fbpx
تقديراتالخليج

تغييرات الملك سلمان وتداعياتها الداخلية والخارجية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة :

بعد أقل من ثلاثة أشهر من سلسلة القرارات والتغييرات التي أطاحت بالقسم الأكبر من ميراث سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء 28 أبريل 2015م، أو فجر الأربعاء 29 أبريل بتوقيت الرياض، سلسلة من القرارات التي استكملت عملية الإحلال والتبديل، وتمكين تيار بعينه، من السلطة، في المملكة العربية السعودية.

كانت أهم معالم القرارات التي تبناها إعفاء ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، وتعيين وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف وليًّا للعهد، كما عين الملك سلمان نجله الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، وليًّا لولي العهد، محل الأمير محمد بن نايف.

وضمن سلسلة التعيينات والاعفاءات التي من شأنها أن تغيِّر، وبشكل جذريٍّ ملامح الإدارة السعودية، وربما سياسات المملكة، أعفى الملك سلمان وزير الخارجية الأشهر في تاريخ المملكة والمنطقة، الأمير سعود الفيصل، الذي يعاني من مشاكل صحية منذ سنوات، بينما عيَّن سفير المملكة لدى واشنطن عادل الجبير، في المنصب ليؤول بذلك هذا المنصب الاستراتيجي، لشخص من خارج اسرة آل سعود.

والأمير سعود البالغ من العمر 75 عامًا، ترأس الدبلوماسية السعودية منذ أربعين عامًا، وسيظل بحسب الأوامر الملكية الأخيرة، عضوًا في مجلس الوزراء، ومبعوثًا للملك، ومشرفًا على السياسة الخارجية للدولة السعودية.

وتكون بذلك المملكة قد اتخذت وجهةً جديدةً تمامًا على مستوى قيادتها، وبات خصوصًا أبناء “الجيل الثاني”، أي أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز، في مقدمة القيادة إلى جانب الملك.

فمحمد بن نايف، الرجل القوي الذي يمسك بالملف الأمني، والقريب من واشنطن، يبلغ من العمر 56 عامًا، وهو أول أحفاد الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، فيما محمد بن سلمان الذي لمع نجمه بقوة في الأشهر الأخيرة، فعمره لا يتجاوز 35 سنة، فيما تشير بعض المعلومات الى أنه قد يكون في الثلاثين من العمر فقط.

وسيحتفظ الأمير محمد بن نايف بمنصب وزير الداخلية، وكذلك يحتفظ الأمير محمد بن سلمان بمنصب وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، إلا أنه لن يحتفظ بمنصب رئيس الديوان الملكي، الذي سيؤول إلى حمد السويلم.

كما تم إنشاء هيئة جديدة باسم المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية”، ويتألف بحسب نظامه التأسيسي من 10 أعضاء، من بينهم خمسة من أعضاء مجلس الإدارة، ويرأسه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد الجديد في المملكة.

أولاً: اتجاهات عامة حول التغييرات الجديدة:

لا يمكن القول إن هذه التغييرات كانت مفاجئة؛ حيث كانت متوقعة في كثير من جوانبها، ضمن سياق عام بدأ به الملك سلمان عهده، وهو إعادة تشكيل منظومة الإدارة والحكم في المملكة.

ولم تكتمل عملية تمكين السديريين، وتطويق آل الفيصل، وأبناء الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وأركان حكمه، في التغييرات الأولى، التي تمت في يناير الماضي، وجاءت القرارات الأخيرة لاستكمالها، بالرغم من كل ما قيل عن أن الأمير مقرن، والأمير سعود الفيصل، قد طلبا إعفاءهما من منصبيهما.

وبالنسبة للأمير مقرن على وجه الخصوص، تواترت تقارير تتحدث عن طلبه إعفاءه من منصبه بعد وفاة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم، نظرًا لما أثاره تعيين مقرن في منصب استُحدث له لأول مرة في تاريخ الحكم السعودي، وهو “ولي ولي العهد”، من جدال واسع داخل الأسرة الحاكمة، والأمر الملكي المحصن الذي تم بمقتضاه تعيينه في منصبه، وتخطي الأمير أحمد بن عبد العزيز في التعيين، ولكن تم إرجاء هذه الخطوة من جانب الملك سلمان، حتى تتم عملية إعادة ترتيب هيكل الحكم في البلاد.

وقرار إعفاء ولي ولي العهد من منصبه، جاء ليلغي الأمر الملكي المحصَّن الذي أصدره العاهل السعودي الراحل، والذي نص على أنه لا يجوز إلغاءه أو تعديله كائنًا من كان.

وثمة مجموعة من الإشكاليات في هذه الجزئية، فتعيين مقرن جاء بعد عرض الأمر على هيئة البيعة، ونصَّ القرار الملكي المحصَّن بتعيينه في هذا المنصب المستحدَث، في فقرته الرابعة على الآتي:

“رابعًا: دون إخلال بما نصت عليه البنود (أولاً وثانيًا وثالثًا) من هذا الأمر، للملك – مستقبلاً – في حال رغبته اختيار ولي لولي العهد أن يعرض مَن يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة، ويُصدر أمرًا ملكيًّا باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة”.

وهو غالبًا ما لم يتم، أي أن تغيير مقرن، لم يتم عرضه على هيئة البيعة، وجاء في إطار ربما كان مفاجئًا حتى لأركان الأسرة الحاكمة.

وبالرغم من حرص الملك سلمان على إظهار الطابع الأخوي الذي يجمع بينه وبين مقرن، وأن الأسرة الحاكمة متماسكة، بقيامه بزيارة الأمير مقرن بعد قيام الأخير بمبايعة كل من ابن نايف وابن سلمان؛ إلا أن مقرن ليس بالشخصية التي تم تصويرها، باعتبار أنها غير صدامية، ويمكن تغييرها بسهولة؛ فهو مهما كان، فقد تولى منصب شديد الأهمية والحساسية لنظام آل سعود، وهو رئاسة الاستخبارات العامة. وأشارت تقارير غير مؤكدة إلى أسباب أخرى لإعفاء الأمير مقرن، وهو حياديته من الأزمة الحالية في اليمن، وعدم دعمه لعملية “عاصفة الحزم”، بالشكل الكافي.

والعملية في حد ذاتها، لها دور كبير في الإجراءات الأخيرة؛ حيث إنها شهدت توطيد سلطة كلٍّ من الأمير نايف، والأمير محمد بن سلمان، مع كون الحرب على اليمن، جديدة في نوعيتها؛ حيث إنها المرة الأولى التي تقود الرياض تحالفًا عسكريًّا، عربيًّا، خارج حدودها.

ففي حرب تحرير الكويت، كانت الولايات المتحدة تقود العمليات العسكرية من السعودية “عاصفة الصحراء”، وفي الحرب على تنظيم “داعش”، تقود واشنطن تحالفًا من أكثر من 60 دولة من بينها السعودية الداعم القوي للحرب على التنظيم، أما في “عاصفة الحزم” فاكتفت واشنطن بالدعم اللوجستي والفني والمساعدة والمعلومات المخابراتية، وصور الأقمار الصناعية لتحركات الحوثيين العسكرية.

ثانياً: محمد بن نايف والصعود على حساب متعب بن عبد الله:

جاء تعيين الأمير محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد، ثم في منصب ولي العهد، على حساب متعب بن عبد الله، الذي كان يُعد لهذا المنصب بقوة، من قبل والده الراحل ورئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت، خالد التويجري.

تولى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزارة الداخلية في الخامس من نوفمبر من العام 2012م، خلفًا لعمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، الذي تجاوزته تعيينات عبد الله وسلمان على حد سواء.

والأمير محمد بن نايف، من مواليد جدة، في العام 1959م، ودرس في مراحل التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية بمعهد العاصمة في الرياض، ثم درس المرحلة الجامعية بالولايات المتحدة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، عام 1981م.

خاض عدة دورات عسكرية متقدمة داخل وخارج المملكة تتعلق بمكافحة الإرهاب، وعمل في القطاع الخاص إلى أن صدر الأمر الملكي في 13 مايو من العام 1999م، بتعيينه مساعدًا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بالمرتبة الممتازة، ومددت خدماته لمدة أربع سنوات أخرى، في العام 2003م.

وفي العام 2004م، صدر الأمر الملكي بتعيينه مساعدًا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بمرتبة وزير، وفي سبتمبر 2008م، صدر أمر ملكي بالتمديد له، كما صدرت في 16 أكتوبر 1999م، موافقة ولي العهد في ذلك الحين، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، بضمه إلى عضوية المجلس الأعلى للإعلام.

وفي 5 نوفمبر 2012م، صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للداخلية، ليخلف الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود في المنصب.

وكان الأمير محمد بن نايف هو أول من أسس لجان المناصحة بالمملكة والخليج العربي، وقد حظيت فكرته بانتشار واسع عالمي حاز على استحسان العالم الغربي، وتقوم فكرة اللجان، ضمن مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، على أساس توجيه الرعاية إلى أولئك المقبوض عليهم في قضايا إرهابية، وأصحاب الفكر المتطرف.

ويتم إخضاع هؤلاء لدورات تعليمية تتضمن برامج شرعية ودعوية ونفسية واجتماعية وقانونية بهدف تخليصهم من الأفكار “المتطرفة” التي يحملونها، وبعد ذلك تقوم الجهات المعنية بالإفراج عن المتخرجين من الدورات ممن لم يتورطوا في قضايا التفجيرات بشكل مباشر، وغالبًا ما يكون الخاضعون للدورات ممن يحملون الأفكار “الإرهابية”، أو قدموا نوعًا من المساعدات البسيطة “للإرهابيين”، أو أولئك الذين حكم عليهم وانتهت مدة محكوميتهم.

تعرض الأمير محمد بن نايف يوم 27 أغسطس 2009م، لمحاولة اغتيال من قبل مطلوب زعم أنه يرغب بتسليم نفسه، وكان الأمير محمد بن نايف في مكتبه الكائن في منزله بجدة، وقام الشخص المطلوب بتفجير نفسه بواسطة هاتف جوال وتناثر جسده إلى أشلاء، وأصيب الأمير بجروح طفيفة، وقد أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن الهجوم في رسالة بثتها منتديات تابعة على الإنترنت.

وهو متزوج من الأميرة ريما بنت سلطان بن عبد العزيز ولديه من الأبناء: الأميرة سارة، ومتزوجة من الأمير سعود بن فهد بن عبد الله بن محمد بن سعود الكبير، ولديهما من الأبناء الأمير عبد الله، والأميرة لولوة متزوجة من الأمير نايف بن تركي بن عبد الله بن عبدالرحمن.

ثالثاً: الأمير محمد بن سلمان:

الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، من مواليد 31 أغسطس 1985م، وهو الابن السادس للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والدته الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان آل حثلين العجمي. حاصل على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود، كما تلقى تعليمه العام في مدارس الرياض، متزوج وله ابن، سلمان، وابنة فهدة.

عمل كمستشار متفرغ بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، يوم 10 أبريل 2007م، انتقل بعدها من هيئة الخبراء بالمرتبة الحادية عشرة، ليكون مستشارًا خاصًا لأمير منطقة الرياض، 16 ديسمبر 2009م، وكان الأمير – في ذلك الحين – سلمان بن عبد العزيز، هو الذي يتولى هذا المنصب، واستمر مستشارًا غير متفرغًا في هيئة الخبراء حتى 3 مارس 2013م.

عُين أمينًا عامًا لمركز الرياض للتنافسية ومستشارًا خاصًا لرئيس مجلس إدارة دائرة الملك عبد العزيز كما عمل عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية.

انتقل محمد بن سلمان من إمارة منطقة الرياض، وهو في المرتبة الثالثة عشرة وعين مستشارًا خاصًّا ومشرفًا على المكتب والشؤون الخاصة لولي العهد، وذلك بعيد تولي الملك سلمان ولاية العهد.

وفي 3 مارس 2013م، صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا لديوان ولي العهد ومستشارًا خاصًا بمرتبة وزير، وفي 25 أبريل 2014م، صدر أمرا ملكي بتعيينه وزيرًا للدولة، وعضوًا بمجلس الوزراء بالإضافة إلى عمله.

وفي الثالث والعشرين من يناير 2015م، صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للدفاع، كما صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا للديوان الملكي ومستشارًا خاصًا بمرتبة وزير، وفي 29 يناير 2015، صدر أمر ملكي بالتشكيل الوزاري، واستمر في منصبة كوزير للدفاع، كما صدر أمرَيْن ملكيَّيْن بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وتشكيل المجلس برئاسته، وهو ما ساهم في تحقيق شكل مهم من أشكال التنسيق بينه وبين الأمير محمد بن نايف، في إطار رئاسة هذا الأخير لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهو مجلس استحدثه الملك سلمان في تشكيله الوزاري الأول، في 29 يناير 2015م.

رابعاً: عادل الجبير في منصب كبير من خارج الأسرة الحاكمة:

بعد أربعين عامًا على تسلُّم الأمير سعود الفيصل الخارجية السعودية، تنتقل هذه الوزارة المهمة إلى عادل الجبير، عمود استراتيجية التواصل مع واشنطن. واكب الجبير من هذا الموقع المحوري في الدبلوماسية السعودية أحداثًا في غاية الأهمية، منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حتى حرب اليمن الأخيرة.

والجبير من مواليد الأول من فبراير من العام 1962م، في مدينة المجمعة الواقعة شمال الرياض، وهو متزوج وأب لولدين، ولا ينتمي إلى العائلة المالكة، بخلاف الأمير الفيصل، ولكن، ووفق تقديرات غربية؛ فمن المتوقع أن تبقى السياسة الخارجية السعودية في نفس الاتجاه الحالي لها.

ويفيد موقع السفارة السعودية في واشنطن، أن الجبير تلقى دروسه في السعودية وألمانيا واليمن ولبنان والولايات المتحدة قبل أن يحصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورجتاون الأمريكية عام 1984م.

ويتكلم الوزير السعودي الجديد الإنجليزية والألمانية بطلاقة، وقد انضم إلى السلك الدبلوماسي عام 1987م، قبل أن يُعيَّن للمرة الأولى في واشنطن، وخلال حرب الخليج الثانية عامَيْ 1990م و1991م، عمل في “مكتب الإعلام المشترك” في مدينة الظهران في شرق السعودية، وفي عام 1992م واكب القوات السعودية التي انتقلت إلى الصومال.

وخلال السنوات الثماني الماضية كان الجبير سفير السعودية في واشنطن، وقبلها كان المتحدث باسم السفارة لسنوات عدة، ووصفت وسائل إعلام أمريكية الجبير مرارًا بأنه “العقل المدبر للاتصال” مع المملكة العربية السعودية.

وبعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة التي تبنت مسؤوليتها “تنظيم القاعدة”، قام الجبير بجهود واسعة لنفي رعاية المملكة للحركات الإرهابية، بعدما تبيَّن أن 15 من خاطفي الطائرات الـ19 في هذه الاعتداءات، كانوا سعوديين، ولا يزال ينظر حتى اليوم إلى السعودية، على أنها أرض خصبة للإرهاب والتطرف، أو “الإسلام الجهادي”.

وفي العام 2011م، وُجِّهت تهمة إلى بائع سيارات أمريكي من أصل إيراني يدعى منصور أربابسيار، بالتخطيط لاغتيال الجبير. إلا أن أربابيسار أنكر التهمة، كما نفت إيران أية علاقة لها بالأمر.

ومنذ الساعات الأولى لإطلاق حملة الضربات الجوية على اليمن في السادس والعشرين من مارس الماضي بقيادة السعودية، سُلِّطت الأضواء على الجبير الذي احتل شاشات التلفزيون لشرح تفاصيل هذه الحملة ومبرراتها.

وكرر أمام وسائل الإعلام مرارًا أن هذه الضربات شكلت “نجاحًا كبيرًا” للمملكة، رغم مواصلتها لأكثر من شهر من دون أن يظهر أي حل للأزمة في اليمن.

خامساً: تغييرات إدارية أم سياسية؟

لم تتوقف عاصفة التغيير الداخلي في قرارات الملك سلمان عند هذه المناصب؛ حيث إن هناك سلسلة من القرارات ضمن هذه المجموعة الجديدة من قرارات الملك سلمان، يرى البعض فيها بعض الأوجه السياسية؛ بينما قالت تقديرات إنها استكمال لعملية فرض سيطرة الجناح الحاكم حاليًا، والذي صعدت أسهمه بتولي الملك سلمان للحكم قبل أربعة أشهر.

ولكن، وبالرغم من وجاهة رأي من يقولون بأن هذه القرارات تأتي استكمالاً لإحكام القبضة؛ إلا أن فيها جانبًا سياسيًّا مهمًّا.

وتشمل هذه القرارات:

1. تعيين حمد السويلم، رئيسًا للديوان الملكي.

2. إعفاء خالد العيسى من نيابة رئاسة الديوان الملكي، وتعيينه وزيرًا للدولة، وعضوًا في مجلس الوزراء، وعضوًا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية.

3. إعفاء نورة الفايز من نيابة وزارة التعليم لشؤون البنات.

4. ضم ديوان ولي العهد إلى الديوان الملكي.

حمد السويلم وإبعاد العيسى عن الديوان الملكي:

وسط زخم الحدث، أغفل الجميع اسم حمد بن عبد العزيز السويلم، خامس رئيس للديوان الملكي السعودي، والذي يُعده البعض “مخزن أسرار” الملك سلمان، وربما الرجل الخفي في صناعة هذه القرارات، نظرًا لقربه من عاهل البلاد الحالي، ويقوم بدور “الناصح الأمين” له في جميع الإشكاليات التي تُعرَض على الملك سلمان.

وأهمية منصب رئيس الديوان الملكي في الأدوار التي يقوم بها شاغله، وهي:

– حلقة الوصل بين الملك ومنسوبي الدولة والمواطنين.

– بحسب نظام الحكم السعودي، يُعتبر الديوان الملكي السعودي المكتب التنفيذي الرئيسي للملك.

– متابعة مكاتب مستشاري الملك للسياسة الداخلية، والشئون الدينية، والعلاقات الدولية، والمراسم الملكية والمكتب الخاص بالملك.

– يجري ملك البلاد معظم الشئون الحكومية الروتينية من هذا المكتب، بما في ذلك صياغة الأنظمة والمراسيم الملكية، كما يستقبل الملك كبار ضيوف الدولة في مقر الديوان الملكي.

– جرت العادة أن يستقبل فيه الملك المواطنين لتقديم طلبات التدخل الشخصية من أجل جبر المظالم أو المساعدة في المسائل الخاصة ضد بيروقراطية الدولة.

وكان حمد السويلم قد تولى منصب نائب رئيس ديوان ولي العهد، قبل أن يتم تعيينه في الثالث والعشرين من يناير الماضي، رئيسًا لديوان ولي العهد بمرتبة وزير، قبل أن يصدر قرارًا بتعيينه رئيسًا للديوان الملكي، ضمن القرارات الأخيرة.

في المقابل يرى البعض أنه قد تم “إبعاد” خالد العيسى عن المنصب؛ ضمن تعيين المقربين من الملك سلمان ودائرة التمكين الجديدة، بالرغم من أنه تم الحفاظ على وجوده في دوائر الحكم وصناعة القرار كوزير دولة، وعضو في مجلس الوزراء، وعضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، اعتبارًا لخبرته الطويلة منذ العام 2000م في الديوان الملكي، ولكن مع اعتباره محسوبًا على المنظومة القديمة في الحكم؛ تم إقصاؤه من هذه المؤسسة المهمة؛ حيث يكون شاغل أي منصب مهم فيها، على اطلاع على مختلف السياسات والقرارات أثناء دراستها، وقبل اتخاذها.

وهو ما يفسر كذلك قرار الملك سلمان بضم ديوان ولي العهد إلى الديوان الملكي؛ حيث إن الأمر يرتبط برغبة الملك في إحكام قبضته على مختلف مسارات عملية صناعة القرار والمطبخ السياسي الداخلي.

وهنا تظهر أهمية تولية حمد السويلم المقرَّب من الملك سلمان في منصب رئيس الديوان الملكي؛ حيث إنه بعد ثلاثة أشهر، كما هو في القرار الملكي الذي صدر بضم الديوانَيْن، سيكون السويلم رئيسًا لديوان ولي العهد كذلك، وسيصبح عين الملك سلمان المقرَّبة في ديوان ولي العهد، وفي مسارات حركة ابن نايف المختلفة.

– نورة الفايز والمزيد من التوجه إلى التيار المحافِظ:

جاء قرار الملك سلمان بإقالة نورة الفايز من منصبها كنائب لوزير التعليم لشؤون تعليم البنات، في إطار توجه رئيسي في قرارات الملك سلمان المتوالية منذ توليه السلطة، وهو المزيد من التقارب مع تيار السلفيين المحافظين المسيطر على المجتمع السعودي؛ لتقوية موقفه السياسي، وفهمًا أعمق منه لحقيقة التوازنات الدقيقة التي تحكم النظام السعودي.

وبدا ذلك في تراجعه عن كثير من قرارات الملك عبد الله الانفتاحية، والتي عادت السلطة الدينية التقليدية في المملكة، ومن بين ذلك إعادة آل الشيخ إلى وزارة الأوقاف مرة أخرى، بعد خروجهم من دائرة الحكومة السعودية للمرة الأولى، في قرارات الملك عبد الله الأخيرة، في نوفمبر الماضي، عندما أقال صالح آل الشيخ من منصبه الوزاري، قبل أن يعيده الملك سلمان في تشكيلته الحكومية التي أعلنها في 29 يناير الماضي.

ونورة الفايز، التي توصف بأنها من أنصار التغريب في المملكة، من مواليد العام 1954م، في شقراء، وهي أول امرأة تشغل منصب نائبة وزير في تاريخ السعودية، ووالدها هو الشيخ عبد الله الفايز الناصري التميمي، مؤرخ ونسابة وباحث تاريخي.

تحمل شهادة الماجستير في التربية من جامعة ولاية يوتاه الأمريكية؛ حيث تخصصت في مجال تقنيات التعليم، وذلك عام 1982م، وقبلها نالت شهادة البكالوريوس في تخصص علم الاجتماع، عام 1978م، من جامعة الملك سعود.

عملت مديرة لقسم البنات بمدارس المملكة، كما شغلت منصب المديرة العامة للفرع النسائي بمعهد الإدارة العامة، قبل أن يتم تعينها بأمر ملكي في منصب نائبة وزير التعليم لشؤون البنات، عام 2009م، كما تعمل منذ أبريل من العام 2010م، في الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن.

يذكر – كذلك – أنها كانت تشغل منصب المديرة العامة للفرع النسائي بمعهد الإدارة العامة في الرياض، وساهمت بالعديد من الأبحاث التربوية والعلمية خلال مشوارها الأكاديمي والعملي، كما ألقت العديد من الأبحاث وأوراق العمل في المؤتمرات المختصة بالتعليم والتدريب وعمل المرأة.ولقد ظهرت منذ فترة حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بإقالتها.

خلاصة:

من خلال التقارير التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وما ظهر من سياسات الحكومة السعودية؛ فإن الهدف الأساسي في كل هذه التغييرات داخلي، ويتعلق بتثبيت أركان حكم مجموعة بعينها من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز، وهو الفرع السديري، الذي جاء من زيجة الملك سعود من حصة بنت أحمد السديري.

ولعل المشكلة الأكبر أو الأخيرة حاليًا أمام الفرع السديري لإحكام قبضتهم على الحكم ومؤسسات الدولة بشكل كامل، هو تولي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، لمنصب قائد الحرس الوطني، وهي قوة شكلها في الأصل والده، الملك عبد الله، لموازنة وزارة الدفاع التي يديرها السديريون.

وهناك تباين كبير في وجهات النظر والمواقف، بين مختلف هذه المجموعات، والتي صار أضعفها جناح الفيصل، بعد خروج الأمير سعود الفيصل من منصبه؛ حيث لم يتبقَّ منهم في مناصب مهمة، سوى الأمير خالد الفيصل، الذي يشغل منصب أمير منطقة مكة المكرمة.

ولكن، ووفق ما هو متعارف عليه في صدد المصالح الحيوية التي لا خلاف عليها داخل الأسرة الحاكمة في المملكة؛ فإن هذه التباينات والتحولات لا يُتوقع منها أن تكون ذات تأثير على السياسات الخارجية للمملكة، وبجانب الثوابت الحاكمة، وعلى رأسها الحفاظ على بقاء النظام، ووأد أية منافسة له، خصوصًا من الإخوان المسلمين؛ فإن أية دولة كبرى إقليميًّا ودوليًّا مثل المملكة، لا تغير ولا تستطيع أن تغير سياساتها الخارجية بعمق وسرعة، تحتاج وقتًا طويلاً لتفعل ذلك، بفرض أنها تريد.

ولذلك، وإن كان هناك من تغيُّر في السياسة الخارجية السعودية؛ فلن يكون كبيرًا ولا سريعًا أو جذريًّا، فالخلاف – في الغالب – على الأسلوب وليس على المضمون، سواء فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، وإن كان هناك تقدير يشير إلى تحسن ملموس سوف يطرأ على العلاقات مع الأمريكيين، ولكنه سوف يكون محدودًا، وسوف يتوقف على الاتفاق النووي الإيراني الغربي المزمع.

ملحق

أهم القرارات الملكية المُعلَن عنها

1. إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز أل سعود، من ولاية العهد.

2. تعيين الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية، وولي ولي العهد، وليًّا للعهد.

3. تعين الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، وليًّا لولي العهد، مع إعفاءه من منصبه كرئيس للديوان الملكي.

4. إعفاء الأمير سعود الفيصل، من وزارة الخارجية، مع الإبقاء عليه في مجلس الوزراء.

5. تعيين السفير عادل الجبير، سفير المملكة في واشنطن، وزيرًا للخارجية.

6. تعيين حمد السويلم، رئيسًا للديوان الملكي.

7. تعيين منصور بن مقرن مستشارا لخادم الحرمين ووزير دولة

8. إعفاء محمد الجاسر من وزارة الاقتصاد والتخطيط.

9. إعفاء عادل فقيه من وزارة العمل، وتعيينه وزيرًا للاقتصاد والتخطيط.

10. تعيين مفرج الحقباني، وزيرًا للعمل.

11. إعفاء خالد العيسى من نيابة رئاسة الديوان الملكي، وتعيينه وزيرًا للدولة، وعضوًا في مجلس الوزراء، وعضوًا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية.

12. تعيين خالد اليوسف رئيسًا لديوان المظالم.

13. تعيين خالد الفالح، وزيرًا للصحة، محل أحمد بن عقيل الخطيب.

14. تعيين ناصر الشهراني نائبًا لرئيس هيئة حقوق الإنسان.

15. تعيين عمرو رجب، نائبًا لرئيس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء.

16. تعيين منصور المنصور، مساعدًا لرئيس رعاية الشباب.

17. إعفاء عبد الرحمن الهزاع من رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون.

18. إعفاء نورة الفايز من نيابة وزارة التعليم لشؤون البنات.

19. إعفاء حمد آل الشيخ من نيابة وزارة التعليم لشؤون البنين.

20. إعفاء منصور الحواسي من نيابة وزارة الصحة للشؤون الصحية.

21. إعفاء محمد خشيم من نيابة وزارة الصحة للتخطيط والتطوير.

22. صرف راتب شهر لجميع منسوبي القطاعات العسكرية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close