fbpx
المشهد الإقليمي

تطورات المشهد الإقليمي 23 يوليو 2016

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة :

إذا كانت المؤشرات والتطورات المتسارعة خلال الأيام 16 و17 و18 يوليو 2016، في تركيا قد حسمت بشكل كبير المصير الفاشل للمحاولة الانقلابية على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان؛ واستعادة سلطة حكومته على تولي زمام الامور فإن الحدث التركي الذي شغل العالم بأسره لن يحط رحاله بسرعة لجهة التداعيات التي تركها على المسرح الاقليمي. وهو أمر سيترك ظلالاً وأثراً كبيراً على التعامل التركي مع الإقليم، والتغير المتوقع في السياسة الخارجية التركية تجاه الدول الإقليمية لن يكون إلا بعد انتهاء مرحلة الخطر واستقرار الجبهة الداخلية في تركيا تماماً.

أولاً: الانقلاب والسياسة التركية تجاه سوريا :

على الرغم من أن الملف السوري قد يوصف بالأصعب والأعقد من بين ملفات المنطقة الإقليمية؛ إلا أن الحكومة التركية قد قاربت على الاقتناع بأنه يجب عليها أن تتعامل مع مخرجات الحل السياسي في سوريا، دون أي اشتراطات وذلك حفاظاً على علاقتها مع روسيا التي توصلت إلى تفاهمات معها مؤخراً؛ والجمهورية الإيرانية المحور المهم في الساحة الإقليمية. ومن المتوقع ان تتبني تركيا نفس الموقف تجاه المسألة السورية بعد الانقلاب، حفاظاً على علاقتها مع روسيا وإيران، وشعور القيادة التركية بخطورة استمرار الفوضى في سوريا على أمنها القومي بعد أن تعرضت تركيا لأعمال إرهابية تبناها تنظيم الدولة.

ومن هنا فمن المتوقع أن تكون السياسة الخارجية التركية متقبلة للحل السياسي في سوريا ولكن بعد إضافة شرط أساسي وهو “رحيل بشار الأسد” مبررا ذلك بأن بقاءه يمثل تهديداً لأمنها القومي خاصة في ظل موقفه من الانقلاب الفاشل؛ مع احتمالية تحميله جزء من حالة الفوضى التي شهدتها تركيا. علما بأن هذا الشرط لا يعد تعجيزيا لدي كل من روسيا وإيران، كما سيكون مرحباً به من قبل المملكة العربية السعودية بما يضمن تماسك العلاقات التركية السعودية .

ثانياً: الانقلاب والسياسة التركية تجاه مصر :

في الفترة التي سبقت الانقلاب بدأت قناعات السياسة الخارجية التركية في تصفير المشاكل وتدوير الزوايا مع مختلف الدول. ومن بين هذه الدول مصر، فبدأت الزيارات غير الرسمية، المستوي الثاني في تركيا، إلى مصر. كما وجهت القيادة التركية رسائل للقيادة المصرية تفيد بأنها على استعداد لفتح آفاق التعاون مع مصر بعيدا عن المستوي الرئاسي. إلا أن كافة هذه الرسائل لم تلق آذان صاغية لدي النظام المصري الحالي.

الأخطر في العلاقات التركية المصرية هو الموقف المصري من محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا. والمتمثل في موقفها الدبلوماسي عندما عرقلت إصدار بيان من مجلس الأمن “يدين الانقلاب في تركيا”. هذا إلى جانب الدور الإعلامي المصري المؤيد للانقلاب بكل وضوح. ونتيجة لما سبق قد تذهب العلاقات المصرية التركية إلى إحدى السيناريوهات الآتية :

السيناريو الأول: مصر تصحح المسار:

في حال إذا أدركت الحكومة المصرية مدي خطورة موقفها من الانقلاب الفاشل الذي تعرضت له تركيا؛ وتداعياته عليها في حال اتخاذ تركيا أي ردة فعل عكسية في سياستها الخارجية ضد الدول المساندة للانقلاب. قد تجد الحكومة المصرية نفسها مجبرة على اتخاذ هذا السيناريو والذي يتمثل في قيام مصر باتخاذ إجراءات من طرفها؛ تهدف إلي اصلاح علاقاتها مع تركيا. تتمثل في تخفيف وسائل الاعلام المصرية من لغة الخطاب تجاه تركيا، وصدور تصريح من وزير الخارجية المصري يرحب بعودة الهدوء مع تركيا، مع الإعلان عن قبول مصر بعودة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع تركيا وفقاً للمبادرات التي تقدمت سابقا من القيادة التركية .

وقد تقبل تركيا في السيناريو لعده أسباب أهمها: رغبة تركيا في الاحتفاظ بعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية والتي من المتوقع ان تلعب دور الوسيط، وأن الأمور في تركيا لم تستقر بعد، وأن الخطر ما زال قائما ومن هنا يأتي حرص تركيا في التقليل من اعدائها .

وقد ترفض تركيا هذا السيناريو لهذه الأسباب: في حال ثبت تورط مصر بشكل مباشر أو غير مباشر في محاولة الانقلاب الفاشلة .مع نجاح تركيا في السيطرة على الوضع الداخلي تماما، أو إذا أرادت تركيا أن تأخذ موقفا في الملف السوري دون الاخذ بمشورة السعودية، أو إذا أثبت أجهزة الأمن التركية أن للسعودية دوراً مباشرا أو غير مباشر في الانقلاب الفاشل، مما يعرقل إمكانية ان يكون لها دور الوسيط في تحسين العلاقات التركية المصرية .

السيناريو الثاني: تركيا تنتقم:

في حال توصلت تركيا أن للنظام المصري الحالي يد في محاولة الانقلاب الفاشل بشكل واضح ومدعم بالأدلة، فان تركيا سوف تتأخذ العديد من الإجراءات أهمها: توفير الدعم لكافة القوي الثورية المتواجدة خارج تركيا او داخلها بهدف الإطاحة بالنظام السياسي الحالي، أو تتفق مع إسرائيل على ضرورة الإطاحة بنظام السيسي بما يضمن مصلحة الطرفين، أو أن تقوم تركيا بالتحرك ضد النظام في المحافل الإقليمية والدولية.

السيناريو الثالث: المراوحة في العلاقات:

ويهدف هذا السيناريو إلى بقاء الحال على ما هو عليه الآن، بحيث لن تشهد الأيام القادمة تحسنا في العلاقات التركية المصرية، مع منح الحركات الثورية المصرية المتواجدة في تركيا مزيدا من مساحة الحركة في عملها داخل تركيا .

ثالثا: السياسة التركية تجاه الكيان الصهيوني:

بعد أن حافظ المستوي الرسمي للكيان الصهيوني على الصمت المطلق تجاه الانقلاب؛ إلا أن التداول الإعلامي الصهيوني كان “شامتا” في أردوغان، فالمراسل السياسي لهآرتس “باراك رابيد” صرح: “لم يكن أحد في إسرائيل ليذرف دمعة لو استيقظنا صباح السبت على نبأ اعتقال أردوغان”. بينما قال ألون ليئيل السفير الإسرائيلي السابق في أنقرة: “كنا نأمل بمجيء “سيسي” جديد بعد انقلاب تركيا وسقوط أردوغان، فالسيسي يحبه الإسرائيليون، ويعرفون كيف يتعاونون معه”. بينما قالت الصحفية الصهيونية “عنات بن نون”: “لا أستطيع التصديق أنني نمت خلال الساعات الأخيرة؛ لكن المحزن أن أصحو؛ وتكون النتيجة فشل الانقلاب، وأردوغان أكثر صلابة”.

وانطلاقا من المواقف الصهيونية عما جرى في تركيا من محاولة الانقلاب الفاشلة يمكن تحديد مستقبل السياسة الخارجية التركية تجاه الكيان الصهيوني في السيناريوهات الآتية :

السيناريو الأول: بقاء الوضع القائم:

أى أن تبقي العلاقات التركية الصهيونية على حالها دون تغيير وذلك لعدة اعتبارات أهمها: أن التصريحات التي ساندت الانقلاب الفاشل في تركيا جاءت من جهات غير رسمية في الكيان الصهيوني، ورغبة تركيا في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع دولة محورية كالكيان الصهيوني، والمصالح الاقتصادية والاتفاقيات التركية الصهيونية والتي وقعت عليها تركيا مؤخرا والتي أدت إلى إعلان التفاهم مع دولة الكيان الصهيوني، وحاجة تركيا إلى دعم دولة الكيان الصهيوني في طلباتها المقدمة للولايات المتحدة الامريكية في تسليم رئيس الكيان الموزاري ” فتح الله جولن “.

السيناريو الثاني: الابتزاز التركي للكيان الصهيوني

في حال كانت هناك مواقف مُرحبة لقادة الكيان الصهيوني بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا؛ فمن المتوقع أن تقوم تركيا بحركات ابتزاز لدولة الكيان الصهيوني من اجل عدم تأثر العلاقات الثنائية؛ أهمها: أن تطلب الحكومة التركية من دولة الكيان الصهيوني الإسراع من الإجراءات الهادفة إلى تخفيف الحصار المفروض على غزة، أو أن تتقبل حكومة الكيان الصهيوني فكرة الإطاحة برأس رئيس النظام السياسي الحالي في مصر عبد الفتاح السيسي بما يضمن مصالح البلدين .

السيناريو الثالث: توتر العلاقات التركية الصهيونية:

في حال اكتشفت أجهزة الامن بوجود تدخل صهيوني في محاولة الانقلاب الفاشلة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فان العلاقات من الممكن أن تذهب إلى التوتر، لكنها لن تصل إلى القطيعة لحاجة البلدين الكبيرة لاستمرار علاقتهما.

رابعاً: السياسة التركية تجاه إيران:

جاء موقف وزير الخارجية الإيراني والمتمثل بقيامه بالاتصال مرتين مع نظيره التركي معربا له عن رفض الانقلاب ودعم الشرعية. إلى جانب تصريح حسن روحاني لاردوغان “بأن محاولة الانقلاب كانت تجربة جيدة لمعرفة الأصدقاء والأعداء في الداخل والخارج”. في ظل الحديث عن تأخر السعودية في إبداء موقف تجاه الانقلاب الفاشل إلى أن اتضحت نتائجه؛ هذه المواقف قد تجعل السلطات التركية تقوم برسم سياستها الخارجية الجديدة على أسس مفادها التقرب مع المحور الروسي الإيراني على حساب المحور الأمريكي السعودي.

خلاصة:

سيبقي ملف علاقات تركيا الخارجية غير واضح بشكل مطلق، إلا بعد الانتهاء من كافة التحقيقات وكشف خيوط التدخلات الإقليمية والدولية في أحداث الانقلاب الفاشل الذي تعرضت له تركيا إن وجدت. وهو ما يحتاج مزيدا من الوقت. علما أن التغيرات المتوقعة في السياسة الخارجية إما ستكون على مراحل أو بشكل كلي، وهذا ما سيحدده؛ حجم وقوة الطرف الآخر المستهدف بهذه العلاقة ومدي ارتباط مصالحه بتركيا، أو طبيعة دوره في انقلاب 15 يوليو 2016.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close