fbpx
أسيا وافريقياالمشهد التركي

تطورات المشهد التركي 21 مارس 2016

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

يتناول هذا التقرير تطورات المشهد التركي في الفترة من 11 إلى 19 مارس، ويرصد أهم الأحداث على الساحة التركية، والتي جاءت كالتالي:

حدث الأسبوع: تفجيرات أنقرة (13 مارس 2016):

يأتي على رأس تطورات المشهد التركي ذلك الانفجار الدامي الذي ضرب العاصمة التركية أنقرة في 13 مارس الجاري، والذي أسفر عن 37 قتيلا و125 جريحًا، والذي نفذ بواسطة سيارة مفخخة استهدفت موقفًا للحافلات في منطقة كيزيلاي في قلب العاصمة (بي بي سي)، وتشير أصابع الاتهام إلى تنظيم (بي واي دي) الكردي (الذراع السوري لمنظمة “بي كا كا” الكردية) حيث أفادت وزارة الداخلية التركية، أنّ منفّذ هجوم أنقرة، الأحد الماضي بسيارة مفخخة، فتاة تدعى “سهر تشاغلا دمير” من مواليد عام 1992، بولاية قارص شرقي البلاد(الأناضول).

 

دلالات الحدث:

هذا هو الانفجار الثاني الذي يضرب العاصمة التركية أنقرة في أقل من شهر؛ حيث استهدف الانفجار الأول في 18 فبراير حافلة لعسكريين أسفر عن 28 قتيلا وإصابة 61 آخرين1، ودلالاته كالآتي:

1ـ هذا الانفجار استهدف مواطنين عاديين في محطة للحافلات ويبدو أنه كان يرمي إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا الأبرياء لإظهار حكومة إردوغان عاجزة عن حماية مواطنيها وإثارة الرأي العام ضدها، بخلاف الهجمات الأخرى التي تستهدف عسكريين كإجراء انتقامي.

2ـ أن استخدام الانتحاريين والسيارات المفخخة هو تكتيك من الصعب إيقافه في أي مكان في العالم، إلا أنه ليس مستحيلاً في النهاية، حيث أعلنت وزارة الداخلية أنها أحبطت 18 تفجيرًا منذ مطلع 20162، ما يشير إلى أن تركيا في حالة حرب حقيقية تستهدف إسقاط الحكومة وضرب الاقتصاد وما وصفه إردوجان بـ “محاولة تركيع تركيا”3.

3ـ لا يمكن فصل تلك التفجيرات عن السياق الإقليمي الذي تدور فيه عملية إعادة صياغة شاملة لخريطة سايكس بيكو القديمة، والتي بدأت باحتلال أمريكا للعراق وما تلاه من انفراط عقد الدولة المركزية هناك ومن ثم تصاعد نفوذ المليشيات المسلحة الشيعية والسنية والكردية، حيث سلحت الولايات المتحدة الأكراد واعتبرتهم فصيلا يمكن الرهان عليه، وما حدث من تفجيرات في تركيا هو تداعيات لذلك التسليح الأمريكي للأكراد الذين اكتسبوا خبرات عسكرية من خلال مواجهتم مع تنظيم الدولة بالإضافة إلى خبرات لوجيستية وعملياتية أخرى حصلوا عليها من خلال مدربين عسكرين أمريكيين4.

4ـ يأتي هذا التفجير تماشيًا مع الأهداف الأمريكية لتفجير المنطقة قبل تركها والانتقال إلى شرق آسيا لاحتواء الصعود الصيني، لإشغال المنطقة بصراعات منخفضة الوتيرة يمكن التحكم فيها من الدول الكبرى، التي تستفيد استفادة كاملة من هذه المحرقة، وهناك اتفاق شبه ضمني بين روسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بإدارة الصراع على الأرض والاتفاق على تسليح الأكراد في سوريا وافتتح الأكراد كذلك ممثلية دبلوماسية لهم في موسكو5.

4ـ حتى الآن لا تزال تركيا تتمتع بسياسة ضبط النفس وعدم الانجرار إلى اجتياح بري لمناطق الأكراد في سورية، وتقتصر عملياتها على القصف المدفعي للرد على عمليات المنظمات في سوريا، وذلك ربما لاعتبارات انتخابية وللحفاظ على خيط استئناف الانفتاحة الكردية التي بدأتها حكومة العدالة والتنمية ولا تزال تجني ثمارها حتى الآن في صورة أصوات ناخبين، كما أن تركيا ليست في أفضل حالاتها فيما يتعلق باقتصاد دولة يمكن أن تدخل في حالة حرب واسعة تستمر لأشهر وربما لسنوات، بالرغم من تكرار ضغط المعارضة على الحكومة من أجل الاستقالة بحجة فشلها في حماية الأمن القومي، ويكتفي الجيش بتوجيه ضربات جراحية لمعاقل المتمردين الأكراد في جبل قنديل وديار بكر وقصف مدفعي لمناطق تمركز (بي واي دي) في سوريا.

5ـ لا يبدو توقيت التفجير عشوائياً، فقد كان توقيت التفجير السابق (فبراير 2016) قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي كانت مقررة إلى أذربيجان، والتي تم تأجيلها بسبب التفجير يومها! .. ثم جاء تفجير الأحد الماضي أيضا قبيل قيام أردوغان بهذه الزيارة المؤجلة التي وصفت بالتاريخية والاستراتيجية،  حيث يقوم خلالها الرئيس أردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بوضع اللمسات الأخيرة لمشروع خط البترول الذي يوصل الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى أوربا عبر تركيا، وكانت ثلاث شركات تركية وأذرية وبريطانية قد وقعت العام الماضي على اتفاق شراكة لمشروع خط أنابيب (تاناب) لنقل الغاز الطبيعي الأذري إلى أوروبا عبر تركيا، ومن المقرر أيضا توقيع اتفاقيات بين البلدين وصفت بالاستراتيجية في مجالات الطاقة والدفاع ورفع مستوى التجارة البينية.

6ـ كذلك كان موعد تفجير أنقرة السابق قبيل انعقاد مباحثات جنيف بين المعارضة ونظام بشار الأسد، وتفجير الأحد الماضي أيضا يصادف الموعد نفسه، وفي هذا السياق تتعدد رسائل الفاعلين للتفجيرات، ومن بين هذه الرسائل: انسحاب تركيا من لعب دور نشط في مجال الطاقة، البترول والغاز الطبيعي تحديدا، وسحب يدها من المسألة السورية، والسماح بقيام كنتونات وكيانات تهدد الأمن القومي التركي، وتسهيل مهمة القوى الداخلية التي لم تتمكن من لي ذراع حزب العدالة والتنمية عن طريق الانتخابات، فذهبت إلى العبثية، لخلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار، وإقناع المواطن التركي بأن اختيار حزب العدالة والتنمية لن يأتي بالاستقرار، وضرب أهم عصب لحزب العدالة والتنمية وهي السياحة. خاصة بعد توقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، بنمو الاقتصاد التركي لعام 2016 من 3٪ إلى 3.5%.

 

ثانياً: تطورات المشهد الداخلي:

شهدت الفترة التي يغطيها التقرير عدداً من التطورات الداخلية التركية، كان أبرز عناوينها:

ـ أوغلو يلتقي بزعيم الحركة القومية “دولت باهجلي”، بناءً على طلب الأخير، لمناقشة آخر التطورات الجارية على الصعيدين الداخلي والخارجي (ترك برس)

ـ تركيا توسع معاركها ضد المقاتلين الأكراد ومصرع شرطي و45 مقاتلاً في ديار بكر(الشرق الأوسط)، كما قتل شرطي ثان في هجوم شنّه حزب العمال على بلدة نصيبين. (الجزيرة.نت).

ـ الداخلية التركية تعين مديرًا جديدًا لأمن العاصمة أنقرة (الأناضول)

ـ استمرار الإجراءات القانونية لتحويل إسطنبول التركية إلى مركز مالي عالمي (تي آر تي العربية)

 

دلالات تطورات المشهد الداخلي:

1ـ من المؤكد أن تركيا تخوض حالة حرب على الجبهة الداخلية، وأن تماسك هذه الجبهة مهم للغاية، وقد أعلنت المنظمات الكردية التي وحدت جهودها مؤخرًا أن هذ العام سيكون “ربيع الأكراد” في إشارة إلى شن عمليات قتالية كبيرة، وفي هذا الإطار كان لقاء أوغلو مع باهجلي إيجابيًا وعبّر الأخير عن تضامنه مع الحكومة ورغبته في تشديد الإجراءات الأمنية في العاصمة، بالإضافة إلى إعلان الطوارئ في المناطق الكردية، وإعلانه عن تأييده للحكومة إذا ما رغبت في شن معركة برية ضد الأهداف في سورية أو العراق، بالإضافة إلى عملية تنظيم جذرية لأجهزة الأمن، ومن المؤكد أن هذه الزيارة تهدف إلى إبقاء حضور الحزب على الساحة، وظهوره بمظهر إيجابي في وقت الأزمة وهو ما تحتاجه الجبهة الداخلية، فيما كرر أردوغان دعوته لمحاكمة أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في البرلمان، واتهمهم بأنهم ذراع لحزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

2ـ في هذا الإطار وسعت تركيا عملياتها ضد المقاتلين الأكراد في جنوب شرق البلاد، في حين عينت مديرا جديدا لأمن أنقرة وهو إجراء يهدف إلى إعادة ترتيب الوضع الأمني للعاصمة وتلافي أية أخطاء سابقة حدثت في الفترة الماضية لاسيما بعد نجاح المقاتلين الأكراد بشن عمليات في قلب العاصمة أوقعت عددًا كبيرًا من الضحايا.

3ـ في إطار الحفاظ على الجبهة الداخلية أيضًا أبرزت وكالات الأنباء التركية الرسمية منها وغير الرسمية ذلك التعاطف الشعبي مع الطفل السوري الذي ضربه بائع تركي بعنف شديد، وأهمية إبراز هذا التعاطف في وكالات الأنباء هي استهجان أي مشاعر سلبية تجاه اللاجئين السوريين، حيث أصر إردوجان على إهداء الطفل دراجة هوائية، وهو خبر بالرغم من بساطته إلا أنه له أبعادًا عميقة الأثر على الجبهة الداخلية وعلى مدى تقبل تركيا للاجئين السوريين في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

4ـ في ظل انحسار حركة السياحة في البلاد فإن تركيا تهدف إلى أن تكون مركزًا ماليًا عالميًا لاستقطاب الأموال، وتحويل أسطنبول إلى مركز معالمي وذلك بتطوير البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسات المالية والبورصة، بالإضافة إلى التطور في الاقتصاد الإسلامي الذي يعتمد على التمويل بدون فائدة، ومنافسة بريطانيا التي أصبحت مقرًا لاستقطاب الأموال الخليجية المستثمرة في الاقتصاد الإسلامي.

 

ثالثاً: تطورات المشهد الخارجي:

شهدت الفترة التي يغطيها التقرير عدداً من التطورات الخارجية ذات الصلة بالشأن التركي، كان أبرز عناوينها:

ـ روسيا تسحب بعضًا من قواتها في سوريا لـ “دفع مفاوضات جنيف” (روسياوم).

ـ روسيا تلغي عقوباتها ضد شركات تركية (العربي الجديد).

ـ الأكراد يعلنون نظامهم الفيدرالي في شمال سورية (العربية.نت).

ـ تركيا: توقيع اتفاقيات عسكرية ورفع التعاون الاقتصادي مع أذربيجان قريبًا (يني شفق)

ـ وفد طبى تركى يجرى عمليات جراحية في غزة بهدف مساعدة المرضى، الذين يعانون من إصابات نتيجة الحرب الاسرائيلية الأخيرة (الأناضول)

ـ تركيا تتهم “الكردستاني” بتفجير أنقرة وتقصفه بالعراق (الجزيرة.نت)

ـ إقليم شمال العراق يستأنف ضخ النفط إلى ميناء جيهان التركي (تي آر تي العربية)

ـ فرنسا تريد «تعاوناً فاعلاً مع تركيا» لكن من دون «ابتزاز» (الحياة)

ـ الخليج يستبدل العمالة اللبنانية بالتركية والأردنية والسودانية (روسيا اليوم).

ـ سياسيون غربيون يوجهون انتقادات للقمة الأوروبية التركية حول المهاجرين واللاجئين، معتبرينها قمة “المُتاجَرات والصفقات” (العربي الجديد).

 

دلالات تطورات المشهد الخارجي:

1ـ الانسحاب الروسي من سوريا:

على رأس المشهد الخارجي للدولة التركية يأتي ذلك الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا، في خطوة أثارت دهشة الكثير من المحللين، فبينما أعلنت روسيا أنها “لدفع مفاوضات جنيف”، إلا أن الكثير من المحللين يرون أن هناك أسبابًا عدة لذلك الانسحاب الجزئي، يأتي على رأسها الضغط على بشار الأسد للاستجابة إلى إملاءات روسيا له، وألا تخرج حكومته بأية تصريحات على عكس الرغبة الروسية والتي أعلنتها في أكثر من مرة أنها تريد سوريا فيدرالية بتقسيم البلاد والحوار حول استمرار الأسد، فيما خرج وليد المعلم وزير الخارجية السوري يؤكد على وحدة أراضي سوريا وبقاء بشار.

وعلى الجانب الآخر جاءت زيارة أحمد داود أوغلو إلى طهران كضربة لروسيا التي أرادت أن تعاقب تركيا، ولكن طهران تحركت منفردة واستقبلت أوغلو وكان هناك تصريحًا بأن إدارة الخلافات بين البلدين يمنع تدخل الدول الأجنبية في شئون المنطقة، وهو ما يمكن عزوه إلى روسيا، والتي تريد أن يكون لها الكلمة العليا في إدارة الملف السوري، وهنا تبدو الخطوة الروسية للضغط على كل من إيران وسوريا والتأكيد على أن موسكو هي صاحبة الكلمة النهائية في سوريا، فيما نظرت أنقرة بحذر إلى تلك الخطوة الروسية6 في ظل أنباء تفيد بتخفيف موسكو الحظر التجاري والسياحي على تركيا.

فقد قررت روسيا رفع الحظر التجاري عن عدة شركات تركية، على رأسها الشركات العاملة في مجال الإنشاءات وكذلك في مجال تصدير الحاصلات الزراعية، وذلك بعدما أضيرت موسكو من حظرها لتلك المنتجات حيث ارتفع التضخم إلى أرقام غير مسبوقة في روسيا بعدما حظرت أيضًا المنتجات الزراعية من أوكرانيا، فارتفع التضخم بصورة عامة إلى 12.9% وهو الأعلى منذ عام 2008 (13%)7.

كما تشير أنباء إلى رفع موسكو كذلك الحظر السياحي عن تركيا، لترتفع عدد الشركات المستثناة من الحظر التجاري إلى 53 شركة، وجاء ذلك بعد تفجير أنقرة الأخير وتعزية بوتن للرئيس التركي رجب طيب إردوجان، والذي كان اتهم دولا غربية وكذلك روسيا بتمويل أكراد سوريا، ولذلك فتحت التعزية الباب مرة ثانية لتطبيع العلاقات بين البلدين؛ حيث إن موسكو لن تتحمل كثيرًا ذلك الحظر بسبب ارتفاع التضخم وكذلك بسبب العمالة التركية وشركاتها للإنشاء والتي ساهمت في تشييد العديد من المشروعات في روسيا وعلى رأسها مدينة سوتشي وكذلك في مجالات الطاقة، وأيضًا لأن تركيا تعتبر سوقًا رئيسيًا لغاز ونفط موسكو.

 

2ـ أكراد سوريا:

أعلنت جماعات كردية سورية نظاماً فيدرالياً في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا. وذلك خلال اجتماع عقد في مدينة رميلان في محافظة الحسكة (شمال شرق)، وقد اعترضت تركيا بشدة على تأسيس ذلك الاتحاد الفيدرالي وصرّحت السلطات التركية أنها لن تعترف بالحكم الفيدرالي الكردي، ويأتي ذلك الإعلان تماشيًا مع وجهة النظر الروسية فيما يتعلق بحل الفيدرالية، والتي كذلك تدعم الأكراد وتستضيف قادتهم، وهذا الإعلان سيجد معارضة شديدة من كلا من إيران وتركيا، ولكن ربما يسمح به نظام بشار الأسد كخطوة تكتيكية للضغط على تركيا؛ حيث إن هناك تعاونًا مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني PYD ونظام بشار الأسد الذي أفرج عن 600 من معتقليه بعد اندلاع الثورة السورية مباشرة ووعدهم بحكم ذاتي للضغط على قوى المعارضة، فيما تخرج تصريحات من نظام بشار تؤكد على وحدة الأراضي السورية.

وهذا الاتحاد إن تم سيواجه صعوبات شديدة، لأن تلك المنطقة حبيسة وستظل معتمدة على دول الجوار في التمويل والتسليح، ولن تمثل سوى أداة لقوى إقليمية أو دولية تريد استخدامها لضرب تركيا بالأساس، وهو ما ينذر بتصعيد عسكري تركي ضد ذلك الكيان في حال إنشائه، والذي تحرص تركيا دائمًا على عدم عبور قواته غرب الفرات من أجل تطبيق المنطقة الآمنة التي تخطط لها منذ زمن لاستيعاب اللاجئين السوريين، ولقطع الشريط الكردي من منتصفه وعدم اتصاله بالساحل عند محافظة هاتاي التركية بالجنوب، وبينما تعارض الولايات المتحدة إقامة ذلك الحكم الفيدرالي علنيًا8، إلا أن تحركات الولايات المتحدة على الأرض تفيد عكس ذلك وأن تقوية الأكراد هو أحد أهم أدوات واشنطن في المنطقة على الإطلاق.

 

3ـ تركيا وأذربيجان:

يأتي التعاون التركي مع أذربيجان مهمًا للغاية حيث إنها تمثل مصدرًا لنقل الغاز عبر تركيا إلى أوروبا، كما أن العلاقات الاقتصادية معها في تطور ويبلغ التبادل التجاري معها 13 مليار دولار، ويهدف أردوجان إلى رفعه إلى 20 مليار دولار، كما أنها تعتبر سوقًا واعدة للسلاح التركي الذي يهدف إلى أن يحقق أرباحًا للدولة التركية وليس فقط مجرد الحفاظ على الأمن القومي في مجال صناعة السلاح، بالإضافة إلى الدعم التركي لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليمي ناجورنو كاراباخ، وتهدف تركيا كذلك إلى تدشين خط سكة حديد ثلاثي مع جورجيا يهدف إلى دفع الحركة التجارية بين دول المنطقة.

 

4ـ تركيا وغزة:

تأتي زيارة الوفد الطبي التركي لمعالجة جرحى العدوان الإسرائيلي على غزة تماشيًا مع السياسة التركية لنصرة القضية الفلسطينية، وفي إطار جهود أنقرة لرفع الحصار عن غزة وإنشاء ميناء بحري بالرغم من الصعوبات التي تواجهها مع الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بتلك القضية، حيث تحاول أنقرة في الوقت ذاته أن تحتفظ بأوراقها فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحفاظ على نفوذها الإقليمي المتزايد منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002.

 

5ـ أكراد العراق:

وسعت تركيا عملياتها لاستهداف حزب العمال الكردستاني بالعراق، وتتهمه بالضلوع في تفجيرات أنقرة، فبالرغم من إعلان جماعات مسلحة كردية عن مسئولياتها، إلا أن تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني هو الأب لكل تلك الجماعات التي هي عبارة عن مجرد لافتات مختلفة تشير كلها إلى حزب واحد، ومن المتوقع أن تزيد أنقرة من وتيرة استهدافها للحزب في الأيام القادمة التي تهدف فيها الجماعات المسلحة الكردية في المقابل أن تصعد من وتيرة هجماتها في الداخل التركي أيضًا.

وفي السياق نفسه تم استئناف ضخ النفط من إقليم شمال العراق إلى ميناء جيهان التركي، وهي خطوة هامة لانتشال الإقليم من أزمته المالية وعجز الموازنة، ويعزز العلاقات مع تركيا باعتبارها معبرًا رئيسيًا لتصدير النفط ويزيد من الأهمية الاستراتيجية لأنقرة ومحوريتها في حل الأزمات في المنطقة.

 

6ـ تركيا ـ أوربا:

استباقًا للقمة الأوروبية التركية فإن أطرافًا داخل الاتحاد أعربت عن عدم قبولها لبعض المطالب التركية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، حيث تتحفظ بعض الدول الأعضاء على مطالب تركيا بربط وقف الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد بقبول دخول الأتراك بدون تأشيرة إلى منطقة (الشنجن)، ويأتي هذا في إطار لعبة التفاوض الأوروبية التركية المتشابكة التي تمتد لعقود من المفاوضات لانضمام تركيا للاتحاد، وفي هذا الإطار فإن تركيا تمارس مهامها التفاوضية باقتدار وتريد الوصول إلى أكبر قدر من المكاسب بعد أن ظهرت الحاجة الأوروبية الماسة لتركيا بعد أن زهدت الأخيرة في الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد طول انتظار وتعنت بالغين، ومن هنا فإن تركيا ترفع من سقف مطالبها وهو ما اعتبرته بعض الأطراف ابتزازًا، إلا أنه يأتي في إطار لعبة المقايضة الصعبة بين الجانبين.

وفي إطار التدافع الأوروبي التركي جاءت القمة التركية الأوروبية بشأن المهاجرين واللاجئين، والتي سعت تركيا من خلالها القمة الوصول إلى أكبر قدر من الاستفادة على المستوى السياسي والاقتصادي للدولة التركية بفتح التأشيرة للأتراك وفتح فصول جديدة لانضمام تركيا للاتحاد، وكذلك قبض تركيا لثمن استضافتها للاجئين برغم تأكيد تركيا على أنها ستستقبلهم على أي حال على أساس أنه واجب أخلاقي على تركيا، وفي هذا الصدد فإن تركيا تلعب بذكاء بورقة اللاجئين التي تئن منها أوروبا، ولا تريد في الوقت ذاته دفع ثمن التضحيات التركية، فيما تدير تركيا القضايا الأمنية مع الاتحاد الأوروبي بذكاء لعلمها بحاجة الأخيرة لتركيا في تحقيق أمنها، لاسيما أمن الملاحة في شرق المتوسط والمضائق المائية الكثيرة مع الجزر اليونانية وكذلك في منع مافيا تهريب اللاجئين.

 

7ـ تركيا ـ الخليج:

في إطار التدافع الخليجي الإيراني، أعلنت دول الخليج استبدالها العمالة اللبنانية ـ التي يثبت ارتباطها بحزب الله ـ بعمالة من تركيا والأردن والسودان، وأعلنت كل من السعودية والإمارات وقطر وظائف لتلك الدول، حيث تستخدم دول مجلس التعاون ملاءتها المالية للضغط على الحكومة اللبنانية بالأساس لعدم اختطاف حزب الله للقرار اللبناني، كما ألغت السعودية عقود تسليح أبرمتها لصالح لجيش اللبناني بلغت مليار دولار9.

فيما تتماشي تلك الإجراءات مع السياسات الاستباقية المبادِرة Proactive Policy التي انتهجتها السعودية منذ مجيء الملك سلمان إلى سدة الحكم، وعدم انتظار الأزمات لتحل سلميًا أو تتفاقم كما كانت سياسة الملك عبد الله الذي اعتمد على التحركات الدبلوماسية مع الغرب تارة، وعلى تشكيل المليشيات المسلحة في حقبة بندر بن سلطان تارة أخرى؛ حيث تتوافق تلك الخطوة بتسريح العمالة التي يثبت انتماؤها لحزب الله مع تلك السياسة، والتي تتماشى أيضًا مع السياسات الاستباقية للمملكة في كل من اليمن ومناورة رعد الشمال على الحدود السورية وتشكيل ما سمي بالتحالف السني.

 

رابعاً: العلاقات التركية المصرية

كان الحدث الأبرز هذا الأسبوع فيما يتعلق بالعلاقات المصرية التركية هو إعلان وزير الداخلية المصري عن تورط عناصر من الإخوان المسلمين مقيمين في تركيا في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، بالإضافة إلى مشاركة حركة حماس في تلك العملية، وهو ما رآه البعض رغبة من القاهرة في الحصول على ورقة مقايضة فيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية وخاصة العلاقات السعودية التركية والتي ترغب فيها الرياض ترميم العلاقة مع القاهرة لإدارة الملفات الإقليمية وعلى رأسها الملف السوري.

ومن الواضح أن الخلاف المصري مع الرياض يتعلق بمصير بشار الأسد الذي تصر الرياض على مغادرته فيما ترغب مصر ببقائه، بينما تتفق مصر مع نظام الأسد على ضرورة محاربة الجماعات الإسلامية في المنطقة وعلى رأسها الإخوان المسلمين، فيما ترى الرياض أنه يمكن التلاقي مع الجماعة في مناطق الالتقاء واستخدامها لضرب الحوثيين في اليمن أو في ضرب بشار الأسد في سوريا، وهو ما ترفضه مصر بشدة.

لذلك اعتبرت خطوة اتهام عنصر إخواني مقيم في تركيا ـ وهو طبيب وكان متحدثًا سابقًا باسم وزارة الصحة ولم يثبت عليه أي نشاط مسلح ـ بأنها رد على استمرار تركيا رفض المصالحة مع النظام المصري باعتباره نظامًا جاء بانقلاب، ولقطع الطريق أمام الجهود السعودية لترميم العلاقة مع أنقرة، في ظل اقتراب موعد قمة منظمة التعاون الإسلامي التي تستضيفها تركيا ومن المفترض أن تسلم مصر القمة لها، بخلافات تجري في الكواليس حول حجم التمثيل المصري في تلك القمة، فيما تحاول القاهرة أن تجس النبض بمثل تلك الخطوة وامتلاك أوراق تضغط بها على الرياض التي تضغط على القاهرة بدورها لامتلاكها التمويل المالي الذي يحتاجه الاقتصاد المصري بشدة وسط تدهور قيمة الجنيه بسبب العجز في الاحتياطي الدولاري.

وقد قدمت مصر طلباً للشرطة الدولية “الإنتربول” التدخل لتحديد موقع عضو الإخوان المسلمين المتهم بالتورط بالعملية والقبض عليه وتسليمه للأمن المصري، بالضغط على تركيا للخضوع لذلك الطلب من الإنتربول.

فيما أرجع تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عدم إعلان الحكومة الإسرائيلية حتى الآن موقفها الرسمي من قبول طلب تركيا بإقامة ميناء بحري في قطاع غزة إلى اعتبارات تتعلق بمصالح لاعبين آخرين في المنطقة على رأسهم مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية الرافضين لإقامة الميناء10.

ويأتي هذا في إطار الحرص المصري لإبقاء ملف الحل الفلسطيني في القاهرة، ويأتي إدراج حماس ضمن قضية النائب العام في هذا الإطار، حيث أكدت الأحداث أن اتهام حماس ليس إلا مجرد ورقة للمقايضة بدليل استقبالها لوفد من حماس السبت 12 مارس الماضي، رأس هذا الوفد القيادي في الحركة محمود الزهار، ويتكون من 12 عضوا11، وهو ما يدل على أن القاهرة تريد أن تكون خيوط الحل بأيديها لا بأيدي أي من القوى الإقليمية الأخرى وعلى رأسها تركيا وإيران.

فالتوجه الاستراتيجي للقاهرة في القضية الفلسطينية يراهن على الحلول السلمية لحل الصراع والتفاوض مع الجانب الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة، حيث إن تصعيد وتيرة الصراع وجر مصر إلى حرب أصبح غير مطروحًا على الطاولة بعدما أظهرت القاهرة أنها ضد أية محاولات للتصعيد الفلسطيني ومعاقبة حماس على خروجها عن هذه الاستراتيجية، فيما ترى القوى الإقليمية الأخرى وعلى رأسها إيران أن تسليح المقاومة ورفع كفاءتها هي ورقة مهمة للضغط على الكيان الصهيوني باعتبار أن كلا من إيران وتركيا ليسا من دول الطوق ولن يضارا بصورة مباشرة من أي تصعيد عسكري شامل بين إسرائيل وحركات المقاومة، بخلاف القاهرة التي يمكن لأي تصعيد دموي إسرائيلي أن يشعل شارعها بسهولة كما حدث في أوقات سابقة مما يمثل ضغطًا كبيرًا على النظام المصري داخليًا وخارجيًا.

———————————-

الهامش

(1) السلطات التركية تعلن مقتل 28 شخصا وإصابة 61 في تفجير استهدف حافلات عسكرية في أنقرة، سي إن إن العربية، 18 فبراير 2016، الرابط
(2) الداخلية التركية تُحبط 18 عملية ية منذ مطلع 2016، تركي بوست، 28 فبراير 2016، الرابط
(3) أردوغان: لن يتمكن من تركيع تركيا أبداً، وكالة أنباء الأناضول، 15 مارس 2016، الرابط
(4) وصول 50 عسكريا امريكيا الى سوريا لمساعدة المقاتلين الاكراد ضد تنظيم الدولة الاسلامية، وكالة شينخوا الصينية للأنباء، 27 نوفمبر 2015، الرابط
(5) أكراد سوريا يفتتحون ممثلية دبلوماسية في موسكو، بي بي سي العربية، 22 أكتوبر 2015، الرابط
(6) وكالة أنباء جيهان التركية، 16 مارس 2016، الرابط
(7) التضخم يطارد روسيا بعد إجراءاتها ضد تركيا وأوكرانيا، العربي الجديد، 7 يناير 2016، الرابط
(8) أمريكا: لا نعترف بمنطقة كردية لها حكم ذاتي أو شبه ذاتي، وكالة أنباء جيهان، 17 مارس 2016، الرابط
(9) السعودية تلغي «هبة عسكرية» للجيش اللبناني بقيمة مليار دولار، الخليج الجديد، 24 يناير 2016، الرابط
(10) تقرير إسرائيلي: اعتبارات إقليمية تمنع قبول إسرائيل عرض تركيا بإقامة ميناء في غزة، ترك برس، 14 مارس 2016.
(11) وفد من حماس يزور القاهرة، موقع “الحرة”، 12 مارس 2016، الرابط
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close