الهوية وإدارة التعدد والتنوع المجتمعي
تواجه الدول ضغوطا خارجية نابعة من البيئة الخارجية والمتمثلة في جملة التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وضغوطا داخلية مردها التوليفة الاجتماعية الناجمة عن التعدد والتنوع المجتمعي المتواجد ضمنها، فمسؤوليتها الكبرى يلزم عليها ايلاء اهتمام متزايد لبنيتها الداخلية من خلال وضع ادارة التعدد والتنوع المجتمعي في قمة جدول اعمالها، فالتحدي الذي يواجه الدول وخاصتا ذات التعدد المجتمعي هو خلق هوية مشتركة يشعر الجميع من خلالها بالانتماء، وفي هذه الدراسة تناول الباحثان ظاهرة التعدد والتنوع المجتمعي وكيفية ادارتها من خلال ثلاثة مباحث، المبحث الأول: والذي جاء تحت عنوان: التعدد والتنوع المجتمعي، وتتناول فيه الباحث التعريفات والمفاهيم المختلفة للتعددية، ثم المبحث الثاني والذي جاء تحت عنوان اليات إدارة التعدد والتنوع المجتمعي، وفيه تحدث الباحثان عن واقع التعددية المجتمعية ونماذج المجتمع التعددي ( نموذج الصراع، نموذج التعاون) واستراتيجيات ادارة الصراع وسياسيات ازالة الخلافات، ويأتي المبحث الثالث لتقديم الاستنتاجات والمقترحات.
الكلمات المفتاحية: التعدد المجتمعي، التنوع الاثني والعرقي، ادارة التعدد والتنوع المجتمعي .
مقدمة:
ان التعدد الاجتماعي ظاهرة ملازمة للمجتمع البشري منذ عرف هذا المجتمع ظواهر التبادل السلعي والملكية الخاصة والدولة، بل وقبل ذلك وبعده فان التمايزات الثقافية والعرقية والدينية بما تفرضه من تمايزات في الرؤى والمواقف السياسية هي تمايزات ملازمة لطبيعة المجتمع البشري ذاته.
والتعدد تأكيد وإقرار وتسليم لعالم متنوع ومختلف، وغدت أحدي ثوابت آلية الحياة المعاصرة، وكيفية ادارته والتعامل والتفاعل معها سيقود بشكل أو بآخر، إلى بلورة الملكية الذاتية والاحترام والتسامح والحوار والمرونة في حوارنا وتعايشنا مع الأخر.
وتعبر الاختلافات أو التعددات عن ذواتهما في الهويات الثقافية والبرامج الاقتصادية والاعتقادات الدينية والتجمعات الاثنية والأنظمة السياسية وغيرها، فلم يعد كافياً تشخيص التعدد وإنما كيفية تجسيده عملياً باعتباره حقيقة واقعية حاضراً، كما كانت في الماضي وستكون في المستقبل، ولا تعني الاختلافات أو التعدد علامات الفشل أو دلائل الخطأ أو عدم القدرة في الوصول إلى جواب واحد كما يرى البعض، فالسياق التعددي الثقافي، على سبيل المثال، هو عنصر ضروري لترجمة القيمة الموضوعية في الواقعين السياسي والأخلاقي، كما أن السياق التعددي الاقتصادي، كمثال ثاني، هو حالة أساسية لإحداث الحركية في الأسواق المحلية والعالمية.
ومن بين الصور والأشكال المختلفة للتعدد، اكتسبت التعدد الاثني وأيضا التعدد العرقي، أهمية خاصة على الصعيدين العملي والأكاديمي في ظل ما طرحته الصراعات الاثنية والعرقية التي شهدتها مجتمعات مختلفة على امتداد دول العالم من تحديات لأنماط إدارة التنوعات وما ينجم عنها من صراعات في هذه المجتمعات.
المبحث الأول/ التعدد والتنوع المجتمعي
أولا/ مفهوم التعدد:
يعود أصل التعدد للدلالة إلى “عدَ” وتعني حسب وأحصى و”عادًهُ” معادَادَا وعداداً: فاخره في العدد وناهضة في الحرب، و”عَددَّ” الشيء وأحصاه و”عَدَّدت” الشيء جعلته ذا عدد” تَعَاد” القوم: عدَّ بعضهم بعضاً، “تَعدّدت” صار ذا عدد، والعديدّة”: الحصة والنصيب، ويتضح من المعاني السابقة أن الكلمة تعني عدم التفرد، كما تحمل مضامين نفيسة ممثلة في التفاخر والمعادة، وكذلك تتضمن معنى القدم والاستمرارية حتى يعتد بها.1
والواضح من هذه المعاني سالفة الذكر، أن المعني اللغوي يحمل في طياته بعض الملامح الوصفية لحقيقة التعدد من حيث أنه يعني عدم الواحدية، أو التفرد، وذلك لأن أصل العد وجود الشيء القابل للإحصاء قل أو كثر، بما يعني أن هذا الشيء ليس منفرداً، أو وحيداً، وإلا ما قبل العد والإحصاء وتحمل مشتقات الجذر اللغوي بعض المضامين النفيسة ممثلة في عمليات التفاخر والمعاداة التي تتسم بها المجتمعات البشرية التعددية لأسباب عديدة نذكرها فيما بعد.2
ولا يختلف الأمر في اللغة الإنجليزية حيث تعني كلمة Pluralism أن هناك تعدداً وعدم أحادية في الأصعدة المختلفة.3
على الصعيد الاصطلاحي، تتعدد التعريفات المقدمة لمفهوم التعدد، فيذهب معجم المصطلحات الاجتماعية إلى أن التعدد يعني: “تعدد أشكال الروح الاجتماعية في نطاق كل جماعة، وتعدد الجماعات داخل المجتمع وتعدد الجماعات نفسها.4
وتعرف الموسوعة البريطانية التعدد بأنه “الاستقلالية التي تحظى بها جماعات معينة في إطار المجتمع مثل الكنيسة والنقابات المهنية والاتحادات العمالية والأقليات العرقية”.5
أما قاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيعرف التعدد على أنها عبارة عن” تنظيم حياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة تحترم وجود التنوع والاختلاف في اتجاهات السكان في المجتمعات ذات الأطر الواسعة، وخاصة المجتمعات الحديثة حيث تختلط الاتجاهات الأيديولوجية والفلسفية والدينية”. 6
ويعتقد البعض أن التعدد يختلف فيما لو كانت مفهوما، عنه لو كانت مصطلحا، ويرى البعض في التعدد كمفهوم أنها يرادف التنوع والاختلاف، أما كمصطلح فيعتقد بعض آخر بأنها تمثل النظام السياسي الذي له خلفية فلسفية ترتبط بإدراك دور الدولة وطبيعة المواطنة بل وطبيع الإنسان، وله ملامح مؤسسية ثابتة مستقر عليها، ويقترن بتطور اقتصاد واجتماعي محدد ومناخ ثقافي يقوم على الفصل بين الدين والدولة، ويهدف إلى إدارة الصراع الاجتماعي، بمعنى أن التعدد كمصطلح يعبر عن أحد أشكال الممارسة الديموقراطية، وهذا التمييز بين المفهوم وبين المصطلح تمييز من شأنه أن يعطي ديناميكية للحياة العامة بحيث يفصل ما بين التنوع كأصل طبيعي وفطري في الحياة ولابد منه، وبين النظام أو الآلية التي يجب أن تدير هذا التنوع .
ومن خلال متابعة الأدبيات المعاصرة التي تناولت مفهوم التعدد تكشف عن تباين واضح في الاتجاهات النظرية للمفهوم، ومن ثم تعدّد في التعريف، غير أن هذا التعدّد من شأنه أن يمثل ركيزة متنوعة للتعامل في الحياة العامة باعتبار أن حل مشاكل الحياة يجب أن يكون نتاج جهد بشر، فهناك من يري، كـ(روجيه لابوانت)، أن التعدد يوجد حيثما يوجد تنوع أياً كان الشكل الذي يتخذه ديني أو عقائدي أو فلسفي أو طبقي أو حزبي… الخ، يتمسك به الفرد أو الجماعة وبهذه الصورة يتغير معنى التعدد بتغيّر الموضوع ذاته، ومن ثم تكون إيجابية مقبولة أو سلبية مرفوضة، وذلك بسبب اختلاف القيم أو الظروف الاجتماعية موضوع التنوّع أو التعدّد في كل حالة، فهي حين تتعلق باحترام المعتقدات الدينية أو الأخلاقية لا تضحى فقط مقبولة بل ويجب التأكيد عليها، غير أن النظرة تختلف حينما يتعلق الأمر بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية، وقد يتعلق التعدد، كما يرى (جان إيفز كاليفز)، بمجال القانون والدولة، فالدولة هي التي تسبغ الشرعية وتبررها أو ترفضها وتنحّيها جانبا بالنسبة لوضع تعدّدي معيّن من خلال التقنين باستخدام الأداة القانوني، وهناك من يرى التعدد، كـ (كرافورد يونغ)، في علاقاتها بالدولة القومية ذات السيادة والنظام السياسي القائم فيها، والذي يحدد بصورة قاطعة حدود التفاعل، بغض النظر عن طبيعة هذا التفاعل، بين الجماعات المختلفة التي يتشكل منها المجتمع، والتي تتباين من حيث أصولها العرقية أو اللغوية أو الطائفية، ومن حيث أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، ومفاهيمها السياسية 7.
وهناك التعريف الفلسفي للتعدد، كما يرى (دنليفي وأوليري)، الذي يستند أساسا إلى استحالة فهم الحقيقة عن طريق جوهر واحد أو مبدأ واحد، ومن ثم فإن التعدد هنا هو الاعتقاد السائد بأن هناك أو ينبغي أن يكون هناك تعدد في المعتقدات والمؤسسات والمجتمعات، أي انها على النقيض من الواحدية.8
ويعتبر الاقتصادي (فيرنيفال) هو أول من صاغ مفهوم التعدد والمجتمع المتعدد في النصف الأول من القرن العشرين، ثم طور عالم الاجتماع (سميث) ما بدأه (فيرنيفال) وحاول صياغة نظرية عامة عن ” التعددية الثقافية.
يمكن إجمال التعريفات المختلفة التي قدمت لمفهوم التعددية في مجموعتين أساسيتين هما:
- التعريفات الشكلية التي حاولت رسم حدود للمفهوم وبيان معالمه بوجه عام وحاولت الربط بينه التعدد والتنوع والاختلاف والربط بين معنى التعدد وبين مجال القانون والدولة، والتفرقة بين الدور التحرري الهادف لتبرير مطالب جماعة معينة في احترام معتقداتها في مواجهة تعسف الجماعات الأخرى، والدور السلبي المستخدم لتبرير الاستغلال والتمييز ضد جماعة معينة دون الجماعات الأخرى.
- التعريفات الموضوعية وهي التي حاولت أن تنفذ لصميم الظاهرة وبالتالي تنوعت بحسب موضوع التعدد وربطت بين مفهوم التعدد وبين عملية التفاعل بين كتلتين سياسيتين واجتماعيين أو أكثر، وفي المقابل فإن التعدد السياسي يمكن أن يكون هو ذاتها نتاجاً وانعكاساً للتعدد الاجتماعيي.9
ورغم أن “التعدد” كمصطلح يعبر عن صيغة واحدة فقط هي شكل الممارسة الليبرالية الديمقراطية الحزبية في بعض دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا، ورغم أن التعدد الحزبي تحديدًا هو أحد أنماط التعدد السياسي عامة وليست النمط الأوحد، فإن كثيرًا من الجدل الدائر على الساحة الأكاديمية والفكرية الإسلامية بشأن النظام الإسلامي يدور حول الحزبية، ومدى موافقتها للمبادئ الإسلامية أو تفضيل فكرة أهل الحل والعقد، دون بلورتها وتجديدها، ويصطبغ هذا الجدل بالانقسام السالف الإشارة إليه.
ثانيا/ التعدد والتنوع المجتمعي:
المجتمعات المنفتحة تتمتع بدرجة عالية من التداخل المصلحي وبدرجة عالية من العضويات المتداخلة Overlapping Memberships ، أي ان الأفراد هم غالبا اعضاء في عدة منظمات وجمعيات طوعية فيصبح سلوكهم أكثر اعتدالا لأنهم مرغمون على التوافق بين عدة مصالح هم أعضاء في مؤسسات لها.
اما المجتمعات التعددية تتصف بأربع مميزات وهي:10
- تباينات تتمتع بدرجة متفاوتة من الثبات لا تتبدل كتبدل الرأي العام،
- تصنيف اجتماعي لبعض المجموعات بسبب الاختلاف الديني أو اللغوي أو العرقي،
- تنظيم هذه المجموعات ضمن مؤسسات تحتية تربوية واجتماعية واعلامية ودينية وغيرها تتوفر عدة اسس لقياس درجات التعدد في المجتمع،
- في المجتمع المتنوع بأغلاق يلد الفرد ويصلي ويدرس ويعاشر ويعمل ويلهو ويشيخ ويدفن في بيئته دون غيرها.
يستنتج من هذه التميزات إن التباينات في المجتمع التعددي هي تباينات متحركة لان العملية الانتخابية وتحولات الرأي العام تؤمن إمكانية الانتقال من الأقلية إلى الأكثرية وبالعكس والتناوب في السلطة، أما التباينات في المجتمع المتعدد أو المتنوع فإنها ليست تباينات في الرأي العام بل تباينات ثقافية أو لغوية أو عرقية أو طائفية، ولها حدود مرسومة تتميز بعدم التحرك والثبات دون إن تكون حتما نزاعية.
إن المجتمع التعددي هو المجتمع المجزأ بفعل الانقسامات الدينية أو الأيديولوجية أو اللغوية أو الجهوية أو الثقافية أو العرقية، كما أنه المجتمع الذي تنتظم بداخله الأحزاب السياسية، ومجموعات المصالح، ووسائل الإعلام والمدارس، والجمعيات التطوعية، على أساس الانقسامات المميزة له.
ويعرف البعض المجتمع التعددي على انه نقيض المجتمع الوطني المنصهر، فهو مجتمع كون من عدة طوائف في إطار سياسي واحد. 11
والمجتمع التعددي وفقاً للصياغة الرئيسية (لفيرنيفال) يتكون من جماعات ثقافية مغلقة تشمل كل منها هوية خاصة وتتسم بأنها جماعات مغلقة حيث لا تلتقي تلك الجماعات إلا في السوق ولأغراض اقتصادية غير شخصية12 .
وقد ذهب (سميث) في تطويره لمقولات (فيرنيفال) إلى مجرد وجود الاختلافات الثقافية ليس كافياً للقول بوجود العددية، بل اشترط ضرورة أن تحتوي الاختلافات بين الجماعات على اختلافات في المؤسسات التعليمية، الدينية، الاقتصادية، والسياسية، بل أكثر من ذلك أن تؤدي الاختلافات إلى حدوث تعارض بين الجماعات وبعضها البعض على نحو يمنع وحدة المجتمع إلا من خلال القسر والإكراه.13
ويتضح ان التعدد ظاهرة طبيعية لها جوانبها الايجابية بغية التعارف بين البشر عملاً بقوله تعالى” وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”، غير أن ما قد يظهر يتراءى للبعض في ذات الوقت على أنه جوانب سلبية للتعدد بسبب ما تكشف عنه من تنافر واختلاف ليس بهدف التناحر والتصادم بل لتجعل من البشر محل اختيار من الخالق الذي ذكر في محكم آياته “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً”.
ويذهب (John Rex) إلى أن نموذج المجتمع المتعدد يمكن التعرف علية وفقاً للتمييز بين المجال الخاص والمجال العام وفي هذا الصدد تظهر أربعة احتمالات وهي:14
- قد يكون مجتمعاً موحداً في المجال العام ويشجع على الاختلاف في المجال الخاص والأمور المجتمعية.
- قد يكون مجتمعاً يسمح بالحق في الاختلاف والتنوع في المجال العام ويشجع على التنوع في الممارسات الثقافية من قبل الجماعات المختلفة.
- قد يكون مجتمعاً موحداً في المجال العام ومجبراً أو مشجعاً على الاتحاد في الممارسات الخاصة أو المجتمعية. Communal
- قد يكون مجتمعاً لدية حقوق مختلفة ومتنوعة في المجال العام حتى وإن كان هناك وحدة ملحوظة في الممارسات الثقافية بين الجماعات.
وتتوافق فكرة المجتمع المتعدد مع المساواة في الفرص وتنطبق على النوع الأول، والنوع الثاني يمثله النموذج الفرنسي لصهر الأقليات، والنوع الثالث تنضوي تحته كل صور الاستعمار ويمثله نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، والنوع الرابع موجود في الولايات المتحدة وعبر عنه تطبيق الحقوق المدنية. 15
مما سبق يتضح أن العلاقة بين التعدد المجتمعي والسياسي والثقافي تتوقف على طبيعة العلاقات بين الجماعات والقوى المختلفة داخل المجتمع، فإذا ارتبطت الجماعات ببعضها البعض رغم تعدد الولاءات التحتية وتقاطعها بقيم ثقافية مشتركة تصبح النتيجة وجود مجتمع يقوم على صورة من صور التوازن التنافسي للسلطة بدرجة أو بأخرى، وهو ما يعبر عنه المجتمع الأمريكي على سبيل المثال لا سيما بين المهاجرين البيض القادمين من بلدان شتى نتيجة التثقيف والاستيعاب، وهو ما يطرح رؤية ايجابية ومتفائلة لمجتمع تعددي يقوم على التوازن، غير انه في الوقت نفسه يتضح من الصعوبة بمكان تفهم هذا الوضع فيما يتعلق بالعلاقة بين الأمريكيين البيض والأمريكيين السود، وهو ما يطرح بدوره رؤية سلبية ومتشائمة لمجتمع تعددي يقوم على الصراع.16
ثالثا/ نموذجا المجتمع التعددي:
يمكن التمييز بين نموذجين من المجتمعات التعددية هما نموذج الصراع ونموذج التوازن. وتجدر الإشارة إلى أن كل من النموذجين لا يعدو أن يكون تعبير عن نمط مثالي على الأنماط المثالية التي قدمها ماكس فيبر، أي أنها نماذج أو أنماط مجردة وليست وصفاً تجريبا للعلاقات بين الجماعات.17
مقارنة بين نموذج الصراع ونموذج التوازن في المجتمعات التعددية18
وجه المقارنة |
نموذج الصراع |
نموذج التوازن |
أساس المجتمع |
هيكل هش من الجماعات غير المستقرة يضم مزيجاً من الجماعات التي تعيش داخل وحدة سياسية واحدة تتماسك كل منها بثقافتها ولغتها ودينها وأفكارها. |
هيكل قوي من الجماعات المستقرة والمستقلة والوسيطة بين الفرد والدولة. |
السمة الرئيسية |
تعدد ثقافي وتباينات لغوية أو عرقية أو طائفية أو لها حدود مرسومة تتميز بالثبات. |
تجانس ثقافي على صعيد القيم والمعتقدات السياسية العليا، وتباينات متحركة مرتبطة بالرأي العام والعملية الانتخابية. |
نمط العلاقات الاجتماعية |
نظام تدريجي جامد للعلاقات بين الجماعات يقوم على التنافس المحض دون ضوابط ولا يؤمن بالمشاركة أو بالمساواة، أي تنظيم غير ديمقراطي. |
علاقات تعاون وانسجام وتوازن مستقر بين الجماعات نتيجة المشاركة في السلطة وفي صياغة القرارات أى تنظيم ديمقراطي للعلاقات الاجتماعية. |
طبيعة السلطة |
مركزة في أيدي جماعة أو فئة محدودة. |
منتشرة وموزعة بين الجماعات والقوى السياسية والاجتماعية. |
وضع الدولة |
تعلو فوق المجتمع وتفرض بعض الإجراءات لتنظيم العلاقات بين الجماعات المكونة حتى لا تصبح علاقات عدائية بحته. |
الروابط والعلاقات بين الجماعات في الأساس والدولة ككيان سياسي ليست سوى تعبير عن هذه العلاقات التكاملية. |
أساس التكامل |
ليس طواعية بل مفروضاً نظراً لغياب القيم المشتركة والإحساس بالانتماء المجتمعي سواء بين النخب أو المواطنين. |
الالتزام بالقيم المشتركة والإحساس بالانتماء المجتمعي بين النخب واحترام حكم القانون، والالتزام بالعمل التدريجي. |
آلية الحفاظ على النظام |
القسر والإكراه وضبط الصراع بواسطة الجماعة السائدة. |
التكامل والتماسك الاجتماعي الذي ينبع من الاتفاق والرضا. |
أسلوب تغيير نمط العلاقات الاجتماعية السائدة |
التغيرات في الهيكل الاجتماعي تفترض التغيرات السياسية والتي تتم دائما باستخدام العنف. |
التغيير يتم باستخدام الوسائل السلمية القانونية مثل الانتخابات. |
يعرض الجدول السابق مقارنة بين نموذجي الصراع والتوازن تفيد في التعرف على الفروق الجوهرية بين كلُ منهما، وما لا شك فيه، أن عملية تحول المجتمعات ذات التعدد الثقافي والتمايز الاجتماعي إلى مجتمعات تتسم بالتجانس الثقافي والاتفاق والرضا أمراً سهلاً أو ميسوراً في كل الأوضاع، غير أن هذه العملية في الوقت نفسه إن لم تكن سهلة وميسورة فهي أيضا ليست مستحيلة في كل الأوضاع والأحوال.
ولما كانت المجتمعات التعددية التي تتسم بقدر كبير من التمايزات العرقية، اللغوية، الدينية، والمذهبية…الخ. والتي تتميز نتيجة لذلك باحتدام الصراع بين الجماعات الرئيسية المكونة للمجتمع تفرض ضرورة تحولها من نموذج التعددية الصراعية إلى نموذج التعددية المتوازنة بما تمثله من تكامل قومي وقدرة على تحقيق متطلبات التنمية.
رابعا/التعدد والتنوع الاثني والعرقي:
- الاثنية: يعتبر (Frederic Barth) من أوائل المساهمين في بلورة مفهوم ديناميكي للأثنية، فالأثنية بنظره لا تعبر عن مجموعات جامدة وثابتة بل هي تجمعات بشرية غير ثابتة، أعضاؤها يتغيرون (على المدى الزمني البعيد)، وذلك لأن عضويتها وحدودها مرتبطة بالتغيرات التي تطرأ على الأوضاع الاجتماعية، وأكد Barth أن الهوية الإثنية تولد وتؤكد وتنتقل في نطاق التفاعل والتعامل بين صناع القرار والفرد.19
ويستخدم البريطاني (انتوني د. سميث) الكلمة الفرنسية: اثنيه Ethnic ليصف جماعات تشترك في أساطير معينة عن أصلها ومنحدرها، كما إنها ترتبط برقعة أرض معينة، وتمتاز في الأقل ببعض العناصر الثقافية المشتركة وبوجود إحساس بالتضامن بين معظم أفرادها، والوعي بالانتماء المشترك هو ما يميز الإثنية عن القوم، فالقوم جماعة ذات ثقافة مشتركة وأساطير مشتركة عن الأصل، لكنها تفتقر إلى التضامن كما تفتقر إلى النزوع المقصود للحفاظ على حدودها المميزة.20
كما يقول (Panikos) أن الإثنية Ethnicity مشتقة من كلمة Ethnos والتي تعنى كلمة أمة، وانه لا يوجد اختلاف بين الجماعة الإثنية والأمة، ويقصد بها جماعة من الأفراد لهم سمات مشتركة، وقد يرتبط هذا بالتساوي مع المهاجرين والأقليات والجماعات المشتتة التي تشارك نفس خصائص تركزهم الجغرافي، الزواج من أعضاء جماعتهم، وبالتالي يتم تخليد الأثنية الخاصة بهذه الجماعات بانتقالها من جيل إلى جيل.21
من خلال ما سبق يتضح أن مصطلح الأثنية، أنما يشير إلى جماعة بشرية يشترك أفرادها في العادات، التقاليد، اللغة، الدين وأي سمات أخرى بما فيها الملامح الفيزيقية للمجتمع والدولة مع جماعات أخرى. 22
وعليه، فالجماعة الإثنية Ethnic Group هي عبارة عن شعب إثنى Ethnic Population يتكون من الأفراد الذين يوصفون ويصنفون في فئات من قبل الشعب عامة وعادةً من قبل أعضاء الجماعة أنفسهم على أنها أثنية ذات طابع محدد، تظهر تاريخا فريداً وكذلك سلوكاً مميزاً وخصائص أو سمات تنظيمية وثقافية وتعمل نتيجة لذلك بطريقة مختلفة عن الآخرين.
- العرقية: ويعرف معجم المصباح المنير “العرق” على انه كل مصطف من طير وخيل ونحو ذلك والجمع أعراق،23
ويذهب معجم الوسيط إلى نفس المعنى حيث يقول أن “العرق” هو أصل كل شيء، كل مصطف من طير وخيل ونحو ذلك من معانيه كذلك الجبل الغليظ الذي لا يرتقى لصعوبته.24
ويقصد به معجم المنجد “أعرق، أعراقا (عرق الرجل) صار عريقاً في الشرف، والأعراق: هو ذو الأصل، يقال هو أعرق منك في كذا” أي أصل منك والجمع عروق وأعراق وهى أصل كل شيء.25
ويذهب معجم المصطلحات السياسية إلى تعريف “العرق” بأنه “مجموعة من البشر يشتركون في عدد من الصفات الجسمانية أو الفيزيائية على فرض إنهم يمتلكون موروثات جينية واحدة”.26
ويعرفه (دينكن ميشيل) على انه اصطلاح يطلق على مجموعة سكانية تتميز بصفات بيولوجية مشتركة تقررها العوامل الوراثية، لكنه لا توجد عوامل وراثية تفصل الجماعات العنصرية الواحدة عن الأخرى.27 ويذهب قاموس المورد ليعرف “العرق” على انه مصطلح بيولوجي، ولكن مع انتقاله إلى فروع العلوم الاجتماعية الأخرى تسبب في الخلط والاختلاف حول مضمونه .28
المبحث الثاني: آليات إدارة التعدد والتنوع المجتمعي
أن التعدد، قد تصبح مشكلة سياسية عندما تبرز الجماعات في صورة أقطاب، وبدون قدرة النظام على تعبئة الموارد العامة واستخدامها في حفظ الاستقرار فانه لن يقدر على استمراريته وذاتيته في ظل ما تطرحه من مطالب وتحديات لممارسات النظام والأسس التي يقوم عليها، وهذا ما يزيد من ضرورة سعي النظم إلى استخدام ما تملكه من موارد مادية وغير مادية لتحقي أهدافها وحفظ إستقراريتها، كما تلعب المؤسسات السياسية دورا كبيرا في عملية إدارة التعددية الإثنية، وإدارة التفاعل بين عرقيات المجتمع لتقليل حدة الصراع بين الجماعات في المجتمع.29 وعليه قسم هذا المبحث الى مطلبين وكما يأتي:
اولا/ استراتيجيات إدارة الصراعات:
تقوم هذه الاستراتيجيات بضبط الخلافات والنزاعات الإثنية بحيث لا تؤثر سلبا على الدولة أو المجتمع في ظل التعددية العرقية وتتمثل في:
1- استراتيجية هيمنة الدولة:
يعد استخدام الهيمنة من قبل الدولة أحد أكثر الافتراضات شيوعا لإدارة النزاعات الإثنية، وهيمنة الدولة تعني على حد تعريف (تشيستركروكر)، هي بناء مؤسسات ذات تحكم حكومي كفؤ، وفي الوقت نفسه إقامة ما يضمن حماية الأقليات، ويعرف (megarry ) المقصود بهيمنة الدولة وتحكمها (control hegemonic ) في أن تتخذ الحكومة في الدولة من الإجراءات ما يجعل من إمكانية قيام الجماعات الإثنية بالنضال والصراع العلني العنيف أمرا لا يمكن التفكير فيه أو القيام به بالأساس، ولعل استراتيجية هيمنة الدولة لا تقتصر فقط على النظم السلطوية، بل انه يمارس أيضا في إطار عدد من النظم الديمقراطية الليبرالية 30
ويكون هناك نوعان مختلفان من الاستجابة للتنوع والاختلاف، فمن جهة تتظاهر الدولة على أنها المستقطب الأول للولاءات كافة، حيث تكون الدولة تقف فوق جميع الاعتبارات والولاءات الاجتماعية والثقافية، وفي هذه الحالة فان الدولة لا تسمح بأي تعبير عن الاختلاف، ويتم تسويق الهيمنة المركزية بواسطة تشجيع سياسة اللغة الواحدة، والتعليم الواحد، والثقافة الواحدة، ومن جهة أخرى لا تمنع الاختلافات فحسب، وإنما تقضي عليها أيضا من خلال السيطرة وحتى باستخدام القوة العسكرية، فالملاحظ أن العديد من الأنظمة العسكرية في العالم ما بعد تصفية الاستعمار، قد طبقت الحلول العسكرية لمواجهة تحديات التنوع، تشكل استراتيجية هيمنة الدولة سلاحا ناجحا، يجعل التحدي العرقي للدولة أو نشوب الصراعات بين الجماعات أمرا غير ممكن القيام به، فالنظم الشيوعية ركزت على سحق الخلافات العرقية أملا في بناء هوية فوقية جديدة، على اعتبار أن العرقية ظاهرة غير مناسبة ولا تتناسب مع هوية الناس كمواطنين، لكن في الوقت نفسه نرى أن البعض من النظم الديمقراطية الليبرالية تم ارس أسلوب الهيمنة على النشاط الاثني، وبالأخص عندما تسيطر جماعة أقلية على الدولة، مثل البيض في جنوب إفريقيا، أو روديسيا، أسسوا نظما من السيطرة الاستيطانية على الجماعات الإثنية الأخرى، ولكنهم احتفظوا في الوقت نفسه بقواعد الديمقراطية الليبرالية داخل جماعتهم هم فقط، وأحيانا قد لا تقتصر النظم المهيمنة على مقاومة مطالب الجماعات الإثنية فحسب، بل إنها تطور مطالب مضادة من خلال سيطرتها عليها وتستخدم في سبيل ذلك عدة آليات من بينها 31
- سياسة الإخضاع Subjection : وتكون باستخدام إجراءات قسرية وذلك لتأكيد حق الجماعة الحاكمة ( أقلية كانت أو أغلبية)، في تقرير مستقبل البلاد، دون السماح بأية تنازلات للجماعات الإثنية.
- سياسة عزل الجماعات المناضلة Isolation : في هذه الحالة تلجأ الدول لعزل الجماعات الإثنية المناضلة في اطر سياسية متميزة منفصلة، ربما يكون هذا هو ما حدث بالفعل بالنسبة لــ (يونيتا) في انجولا والحكم الذاتي بها، أو التقسيم الواقع لقبرص.
- سياسة الاجتناب Avoidance : والتي تكون بتطويق واحتواء الصراع العرقي، وذلك عن طريق إبعاد الدولة
عن المواجهات المباشرة بين الجماعات، مثال لذلك فرض نظام الحزب الواحد، والنظام اللاحزبي.
وعليه تفسر استراتيجية هيمنة الدولة، على أنها استراتيجية دفاعية بمعنى أنها ضرورية لبديل أخر، وهو الحرب الإثنية والخوف من اندلاع الصراع ، وهذا التفسير إذا ما اخذ به قد يفضي للدفاع عن النظم السلطوية أو الديكتاتورية، كالاتحاد السوفيتي في السابق، أو نظام الحزب الواحد، واستراتيجية هيمنة الدولة في الغالب نجدها تتعارض ومصالح الاثنيات أو المجاميع الصغيرة، فطريقة الهيمنة في إدارة التنوع تؤدي إلى بروز الصراعات الدموية التي قد تهدد أسس النظام السياسي وهيكلية الحكم، والحجة والبرهان على ذلك هو تفكك الأنظمة الشيوعية السابقة ونشوب صراعات مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم.
2- استراتيجية الفيدرالية:
تمثل استراتيجية الفيدرالية* احد أهم الاستراتيجيات التي تستند عليها الدولة لفض الاشتباكات بين الجماعات وبين السلطة المركزية، يأتي أسلوب الاحتواء الفيدرالي مخالفا كليا لأسلوب الهيمنة، فهو يشجع ويؤيد مبادئ ضم المجاميع والطوائف، ويقوم على مبدأ التفاوض أو الحوار بين الهوية والوحدة على مستوى الحكم الذاتي والاختلاف على مستوى أخر، ولهذا وكمبدأ سياسي فهو يقدم مجالا واسعا للتقاسم المشترك للسلطة والثروات والفرص، بحيث يتم توزيع السلطات عن طريق تقسيم الحيز الإقليمي إلى ولايات أو مقاطعات، قد تكون متوافقة أو غير متوافقة مع الانقسامات العرقية، وكل ولاية يصبح لها قدر متماثل من السلطة بحكم نظام المجلسين، ومن خلال تمكين السلطات المحلية والإقليمية من الاستحواذ على درجة من سلطة الحكم الذاتي يمكن للنخب في المركز السياسي أن تبعث الثقة بين القادة المحليين، وفي محاولة لخلق توازن جديد بين الدولة والمجتمع، تتحول الجماعات إلى اللامركزية كوسيلة لوضع قيود مؤسسية على السلطة المركزية32
تختلف الأنظمة الفيدرالية اختلافا كبيرا فيما بينها من حيث تكوينها الاقتصادي والاجتماعي ومؤسساتها، فهي تتضمن دول كبيرة للغاية ودول صغيرة للغاية، ودول غنية ودول فقيرة، ودول متجانسة السكان ودول متنوعة السكان، وتعتبر بعض الأنظمة الفيدرالية نظما ديمقراطية راسخة منذ زمن طويل، بينما توجد لدى البعض الأخر نظما ديمقراطية أكثر حداثة واضطرابا33
ومما لاشك فيه أن الفيدرالية تعتبر مدخلا ملائما وأيضا فعالا إذا ما حدث تطابق ما بين التقسيم الإقليمي من جانب والتقسيم العرقي من جانب أخر، فيؤكد أنصار الفيدرالية على انه إذا كانت الحدود بين مكونات الفيدرالية تتوافق مع الحدود بين المجتمعات العرقية أو الدينية أو اللغوية فان الفيدرالية يمكن أن تعمل كجهاز لضبط الصراع34
بمعنى انه في المجتمع الفيدرالي العرقي، تكون الفيدرالية أداة فعالة لتنظيم وضبط الصراعات الإثنية، خاصة وأنها تساهم في تفكيك ساحة الصراع إلى ساحات صغيرة يمكن ادارتها
فحسب وجهة نظر (Burgess ) تكمن عبقرية الفيدرالية في قدرتها اللامتناهية للتسوية والتوفيق بين الجماعات المتنافسة والمتنوعة، وأحيانا المتسارعة في الحصول على التنفيس السياسي داخل الدولة، وقد تعترض الفيدرالية أخطارا ضمنية لأنها تجعل السياسة أكثر تجزئة، ومن وجهة نظر بعض الباحثين أن الفيدرالية هي الخطوة الأولى تجاه الانفصال، حيث أنها تكسب رابطة الدولة القومية (Nation state hoods ) شرعية من خلال حماية اللغة والثقافة، والدين مثل وجود دستور خاص بها وحكومة ومورد وعلم….الخ 35
وأحيانا يكون للحكم الذاتي الإقليمي والفيدرالية نتائج تزيد الصراع، مثلا جهود ترسيم الحدود قد زادت من الصراع بين الجماعات ذات الهوية الإثنوإقليمية في روسيا الاتحادية، أضحى أسلوب تقسيم الحدود الداخلية بين الشعوب العرقية مصدرا أساسيا للاضطراب36 .
فنادرا ما يتم تخطيط الحدود العرقية بشكل دقيق واضح، وتلك مسالة تتعلق بالتطبيق، يضاف إلى هذا مشكلة أخرى تتمثل في أن الوحدات الجديدة غالبا ما تكون متعددة عرقيا هي الأخرى، فالمسألة قد تحتاج إلى معرفة وجهة نظر الجماعات في إقليمها ، وما إذا كان التقسيم الإقليمي أو السلطات الممنوحة لها ترضيها أم لا ، كما أن الانتماء للجماعات الإثنية مسالة ليست صارمة، وليس لها معيار معين أو مستوى ثابت، ولا يمكن الاعتقاد بان منظومة الولاءات مسالة سهلة، بل هي معقدة، فالانتماء لجماعة ربما يكون اقتصاديا أو ثقافيا أو سلاليا أو إيديولوجيا أو دينيا، ولذلك لا يمكن أن تنجح إلا إذا اجبر كل فرد على تحديد انتماءه الاثني وبشكل واضح.
3- استراتيجية الديمقراطية التوافقية وتقاسم السلطة:
وتعتبر إحدى الإقترابات الكلية لإدارة الصراع الإثني، سواء على المستوى المركزي للسلطة في الدولة أو كذلك على المستويات الفرعية أو المحلية وقد تقوم الديمقراطية التوافقية* على قبول التعددية الإثنية مع ضمان الحقوق والحريات والهويات والفرص بالنسبة لكل الجماعات ،هذا فضلا عن خلق المؤسسات السياسية والاجتماعية لتلك الجماعات التي تتمتع بمزايا المساواة بدون الحاجة للاستيعاب القسري37
والمقصود بتقاسم السلطة هنا هو المشاركة في السلطة أي صيغة حكم تقوم على ائتلاف حاكم ذي قاعدة عريضة تحتوي داخلها الجماعات الإثنية ،بحيث يحظى كل طرف بجانب أو نصيب من المشاركة في الحكم على النحو الذي يخفف من مخاوف الأقليات الإثنية في المجتمعات التعددية من خطر الاستبعاد الدائم من الحكم في حالة التطبيق الحرفي لنظام حكم الأغلبية، فباعتبار الدولة أنها الإطار السياسي الذي يستطيع الإنسان من خلاله تنظيم حياته وشؤونه، لذا لزم أن تأتي الحلول من الدولة، فهناك من الدول من تستوعب مطالب الفئات الإثنية من خلال الديمقراطية والمساواة وتجري إصلاحات سياسية في صلب البنيان السياسي38 .
ومنه تأتي الديمقراطية التوافقية من بين تلك الحلول والتي تستند على حد تعبير (نيفين مسعد) إلى مجموعة من المبادئ وهي:
- التوزيع النسبي للموارد السياسية والاقتصادية.
- اعتماد نظام للانتخابات يقوم على القائمة النسبية.
- تشكيل حكومة ائتلافية وتتمتع فيها الجماعات المختلفة بحق الفيتو أو الاعتراض على القرارات الماسة بها، والحرية الواسعة لتلك الجماعات في المجالين الثقافي والتعليمي 39
بالإضافة إلى الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية، هذا وتحقق كل خاصية من الخصائص السابقة ميزة ما ، فالمهمة الرئيسية للائتلاف هي تشكيل إجماع يضمن حماية المصالح الدنيا لكل عضو في الائتلاف، وتضمن النسبية تمثيل كل المجموعات في الحكومة والمؤسسات البيروقراطية للحكومة وفقا لوزنها العددي في المجتمع، كما أن وجود درجة عالية من الاستقلال الذاتي لكل قطاع كي يدير شؤونه الداخلية ، يضمن أن يتم التعامل مع القضايا الثقافية أو الدينية محليا، وبالتالي تفصلها عن مسائل السياسة القومية الأكثر إثارة للصراعات40
وتجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية التوافقية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت مساعي بناء التوافق والنهوض بمفهوم الديمقراطية التوافقية لحاجات المجتمعات غير المتجانسة من الناحية القومية، فقد جاءت الديمقراطية التوافقية نتيجة لحاجة عملية في مجتمعات أوروبية منقسمة، أي غير متجانسة قوميا أو دينيا، مثال بلجيكا وهولندا وسويسرا، أو النمسا التي استخدمتها التي فيلا الخمسينات من القرن العشرين، وحققت الاستقرار السياسي، ثم قدمت التوافقية فيما بعد أمثلة ملموسة لقدرتها وصلاحيتها على أن تكون نظاما مستقرا وفعالا للحكم في المجتمعات التعددية التي تشهد انقسامات ذات طبيعة دينية، إيديولوجية، لغوية، إقليمية، ثقافية، عرقية أو إثنية، فكانت معظم الدول التي استقلت حديثا بأمس الحاجة إلى هذا النمط من الديمقراطية، كونها ورثت انقسامات مجتمعية هائلة بسبب الاستعمار، وبفعل عوامل تاريخية قديمة، نذكر على سبيل المثال لبنان، العراق، ماليزيا، اندونيسيا، نيجيريا، غويانا، وترنيداد.41
كما تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الشروط الأساسية والتي تعد مطلوبة لكي يعمل النموذج التوافقي:
- الشرط الأول: ألا تكون الجماعات المتناحرة لديها خطة بدمج الآخرين أو استيعابهم بفرض بناء امة، حيث أن صراع القوميات في مثل هذه الظروف يمثل مبادرة صفرية، لا مجال فيها للتوافق.
- الشرط الثاني: على القادة السياسيين أن يتبنؤ نوعا من الفكر يقوم على الالتزام بالاستقرار السياسي والاقتصادي لبلادهم وأقاليمهم دونما حاجة لسيطرة أو هيمنة الدولة.
- الشرط الثالث: على قادة الجماعات التحلي بثقافة وتفهم مزايا الحكم الذاتي والقدرة على التوفيق والمساومة. 42
ثانيا/ سياسات إزالة الخلافات :
من جهة أخرى هناك بعض السياسات التي تنتهجها بعض الحكومات في سبيل القضاء على المشاكل الإثنية وإزالة الخلافات الإثنية نذكر منها:
1- الإبادة الجماعية Destructionor extermination *:
في الأصل يقصد بالإبادة الجماعية قتل العنصر أو السلالة (genus-race ) وهي تدمير منهجي لجماعة من الناس تدميرا كليا أو جزئيا بدافع عوامل قومية أو عنصرية أو دينية أو ثقافية أو سياسية أو استعمارية، وهناك تقسيم شائع لأنواع الإبادة: 43
- الإبادة الجسدية: قتل الجماعات بالغازات السامة ، أو الإعدام ، أو دفن الأحياء أو القصف بالطائرات وغيرها من الأسلحة.
- الإبادة البايلوجية: تعقيم الرجال وإجهاض النساء لأهداف سياسية ودينية للقضاء على العنصر البشري.
- الإبادة الثقافية: تتمثل في منع التحدث باللغة الوطنية وبالاعتداء على الثقافة القومية، وذهب خبراء القانون الدولي وأصحاب الشرعية الدولية إلى أن ارتكاب هذه الجريمة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعات قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية عبر صور متعددة وسواء أكانت الجريمة بصورة مباشرة أم بالتحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها، وسواء أثناء السلم أم الحرب هي جرائم ضد الجماعة ، ولا تنجح الإبادة الجماعية في تحقيق أهدافها، بمعنى إزالة أسباب الصراع، خاصة وان ما تخلفه هذه الأحداث من الضحايا تبقى عالقة في الأذهان جيلا بعد جيل، بل إن احد نتائج تعرض جماعة معينة للإبادة، هو ارتفاع معدل المواليد بشكل ملحوظ في تلك الجماعة، حيث يتلقف الجيل الثاني خيوط الصراع السياسي. 44
2- النقل الإجباري والترحيل (التطهير العرقي) :Forcedmass-population transfers
ويقصد بها نقل جماعة عرقية كاملة من موطنها الأصلي لتعيش في مكان آخر، ولقد استخدم الصرب في هذا السياق اصطلاحا قريبا من هذا المعنى وهو التنظيف العرقي (cleansing Ethnic ) وتعتبر عمليات النقل الإجباري للسكان في الغالب جزءا من سياسات توسعية أو ردا على إدراك الدولة للتهديد بالصراع العرقي ومخاطرة، أو رغبة إعادة تشكيل الديمغرافيا السكانية في المنطقة، ومثال على ذلك ما جرى بين اليونان وتركيا وبين موريتانيا والسينغال، وترحيل جماعات التوتسي في روندا إلى الدول المجاورة، ثم حدث العكس عندما سيطر الهوتو، وبشكل عام لا توجد مزايا أخلاقية من جراء استخدام هذه الأداة، كما أن هذه الأداة نفسها لا تنهي الصراع العرقي إلا مؤقتا، فالشعب غالبا ما ينسى موطنه ولا يسمح ببقاء مستوطنين عليه.45 ومن الأمثلة التي استخدمت فيها هذه السياسة بشكل واضح كانت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث لا تزال قضية حق عودة اللاجئين موضوعا مؤجلا لأجل غير مسمى46
3- تقرير المصير (التقسيم أو الانفصال) self-determination :
يعتبر التقسيم أو الانفصال من أكثر السياسات المتبعة لإزالة الخلافات أو الصراعات الإثنية خصوصا لدى الحكومات والدول، سواء ليبرالية كانت أو اشتراكية، وقد يسمح هذا المدخل التقسيمي أو الانفصالي بحل الصراعات العرقية، وذلك بتقسيم الدول المتعددة الأعراق، والسماح للجماعات بالانفصال حينما تكون وصلت إلى درجة من “استحالة” التعايش معها في إطار دولة واحدة، وبوجه عام يعتبر” حق تقرير المصير للأمم والشعوب “بمثابة المرجعية السياسية والقانونية لعمليات التقسيم والانفصال، ويعني مبدأ حق تقرير المصير بوجه عام، حق الجماعة الإقليمية في تقرير وضعها السياسي داخليا وخارجيا وكذلك متابعة تطورها الاجتماعي والاقتصادي بحرية تامة دون تدخل خارجي أو إكراه من جانب أي قوة أو جماعة أخرى. 47
4- الاندماج والاستيعاب assimilation et intégration :
يعتبر الاندماج والاستيعاب ، إحدى أدوات الخلافات والصراعات الإثنية، وعلى الرغم أن هناك مفاهيم مختلفة لكل من المصطلحين، لكن كلاهما يشتركان في أنهما يسعيان لإذابة الخلافات واحتوائها من خلال التركيز على القواسم المشتركة، وإعطائها قيمة نسبية تفوق الاختلافات، وبالتالي نجد أننا في موقف واحد ومجتمع واح، ومع استمرار الاستيعاب تظهر طبقات الاندماج البناءة، وينتقل المجتمع نقلة نوعية محورية يركز فيها على التقدم والتنمية، إلا أنهما قد يختلفان في الطريقة والأسلوب، حيث يستخدم الاندماج أساسا لخلق هوية وطنية مشتركة للمجتمع والدولة.48
أما الاستيعاب فيستخدم في الأساس عند الحديث عن خلق هوية ثقافية مشتركة من خلال استخدام بوتقة الصهر (melting pot )، حيث تتبناه الجماعات القوية تجاه الجماعات الفرعية أو الضعيفة لاستيعابها، فالاستيعاب يقصد به فقدان مجموعة معينة جزءا مهما من هويتها الأصلية لاسيما خلال ظهورها بين العامة، فبعض الدول تسعى إلى التعامل مع وجود الأقليات من خلال تشجيعها على اعتماد لغة الأكثرية وثقافتها، أو إكراهها على ذلك، هذا ويشير البعض إلى أن هناك عدة أنماط لسياسة الاستيعاب مثل الاستيعاب الثقافي والمادي، والمؤسسي كما في الجدول التالي.
جدول (2) أنماط سياسة الاستيعاب.49
استيعاب ثقافي |
استيعاب مادي |
استيعاب مؤسسي |
ويقصد به تذويب الثقافات |
والذي يهدف إلى صهر الهويات |
والذي يقصد به إنشاء مؤسسات |
كما أن هناك سياسات عامة تنتهجها الدول تجاه دمج الأقليات الإثنية بطرق شتى، سواء عن طريق السماح بالتعددية أو الامتصاص أو عن طريق المشاركة في السلطة أو المنع كما هو موضح في الجدول (3)، وفي هذا الجدول يوضح (تيد روبرت غار)، أن سياسة الدمج قد شملت عدة ميادين ثقافية وسياسية واقتصادية، فمن الناحية الثقافية نجد عنصرا أساسيا وهو حماية الاختلافات الثقافية والدينية، أي احترام حرية الممارسة الدينية من طرف المجموعات العرقية المتعددة الأديان، وكذلك حرية التعليم باللغات المختلفة للمجموعة العرقية، ومن الناحية الاقتصادية فلابد من تساوي فرص العمل والوصول إلى الوظائف السامية لكل المجموعات العرقية بدون التمييز فيما بينها، ومن الناحية السياسية فلا بد من تمثيل للمجموعات العرقية في المجالس المنتخبة، وذلك حسب عدد كل مجموعة عرقية، وبهذا يتحقق التكافل الاجتماعي والاستقرار في الدولة، فالتعددية السياسية معناها إعطاء فرص لكل المجموعات.
مما سبق يتضح أن هذه الاستراتيجية، إنما تهدف إلى إلغاء الاختلافات داخل الدولة من خلال السعي إلى دمج واستيعاب الجماعة الإثنية الموجودة في إطار الهوية العامة المراد لها الوجود والسيطرة والتي تمثل في العادة هوية الجماعة المسيطرة في المجتمع، ويجب أن تكون تلك الخطوات بطيئة نسبيا بحيث لا تؤدي إلى رد فعل من المجموعات الأخرى قد يشل حركتها، كما يجب أن يكون هناك إصرارا كافيا حتى لا ترتد أو تثور تلك الأقليات، أما بالنسبة للجماعات الطائفية فإن الإصرار على السير في الاتجاه السلمي من اجل تحقيق مصالح المجموعة مكسب في حد ذاته، بالإضافة إلى الرغبة في التوصل إلى حل مقبول بالنسبة لأدق تفاصيل التسويات.
جدول (3) سياسات الدولة تجاه دمج الأقليات50
الاتجاه العام |
الثقافة |
الاقتصاد |
السياسات |
الامتصاص |
اندماج اجتماعي وسكني |
والذي يقصد به إنشاء مؤسسات |
حقوق سياسية ومدنية |
التعددية |
حماية الاختلافات |
تأصيل اجتماعي واقتصادي للمجموعة. |
مجموعة الأحزاب السياسية |
المنع |
العزل الاجتماعي والسكني. |
عمالة مكرهة. |
مشاركة سياسية مقيدة او غير |
المشاركة |
فصل سكني واجتماعي |
الأنشطة الاقتصادية تنظم |
الأحزاب السياسية للمجموعة، والمجموعات المستفيدة. |
أن الاتجاه إلى العنف يبعد الجماعات التي يمكن أن تكون جماعات معاونة كما أن ذلك يؤدي إلى تصعيد المواقف، بحيث تصبح عملية التسوية صعبة المنال وتكون الأساليب العنيفة التي تستخدم من اجل تحقيق المصالح الطائفية أكثر فعالية سياسيا إذا استخدمت للضغط والتهديد، حيث نصل في النهاية إلى طريقتين للتعامل البناء مع الصراع العرقي السياسي:
- الطريقة الأولى: هي البحث عن السياسات الخلاقة سياسيا واجتماعيا، حتى تستطيع أن تسد الفجوة بين مصالح الأقليات وبين الدولة بما في ذلك المراقبين الخارجيين، الذين يستطيعون المساهمة الفعالة في تلك العملية.
- الطريقة الثانية: هي بدء عملية التحكم في الصراع في المراحل الأولى، من المعروف أن الصراعات الطويلة يصعب تسويتها، ويرى بعض الخبراء أن عملية الوساطة تكون ممكنة في حالة وقوع الجانبين في مأزق حقيقي يصعب الخروج منه. 51
المبحث الثالث/ الاستنتاجات والتوصيات
هذا وبعدما تطرقنا في مفهوم التعدد والتنوع المجتمعي والتفريق بينها وبين بعض المصطلحات ذات الصلة بها، وحاولنا تقديم أهم الآليات التي تستخدمها العديد من الدول تجاه إدارة تنوعها، وتم التوصل إلى عدداً من الاستنتاجات التوصيات كان اهمها:
اولا/ الاستنتاجات
- إن التناقض بين الهويات ليس أمرا حتميا، ولا يمكن تخيل أن هناك شعبا في العالم يعيش في حالة انتماء أحادي، ذلك أن تعدد دوائر الانتماء والهويات هو أمر إنساني عام، ولو أنه تتغلب في ظرف معين هوية ما على غيرها من الهويات.
- أن السياسات التي تتبعها الأنظمة السياسية هي التي تخلق ما يعرف ب (الوعي بالتنوع)، بمعنى أن ينظر الفرد إلى نفسه باعتباره ينتمي أولا إلى دين، أو جماعة إثنية، أو لغة معينة، ومن تم فهو يتعامل مع الآخرين باعتبارهم مختلفين عنه، حيث يسمو ولاءه لتلك الانتماءات الضيقة على ولاءه للدولة التي ينتمي إليه.
- لم تلعب التعددية الإثنية دورا في فشل مشروع الدولة الوطنية الحديثة في إدارة التعددية الإثنية والثقافية، بل الفشل يعود بالدرجة الأساس لفشل للمدارس البنيوية المتعاقبة على الحكم والمشتغلة في ميادين السلطة والثقافة والاقتصاد.
- ان فشل الدولة كجماعة سياسية، يصاحبه وبعمق فشل المجتمع كجماعة إنسانية، وهو سبب التضحية بهما معا، بحيث أن المجتمع ينتج دولة، أي الدولة نتاج مجتمع.
- في حالة ضعف تحكم الدولة بإقليمها بسبب فشلها وعجزها في ادارة التعدد والتنوع المجتمعي، يدفع المجموعات المكونة له للاحتماء وراء انتماءاتها العرقية مما يؤدي الى حالة من التفكك وتطغى حالة اللا امن مجتمعي ويطرح تحديات حقيقية أمام السياسات الأمنية الوطنية والدولية.
ثانيا/التوصيات
- أن التعدد لا يعتبر مشكلة في حد ذاته، بل انه يتيح فرصا لإثراء المجتمع اذا وجد ادارة فعالة له، حيث ان التعدد يتقبل ويتعامل مع وجود دوائر الانتماءات المختلفة وتزيد من تماسك هذا الفسيفساء في “كل” قومي وتحول دون شرذمته التعددية تعني إعطاء حيزا للآخر (السياسي والطائفي والحمولي) بداخل الدائرة القومية وتعني أن تحل قيم التقبل والاحترام المتبادل محل قيم التعصب من جهة ونهج الموقف الأحادي الذي يفرض على الجميع من جهة أخرى.
- الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما بفعل وجود عدة دوائر انتماء فيه ضمن هويته الواحدة واحترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف أو اختلاف في العقائد والالسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات، ومن ثم الأوليات، وإيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية في إطار مناسب وبالحسنى بشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
- وتبني مبدأ الحوار الفكري المتواصل، والعمل على تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية والثقافية، وتقديم فرص متساوية للتعليم والوظائف لكافة الجماعات، والعمل على تحقيق المشاركة لكافة الأفراد والجماعات.
- على الدول وخاصتا التي تضم العديد من الجماعات الاثنية ان لا تكتفي فقط بالاعتراف بالتعدد والتوع وإنما عليها ايجاد وتطبيق طرق التعامل معه أيضا، وهذه ليست بالمشكلة التي تواجه عدد قليل من الأمم والدول، وإنما أصبحت مشكلة واسعة لمعظم الدول بشكل أو بأخر.
- بما ان الدولة نتاج مجتمع، اي المجتمع ينتج دولة، تقضي ضرورة إنتاج مجتمع وطني مبني على جملة من قيم المساواة والتكافؤ والعدالة والحرية، وفقا لمبادئ المواطنة والديمقراطية والتعددية والسلم والتنمية، فهذه القيم والمبادئ هي الأسس القادرة على إنتاج مجتمع موحد وفعال.
- الحد من سيادة الدول وتقليص مفاهيم السيادة التقليدية ومواجهة ومنع ديكتاتورية الحزب الواحد وضرورة الاتجاه إلى الفيدرالية واللامركزية لما يمكن أن تعمل عليه من تدعيم للمشاركة والإسهام في عملية اتخاذ القرار، وتعدد مراكزه.
- هنالك بعض الدول واجهت حقوق الأقليات أو القوميات فيها بواسطة انتهاج ديمقراطية تعددية (أو إثنية) كسويسرا وكندا وبلجيكا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول. في هذه الدول يعترف نظام الدولة بالأقليات القومية والإثنية وحقوقها الجماعية لذلك فهو يعطيها وزنا دستوريا في عملية اتخاذ القرارات للحفاظ على حقوقها رغم كونها أقلية عددية في الدولة.
- أن مصلحتنا الوطنية وحفاظا على هويتنا القومية تحتم علينا قراءة واقعنا الاجتماعي بشكل صحيح وتفهم مبناه الجماعي القبلي واتخاذ التعددية نهجا وقيما تحافظ على هذا الفسيفساء الاجتماعي تحت مظلة قومية واحدة، بحيث يتعامل كل حزب سياسي مع الحزب الآخر على أنه حزب يستمد شرعيته بكونه يمثل فئة من فئات شعبنا وعلى أن معاداته تعني معاداة فئة من هذا الشعب، وهذا يعني أن تتعامل كل طائفة وكل حمولة مع بقية الطوائف وبقية الحمائل على أنها جزءا لا يتجزأ من النسيج القومي يحق له الحظي بحصته وحيزه في الفضاء القومي.
الهامش
1 مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، القاهرة، جـ2، ط 3، 1985.ص 608.
2 محمد مهدي عاشور، التعددية الإثنية: إدارة الصراعات واستراتيجيات التسوية، عمان، المركز العالمي للدراسات السياسية، 2002، ص 20.
33 C.t.Oninons(ed) The Shorter Oxford English Dictionary, The Clarendon Press,Oxford,1956,P1528.
4 أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، بيروت، مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، 1986، ص317.
55 Encyclopedia Britanica,Vol.8,p.51.
6 سامي ذبيان (محرر)، قاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لندن، رياض الريس للكتب والنشر،1999، ص 138-139.
7 جابر سعيد عوض، مفهوم التعددية في الأدبيات المعاصرة: مراجعة نقدية، بحث مقدم لندوة التعددية الحزبية والطائفية والعرقية في العالم العربي، الكويت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 1993، ص15.
8 نيفين عبد الخالق، الأبعاد السياسية لمفهوم التعددية: قراءة في واقع الدول القطرية واستقرار لمستقبلها، بحث مقدم لندوة التعددية الحزبية والطائفية والعرقية في العالم العربي، الكويت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 1993، ص5.
أنظر أيضا: أحمد ثابت: التعددية السياسية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1990، ص 16.
9 محمد عمر مولود، الفيدرالية وإمكانية تطبيقها في العراق، العراق، مؤسسة موكدياني للطباعة والنشر، 2003، ص 5-7.
10 أنطوان نصري مسره، إدارة التنوع في أنظمة الحكم العربية: التعددية السياسية والتعددية الاجتماعية, إطار نظري وتطبيق على الواقع العربي، في: ندوة التعددية السياسية في الوطن العربي، 24-26/3/1989، ص 3.
11 محمد عمر مولود، مرجع سابق, ص 370.
12 محمد مهدي عاشور، مرجع سابق، ص 22.
13 جابر سعيد عوض، مرجع سابق، ص 7-8.
14 14 John Rex, Ethnic Minorities in the Modern nation State, Macmillan press Ltd, London,1996,pp.15-17.
15 يشير ريكس Rex إلى وجود مجتمعين، الأول: مجتمع قديم تربطه فكرة القرابة والنسب التي تحكم كل أنشطته الإنسانية، والثاني: مجتمع حديث يتكون من مجالين هما المجال الخاص والمجال العام. والمجال الخاص يقصد به كل ما يتعلق بالثقافة والأخلاق الشعبية، ويسمح فيه بالخصوصية والتنوع التي تعطي نوعاً من الاستقرار النفسي من خلال الاعتماد الاجتماعي المتبادل، وهي نفسها الفكرة التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحديثة. والمجال الخاص لا يعد شيئاً كمالياً حيث يلعب دوراً في جعل الأفراد اجتماعين يشاركون في المجال العام. والمجال العام يقصد به القانون والاقتصاد والسياسة وتحكمه قواعد ومعايير عامة.
16 جابر سعيد عوض، مرجع سابق، ص 19.
17 المرجع السابق، ص20.
18 المرجع السابق، ص 27.
19 Fredrik Barth (ed.), Ethnic Groups and Boundaries, Little Brown.Boston,1969, Pp,9-11. 18
20 مجموعة مؤلفين، المجتمع العراقي: حفريات سوسيولوجية في الإثنيات والطوائف والطبقات، (بغداد: معهد الدراسات الاستراتيجية، الفرات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2006)، ص252 .
21 20 Panikos Panayi, an Ethnic History Of Europe Since 1945 .longman, London, 2000 , P101 .
22 21 Cyntia H.Enloe, Varieties Of Ethricity,Ethnic Conflict and Political Development, (Lamham, Press University of America,1986),Pp15-29.
23 سعد الدين إبراهيم، الملل والنحل والأعراق: هموم الأقليات في الوطن العربي، ( القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، دار الأمين للنشر والتوزيع، 1994)، ص27.
24 المعجم الوسيط، معجم اللغة العربية، القاهرة، 1985، ص 617- 618.
25 سعد الدين إبراهيم، مرجع سابق، ص 27.
26 على الدين هلال، نيفين مسعد (محرران)، معجم المصطلحات السياسية، (القاهرة: جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات لسياسية، 1994)، ص215.
27 عبد السلام إبراهيم بغدادي، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 1993)، ص180.
28 منير البعلبكى، المورد، (بيروت: دار العلم للملايين، 1989)، ص321.
29 وفاء لطفي عبد الواحد،التجربة المالیزیة في إدارة المجتمع متعدد الأعراق، مرجع سبق ذكره،ص 38
30 أبو العینین محمود، إدارة الصراعات العرقیة في إفریقیا، مجلة الدراسات الإفریقیة، معھد البحوث والدراسات
. الإفریقیة،العدد 59،2000 ،ص 50
31 . أبو العینین محمود، ، مرجع سابق، ص 90
32 عبد الحافظ أحمد، الدولة والجماعات العرقية، دراسة مقارنة للسياسة الروسية تجاه الشیشان وتتارستان ( 1991
. 2000 )، (القاھرة: مركز الدراسات السیاسیة والاستراتيجية، 2005 )، ص 48
* الدیمقراطیة التوافقیة (consensual democracy ) ھي صیغة للحكم یتم التوافق علیھا بین الفئات المكونة للأمة, ھذه الصیغة ھي بمنزلة إستراتیجیة لإدارة النزاعات من خلال التعاون والوفاق بین مختلف النخب، بدلا من التنافس، واتخاذ القرارات بالأكثریة،فلا یتخذ قرار من الأغلبیة بدون موافقة الأقلیة، الصیغة تحتاج إذا إلى التعاون بین الفاعلین السیاسیین لصوغ قرارات جماعیة
33 أندرسون جورج،مقدمة عن الفدرالیة ما ھي الفدرالیة؟وكیف تنجح حول العالم؟،(ترجمة مھا تكلا)،وكالة التنمیة
. (cida ) الدولیة الكندیة منتدى الأنظمة الفدرالیة، 2008 ،ص 02 ،
34 عبد الحافظ احمد، نفس المرجع السابق، ص 4
35 Osaghae Eghosae,Federalism and the ethnic question in Africa,in:john Mukum and
others, Ethnicity and governance in the third world,Ashagatem(eds)uk,2001,p,p36-
36 -عبد الحافظ احمد، مرجع سابق، ص 48
37 أبو العینین محمود، مرجع سابق ،ص 97
38 . عبد الحافظ احمد، مرجع سابق، ص 46
39 نیفین مسعد، النزاعات الدینیة و المذھبیة والعرقیة (الإثنیة) في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد/ 26
. القاھرة ، نوفمبر 2008 ، ص 73
40 عبد الحافظ احمد، مرجع سابق، ص 46
41 *اعتبرت الأمم المتحدة في قرارھا رقم 91 تاریخ 11/12/1946 ابدة العنصر جریمة یحظرھا القانون الدولي، وھي جریمة ضد الإنسانیة وضعت بشأنھا اتفاقیة دولیة أقرتھا الجمعیة العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الاول 1948 لإنزال أقصى العقوبات بالمجرمین، ثم عرفت المادة الثانیة من ھذه الاتفاقیة جریمة الإبادة بقولھا ” تعني إبادة الجنس البشري أیا من الأعمال التالیة التي تمارس بغیة الإبادة الكلیة أو الجزئیة لأیة جماعة قومیة أو عرقیة أو دینیة: كقتل أفراد جماعة معینة آو تشریدھم والاستیلاء على أملاكھم،أو الجاق أضرار جسدیة أو عقلیة بھم وخلق ظروف معیشیة للقضاء علیھم، أو فرض إجراءات تحول دون إنجاب الأطفال، أو تؤدي إلى نقل الأطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
. 1 ظاھر حسین، مرجع سابق, ص 168
42 . – وفاء لطفي حسین عبد الواحد، مرجع سابق، ص 42
43 .ظاھر حسین، مرجع سابق، ص 7
44 أبو العینین محمود، مرجع سابق، ص 71
45 المرجع السابق ص72
46 45 http//:www.qnaol.net/Qnaar/news/pages09-08-23.1229-437.aspx.
47 -1 أبو العینین محمود،مرجع سشابق , ص22
48 ايدابير احمد، التعددية الاثنية والامن المجتمعي، دراسة حالة مالي، رسالة ماجستير 2012, كلية العلوم السياسية جامعة الجزائر ص52
49 وفاء لطفي حسین عبد الواحد، مرجع سابق، ص 46
50 تید روبرت جار، أقلیات في خطر: 230 أقلیة في دراسة إحصائیة وسیاسیة واجتماعیة، ط 1 (لقاھرة، مكتبة مدبولي، 1995). ص 270
51 تید روبرت جار، مرجع سابق , ص 277