fbpx
الحركات الإسلاميةاوروبا وامريكا

بدائل الغربيين لمواجهة الجهاديين

معركة لكسب الأمة السنية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ملخص:

ثمة نظريتان غربيتان رئيسيتان للتعامل مع الإسلام والمسلمين؛ أولاهما: نظرية “كلهم متشابهون”، ويحذر أصحابها من الاستعانة بأي مكون إسلامي في حرب ما يسمى بالإرهاب، والأخرى: نظرية “ليسوا سواء”، ويتمتع أصحابها بمزيد من الصبر وينصحون بإيجاد بدائل مبتكرة لمواجهة الأيديولوجية الجهادية.

الخطوة الأولى في المسار الثاني هي: إعادة تعريف العدوّ، باعتباره حركة عالمية تستمد قوتها من علاقتها بالأمة السنية، وهو ما يقود إلى الخطوة الثانية: تغيير نهج مكافحة الإرهاب، والتركيز على إحداث قطيعة بين الجهاديين والشعوب السنية.

بعد إعادة تعريف العدو، وتحديد طريقة المواجهة، يأتي دور صياغة “إسلام مستنير”؛ لمواجهة “الإسلام المتطرف”، وتتناول الدراسة خمسة بدائل رئيسية: (1) الإسلام الرسمي: الأجنبي (الأمريكي والأوروبي والروسي) والخليجي (السعودي والإماراتي) والأزهري المصري

(2) الصوفية: التي يعتبرها البعض “الترياق الأقوى للتطرف الديني”، لكن يحذر آخرون من أنها قد “تعمق الانقسامات الطائفية وتنفر السلفيين غير العنفيين”.

(3) السلفية المهادنة: باعتبارها “ترياقا للسلفية الجهادية”.

(4) الإسلام السياسي: وتفعيل هذا البديل يتطلب أولا تخفيف حدة التوترات بين الأنظمة العربية المحافظة والإخوان المسلمين.

(5) استقطاب الجهاديين المعتدلين: إما عبر المفاوضات المباشرة، أو برامج العفو مقابل الانشقاق.

وفي مقابل هذه البدائل الغربية الخمسة، ثمة بديل مضاد يتمثل في اندماج قواعد تنظيمي القاعدة والدولة، وهو السيناريو الأكثر خطورة في نظر الباحثين الغربيين، رغم أن فرص وضع الخلافات الجهادية-الجهادية جانبا تظل ضئيلة في الواقع.

وفي هذه الورقة نركز على هذا الاتجاه الثاني المعني بصناعة البدائل الأخرى لمواجهة الجهاديين.

النظرية الأولى: كلهم متشابهون

“لا ينبع التهديد الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة من الإرهابيين الذين يعملون باسم الإسلام، بل من الإسلام نفسه. ذلك أن الشريعة عبارة عن برنامج سياسي وعسكري وقانوني يتسم بالقمع والوحشية والشمولية ويهدف إلى النخر التدريجي في جذور الحكومات الغربية، وتنصيب حكومات أخرى تلتزم بالتعاليم الإسلامية الصارمة”.[1]

قائل هذا الكلام هو: فرانك جافني، مؤسس مركز أبحاث هامشي يدعى “مركز السياسة الأمنية”، وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، ويصفه مركز “ساوثرن بوفرتي” المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة بأنه “أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا في أمريكا”، وتلفت شبكة سي إن إن إلى أنه ليس فقط المصدر الذي كان يستقي منه دونالد ترامب معلوماته حول ميول المسلمين نحو الإرهاب أثناء حملته الانتخابية، ولكن أيضًا “مصدر رئيسي لكل نظريات المؤامرة”.[2]

Frank Gaffney
فرانك جافني مصدر معلومات ترامب حول الإسلام

أصحاب نظرية “كلهم متشابهون”، الذين ينتمون لنادي الإسلاموفوبيا الذي يرأسه جافني، يضعون كل المسلمين في سلة واحدة، ويعلقون عليها لافتة تحذيرية: “إرهاب”؛ وهم بالتالي يرون أن أي استعانة بالمكون الإسلامي لمواجهة التهديد الذي يرونه نابعًا من الإسلام ذاته يشبه فعل المستجير من الرمضاء بالنار، ويودون لو كان باستطاعتهم إفراغ محتوى هذه “السلة الإرهابية” في قلب الجحيم.

النظرية الثانية: ليسوا سواء

على الجانب الآخر من الشاطئ، ثمة فريق أكثر هدوءا يرى أن “خوض معركة ضد أيديولوجية دينية مثل السلفية الجهادية مهمة صعبة تتطلب طرقًا إبداعية”، على حد قول عساف مقدم، الأستاذ المساعد في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في “ويست بوينت” والزميل الرفيع المستوى ببرنامج الأمن الدولي في جامعة هارفارد.[3]

أحد هذه الطرق الإبداعية هو الترويج لـ “نسخة حداثية من الإسلام” لتكون ندًا للأيديولوجية الجهادية، ومنح فرصة “للكفاح المستمر الذي يضطلع به رجال الدين المسلمين من أجل إعادة صياغة تعاليم الشريعة المتعلقة بالمجتمع والسياسة على نحوٍ أكثر توافقًا مع الحياة العصرية”، كما يقول رافاييل لوفيفر، الباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت.[4]

ولأن أتباع النظرية الثانية يؤمنون بأنه “لا يفل الأيديولوجيا إلا الأيديولوجيا”، فإنهم ينقبون بصبرٍ عن نسخةٍ “مُهادِنة” من الإسلام؛ تصمد في مواجهة الخطاب “المتطرف” الذي تتبناه التنظيمات “الإرهابية”.

هذا التصوُّر المبني على مواجهة “الجهاديين” بنسخة “مخفَّفة” من الإسلام؛ يهدف إلى توجيه الصراع إلى أحد مسارين: (1) إما أن يعود السيف إلى غِمده؛ بهزيمة الجهاديين فكريًا أمام الخطاب المرضيّ عنه غربيًا (2) أو أن ترتد الحرب إلى ساحة الإسلاميين أنفسهم؛ بخلق صراع إسلامي-إسلامي، يُضعِف الجميع.

الخطوة الأولى: إعادة تعريف العدوّ

لكن قبل خوض هذه المعركة الأيديولوجية ضد “الإرهاب”- الذي هو مرادف لـ “الجهاديين” في القاموس الأمريكي- تنصح الباحثة كاثرين زيمرمان عبر معهد أميركان إنتربرايز بخطوة أولى تتمثل في: إعادة تعريف العدو.

والعدو في نظر زيمرمان هو: حركة عالمية- وليس مجموعات متناثرة أو أيديولوجية متطرفة، وبالتأكيد ليس الفقر- ​​تشن حربا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، استنادًا إلى الأيديولوجية السلفية الجهادية، مدعومة بتجارب مشتركة تشكل قوة جمعيّة تتجاوز الأفراد.

وتنظيما القاعدة والدولة ليسا سوى أحد مظاهر هذه الأيديولوجية، وجزءًا من الحركة التي تمتد جذورها لعقود. والحركة السلفية الجهادية العالمية كانت ولا تزال أكبر من مجرد تنظيم. ولا تملك أمريكا والغرب فرصة للنجاح في هذا الصراع إلا إذا فهموا أن هذه الحركة هي خصمهم الحقيقي، وهو ما يتفق عليه عدد كبير من الباحثين الغربيين، وليس فقط كاثرين زيمرمان.

الخطوة الثانية: إحداث قطيعة بين الجهاديين والأمة

يترتب على إعادة تعريف العدو ضرورة تغيير نهج مكافحة الإرهاب. وإذا كانت الحركة السلفية الجهادية تستمد قوتها من علاقتها بالأمة السنية، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تفوز في هذه الحرب بمجرد ملاحقة أفراد التنظيمات أو حتى قتل القيادات، كما لا يمكنها- لأسباب موضوعية- مواجهة الأيديولوجية السلفية الجهادية مباشرة في ساحات المناظرات الفكرية، دون امتلاك أدوات “إسلامية” تستطيع تحريكها من وراء ستار.

صحيحٌ أن القادة والأفراد والمجموعات وملاذاتهم الآمنة والقدرة على شن هجمات إرهابية عابرة للحدود الوطنية كلها عناصر هامة للحركة الجهادية العالمية، لكن التجربة أثبتت أن القضاء على هذه المكونات دون كسر العلاقة بين الحركة والشعوب السنية هو مجرد لعبة خاسرة.

وإذا كانت “الحركة السلفية الجهادية العالمية في جوهرها تمرد عالمي، فإن قوتها ومركز ثقلها هي علاقتها بالأمة السنية. هذه العلاقة كانت قاصرة لعقود لأن الوسائل التي طرحتها الحركة السلفية الجهادية لإعادة الخلافة الإسلامية كانت غير مقبولة. لكن الضغوط على الشعوب السنية- التي وصلت إلى مستوى التهديد الوجودي- قد غيرت حساباتهم، ومكنت السلفية الجهادية من بناء دعم شعبي وبالتالي تعزيز الحركة العالمية”.

والسبيل الوحيد للفوز هو: “مكافحة هذه الظروف، مع التركيز على الشعوب، وكسر العلاقات بين الحركة السلفية الجهادية والأمة السنية. وأي شيء أقل من ذلك، سيضمن أن جيلًا آخر من الأمريكيين سوف يجدون أنفسهم يقاتلون الحرب ذاتها ويخسرون، مثلما حدث مرارا وتكرارا طيلة العقود الماضية”.[5]

بعد إعادة تعريف العدو، وتحديد طريقة المواجهة، يأتي دور صياغة “إسلام مستنير؛ لمواجهة وجهات النظر الظلامية التي تدفع الشباب المسلم إلى العنف”، على حد وصف رئيس الوزراء ووزير الداخلية الفرنسي السابق، برنارد كازينوف.[6]

البديل الأول: الإسلام الرسمي

الإسلام الرسمي: هو نموذج “الإسلام السائد”، الذي ترعاه الدولة، ويخضع لسلطتها، وتقدمه كبديل لما تعتبره “عقائد متطرفة”.

(1) “الإسلام الأمريكي”

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أكد العديد من الخبراء الأمريكيين على أولوية الفوز “بحرب الأفكار”، وأوضحوا أن وقود الحرب الحديثة على الإرهاب ينبغي أن يكون: “النظريات والحجج والكتب والمجلات والمؤتمرات والمحاضرات”؛ لأنها “ستكون في النهاية حرب إقناع”، ونصحوا بأن يدور الصراع حول “التأثيرات الثقافية التي تخترق العقل الإسلامي”، كما يقول المؤرخ الاجتماعي المنتمي للمحافظين الجدد، بول برمان.[7]

وإذا كانت الحكومة الفيدرالية الأمريكية قد دعمت الكاثوليكية بشكل واضح كحصن ضد الشيوعية خلال ستينيات القرن العشرين، فهذا يعني- في نظر هذا الفريق- إمكانية تطبيق نهج مماثل لمكافحة التطرف؛ لا سيما في ضوء استنتاجات العلوم الاجتماعية التي تميل إلى القول بأن “الهوية الدينية الراسخة تحمي في الواقع من التطرف العنيف”.[8]

ووصول مكافحة التطرف إلى المشهد المحلي، كان جزءًا من السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقد، ويمثل تطورًا هامًا، وإن لم يكن معلنًا، في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب. وتحت ذريعة حماية الأمن القومي، تدخلت السلطات الفيدرالية والمحلية في الولايات المتحدة ليس فقط في الحياة الدينية للمسلمين الذين يعيشون على التراب الأمريكي بل وتحاول قولبة الإسلام نفسه، كجزء من استراتيجية مكافحة التطرف، التي تهدف إلى تقليل جاذبية “الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة” جزئيًا، من خلال تشجيع المزيد من البدائل الدينية “السائدة”.

مسلمو أمريكا ومكافحة الإرهاب إحصاءات وممارسات
دراسة سابقة للباحث تحت عنوان مسلمو أمريكا ومكافحة الإرهاب إحصاءات وممارسات

أسباب هذا التطوُّر عديدة ومتداخلة:

أولاً؛ توجيه الموارد الرسمية المحلية لمكافحة الإرهاب يتوافق مع المنطق الوقائي الذي يركز على تقليل خطر وشدة الهجمات الإرهابية في المستقبل؛ بتغيير التوجهات الفكرية لدى الأفراد والمجتمعات، وتجفيف منابع الإرهاب أو التطرف العنيف.

ثانيًا؛ استخدام “القوة الناعمة الجذابة” قد يكون أكثر فعالية وأقل ضررًا لسمعة الحكومة الأمريكية في الداخل والخارج، في ظل الانتقادات الأخلاقية والقانونية الموجهة لتكتيكات “القوة الخشنة”.

ثالثًا؛ البعد المحلي للتهديد الإرهابي المعاصر يستلزم اتباع نهج استباقي على المستوى المحلي.

ورغم المحاولات المتكررة لبناء الثقة مع المجتمعات الإسلامية بدلا من عزلها،  يُستَبعَد أن تنجح الحكومات الغربية في مسعاها لتشكيل الأيديولوجية الدينية، وربما تأتي هذه الاستراتيجية بنتائج عكسية عن طريق استعداء المزيد من المسلمين، حسبما أوضحت دراسة سابقة نشرها المعهد المصري، تحت عنوان “مسلمو أمريكا ومكافحة الإرهاب: إحصاءات وممارسات”.

وقد تفشل الجهود الحكومية بسبب الرسول (حامل الرسالة)، وليس الرسالة ذاتها. ذلك أن المقاربات الحكومية تفتقر إلى المصداقية داخل المجتمعات الإسلامية، وتعوزها الخبرة فيما يتعلق بالمسائل الدينية. لذلك “تبدو مناشدات الحكومة بتبني نسخة معتدلة من الإسلام أشبه بمناشدات كبار السن للشباب بالاعتدال في الملبس والموسيقى”، حسبما يحذر عالم الأنثروبولوجيا سكوت أتران. بل تعترف وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، جانيت نابوليتانو بـ “أنه ليس لدينا حتى الآن تصور كامل لما يمكن أن يتسبب في تحوُّل الشخص إلى التطرف”.

بموازاة الجهود المحلية، تبنت الولايات المتحدة برامج تستهدف المعتقلين، مثل “الدليل” الذي أنتجه المسؤولون الأمريكيون المكلفون بالإشراف على احتجاز أسرى الحرب العراقيين، ويتضمن مقاطع قرآنية “معتدلة” و”متطرفة” لدحض حجج المحتجزين الذين يستخدمون مقاطع معينة لدعم تفسيرهم “المتطرف” للإسلام. وترجم المسؤولون عن هذا البرنامج ما اعتبروه “الحديث الأكثر اعتدالا في العالم” من أجل مواءمة التعليم الإسلامي الكلاسيكي مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية.

المفارقة أن هذا المشروع يُدَار تحت قيادة الجنرال دوجلاس ستون، الذي يتفاخر بأن لديه “تسامحًا كبيرًا، تسامحا كبيرًا للغاية” مع القتل. ورغم ذلك، وصف مسؤول حقوقي أممي في بغداد أوضاع مراكز الاحتجاز التي تديرها الولايات المتحدة بأنها “خمس نجوم”. ما دفع أندرو وودز إلى التهكم عبر صحيفة فاينانشيال تايمز، على هذه “الأرضية المشتركة النادرة التي تجمع بين المدافعين عن حقوق الإنسان والجنرالات المتشددين”.[9]

(2) “الإسلام الأوروبي”

منذ أوائل العصور الوسطى وحتى بداية القرن العشرين، كانت الدول الإسلامية جزءًا لا يتجزأ من الجغرافيا السياسية الأوروبية. وطوال الفترة الحديثة، كانت الخلافة العثمانية، وعاصمتها إسطنبول، أهم قوة إسلامية في القارة. لكن مع تدهور الدول الإسلامية الأوروبية (غرناطة، وخانات أوروبا الشرقية، والخلافة العثمانية) وجد العديد من المسلمين أنفسهم يعيشون تحت حكم دول غير إسلامية.[10]

كانت السياسات المتبعة للتعامل مع هذه الأقليات المسلمة متباينة للغاية، وخضعت لمراحل مختلفة في كل دولة، وأدى فقدان السلطة الإسلامية إلى عمليات تحديث مهمة، لا يزال أثرها قائمًا حتى اليوم، وإن اختلفت المظاهر.

في هذا السياق، أنشأ وزير الداخلية الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في عام 2002، ليكون صوتًا مؤسسيًا للمسلمين الفرنسيين، وفي الوقت ذاته لتقليل مدى انخراط الأطراف الخارجية في الإسلام الفرنسي باعتباره شأنًا داخليًا.[11]

وفيما رفع مركز الأبحاث الليبرالي “مونتاني” تحذيرًا للرئيس إيمانويل ماكرون من “مصانع إنتاج الأسلمة” التركية، أعلنت فرنسا مرارا أنها لا ترغب في توظيف أئمة مساجد من تركيا والمغرب والجزائر، وقررت تخفيض عدد الأئمة القادمين إليها من تركيا، نظرا لما يقومون به من “نشر للفكر المُتطرّف من بوابة التعليم الديني”.[12]

على النسق ذاته، تحرص السلطات الألمانية على تدريب الأئمة المسلمين؛ حتى تصبح ألمانيا “أكثر استقلالية” في شؤونها الدينية- على حد وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل[13]– وتحديدًا “تحجيم النفوذ التركي داخل مجتمع المسلمين في ألمانيا”.[14]

 (3) “الإسلام الروسي”

في السنوات القليلة الماضية، استخدم الكرملين على نطاق واسع مصطلح «الإسلام التقليدي»، الذي يعتبره الرئيس فلاديمير بوتين جزءا لا يتجزأ من القانون الثقافي الروسي، ومكونا أساسيا من مكونات روسيا الكوزموبوليتانية.

كان المفتي الأعلى طلعت تاج الدين أول من استخدم هذا المصطلح في أوائل التسعينيات؛ استجابة لـ «الحقائق الجديدة التي تهدد استقرار روسيا وساحة ما بعد الاتحاد السوفيتي عمومًا».[15]

جهود موسكو لترويج نسختها الخاصة من «الإسلام المهادن»، تتزامن مع الحملة التي تشنها بعض الدول العربية لمكافحة الإسلاموية، ويخدم بعضها بعضًا، حسبما يرصد حسن حسن في مجلة ذي أتلانتك.[16]

وفي أكتوبر 2017، أثناء لقاء مع فلاديمير بوتين في موسكو، ذكرت التقارير أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز ناقش ملف الدعوة الإسلامية في روسيا. وأخبر مسؤولون سعوديون وروس الخبير الروسي في واشنطن، ثيودور كاراسيك، أن الملك وافق على سحب تمويل المساجد ووقف الجهود الدعوية في روسيا في فبراير (شباط) الماضي، وكانت الرياض قد اتخذت خطوة مماثلة عندما رفعت يدها عن أكبر مسجد في بلجيكا.[17]

(4) “الإسلام الخليجي”

السعودية

أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أكتوبر 2017 “نحن نمثل القيم المعتدلة (…) والحق إلى جانبنا في كل ما نواجهه (…) سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.

وأضاف: “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب (…) 70 في المائة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة. سوف ندمرها اليوم وفورا”.[18]

ويرى باحثون غربيون أن “مشروع الإصلاح” الذي يتبناه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوفر إمكانية لتحقيق مكاسب إيجابية مهمة في “مكافحة الجهادية”. ورغم أن تأثير هذه الإصلاحات لا يزال غير واضح، إلا أنها تحظى بمتابعة غربية وثيقة، ويرى البعض أنها “من المرجح أن تشكل طبيعة التهديد الجهادي في السنوات المقبلة”.[19]

الإمارات

“الإسلام الرسمي” في الإمارات “يخضع لسلطة الدولة”، على حد قول صحيفة واشنطن بوست، لكن خلافا للمملكة، ليس لدى الإمارات طموح لنشر الإسلام خارج حدودها، بل على النقيض، تدعم القوى المناهضة للإسلاميين،[20] وتتبنى مؤسسات دينية بديلة تتوافق مع رؤاها، مثل مجلس حكماء المسلمين، الذي يترأسه شيخ الأزهر أحمد الطيّب ورئيس تعزيز منتدى السلم في المجتمعات المسلمة الموريتاني الشيخ عبد الله بن بيه، الذي أسسته الإمارات لمواجهة الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي.[21]

تسعى الإمارات أيضًا لاستقطاب الأزهر[22]، لتوظيفه في معركتها ضد السلفية العالمية والإخوان المسلمين، وهو ما يتماشى مع  نصيحة أندرو تيري عبر معهد أميركان إنتربرايز بـاستعادة دور الأزهر لكبح جماح التطرف في مصر، عن طريق “توفير الغطاء لعلماء الدين التقليديين بدلا من الديماغوجيين، والشعبويين، والمتطرفين”.

 (5) “الإسلام الأزهري”

يقول أندرو تيري: “بينما يسعى البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى “مكافحة التطرف العنيف” في الداخل والخارج، ينبغي تشجيع دول مثل مصر على العودة إلى الأصول، باستعادة دور المؤسسات الدينية التقليدية، بدلا من تبني برامج عصرية. وأضاف: “إذا استطاع السيسي ضم الأوقاف الإسلامية إلى الأزهر، وأصر على إصلاح المناهج الدينية، وتطعيمها بمواد علمانية؛ فربما ينجح في إعاقة عملية التجنيد التقليدية التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين، بل وتشجيع المصريين المتدينين على تبني الاعتدال باعتباره سبيلا لحياة أفضل، وهي الاستراتيجية التي آتت ثمارها في المغرب على سبيل المثال”.[23]

لكن الدكتور جون ألترمان، نائب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، حذر في أبريل 2015، من استخدام الأزهر لتحقيق أغراض سياسية ضيقة. ورغم أن استخدام الحكومات العربية الدين لتعزيز سلطتها ليس جديدًا في الشرق الأوسط، نبَّه “ألترمان” إلى أنه “محفوف بالمخاطر”.

ورغم تأكيد الباحث المخضرم على أن الأزهر أقدم من الدولة المصرية ذاتها، أشار في الوقت ذاته إلى أنه يفقد مصداقيته كلما استُخدِمَ سياسيا. وفي حين قد يكون أحد الأدوات المحتملة لمحاربة التطرف في المنطقة، إلا أن استخدامه ينبغي أن يكون بحذر. يقول “ألترمان: “بقدر ما يرى البعض الأزهر حلا للمشكلات التي تواجه العالم العربي، فإن الاعتماد المفرط على هذه المؤسسة يحمل في طياته بذور انعدام الفعالية. ويضيف: “كما أن منح المؤسسات الدينية صلاحيات كبيرة يخلق بدوره تداعيات غير مقصودة، مثلما اكتشف خلفاء عبد الناصر. وفي حين يعتبر الأزهر موردًا محتملًا في المعارك العربية ضد التطرف، إلا أنه أداة ينبغي استخدامها بعناية، دون إفراط”.

وفي مقابل هذه الرؤى التي تعتبر الأزهر جزءًا من الحل، نشر معهد واشنطن في مارس 2016 مقالا بعنوان “تطرُّف الأزهر فكريًا” رصد ما اعتبره قواسم مشتركة بين الأزهر وداعش؛ مستشهدًا بما ذكره إبراهيم عيسى حول المناهج الأزهرية التي تُحَرِّض على غير المسلم، وتبرر العبودية الجنسية، على حد وصف المحامي أحمد عبده ماهر. وختم المقال بالقول: “إنّ تنظيم الدولة ليس القوة الوحيدة التي يتعيّن على العالم أن يَتَّحِد في مواجهتها. فلطالما استمرت التفسيرات الشائنة للإسلام موجودة في الكتب التي يقرأها الطلاب المسلمين، ستبقى الأسس الأيديولوجية التي تأسس تنظيم داعش عليها قائمةً حتى بعد سقوط التنظيم ذاته. لذلك هناك حاجة ماسة إلى تغيير المناهج الدراسية في الأزهر”. [24]

البديل الثاني: الصوفية

يقول سيد حسين نصر، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن: “الصوفية في العالم الإسلامي هي الترياق الأقوى للتطرف الديني وكذلك أهم مصادر الاستجابة للتحديات التي تطرحها الحداثة”. وما يجذب الغربيين إلى الصوفية هو: “احترامها لكافة الأديان، ومحبتها التي تشمل الجميع، على غرار المسيحية”. تقول بحسب مارسيا هيرمانسن، الخبيرة في الصوفية بجامعة لويولا في شيكاغو: “تاريخيًا، كان للصوفية تأثير أكبر في العالم الإسلامي مما للتصوف اليهودي والمسيحي في مجتمعاتهما”.[25]

وبينما تبدو محاولة حشد الصوفيين لمواجهة التطرف جذابة، ينصح رشيد عبدي عبر مجموعة الأزمات الدولية الحكومات بالانتباه للمخاطر المحتملة. ذلك أن تبني الدولة للصوفية، قد يفتح الدولة عليها، عن غير قصد، إشكالية خلق إسلام “رسمي” يهدف إلى “تصحيح” شكل آخر من أشكال الإسلام تعتبره “مشوهًا”. وهذا من شأنه أن يعمق الانقسامات الطائفية وينفر السلفيين غير العنيفين، وهي الدائرة الأكثر أهمية التي تلعب دورًا حاسمًا في هزيمة التطرف.[26]

وفي حين تطرح سارة فيور عبر معهد توني بلير للتغيير الدولي الصوفية كأحد بدائل التطرف، فإنها تلفت إلى أن الصوفية ذاتها لم تكن محصنة ضد العنف، مستشهدة بجيش رجال الطريقة النقشبندية في العراق، وممتاز قادري الحارس الشخصي لسلمان تاثير حاكم إقليم البنجاب الباكستاني وقاتله.[27]

تجمع بين الرؤيتين سلسلة التحليلات التي نشرها بروكنجز حول الجغرافيا السياسية للقوة الناعمة الدينية، والتي طرحت الصوفية باعتبارها بديلًا “معتدلا” وأداة لمكافحة الإرهاب في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة وما وراءها.

في الواقع، استخدمت الجهات الحكومية وغير الحكومية التصوف باعتباره حصنًا أيديولوجيًا ضد التطرف، وأداة شعبية لـ “القوة الناعمة الدينية”، ووسيلة للتأثير على ما يفعله الآخرين من خلال “الجاذبية والإقناع بدلاً من الإكراه”. ولطالما قُدِّمَت الصوفية باعتبارها هي الإسلام الحقيقي الذي ينبغي اعتناقه لمواجهة الإرهاب ونزع الشرعية عنه وهزيمته. وهكذا وُضِع التصوف والتطرف في مواجهة بعضهما البعض كمفهومين متناقضين، يُنظر إليهما على أنهما كيانان متنافسان يتصارعان على روح الإسلام.

بيد أن النظرة التاريخية السريعة لتسييس الصوفيين والتصورات الغربية للتصوف تُظهر كيف يمكن لهذا النوع من المثالية أن يكون مضللا. ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن أيضًا خلال الحقبة الاستعمارية، يوم كان صدى الصوفية يتردد بوضوح كتهديد، من الجزائر إلى الهند، حيث كانت الأوامر الصوفية تقود الجهاديين ضد القوى الاستعمارية وتشكل صداعًا في رأس المسؤولين الأوروبيين.

ومع ذلك، أصبحت الصوفية اليوم تجسيدًا للقيم الدينية الإيجابية التي يرى فيها الغرب بغيته لهزيمة الإرهاب. كأداة للقوة الناعمة، استخدمت الصوفية لصياغة نسخة رسمية مقبولة من الإسلام، وتزامنت هذه السياسات الدينية مع (أو قدمت موارد) لجهود صناع السياسة الأمريكيين لتقديم إسلام معتدل.

وفي حين استخدمت الحكومات المختلفة محليا ودوليا الصوفية لأغراض سياسية متنوعة، ومولت السفارة الأمريكية مثلا تجديد بعض الأضرحة الصوفية الرئيسية في جنوب البنجاب، فقد نشطت الجهات الفاعلة الصوفية نفسها أيضا لاغتنام هذه الفرص لتحقيق مصالحها الخاصة ومحاولة التأثير على السياسات الخارجية الرسمية لبلدانهم، بحثًا عن الموارد المادية والرمزية والسياسية.

تمخضت جهود حشد “الإسلام المعتدل” عن تداعيات محلية مهمة في بعض البلدان. في منطقة الساحل الإفريقي، على سبيل المثال، أدت إلى تفاقم النزاعات بين الجماعات الدينية المتصارعة. وفي باكستان، حُشِدت الجهات الفاعلة التي صنفتها الدولة على أنها صوفية معتدلة لإنقاذ روح باكستان من زحف “طالبان”.

على الرغم من كون هذا البديل مناسبًا من الناحية النظرية وجذابًا للجهات الفاعلة الغربية، إلا أن تقديم التصوف باعتباره أداة مثالية قد يكون له آثار عكسية خطيرة فيما يتعلق بكبح العنف. بل ربما ساهمت المبادرات الصوفية في تعزيز التطرف الذي كان من المفترض مواجهته. وفي بعض الحالات، عززت الانقسامات الطائفية ووضعت العديد من الزعماء والمزارات الصوفية في بؤرة الاستهداف مثلما حدث في باكستان أيام الجنرال ضياء الحق.

عندما تحاول الدولة، خاصة الدولة الاستبدادية، اختيار حركة إسلامية معينة لتحقيق غايات سياسية مثيرة للجدل، يمكن أن تترك هذه الحركة عرضة للخطر. في هذا السياق، يمكننا أن نستفسر عما إذا كان الترويج العدواني للصوفية في إطار الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، واعتبارها أداة إمبريالية جديدة في عيون الجهات الفاعلة الجهادية، يفسر جزئيا السبب في ظهور موجة استهداف المتشددين للأضرحة والصوفيين بعد أحداث 11 سبتمبر. تثور أسئلة مماثلة في أماكن أخرى من العالم الإسلامي: “ماذا يحدث عندما يأتي الصوفيون للدفاع عن الوكيل الأمريكي، عندما يكون الأمريكيون أنفسهم بعيدي المنال؟”

أخيرًا، ربما ساهم تمكين الجهات الفاعلة الصوفية ومنحها الشرعية رسميًا داخل بيئة طائفية متصاعدة في تطرف بعض العناصر الصوفية نفسها التي جُنِّدَت لمكافحة التطرف. وهو تهديد إسلامي جديد يرتدي ثوب الصوفيين ستضطر الحكومة لاحقا إلى مواجهته بحملة قمع واسعة النطاق ضد الأتباع والقادة مثلما حدث في باكستان.[28]

البديل الثالث: السلفية المهادنة

“تقدم السلفية الهادئة/المهادنة ترياقا للسلفية الجهادية التي يمثلها البغدادي”، بحسب مجلة ذي أتلانتك. ببساطة لأنه “لا يمكن لغير المسلمين أن يخبروا المسلمين كيف يمارسون دينهم بشكل صحيح. لكن يسوغ للمسلمين أنفسهم أن يخوضوا هذا النقاش داخليًا، وهو ما يحدث بالفعل منذ فترة طويلة. أما تقييم غير المسلمين تنظيم الدولة بأنه يتبنى نهجًا غير إسلامي، فيستدعي تشبيها ساخرا من الجهاديين: “الخنزير المغطى بالبراز يقدم النصح للآخرين”.

ومعظم السلفيين ليسوا جهاديين، وغالبيتهم ينخرط في صفوف مجموعات ترفض النهج الذي يروج له تنظيم الدولة. صحيح أنهم مثل الجهاديين يتجنبون المشاركة في الانتخابات فضلا عن تأسيس أحزاب سياسية وملتزمون كذلك بتوسيع دار الإسلام وتطبيق الحدود، وإن في مرحلة ما مستقبلا، لكن أولويتهم الراهنة هي تطهير النفس وضبط السوك، وهم يعارضون أي عمل يعرقل تلك الأهداف، مثل التسبب في الحرب أو الاضطرابات التي من شأنها أن تؤدي إلى بلبلة النفوس وإعاقة الشعائر والتضييق على طلب العلم. حتى لو كان تنظيم الدولة لا يروقه هذا الكلام، ويسخر أتباعه على من نهج السلفية الهادئة: “ما نحتاجه الآن هو فتوى حول تحريم ركوب الدراجة على كوكب المشتري”.[29]

ويقسم جورج فريدمان[30]وكوبنتان ويكتورويكز[31] التيار السلفي إلى ثلاثة أطياف:

(1) السلفية العلمية/الانعزالية/المُهادِنَة:

هي الطيف الأكثر هيمنة على الحالة السلفية، وتسعى إلى نشر تصورها للإسلام من خلال الدعوة السلمية.

(2) السلفية الجهادية:

يسعى الجهاديون إلى تحقيق أجندة دينية تتوافق مع رؤيتهم للإسلام، لكنهم يؤمنون باستخدام التمرد المسلح لتحقيق ذلك.

(3) السلفية الحركية/الانتخابية:

خرج الفرع الانتخابي إلى حد كبير من رحم الربيع العربي، ويضم السلفيين الذين يرغبون في استخدام العملية الانتخابية كوسيلة لتطبيق وجهات نظرهم الدينية عبر الحكومة.

بدائل الغربيين لمواجهة الجهاديين-1

خريطة الانتشار السلفي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

– مرتفع (اللون الأحمر): ليبيا، مصر، سوريا، العراق، السعودية، اليمن.

– متوسط (اللون البرتقالي): الجزائر، تونس، غزة، الأردن، الكويت.

– منخفض (اللون الأصفر): المغرب، لبنان، البحرين، قطر.

(المصدر: جيوبوليتيكال فيوتشرز)

تتنافس هذه الأطياف على العباءة الأيديولوجية للسلفية: منذ السبعينات، خاض أتباع السلفية الانعزالية/المُهادِنَة صراعًا مع السلفيين الجهاديين. وفي السنوات الأخيرة، خاصة بعد الربيع العربي، ظهر الطيف الثالث الذي يسعى إلى نشر السلفية عبر العملية الديمقراطية.

لكن لا يزال الجناح الانعزالي/المُهادِن هو المهيمن الأكبر على السلفية، وأتباعه يؤمنون بأن الحس الإسلامي يجب أن يُزرَع أولا على المستويين الفردي والمجتمعي قبل إقامة دولة إسلامية، على عكس السلفيين الجهاديين.

حتى الآن، لم تكن هناك أي حالات اعتنق فيها السلفيون الجهاديون مبادئ السلفية الانتخابية، لكن بعض أنصار السلفية الانعزالية بدأوا عقب الربيع العربي في تبني المسار الانتخابي كوسيلة للتغيير.

ومع ذلك، عندما يتمخض الإنهاك من الحرب عن تسويات سياسية في المستقبل البعيد، يشير فريدمان إلى أن السلفية الانتخابية يمكن أن تلعب دورا كجسر محتمل لبعض المنخرطين في صفوف السلفية الجهادية اليوم كي ينضموا إلى التيار السياسي الرئيسي.

لكن تحليل جيوبوليتيكال فيوتشرز يلفت إلى أن الأغلبية الساحقة من السلفيين في أوساط الانعزاليين والجهاديين لا تزال ترفض الديمقراطية. حتى السلفية الانتخابية لا تزال تلتزم الحذر حيال المشاركة الانتخابية، وتستمر في التخوف من النطاق الأوسع لنزاعات الديمقراطية مع المثل الدينية.

على الرغم من أن هذه التفسيرات الإسلامية التي يراها التحليل متشددة لعبت دورا حاسما في إنتاج التطرف العنيف في العقود الأخيرة، فإنها تحتوي أيضا على ترياق محتمل للجهاديين. ففي حين لم تتمكن السلفية الانعزالية من مواجهة السلفية الجهادية لأنها لا تقدم برنامجا سياسيا، فإن السلفية الانتخابية تفعل ذلك. وبالتالي يمكن أن تكتسب أرضا في ظل النظم السياسية الديمقراطية، ويمكن أن تكون بمثابة حائط صد فعال ضد السلفية الجهادية.

هذه النتيجة التي خلُصَ إليها جيوبوليتيكال فيوتشرز تتوافق مع ما توصلت إليه مراكز أبحاث غربية أخرى استخدمت وصف السلفية المهادِنة باعتبارها التيار الذي يمكن أن يقف في مواجهة التيار الجهادي انطلاقًا من الأسس الأيديولوجية ذاتها. لكن فريدمان يختم تحليله باستدراك مفاده أن السلفية لا يمكن أن تتحرك في هذا الاتجاه بينما يهيمن الحكم الاستبدادي على العالم العربي، لأن فشل السلفية الانتخابية سيزيد من تمكين الجهاديين.

البديل الرابع: الإسلام السياسي

“يتطلب التعامل مع الجهاديين تشكيل أنظمة جديدة تتسم بما يكفي من الجاذبية لاستنزاف صفوفهم وتوحيد قوى أخرى”، بحسب مجموعة الأزمات الدولية التي ترى أن “استعداء الإسلاميين غير العنيفين، وخصوصاً الإخوان المسلمين، المستعدين للقبول بالتعددية السياسية والدينية والانخراط في السياسة يحدث أثرا عكسيًا”، وتشدد على أهمية “التمييز بين الحركات الساعية للحصول على مكان داخل النظام الدولي وتلك التي ترغب بتقويضه”، لذلك تنصح بـ “تخفيف حدة التوترات بين الأنظمة العربية المحافظة والإخوان المسلمين”.[32]

لكن في الوقت ذاته، لا يوجد اتفاق غربي حول هذا البديل، فهناك من يرى أن أطروحات الإسلام السياسي لا تقل خطورة عن التهديد الجهادي، بالنظر إلى الغاية المشتركة، وبالتالي فاللجوء إليها سيكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

قبل سنوات نشرت مجلة ذا نيو ريبابلك مقالا مطولا قوامه 28 ألف كلمة لـباول بيرمان، تحوَّل لاحقًا إلى كتاب بعنوان “رحلة المفكرين”، يدافع عن الفكرة التالية: “الإسلاميون الذين ينتهجون العنف ليسوا هم الخطر الأكبر، بل أولاد عمومتهم الذين يُطلَق عليهم “معتدلون”، والذين بإمكانهم جرّ الليبراليين إلى متاهات سامة. ذلك أن رفض هؤلاء للعنف، تصرف مُضلل وجزئي؛ إذ لا يشمل إسرائيل ولا القوات الأمريكية في العراق. ومشروعهم الإسلامي، الذي يتبنى تغيير المجتمع من القاعدة، يمثل خطرًا أعمق تجاه المسلمين المجبرين على العيش في بيئة تزداد تحفظًا”.

انطلاقًا من هذا الطرح، هاجم “بيرمان” منهجية كثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة من يعتبره “العدو الخطأ”، ونصح بأن “الاستجابة الدفاعية الوحيدة في مواجهة ذلك تتمثل في: طرح رؤية ليبرالية نقيّة؛ لصد المسلمين المتسللين الذين يرتدون ثوب الاعتدال”.[33]

البديل الخامس: استقطاب الجهاديين المعتدلين عبر المفاوضات

بغض النظر عن مصير تنظيمات بعينها، يظل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موقعًا لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومن المحتمل أن يوفر تربة خصبة لحركة جهادية مرنة في المستقبل المنظور.[34]

في عالم المثاليات، تُنصَح الحكومات بحل الأسباب الجذرية للمشكلة، أي: إزالة الظروف التي تجعل الجهاد جذابًا. لكن حتى إذا أمكن تحديد الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة للعنف، فإن معالجتها مسعى مُكلِف ويتطلب قدرا كبيرا من الصبر والمثابرة. وبالنظر إلى المدى القصير، قد يكون “التفاوض” خيارًا قابلا للتطبيق مع الأطراف الصحيحة إذا توافرت الظروف المناسبة.

هذه إحدى البدائل التي بدأت تُطرَح مؤخرًا بعد استنفاد الخيارات الأخرى، ليس فقط التفاوض مع حركات إسلامية وطنية مثل طالبان- يُنظَر إليها بعدسة مختلفة نظرا لنطاق عملها- بل مع تنظيمات عابرة للحدود الوطنية مثل تنظيمي الدولة والقاعدة، وهو طرحٌ بدأت تتبناه منصات رصينة مثل دورية فورين بوليسي، على لسان مارثا كرينشو.[35]

وينصح مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية بـ “بذل جهود متواصلة لإشراك المقاتلين الإسلاميين في الحوار من أجل إيجاد حلول سلمية للصراعات الجارية”. وإذ يعترف المركز بصعوبة هذه المهمة، فإنه يلفت النظر إلى إمكانية استغلال “التنوع داخل الحركات المسلحة” عبر تحديد “العناصر المعتدلة” والبحث عن سبل للتفاوض معها.

ويقول ﻛﻮﻳﻨﺘﺎﻥ ﻓﻴﻜﺘﻮﺭﻭﻓﻴﺘﺶ، مستشار الرئيس ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ السابق ﺑﺎﺭﺍﻙ أﻭﺑﺎﻣﺎ: لكي تنجح جهود مكافحة التطرف “يجب أن تكون الخيمة واسعة قدر الإمكان. طالما أنهم يعارضون التطرف والإرهاب، أريد أن يكون الجميع جزءًا من هذا التحالف”. لكن أعضاء مؤثرين في مراكز الفكر والأوساط الحكومية ينتقدون استراتيجية “الخيمة الواسعة” إذ يعتبرون أن تواصل الحكومة مع المتطرفين اللاعنفيين يعني شراء المكاسب قصيرة الأجل على حساب تهديدات طويلة الأجل. والأهم من ذلك، صرف أموال دافعي الضرائب للأفراد المؤمنين بالليبرالية على ما يخالف توجهاتهم والتزاماتهم الاجتماعية. (راسكوف، 2012)

ومسألة الفرز ليست سهلة، ففي سوريا مثلا، كانت وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات تقوم بتدريب وتسليح بعض فصائل المتمردين الذين تعتبرهم أكثر اعتدالا (والمفارقة أنه حتى هؤلاء لم ينجوا من الاشتباكات البينية)، تحت إشراف فريق العمل المشترك والموحد بين الوكالات- سوريا CJIATF، الذي أنشئ خصيصًا لهذا الغرض. كان هذا الفريق يشمل: (1) محللو مكافحة الإرهاب من جهاز الاستخبارات العسكرية الأمريكية DIA، (2) ووكالة الاستخبارات المركزية CIA، (3) إلى جانب أجهزة استخبارات تشغيلية مثل: قيادة الأمن والاستخبارات INSCOM التابعة للجيش الأمريكي.

ومن المرجح أن يجلب المستقبل مزيدًا من الصراعات التي تجمع بين الإرهاب عبر الوطني والحرب الأهلية، والمزيد من التعاون بين الجهاديين والمتمردين المحليين غير الجهاديين، والمزيد من التشظي والانتشار داخل العالم الجهادي. وبالنظر إلى قدرة الجهاديين على التكيف والانتشار، فإن خيارات مكافحتهم بالقوة محدودة. وإذا كان يتعذر القضاء على الإرهاب بالقوة العسكرية، فقد يكون الوقت قد حان للنظر في المفاوضات. وإذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لدعم المحادثات مع طالبان الأفغانية؛ يجدر التفكير فيما إذا كانت روح التسوية ذاتها يمكن أن تمتد إلى مجموعات أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة أو حتى تنظيم الدولة.

استعداد الجهاديين للتفاوض

النظرة التقليدية هي أن الجهاديين بشكل عام أكثر تزمتًا ولا يقبلون الخضوع للمساومة. على سبيل المثال، يجادل دانييل بنجامين وستيفن سايمون، المسؤولان الحكوميان السابقان ومؤلفا كتاب “الإرهاب المقدس” عام 2003، بأن إرهابيي اليوم لا يريدون مقعدا على الطاولة، بل يريدون تدمير الطاولة.[36]

في الواقع، بعض الجهاديين فقط يتسم بالعناد. في سوريا، رفضت الجماعات الجهادية الأكثر تطرفًا أي حل وسط- بما في ذلك وقف إطلاق النار للسماح لعمليات الإجلاء التي تنقذ أرواح المدنيين- على الرغم من أنها منيت بالهزائم. ومع ذلك، فإن بعض الجماعات المعتدلة نسبيا داخل المعسكر الجهادي الأوسع عقدت صفقات. في الواقع، انضمت أحرار الشام (وهي جماعة تحالفت مع جبهة النصرة في بعض الأحيان) إلى تركيا للتفاوض مع روسيا وإيران. وحتى جبهة النصرة الأكثر تشددًا انقسمت حول ما إذا كانت ستتعاون مع جهود تركيا لتوحيد المقاومة السورية.

علاوة على ذلك، يمكن في بعض الأحيان تجاوز المنظمات المتمردة وتقويضها إذا عرض على الأفراد عروضًا للتسوية. في الحرب الأهلية في الجزائر، عرضت الحكومة العفو عن المتمردين الأفراد، مما دفع الكثيرين إلى الفرار إلى الدولة أو التخلي عن الكفاح.

من المسلم به أن القاعدة وبالتأكيد الدولة الإسلامية ليستا طالبان. وطالبان اليوم تختلف عن المنظمة التي كانت تحمي أسامة بن لادن قبل 11 سبتمبر. لديها قيادة جديدة، ولم ترعَ الإرهاب العابر للحدود الوطنية ضد الولايات المتحدة، وهي تهاجم عمومًا أهدافًا عسكرية داخل أفغانستان. هذا لا يعني أن أي أوهام تعشش في رأس الأمريكيين بشأن غايات طالبان النهائية، لكن يبدو أنه لا يوجد بديل لنوع من التسوية في أفغانستان. يمكن تطبيق المنطق ذاته على مجموعات أخرى. على الأقل، ينبغي تقييم التكاليف والفوائد المحتملة. ومعظم المشاكل الأساسية التي أدت إلى صعود المنظمات الجهادية لا تزال قائمة. لا توجد إجابة بسيطة للتعامل مع مثل هذا التهديد المعقد والتوسع والمتقلب. لكن الأمر يستحق النظر في جميع الخيارات، بما في ذلك المفاوضات مع الأطراف المختارة.

تنصح مجموعة الأزمات الدولية بفتح خطوط اتصال مع الحركات الإسلامية المسلحة، حتى مع المتشددين، وحثّ القادة على الانخراط في الحوار، وإشراك جميع الأطراف[37]. ويفسر بعض المراقبين الافتقار إلى الوحدة بين الجهاديين على أنه علامة ضعف، وكثيرا ما تسعى الحكومات إلى زرع الخلاف في صفوف الخصم، تطبيقًا لشعار “فرق تسد”. لكن المنافسة بين الفصائل المتناحرة أو الجماعات الإرهابية في كثير من الأحيان تجعل حل النزاعات أكثر صعوبة. ومن المفارقات، أن وجود مكونات متعددة قد يسهم في بقاء المنظمة ككل، وإن كانت المشاكسات الداخلية قد تخلق فرصًا للحلول السياسية.

حتى تنظيم الدولة الإسلامية، وفروعه المحلية والمجموعات المرتبطة بالقاعدة، ورغم انتمائها إلى الفئة الثانية، فهي ليست ذات تركيبة أحادية متشابهة. في هذه المجموعات نوى صلبة ملتزمة بأهداف عابرة للأوطان، إلاّ أن لأفرادها العاديين دوافع متنوعة، وغالباً محلية ويمكن لولاءاتها أن تتغير، بل ربما أن يتم تغييرها، بتغير الظروف. ينبغي على الحكومات التفريق حتى بين الحركات الراديكالية بهدف إنهاء العنف، بدلا من حشر حركات أخرى تبحث عن سبب للقتال معها في نفس التصنيف. (مجموعة الأزمات الدولية)

العفو مقابل الانشقاق

أعلنت الحكومة الصومالية برنامجًا مدته 60 يوما، هو الثاني من نوعه منذ عام 2014، للعفو عن كل من يرغب فى الانشقاق عن حركة الشباب. للاستفادة من هذه الفرصة، يجب على المنشقين التخلي عن عضويتهم في الحركة ونبذ الإرهاب والعمل على تحسين أوضاع الصومال. يشارك المنشقون في برامج لإعادة التأهيل يوفر لهم تدريبًا على العمل، ودروسًا في القراءة والكتابة، وخدمات للدعم النفسي، ويختتم بمقابلة نهائية.

إذا قررت الهيئة التي تُجري المقابلة الختامية أن المنشق تراجع تماما عن الإرهاب، ولم يعد يشكل تهديدا؛ فإنها تسمح له بالاندماج في المجتمع. ومن يجتاز البرنامج يُعفى من المحاكمة بتهمة الإرهاب ويمكنه العودة إلى أسرته والحصول على عمل. وفي كثير من الأحيان، يُشَجَّع الخريجون على العمل في وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية، ومساعدة المسؤولين هناك في جهودهم الرامية إلى إثارة حالات انشقاق إضافية.

صحيح أن العفو ليس حلا سحريًا لحركة الشباب، لكنه قد يستنزف قوتها القتالية، باستقطاب الأعضاء البراجماتيين الذين ليس لديهم التزام صارم تجاه القضية الجهادية، وقد يجدون في برنامج العفو فرصة للخروج الآمن من ساحة المعركة.

غير أن هناك بعض العيوب الواضحة في برامج العفو، حسب الباحثين جوشوا ميسيرفي وسيث موريدا يريان في تحليل نشرته مؤسسة التراث[38]:

– يمكن للمقاتلين التظاهر بأنهم منشقون ليحصلوا على فرصة لشن هجوم في وقت لاحق حين يكون لديهم ميزة اعتبارهم لا يمثلون تهديدًا.

– يستبعد أن ينشق الأعضاء الذين يؤمنون بالفكرة الجهادية؛ وبالتالي لن تستقطب جزرة العفو سوى الأعضاء الأقل خطورة.

– حتى من انضموا إلى الحركة لأسباب غير عقائدية قد يتشربون بالأفكار المتشددة إما بسبب برنامج التلقين المكثفة أو التأثر بأعمال العنف والمشاركة فيها.

أما إذا تمكنت الحكومة من تحقيق أهدافها، فإن المقاتلين الذين يخرجون من ساحة المعركة سيكون لهم دور واضح في مكافحة الإرهاب.

البديل المضاد: توحُّد الجهاديين

“إذا اندمجت قواعد تنظيمي القاعدة والدولة؛ يمكن أن تزداد الأمور سوءًا، ويتحول الحشد الجديد إلى عدو أسوأ مما رأيناه حتى الآن”، حسب تحذير مجلة ذي أتلانتك [39].

يرى سكوت ستيوارت، محلل الشؤون الأمنية في ستراتفور، أن توحُّد قطبين رئيسيين للحركة الجهادية العالمية هي بالتأكيد فكرة مثيرة للقلق؛ ذلك أن اجتماع قدرات تنظيم الدولة إلى إمكانيات القاعدة يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على بقية العالم، مما يجعلهما مجتمعين عدوًا أكثر خطورة بكثير من كليهما متفرقين.

لكن حتى في ظل الانتكاسات الأخيرة التي مني بها تنظيم الدولة داخل معاقله التقليدية، يرجح “ستيوارت” أن عقد تحالف مع تنظيم القاعدة سيكون أصعب بكثير مما قد يتوقع المرء.

إذا كانت الخلافات الشخصية هي الشيء الوحيد الذي يفرِّق بين تنظيمي القاعدة والدولة لكانت فرصهما أفضل لتنحيه نزاعهما جانبًا. لكن المتناقضات الأيديولوجية بينهما ليست سهلة حتى يمكنهما التغافل عنها، خاصة بعدما وصل الخلاف إلى حد تسليط الضوء على تناقضات الآخر (فضلا عن إراقة الدماء). تبرير الاتحاد مع خصوم سبق اعتبارهم مرتدون أو خوارج سوف يكون بالتأكيد مهمة محرجة وصعبة للقادة من الجانبين.

في النهاية، أعضاء كل مجموعة على استعداد للموت في سبيل القضية التي يؤمنون بأنها التفسير الصحيح للإسلام، وبالتالي لن يتخلوا عنها بسهولة. ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا أن تنظيم الدولة لا يوجد لديه طريقة واضحة لإخضاع نفسه لتنظيم القاعدة حتى لو أراد ذلك؛ لأنه أعلن بالفعل “البغدادي” خليفة لكل المسلمين.

هذا لا يعني أن تنظيمي القاعدة والدولة لن يجدا سبيلا للعمل معا على المستوى المحلي، خاصة في المناطق التي لم يهاجموا فيها بعضهما البعض. في الواقع، ظهر هذا النوع من التعاون بالفعل في بعض أجزاء من سوريا، حيث يعمل مقاتلو هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة بعيدا عن المناطق الأساسية التي تسيطر عليها المجموعتين. لكن التعاون مختلف تماما عن التوحُّد.

على المنوال ذاته، قد ينشق الأفراد أو الوحدات من إحدى المجموعتين وينضم إلى الجانب الآخر، لا سيما إذا ضعف أحد التنظيمين وأصبح غير قابل للإصلاح. وهناك تاريخ طويل من الانشقاقات في سوريا والعراق، حيث اشتهر انضمام المقاتلين إلى الجماعات المتناحرة بأعداد كبيرة. لكن مرة أخرى، الانشقاقات لا تشبه دمج مجموعتين تتبنيان أيديولوجيات منفصلة تماما.

حتى تصبح المصالحة الرسمية بين التنظيمين محتملة، ولو بشكل ضئيل، يجب أن يبدأ تنظيما القاعدة والدولة إصلاح العلاقات بينهما عن طريق إحداث تغيير ملحوظ في كيف يتصور بعضهما البعض. إلى أن يحدث ذلك، فإن فرص وضع خلافاتهما جانبا تبقى ضئيلة في الواقع، وفق توقعات “ستيوارت” الذي كان- قبل انضمامه لـ ستراتفور- عميلا خاصا في وزارة الخارجية الأمريكية لمدة 10 سنوات، شارك خلالها في مئات التحقيقات المتعلقة بالإرهاب.[40]

خاتمة

وفقاً للرؤى الغربية فإن تنظيم الدولة أكثر عنفًا من تنظيم القاعدة، وكلاهما أكثر عنفًا من الإخوان، لكن القاعدة أخطر من الدولة، وسيستمر التنظيم الذي أسسه بن لادن على قيد الحياة لفترة أطول من التنظيم الذي يقوده البغدادي، بيدَ أن الإخوان ربما تكون أطول عمرًا منهما، والجماعة ربما أكثر خطرًا من الجميع.

وبالتالي يمكن ضرب هذا بذاك؛ حتى يهلك السياسي على يد الجهادي، وينشغل “المتشدد” بـ “الوسطي”، ولا يجد “المهادِن” بُدًا سوى مزيد من الخضوع؛ وفي النهاية يخرج “العدو المحارِب” من بين أيدي المسلمين- أو بأيديهم- سالما غانما.[41].


الهامش

[1] Zack Beauchamp (2017) Trump’s counter-jihad, Vox.

[2] سي إن إن (2015) مصدر معلومات ترامب عن المسلمين.. أمريكي مصاب بالإسلاموفوبيا ومطلق نظريات المؤامرة حول الإخوان المسلمين وصدام حسين

[3] Assaf Moghadam (2008) The Salafi-Jihad as a Religious Ideology, Combating Terrorism Center.

[4] DEMOCRACY DIGEST (2017) Promoting modernized Islam to counter jihadist ideology.

[5]  Katherine Zimmerman (2017) America’s Real Enemy: The Salafi-Jihadi Movement, Critical Threat.

[6] Tom Heneghan (2015) France calls for ‘enlightened Islam’ against jihadist ideology, Reuters.

[7] Andrew K. Woods (June 27, 2008 (The business end, Financial Times.

[8]  Samuel J. Rascoff (2012) ESTABLISHING OFFICIAL ISLAM? THELAW AND STRATEGY OF COUNTERRADICALIZATION, STANFORD LAW REVIEW.

[9] The business end, Financial Times (2008).

[10] Patrick Franke (2016) Islam: State and Religion in Modern Europe, Leibniz Institute of European History (IEG).

[11] France creates Muslim council, BBC (2002)

[12] أحوال تركية (2019) باريس تتصدّى لإصرار حزب العدالة على نشر التعليم الديني في أوروبا.

[13] قنطرة (2018) ميركل تؤيد تدريب ألمانيا لأئمة مساجد المسلمين وتؤكد أن المخابرات هي صاحبة قرار عدم مراقبة ديتيب.

[14] الحرة (2019) ألمانيا تحجم نفوذ الأئمة الأتراك.

[15] «الإسلام على طريقة بوتين».. هكذا تروض روسيا 25 مليون مسلم يعيشون على أراضيها، ساسة بوست (2019)

[16] Hassan Hassan (2019) Moscow’s Little-Noticed Islamic-Outreach Effort, The Atlantic.

[17] الجزيرة (2019) بمساعدة السعودية والإمارات.. روسيا تمد يدها “للإسلام السلمي“.

[18]  I will return Saudi Arabia to moderate Islam, says crown prince, The Guardian (2017).

[19] Jihadist Terrorism 17 Years After 9/11, New America (2018)

[20] واشنطن بوست: الإسلام الرسمي في الإمارات مرتبط بسلطة الدولة والخضوع لها (2017)

[21]  الإمارات تنشئ “مجلس حكماء المسلمين” لمواجهة “الاتّحاد العالمي” ، بوابة الشروق (2014)

[22]  الأزهر في ظلال أبوظبي… المال مقابل المواقف السياسية، العربي الجديد (2017)

[23] To reduce radicalism in Egypt, restore Al-Azhar, American Enterprise (2016)

[24] To reduce radicalism in Egypt, restore Al-Azhar, American Enterprise (2016)

[25]  Sufism may be powerful antidote to Islamic extremism, Christian Science Monitor (2007)

[26]  East Africa’s Sufi Path to Countering Violent Extremism, Crisis Group (2015)

[27]Sufism: An Alternative to Extremism?, Tony Blair Institute for Global Change (2015)

[28] Positive branding and soft power: The promotion of Sufism in the war on terror, Brookings (2018)

[29] What ISIS Really Wants, The Atlantic (2015)

[30] Salafism’s Three Strands, Geopolitical Futures (2017)

[31]  Anatomy of the Salafi Movement, Quintan Wiktorowicz (2006)

[32] Crisis Group (2016) Exploiting Disorder: al-Qaeda and the Islamic State.

[33] مارك لينش- حقائق مُقَنَّعَة.. صعود الإسلام السياسي في الغرب

[34]Peter Bergen, David Sterman (2018) Jihadist Terrorism 17 Years After 9/11, New America.

[35] Martha Crenshaw (2017) Time for Peace Talks With ISIS and Al Qaeda?, Foreign Policy.

[36] Daniel Benjamin and Steven Simon (2013) The Age of Sacred Terror.

[37] Crisis Group (2016) Exploiting Disorder: al-Qaeda and the Islamic State.

[38] Joshua Meservey (2017) How the Somali Government Is Getting Terrorists to Defect, The Heritage Foundation.

[39] Graeme Wood (2015) What ISIS Really Wants, The Atlantic.

[40] By Scott Stewart (2017) Can the Islamic State and al Qaeda Find Common Ground?, Stratfor.

[41] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close