناصر وضع الأجندة البحثية وبرامج العمل فتكمن في الجامعات الحضارية وعلى وجه الخصوص كليات الشريعة وكذا مراكز البحوث التي تشكل رافعة حضارية وبحثية تتمثل في ” مستودعات الافكار ” والقدرة على تأسيس خطة إستراتيجية حضارية بحثية مستقبلية؛ أما الترجمة التي تتعلق ببرنامج العمل البحثي كأنما يتوجه إلى أولويات مهمة بصدد القضايا والمداخل والأدوات المنهجية وإحياء الذاكرة الحضارية وليس القطيعة معها، ضمن عمل منهجي ومعرفي منظم.

أولا: المنهجية الإسلامية (المقدمات): فصل المقال فيما بين مناهج التفكير ومناهج البحث ومناهج التغيير والتأثير من اتصال: 

كنت أتسأل بيني وبين نفسي من خلال تلك المسيرة العلمية والتدريسية والإشراف على البحوث والرسائل الجامعية فضلا عن ممارستي العمل البحثي والتأليف، لماذا لا يتخذ غالب طلاب العلم والبحث مسألة المنهج ومناهج البحث بالاهتمام اللائق والفائق الذي تستحقه، ذلك أن العلم يقام على ساقين لا يمكنه التقدم إلا بهما، العلم يرتبط بساق يتمثل في الموضوع والمجال الذي يعمل فيه والاختصاص والتمكن المرتبط به، أما الساق الأخرى فإنها تتعلق بالمنهج الذي يشكل معرفة بالمجال وخرائطه وطرقه وطرائقه، وسبله الفاضلة وأساليبه الموصلة وأدواتها الناهضة بالأداء الفاعلة في التطبيق في كل مجالات البحث والفحص والدراسة والدرس، فلماذا قد يهتم الباحث بالموضوع ولا يهتم بالطرق المؤدية لفهمه والبحث فيه والدرس في اشكالاته. 

على الرغم من أن التوقف أو الوقوف عند أو على ساق واحدة غالبا ما يؤثر على حركة الباحث وتحصيله وعمله البحثي وعلى فهمه وتدبيره في شأن بحوثه وعمله فيها بما تستحق من اهتمام وعدة واستخدام أدوات وحسن أداء ومُكنة.  

هذه الحالة مؤثرة في تعويقه بل واهدار طاقته، ذلك أن من حسن الأداء في ميدان ما أو مجال معرفي بعينه معرفة طرقه وطرائقه واشاراته وتنبيهاته وأساليب السير فيه وأدواته بلوغا للمقصود وتحصيلا للمنشود.  

كان من بين الدواعي لتفسير ذلك الاختزال في العمل والإهمال لمسألة المنهج والتطبيقات المتعلقة به والاغفال لبعض معطيات المناهج وموجباتها والانفصال بين الموضوع وصاحبه (أي الباحث) والطريق الذي يسلكه والأدوات والعدة التي يتزود بها لسير فيه من أقصر طريق وأوصل جهة وأوضح تطبيق وأداء، يكون من حيث معرفته بالطريق يرد الإبل من مواردها وتفتح مغاليق الأبواب البحثية له بمفاتيحها.  

واهتديت إلى أننا قد نقوم بالتدريس والدرس بالدخول إلى الميدان والبيت البحثي مباشرة ونحاول في مساقات مناهج البحث أن نطلع الطالب الباحث على مكونات البحث وتأسيساته وأثاثه ولكننا نسينا بعد أن أغلقنا أبواب البيت وبعد التعرف على مكوناته والتعريف بها أن نعطيه مفاتيح الاغلاق والفتح مرة بعد مرة مع تكرار دخوله واستمرار فعل بحثه ودرسه فالباحث الذي اتخذ من البحث مهنته يتقلب بين البحوث ومن بحث لآخر، نعم نسينا أن نعطيه ( نسخا من المفاتيح الفاتحة أبوابه المختلفة )  للوصول إلى مكوناته المتنوعة والعيش فيه والمقام في جنباته واستخدام ما فيه من أدوات ووسائل للنفع والعيش والبحث والفحص والدرس.   

فما كان من الباحث إلا أن ذكر بعض مكونات البيت من زيارته الأولى ما تذكر فيها وذكر منها من دون تذاكر أو تفاكر من دون بحث أو تطبيق، فهو يحكي عن المنهج بالصورة أو بالهيئة على ما بقي في ذاكرته أو طاف على خياله لا بالمادة والتطبيق الرشيد والسديد لإعمال مناهج البحث بمقتضياتها ومستلزماتها فظل الأمر على عهد ذاكرته الأولى لا مذاكرته المتكررة وبحثه المتراكم من تطبيقاته المتعددة والمبصرة.  

غاية الأمر أننا لم نزوده بجملة المفاتيح لفتح أبواب المنزل أو البيت من خارجه ومداخله، ومن داخله وحجراته المختلفة ومرافقه الخادمة المتنوعة، كل بمفتاحه وكل بمدخله، فيقيم فيه ما أقام لاستثماره ويجيد اعتباره لكل ما يلزم من أدوات وأداء وإعداد وعدة، وإمكانات وقدرات ومكنة، أول تلك المفاتيح مفتاح القراءة ومناهجها ومفتاح التلقي وأدواته ومفتاح الكتابة وأساليبها ومفتاح البناء العقلي وبنياته، ومفاتيح مناهج التفكير وقدراته ومهاراته وعلى أهمية المفاتيح السابق ذكرها إلا أن المفتاح الأساس في هذا المقام ” Master Key ”  إنما يتمثل في التعرف على مناهج التفكير قدرات ومهارات أدوات، خرائط وتنويعات وتصنيفات، فتعين الباحث في ممارسته البحثية وتطبيقاته العلمية مع تعدد مجالاتها وتكرار تجاربها وخبراتها، إن فعل التعقل والتفكر والتدبر إنما يشكل طاقة حقيقية للباحثين يجب أن لا يغفلوا عنها أو عن القدرات التي تتعلق بها بحيث يكون استخدامها المرة تلو المرة وربط ذلك بالتطبيقات والممارسات البحثية معينا في تكوين الملكة العلمية والبحثية وسقلها بعد كل ممارسة من خلال الوعد بضروراتها والسعي بموجباتها والقدرة على توصيفها، تأصيلا ما أراد وتفعيلا ما استطاع وتشغيلا مبدعا في أي مجال من المجالات.   

ومن ثم في البداية يجب أن نتوقف عند التعريف وخرائط التصنيف وقدرات التوظيف لأن هذه الأمور والوصل والصلة فيما بين الأطر الكلية لمناهج التفكير التي تشكل المقدمات الأساسية ومناهج البحث التي تمثل الطرائق والأساليب في البحث والدرس كل ذلك من الأمور المهمة في تلك العمليات، وأن الوصل بين هذين الأمرين مناهج التفكير ومناهج البحث من جهة أخرى يتطلب وصلا بصيرا لكل أدوات التفعيل بمناهج التغيير ومناهج الفاعلية والتأثير، رباعية في غاية الأهمية بينها عروة وثقى لا انفصام لها، مناهج التفكير ومناهج البحث ومناهج التغيير ومناهج الفاعلية والتأثير. 

  ضمن شبكة من التفاعل الإيجابي فيعطي لتطبيقات مناهج التفكير في البحث الثمرة المرتبطة بهما وتحقيق المقاصد المعقودة عليهما في إطار من التفعيل المتكامل لكل ذلك مع مناهج التغيير المثمرة ومناهج الفاعلية والتأثير المحكمة، إنها دورة التفاعل والتبادل والتكامل حينما تتم بأصولها وشروطها فتكون تلك الشجرة المنهاجية الطيبة التي تنتج أكلها كل حين بإذن ربها في عقد أمر يتعلق بالصلة والاتصال والتواصل والواصل والموصول فيتحرك كل ذلك ببصر وبصيرة إلى محطة المقصد والوصول.  

وهو ما يجعل طبيعة النظر إلى تلك الرباعية ضمن منهج مأمون يتعلق ببلوغ المقصد والوصول ألا وهو النظر إلى حقيقة العلاقة أي يكون ذلك باعتبارها رسالة اتصالية كاملة ومتكاملة فتمثل أصالة في أدوارها ومقصدها، وكما يقول الإمام “الطوفي” أن مغزى الأصل في أصله هو الوصل فإن همزته قلبة ( واو ) وهو أمر لعَمره يعقد الوصل المعقود لبلوغ الوصول المأمون أصول الغاية والمقصد المنشود.   

وكذا من المهم تأكيد على قاعدة أن الأصل هو الوصل أن نتحرك صوب محاولة تأسيس جملة من القواعد المهمة التي ترتبط بمسألة الصلة والوصول (فصل المقال لما بين مناهج التفكير ومناهج البحث ومناهج التغيير ومناهج الفاعلية والتأثير من الاتصال)، إن عملية التفسير بين الرباعية المنهاجية التفكير والبحث والتغيير والتأثير إنما تستند إلى دواع عدة تقيم أواصل هذه العلاقة ووشائجها المتينة والرصينة فتجعل الصلة طريقا للتواصل والاتصال معبرا للوصول إلى الهدف وبلوغ المقصود.   

ولو أردنا أن نعدد تلك الجسور الواصلة بعرى وثيقة وروابط أكيدة وعمليات مهمة تشكل تلك الرؤية البنيوية فتشتد بها الأركان وتشد إليها الأعمدة من الاجتهاد والتجديد؛ والعلم النافع والعمل الصالح؛ ومن الواقع وموجباته؛ والوعي والسعي على ترابط بينهما والتحديات وارتباطها بالاستجابات؛ والسياقات المتعلقة بالفقه المتكامل : فقه الحكم وفقه الواقع وفقه التنزيل، كما أن من الأركان المهمة في هذا المقام السنة الماضية المتعلقة بضرورة الخروج من الأزمات ومواجهة التحديات ومتطلبات ذلك من إرادة موصولة بالعدة مقصودة وإدارة الإرادة والعدة معا ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة )؛كما يرتبط ذلك أيضا بأركان متعلقة بتوصيف تلك العلوم في الرؤية الإسلامية بكونها علوم عمران قاصدة إليه، وعلوم أمة تتحرك نحوها البوصلة وتحدد الجهة والوجهة.  

وأيضا تتحرك مسألة التأثير تلك ضمن عمليات وصلة من التدبير الواجب والتسيير اللازم كل هذه الروابط والمسالك المهمة في الجمع التفاعلي بين التفكير والبحث والتغيير والتأثير يكون فاعلا مؤصلا استنادا إلى رؤى مقاصدية عامة وكلية ورؤية سننيه تحكم الأفعال وتحدد مسار الحركة بمدد من وعي شديد وسعي رشيد بفهم عميق وحركة فاعلة عادلة ويترافق مع هاتين الرؤيتين نموذج معرفي سفني اذ تجعل من مناهج التفكير السفني ومناهج البحث المرتبطة بها وكذلك المناهج التفكير والبحث المتعلقة بتسيير السفينة وإدارتها تجنبا لعاقبة الهلاك وسلوك مسالك الإنقاذ بلوغا لعاقبة الفلاح والنجاح.  

إن تحريك وتنظيم وتأسيس تلك الروابط إنما يتجسد في فعل مؤسسي راشد وفاعل من مستودعات التفكير ومؤسسات لتأسيس عقل استراتيجي للأمة وجامعات ومراكز بحث حضارية، كل ذلك يرتبط بطرفي متفاعليه باحث مهموم بقضايا أمته وعالم مسؤول ملتزم بوظيفته الكفاحية في اطار رؤية جامعة تؤكد على رؤية تستلهم أدب العالم والمتعلم ضمن رؤية تنشد إلى منظور حضاري واعي بأصول فقه حضاري بقواعده وموجباته في سياق ممارسة واسعة وممتدة لشورى باهضه في قلبها الشورى البحثية مستندا في كل التركة برؤية واضحة رافعة دافعة ناهضة مؤسسة على نموذج معرفي توحيدي مستلهمة رؤية منفتحة متسعة الأفق للكون والعالم داعية وواعية بأن هذه الرؤى لا يمكن القيام بواجباتها في التأصيل والتفعيل والتشغيل إلا من خلال ممارسة تربوية ونشاطات تعليمية واسعة وخطة تدريبية ومهارتية ممتدة تمكن لتكوين شبكة ملكات ومكنات متعلقة بمناهج التفكير ومناهج البحث ومناهج التغيير ومناهج الفاعلية والتأثير في أرض الله الواسعة وميدان الحياة العامرة.  

مناهج التفكير وتراث الإنسانية:      

من المسائل المهمة المتعلقة بمناهج التفكير التي أشرنا إليها أن هذه المناهج تعبر عن عمليات ذهنية بدهية وفطرية يقوم هؤلاء من بعد بتطويرها في أشكال وأساليب ومناهج للتفكير تتعلق بمستويات دنيا للتفكير ومستويات عليا وحينما نرى مناهج التفكير في أبعادها الإنسانية سنجد أن التفكير يتخذ عدة تصنيفات على قاعدة من معايير متنوعة ومتعددة، ذلك أن عمليات التفكير بطبيعتها تتعلق بكل شيء في حياة الانسان فالإشكال البحثي ليس بعيد عن أي مشكلة يمكن أن تواجه الانسان وليست بعيدة عن عمليات التفكير الفطرية التي يقوم بها لمواجهة مشكلة ما، فالمشكلة لابد أن تتعين وتوصف في اطار تحديد المشكلة، ثم يقوم الانسان باستعراض عناصر المشكلة والمعلومات التي تحيط بها، ثم يفترض فروضا عدة يستبعد بعضها ويستبقي بعضها، ثم يجتهد في وضع البدائل والحلول لتلك المشكلة، هذا شأن الانسان وهو شأن الباحث لممارسة ما يسمى البحث العلمي إلا أنه الخطوات التي مورست من غير قصد وكيفما اتفق تتحول إلى خطوات منظمة مرتبة متتالية وتتوسل أدوات وتجمع من مصادر ومن المراجع وتناقش افتراضات واحتمالات وتقدم بدائل وحلول.

ومن ثم ليس من هدف بحث كهذا أن نعدد مناهج التفكير أو نشرح متضمناتها لأن ذلك ليس عمل ذلك البحث ولكن من هدف ذلك البحث أن ينبه ويشير إلى أهمية مناهج التفكير على تنوعها وتصنيفاتها ضمن حزمة معايير متنوعة إلى تصنيفات لمناهج التفكير في فئات متعددة، ومن ثم سنأتي فقط على ذكرها إشارة وقد نعرف بعضها ولكن ذلك لا يجزئ بأي حال عن ضرورة التعامل مع كل منها على حدى ضمن نماذج لمناهج التفكير الاعتيادية والعليا بما بنية أساسية لمناهج البحث والتغيير، والهدف من ذلك أن ندل أن مناهج التفكير والتعرف عليها والتطور والتطوير الذي طرأ على بنيتها هي أمور أساسية كمقدمات ضرورية للدخول إلى مناهج البحث واستنادها إليها كمقدمات لا يجوز بحال اغفالها أو الدخول إلى مناهج البحث مباشرة بدونها. تصنيف مناهج التفكير استنادا الى معايير متنوعة:

المهارات والعمليات والأدوات في مناهج التفكير:

مناهج التفكير في الرؤية الإسلامية

يشيع لدى البعض أن مناهج التفكير هو تأليف غربي خالص؛ خاصة حينما يتحدثون عن صنوف التفكير المختلفة وعن علوم المنطق التي نشأة في الحضارة اليونانية، ولكننا نعتقد أن هذا يشكل تحيزا كبيرا حينما ينظر إلى الفكر الإسلامي باعتباره فكر غير أصيل، أي أنه يستمد بعض عناصره المنطقية والعقلانية من أصول الحضارة الغربية خاصة حينما تجد في ذلك الاهتمام بالفلسفة اليونانية لدى سقراط وأفلاطون وأرسطو، وفي حقيقة الأمر فإنه من الواجب علينا ان لا نغمض حق هذا التفكير الغربي في الكتابة في هذا الشأن الذي يتعلق بمناهج التفكير وعلم المنطق إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون أو يمثل مصادرة لإسهامات حضارية أخرى وعلى رأسها الحضارة الإسلامية فعلى سبيل المثال نستطيع أن نقول أن القياس المنطقي لدى منطق أرسطو عبر عن قياس شكلاني ولكنه في الحقيقة فإن التأليف الإسلامي كان عميقا مثل اسهاما مركبا وجديدا في مفهوم القياس وتفعيله في اطار بابين، الباب المتعلق بالأسباب ومقدماتها وارتباطه بالأصول القيمية الأصولية، ذلك أن اليمان بالأسباب لم يمنع المسلمين بأي حال من الأحوال من التأكيد على مساحات الإيمان والقيم فأخرجت القياس من أبعاده المنطقية الجافة إلى آفاقه المنهاجية والقيمية والإيمانية على حد سواء.

    إن الإمام ابن تيمية في نقده للمنطق كان يشير إلى هذا المعنى الإيماني وكان يشير إلى هؤلاء الذين يولعون بتفسير السببية الصلبة على حد تعبيرنا الأستاذ المرحوم الدكتور عبدالوهاب المسيري ولكن السببية والبحث في العلل والوقوف عليها كان من المباحث المهمة في القياس الإسلامي، ومن هنا فإننا نؤكد على أن الايمان بالأسباب لمم يكن مانعا بأي حال من الأحوال من الإيمان بالغيب وبالتوحيد الإلهي وبالقدرة الإلهية ومشيئتها وبالقضاء والقدر وبأمور غاية في الأهمية تتعلق بالقيم حينما تجعل المنطق عملية منهاجية وعقلية وإيمانية، فالأخذ بالأسباب واجب والولع بها مرفوض وإثبات الاختيار الإنساني لا ينافي المقدرة الإلاهية والقدرة الإلاهية وقدر الله لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصادر الأخذ بالأسباب وكذلك التعويل على الفعل الإنساني وعيا وسعيا واختيارا، ومن هنا سنرى أن هناك اسهامات إسلامية في مناهج التفكير خاصة في مستوياته العليا نأتي على ذكر بعض هذه المناهج ثم نتناولها ببعض من الإشارة الاجمالية التي تستحق منا بعد ذلك دراسة متأنية للربط بين تلك المناهج والرباعية التي أشرنا لها سابقا أي العلاقة بين مناهج التفكير ومناهج البحث ومناهج التغيير ومناهج الفاعلية والتأثير.

     وكان من ضمن تلك المناهج المهمة التي يجب أن نشير بها في هذا المقام تتعلق بالتفكير المقاصدي والتفكير المصلحي والتفكير السنني والتفكير بالضرورة والضرر والتفكير المناطي والتفكير المآلي والتفكير التنزيلي والتفكير السنني والتفكير السفوني، فضلا عن كل العناصر التي تتعلق بضبط العلاقات بين رؤى معينة لمناهج تفكير من دون أن تفقد أفقها الإيماني والقيمي، وفي هذا الاطار فإن البحث في توليد أنماط الأفكار في الرؤية الإسلامية إنما يعتبر مدخلا غاية في الأهمية حينما نربط بين المدخل المقاصدي وتوليد أنماط تفكير والمدخل السنن والسفني وتوليد أنماط أخرى من مناهج التفكير وكذلك التفكير والمفاهيم البصرية من خلال الامثال القرآنية والنبوية، ومن هنا فإن تلك الأنماط من التفكير ترتبط لزوما بمسالك من التربية وتحول من خلال مفاهيم معينة أن تربط بين المساحتين في رؤية منهاجية إيمانية تربوية قيمية ولعله في هذا المقام نشير إلى إشارات مهمة وإلى إيحاءات وإيماءات غاية في الأهمية حينما نربط بين أنماط التفكير التوحيدي والتربوية التوحيدية، والتربية بالآيات والتربية بالعبرة والتربية بالحوار وإدارة الاختلاف والتنوع والتربية في سياق الانتماء المتنوع ودوائر الانتماء المتحاضنة، والتربية بالأمثال والتربية بالقصص والتربية بالمقاصد والتربية السفونية والتربية بالسنن والأخذ بالأسباب والتربية بالتفاعل والتعامل مع الأزمات ومواجهة التحديات ومعرفة مصادر المنحة في المحنة والفرصة في الخطر والمواجهة الإيجابية للضرر وهو أمر يتعلق بسنن الخروج والتربية عليها “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”؛ وكذلك فإن هناك التربية بالنداءات الحركية خاصة أن الخطاب القرآني حافل بكثير من تلك النداءات والتربية بالنماذج والتربية بالمحاكاة والقدوة والتربية بالمواقف والأحداث والعبرة (وذكرهم بأيام الله ) والتربية الكدحية (يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدح فملاقيه) ، والتربية الاقتحامية (فلا اقتحم العقبة وما أداراك ما العقبة).

     والتربية بالتكليف والتربية بالفرض العيني والكفائي والعمل الجماعي والتربية بالاجتهاد الواسع والتجديد الفاعل والتربية بالمسؤولية والمساءلة والفاعلية والتربية بالخطأ وحركة التوبة والتربية بالأمانة مثلما أشار ابن تيمية في السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية والتربية بالنعمة مثلما أشار إلى ذلك السبكي في معيد النعم ومبيد النقم والتربية بين الفطرة والتقوى والتربية بالقيم والتربية على تهميش السلطة والقوة والتربية بالقراءة والتربية الابتلائية والتربية والقابلية والتربية بالتدافعية والدافعية والتربية على الوعي بالامكانية لبلوغ التمكين والتربية بالإصلاح والتربية المستقبلية والمآلية والتربية المؤسسية والتربية التعاونية والتربية الادراكية والمفاهيمية والتربية بالتدبير والتدبر والتربية الإنمائية والاحسانية والتربية الرحمانية والتربية العبادية والتربية بالحفظ وتحري مسالكه والتربية بالحصانة والمناعة والتربية بالنقد وعلى النقد والمراجعة والتربية الجهادية (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) والتربية الوقائية من القوم البور وقسوة القلوب وطول الأمد والاخلاد إلى الأرض والتربية الجمالية والاتقانية والاحسانية والتربية بالمنهج والبحث والتحقق والتبين، أنماط عديدة من التربية تفوق الحصر والعد وهي من الأنماط التي يجب أن نهتم بهها حتى نربط بين مناهج التفكير فيها ومناهج البحث منها والمناهج التغيير الملازمة لها ومناهج الفاعلية والتأثير حتى يكون لذلك ثورة تعبر عن حالة من حالات الاحسان والتمكين الحضاري.

     وفي هذا المقام ربما نتوقف عند الرؤية المقاصدية في مسألة التفكير في اطار تلك العشرية التي اكدنا عليها والتي استقيت من مدخل المقاصد الذي بلوره الامام الشاطبي، فالتفكير لا بد له من مقدمات ومقومات كما أنه يرتبط بمجالات ونشاطات ويرتبط بحفظ وأوعية وأدوات ويرتبط أيضا بالتفكير في الأولويات وكذلك التفكير الموازيني والتفكير في المناطات والتفكير في الواقع وطرائق وصفه والتفاعل معه والتعرف على عناصره في اطار العلاقة بين الواجب والواقع كما أشار إلى ذلك الامام ابن القيم، والتفكير في المآلات والتفكير في الوسائل والآليات والتفكير في الوسط الحاضر والسياقات والتفكير بالقيم السارية التي تشكل روحا فاعلة للمقاصد ومن هنا وفي تلك العشرية فإننا أمام مناهج تفكير عدة ومنظومات تفكير عليا وقدرات إيجابية في التفكير ومهارات كلية في التفكير بل ان المسألة التي تتعلق بالتفكير في الواجب الكلي قد أشار إليه الإمام القرافي في الفروق، فربط في الواجب بكل الأدوات وحروف الجر المختلفة فإن التفكير باعتباره وجوبا يجب التفكير منه وفيه وإليه وله وعليه ومعه وعنده وبه.

      إننا بذلك يمكن أن نؤكد أن المدخل المقاصدي بعشريته إنما يشكل استراتيجية عامة كلية في التفكير والتدبير ويمكن أن تفرز أدوات منهاجية ومسالك بحثية ويمكن أن تقدم دراسات علمية ومنهاجية للظواهر الإنسانية والاجتماعية، أما عن التفكير السنني والرؤية السننية له فإنها في حقيقة الأمر تشكل ضبطا لقضايا التفكير في مسألتي السببية والبحث المستقبلي وهو أمر في حاجة إلى أن نكتب فيه كتابة متأنية نواجه فيها أنماط التفكير والتدبير التي تقوم على الخرافة أو التفسير المؤمراتي أو أنماط أخرى من أنماط التفكير العليلة والكليلة، كذلك تلك الرؤية السننية في مسألة التفكير وهو أمر يعبر عن مداخل للتفكير المتكامل يبدأ بالسفينة عند صناعتها مرورا بمهمتها وابحارها وصولا إلى مينائها ومرفأ أمانها ومن هنا فإن منطق التفكير السفني إنما يعبر عن مهارات للتفكير العليا نستطيع أن نفصل فيها في هذا السياق وأكثر من ذلك فإن من مهارات التفكير التي يمكن أن تأتي من خلال تلك الرؤية الإسلامية أمر يتعلق بنوع من التفكير النماذجي هذا النوع من التفكير إنما يرتبط بالأمثال كنماذج والنماذج المتعددة سواء كانت نماذج فكرية أو مؤسسية أو تاريخية أو تلك الأمثال التي تضرب في هذا المقام فتقدم رؤى منفتحة للتعامل مع تلك الظواهر من خلال هذا التفكير والتفسير النماذجي، نظن أن حديث السفينة يشكل قاعدة مهمة في هذا المقام.

ومن ثم سنشير إلى بعض هذه المناهج بل ونؤكد أن الحضارة الإسلامية في نماذجها التفكيرية وأصولها المعرفية ورؤيتها للعالم تقدم بدورها، ويشتق من صياغها مناهج تفكير على أرضية المعرفة الإسلامية واسهامها في هذا المجال ومن ثم من المهم أن نشير إلى حزمة من مناهج التفكير ترتبط بالرؤية الإسلامية وهي ليست ببعيدة عن الإشارة إلى مداخلها منهاجية وبحثية مثل المدخل المقاصدي والمدخل السنني والمدخل السفني والمدخل الكفائي والمدخل الفروقي وأيضا المدخل العمراني ومدخل القياس ضمن منظوره الإسلامي، هذه جميعا تولد مناهج وأنماط للتفكير يمكن أن نشير إليها لا تقل أهمية عن مستويات التفكير العليا في هذا المقام.

المدخل المقاصدي بين بناء العلوم وتوليد مناهج تفكير:

وتحري “المقاصد الشرعية” يكون بالنظر إلى قيمتها في ذاتها، وفق ترتيب معين على ما أشرنا، فما به يكون حفظ الدين مقدم على ما يكون به حفظ النفس عند تعارضهما، وما به يكون حفظ النفس مقدم على ما يكون به حفظ العقل، وهكذا..، ثم إن رعاية كل الكليات الخمس يكون بوسائل متدرجة حسب الأهمية من ثلاث مراتب: وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات، وينضم إلى كل مرتبة منها ما هو مكمل لها، فهو مندرج معها في الرتبة، ذلك أن الضروري مقدم على الحاجي عند تعارضهما والحاجي مقدم على التحسيني عند التعارض وكل من هذه الثلاثة مقدم على ما هو مكمل له تعارضه معه، وسبب ذلك بين لا لبس فيه، فالضروري هو الأصل المقصود وأن ما سواه مبني عليه، وأن اختلاله، اختلال لكل ما يترتب عليه ويتفرع منه، أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان في رتبة واحدة كما لو كانت كلتاهما من الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات فإن كل منهما متعلق بكلي على حدة جعلت التفاوت في متعلقاتها، فيقدم الضروري المتعلق بحفظ النفس وهكذا.. أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان متعلقتين بكلي واحد كالدين أو النفس أو العقل.. فعلى المجتهد أن ينتقل إلى الجانب الثاني من النظر حيث ينظر إليهما من حيث مقدار شمولها.

ومن هنا كانت دعوة الطاهر بن عاشور من تدوين علم يسمى مقاصد الشريعة عملية مهمة ومكملة في فهم علم الأصول فضلاً عن فهم الواقعة وحكمها فهمًا صحيحًا وفق قاعدة رد الفروع إلى كليات الشريعة المعتبرة ومقاصدها الأساسية.

 لا يمتري أحد في أن كل شريعة شرعت للناس ترمي بأحكامها إلى مقاصد مرادة لمشرعها الحكيم سبحانه، فشريعة الإسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل أي في حاضر الأمور وعواقبها، وليس المراد بالآجل أمور الآخرة لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة، ولكن الآخرة جعلها الله جزاء على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا…

وإذا كان هذا هو مقام اهتمام الشريعة بالمقاصد الأساسية. فإن اهتمام المجتهد بها أمر مقرر فإنما “تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف وبوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها”.

خلاصة القول أن معرفة مقاصد الشريعة وتحريها مقدمة لازمة لعملية الاجتهاد، ولا يصح لمجتهد أن يقوم بها دون ذلك، لأنها تعينه على تمام فقه الحكم والواقعة والتنزيل جميعًا، كما أنها تحقق المقصود الكلي في ربط حركة الاجتهاد بالمقصود الأساسي وهو التوحيدي وتحقيق مطلق العبودية لله، وبالجملة تحقيق ما يمكن أن نسميه “حفظ والأمة، وكيانها وهويتها من خلال حفظ الكليات الخمس من (دين ونفس ونسل، وعقل ، ومال)، التي تشكل أعمدة الأمة ومجالات حركاتها، وذلك بفهم الرتب، والتدرج فيما بينها من ضروريات وحاجيات وتحسينيات، وفي إطار ربط ذلك بمجموعة من القيم الإسلامية الأساسية وهو ما يحقق الربط بين هذه العناصر جميعًا لتحقيق مقتضى الأمانة للإنسان واستخلافه بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وهو أمر يضفي على عملية الاجتهاد أهمية فرق أهميتها، ودروه ووظيفته في حفظ  الأمة بلوغًا لمرضاة الله بالتزام شرعته ونهجه.

وأساس ربط الفكر بالواقع أن الفكر المقاصدي يبصر في المقام الخاص بما دق وجل “..ويحمل فيه على الوسط الأعدل، ويأخذ بالمختلفين على طريق مستقيم من الاستصعاد والاستنزال لخرجوا عن طرفي التشديد والانحلال”؛ والصياغة الاجتهادية والبحثية نوع من الجهد المطلوب؛ إن المدخل المقاصدي بعشريته المقترحة يشير الى علوم يهتم بها ومناهج تفكير يجب الوقوف عليها والتدريب عليها:


الهامش

[1]   سيف الدين عبد الفتاح ، مدخل القيم إطار مرجعى لدراسة العلاقات الدولية فى الاسلام ، ضمن مشروع العلاقات الدولية فى الاسلام , اشراف : الدكتورة نادية محمود مصطفى ،القاهرة ،المعهد العالمى للفكر الاسلامى ، 1999 ، جزء 2 ، ص 172 و ما بعدها .

 [2]  غريغوار منصور مرشو ،مقدمات الاستتباع : الشرق موجود بغيره لا بذاته ، سلسلة اسلامية المعرفة (18) ،فيرجينيا – القاهرة : المعهد العالمى للفكر الاسلامى 1996 ، ص 9 وما بعدها .

العشوائية بين استبداد السلطة وصمت المجتمع


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى