fbpx
اقتصادالسياسات العامة

تقييم برامج الدعم النقدي في مصر

تكافل وكرامة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

شرعت مصر في تنفيذ أولى خطوات خطة رفع الدعم عن مواد الطاقة في العام 2014، والتي أثرت سلبًا بلا شك على عموم الشعب المصري وبخاصة الطبقات الفقيرة والمهمشة منه.

تصاعدت في ذلك الوقت الأصوات المتسائلة: ما هو مصير الفقراء في مصر؟، وإلى أي مدى ستزداد معاناتهم؟ فرفع الدعم عن مواد الطاقة، والذي سينتج عنه بالتأكيد زيادة في تكلفة المواصلات وسيرتفع تبعًا لذلك أغلب أسعار السلع الأساسية، كل ذلك من شأنه زيادة معاناة الفقراء في مصر.

إزاء هذه التساؤلات، أعلنت مصر في العام 2015 برنامجيّ تكافل وكرامة، وهما برنامجان لتقديم دعم نقدي للفقراء ضمن شروط محددة. وكان من اللافت للانتباه أنه بمجرد الإعلان عنهما سرعان ما اكتسبا شهرةً واسعة.

ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها إعلان البنك الدولي دعمهما بـ 400 مليون دولار، بجانب ذلك يُعد هذا المشروع أول محاولة من الدولة المصرية على مدار تاريخها لتطبيق توصية الكثير من الدراسات بالتحول إلى نظام الدعم النقدي المشروط، والذي يعد من وجهة نظر الكثيرين أفضل من الدعم العيني أو دعم السلع، والتي كانت دائمًا ما تتبعها الحكومات المتعاقبة في مصر فيما يخص الدعم.

كذلك مما يُزيد من أهمية البرنامجين، هو تأكيد المسؤولين في مصر إدراكهم قساوة الإجراءات الاقتصادية المُتخذة في الفترة الأخيرة، وأنهم لم ينسوا الفقراء من خلال تطبيق تكافل وكرامة.

يُقدر عدد المستفيدين من برنامج تكافل 1,704,391 مواطن، في حين بلغ تعداد مستفيدين برنامج كرامة 275,662 مواطن [1]. في نفس السياق فقد أعلن وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان أن البرنامج ينفق نحو مليار جنيه شهريا للمستحقين [2].

ولكن هل نجح البرنامج في تحقيق أهدافه الأساسية وهي:

1- تخفيف وطأة القرارات الاقتصادية القاسية المتمثلة في رفع الدعم وغيرها عن كاهل الفقراء.

2- توفير بيئة مناسبة لانتشال الفقراء مما يعانون منه.

ولمعرفة مدى نجاح البرنامجين في الوصول لهذه الأهداف، تستعرض الورقة ما يلي:

1- أهمية المشروع وحاجة مصر إلى برنامج دعم جديد لدعم الفقراء. وما الذي استدعى تدشين الحكومة له، وذلك من خلال الأهداف المُعلنة من قِبل الحكومة بالتزامن مع إطلاق المشروع، وكذلك من خلال رصد معدلات الفقر المتزايدة التي تشهدها مصر في السنوات الأخيرة.

2- عرض الإطار النظري للمشروع الذي ارتأت الحكومة تنفيذه. بجانب ذلك سيتم ذكر بعض النجاحات التي حققتها مثل هذه المشاريع في البرازيل كمثال.

3- مفردات المشروع وما هي شروط استحقاق الدعم وكذلك شروط استمرار المساعدة خلال مدة الاستحقاق. وما هي أبرز الانتقادات التي وجهت إلى وزارة التضامن الاجتماعي خلال الأربعة أعوام الماضية. وتختتم الورقة بعرض نتائج المشروع ومخرجاته، وإلى أي مدى نجح في تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة له، مع ذكر بعض الاستنتاجات والتوصيات.

أولا: معدلات الفقر المتصاعدة في مصر والحاجة إلى برامج دعم اجتماعي:

مرت مصر بشكل مستمر بمعدلات تضخم عالية نسبيا، لكن منذ بداية الربيع العربي في 2011، تسارعت زيادة أسعار السلع الاستهلاكية بشكل منتظم. وفي الفترة ما بين 2011 إلى 2015، اقتربت معدلات التضخم من 10% سنوياً، والتي تفوق معدلات التضخم المقابلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام، والتي تصل ما بين 6% أو 7% سنويا [3].

فقد أعلنت الحكومة المصرية عن خطة رفع الدعم عن مواد الطاقة في العام 2014 كنتيجة طبيعية لزيادة بند دعم المواد البترولية الذي بلغ 120 مليار جنيه في موازنة العام 2012/ 2013، والذي ارتفع بعد ذلك فوصل إلى 130 مليار جنيه في موازنة العام التالي، وكل ذلك ينعكس بزيادة العجز في الموازنة العامة للدولة [4][5].

تزامن شروع الحكومة في رفع الدعم عن مواد الطاقة مع زيادة أسعار المواصلات العامة والخاصة، وكذلك أسعار المواد الأساسية.

ولأهمية تفادي الأثار السلبية لخطة رفع الدعم -التي تعد الطبقات الفقيرة أكثر من يُعاني منها- وأيضًا في إطار سعي الحكومة لتوجيه الدعم للفقراء بدلا من دعم الطاقة العام، الذي أثبتت الكثير من الدراسات أن الأغنياء يستفيدون منه أكثر من الفقراء [6]. أعلنت الحكومة عن برنامجيّ “تكافل” و “كرامة”، معلنةً بذلك أول محاولة منها لتطبيق برامج التحويلات النقدية المشروطة لتحقيق التنمية.

ثانيا: تجارب برامج التحويلات النقدية المشروطة: (البرازيل-المكسيك) نموذجا:

تعد البرازيل والمكسيك أول من حاول إيجاد طريقة جديدة للدعم، ويرجع تاريخ هذه الطريقة إلى بدايات العام 1995 حين أطلقت برنامج (Bolsa Escola) في ضواحي مدنية برازيليا وساو باولو، سرعان ما امتدت الفكرة لتصل إلى أكثر من مائة بلدية ومدينة. وفي العام 1996 دشنت الحكومة الفيدرالية في البرازيل برنامج (Child labour Eradication Programme) الذي يتشابه مع برنامج (Bolsa Escola) في أهدافه إلا أن سياساته كانت تستهدف الأطفال أبناء الطبقات الفقيرة.

تبنت الحكومة الفيدرالية برنامج (Bolsa Escola) في العام 2001، بعد أن كان يُدار بواسطة الإدارات المحلية، مستهدفةً بذلك تعميمه في جميع أنحاء البلاد.

بالتوازي مع ذلك، أطلقت المكسيك في العام 1997 البرنامج القومي (Progresa) الذي يستهدف الفقراء في عموم البلاد، ثم تحول اسمه فيما بعد إلى (Oportunidades)[7].

جوهر هذه البرامج هو تقديم دعم نقدي للفقراء مع وجود شروط معينة لاستمرار الدعم، كذهاب الأطفال أبناء الأسر الحاصلين على الدعم إلى المدراس، وكذلك متابعة حصول الأطفال على التطعيمات، وذهاب جميع أفراد الأسرة إلى العيادات الصحية بشكل دوري.

نجحت هذه المشاريع في التقليل من نسب الفقر نجاحا ملحوظا. ففي البرازيل هبطت نسبة المواطنين الأقل فقرًا -أي أقل من دولار وربع في اليوم- من 10% في العام2000، إلى 3.75% في العام 2012.

وعلى نفس المنوال، هبطت نسبة المواطنون تحت خط الفقر -أي أقل من 2 دولار في اليوم- من 20% إلى 8% لنفس الفترة. [8] بالطبع لم يكن ذلك بسبب برنامج (Bolsa Escola) أو (Bolsa Familia) فقط، وإنما تم ذلك ضمن إطار خطة تنمية اقتصادية شاملة قامت بها البرازيل تحت حكم لولا دا سيلفا، وكانت تلك البرامج عناصر أساسية في الخطة.

عُرفت مثل هذه البرامج في الأدبيات الاقتصادية فيما بعد ببرامج التحويلات النقدية المشروطة (Conditional cash transfer programmes) وصارت المؤسسات الدولية من أكبر الداعمين لها، سواءً على الصعيد الفني أو المادي.

وكنتيجة ذلك تشجعت الكثير من الدول مع بداية الألفية الثالثة بالشروع في تطبيق هذه البرامج. فقد أشارت دراسة صادرة في العام 2008 عن أن عدد برامج التحويلات النقدية المشروطة في قارة أمريكا الجنوبية فقط عشرين برنامجًا [9].

يستعرض الجدول التالي هذه البرامج وإجمالي أعداد الأفراد/الأسر المستفيدة منها:

جدول (1): بيان ببرامج التحويلات النقدية المشروطة في قارة أمريكا الجنوبية التي أُطلقت خلال الفترة 1996-2006 [10].

في السياق المصري، أوصت الكثير من الدراسات بأن تتحول مصر إلى تطبيق هذا البرنامج بديلا عن الدعم السلعي أو دعم موارد الإنتاج [11]، وهو ما نتج عنه أخيرًا برنامجي تكافل وكرامة.

ثالثا: مفردات برنامجيّ تكافل وكرامة:

أطلقت مصر عام 2015 برنامجيّ “تكافل” و”كرامة”، ويمكن تناول أهم العناصر الرئيسية لهذين البرنامجين كما يلي:

1- برنامج تكافل:

يتم من خلاله تقديم مساعدات نقدية مشروطة للأسر الفقيرة. يستعرض الشكل التالي مفردات برنامج تكافل، وكذلك العدد التقريبي للمستفيدين منه.

شكل (1): المقابل المادي لبرنامج تكافل وعدد الأسر المستفيدة، المصدر [12].

يتضح من الشكل أن الأسرة المستفيدة تحصل على تحويل شهري أساسي قدره 325 جنيهًا، وكذلك دعم إضافي لما يصل إلى 3 أطفال.

ويمكن تلخيص شروط الالتحاق بالبرنامج، بأن لا يكون المواطن لديه عمل بالحكومة أو القطاع العام أو القطاع الخاص بأجر تأميني أكثر من 400 جنيه أو أن يتقاضى أي معاش تأميني أو مساعدة ضمانية، بجانب ذلك أن يكون للأسرة المتقدمة لتكافل أبناء أقل من 18 سنة [13].

تستعرض الوزارة شروط استمرار المساعدة خلال مدة الاستحقاق، علمًا بأن الإخلال بأي شرط من هذه الشروط يعني انقطاع الدعم عن الأسرة، وهي:

1- حضور أبناء الأسر المستفيدة من “تكافل” للتعليم بنسبة حضور لا تقل عن 80% شهريا.

2- حضور الأم لثلاث جلسات توعية صحية بحد أدنى شهريا، لمتابعة برامج الصحة الأولية والنمو ومتابعة الحمل وإعطاء الأطفال كل جرعات برامج التطعيمات، على مدار كافة المراحل العمرية حتى 6 سنوات [14].

عند انطباق كل هذه الشروط على الأسر المتقدمة، تحصل الأسرة ممثلة في ربتها -أي الأم أو الزوجة على مبلغ الدعم المستحق.

2- برنامج كرامة:

يتم من خلاله تقديم مساعدات نقدية غير مشروطة للفقراء كبار السن -أي فوق 65 عامًا- أو المواطنين ذوي الإعاقة أو المصابين بأمراض شديدة تمنعهم عن العمل.

يستعرض الشكل التالي مفردات برنامج تكافل، وكذلك العدد التقريبي للمستفيدين منه.

شكل (2): المقابل المادي لبرنامج تكافل وعدد المستفيدين منه، المصدر [15].

أوردت وزارة التضامن الاجتماعي على موقعها الرسمي الفئات المستهدفة من كلا البرنامجين، وهم: الأسرة، الطفل، المرأة، ذوو الإعاقة، المسنون، والشباب.

ورد أيضًا على موقع الوزارة الرسمي بعض الأسباب المُستدعية للإقصاء من البرامج، منها: القيد بقوة عمل القوات المسلحة أو الشرطة أو تقاضي معاش من تلك الجهات، حيازة أرض زراعية أكبر من فدان، امتلاك جرار زراعي أو سيارة أجرة أو نقل أو سيارة ملاكي موديل صُنع بعد عام 2000، امتلاك 3 رؤوس ماشية أو أكثر من أجل التجارة [16].

تعرضت الكثير من مفردات البرنامجين لانتقادات، سواءً فيما يتعلق بصياغتها أو بآليات التنفيذ، ويمكن سرد أبرز الانتقادات كما يلي:

1-شملت معايير الإقصاء من البرنامج “امتلاك جرار زراعي أو سيارة أجرة أو نقل أو سيارة ملاكي موديل صنع بعد عام 2000” وبذلك قد يتم استبعاد بعض الفئات الفقيرة المستحقة للإعانة؛ لأن امتلاك جرار زراعي أو سيارة لا يعتبر دليل غنى في حد ذاته، حيث يعتبر بالنسبة لكثير من الأسر مصدر الدخل الوحيد، بالإضافة إلى أن الأسر الفقيرة غالبًا ما تقوم بشرائه عن طريق الاقتراض أو الجمعيات.

2-ورد من شروط الالتحاق بالبرنامج أن تكون الأسر المتقدمة لبرنامج “تكافل” لديها أبناء أعمارهم أقل من ثمانيةً عشر عاما، ما هو حال الأسر الفقيرة الذين لا يتقاضون أي معاش تأميني ولم يُنعم الله عليهم بالأولاد، أيضا ما هو حال الأسر الفقيرة أثناء تأدية أبنائها الخدمة العسكرية، والتي قد تمد إلى ثلاث سنوات.

3- يهدف البرنامج بالأساس إلى تخفيف وطأة القرارات الاقتصادية القاسية على الطبقات الفقيرة، في حين أن معاش “تكافل” 325 جنيها، ويحتوي البرنامج ضمن شروطه عدم تلقي الأسرة أي دعم أو معاش من أي جهة أخرى، في حين أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حدد في بحث الدخل والإنفاق الصادر في العام 2015 –وذلك قبل تعويم الجنيه ورفع الدعم- أن خط الفقر هو 482 جنيها للفرد شهريًا، وهو ما يعني أن البرنامج من جهة لن ينقل الفقراء من الفقر المُدقع إلى حدود خط الفقر الدُنيا، وإذا حاولت أي أسرة الحصول على أي دعم آخر ستجد نفسها محرومة من معاش “تكافل”.

4-يُضاف إلى ذلك أن مبلغ المعاش المذكور للأسرة الواحدة وهو 325 جنيها، أي ما يعادل 18.5 دولار، أي ما يساوي 0.6 دولار يوميًا، في حين أن خط الفقر الدولي هو 1.75 دولار يوميًا.

قد يتحجج البعض بأن خطوط الفقر الدولية تختلف عن المحلية وذلك بسبب اختلاف مستوى المعيشة بين الدول وبعضها، لكن في نفس الوقت ماذا تستطيع أن تفعل 325 جنيها، في حين أن تذكرة المترو كانت قبل رفع الدعم بجنيه واحد، والآن بسبعةً جنيهات، فإذا كان رب الأسرة، أو أحد أبنائه من مستخدمي المترو خمسةً أيام في الأسبوع، فهذا يعني أن تكلفة ركوب المترو فقط أصبحت 280 جنيها شهريًا، بعد أن كانت قبل رفع الدعم 40 جنيهًا فقط.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد مرور أربع سنوات على بدء تطبيق البرنامج، تجاهلت الحكومة هذه الانتقادات وغيرها، وقررت تخفيض عدد الأولاد المستفيدين بالدعم إلى اثنين، بدلا من ثلاثة وذلك بداية من العام 2019[17]، وهذا ما يعكس قلة الدعم الموجه للبرنامج، ورغبة الحكومة في تقليل النفقات الموجهة للأسر المستفيدة.

5-لم يؤخذ في الاعتبار التباين في معدلات الفقر بين المحافظات المختلفة، فلم يتم توجيه برامج خاصة للمحافظات ذات معدلات الفقر المرتفعة، وكذلك البدل المادي واحد في كل محافظات مصر.

6-عدم جدية وزارة التضامن في تعريف المستفيدين بالمشروع بمشروطية تلقي المساعدات.

7-ضعف تمويل المشروع عمومًا.

رابعا: نتائج ومُخرجات المشروع:

لا تهدف هذه الورقة إلى التقليل من أي مجهود موجه لتقليل معاناة الفقراء في مصر، فالفقراء والمهمشون عانوا على مدار سنوات بل عقود من السياسات الخاطئة للحكومات المتتابعة في مصر، ومما أدى أيضا إلى أن تزداد الأمور سوءًا الفساد المستشري في الوزارات المتعاملة بشكل مباشر مع الفقراء والمنوط بها بشكل أساسي التخفيف من المعاناة لا زيادتها.

يمكن القول بشكل عام أن فكرة المشروع جيدة، مع الأخذ في الاعتبار الانتقادات السابق ذكرها، والطبيعي لمثل هذا المشروع أن ينجح على الأقل في الحد من الفقر، لكن يتضح من المتابعة أن المشروع تأثر بالبيروقراطية والفساد في الجهاز الحكومي المصري، وكذلك يتضح أن البرنامج فشل في الهدف الأساسي منه. ويمكن رصد بعض جوانب فشل المشروع كما يلي:

أ- العجز عن الحد من معدلات الفقر المتزايدة:

يُعد الحد من معدلات الفقر المتزايدة في مصر، وكذلك تخفيف وطأة الآثار السلبية للقرارات الاقتصادية هي الأهداف الأساسية لبرنامجيّ تكافل وكرامة.

يُعتبر بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هو المصدر الحكومي الأساسي لمتابعة معدلات الفقر في مصر، وكذلك معرفة التوجهات العامة لإنفاق المصريين. يصدر تقرير بحث الدخل والإنفاق كل عامين في شهر فبراير، ولكن بمراجعة الموقع الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تبين أن آخر نشرة للدخل والإنفاق كانت في عام 2015، والتي صدرت في سبتمبر 2016[18].

كان من المفترض بعد ذلك أن تصدر نشرتيّ العام 2017 و2019. فيما يخص نشرة العام 2017، فقد صرح طاهر حسن المدير التنفيذي لبحث الدخل والإنفاق، بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الجهاز سُيعلن نتائج بحث الدخل والإنفاق لعام 2017 في منتصف يناير 2018[19]. لكن حتى الآن لم يصدر أي شيء.

فيما يخص بحث الدخل والإنفاق لعام 2019، فقد كان هو أيضًا من المفترض أن يصدر في فبراير الماضي، لكن هذا لم يحدث.

في نفس السياق، ذكرت مصادر ذات صلة لجريدة “البورصة”، أنه تم الانتهاء من مراجعة وتدقيق المؤشرات النهائية لبحوث الإنفاق والدخل منذ شهرين، إلا أن ارتفاع معدل الفقر أدى إلى اعتراض “جهات عليا” على النتائج لتعارضها مع “الإنجازات التي قامت بها الدولة خلال العامين الماضيين”[20].

وأضافت المصادر أنه طُلب من القائمين على البحث مراجعة النتائج مجددًا قبل إعلانها حتى تتوافق مع تلك “الإنجازات”. وقالت المصادر إنه تمت مراجعة النتائج بالفعل وجرى الاعتراض على نتائج المراجعة أيضًا [21].

يدفعنا عدم وجود بيانات حكومية رسمية عن معدلات الفقر في مصر إلى الاعتماد على بيانات المؤسسات الدولية في هذا الصدد.

أعلن البنك الدولي في تقريره الذي أصدره في إطار تمديد الشراكة مع مصر 2015-2019 لمدة عامين، عن أن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له. حيث أورد التقرير: “هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسريع الاحتواء الاقتصادي واستيعاب القوى العاملة المتنامية، فحوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، كما أن عدم المساواة آخذ في الازدياد. واقترب معدل الفقر الوطني من 30% عام 2015، ارتفاعًا من 24.3% عام 2010”.

كما أورد كذلك، “هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد إلى 66% في بعض محافظات الصعيد. علاوة على ذلك، أثرت الإصلاحات الاقتصادية على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات”[22].

يتكشف من كل ما سبق أمور مهمة، يمكن تلخيصها كما يلي:

1- 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، ففي حين كانت تلك النسبة 49% في العام المالي 2012/2013[23]، ارتفعت لتصل إلى 60% وهو ما يوازي 63 مليون مصري.

2- عدم المساواة آخذة في الازدياد.

3- يؤكد البنك الدولي أن هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ أنها تصل إلى 66% في بعض محافظات الصعيد، وهو ما يعني عدم قدرة برنامجيّ “تكافل” و”كرامة” على الحد من هذه التباينات على الرغم مما تعلنه الوزارة أن أغلب المستفيدين من البرنامج هم من محافظات صعيد مصر، والتي يُعرف عنها زيادة نسبة الفقر.

ب- تأثر آليات تطبيق تكافل وكرامة بالبيروقراطية والفساد:

توجد حالات حُرمت من أحد معاشيّ تكافل وكرامة وهم بالفعل من المستحقين له، وذلك إما بسبب بيروقراطية أو تعنت من جانب موظفي وزارة التضامن الاجتماعي.

في هذا السياق، صرح النائب صلاح حسب الله في الجلسة العامة في مجلس النواب: إن المردود عند المواطن في كل الدوائر بالنسبة لبرنامج تكافل وكرامة وبطاقات التموين “سيئ”، ولا بد من إبعاد الضرر، مؤكداً أن المواطن يحتاج لبطاقة التموين ومعاش “تكافل وكرامة”.

كما طالب حسب الله الحكومة بعدم حرمان أي مواطن يستحق صرف معاش “تكافل وكرامة” أو السلع المدعمة المخصصة من البطاقات التموينية، متابعاً “الصورة الذهنية لدى المواطن المصري عن أداء وزارة التضامن الاجتماعي بالغة السوء، ولا يمكن لأي مواطن أن يسعى لسرقة المعاش، البالغ 300 أو 400 جنيه”. وتابع “لدي الآلاف من المواطنين بدائرتي الانتخابية يشتكون من حرمانهم من معاش تكافل وكرامة، وأيضاً وقف بطاقاتهم التموينية، وهم من المواطنين الفقراء الذين في حاجة ماسة للدعم، وصرف السلع التموينية، خاصة رغيف الخبز”[24].

كذلك ذكر النائب طلعت خليل “إن المشكلة في (عشوائية توقف المعاش)، وعدم ضوابط ومعايير الحذف، على اعتبار أنه أحد ضد المراجعة، شريطة توافر بيانات منضبطة”[25].

أمر أخر في غاية الأهمية، كشفت بيانات المسح الذي قام به المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في إطار دراسة تقييم الأثر للبرنامجين التي قام بها أن “2.5% فقط من المستفيدين كانوا على دراية بالمشروطية لاستمرار حصلوهم على الدعم النقدي”[26]، وهو ما يعني تكاسل من قِبل موظفي وزارة التضامن الاجتماعي في توضيح مفردات البرنامج، بجانب ذلك فإن معظم من يحصلون على الدعم الآن عرضة لانقطاعه لعدم معرفتهم بالمشروطية، ومن ثم السعي لتطبيق الشروط اللازمة لاستمرار استحقاق الدعم.

يُضاف إلى ذلك أن هناك “بعض الشكاوى الأخرى من أن بعض العاملين بوزارة التضامن الاجتماعي لم يدرسوا الحالات الفردية بعناية أو لم يتصرفوا بنزاهة في معالجة استمارات التسجيل”[27]؛ وذلك يعني أنه على الرغم من تواضع المقابل المادي الذي يحصل عليه المستحقين، إلا أن الفاسدين لم يتورعوا عن ذلك المال.

دليل آخر على وصول دعم تكافل إلى غير المستحقين، ما كشفه سامر الناغي رئيس وحدة الشئون الاجتماعية بأبو كبير، حيث ذكر في لقاء له على قناة LTC أنه بسبب تعجل الوزارة في تنفيذ المشروع، ورغبتها في ضم أكبر عدد من المواطنين إليه، لم يتم فحص الملفات المقدمة جيدا وهو ما أدى إلى حصول الكثير من غير المستحقين على الدعم [28].

مما سبق يمكن تلخيص أبرز نقاط الضعف في النقاط التالية:

1- عدم قدرة برنامجيّ تكافل وكرامة على الحد من معدلات الفقر المتزايدة في مصر، وذلك للضعف الشديد للمقابل المادي.

2- عدم قدرتهم أيضًا على التعاطي وبالتالي الحد من التباينات الجغرافية المذهلة لمعدلات الفقر بين المحافظات المختلفة.

3- حذف الكثير من المستحقين للدعم.

4- تكاسل الكثير من عاملي وزارة التضامن في واجبهم الذي يقتضي منهم بيان مشروطية دعم برنامج تكافل تجاه المواطنين.

5- تكاسل بعض الموظفين عن دراسة بعض الملفات بعناية، كما أن هناك شُبهات عدم نزاهة فيما يخص معالجة استمارات التسجيل.

ويمكن أن نختتم هذا العنصر بما أورده تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن تقييم آثار برامج الدخل النقدي على الفقراء، فقد ذكر ما يلي:

“وبناء على ما سبق نستطيع أن نقول إن السياسات الاجتماعية في مصر خلال السنوات الأخيرة كانت تقترب من النهج الليبرالي الذي يشجع على أن تكون المنافع الاجتماعية متركزة في المكاسب التي تجنيها العمالة من سوق العمل مع تدخل أقل من قبل الدولة في إعادة توزيع المكاسب الاجتماعية، في ظل اعتماد دخل الفرد عنصرًا أساسيّا للانتقائية. ويبدو مزيج السياسات الاجتماعية في مصر الموروث من العقود السابقة، وبعد التعديلات التي تجري به حاليّا، عاجزًا عن توفير الحقوق الاجتماعية الأساسية التي أقرتها الدساتير المصرية، في ظل العيوب الهيكلية في تلك السياسات وعدم ملاءمة النفقات الموجهة لها”[29].

استنتاجات وتوصيات:

على الرغم من أن أهداف مشروع تكافل وكرامة جيدة، إلا أنه عند تطبيق هذا المشروع تبين أنه لم يكن قادرا على تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها.

يُمكن صياغة بعد الاستنتاجات التي اتضحت بعد مرور أربعة أعوام على البدء في تطبيق البرنامج وهي كما يلي:

1-على الرغم من عدم ظهور أرقام رسمية عن معدلات الفقر في مصر – والذي يطرح بلا شك علامات استفهام – في نفس الوقت، تُشير التقديرات الصادرة عن البنك الدولي إلى ارتفاع نسبة الفقر في مصر وليس انخفاضها –أو حتى الحد منها- كما كان يستهدف المشروع، وهو ما يُشير بدوره إلى عدم قدرة البرنامج على تحقيق الهدف الأساسي منه، خاصة في ظل ضعف المخصصات المالية للبرنامجين مقارنةً بأعداد الفقراء في مصر.

2- لم يستطع كلا البرنامجين الوصول إلى الفئات الفقيرة بشكل فعّال، إما بسبب استبعاد قطاعات واسعة منهم، إما بسبب الشروط التي وضعت لحصولهم على الدعم، أو بسبب ضعف الأداء التنفيذي والبيروقراطي، مما أدى إلى زيادة الشكاوى من المواطنين المشتركين في المشروع.

3- لا يستهدف البرنامج بصيغته الحالية إخراج الفقراء من تحت خط الفقر بل يستهدف بالأساس تخفيف معاناتهم، وذلك لأن المقابل المادي الذي يقدمه المشروع غير كافي لإخراج هذه الأسر من تحت خط الفقر. وبهذا الشكل، فإنه لن يكون قادرا في المستقبل على تحقيق هذا الهدف بدون زيادة الدعم المالي للمستحقين ووصول المشروع لفئات أكبر.

4- مع زيادة معدلات الفقر في مصر، والتي تعني زيادة المستحقين لتكافل وكرامة، وزيادة العوز بالنسبة للأسر المشتركة، تقوم الحكومة بخفض عدد الأطفال المستحقين للراتب، وجعلهم طفلين بدلا من ثلاثة، وهذا من المؤكد بسبب قلة التمويل.

يمكن صياغة بعض التوصيات العامة التي قد تساعد في المستقبل على زيادة كفاءة وقدرة البرنامجين على الحد من معدلات الفقر في مصر، كما يلي:

1- تكون فرص نجاح برنامج تكافل وكرامة أعلى إذا كان مصحوبا بسياسات اقتصادية وتنموية تعمل على زيادة معدلات التنمية في مصر واستفادة قطاعات واسعه من المواطنين بهذه التنمية. أما إذا لم تتوفر هذه الشروط فإن فرص نجاح المشروع تكون منخفضة. فالمشروع ينبغي أن يرتبط بالأساس بسياسات اقتصادية وتنموية ناجحة.

2- زيادة نسبة البدل المادي المُقدم في المحافظات ذات معدلات الفقر المرتفعة، تحديدًا في صعيد مصر، يعتبر ذلك السلوك تميز إيجابي، تجدر الإشارة إلى أن البرازيل وماليزيا في سياساتهم النهضوية بشكل عام اتبع كلًا منهما بعض سياسات التميز الإيجابي.

3- إعادة النظر في آليات عمل البرنامج داخل الوزارة، بهدف تقليل من البيروقراطية وتجنب حذف المستحقين للدعم.

4- تكليف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالقيام ببحث ميداني لتقييم أثر البرنامج على أنماط استهلاك الفقراء.

5-البدء في تنفيذ حزمة البرامج المُكملة وربطها بتكافل وكرامة، والتي تحتوي على برامج: “لا أمية مع التكافل” و”سكن كريم” و”الألف يوم الأولى من حياة طفل” وكذلك برنامج “فرصة”.

تجدر الإشارة إلى أنه من خلال متابعة الموقع الرسمي للوزارة تبين أن بعض هذه البرامج قد تم البدء فيه، ولكن ينقص أن يتم ربطه بتكافل وكرامة، وأن تُعلن الوزارة الانجازات التي تمت من خلال هذه البرامج، حتى لا يتحول برنامج تكافل وكرامة إلى إعطاء رواتب للفقراء فقط، بدون أن يساعد ذلك على تخلصهم من الفقر [30].


الهامش

[1] الموقع الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي جمهورية مصر العربية، الصفحة الرئيسية، حقائق وأرقام تاريخ الوصول: مايو 2019،رابط.

[2]  الحكومة للنواب: ننفق مليار جنيه شهريًا على «تكافل وكرامة»، حسام صدقة، بوابة أخبار اليوم، مارس 2019،رابط.

[3]  محسن خان وإليسا ميلر، ارتفاع معدل التضخم في مصر، مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط،رابط.

[4] الحكومة تنتهي من خطة رفع الدعم عن الوقود وتترك إقرارها لـ«النواب»، منصور كامل، المصري اليوم، ديسمبر 2014،رابط.

[5] وزارة المالية جمهورية مصر العربية، البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/ 2015، يونيو 2014، ص: 45،رابط.

[6]  انظر.. رضا عيسى وراجية الجرزاوي، دعم الطاقة لغير المستحقين، استمرار دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة: استنزاف للموارد ومحاباة للأغنياء، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، سبتمبر 2015،رابط.

[7] International Labour Office Social Security Department, Bolsa Familia in Brazil: Context, concept and impacts, Geneva, March 2009, P: 8-9.

[8] Judit Ricz, TOWARDS A NEW MODEL OF STATE-LED DEVELOPMENT IN BRAZIL ?, Centre for Economic and Regional Studies of the Hungarian Academy of Sciences, Institute of World Economics, October 2015,link.

[9] Enrique Valencia Lomel´ı, Conditional Cash Transfers as Social Policy in Latin America: An Assessment of their Contributions and Limitations, Annual Review of Sociology, June 2008,link.

[10] Enrique Valencia Lomel´ı, ibid.

[11]  انظر.. أمنية حلمي، كفاءة وعدالة سياسة الدعم في مصر، المعهد المصري للدراسات الاقتصادية، ورقة عمل رقم (105)، نوفمبر 2005،رابط.

[12]  البنك الدولي، قصة برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية، موضوع رئيسي، نوفمبر 2018،رابط.

[13]  وزارة التضامن الاجتماعي جمهورية مصر العربية، تكافل وكرامة، تفاصيل البرنامج، تاريخ الوصول: مايو 2019،رابط.

[14]  المصدر السابق.

[15]  البنك الدولي، قصة برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية، مصدر سبق ذكره.

[16]  وزارة التضامن الاجتماعي جمهورية مصر العربية، تكافل وكرامة، تفاصيل البرنامج، مصدر سبق ذكره.

[17]  بعد قصره على طفلين.. ما شروط الحصول على «دعم نقدي»؟، رنا عبد الصادق، جريدة التحرير الجديد، يناير 2019،رابط.

[18]  الموقع الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء جمهورية مصر العربية، بحث الدخل والإنفاق، إصدار سبتمبر 2016، تاريخ الوصول: مايو 2019،رابط.

[19] جهاز الإحصاء يعلن نتائج بحث الدخل والإنفاق 2017 في منتصف يناير، إيمان منصور، مصراوي، أغسطس 2018،رابط.

[20] إعادة النظر في نتائج بحوث الإنفاق والدخل بعد اعتراض “جهات عليا”، شيماء البدوي وايمان رضوان، جريدة البورصة، مايو 2019،رابط.

[21] المصدر السابق.

[22] البنك الدولي، مجموعة البنك الدولي تمدد استراتيجيتها الحالية في مصر لمدة عامين، بيان صحفي، أبريل 2019،رابط.

[23] البنك الدولي، وثيقة معلومات مشروع تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي، فبراير 2015،رابط.

[24]  حذف 172 ألف مصري من برنامج “تكافل وكرامة”، العربي الجديد، مارس 2019،رابط.

[25]  المصدر السابق.

[26] كليمنس بريسنجر وآخرون، تقييم أثر برنامج الدعم النقدي “تكافل وكرامة”: تقرير ملخص للنتائج والسياسات، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ملخص السياسات، أكتوبر 2018،رابط.

[27] المصدر السابق.

[28] رئيس وحدة الشئون الاجتماعية يفضح مخالفات مشروع تكافل وكرامة على الهواء، قناة LTC، يوتيوب، تاريخ الوصول: 17 مايو 2019،رابط.

[29]  محمـد جاد وحسناء محمـد، النقود وحدها لا تكفي: تتبع آثار برامج الدعم النقدي على الفقراء: نظرة على “التحويلات النقدية” في إطار السياسات الاجتماعية بمصر، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الطبعة الأولى/فبراير 2018، ص: 11،رابط.

[30] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close