fbpx
تقديراتالخليجاوروبا وامريكا

ترامب وآل سعود: مسارات معقدة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع بإعلانه اعتزام زيارة السعودية كأول وجهة له خارج الولايات المتحدة، مما يكشف عن مدى ما تمثله العلاقات مع الرياض من أهمية قصوى خاصة بعد استقباله ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كأول مسؤول عربي في البيت الأبيض.

الزيارات المتبادلة بين ترامب وابن سلمان دفعت، الباحثين والمحللين للتساؤل عن مدى تطور العلاقات بين واشنطن والرياض بعد تراجعها بشكل كبير في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران وعقلية أوباما حيال الشرق الأوسط.

وجاءت هذه الزيارات مدفوعة بالتساؤلات المشروعة حول جدواها في ذلك التوقيت وماذا يريد ترامب من السعودية؟، وأيضا ماذا تريد الرياض من الرئيس الأميركي الجديد، ومدى تأثير الزيارة على مستقبل المملكة في ظل الحديث المتكرر عن سعى بن سلمان للوصول إلى عرش المملكة، في ظل حالة الصراع المكتوم بين ولي العهد الأمير محمد بن نايف وبين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبره الكثيرون الملك القادم للعرش السعودي.

أيضا رغبة الرئيس الأميركي في تدشين تحالف سني إسرائيلي لمواجهة إيران ومدى تقبل القيادة السعودية الحالية لهذا الطرح في ظل وجود تيار ديني قوى داخل المملكة ينظر إلى إسرائيل على انها لا تقل عداوة عن إيران.

المستوى الأول: الأهداف المتبادلة للطرفين الأميركي والسعودي

أولاً: الأهداف السعودية:

1ـ استمالة واشنطن ضد إيران:

تصريحات الرئيس الأميركي ضد إيران التي أطلقها في خضم حملته الانتخابية لم تختلف كثيراً عن تلك التي كررها بعد فوزه رسمياً برئاسة الولايات المتحدة، مما دفع المسؤولين السعوديين، للتوجه من جديد إلى البيت الأبيض، بعد فترة من الفتور شاب العلاقات في أواخر فترة الرئيس السابق الثانية، فتصريحات ترامب وجدت لها آذاناً صاغية في المملكة التي تعتبر أن الخطر الإيراني بات يحيط بها من كل مكان، بسبب سياسات أوباما التي توجت بتوقيع الاتفاق النووي مع طهران في منتصف عام 2015.

وهذا الهدف يعد الأهم من زيارة الأمير محمد بن سلمان خاصة في ظل حالة التوتر التي بين الرياض وطهران على خلفية عدد من الازمات بين البلدين، وبما يتوافق مع التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وعد أكثر من مرة قبل توليه المنصب رسمياً أثناء المارثون الانتخابي بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران1.

وعقب الإعلان عن زيارة ترامب إلى المنطقة زادة حدة التصريحات الإيرانية، وكان أكثرها حدة ما قاله وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، عندما هدد السعودية بعدم وجود مكان آمن فيها إلا مكة والمدينة في حال أقدمت على توجيه ضربة عسكرية لطهران، هذا التهديد يعد الأعنف في تاريخ التصريحات بين البلدين، ويشير إلى حالة التوتر التي يعاني منها الإيرانيون جراء هذا التقارب السعودي الأميركي، ومما يزيد توتر الجمهورية الإسلامية، هو حالة عدم اليقين في تصرفات ترامب، ففي أبريل 2017، وفي خطوة هي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، قصفت البارجات الأميركية الرابضة في البحر المتوسط بقصف قاعدة عسكرية تابعة لبشار الأسد خرجت منها مقاتلات قصف أحياء خاضعة للمعارضة بالسلاح الكيماوي وخلفت مئات القتلى والجرحى.

هذا التصرف المفاجئ من ترامب جاء بعد أيام من تصريحات حول عدم وجود رغبة أميركية بتغيير نظام بشار الأسد، وهو ما فهمه نظام الأسد بان الإدارة الأميركية الجديدة قد تبدي تعاوناً في الفترة المقبلة، مع بشار الأسد ولكن ما حدث هو العكس.

فطبيعة الرئيس الأميركي الجديد تثير القلق الكبير لدى الإدارة في طهران خشية الاقدام على علمية عسكرية مفاجئة ضد منشآت حيوية في إيران على غرار المفاعلات النووية مما قد يشعل حرباً قوية في المنطقة المضطربة بالأساس، وهو ما يدفع طهران لتكرار تحذيراتها حيال السعودية التي باتت اكثر عداءً لإيران من أكثر وقت مضى، خاصة في ظل تمادي نفوذ الأمير محمد بن سلمان الذي يستغل ورقة الصراع مع إيران والمذهب الشيعي لتقوية شوكته الداخلية لدى التيار الديني في السعودية الذي يشاطره العداء أيضا مع ايران، ولكن هذا التيار يعد القوة الأساسية لغريمه الأمير محمد بن نايف، لكن ابن سلمان يريد أن يظهر بأنه الأكثر كرهاً لإيران من غيره من السعوديين، وهو ما ظهر في حواره النادر مع قناة العربية والذي عبر فيه بكل وضوح وصراحة على أنه لا يمكن أن يتقارب او يتعايش مع إيران، ولذلك تصب هذه الزيارات المتبادلة بين ترامب وابن سلمان الزيت على النار بالنسبة للإيرانيين2.

2ـ إلغاء قانون جاستا:

مثل تمرير هذا القانون في الكونجرس الأميركي في مايو 2016، صدمة كبيرة للمملكة العربية السعودية، التي تعتبرها أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 “المتهم الأول”، عن سقوط أكثر من 300 قتيل ومئات الجرحى، كون العدد الأكبر من المنفذين للهجوم كانوا سعوديين، بالإضافة إلى أن زعيم التنظيم الذي تبني التفجير سعودياً أيضا وهو أسامه بن لادن رغم اسقاط الرياض الجنسية عنه.

فالقانون فتح الباب أمام أهالي القتلى لرفع دعاوى أمام القضاء الأميركي للحصول على تعويضات والتي قدرت بمئات الملايين من الدولارات وقد تصل للمليارات أيضا، وهذا ما بات يزعج القيادة السعودية. ولكن بجانب الجوانب المالية في القصة ثمة أمور سياسية مهمة، وهي أنه رغم نفي الجهات الرسمية السعودية عن دعمها للجهاديين الذين نفذوا العملية، بل والصدام مع بقايا تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين لعدة سنوات، فإن هذا القانون قد يفتح الباب أمام ملاحقة جنائية لبعض السعوديين وربما الأمر يصل لفرض عقوبات، وهو ما تخشاه السعودية بشكل أكبر.

3ـ المساعدة في حل أزمة اليمن:

دخلت المعركة في اليمن عامها الثالث دون تحقيق أي نجاحات في الوقت الذي تصر فيه الرياض على حسمها وانهاء حكم الحوثيين، ولكن دون جدوى حقيقية مع مزيد من الخسائر المادية والبشرية السعودية نهيك عن التقارير الدولية التي تتهم التحالف الذي تقوده الرياض باستهداف المدنيين في اليمن، وهو ما تنفيه الرياض مراراً وتكراراً، فمن هذه الناحية تسعى السعودية في إجبار الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بالحلول التي وضعتها الرياض وهو ما يرفضه دائماً الحوثيون، فهذه الزيارة قد تكون خطوة من أجل تدخل واشطن بشكل أكبر لحسم القصة إما بزيادة الدعم عسكريا عن طريق المستشارين العسكريين، أو سياسياً من أجل عرقلة أي محاولة لفرض حصار على بيع السلاح للسعودية التي تحتاجه بشكل أكبر في الفترة الحالية3.

أيضا ارتباط عاصفة الحزم بالأمير محمد بن سلمان، باعتبار أنه هو المسؤول الأول عنها، أثر على سمعة الأمير الشاب في الأوساط السياسية في السعودية، وبدلاً من أن يقدم نفسه على أن شخصية قوية للسعوديين نجح في حل مشكلة اليمن، انقلب الأمر وباء استمرار المعركة دون حسم ونجاح الحوثيين في استهداف مناطق داخل السعودية بالسلب، ومن ثم لابد من لعب دور أميركي لحل القضية وإنقاذ سمعة الأمير الشاب في ظل توافق المصالح بين الرياض وواشنطن حول إيران بعد وصول ترامب.

4ـ زيادة نفوذ الأمير محمد بن سلمان داخلياً:

لا يخفى على أحد الصراع المكتوب بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، الذي يقدم نفسه للسعوديين على أنه الملك القادم، كما أنه يقوم في الاغلب بأعمال الملك في ظل حالة تهميش واضحة حيال الأمير محمد بن نايف، ومن هنا جاءت أهمية زيارته للولايات المتحدة، على اعتبار أنه يحظى بدعم داخلي كبير ويسعى للدعم الخارجي الممثل في واشنطن التي تولي أهمية كبيرة للملك القادم في السعودية في ظل حالة التحول في مستقبل المملكة4.

وجاءت حركة التغييرات التي شهدتها السعودية أبريل 2017، فيما يتعلق بتعيين شقيق الأمير محمد بن سلمان سفيراً للرياض في واشنطن وكذلك انشاء مجلس الأمن الوطني تحت قيادة ابن سلمان لسحب النفوذ من محمد بن نايف الذي لازال يسيطر على وزارة الداخلية، وكذلك المؤسسات الدينية الرسمية التي لا يمكن تغافل دورها في استقرار نظام الحكم في السعودية.

هذه الخطوات التي تعزز نفوذ محمد بن سلمان جاءت بعد زيارة واشنطن مباشرة ممن يعني أن ثمة مباركة أميركية لتلك التحركات التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان للقفز إلى منصب الملك.

5ـ التخلص من تهمة تمويل الإرهاب:

رغم النفي المتكرر من القيادة السعودية بشأن تمويلها بعض المنظمات الجهادية والتي تصنفها واشنطن على إنها إرهابية، إلا أنه في بعض الأوقات تطل هذه التهمة برأسها من جديد، من قبل بعض المنظمات الحقوقية، وبعض الجهات الاستخباراتية على اعتبار أن الفكر الوهابي الذي يعتبر المصدر الرئيسي لنظام الحكم في السعودية، يعد المرجع الأول للحركات الجهادية الإسلامية والتي تعتبرها واشنطن منظمات إرهابية ومنها مثلا تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وبوكو حرام في أفريقيا، فهذه التهمة تظل تلاحق السعودية التي تعتبر أن هذه المنظمات إرهابية ايضاً، ورغم هذا لا تقتنع كثير من المنظمات والجهات الغربية5.

 

ثانياً: أهداف الولايات المتحدة:

1ـ المساعدة في قتال داعش:

تمثل الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أهمية كبرى للولايات المتحدة التي تعتبر أن هذا الأمر من أهم أهدافها في الشرق الأوسط، حيث تعتبر أن التنظيمات الجهادية تمثل لها تهديداً كبيراً، ومن هذا المنطلق تسعى واشنطن إلى إدماج دول عربية مهمة مثل السعودية ومصر والإمارات للانضمام بفاعلية إلى حربها على “الإرهاب”.

ولما تمثله السعودية من أهمية دينية كبيرة وخاصة للمسلمين السنة، فإن وجودها يعطي شرعية كبيرة للحرب التي تقودها واشنطن على التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق واليمن والصومال، ويدفع للقول بأن الحرب ليست على الإسلام ودليل ذلك مشاركة دولة إسلامية سنية في المعركة.

2ـ عقد صفقات تسليح واستثمارات جديدة:

في أثناء حملته الانتخابية طالب ترامب من حلفاء واشنطن العرب دفع أموال مقابل الحماية من خطر إيران، معتبراً ان الدعم الأميركي للخليج لن يكون دون مقابل سريع بل لابد من عقد صفقات تسليح كبيرة تعود بالنفع على المصانع الأميركية6. وهو ما تحقق جانب منه في زيارة ترامب للرياض مع الإعلان عن صفقات بقيمة 460 مليار دولار، منها نحو 100 مليار صفقات عاجلة، والباقي على عشر سنوات.

ويعد الجانب الاقتصادي من أهم الأمور التي تسعى إليها إدارة ترامب، والتي كانت واضحة في برنامجه الانتخابي لكونه بالأساس هو رجل أعمال ويضع للمال والأعمال جزءاً مهماً في سياسته الداخلية والخارجية، فقبل وصوله رسمياً إلى السعودية، كشفت وكالة رويترز للأنباء عن عقد السعودية مع ترامب صفقات استثمارات تقدر بنحو 240 مليار دولار اغلبها استثمارات سعودية في أميركا من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين ترامب والسعودية.

وتعد مشروعات البنية التحتية التي تستثمر فيها المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة، في الفترة المقبلة، ضمن البرنامج الانتخابي لترامب والذي يسعى لتحقيقه في فترة الرئاسية الأولى حتى يقدم للناخبين الاميركيين ما يبرر لهم إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة في 2020.

3ـ دمج إسرائيل في المنطقة:

فزيارة ترامب ترسخ لهذا الاتجاه لاسيما في ظل رغبة الأمير محمد بن سلمان برسم سياسة جديدة للسعودية تتواكب من رؤيته الاستراتيجية 2030 التي ينوى فيها إعادة ترتيب علاقات المملكة مع دول الجوار ومنها إسرائيل أيضا في ظل سعى ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد لاستنساخ تجربة الامارات التي تربطها علاقات سرية وثيقة بإسرائيل في السعودية7.

وفي 16 مايو 2017، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن ترتيبات عربية تتزعمها دول الخليج وعلى رأسها الإمارات لوجود تقارب حقيقي معلن بينها وبين إسرائيل، نظراً لدور إسرائيل المهم وخدماتها الاستخباراتية الكبيرة التي قدمتها لهذا الدول منذ انطلاق الربيع العربي قبل 6 سنوات، ولهذا الأمر ترغب دول الخليج في تطبيع حقيقي مع إسرائيل، في ظل وجود رغبة قوية لإدارة ترامب الأكثر تماهياً معها للضغط على الدول العربية لقبول تسوية سياسية للقضية الفلسطينية بما يحقق مصالح تل أبيب8.

 

المستوى الثاني: المسارات المستقبلية:

في إطار ما يسعى الطرفان إلى تحقيقه من أهداف، من المتوقع أن تمر العلاقات بين الولايات المتحدة وبين السعودية بعدة احتمالات أساسية:

المسار الأول: التقارب الشديد:

يستند هذا التصور على أن الإدارة الأميركية الجديدة رغم تصريحاتها العدائية ضد المسلمين واتهام الفكر الوهابي في السعودي بأنه يقف وراء انتشار التطرف والإرهاب، لكن ستصل العلاقات بين واشنطن والرياض إلى حالة التقارب الشديد بين البلدين لعدة اعتبارات، منها:

(أ) العداء المشترك مع إيران: تصريحات ترامب المثيرة تجاه إيران ورغبته في تمزيق الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وطهران، وفي نفس الوقت تصعيد التصريحات الرسمية السعودية المعادية لإيران، سيدفع هذا العامل لمزيد من التقارب من البلدين، بعد توتر العلاقة إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما، وتخوف السعوديين من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة حتى وصل لليمن، وتمرد بعض السعوديين من معتنقي المذهب الشيعي في المنطقة الشرقية في البلاد9.

(ب) حاجة كل من الطرفين للآخر: فإدارة ترامب تعاني من أزمة كبيرة داخلياً، بسبب المواقف المضطربة للرئيس الأميركي والمزاعم الكبيرة حول وجود علاقات سرية بينه وبين الروس، ويريد أن يؤمن جبهته الداخلية بمزيد من الصفقات الاقتصادية لكسب رضاء شريحة كبيرة من الأميركيين، خاصة وأن شعاره الانتخابي “أميركا أولاً” يقوم بالأساس على الناحية الاقتصادية ولن يجد شريكا لديه القدرة على تمويل هذا البرنامج إلا السعودية التي لديها رغبة كبيرة في الحصول على أحدث التقنيات العسكرية خوفاً من التغول الإيراني.

وعلى الجانب الآخر يحتاج الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة في هذه الفترة بشكل كبير لدعمه في عملية نقل الحكم بشكل سلسل له في ظل نفوذ ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وحالة الرفض من جانب التيار الديني لرؤية ابن سلمان 2030، القائمة على الانفتاح الاقتصادي والثقافي في مجتمع يوصف بالمحافظ.

كذلك رغبة السعودية في التخلص نهائياً من قانون جاستا الذي لازال يطل برأسه بين الحين والآخر، مما يجعل السعودية دائماً في حالة ارتباك، لكن في ظل وجود إدارة ترامب التي تتعامل مع الملفات الشائكة بطريقة الصفقات الاقتصادية، ومن ثم في حال حصوله على مكاسب اقتصادية كبيرة قد يقوم بتجميد القانون10.

المسار الثاني: التقارب الشكلي:

يقوم هذا السيناريو على أن ثمة تقارب شكلي ستكون عليه العلاقات في الفترة المقبلة بين السعودية وبين الولايات المتحدة، لكون الرئيس الأميركي ترامب يوصف بالمزاج المضطرب ومن ثم ستتعامل معه الإدارة السعودية بحذر شديد نظراً لهذه الاعتبارات. كما أن إدارة ترامب تتعامل مع الملفات بشكل الصفقات الاقتصادية، وستكون حذرة تجاه أي تقارب حقيقي قد يثير الأزمات الداخلية لديها وخاصة فيما يتعلق بملفات حقوق الانسان التي دائما ما تتهم بانتهاكها السعودية، ولهذا لا يريد الرئيس الأميركي زيادة شريحة الغاضبون منه في الداخل الأميركي. ولهذه الاعتبارات يفترض هذا التصور أن أي تقارب سيكون شكلي.

المسار الثالث: بقاء الأوضاع كما هي:

ويقوم على أن العلاقات بين واشنطن والرياض في الفترة المقبلة ستبقي على المستوى الذي كانت عليه في ظل إدارة أوباما، ويستند هذا التصور أن الحملة الشرسة التي يتعرض لها ترامب في الداخل من خصومه، وفي بعض الأحوال من فريقه، تجعل أي تحرك للتقارب في العلاقات مع أي دولة ما هو مجازفة كبيرة، خاصة في ظل الحديث عن فضحية تسريب المعلومات السرية للروس خلال لقاء ترامب مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منتصف مايو 2017، مما قد يكون سبباً في الإطاحة به قبل انتهاء فترته الرئاسية الأولى.

وترجح الورقة السيناريو الأول القائم على حدوث تقارب شديد بين الإدارة الأميركية وبين السعودية للاعتبارات الذي استند عليها التصور، وهو ما كشفته الزيارة الأخيرة لترامب إلى السعودية وما نتج عنها من اتفاقات وصفقات بين الدولتين والتي قدرت بـ 480 مليار دولار.

خاتمة:

مرت العلاقات السعودية الأميركية بالعديد من المراحل من التقارب والتحالف إلى الفتور والتباعد ووصلت لما يشبه القطيعة لسياسة الرئيس السابق في المنطقة، لكن مع وصول ترامب شعرت السعودية بانتعاشة كبيرة، لأن ترامب، ورغم تصريحاته المعادية للإسلام والمسلمين، بحسب تفكيره الاقتصادي يمكن التوصل معه إلى علاقة قوية قائمة على المصالح الاقتصادية، وأن التصريحات التي صدرت منه لا تعبر عن وجهة نظره الحقيقية للأمور بل كانت من أجل كسب أصوات الشعبويين في الولايات المتحدة، ولكن بعد ذلك ستكون هناك حسابات أخرى، ويكفي الرياض الآن مواقفه المتشددة، من إيران للبناء عليها، خلال المرحلة القادمة، ولهذا كان الاستقبال غير المسبوق الذي حظي به ترامب في الرياض (11).

———————————–

الهامش

(1) – ترامب ومحمد بن سلمان يؤكدان أهمية مواجهة إيران.. وبرنامج استثمارات جديد بـ 200 مليار دولار، سي إن إن، 15 مارس 2017، الرابط

(2) – وزير الدفاع الإيراني: إذا ارتكبت السعودية حماقة لن يبقى فيها مكان آمن غير مكة والمدينة، روسيا اليوم، مايو 2017،الرابط

(3) – هل يختار ترامب اليمن لخوض معركته الأولى مع إيران؟ لهذه الأسباب قد يكون الخليجيون مخطئون، هاف بوست عربي، فبراير 2017 الرابط

(4) – انقلاب في قصر آل سعود: التتمة، عربي 21، أبريل 2017، الرابط

(5) – دونالد ترامب يدعو إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فرانس 24، ديسمبر 2015، الرابط

(6) – وسط عاصفة في بلاده.. ترامب يسعى لبداية جديدة مع العالم الإسلامي، وكالة رويترز، مايو 2017،الرابط

(7) -How Trump’s Syria Missile Strike Could Transform the Middle East, the national review, April 2017, link

(8) – Gulf States Offer Better Relations If Israel Makes New Bid for Peace. Wall street journal, may 2017,link

(9) – محمد بن سلمان: كيف نتفاهم مع نظام إيراني ينتظر المهدي؟، العربية نت، مايو 2017، الرابط

(10) – يوم الصفقات.. السعودية وأميركا توقعان على رؤية استراتيجية مشتركة وعقود بمئات المليارات، هاف بوست عربي، مايو 2017، الرابط

(11) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close