تقارير

انسحاب القوات الأمريكية من سيناء الأبعاد والدلالات

تمهيد

تشير تقارير أمنية إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاهل رسالة بعث بها إليه عبد الفتاح السيسي قائد الإنقلاب العسكري بالقاهرة يطالب خلالها الإدارة الأمريكية التدخل العسكري لدعم قواته بسيناء والتي تقاتل تنظيم الدولة، أسوة بما تقوم به واشنطن في سوريا والعراق. تلك التقارير أبرزتها مواقع “إسرائيلية” ولم ينفها السيسي أو أياً من مساعديه، بيد أن الملفت للإنتباه بعد تلك الرسالة أن سيناء شهدت إسقاط الطائرة الروسية آواخر العام الماضي، واعترف تنظيم الدولة بتفجيرها، إلا أن أطرافاً عدة شككت في صحة اعتراف التنظيم بالحدث، وحتى الآن لم يتحدد رأي قاطع بشأن طريقة إسقاطها. لكن الملاحظ أنه في أعقاب سقوط الطائرة الروسية بدأت واشنطن إخلاء العديد من نقاط التمركز الخاصة بالقوات متعددة الجنسيات في منطقة شمال شرق سيناء، وقيل أن ذلك يحدث لأن تنظيم الدولة بدأ مهاجمة عدد من تلك النقاط.

ثم بدأ الإعلام الأمريكي ينقل معلومات بأن البنتاجون يدرس سحب القوات الأمريكية تدريجياً من شبه جزيرة سيناء لوجود خطر علي حياة الجنود، وذلك جراء هجمات تتعرض لها تلك القوات من قبل تنظيم الدولةـ، وأخيراً، وفي سرية تامة سحبت واشنطن بالفعل جانب مهم من تلك القوات، وإن كان متحدث عسكري مصري نفي ذلك مستندا إلى الموقع الإلكتروني للقوات متعددة الجنسيات على الإنترنت والذي لم يشر إلى ذلك الإنسحاب، حسب قوله (1).

وفي إطار هذه الاعتبارات، يسعي هذا التقرير إلى الإجابة على التساؤلات التالية: ما هي الأهداف وراء هذا الإنسحاب الأمريكي من سيناء وطبيعته وتداعياته؟ وهل هناك ربط بين ذلك وممارسات عبد الفتاح السيسي؟:

أولاً: إنسحاب القوات:

سحبت الولايات المتحدة الأمريكية جانب قواتها من شبه جزيرة سيناء في نهاية الأسبوع الأخير من أبريل 2016، وذلك، في تفسير ذكره البعض، رداً على قرار الحكومة المصرية بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين إلى المملكة العربية السعودية (2). حيث ذكرت مصادر عسكرية واستخباراتية لموقع “ديبكا” الإسرائيلي أن هذه الخطوة جاءت بعد أن تقدمت واشنطن بإحتجاج لقائد الإنقلاب عبد الفتاح السيسي على استبعادها من التشاور والتنسيق العسكري الثلاثي بين مصر والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بشأن ترتيب الأوضاع المتعلقة بهاتين الجزيرتين.

الموقع أشار إلى أن واشنطن بعثت برسالة واضحة إلى كل من القاهرة والرياض و”إسرائيل” بأنها خارج نطاق التنسيق العسكري بين الأطراف الثلاثة في شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة والبحر الأحمر، وقام بنقل هذه الرسالة إلى عبد الفتاح السيسي يوم السبت ٢٢ إبريل رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة “جوزيف دانفورد” خلال لقائهما في القاهرة (3). وفي ٢٠ أبريل 2016، ذكرت مصادر عسكرية للموقع أن الجيش الأمريكي سحب سرا ١٠٠جندي وضابط من جنوده في القوات متعددة الجنسيات في الجزء الشمالي من سيناء.

ورفضت المصادر الأمريكية تحديد الموقع الحالي للقوات التي تم سحبها من قاعدة الجورة علي وجه التحديد، والتي تقع بالقرب من مدينة الشيخ زويد. وحسب الموقع قال الجنرال دانفورد للسيسي أن إدارة أوباما لم تعد ترغب في بقاء القوات في شمال سيناء على أثر القصف الأخير للقاعدة من قبل عناصر تنظيم الدولة.

وقبل فترة وجيزة من زيارته الأخيرة للقاهرة، قام الجنرال دانفورد بزيارة خاطفة لمصر لم تستغرق 90 دقيقة لكي يمنح شهادات تقدير إلى ٤ من مشاة البحرية لشجاعتهم أثناء قصف تنظيم الدولة لموقعهم.

وفي الوقت نفسه، شنت مصادر أمريكية هجوماً غير مسبوق على قائد الانقلاب في مصر بشأن قراره بتسليم الجزيرتين إلى الرياض. وبدأت مقالات تهاجم سياسة السيسي وأوجزت وسائل إعلام الأمريكية هذا الهجوم في قول واحد إلا وهو أن “قرار نقل الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية قد يكون المسمار الأخير في نعش عبد الفتاح السيسي، مؤكدة أن مصر على وشك ثورة ضد السيسي.

ومن جهته قال المتحدث باسم البنتاجون “جيف ديفيس”، ١٢ أبريل 2016: إنه في ظل البيئة الحالية دون حدوث تغييرات، “فإنه موقف ينطوي عليه جانب من الخطورة،” مشيرا إلى وجود تنظيم الدولة. وأضاف ديفيس أن وزارة الدفاع الأمريكية تحاول تحديد كم من عناصر البعثة من القوات متعددة الجنسيات التي تُراقب الامتثال بمعاهدة السلام في عام 1979، يُمكن استبدالهم بأجهزة استشعار عن بعد متقدمة، ثم تقرر عدد الجنود الأمريكيين المطلوب وجودهم في المعسكر الشمالي بسيناء”(4).

وقال مسؤولون أمريكيون إن الإخطار الأمريكي لكل من مصر و”إسرائيل “بسحب القوات جاء بعد أسابيع من المناقشات غير الرسمية بين جميع الأطراف لمهمة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين بسيناء والتي تم إخطارها أيضا بالإستعداد للإنسحاب. وفي ذات السياق فقد تم بالفعل إغلاق بعض محطات المراقبة الصغيرة عن بعد، وفي سبتمبر 2015، قامت البعثة الأمريكية بإجلاء أفراد من موقعهم في شمال سيناء بسبب تهديدات بالهجمات ذد الموقع، بعد إصابة ٤ جنود أمريكيين في ذلك الشهر (5).

هواجس إسرائيلية:

يقول المحلل السياسي صالح النعامي أن لدي تل أبيب هواجس ومخاوف عميقة تبديها من إمكانية حدوث تحوّل في موقف الإدارة الأميركية تجاه نظام قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قد يصل إلى حدّ قطع واشنطن ارتباطها بهذا النظام. وبحسب بعض الكتاب الإسرائيليين من ذوي التوجهات اليمينية، فإنّ أي تحول في موقف الإدارة الأميركية من نظام السيسي سيشكل ضربة مباشرة للأمن القومي الإسرائيلي بسبب العوائد الكبيرة التي تجنيها إسرائيل من العلاقة مع هذا النظام (6).

سقوط كامب ديفيد

وفي القاهرة رأى خبراء عسكريون وقانونيون مصريون، أن دعوات الإعلام الأمريكي لسحب قوات “حفظ السلام” الدولية من سيناء، نظرا لتصاعد نشاط “تنظيم الدولة في المنطقة، يعني ضمنيا إلغاء اتفاقية “كامب ديفيد” الموقّعة بين مصر و”إسرائيل”، وقالوا “إن تلك المطالب التي رفعتها صحف أمريكية تعيد للأذهان المخاوف من إمكانية تكرار سيناريو ستينيات القرن المنصرم حينما انسحبت تلك القوات الدولية وبعدها حدث العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967”.

ونقلت صحف مصرية عن اللواء أحمد رجائي، قوله: “إن سحب قوات حفظ السلام من سيناء يعد خرقا لاتفاقية كامب ديفيد، باعتبار أن وجودها أحد بنود تلك الاتفاقية التي لا يمكن مخالفتها”، مشيرا إلى أن مهمة قوات “حفظ السلام” هي منع الاشتباك بين مصر وإسرائيل، وليس التدخل في الحرب على الإرهاب باعتبارها شأن داخلي لمصر، حسب رأيه.

واعتبر اللواء حسام سويلم، أن سحب أمريكا قواتها سيحتّم إعادة النظر في اتفاقية السلام مع إسرائيل و”لن يلغيها بشكل كامل”، مشيرا إلى أن القاهرة وتل أبيب “غير مستعدتان للدخول في مفاوضات جديدة بشأن سيناء”.

وقال أستاذ القانون الدولي د. محمد مصطفي: “لا يحق للولايات المتحدة أن تطلب سحب تلك القوات، فذلك حق أصيل لمصر وإسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد”، مشيرا إلى أنه سبق وطلبت مصر سحب قوات الطوارئ في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، واعتبرت تل أبيب آنذاك ان القاهرة تستعد للحرب ففاجأت الجيش المصري في 1967″(7).

طبيعة القوات الدولية:

في عام 1982، وبعد توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام في “كامب ديفيد”، اتفق الطرفان بموجب تلك المعاهدة على إنشاء قوات متعددة الجنسية يكون مهامها حفظ ومراقبة السلام في سيناء، لكن اختلاف أعضاء مجلس الأمن الدولي على ضرورة إرسال هذه القوات، والذي نتج عنه قرارًا بعدم إرسال قوات إلى سيناء، جعلت أمريكا تتبنى إرسال قوات حفظ سلام هناك، وأنشأت قوة متعددة الجنسيات لهذا الغرض.

ونصت المادة السادسة، في فقرتها الثامنة من الملحق الأول في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل “كامب ديفيد” على: “يتفق الطرفان على الدول التي تشكل منها قوات ومراقبو الأمم المتحدة وسيتم ذلك من الدول غير ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق بين الطرفين فيما يتعلق بأحكام الفقرة الثامنة من المادة السادسة من الملحق الأول، فإنهما يتعهدان بقبول أو تأييد ما تقترحه الولايات المتحدة الأميركية بشأن تشكيل قوات الأمم المتحدة والمراقبين”(8).

وبناءًا على ذلك تم تشكيل قوات حفظ سلام في سيناء تتخذ من العاصمة الإيطالية روما مقرًا رئيسيًا لها، وهي مكونة من 12 دولة، وللقوات مكاتب اتصال في كل من القاهرة وتل أبيب، وشبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة على طول الشريط الممتد على طول شرقي سيناء وتعهدت الولايات المتحدة بدفع ثلث ميزانية هذه القوة بعد موافقة الكونجرس.

ويبلغ عدد القوات الدولية أكثر من 1750 عسكريا ومدنيا، واسمها المتعارف عليه “القوة متعددة الجنسيات والمراقبون في سيناء” (MFO) وتضم: الولايات المتحدة (كتيبة قوامها 425 عسكريا في القطاع الجنوبي لانتشار القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، بالإضافة إلى 235 موظف دعم، بمن في ذلك الأطباء والمتخصصون في الألغام الأرضية وعدد من المروحيات)، أستراليا (25 عسكريا)، كندا (28 عسكريا)، كولومبيا (كتيبة مكونة من 31 ضابطا و58 ضابطا مساعدا و265 جنديا و3 مدنيين)، تشيكيا (3 ضباط)، فيجي (كتيبة من 338 عسكريا)، فرنسا (ضابطان)، المجر (42 عسكريا)، نيوزيلندا (26 عسكريا)، النرويج (3 عسكريين)، أوروجواي (58 عسكريا)، إيطاليا (78 عسكريا و3 سفن من البحرية تقوم بدوريات في المياه المحاذية لسواحل سيناء، وذلك لضمان حرية الملاحة في مضيق تيران والوصول إلى خليج العقبة)(9).

وقد انخفض تعداد هذه القوات من حوالي 2700 في بدايتها إلى حوالي 1750، كما انخفض تعداد القوات الأمريكية من 1200 عام 1982 إلى 700 تقريبًا، وانخفضت قوات الدولتين الرئيسيتين الأخريين المشاركتين بشكل رئيسي -وهما كولومبيا وفيجي-من 500 إلى 350 تقريبًا لكل منهما. كما طرحت فكرة إنهاء عمل تلك القوات من قبل مصر التي طلبت في الاجتماع السنوي للقوة عام 1994 أن يتم إنهاء عمل القوة، أو تقليل حجمها، أو حصر مسرح عملياتها في المنطقة الحدودية، بدلا من كامل مناطق سيناء، وذلك توفيرًا للنفقات التي تقوم مصر بتسديد ثلثها (في عام 2014، بلغت ميزانية القوة الدولية متعددة الجنسيات في سيناء، نحو 82.6 مليون دولار).

الخلاصة

يخشى كثير من الخبراء أن يكون الإنسحاب الأمريكي مقدمة لاجتياح صهيوني لشرق سيناء، بحجة نشر الأمن ودعم النظام العسكري المصري في مواجهة “الإرهاب”، ولكن في الخلفية يبرز مخطط تسليم جزء من أراضي سيناء لإسرائيل في إطار تسوية شاملة تعيد رسم خرائط المنطقة، وهو الأمر الذي يعمل قائد الإنقلاب على التمهيد له خلال الأعوام القليلة الماضية، عبر سلسلة من العمليات العسكرية التي تترك الأرض محروقة، ومحو مدينة رفح المصرية من الوجود عبر عمليات واسعة النطاق من التهجير والتشريد والإبادة الجماعية.

————————————

الهامش

(1)نصر عبده، المتحدث العسكري: معلومات مغلوطة تنشر عن سيناء بعد محاصرتنا لبؤر الإرهاب، البوابة نيوز، ٢٦ أبريل ٢٠١٦، الرابط، تاريخ الزيارة 7/5/2016.

(2)DEBKAfile, US Sinai pullback payback for islands handover, Special Report April 27, 2016, LINK, date visiting 7/5/2016.

(3)ربيع السكري، السيسي يلتقي ثالث مسئول أمريكي خلال أسبوع، وكالة الأناضول التركية، ٢٣ أبريل 2016، الرابط، تاريخ الزيارة 7/5/2016.

(4)وزير الدفاع الأمريكي يخطر مصر وإسرائيل رسيماً بأرجحية سحب واشنطن قواتها من شمال سيناء خوفاً من داعش، شبكة سي إن إن، ١٣ أبريل 2016، الرابط،.

(5)Sisi asks Obama for military intervention to save Egypt from ISIS, debka file, 3/5/2016, link, visit 4-5-2016.

(6)صالح النعامي، إسرائيل قلقلة من تخلي واشنطن عن السيسي، العربي الجديد، 14 أبريل 2016، الرابط، تاريخ الزيارة 7 مايو 2016

(7)خبراء: انسحاب القوات الأمريكية من سيناء يلغي كامب ديفيد -ـ قدس برس ـ ١٣اغسطس ٢٠١٥، الرابط، تاريخ الزيارة 4-5-2016

(8) ملاحق معاهدة كامب ديفيد كاملة ـ مركز الدراسات الفلسطينية، الرابط، تاريخ الزيارة، 7 مايو 2016.

(9) ميسر ياسين، بعد دارسة أمريكا لسحب قواتها.. تعرف على قوات حفظ السلام في سيناء، صحيفة الوطن المصرية، الخميس 20-08-2015، الرابط، تاريخ الزيارة، 7 مايو 2016.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى