
تطورات المشهد السوري في ضوء القرار 2254
تمهيد:
مرت الثورة السورية بالعديد من التطورات منذ نشأتها والتي اتسمت على الصعيد العسكري بالتطور السريع ولكن على الصعيد السياسي والتفاوضي فطالما تميزت بالبطء الشديد وكانت أغلبية القرارات أو في مجملها لا تأتي بما هو جديد عن سابقيها إلا قليلاً بين الفينة والأخرى. والفترة الأخيرة شهدت مجموعة من التطورات على الصعيد السوري فيما يتعلق بعملية التهدئة والتحول للتفاوض بين النظام السوري وفصائل الثورة السورية. كان آخرها اتفاق فيينا(1) في أكتوبر 2015 ثم تبعه اجتماع الفصائل السورية المعارضة في الرياض وإصدارها بيانًا (2) فيما يتعلق بعملية التفاوض في 9 ديسمبر 2015 وبعده بأيام صدر قرار مجلس الأمن بشأن سوريا (رقم 2254)(3) في 18 ديسمبر 2015 ثم إعلان نظام الأسد عن استعداده للدخول في الحوار السوري السوري على لسان وزير خارجيته في 24 ديسمبر 2015. وفي هذه الورقة نتناول تطورات الملف السوري للإجابة عن سؤال “ما أثر قرار مجلس الأمن الأخير على الشأن السوري ومسار عملية التسوية والمفاوضات بين الأطراف المتنازعة؟”.
أولاً: مضمون وسياق قرار مجلس الأمن:
جاء مضمون قرار مجلس الأمن الذي صدر في 18 ديسمبر 2015 وتمت الموافقة عليه بالإجماع من جميع الأعضاء المشاركين في الجلسة توافقيا ولم يتناول الإشكاليات المتنازع عليها في الملف السوري. واتسق مضمون القرار بشكل كبير مع اتفاق فيينا ومن قبله بيان جنيف ونص على ذلك في الكثير من مواده. كانت المواد التي سبق تناولها فيما يتعلق بعملية التهدئة ووقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة كانت مخرجات سابقة لاتفاق فينيا وبيان جنيف والذي تم التأكيد عليه نصا في ديباجة القرار وفي بعض مواده.
وعلى أساس هذا الاتفاق تم السعي وراء إيجاد ممثل للمعارضة السورية والاتفاق على هيئة تفاوضية في المفاوضات المزمع عقدها مع النظام السوري. ولكن مما تم الاتفاق عليه في بيان المعارضة السعودية الصادر عن الرياض أنه لا مكان للأسد ورموز نظامه في أية ترتيبات قادمة ولكن أعلنوا استعدادهم للدخول في عملية تفاوضية مع ممثلي النظام السوري ولكن مع وجود ضمانات دولية بجانب مجموعة من الإجراءات لإبداء حسن النية من قبل النظام السوري كايقاف قرارات الإعدام المستمرة والإفراج عن المعتقلين. ورحبت فصائل المعارضة السورية في بيانها بسعى الأمم المتحدة لحل الأزمة وأكدت على التعاون معها وقبولها بوقف إطلاق النار والتهدئة.
ثانياً: النقاط الجديدة في نص قرار مجلس الأمن:
لم تخرج مواد قرار مجلس الأمن عن السياق والحدود التي تم وضعها إلا في نقاط بسيطة يمكن الإشارة إليها فيما يلي:
في المادة رقم (2) من القرار تمت الإشارة إلى تحديد موعد للبدء في مفاوضات رسمية بين الحكومة والمعارضة السورية بشأن عملية انتقال سياسي مستهدفاً أول يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات. في إشارة لأول تحديد زماني لعملية تفاوضية بين الطرفين.
في المادة رقم (4) تم وضع إطار زمني لعملية سياسية في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد والاعداد لانتخابات حرة نزيهة وفقا للدستور في خلال 18 شهر تحت إشراف الأمم المتحدة.
في المادة رقم (7) كان هناك إشارة إلى أهمية وجود آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه ووكلت الأمين العام أن يقدم تقريرا بالخيارات المتاحة في هذا الصدد في موعد أقصاه شهرا من صدور القرار.
في المادة رقم (8) والتي أشارت إلى منع وقمع كل الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيم داعش وجبهة النصرة والكيانات المتصلة بتنظيم الدولة أو القاعدة بما يتخذه مجلس الأمن. مع الوضع في الاعتبار أن عملية وقف إطلاق النار المنصوص عليها لا تشمل الأعمال الهجومية والدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الجماعات التي يتم التعامل معها على كونها جماعات إرهابية.
المادة رقم (13) المطالبة بايقاف “الهجمات الموجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية ……… وأي استخدام عشوائي للأسلحة بما في ذلك القصف المدفعي والقصف الجوي والضغط على الأطراف في هذا الصدد” في إشارة ذات ألفاظ واضحة ومحددة.
المادة رقم (14) الإشارة لملف اللاجئين والنازحين داخليا وتهيئة السبل اللازمة للتعامل مع الأزمة الراهنة وأخذ مصالح البلدان التي تستضيف اللاجئين بالحسبان وحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الشأن.
ثالثاً: قرار مجلس الأمن “ما ذُكر وما لم يُذكر”:
اتسم القرار بقدر من التحديد حيث وضع خطة زمنية لبدء المفاوضات ثم لعملية سياسية بما فيها الدستور والانتخابات التي تتبعها. هذا إلى جانب استهداف آلية جديدة لرصد عملية وقف إطلاق النار وتقييمها. ولعل هذه السمة هي الشيء الجديد في قرار مجلس الأمن التي تمضي بخطوات للأمام في القضية السورية.
بالنسبة للمادة (8) التي أشارت إلى التصدي للعمليات الإرهابية في سوريا ومنعها بما فيها جبهة النصرة وداعش، ولكن الخطير هنا أنه فتح الباب أمام تعيين المزيد من الجماعات والفصائل الإرهابية وفقا لما يحدده مجلس الأمن وبهذا قد يتم استهداف فصائل المعارضة وفقا لهوى القوي الكبري المؤثرة على الساحة ـ وبالمناسبة هي أصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن ـ إذا اتفقت على ذلك أو تم تبادل مصالح بين الأطراف.
أما فيما يتعلق بالمادة (13) والمادة (14) فلعل كلاهما جاء في صيغة عامة للإشارة لأطراف بعينها. فالمادة (13) التي حذرت من استهداف المدنيين والاستخدام العشوائي للأسلحة. جاءت الإشارة إلى روسيا التي ينطبق عليها هذا القول. والمادة (14) تشير إلى أزمة اللاجئين وأخذ مصالح البلدان التي تستضيفهم في الحسبان وهم بالأساس دول الاتحاد الاوروبي المتضررة من الأزمة بجانب تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين والذين يقدر عددهم في يوليو 2015 بـ 1.8 مليون لاجئ سوري في تركيا في محاولة لامتصاص الاحتقان الأوروبي وكسب تركيا في ملف اللاجئين بتقديم الوعود بمساعدتها.(4)
أما ما غاب عن قرار مجلس الأمن هو نقطة الخلاف القائمة بين الأطراف السورية والإقليمية والدولية وهي الموقف من بشار الأسد من حيث رحيله أو مشاركته في المشهد السوري القادم أو حتى مشاركته في المفاوضات. بالإضافة إلى أن القرار تحدث عن آلية لرصد عملية وقف إطلاق النار إلا أنه تم اختيار الأمين العام لتحديد البدائل المتاحة لتنفيذها وهذا قد يثير شكوكاً حول هذه الآلية ومن سيكون المنوط بها وكيفية عملها.
خلاصة القول أن القرار لم يأت بجديد بخصوص الشأن السوري إلا في بعض التفاصيل التي تلت في أهميتها النقاط الخلافية الجوهرية والتي في المقابل غابت عن نص القرار. ليس هذا فقط بل إن هذه التفاصيل ربما تفرض إشكاليات جديدة على المشهد السوري.
رابعاً: المواقف الدولية والإقليمية من قرار مجلس الأمن:
لم تكن الموافقة بالإجماع على قرار مجلس الأمن إشارة لتوجه جديد للقوي الدولية بشأن الأزمة السورية لكن واقع الأمر أن القرار لم يأت سوى بما تم الاتفاق عليه من قبل في جنيف وفيينا أي أنه لم يكن محل خلاف بين القوى الدولية. فنصوص القرار جاءت فضفاضة وواسعة يمكن لكل طرف أن يفسرها حسب مصالحه عند التنفيذ، حتى الخطة الزمنية للعملية السياسية وضعت على مدي زمنى بعيد بحيث يمكن أن تتغير مكوناتها وفقا لتوازنات القوى حينها. لذا فلا يمكن التعامل مع موقف مجلس الأمن وكأنه هيئة مستقلة فهي لم تكن ولن تكون كذلك ما دام يحكمها توجهات أعضائها الدائمين.
1ـ موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” في تصريحاته حول القرار بأنه خطوة جيدة بالتأكيد على مضامين بعض المواد في القرار والتي تستهدف وقف إطلاق النار في سوريا ومحاولة الوصول لتهدئة بين الأطراف والفصائل والقضاء على الإرهاب في سوريا وضرورة تحقيق ذلك من خلال عملية سياسية. (5)
الموقف الروسي:
جاء على لسان وزير خارجيتها لافروف ليؤكد أن الأزمة السورية تشترط أن يشارك فيها جميع الأطراف معا. ويشير إلى أن مستقبل الأسد يحدده الشعب السوري وحده دون غيره وأن التنظيمات الإرهابية لا يمكن التمييز بينها وإنما يجب الامتثال لقرارات الأمم المتحدة. لذا يمكن القول أن الموقف الروسي كان يدعم المواد التي يراها تخدم مصالحه في سوريا.(6)
الموقف الأوروبي:
كان محكوما بأزمة اللاجئين التي تضغط بشدة على الدول الأوروبية كنتاج الأزمة السورية وطالما أكد القرار على أهمية التعامل مع أزمة اللاجئين وحماية مصالح الدول المتضررة من تدفق اللاجئين وتقديم المساعدة لها والأهم من ذلك هو العمل على حل الأزمة السورية وعودة اللاجئين مرة أخري لسوريا.
الموقف الفرنسي:
كان يطالب بايجاد ضمانات لتنحي الأسد من المشهد السوري لأسباب أخلاقية بجانب استحالة أن تحدث عملية سياسية ناجحة في سوريا في ظل وجود الأسد.(7) ولكن لعل هذا لحفظ ماء الوجه فقط فهي تحافظ على تمسكها بهذا المطلب منذ فترة طويلة ولكن التصريحات الفرنسية الأخيرة التي أشارت أنه لا يمكن التسليم بوجود شروط أبدية ومطلقة لعملية التسوية في إشارة إلى شروط المعارضة السورية، أوضحت التحول في الموقف الفرنسي ليتماشي مع مصالحها. فمصلحة الدول الأوروبية في انتهاء الأزمة السورية بأسرع ما يمكن لذا فهي ستسعى لذلك بقوة ومن الممكن أن تغير كثيرا من توجهاتها لأجل حل الأزمة والتخلص من التهديدات التي تخلقها سواء أزمة اللاجئين أو تمدد وانتشار الإرهاب من سوريا إليها.
موقف الصين:
بالرغم من كونها متأثرة بالوضع السوري وقربها من نظام الأسد ولها مصالح في المنطقة ولاسيما عند الحديث عن إمدادات النفط إلا أنها تنأى بنفسها عن الأزمة وتلعب دوراً ثانوياً وترفض التصريح بموقفها من بقاء الأسد في السلطة ولم تنضم إلى حملة محاربة داعش واكتفت بالتصريح أن كل حملات مواجهة الإرهاب يجب أن تلقي الدعم والاحترام.
المواقف الإقليمية:
القرار لم يحمل جديدًا فكانت هناك إشارة إلى توافق على نص القرار ولكنه توافق على ما هو متوافق عليه بالفعل من قبل. كما أن عدم بروز تصريحات واضحة من تلك الأطراف الإقليمية يشير إلى أن القضية السورية كانت في سياق مجلس الأمن تسوية بين القوى الكبري أو الأوقع أنها محاولة من تلك القوى للخروج من الأزمة والخروج بقرار حولها.
مواقف الأطراف السورية:
اتسم موقف أغلبية الفصائل المعارضة السورية بالاعتراض ورفض قرار مجلس الأمن أو على الأقل باعتباره لم يقدم الجديد بشأن الأزمة. فالائتلاف السوري أكد على لسان رئيسه أن قرار مجلس الأمن 2254 بمثابة تقويض لمخرجات اجتماعات قوى الثورة في الرياض وتمييع للقرارات الأممية السابقة المتعلقة بالحل السياسي في سوريا. وأكدوا على أن القرار يحمل في طياته مطبات كثيرة منها كيفية تشكيل الوفد التفاوضي وشكل هيئة الحكم الانتقالية بجانب ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الرياض من الاتفاق على رحيل الأسد وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية. (8)
ويمكن تلخيص انتقادات فصائل المعارضة السورية على القرار لمجموعة من الأسباب الأساسية:
– عدم الحديث عن مستقبل بشار الأسد والاتفاق في مؤتمر الرياض على رحيله.
– أن السعي لمحاربة الفصائل الإرهابية قد يفتح الباب أمام الحرب على فصائل المعارضة السورية.
– الملابسات التي قد تثار حول تشكيل الوفد التفاوضي ومن المسئول عن تشكيله وكيفية إدارة عملية التفاوض.
– شكل هيئة الحكم الانتقالية ومن سيكون المنوط باختيارها ومن سيختار من يمثل فصائل المعارضة فيها.
ولعل مقتل زهران علوش قائد جيش الإسلام من قبل القوات الروسية التي استهدفت لقاء لمجموعة من قادة الفصائل المسلحة قد يؤدي إلى تغير في بعض المواقف، فبالرغم من قبولها مبدأ التفاوض إلا إنها تلقت رسالة أن المسار التفاوضي لن يؤتي ثماره وأن الجانب الروسي لن يقبل خروج الأسد من الأزمة، و لن يمرر أية تسوية إلا بالأسس التي ترضى عنها روسيا، وقد يفهمها البعض أنها محاولات لاضعاف المعارضة السورية وتفتيها.
أما موقف النظام السوري وبشار الأسد فقد أعلن وزير خارجيته المعلم عن استعداد النظام للمشاركة في محادثات السلام في جنيف للتوصل إلى حكومة وحدة وطنية وذلك بعد إبلاغها بالفريق التفاوضي. وأن هذا لا يمكن أن يكون بدون وجود بشار الأسد ضمن هذه المفاوضات ولا يمكن إدماج الإرهابين (يقصد بها عددا من فصائل المعارضة).
خامساً: السيناريوهات المحتملة في الأزمة السورية:
هناك عدد من التحديات التي تواجه تحقيق التسوية السياسية بين الأطراف السورية والوصول لحل للأزمة. من أهم هذه التحديات:
– عدم الاتفاق على رحيل بشار الأسد من بقائه وغيرها من الأمور التي يطالب بها فصائل المعارضة واتفقوا عليها في مؤتمر الرياض.
– الاتفاق على الوفد الذي يمثل المعارضة فبالرغم من اتفاق الفصائل السورية في الرياض إلا أن اتفاق القوى الكبرى لم يتم الوصول إليه.
– أحد أهم هذه التحديات هو أن الوضع الميداني في سوريا لم يحسم لطرف على حساب الأخر ولم يحقق أي منهما إنجازا ميدانيا يبني عليه في مفاوضاته.
– سعي الدول الكبرى إلى حل الأزمة لأنها أصبحت تشكل ضغطا عليها، لذا فهي ستقبل بأي اتفاق للتسوية حتى وإن كانت اعترضت عليه من قبل ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي وفي المقابل ضغط الروس بالقوة العسكرية وبتواجدهم على الساحة كورقة ضغط على النظام الدولي.
ومن هذا المنطلق يمكن الإشارة إلي مجموعة من السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول: محاولة الاستنزاف من الطرفين:
في إشارة إلى محاولة التصعيد الروسي واستهدافها لقادة الفصائل السورية المقاتلة المجتمعة واغتيال زهران علوش أحد أبرز قيادات الفصائل المسلحة في سوريا واستمرار عمليات الأسد وروسيا لمحاصرة قوات المعارضة والسيطرة على نقاط جوهرية في الداخل السوري. أو افتراضية اضعاف المعارضة أمام داعش كما كان مع قائد جيش الإسلام الذي يعد من أبرز القوات التى استهدفت داعش، وفي هذه الحالة سيطرة تنظيم الدولة على مساحات أكبر والعمل تحت ذريعة انتشار الإرهاب في المفاوضات المستقبلية.
وعلى الصعيد الآخر سعي المعارضة لمحاولة التقدم على الأرض لتدعيم موقفها بالرغم من ضرورة الإشارة إلى أن موقف المعارضة وتسليحها في هذه الحالة أضعف وضربات الروس الأخيرة قد تحدث نوعا من الارتباك في صفوفها. لذا فإن أغلب الظن أن هذا السيناريو سيفضي إلى مفاوضات لصالح نظام الأسد مع بقائه في المشهد وتكون المفاوضات غير ممثلة وصورية ويتم التعامل مع باقي المعارضة التي ترفض المفاوضات على أنهم مجموعات من الإرهابين يجب القضاء عليهم.
وقد يذهب هذا السيناريو إلي عدم الدخول في مفاوضات لعدم قدرة فصائل المعارضة على التوحد وتعطيل الطرف الأخر لاجتماعهم على كلمة واحدة ولكن الافتراض الأول قد يكون أوقع في إطار سعي الدول الأوربية والقوى الدولية إلى إنهاء الصراع القائم بأي شكل و بأسرع ما يمكن.
السيناريو الثاني: بقاء الوضع على ما هو عليه:
يمكن القول أن استمرار حالة الشد والجذب من الطرفين دون حسم المعركة لأي من الطرفين أو تحقيق مكاسب لطرف على حساب الآخر ستعمل على بقاء الوضع على ما هو عليه وستظل المحافل الدولية نتائجها ليست قوية ولا ملموسة كما كان الوضع خلال الـ 5 سنوات السابقة منذ اندلاع الثورة السورية. ومن هذا المنطلق ستستمر الأمم المتحدة في بياناتها ومجلس الأمن في قراراته وكل طرف في محاولاته ولاسيما في أن ميزان القوة يتعادل كلما اختل لصالح طرف من حين لآخر.
السيناريو الثالث: نجاح المفاوضات:
بالرغم من كونه أكثر السيناريوهات تفاؤلاً إلا أن احتمال دعم حدوث اتفاق بين الطرفين وارد في حالة سعي الفصائل إلى الاتحاد والاجتماع على فريق تفاوضي يمثلهم في المفاوضات مع ضغط دولي لصالح التسوية. وقد تكون هذه المفاوضات حول: تنحي الأسد تماما أو قد تجعله جزءا في المرحلة الانتقالية أو يظل طرفا في المعادلة السياسية السورية. لكن فكرة التنحي قد لا يكون هناك مؤشرات عملية عليها أما التنحي الجزئي أي بقائه في المفاوضات الأولية فهذا يعتمد على قدرة المعارضة على تحقيق مكاسب أثناء المفاوضات وتحركها ككتلة واحدة دون تفتت في هيكلها. وتظل الأطروحة الأقوي في ظل المؤشرات الحالية هي بقاء الأسد فما مصادر القوة التي قد تنزعه عن مكانه ميدانيا بالإضافة إلى مساندته الدولية. وفي حالة تحقق هذا السيناريو يصبح الحديث عن طبيعة المفاوضات وشكلها هو محل الجدل والنتائج التي توصل إليها وهي متعددة بحاجة إلى محاولة للفهم.
ويرجح الباحث السيناريو الأول ثم الثاني وفقا لمعطيات الواقع وتأثيرها على المشهد الحالي.
توصيات تنفيذية:
من أجل تعظيم مصالح الثورة السورية يجب على فصائل المعارضة السورية أن تسعى لـ :
1- المحافظة على وحدتها واتفاقها الذي أبرمته في الرياض وأن تتحرك كوحدة واحدة لأن اختلاف فصائل المعارضة وتشتتها سيمثل أحد أهم الكروت التي قد يستخدمها نظام الأسد وحلفائه ولا سيما الروسي في تحركاته الأخيرة والتي سيخضع لتأثيرها الغرب ويسلم بها لحاجته لإنهاء الأزمة.
2- التنسيق مع القوى الغربية ولاسيما التي التزمت لفترات طويلة بعدالة القضية السورية ودعمتها كفرنسا وألمانيا.
3- التنسيق مع القوى الإقليمية المؤثرة في المشهد ولاسيما تركيا والسعودية التي تمول الفصائل السورية المقاتلة في الداخل والاتفاق معهم على آلية للتعاون لضمان التنسيق حتى وإن ضغطت القوى الغربية عليها لإيقاف تمويلها فيتم الإبقاء على العلاقات أو التمويل ولو بشكل سري أو غير مباشر.
4- التنسيق بين الحركات والفصائل المقاتلة في الداخل لإحداث تغيير ميداني على الأرض السورية بتنسيق ما بين الفصائل وبعضها البعض حيث أن النظام السوري والقوات الروسية ستسعى لإحداث تفوق ميداني فإذا لم تتمكن فصائل المعارضة من ترجيح كفتها ميدانيا فلتحافظ على توازن القوة على الأقل.
5- محاولة تعزيز الجانب الأمني للقيادات والتعامل بحرص مع الاجتماعات القيادية لتفادي الاستهداف الروسي كما حدث مع زهران علوش ومجموعة القيادات مؤخرا. وفي هذا الصدد يمكن لهم الاستفادة من خبرات أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية في التعامل مع مثل هذه الحالات.
————————————-
الهامش
(1) نص اتفاق فينيا” ، الرابط الإلكتروني.
(2) نص البيان الختامي لاجتماع الرياض” ، الرابط الإلكتروني.
(3) نص قرار مجلس الأمن” ، الرابط الإلكتروني.
(4)“الصراع في سوريا :أكثر من 4 مليون سوري يفرون بسبب الحرب” ، BBC عربي ، 9 يوليو 2015 ، الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 28 ديسمبر 2015.
(5) كيري: قرار مجلس الأمن حول السلام في سوريا خطوة كبيرة” ، BBC عربي ، 19 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني، تاريخ الدخول:21 ديسمبر 2015.
(6) مجلس الأمن الدولي يتبني قرارا لحل الأزمة السورية” ، الحرة ، 18 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني , تاريخ الدخول: 28 ديسمبر 2015.
(7) إيمان علي ، “ردود أفعال متباينة حول قرار مجلس الأمن بخصوص سوريا” ، صوت دمشق ، 19 ديسمبر 2015 ، الرابط الإلكتروني ، تاريخ الدخول: 22 ديسمبر 2015.
(8) الائتلاف السوري ينتقد قرار مجلس الأمن بشأن سوريا”، العربية، 19 لرابط الإلكتروني، تاريخ الدخول: 22 ديسمبر 2015.