المرصد

تطورات المشهد السعودي 18 أبريل 2016

يتناول هذا التقرير تطورات المشهد السعودي، خلال الفترة من 7 إلى 17 أبريل 2016م، من خلال ما نشرته وسائل الإعلام السعودية، حول الأوضاع الداخلية والخارجية في المملكة، والقضايا المصرية السعودية:

أولاً: حدث الأسبوع: قضية تيران وصنافير في الاعلام السعودي

كان الاتفاق المصري السعودي الأخير بترسيم الحدود البحرية، والذي تضمن تخلي مصر عن جزيرتَيْ تيران وصنافير، من أهم الأحداث التي اهتم بها الإعلام السعودي، خلال الفترة التي رافقت وتلت الزيارة التي قام بها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى مصر، خلال الفترة التي يغطيها التقرير. ويمكن، من خلال قراءة ما ورد في الإعلام السعودي، رصد أربعة محاور موضوعية أساسية لتعاطي المصادر السعودية في هذا الصدد، وهي:

1. دلالات الصفقة فيما يتعلق بالعلاقات المصرية السعودية.

2. الجوانب القانونية والسياسية المتعلقة بملكية الجزيرتَيْن.

3. موقف الإعلام السعودي من الجدل في مصر على حول التنازل عن الجزيرتَيْن.

4. أثر ما جرى على الإخوان المسلمين وصورتهم العامة في المملكة.

 

المحور الأول: دلالات الصفقة فيما يتعلق بالعلاقات المصرية السعودية:

حرصت المصادر السعودية، باستثناء المصادر الصحوية، على تناول الأمر في الاتجاه الإيجابي، فيما يتعلق بدلالات الاتفاق البحري، وتسليم مصر بسعودية الجزيرتَيْن، فيما يخص العلاقات بين البلدَيْن.

وكان من بين أهم ما تناوله كُتَّاب الرأي والمقالات في المصادر السعودية، وكذلك على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الصدد، ما يتعلق بدور إتمام الاتفاق في صدد تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية، وتحسين مستوى التنسيق بين الجانبَيْن فيما يتعلق بقضايا المنطقة.

كما كان هناك تركيز كبير على محورية معالجة ملف الجزيرتَيْن في صدد إتمام مشروع جسر الملك سلمان الذي من المفترض أنه سوف تتم إقامته بين رأس الشيخ حميد في المملكة، وشرم الشيخ في مصر، عبر جزيرة تيران؛ حيث اعتبره الكثير من كُتَّاب الرأي السعوديين “حدثًا تاريخيًّا، سوف يغير وجه الجغرافيا” الإقليمية.

وفي هذا الصدد يقول عبد المحسن هلال في “عكاظ”(1):

“اكتسبت زيارة خادم الحرمين الملك سلمان زخما إعلاميا إقليميًّا ودوليًّا إن بحجم مشاريعها واتفاقاتها أو بحجم إنجازاتها، أقله تغيير وجه الجغرافيا بمشروع الجسر وربما وجه التاريخ لمرحلة ما بعد الجسر الذي ظل حلمًا طوال ثلث قرن”.

وتناولت المصادر السعودية بشيء من التفصيل، مشروع الجسر البري، وقالت إنه طُرح لأول مرة عام 1988م، خلال زيارة قام بها العاهل السعودي الراحل، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، إلى مصر، وتم الإعلان عنه عقب لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك.

وكان الاتفاق يقضى بإنشاء جسر بري يبدأ من الشاطئ الغربي لمصر عند “رأس نصراني” القريبة من شرم الشيخ، ويمر بجزيرة تيران، ليصل إلى الشاطئ السعودي بمنطقة رأس حميد، ويبلغ طوله مسافة 23 كيلومترًا.

كما حرصت الصحف السعودية التي تصدر في الداخل خصوصًا، إلى تناول مميزات الجسر والجدول الزمني لإقامته، وذكرت أنه سوف يقلص المسافة بالسيارة بين مصر ولسعودية، إلى نحو 20 دقيقة، وأنه سيرتكز على شاطئ سيناء من ناحية ليمر فى المياه الضحلة مرتكزا على جزيرة تيران ليمتد حتى الشاطئ السعودي مرتفعًا عن المياه بـ65 مترًا، بما يسمح بمرور الناقلات والبواخر، وسيستغرق تنفيذه من 3 إلى 4 سنوات(2).

وبرز في هذا المحور الحديث عن الملك سلمان نفسه، ودوره في تحسين العلاقات “مع الأشقاء العرب”، و”تحقيق التضامن بين العرب”. وفي ذلك كتب أحمد السيد عطيف، في صحيفة “الوطن”(3)، يقول:

“إنه لأمر يثير الإعجاب، ذلك العمل الصامت الطويل على اتفاقية الحدود البحرية دون ضوضاء ولا صراخ، ولا يقل عنه إثارة للإعجاب تلك المخاطبات المكتوبة بين البلدين بلغة رفيعة، تليق بأنها وثائق بين مصر والسعودية، ستنظر إليها الأجيال بإكبار وإجلال (..) في لحظة تطايرت فيها الأوراق العربية وشظايا الأحلام، ينهض الملك سلمان، لا لإعادة ترتيبها وحسب، وإنما لترسيخها ودفعها إلى الأمام بخطوات تاريخية لا يفعلها إلا من نسميهم عظماء التاريخ”.

كما حرص الإعلام السعودي على التأكيد على الجانب الاقتصادي المهم الذي استفادته مصر، نظير تعاونها في مسألة الجزيرتَيْن، وأن الأمر في إطار منفعة متبادلة تظهِر الاتفاق البحري ومشروع الجسر، ضمن منظومة من التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين.

فركزت وسائل الإعلام والمصادر السعودية على اتفاق القاهرة والرياض على إنشاء منطقة تجارة حرة في سيناء، باعتباره أول مشروع مرتبط بالجسر، إضافة إلى إقامة صندوق استثمار برأسمال 60 مليار ريال سعودي، ضمن 17 اتفاقية جديدة وقعها مسؤولي البلدَيْن خلال زيارة الملك سلمان.

أما الصحفي جمال خاشقجي، فقد كتب في “الحياة” اللندنية يفسر سبب حرص الرياض على تعيين حدودها مع مصر(4)، فقال إن المملكة:

“حريصة على أن تكون علاقتها ممتازة معها (مصر)، وعدم وجود اتفاق على الحدود مدعاة للاختلاف حتى بين الأشقاء، ولكن على رغم وجاهة هذا المنطق، فإن بعضهم يطرح سؤالاً ملغَّمًا، لماذا الآن، وقد مضى على وديعة جزيرتي تيران وصنافير في العهدة المصرية ثلاثة أرباع القرن؟”.

ويفسر خاشقجي ذلك، بأن هناك أربعة أسباب لـ”نجاح” الاتفاق في هذا التوقيت، أولها، أن الوقت مناسب، فالعلاقة بين البلدَيْن في أوجها، والرئيس عبد الفتاح السيسي يمتلك الشعبية والقدرة اللازمة لتمرير قرار كهذا، بحسب خاشقجي. الثاني في رأيه، أن الرياض باتت القوة الأهم في المنطقة، وحان وقت تحمُّل مسؤوليتها في تلك المنطقة الحساسة، التي تتمتع فيها إسرائيل بقوة ونفوذ لا تستحقه.

ثالثها، بحسب الصحفي السعودي، مشروع جسر الملك سلمان، الذي قال إنه سيغير سياسة المنطقة واقتصادها وجغرافيتها، والأفضل أن تعود الجزر إلى السيادة السعودية التي تستطيع حماية هذا المشروع وتمريره.

وآخرها ما وصفه بأن الحدود الجيدة والواضحة، تصنع جيرانًا جيدين، فلا أحد يعرف تحديدًا ما الذي يحويه خليج العقبة وجنوبه من مكامن غاز ونفط يمكن أن تكون موضوع خلاف مستقبلي بين مصر والسعودية، واللتان حرص على أن يصفهما دائمًا بـ”الأشقاء”، إذا لم تكن هناك حدود واضحة.

كما لفت البعض إلى سياسات المحاور الجديدة في المنطقة، واعتبروا اتفاق الجزيرتَيْن خطوة لاستعادة ما كان يوصف أيام مبارك وقبل الربيع العربي، بـ”محور الاعتدال”.

تركي الدخيل كان أهم من تناول ذلك، سواء في مقالاته في صحيفة “عكاظ” أو على صفحته الشخصية على موقع “تويتر”، عندما قال إن الاتفاق يعني عودة السعودية ومصر إلى المحورية الفاعلة مجددًا، وأشار إلى وجود إماراتي وكويتي في الأمر، بحيث حضر ممثلون عن الدولتَيْن لمراسم توقيع الاتفاق، ومن بينهم، الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، ومرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي(5).

شمل ملف العلاقات بين البلدَيْن كذلك، الحديث عن تأثير الاتفاق ومشروع الجسر على إسرائيل، في هذا الصدد اهتمت الصحف والمصادر السعودية بتصريح عادل الجبير، وزير الخارجية، الذي أشار فيه إلى أن السعودية أصبحت بدلاً من مصر في تطبيق مبدأ حرية الملاحة في خليج العقبة، بموجب البروتوكول العسكري لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، ولكن الرياض لن تنسِّق مع إسرائيل في هذا الصدد(6). كما ألحَّ الإعلام السعودي بشكل عام، في التأكيد على أن نقل السيادة على الجزيرتَيْن ومشروع الجسر، في غير صالح إسرائيل، وأن هذه التطورات أدت إلى حالة من القلق في داخل إسرائيل(7).

لكن بعض الإعلاميين السعوديين عبروا عن خشيتهم من أن تقود تطورات الحدث إلى خلاف ذلك؛ حيث قال خاشقجي في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”: “أتمنى ألا ترث المملكة أي بند من بنود كامب ديفيد ونحن ننقل تيران وصنافير لسيادة السعودية، فلا يريد عاقل منا علاقة مباشرة أو دونها مع إسرائيل”.

أما صحيفة “عكاظ” فقد وصفت في تقرير لها()، ما نُشر حول اعتراضات إسرائيل على الجسر ونقل تبعية الجزيرتَيْن للسعودية بأنه “محاولة فاشلة لإثارة الغبار حول الجهد المشترك والمخلص للقيادتين السعودية والمصرية، لتحقيق اختراق في العلاقات الثنائية والعمل العربي المشترك”.

المحور الثاني: الجوانب القانونية والسياسية المتعلقة بملكية الجزيرتَيْن:

بشكل عام كان هذا الملمح مشتركًا بين مختلف المواد التي تناولت هذه القضية في الصحف والمصادر السعودية بشكل عام؛ حيث كان بندًا ثابتًا في مختلف مقالات الرأي والتقارير الكبيرة التي تناولت قضية تيران وصنافير في الإعلام والمصادر السعودية؛ حيث تؤكد على سعودية الجزيرتَيْن، وأنهما كانتا في عهدة مصر خلال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار حرص هذه المواد على التأكيد على أن المملكة أعارت الجزيرتَيْن لمصر لتمكين مصر من مواجهة “العدو” الإسرائيلي – التعبير المستخدم في أكثر من مقال – وحماية سيناء، وأن هبة الملياري ريال التي أعلن أن الاتفاق يتضمنها سنويًّا نظير إدارة مصر للجزيرتَيْن، لا علاقة لها بالقضية “بل تدخل تحت سياسة الدعم المستمر لمصر للخروج من أزمتها الحالية”(9).

في هذا الصدد كذلك، اهتمت المصادر السعودية بشكل خاص، بتصريحات المسؤولين المصريين أنفسهم، وخصوصًا السيسي ووزير خارجيته، سامح شكري حول تبعية الجزيرتَيْن للسعودية. واكتسب أهمية خاصة في هذا الصدد، حديث السيسي، مع ممثلين عن الكتل البرلمانية، ومنظمات حقوق إنسان، ورؤساء نقابات، ورؤساء تحرير الصحف، وإعلاميين، يوم الأربعاء 13 أبريل، في صدد الموقف الرسمي المصري بشأن الجزيرتَيْن، عندما عرض تطورات الموقف منذ بد المفاوضات بين الجانبَيْن، وأن قراره استند إلى القرار الجمهوري الصادر عام 1990م، بشأن خطوط الأساس للحدود البحرية المصرية. كما نشرت صحيفة “عكاظ” قائمة الوثائق التي أفرجت عنها وزارة الخارجية المصرية تؤكد فيها “سعودية” جزيرتَيْ صنافير وتيران(10). وتتضمن الوثائق، المكاتبات التي جرت بين مصر والأمم المتحدة، وبين الرياض والقاهرة على مدى العقود الستة الماضية، وقالت إن هذه الوثائق كافية للرد على المشككين في ملكية الجزيرتَيْن للمملكة.

كما أفردت صحف سعودية، ومن بينها صحيفة “الوطن”، مساحات عدة لوثائق وخرائط قالت إنها حصلت عليها من الأرشيف العثماني(11)، تثبت تبعية الجزيرتَيْن لأراضي المملكة حاليًا، بحكم أنها كانت ضمن “ولاية الحجاز” في العهد العثماني. “الوطن” السعودية كذلك، نشرت نصوص مجموعة من الوثائق التي أفرج عنها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، التي قالت إنها تثبت تبعية جزيرتَيْ تيران وصنافير للمملكة. كما نشرت بيانًا للمركز قال فيه إن القرار بشأنهما “لم يكن سريعًا، وإنما جاء بناء على دراسات وآراء اللجنة القومية لترسيم الحدود البحرية”(12).

ومن بين هذه الوثائق نص برقية الملك عبد العزيز آل سعود للوزير المفوض السعودي في القاهرة في فبراير 1950م، وخطاب لمندوب مصر بالأمم المتحدة في ذلك التاريخ، وخريطة اعتمدتها الأمم المتحدة في هذا الصدد، في نفس الفترة الزمنية. ومن بينها كذلك الوثيقة الشهيرة التي أرسلها وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفصيل إلى وزير الخارجية المصري الراحل، عصمت عبد المجيد، خلال أزمة طابا.

كما لم تغفل الصحف والمصادر السعودية ما نشرته وسائل الإعلام المصرية التابعة للنظام، وكذلك مواقف نشطاء ورموز سياسية مصرية تؤكد على “سعودية” الجزيرتَيْن.

ومن بين ذلك مقال للدكتور محمد البرادعي، الذي شغل منصب نائب الرئيس المصري المؤقت بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، كان قد كتبه بصفته محاميًا دوليًّا في “المجلة الأمريكية للقانون الدولي”، عام 1982م، وبثت قناة “سي. إن. إن” الإخبارية الأمريكية صورة ضوئية منه، يوم 11 أبريل، بشأن تقسيم مناطق السيادة في خليج العقبة وفق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

ونقلت صحف السعودية ما قاله البرادعي في المقال، من أن الساحل الشرقي للخليج يقع تحت السلطة المصرية، فيما يقع الساحل الغربي منه تحت السيادة السعودية، مشيرًا إلى أن جزيرتَيْ تيران وصنافير تحت الإدارة المصرية منذ العام 1950م، ولفت البرادعي كذلك إلى أن مضيق تيران الذي يقع بين الجزيرة وشاطئ سيناء هو واقع داخل المياه الإقليمية المصرية.

المحور الثالث: موقف الإعلام السعودي من الجدل في مصر على حول التنازل عن الجزيرتَيْن:

يقول الكاتب السعودي خالد العلكمي، في تعقيبه على المشككين في تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، ما معناه بالعامية المصرية: “اللي مش عاجبه يشرب من البحر”، كما تبرز التغريدة التالية له:

هذه السمة من السخرية، وسوء النظرة، كانت غالبة في هذا المجال على تصريحات وكتابات الإعلاميين السعوديين، فيما يخص موقف الرافضين للاتفاق في مصر، التي رأت في موقف النخبة المصرية الرافضة للاتفاق، “ارتباكًا” وذلك “نتيجة توقف نموها المعرفي، وضيق رؤيتها السياسية”.

فعلى سبيل المثال، وصف خالد السليمان، موقف المصريين الرافضين لاتفاق الجزيرتَيْن، بأنه “انتهازية حزبية”، وقال في “عكاظ” يوم 12 أبريل(13):

“على كل حال كفى العديد من الخبراء والمختصين والأكاديميين المصريين الحاجة لتوضيح الحقيقة والتذكير بالتاريخ الذي أراد البعض أن يطويه بغبار الجهل أو فجور الخصومة، أما الانتهازية السياسية التي اتسم بها موقف البعض فلا تفاجئ أحدا، فهذه الانتهازية جزء من عقيدة حزبية عرتها المصالح السياسية!”.

ويرى كُتَّاب رأي إن التيار الذي اعتبر “إعادة” الجزيرتَيْن للمملكة “نتيجةً طبيعيةً ومتوقعة، استنادًا إلى أدلة ومعطيات تاريخية وقانونية”؛ يمثل الغالبية بعدد كبير من السياسيين الحاليين والسابقين، والأكاديميين وخبراء القانون.

أما التيار الآخر الذي لم يرَ في النتيجة التي انتهى إليها ترسيم الحدود إلا تنازلاً مجانيًّا من السيسي فـ”لا مبرر له (..) وأكثر ما يلفت الانتباه في موقف المعترضين أنه تطغى عليه سمة الشحن العاطفي بسذاجة لافتة”، بحسب خالد الدخيل في “الحياة” اللندنية(14).

ومن خلال قراءة عامة فيما تناوله الإعلام السعودي في هذا الصدد؛ يمكن تلخيص الأسباب التي دفعت شريحة من المصريين من النخبة والمواطنين إلى الاحتجاج على الاعتراف الرسمي المصري بسعودية الجزيرتَيْن، في النقاط التالية:

– صدمة الاتفاق بسبب الخلفية التاريخية من خلال الإعلام ومناهج التعليم، التي كانت كل مفرداتها تؤكد على مصرية الجزيرتَيْن.

– التيار المحتج على السياسات الراهنة للسيسي وحكومته، ووصفه الإعلام السعودي بأنه تيار مدني يشمل بعض حلفاء السيسي بعد 30 يونيو 2013م، ووجدوا في موضوع الجزيرتَيْن فرصة للتعبير عن تذمرهم من سياسات السيسي. ومن بين هؤلاء ممن كان لهم مكان خاص في تناول الإعلام السعودي لمواقفهم، حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، الذي خسر الانتخابات الرئاسية أمام السيسي، والتيار الذي يمثله. وأشار “تركي الدخيل” إلى أن صباحي وجد في الاتفاق “فرصة لإعادة تسويق اسمه في الساحة السياسية”.

كما حمَّل بعض كُتَّاب الرأي السعوديين، الحكومة المصرية مسؤولية اللغط الذي وقع في أوساط الرأي العام المصري، باعتبار أنها لم تقم بتهيئة المصريين للاتفاق الذي بموجبه تخلت مصر عن الجزيرتَيْن. ولكنهم أشاروا كذلك إلى ما قاله السيسي خلال لقائه مع ممثلي فئات المجتمع من أن الحكومة المصرية لم ترغب في ذلك خلال المفاوضات مع السعوديين، لأن ذلك في حينه كان أيضًا سوف يقود إلى ذات الحالة الاحتجاجية، ولكنه كان سوف يربك المفاوضين السعوديين.

البعض أشار إلى أن الخلاف الحالي في مصر، إنما هو شأن مصري خالص، ولا علاقة للمملكة به، وقالوا إن صعود أزمة الجزيرتَيْن إلى واجهة الحدث في مصر “جزء من تصفية حسابات خصومة سياسية مصرية خالصة”.

اللافت أنه في مقابل الضجة التي ثارت في مصر؛ لم يكن هناك اهتمام بالأمر من جانب أوساط الرأي العام الشعبي السعودي، وهو كذلك ما كان محط انتقاد بعض الأوساط الإعلامية والأكاديمية السعودية. وأرجع مثقفون وإعلاميون سعوديون ما وصفوه بـ”هذا الجهل بتاريخ وجغرافية المملكة”، وما قالوا إنه “محدودية معلومات البعض عن جزيرتَيْ صنافير وتيران”، إلى غيابهما عن مناهج التعليم العام والعالي، وعدم الحديث عنهما في ظل حساسية الموضوع سياسيًّا. وطالبوا بالمزيد من التطوير في مجال التعليم، وخصوصًا التعليم الجامعي باعتبار أن التعليم هو المسؤول عن تأسيس المعارف الأولية المطلوبة عن المملكة في عقول ووجدان النشء الجديد.

المحور الرابع: تأثير الأزمة على الإخوان المسلمين وصورتهم العامة في المملكة:

كان للبيانات التي صدرت عن اللجنة العليا المُشكَّلة لإدارة جماعة الإخوان المسلمين، وتصريحات محمد منتصر، الذي لا تزال بعض دوائر الجماعة تعتبره المتحدث الرسمي باسم الإخوان المسلمين، بشأن زيارة الملك سلمان إلى مصر، والاتفاق الخاص بتيران وصنافير، صدىً في الإعلام السعودي، فاقم من الحملة التي كانت قد عادت إلى الصحف والمصادر السعودية، حول الإخوان المسلمين، عدا المصادر الصحوية بطبيعة الحال.

ولم يميز الكُتَّاب السعوديين بين موقف اللجنة العليا لإدارة الجماعة، وبين موقف الجناح المحسوب على الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين الذي لم يصدر مباشرة أي تعليق على الاتفاق أو زيارة الملك سلمان بشكل عام، إلا من خلال بيان ذكر موقع “الإسلام اليوم” أنه صدر عن تحالف دعم الشرعية، رحب بزيارة الملك سلمان، ولكنه دعا إلى رحيل السيسي(15).

خالد الدخيل وصف في مقاله السابق، موقف جماعة الإخوان المسلمين من الاتفاق، ودعوتها للتظاهر بأنه كان “فرصة للانقضاض على السيسي والانتقام منه”، ولكنه قال إن هذه رؤية “تفتقر إلى الحصافة والذكاء السياسي، لأنها استثمار في الفرقة وإثارة النعرات بين شعبين عربيين، وسيكون “الإخوان” أول من يدفع ثمنها. كأنهم لم يتعلموا من افتقارهم إلى الذكاء السياسي عندما وصلوا إلى الحكم”.

الهجوم على الإخوان كذلك وصل إلى مستوى مساواة بعض المصادر السعودية بين موقفهم وموقف إسرائيل من الاتفاق. وقالت صحيفة “عكاظ” في تقرير لها، حول ذلك(16):

“لم يكن مستغربًا أن يكون هناك موقف واحد بين إسرائيل والإخوان المسلمين، فإسرائيل التي عارضت إقامة جسر الملك سلمان، واعتبرته بمثابة إعلان حرب، هي نفسها إسرائيل التي احتلت الجزيرتَيْن صنافير وتيران عام 67 ظلمًا وعدوانًا، من مصر (..) أما «الإخوان المسلمين» الخائنون لمصر والعروبة، فجاء صوتها خائبا ، عندما أطلقوا مزاعهم حول الجزيرتين تيران وصنافير والمرقف المصري المشرف والمسؤول حول ملكيتهما للجانب السعودي”.

الحملة الأكبر على الإخوان المسلمين، كانت من جانب الدكتور “فهد العرابي الحارثي”، رئيس مركز “أسبار” للدراسات والبحوث والإعلام السعودي؛ حيث غرَّد أكثر من تغريده صفحته على موقع “تويتر”، ومن بينها(17):

“بهذا الهجوم الرقيع على السعودية يكون الإخوان المسلمون قد قضوا (لدى بعض السعوديين) على إمكانية أي تعاطف محتمل مع مرسي أو مع مشكلهم الراهن”.

“هل كان ينتظر خصوم السيسي والإخوان المسلمون أن يطلب الملك سلمان من مؤسسة الحكم أن تترجل عن الحكم؟ وهل هذا من مسؤوليته؟ أشياء غير معقولة”.

ومن بين تغريداته كذلك في هذا الصدد:

“الإخوان المسلمون وخصوم السيسي يقولون إن اقتصاد مصر منهار فلماذا جاءت السعودية لتنقذه؟ ولو صح ما قالوا فهل هذه مثلبة تُؤنَّب عليها السعودية؟”.

وعن الحملة الراهنة من جانب الإخوان المسلمين بشان الجزيرتَيْن، غرَّد العرابي قائلاً:

“الهدف لم يكن الجزيرتين بل تخوين السيسي وإظهار السعودية مغتصِبة لحق مصر والمتضرر الأكبر في هذه الحفلة هم الخصوم ومن بينهم الإخوان المسلمون”.

كما نشرت صحيفتا “الجزيرة” و”الرياض”، أكثر من مقال حفل بهجوم حاد على الإخوان المسلمين، بسبب رفضهم لاتفاق الجزر، وفي الغالب كانت لكُتَّاب محسوبين على التيار الليبرالي المعارض للإسلام السياسي في المملكة، مثل محمد آل الشيخ، وجاسر عبد العزيز الجاسر. آل الشيخ قال عن بيان اللجنة العليا بشأن الجزيرتَيْن، والذي أصر على أنها أراضٍ مصرية، وأن عودتها للسيادة السعودية، هو “تفريط بأراض الوطن المصري”، إن ذلك(18):

“يتناقض تناقضا واضحا مع شعاراتهم التي يروجون لها، فمفهوم الوطن عند الجماعة، حسب- «سيد قطب»- هو مجرد (حفنة من تراب نجس)؛ فهل يعني هذا البيان، أن الجماعة تخلت عن فكرة (دولة الخلافة) التي يدعون لإقامتها في أدبياتها ويجندون الأعضاء من غير المصريين لإقامتها، وأصبحت دعوتها دعوة (وطنية مصرية)، لا شأن لغير المصريين بها؟”.

ويقول كذلك:

“ثم أليست الجماعة ذاتها كانت عازمة على التنازل عن شمال سيناء لحركة (حماس) الإخوانية، لتحقيق فكرة (غزة الكبرى)، وتوطين جزء من فلسطينيي الشتات فيها، كما وعدوا الأمريكيين حسب ما تسرب من وثائق مؤكدة تثبت ذلك، بحجة أن ليس هناك فرق بين (ولاية غزة) و(ولاية سيناء)، فهذه وتلك إقليمان من أقاليم جغرافيا (دولة الخلافة) الموحدة؛ فهاهم ينقلبون على أعقابهم، ويعودون فجأة (وطنيين) أقحاح؟”

أما الجاسر؛ فقال(19):

ولأن أيتام العشيرة الأخوان المسلمين وجدوا فيما وقعّه الملك سلمان والرئيس السيسي إضافات ستنقل الشعب المصري إلى آفاق رحبة وجيدة تعالج الكثير من الإخفاقات أثاروا زوبعة صنافير وتيران رغم أن كل المتخصصين من مؤرّخين ورجال بحرية وقانون يعلمون ملكية السعودية لها، ومثلما وجد ورثة النكسة الفرصة لتسلّق موجة المزايدات السياسية كعهدهم دائماً الذين يمتهنوا الثرثرة دون العمل ركب ورثة العشيرة.. عشيرة إخوان المسلمين الموجة ليتحالف القوميون وتجار الإسلام السياسي.

الكاتبة حسناء عبد العزيز القنيعير، نشرت مقالاً مطولاً في “الرياض”، تناولت فيه فكرة “الوطن” في كتابات الشهيد سيد قطب، وخصوصًا في كتابيه “معالم في الطريق”، و”في ظلال القرآن”، في محاولة منها “للتأكيد” على أن موقف الإخوان المسلمين من صفقة الجزيرتَيْن، إنما هو مُسيَّس، ولا ينطلق من قيم وطنية أصيلة، واستغلت الفرصة للتذكرة بمواقف المرشد العام السابق للجماعة، الأستاذ محمد مهدي عاكف، حول مصر وقضية حكمها بواسطة غير المصريين(20).

والجدول والشكل التاليان يوضحان توزيع مختلف هذه المحاور بصورة نسبية، من خلال عينة من 150 مادة تم اختيارها للتحليل والتقييم، لرصد دلالات اتفاق الترسيم والجزيرتَيْن بشأن هذه القضايا، على النحو الذي ورد في الإعلام السعودي:

الجدول رقم (1)

الشكل رقم (1)

وفي إطار هذه المحاور، يمكن الوقوف على عدد من الاستنتاجات الأساسية:

1- مثَّلت الاتفاقية وما نتج عنها من دعم لا محدود من جانب الرياض للنظام المصري، إسنادًا مهمًّا في أكثر من جانب، كان الاقتصادي أهمها، ولكنه لم يكن الجانب الوحيد؛ حيث إنه، ومن خلال ما تقدم في المجال الموضوعي الأول لتناول الإعلام السعودي لملف الجزيرتَيْن؛ فإن الموقف الراهن أطَّر لاستعادة خريطة التحالفات القديمة التي كانت سائدة قبل الربيع العربي، وصار النظام المصري الحالي جزءًا مهمًّا منها.

2- قادت التطورات الإقليمية والدولية، وموضوع اتفاق الجزيرتَيْن جزء منها، إلى وضع الرياض كقائد لتحالف واسع يضم مصر والأردن والكويت والإمارات، وتسعى الرياض إلى توسيعه، وكان من المفترض أن يكون الإخوان المسلمون، جزءًا منه، ولكن الموقف الأخير للهيئة العليا في صدد رفض فكرة التخلي عن تبعية الجزيرتَيْن لمصر؛ قادت لإخراج الإخوان من هذه المعادلة، كما ادعت ذلك وسائل الاعلام السعودية.

3- لا يمكن فصل الاتفاق المصري السعودي الأخير بشأن صنافير وتيران، عن مُجمل التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، في مرحلة ما بعد الربيع العربي؛ حيث يتسع امتداد الاتفاق لكي يشمل في تأثيراته، اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، والعلاقات السعودية الأمريكية، وكذلك المصرية الأمريكية.

ثانياً: تطورات السياسة الداخلية:

1- نقلت صحيفة “عكاظ” السعودية عن مصادر في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، أن اللجنة المختصة بمراجعة الموقع الإلكتروني، أزالت مواد علمية عن بعض الطوائف والمذاهب بعد تلقي ملاحظات حولها وتم الأخذ بهاـ وأن الوزارة شكلت فريقًا يُعنى بتطوير ومراجعة الجانب العلمي والتقني لموقعها على شبكة الإنترنت.

2- قرار مجلس الوزراء السعودي بإلغاء صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في ملاحقة مشتبه بهم أو تنفيذ اعتقالات، أو طلب الاطلاع على هوياتهم أو سؤالهم، بحسب ما نشرته وكالة “واس” السعودية الرسمية للأنباء. يأتي هذا بعد نشر مقطع مصوَّر يظهر اعتداء بعض منسوبي الهيئة، العاملين في الشارع، على فتاة في أحد المراكز التجارية في العاصمة السعودية الرياض.

3- ملف حقوق الإنسان كان حاضرًا هذا الأسبوع، من خلا الحديث عن تدشين وزارة الداخلية السعودية لسياسة جديدة في السجون، تعتمد على إشراف عسكريات وعاملات سعوديات على إدارة البيوت العائلية في سجون المملكة التي دشنت لتحقق للنزلاء لقاء عائليًّا بالزوجة والأطفال بعيدًا عن أي حرج ينجم عن وجود الرجال(21).

4- الهجوم على تيارات الإسلام السياسي، وكذلك السلفية الجهادية، بات ضمن الموضوعات الرئيسية للصحف السعودية، وهناك، وخصوصًا في صحيفة “عكاظ”، أقلام باتت تضع اتهام الإخوان المسلمين، أو التيار الصحوي، في سهام استهدافها، في موضوع الإرهاب والفكر المتطرف.

5- استمر الاهتمام بالخطة التي طرحها ولي ولي العهد، ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، والتي عرفت باسم “الخطة الوطنية الجديدة”، لتقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط كمصدر دخل خلال العشرين عامًا المقبلة، وذلك خلال مقابلة أجرتها معه وكالة “بلومبيرج”، في مكتبه بالديوان الملكي يوم 31 مارس 2016. اللافت في هذا الاهتمام، أمران جعلا الحدث سياسيًّا، الأول: مصطلح “خطته الوطنية الجديدة”، والذي كان أول من استعملته، صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية(22)، والثاني، أن هذا الأمر لم يكن على نفس الدرجة من الاهتمام في كل الصحف السعودية بالمقياس الإحصائي، وهو ما يرتبط بقضية “التنافس” القائم بين محمد بن سلمان، وبين الأمير محمد بن نايف، ولي العهد، ووزير الداخلية، والذي يحظى باهتمام أكبر في الصحف الورقية التي تصدر داخل المملكة [التقييم وفق المقياس الإحصائي]

تشمل الخطة التي طرحها ابن سلمان، تحويل “صندوق الاستثمارات العامة” إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، وتحويل “أرامكو السعودية” إلى شركة مساهمة من خلال طرح حصة (أقل من 5 في المائة) من الشركة الأم للاكتتاب العام خلال العامَيْن المقبلَيْن، وتحويل ملكية أسهم الشركة إلى صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما سيضخم أصول الصندوق ليدير ثروات تتجاوز قيمتها تريليونَيْ دولار ليكون بذلك أكبر من صندوق النرويج السيادي، وصندوق أبوظبي للاستثمار.

حديث محمد بن سلمان كذلك، تضمن إشارات حول مسألة حقوق الإنسان المشار إليها، فتحدث عن حقوق المرأة في السعودية، و”مكتسباتها”، وأن المملكة بصدد إعداد نظام جديد للمقيمين، شبه بنظام الـ”جرين كارد” الأمريكي، يعالج الكثير من المشكلات القائمة في الوقت الراهن.

6- ملف المبتعثين: وهو ملف سياسي بالأساس، لأنه يخص صورة المملكة في الخارج، وعلاقاتها مع الدول التي يوجد فيها مبتعثون، ومن بين الأخبار الواردة في هذا الصدد، خبر نشرته صحيفة “الوطن”، يوم 13 أبريل، بعنوان: “قس أميركي حرض سكان بوكاتيلو ضد المبتعثين”(23)، حول لقاء عقده مشرف الأندية الطلابية بالملحقية السعودية في واشنطن مساء 12 أبريل، مع طلاب وطالبات جامعة إيداهو في مقر النادي السعودي بالجامعة، بشان المواقف العنصرية التي يتعرضون لها من سكان مدينة “بوكاتيلو”، التي أدت إلى إيقاف الملحقية السعودية الابتعاث إلى الجامعة بشكل مؤقت.

7- تحويل قناة “الإخبارية” الرسمية، إلى شركة مساهمة، تشارك فيها وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس).

ثالثاً: تطورات السياسة الخارجية:

كان أهم هذه التطورات في إطار التغطية الاعلامية السعودية، زيارات الملك سلمان الخارجية؛ حيث شمل الأسبوع الذي يغطيه عذا العدد، قسمًا من زيارته إلى مصر، وزيارته بالكامل إلى تركيا، التي وصلها الإثنين 11 أبريل 2016، قبل بدء القمة الإسلامية بثلاثة أيام كاملة.

ويمكن القول جزئيًّا، إن القمة الإسلامية تُعتبر بدورها ضمن حدث الأسبوع، لاعتبار وجود الملك سلمان فيها، ولاعتبار الحدث ذاته؛ حيث ارتبطت في الإعلام السعودي بملف أساسي فيه منذ أشهر عدة، وهو الحملة السعودية، الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، من أجل محاصرة إيران في الإقليم، وتكوين جبهة سُنِّية قوية، من أنظمة وجماعات – الإخوان المسلمين بالتحديد – في مواجهة المشروع الإقليمي الإيراني.

مصادر سعودية ذكرت أن الملك سلمان قطع زيارته إلى تركيا “فجأة”، مساء الخميس، 14 أبريل 2016، بسبب كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تكلم فيها عن “دور قوى إقليمية في جلب القوات الأجنبية إلى المنطقة، وأن هذه القوات “لم تأتِ لحمايتكم، وإنما “طمعًا في نفطكم”.

وبقطع النظر عن مسألة حقيقة هذا الموقف بدقة؛ فإن الملك سلمان، وأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، غادرا أنقرة في وقت مبكر من مساء الخميس، بعد إلقاء كلٍّ منهم لكلمته خلال القمة.

سعيد السريحي عبر في “عكاظ” السعودية، عن هذه الرابطة العضوية بين الزيارتَيْن، عندما قال: “ينبغي وضع رحلتي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى كل من مصر وتركيا في سياق واحد بحيث لا تصبحان رحلتين متتابعتين فحسب، وإنما هما رحلتان متكاملتان تكاملا عضويا ترتبطان بالإطار العام للسياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة من ناحية، كما ترتبطان بالتحديات التي تواجهها الدول الثلاث من ناحية أخرى”(24).

السريحي وأقلام سعودية أخرى أكدت على أن موضوع المصالحة المصرية التركية هو الباعث الرئيسي لمشاركة الملك سلمان في زيارتَيْه للقاهرة وأنقرة، ومشاركته في القمة الإسلامية؛ لأن الملك سلمان لم يكن ليشارك في القمة بسبب وجود الرئيس الإيراني، حسن روحاني، فيها.

وذكرت المصادر السعودية صراحة، أن محورية مصر في الإطار العربي، وتركيا في الإطار الإسلامي، أمرٌ شديد الأهمية في استراتيجية المملكة الرامية إلى التصدي للمشروع الإيراني ولما وصفه كتاب رأي سعوديين بأنه “الجماعات الإرهابية التي تتذرع بالانتماء إلى الإسلام لتنفيذ مخططاتها الإجرامية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة مكملة بذلك الدور الإيراني”.

وفي الإطار العام، اهتمت المصادر السعودية بتناول محاولات الرياض لتصويب العلاقات بين مصر وتركيا، ولكن ذلك لم يكن ممكنا كما يبدو خلال أيام القمة، أو ما قبلها؛ حيث نقلت وسائل الإعلام السعودية تصريح للأمين العام لمنظمة “المؤتمر الإسلامي”، إياد بن أمين مدني، حول العلاقات المصرية – التركية؛ حيث أكد أولاً على وجود “أزمات قائمة بين الدول الأعضاء”، وأن هناك محاولات لحلها، وأن المنظمة تنظر إلى العلاقات المصرية التركية من هذا المنظور. ثم أضاف أنه يأمل في فتح صفحة جديدة بين الدولتين “عقب انتهاء فعاليات القمة”.

ويظهر من تغطيات الإعلام السعودي أن هناك حالة من عدم الرضا من جانب الرياض على الردود التي تلقتها من أنقرة في صدد موضوع المصالحة مع مصر؛ وظهرت بعض الاختلافات في تغطيات حدث زيارة الملك سلمان إلى تركيا، عن ذلك الذي تم مع زيارته مصر، مع تزامن الحدثَيْن؛ حيث كان الاحتفاء بزيارة سلمان إلى مصر، مستمرًّا، حتى بعد انتهاء الزيارة، بينما استمر التناول السلبي النسبي للسياسات والمواقف التركية في الإقليم.

كذلك استمرت الصحف والمصادر الإعلامية السعودية المختلفة، باستثناء المصادر الصحوية، في تناول قضايا حقوق الإنسان والشان السياسي التركي والملف الكردي، بشكل سلبي. وحتى فيما يتعلق بتوقيع السعودية وتركيا على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي؛ لم يكن هناك اهتمام به في الصحف السعودية كما كان منتظرًا؛ حيث لم يتم تعميمه على المصادر الورقية التي لها مواقع إلكترونية.

أما المصادر الصحوية؛ فقد كانت القمة الإسلامية، بمثابة مجال مهم للحديث بشكل إيجابي عن تركيا والرئيس أردوغان، ودوره في المجال الإسلامي، مع رصد مجموعة من القرارات والمواقف الأخيرة لتركيا في هذا الإطار، مثل دعم الأقليات الإسلامية في أفريقيا ومناطق أخرى من العالم.

رابعاً: القضايا المصرية في الاعلام السعودي:

1- قضية الجزر:

تناولت كثير من المقالات قضية اتفاق ترسيم الحدود المصرية – السعودية الأخير، ونقل ملكية تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وركزت على النقاط التالية:

. “الأدلة” التاريخية والقانونية على ملكية السعودية للجزيرتَيْن، والقول بأن مصر لم تكن تحتل الجزيرتَيْن.

. الأزمة الراهنة في مصر، أمر يخص الحكومة المصرية مع شعبها، وليس للسعودية أي دور فيها.

. أن موقف مصر والرياض من الجزيرتَيْن، إنما يعبر عن حالة من التضامن العربي “غير المسبوق” بحسب وصف الإعلام السعودي، وأن هناك مرحلة جديدة تُولد في العمل العربي المشترك، من خلال التنسيق المصري السعودي.

. تغطيات الإعلام المصري للحدث، كان محل تناول من جانب الإعلام السعودي، فكان هناك اهتمام بالمعارضة الجماهيرية للاتفاق، وخطاب عبد الفتاح السيسي أمام ممثلين عن فئات المجتمع، الأربعاء 13 أبريل، للرد على الاتهامات الموجهة للنظام بالتفريط في التراب الوطني، والذي أكد فيه السيسي على أن الاتفاق لن يصبح ساريًا قبل عرضه على مجلس النواب المصري.

وتناولت بعض التقارير ردود فعل الخارجية السعودية، والسفير السعودي في مصر، أحمد القطَّان، الغاضبة إزاء الوثائق التي تناولت هدايا قدمتها المملكة للسيسي ونواب البرلمان وكبار المسؤولين المصريين، خلال زيارة الملك سلمان إلى مصر.

وتوضح الجداول والأشكال التالية الأوزان النسبية لهذه القضايا:

الجدول رقم (1) القضايا الخارجية في الإعلام السعودي

الشكل رقم (1) القضايا الخارجية في الإعلام السعودي

الجدول رقم (2) القضايا الداخلية في الإعلام السعودي

الشكل رقم (2) القضايا الداخلية في الإعلام السعودي

الجدول رقم (3) القضايا المصرية في الإعلام السعودي

الشكل رقم (3) القضايا المصرية في الإعلام السعودي

رابعاً: اتجاهات المواقف تجاه القضايا الأساسية:

1. تركيا: خطاب إيجابي على المستوى الإخباري، سلبيّ في المجال التحليلي والمقالي، باستثناء المواقع الصحوية.

2. إيران وحلفاؤها في المنطقة: استمرار في تصعيد الخطاب السلبي.

3. الولايات المتحدة: استمرار في تصعيد الخطاب السلبي.

4. روسيا والدور في سوريا والشرق الأوسط: استمرار في التصعيد السلبي.

5. الإخوان المسلمون والإسلام السياسي والربيع العربي: تصعيد في المواقف السلبية، باستثناء المواقع الصحوية.

6. مصر: إيجابي، باستثناء المواقع الصحوية.

خامساً: الاستنتاجات:

1. دخول السعودية على خط العلاقات المصرية – الإسرائيلية يمكن أن يقوي من موقف النظام ولا يضعفه، وهناك تقارير عدة تشير إلى أن الخطوة الأخيرة بين مصر والسعودية في تيران وصنافير، ودعم شيوخ القبائل في شمال سيناء، جاء للضغط على الولايات المتحدة من أجل عدم تدويل ملف الأزمة في شمال شبه جزيرة سيناء.

2. بسبب ما تم في القمة الإسلامية، ومواقف الرئيس التركي؛ فإن المرحلة القادمة يمكن أن تبقي العلاقات السعودية التركية في مستوياتها، في مقابل عزلة تركية متزايدة، مع تزايد انتقادات البرلمان الأوروبي لأوضاع حقوق الإنسان في تركيا، وإلغاء المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زيارة كانت مقررة لها إلى جنوب تركيا من أجل الاطلاع على أوضاع اللاجئين، بسبب ضغوط تركية على ألمانيا لمحاكمة مخرج الفيلم الألماني الذي أساء إلى أردوغان، فيما تستمر روسيا في اتهام تركيا بدعم “داعش”

————————————-

الهامش

(1) عبد المحسن هلال: هوامش على دفتر الزيارة، “عكاظ”، 11 أبريل 2016م، الرابط

(2) 4 سنوات لإنجاز جسر الملك سلمان.. الشعب المصري.. الحلم أصبح حقيقة، “عكاظ”، 10 أبريل 2016م، الرابط

(3) أحمد السيد عطيف: سلمان ومصر، “الوطن” السعودية”، 15 أبريل 2016م، الرابط

(4) جمال خاشقجي: باب ما جاء في حسن الجيرة، “الحياة” اللندنية، 16 أبريل 2016م، الرابط

(5) تركي الدخيل: التأطير في سعودية جزيرتي تيران وصنافير!، “عكاظ”، 14 أبريل 2016م، الرابط

(6) الجبير: لا علاقة مع إسرائيل بسبب “تيران” و”صنافير”، العربية.نت، 11 أبريل 2016م، الرابط

(7) السيسي: أعدنا إلى المملكة حقها، “الوطن” السعودية، 14 أبريل 2016م، الرابط

(8) «تيران وصنافير» والجسر.. كذب إخواني..وحقد إسرائيلي.. القوة السعودية ـ المصرية.. قادمة، “عكاظ”، 11 أبريل 2016م، الرابط

(9) هلال: هوامش على دفتر الزيارة، مصدر سابق.

(10) الرابط.

(11) تيران وصنافير على ساحل تهامة الحجاز، “الوطن” السعودية، 14 أبريل 2016م، الرابط

(12) وثائق تيران وصنافير تلجم المتربصين، “الوطن” السعودية، 13 أبريل 2016م، الرابط

(13) خالد السليمان: «تيران» وانتهازية «الشيوخ»!، “عكاظ”، 12 أبريل 2016م، الرابط

(14) خالد الدخيل: تيران وصنافير: دلالات الجدل المصري، “الحياة” اللندنية، 17 أبريل 2016م، الرابط

(15) تحالف دعم “مرسي” يرحب بزيارة العاهل السعودي لمصر، “الإسلام اليوم”، 7 أبريل 2016م، الرابط

(16) «تيران وصنافير» والجسر.. كذب إخواني..وحقد إسرائيلي.. القوة السعودية ـ المصرية.. قادمة، مصدر سابق.

(17) رئيس مركز بحوث بالمملكة: الإخوان قضوا على آخر تعاطف سعودي معهم، “المصريون”، 16 أبريل 2016م، الرابط

(18) محمد آل الشيخ: تيران وصنافير وجماعة الإخوان، “الجزيرة”، 15 أبريل 2016م، الرابط

(19) جاسر عبد العزيز الجاسر: حصاد زيارة الخير لمصر بسقوط فلول النكسة وأيتام العشيرة، “الجزيرة”، 13 أبريل 2016م، الرابط

(20) حسناء عبد العزيز القنيعير: الإخوان والوطنية الزائفة، “الرياض”، 17 أبريل 2016م، الرابط

(21) إدارة نسائية سعودية لـ«بيت العائلة» في السجون، “عكاظ”، 14 أبريل 2016م، الرابط

(22) الشرق الأوسط، الرابط

(23) صحيفة “الوطن”، “قس أميركي حرض سكان بوكاتيلو ضد المبتعثين، 13/4/2016 الرابط

(24) مصر وتركيا.. لماذا؟، “عكاظ”، 14 أبريل 2016م، الرابط

 

أحمد التَّلاوي

باحث سياسي ومحرر إعلامي، بكالوريوس العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1996، من مؤلفاته: إيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط، دولة على المنحدر، أمتنا بين مرحلتين، الدولة والعمران في الإسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى