fbpx
قلم وميدان

انتخابات مصر: قراءة في احتمالات المشاركة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

حزمة الانتهاكات التي مارسها النظام المصري خلال الفترة التي سبقت فتح باب الترشح للانتخاب الرئاسية وتلك الفترة التي تلت فتح باب الترشح وبدء الدعاية الانتخابية، مثلت مادة ثرية للصحافة الدولية لتناول المشهد الانتخابي البائس بشكل يومي، وبالرغم أن ملامح المشهد الانتخابي تشير بوضوح الى واقع الحياة السياسية في مصر وما آلت إليه بعد انقلاب الثالث من يوليو، إلا أن تعامل المواطن المصري مع الانتخابات يظل يحمل دلالات وإشارات لا يمكن إغفالها ويمثل مادة أكثر ثراءً لفهم الحالة المصرية بتعقيداتها وتشابكاتها، وربما كانت الأسئلة الملائمة في تلك الفترة تدور حول ما إذا كانت الانتخابات بصورتها الحالية تشكل دافع للمواطنين للمشاركة والإدلاء بأصواتهم ومدى تفاعل المواطن المصري مع تلك الانتخابات وما هو حجم المشاركة المحتمل في عملية التصويت من أفراد وكتل وقطاعات مجتمعية مختلفة وهل واقع الحياة السياسية في مصر قضى على أي رؤية للتغيير السياسي من خلال مسار الانتخابات. للبحث عن إجابات لتلك الأسئلة سنجد مجموعة من الأفكار المختلفة مستندة الى اسقاطات وتأويلات للمشهد المصري الحالي دون ان تستند الى قياس حقيقي لاتجاهات وآراء المواطن المصري، وهو ما دفعنا للبحث عن إجابات لتلك الأسئلة من منظور مختلف يبتعد عن مساحة الأفكار والتنظير ويقترب اكثر من مساحة الواقع واتجاهات الرأي العام لدى المصريين التي تعكس صورة تقترب الى طموحات وامال وهموم وأولويات المواطن المصري في الوقت الحالي ونظرته وتقييمه للواقع السياسي، مع ما في ذلك من صعوبة لما يفرضه النظام الحاكم في مصر من حظر على كافة أشكال استطلاع الرأي بشكل علمي و منهجي و محايد.
سنحاول هنا ان نقوم بقراءة تحليلية لنتائج الدراسة الميدانية عن المشاركة المحتملة في الانتخابات الرئاسية 2018 والتي أعدها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام ” تكامل مصر” في الفترة ما بين 13 إلى 18 مارس 2018. وقد اكتسبت استطلاعات الرأي التي يجريها هذا المركز على مدار السنوات الماضية مصداقية لا بأس بها، وأظهرت نتائج استطلاعاته درجه جيدة من الاقتراب من الواقع بموضوعية واستقلالية.
يشير الاستطلاع (شكل رقم 1) عن نسبة المشاركة المحتملة وأسباب الإحجام عن التصويت في انتخابات 2018 (يسمح الاستطلاع باختيار أكثر من بديل) مع مقارنة لنفس الاستطلاع (شكل رقم 2) لانتخابات 2014، إلى عدة إشارات يمكن أن نلحظها:

شكل رقم 1
شكل رقم 2

ثمة انخفاض واضح في اعداد المشاركين المحتملة في انتخابات 2018 مقارنة بالأعداد التي توقعتها الدراسة التي أجراها المركز قبل انتخابات 2014، حيث أوضح الاستطلاع أن 2.6% من المجتمع المصري، هي نسبة المشاركة المحتملة في انتخابات 2018، بينما كانت النسبة 10% في انتخابات 2014، أخذاً في الاعتبار أن نسب المشاركة المحتملة تتقلص بعد التصويت الفعلي، حيث تقلصت في 2014 من 10% إلى 6% من المجتمع المصري وهي النسبة الحقيقية التي شاركت في التصويت في الانتخابات و التي رصدتها التقديرات المحايدة خلافا لما تم إعلانه من قبل النظام، وهو ما يعني أن نسبة المشاركة المحتملة في 2018 قد تتقلص إلى ما هو أدنى من 2.6%.
فيما يتعلق بالسؤال عن الأسباب والدوافع الرئيسية للإحجام عن المشاركة في انتخابات 2018، كان اللافت  للنظر في الإجابة عن ذلك السؤال هو تسجيل أكثر من عامل لنسب مرتفعة جداً، و هو ما يعني أن ظاهرة الإحجام عن المشاركة هي ظاهرة مركبة، حيث عبر 96% من الممتنعين عن المشاركة في انتخابات 2018 عن أن أحد أسباب امتناعهم عن المشاركة يعود بالأساس إلى شعورهم بعدم أهمية صوتهم الانتخابي وعبر 93% عن عدم مشاركتهم بسبب أن نتيجة الانتخابات محسومة مسبقاً وعبر 87% عن عدم مشاركتهم بسبب عدم اهتمامهم بالانتخابات، وتعكس هذه النسب المرتفعة لعوامل عدم المشاركة في الانتخابات بالرغم من الدعاية الانتخابية الهائلة التي استخدمت خلال الايام السابقة، قدراً كبيراً من واقع تقييم المواطن المصري للانتخابات وللمشهد السياسي، فمن ناحية لا يبدو مشهد الانتخابات مقنعاً لدى الكثير لاسيما وأن الممارسات التي ارتكبها النظام من اعتقالات وتهديدات وتضييقات على كل من أعلن نيته للترشح للانتخابات لم تخفى على أحد وهو ما أعطى انطباعات لدى الكثير أنه لا يوجد ثمة انتخابات وأن المشاركة في عملية التصويت لانتخابات تبدو نتائجها معلومة للجميع ستكون عديمة القيمة. من ناحية أخرى شكل تقييد المجال العام وغلق كل مسارات التغيير السلمي والذي صاحبته قبضة أمنية وبطش وانتهاكات، عاملاً هاماً في العزوف عن الاهتمام والمشاركة بفاعلية في المشهد السياسي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قطاعات كبيرة لم تعد تهتم بالانتخابات أو بالمشهد السياسي أو بالتغيير الذي يمكن أن يأتي بطريق ديمقراطي سلمي وسليم.
عبر 67% من الممتنعين عن المشاركة في انتخابات 2018 عن عدم شرعية الانتخابات كأحد أسباب امتناعهم عن المشاركة بينما كانت النسبة 58% في انتخابات 2014، تشير هذه المقارنة إلى ارتفاع في نسبة الممتنعين عن المشاركة في الانتخابات لعدم شرعيتها، وتحمل هذه الزيادة دلالات تتخطى عدم الاعتراف بشرعية انتخابات في ظل نظام جاء بانقلاب على نتائج انتخابات ديمقراطية، إلى الممارسات القمعية التي مارسها النظام طيلة سنوات حكمه بحق المواطنين من الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري والإعدام والتصفيات والتي تتسبب في تآكل شرعية النظام نفسه على المدى البعيد.
في استطلاع (شكل رقم 3) يسمح باختيار أكثر من بديل كان السؤال عن اهم اسباب من سيشارك في انتخابات 2018 مع عقد مقارنة مع انتخابات 2014، نلمس هنا عدة اشارات هامة من خلال الاستطلاع:

شكل رقم 3

مثَّل البحث عن الاستقرار الدافع الأول للمشاركة في الانتخابات في كلا المرتين، حيث عبر 96% من المشاركين المحتملين في انتخابات 2018 عن البحث عن الاستقرار كأحد أهم الأسباب التي ستدفعهم للمشاركة في الانتخابات في حين عبر 93% من الذين شاركوا في انتخابات 2014 عن نفس السبب، الإشارة الأهم في هذا الاستطلاع ان الدافع الأول والاكبر لدى قطاعات داخل المجتمع المصري، ليس اداء او نجاح النظام الحاكم بقدر ما هو تخوف المواطنين من الحالة الامنية و ما يظنونه من أثر من أي تغيير على عملية الاستقرار بصرف النظر عن طبيعة هذا الاستقرار. ولاتزال الأوضاع الأمنية تمثل دافعا لدى البعض للتمسك بالنظام لاسيما وأن الأوضاع في سيناء لاتزال مضطربة بشكل كبير، ومن ثم لجؤهم في صناديق الانتخابات الى اختيار صاحب القوة العسكرية بغض النظر عن قدرته الحقيقية على ادارة الملفات الحيوية التي تمس المواطن بشكل مباشر، و لا حتى الملفات الأمنية في واقع الأمر، يدرك السيسي جيدا هذه النظرة من بعض القطاعات  داخل المجتمع، ولايزال منذ وصوله الى الحكم حتى الانتخابات الرئاسية 2018 وهو يسوق دائما لوجوده على رأس السلطة من خلال توفير الأمان وحماية الدولة من الانهيار والإرهاب حتى وإن كان على حساب الأوضاع الاقتصادية المتردية لتصبح الصورة والانطباع المترسخ لدى المواطن أن غياب السيسي يعني بالضرورة غياب الأمن وإنهيار الدولة ومؤسساتها، مستحضراً في عملية التسويق مقارنات مستمرة مع أوضاع أمنية في أقطار أخرى مثل سوريا و العراق.
ثمة انخفاض ملحوظ في شعبية السيسي، حيث عبر 36% من المشاركين المحتملين في انتخابات 2018 عن تأييدهم للسيسي كأحد أهم الأسباب التي ستدفعهم للمشاركة في الانتخابات في حين رأى 83% من الذين شاركوا في انتخابات 2014، أن تأييدهم للسيسي كان من أهم الأسباب التي دفعتهم للمشاركة في الانتخابات، الفارق هنا ليس بالقليل ويعكس مباشرة حجم الانخفاض في شعبية السيسي من عام 2014 ووصولاً حتى توقيت الانتخابات الرئاسية في 2018، ويشكل البعد الاقتصادي أبرز العوامل التي تفسر انخفاض شعبية السيسي حيث اقتحمت الازمات الاقتصادية مساحة الاهتمام لدى قطاعات واسعة داخل المجتمع في السنوات الأخيرة وأدت إلى ارتفاع حالة السخط من السياسات الاقتصادية التي انتهجها النظام والتي بدت الى حد بعيد متخبطة ومرتبكة وأدت إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية وازدياد في نسب البطالة وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانتشار الفقر، بالإضافة إلى المشاريع الضخمة وباهظة التكلفة التي قام بها النظام والتي لا يزال هناك تشكك كبير من جدواها الاقتصادية على المواطن.
عبر 41% من المشاركين في انتخابات 2014 عن عدم رغبتهم في عودة حكم الإخوان كأحد أهم الأسباب التي دفعتهم للمشاركة في الانتخابات في حين لم يمثل هذا العامل نسبة تُذكر في اهم الاسباب لدى المشاركين المحتملين في انتخابات 2018، تعكس هذه النسبة أن الخوف من عودة الإخوان للحكم لم يعد يمثل دافعاً كبيراً للمشاركة في الانتخابات مثلما كان يمثل لدى بعض القطاعات في انتخابات 2014، وربما يرجع ذلك الى ضعف فاعلية الاخوان في المشهد السياسي في السنوات الماضية نتيجة الضربات التي تلقتها الجماعة والأزمات الداخلية التي تمر بها، والتي أدت إلى بُعدها عن التأثير في المشهد السياسي، ومن الناحية الاخرى قدرة النظام على إنهاء الحياة السياسية واضعاف وانهاك القوى والاحزاب التي كانت فاعلة بعد ثورة يناير، مع القبضة الأمنية الشديدة التي تحاصر أي فعل سياسي، مما أدى إلى ترسيخ  صورة استقرار النظام أمام المواطنين.
استطلاع (شكل رقم 4) عن الانتماءات السياسية للمشاركين المحتملين في انتخابات 2018 ومقارنته بانتخابات 2014، أظهر اشارة اخرى اكثر وضوحا على انخفاض شعبية السيسي، حيث شكلت الكتلة المسيحية المحتمل مشاركتها في انتخابات 2018، نسبة 41% من إجمالي الكتل والتيارات السياسية المختلفة المحتمل مشاركتها في الانتخابات، في حين شكلت الكتلة المسيحية نسبة 48% في انتخابات 2014، و بالنظر لانخفاض نسبة الاقبال المتوقع في 2018 عنها في 2014، فإن هذا يعكس انخفاضا كبيرا في أعداد المسيحيين الذين ينوون المشاركة، وهو انخفاض واضح يشير إلى تمدد تآكل شعبية السيسي إلى أحد الكتل التصويتية التي تعد ثابتة.

شكل رقم 4

خاتمة

من خلال قراءة متأنية للأرقام التي اوردناها هنا في هذا المقال والتي حاولنا ان تحظى بقدر من التحليل سيكون من السهل ملاحظة ان الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية هي أكثر ما يشغل ويعاني منه المواطن المصري (فضلا عن انخفاض مشروعيته عند الجماهير) وهو الأمر الذي غاب معه اهتمام المواطن بالحالة السياسية وتقييمه لسياسة النظام في ظل القبضة الأمنية التي باتت متحكمة في كل تفاصيل المشهد المصري وهو ما انعكس على حالة الإحجام الكبيرة المتوقعة عن المشاركة في انتخابات 2018. ربما يرى النظام أن المشهد الانتخابي ونتائجه الظاهرية تسير في اتجاه استقراره، إلا أن هذا المشهد يحمل في الوقت نفسه مخاطر تهدد استقراره و استقرار الوطن بكامله، مع نمو حالة الاستياء لدى المواطنين من تقييد الحريات السياسية و الانهيار في الظروف المعيشية و غياب الأمن العام، ومع حالة التوتر التي شهدتها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في الفترة التي سبقت الانتخابات مباشرة (1).

———–
الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close