fbpx
تقديرات

تنظيم الدولة: ما بعد استهداف الكنيسة البطرسية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة:

بتاريخ 19 فبراير 2017، نشر تنظيم الدولة إصداره المرئي (وقاتلوا المشركين كافة)، حول عمليته في استهداف الكنيسة البطرسية في القاهرة في شهر ديسمبر 2016، مستهدفاً فيه توجيه عدة رسائل لشرائح مختلفة بدء من الكنيسة ثم المسيحيين بصفة عامة ثم عموم الشباب المسلم، ثم طبقة الدعاة والعلماء المؤيدة من أزهر وسلفيين والمعارضة للنظام من جماعة الإخوان، الإصدار جاء ليؤكد ما يمكن اعتباره تأسيس مرحلة عمل جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية داخل الأراضي المصرية، فما هي (الرسائل، وطبيعة المعركة القادمة)؟ ومن المستفيد على المدد الزمنية المختلفة؟

 

أولاً: الإصدار ـ المضامين والأهداف:

حرص التنظيم من خلال هذا الإصدار على تحقيق عدة أهداف عبر عدة رسائل كالتالي:

الهدف الأول: إظهار طائفية الكنيسة المصرية والمسيحين ضد المسلمين بمصر، عبر عدة مشاهد:

إبراز تصريحات عنصرية متعددة صادرة من قبل قساوسة ورجال دين تابعين للكنيسة المصرية وأيضاً لشباب مسيحي في المظاهرات التي حدثت في اعتصام ماسبيرو عام 2011 (إذا كان كل المسلمين مجانين فاحنا مش مستعدين نعيش مع مجانين، أصل القبطي هو صاحبها، مصر دولة مسيحية)، وهذا في الدقيقة الأولي من الإصدار المرئي.

إبراز خطاب الكراهية في الهتافات المسيحية، وما فيه من تلويح بالحرب (انسي القبطي بتاع زمان بكره هنضرب في المليان)، حيث سيقوم بالتأسيس على هذا الخطاب كنتائج فيما بعد.

ابراز سب رسول الله صلي الله عليه وسلم على بعض الفضائيات المسيحية وتحديداً عل لسان (مرقص عزيز، وزكريا بطرس)، مع التأكيد أن هذا يتم برضاء الكنيسة المصرية، مستدلين بذلك بلقاء تلفزيوني عقده المذيع/ عمرو أديب مع البابا شنودة، وذكر له فيه مسألة سب الرسول متسائلاً (أنت عجبك الكلام الي بيقال؟)، وتبرير البابا لهذا السب ومطالبته ان هذا يأتي في اطار التساؤل وأن المسألة مسألة حوار.

 

الهدف الثاني: تفنيد الإدعاء بالإضطهاد، وابراز القوة الإقتصادية والإعلامية لهم مقارنة بالتعداد السكني، كالتالي:

إبراز االأعداد الحقيقية للمسيحيين وتفنيد ما تزعمه الكنيسة المصرية من أن تعداد المسيحين بمصر يقارب الـ 18 مليون، رغم أن الصحيح هو 4 مليون (وفق تقديرات الفاتيكان، وفق الإصدار).

مقارنة ذلك بما يستحوذونه من نسبة 40% من الإقتصاد الصري، مع ذكر أمثلة: (أوتو غبور، بشاي للصلب، أوراسكون، أورانج)، ووجود ثلاثة من رجال الأعمال المسيحيين على رأس قائمة أغنياء مصر.

امتلاك المسيحيين مؤسسات إعلامية وصحفية وقنوات فضائية تابعة لهم، مثل (المصري اليوم).

 

الهدف الثالث: إبراز الدور السياسي للكنيسة المصرية بشكل عام، ودعمها للنظام العسكري بشكل خاص، عبر:

أنها تعمل كدولة داخل الدولة، وتحظي بدعم الدول الغربية (مستدلاً على ذلك بلقاءات متعددة وزيرات رسمية سياسية تم بين الكنيسة ودول أخرى).

القول بتغلغلهم داخل مفاصل ودواليب الدولة المصرية ومنها القضاء، مع ابراز احدى نواتج ذلك من احكام بالإعدام.

الإستشهاد بتصريحات رسمية داعمة للنظام العسكري صادرة من البابا تواضروس رأس الكنيسة المصرية يقول فيها: (اعمل وتحمل هذه المسئولية ونشاركك جميعاً فيها)، (نصلي كل يوم من أجل رئيس الأرض والجيش والوزراء والجنود هكذا تعلمنا الكنيسة)، مع تضمين بعض المشاهد خلال هذا التصريح لقيام قوات الجيش بقصف لبيوت المدنيين من سكان شمال سيناء، وقصف للمساجد، وجثث لضحايا القصف من الأطفال، وصور من تعذيب الجنود لأحد المعتقلين قبل تصفيته جسدياً لاحقاً).

إبراز أن مسألة الدعم ليست قراراً من رأس الكنيسة إنما توجه عام من القساوسة، عبر مشاهد متعددة لتصريحات لهم ابرزها قول أحدهم: (مين بص للسيسي الجميل والوسيم ومحبوش، أنا عن نفسي أذوب عشق فيه).

التشديد على أن المسيحيين شركاء في كل جرائم نظام السيسي، عبر إبراز تصريح المحامي المسيحي/ نجيب جبرائيل: (نحن بيننا وبين الرئيس السيسي زواج كاثوليكي، لا ينتهي إلا بالموت، وداعمين للرئيس السيسي من البداية حتى النهاية).

 

الهدف الرابع: الضرب المعنوي واظهار نفاق التيارات الإسلامية المناهضة للتنظيم أو المختلفة معه فكرياً، ووصفهم بالردة:

وصف حزب النور بالحزب المرتد، واظهار تعزية الحزب بحق بعض المسيحيين مصر الذي أعدمهم التنظيم في ليبيا، وإبراز ما قاله ممثل وفد حزب النور وهو يقول (نعزي إخواننا في هذا المصاب).

تكفيرهم لجماعة الإخوان المسلمين بدءاً من المرشد العام لها (دكتور محمد بديع)، مروراً برئيس الجمهورية (دكتور محمد مرسي)، وترافق هذا مع ابراز تهنئة مرسي للبابا شنودة والمسيحين في عيد ميلادهم، وترحم د. مرسي على البابا شنودة وقوله (رحمه الله)، وثنائه على البابا شنودة.

ذكر حادثة تولي القاضي المسيحي/ أميل حبشي ملكية عبد المسيح، الحكم بالإعادم شنقاً على بعض الجهاديين في عهد د.مرسي، والإستدلال بذلك على أن مرسي طاغوت مرتد.

الحط من قيمة المعارضين للتنظيم من بعض العلماء والدعاة من تيارات بعضها أغلبها تابع للنظام المصري (أحمد الطيب، محمد حسان، خالد الجندي)، ما عدا شيخ واحد وهو (عصام تليمة) المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بمصر، حيث أسماهم التنظيم “حمير العلم”.

 

الهدف الخامس: بث رسائل تحريضية للشباب في مصر:

أن مصر وغيرها من الدول التى لا تحكم بشريعة الإسلام فهي ديار كفر ودول طواغيت، لا يمكن القول فيها أن النصاري هم أهل ذمة أو معاهدين.

التدليل بالوثيقة العمرية، على أنه لا أمان لمسيحي مصر لمخالفة كنيستهم لكل شرط وعهد.

أن جزء كبير من المظالم التى تحدث بمصر وأهلها، يتحمل المسيحيون فيها الجزء الأكبر.

أن المسيحيين أعانوا السيسي في قصف المساجد، وكان الجزاء هو دعمهم وترميم الكنائس والمعابد، ومميزات أخرى.

تحريض الشباب على قتل كل مسيحي كافر، وكل مرتد ممن يعاونهم أو يعاون النظام، وأنه لايجتمع في النار كافر وقاتله.

كلمة للمنفذ، مفادها: أنه لايأتي النصر إلا بالبلاء، ورسالة للأسرى، بأنهم  قريباً سيحررون القاهرة، ويضربوا بالمفخخات، ويفكوا الأسرى.

 

الهدف السادس: إرسال رسالة للكنيسة المصرية والمسيحيين:

نتيجة تدخل الكنيسة في الصراع السياسي بشكل صريح، فلقد أصبحتم الآن داخل دائرة الصراع.

لن ينفعكم النظام العسكري الذي عجز عن حماية جنوده وضباطه في سيناء، من أن نستهدفكم.

ستكونون وقود إشعال لهيب حربنا، وأن عملية الكنيسة البطرسية لن تكون الأولى.

 

ثانياً: ملاحظات حول الإصدار:

1ـ الإصدار لم يحظ بالإنتشار الإلكتروني الكافي، وهو ما يدل على تأثر التنظيم وآلاته الدعائية بالحرب الإلكترونية التى تشن ضده، إلا أنه ورغم ذلك فإن الإصدار تم رصده من قبل وسائل إعلام متعددة حرصت على تناوله ومنها موقع “عربي21” والذي قام بتضمين المادة المرئية للإصدار ضمن الخبر.

2ـ بالنظر في المادة الفيلمية، يلاحظ أن:

(أ) الإصدار دعائي تحريضي، والمستوى الفني للإصدار منخفض نسبياً مقارنة بإصدارات سابقة للتنظيم، وضعف المستوى الخطابي النفسي للكلمة الرئيسية التى قام أحد أعضاء التنظيم بسيناء بالقائها، وهو ما يدل على حجم الخسائر الذي يعاني منه التنظيم في الكوادر، حيث أن هذه الملحوظة ليست خاصة بمصر فقط، ولكن رغم ذلك جاءت كلمة أحد المقاتلين في الإصدار حماسية تعوض هذا النقص.

(ب) أن الإصدار لم يهتم بالخوض بتفصيل في الأدلة الشرعية حول مسبباته في استباحة دماء المسيحيين، وبالمثل حول تكفير وحكمه بالردة على جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور وبعض الدعاة الذي أظهرهم في الإصدار.

(ج) الإصدار لم يهتم بالرد على اعتراضات بعض المتعاطفين مع التنظيم حول عدم جواز استهداف النساء والأطفال تعمداً، حيث كان معم ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية منهم.

(د) اهتم الإصدار بجعل المشاهد يعقد مقارنة بين ترميم الكنائس وقصف وتهديم المساجد، وكلمات عن بابا الكنيسة والقساوسة للنظام ومشاهد لبعض عمليات الجيش ضد المدنيين من المسلمين.

(هـ) حرص مخرج الإصدار على أن تكون كلمة عضو التنظيم الرئيسية بين حطام مسجد تم قصفه من قبل قوات الجيش المصري بمنطقة شمال شرق سيناء، وكلمة المقاتل بين منازل للمسلمين قد هدمت نتيجة استهدافها من قبل قوات الجيش.

3ـ تجاهل الإصدار اعتراضات بعض مؤيدي التنظيم من أن عملية الكنيسة البطرسية نتج عنها مقتل نساء وأطفال فقط، وأن الشريعة الإسلامية تنهي صراحة عن تعمد تقصد استهداف ونساء المشركين حتى في الحروب، فلم يمر التنظيم على هذه النقطة ولو بالتوضيح، وهو ما فسره البعض أن التنظيم يمر بطور من التطور أكثر عنفاً ودموية.

4ـ اعتمد الإصدار في تكفيره دكتور محمد مرسي، على حادثة تولية أحد القضاة المسيحيين والذي حكم على مجموعة من المسلمين بالإعدام على ذمة إحدى القضايا، ولكن من المعلوم ان سلطة القضاء لم تكن تخضع له في هذا الوقت، بل إنه لم يكن يملك من أمر السطة شىء سوى بضع تصريحات، وعل حادثة الإتحادية نموذجاً، حيث قال إن متسببي الأحداث تم القبض عليهم وسيعاقبون، ليقوم المحامي العام لشرق القاهرة/ مصطفى خاطر، حينها بالرد عليه بالإفراج عن كل من تم القبض عليه، أيضاً قام الإصدار بإصدار أحكام الردة على مجموعة من المنتقدين له أكثرهم موالين للنظام، دون تبيان سبب الحكم بردتهم ومناطات ذلك.

5ـ نسب الإصدار للمسيحيين كل بلاء، رغم أن معظم الإنتهاكات التى تمت في مصر خلال السنوات الماضية كانت جزء رئيسي منها يصدر من أناس ينتمون اسمياً للمسلمين، بل وحتى في تصويره لهذا وذكره المؤسسات الإقتصادية ورجال الأعمال المسيحيين المرتبطين بالنظام وكبار القساوسة، فإن استهدافه لم يطل أى من هؤلاء، بل طال الفئات الأدنى من الطائفة المسيحية، وهو ما يدفعهم أكثر في أحضان الكنيسة ورجال الأعمال ليكونوا وقود حرب، فهل هذا من المستهدفات الخفية؟

 

ثالثاً: هل دقت طبول المعركة القادمة؟

لفهم أبعاد المعركة القادمة لتنظيم الدولة لمصر لابد من فهم عقيدة تنظيم الدولة الدينية والأسس التى ينطلق منها، ثم فهم تطورات تصعيد تنظيم الدولة ضد الكنيسة المصرية وهو ما سبق تناوله بالتفصيل في تقدير موقف نشره المعهد المصري بعنوان “تنظيم الدولة وأبعاد تفجير الكنيسة البطرسية“.

وذكرنا في التقدير حينها أن مثل هذا النوع من العمليات يتم اتخاذه وفق قرارات مركزية في المستويات العليا من التنظيم وليس بشكل فردي من الولايات الفرعية خصوصاً في البداية حيث يتم البناء عليها لاحقاً، وهو ما دفعنا حينها لطرح ثلاثة سيناريوهات، مع ترجيح السيناريو الثالث منها (أن التنظيم قد قرر البدء في محاولة ملء الفراغ المواجه للنظام الحاكم في مصر، مراهناً في ذلك على الفشل الواضح للتيارات والأحزاب السياسية المصرية، والمراهنة أنه وبتصاعد عملياته ستقوم بعض القوى السياسية بالتعاون مع النظام الحاكم ولو بطرح المساعدة داخلياً وتقديم نفسها بديلاً لهذا العنف خارجياً، وأمام هذا الخيار لن يكون أمام الشباب الرافضين من داخل جماعة الإخوان والتيارات المتحالفة معها وعموم الشباب، خيار سوى الالتحاق بتنظيم الدولة وتعزيز قوته، مع استغلال التنظيم لهذا التوجه لإثبات خطابه الديني القائم على أن جماعة الإخوان في مصر مثلهم مثل اخوان العراق وغيرهم، وهو ما يحرص التنظيم دائماً على تأكيده دوماً).

وفي اطار ايجاد موطأ قدم ناجح فلابد من خلخلة القبضة الأمنية والعسكرية للنظام المصري وهو ما لن يأت سوي بإيجاد حالة من الفوضى تسمح بانتشار التنظيم وتواجده على الأرض بشكل فعال، وفي هذا الإطار يبدو أنه يعتمد التالي:

1ـ كسر القبضة الأمنية والعمل على ايجاد صراع ديني طائفي أكثر وضوحاً وصراحة، ولعل في هذا الإطار يعمل التنظيم على توظيف أفعال الكنيسة المصرية ومنهجها منذ تولي البابا شنودة سابقاً، ضدها، حيث حرصت الكنيسة على اللعب بالورقة الطائفية للضغط على النظام الحاكم من أجل مكتسبات أكبر في مقابل دعم سياسي محلي ودولي، وهو ما خلق حالة من الغضب المكتوم بين عموم الشعب بمختلف فئاته.

فبينما يري المسلمون أن المسيحيون يرتكبون الانتهاكات ضدهم ويأخذون ما يريدون بدعوى المظلومية، يري المسيحيون أنهم مضطهدون وينظرون لهم بنظرة عدائية، بينما لا ينسي الشباب الحركي الإسلامي موقف تسليم وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته إلى الكنيسة بعد أن اشهرتا اسلامهما، ثم موقف الكثير من النخب الثورية الشبابية والتى لاتنسي موقف الكنيسة الداعم لنظام محمد حسني مبارك سياسياً وموقفها المعارض من مشاركة المسيحيين في الثورة المصرية.

وهنا سيعمل التنظيم بناء على هذا على كسر القبضة الأمنية على العاصمة والمدن الرئيسية وزيادة مساحة العمل الخاصة به، وذلك برفع معدلات استهداف المسيحيين لخلق حالة من الغضب والفوضي، يعزز فيها تلك الحالة الفوضوية حالة الفشل الإقتصادي للنظام، وفي حالة نجاحه في هذا سيشتت الجهد الأمني للنظام الحاكم وتتشتت قواته في ظل فوضي يصعب كبح جماحها في ظل وجود أطراف متعددة داخلية وخارجية (الكنيسة، تنظيم الدولة، مجموعات من النظام الحاكم، دول خارجية) لكل منها مصالح متشابكة ومكتسبات تريد الحصول عليها في ظل هذا الوضع.

2ـ التنبؤ بالمواقف السياسية للجماعات المعارضة بناء على خبرة التنظيم في العراق وسوريا وليبيا، وفي هذا الإطار يعمل التنظيم على التنبؤ أحياناً أو التعجيل بدفع اعدائه للتعاون مع الأنظمة الحاكمة أو النظام الدولي لإستهدافه اختصاراً للوقت، لينطلق من هذا ويؤسس على حكمه عليهم بالردة لتعاونهم مع الكفار ضد المسلمين.

ولو نظرنا لتجربة العراق لوجدنا أن الحزب الإسلامي (حزب مقرب من الإخوان المسلمين بالعراق) قد شارك في العملية السياسية تحت ظل الإحتلال الأمريكي، وهو ما جعل التنظيم يحكم عليه بالردة.

وفي سوريا قامت أكبر الفصائل السورية ومنها حركة أحرار الشام بالقبول أخيراً بعد مقتل قادة الصف الأول والثاني ثم تغيير قيادتها أكثر من مرة، قبلت بالمشاركة في عملية درع الفرات تحت غطاء جوي متعدد (تركي، أمريكي، روسي)، وفي ليبيا قبلت الأحزاب الليبية وحكومة السراج والقوات المنضوية تحته بانتزاع مدينة سرت من قبضة التنظيم تحت غطاء الطيران الأمريكي، وكل هذه التجارب لم تسهم في ضعف التنظيم سوى على المدي القصير ولكنه تصب في صالحه على المدى الطويل حتى الآن.

3ـ متيقناً بفشل تيارات وأحزاب المعارضة السياسية المصرية، يري التنظيم أن العائق الوحيد أمامه سيكون في جماعة الإخوان المسلمين، وفي سبيل هذا فإن التنظيم يراهن على نجاح القيادة التاريخية للإخوان بالسيطرة على تنظيم الإخوان كلياً، والمراهنة على أنه وبتصاعد انفلات الوضع الأمني بمصر، ستقوم هذه الجبهة بتنبي نفس خيارات الإخوان في فترات الصراع المسلح الذي أعقب اغتيال السادات، بالإنحياز والتعاون مع النظام الحاكم ولو بطرح المساعدة داخلياً وتقديم نفسها بديلاً لهذا العنف خارجياً، وأمام هذا الخيار لن يكون أمام الشباب الرافضين من داخل جماعة الإخوان والتيارات المتحالفة معها وعموم الشباب، سوى الإلتحاق بتنظيم الدولة وتعزيز قوته، مع استغلال التنظيم لهذا التوجه من هذه الجبهة لإثبات خطابه الديني القائم على أن جماعة الإخوان في مصر وقيادتها تحديداً مثلهم مثل اخوان العراق وغيرهم.

وفي هذا الإطار لا ينفك التنظيم في العمل على ترسيخ معاني ردة جماعة الإخوان المسلمين ورموزها، وهو ما أكده التنظيم في اصدارات وكلمات متعددة وقد كان آخرها قبل هذا الإصدار، في الشريط الأخير في شهر ديسمبر 2016 للمتحدث الإعلامي للدولة الإسلامية “أبي حسن المهاجر” الذي وصف فيه جماعة الإخوان المسلمين صراحة بـ ” إخوان الردة “، ولكن وفي اطار أن التنظيم يعلم أن هناك انقساماً داخل جماعة الإخوان، فلقد حرص على استهداف أحد المحسوبين على الشق الثاني في الجماعة وهو (الشيخ/ عصام تليمة) ليبرز التنظيم لمناصريه أنه لا اختلاف عميق بين الطرفين فالمشكاة واحدة.

4ـ استقراء التنظيم لحالة التجفيف والإستهداف التى تتعرض لها التنظيمات المسلحة الصغيرة المصرية، وبدء استعداده ليكون هو البديل الوحيد لأبناء وأفراد تلك التيارات فيتم استقطابهم وتوحيدهم تحت اطاره التنظيمي.

 

خاتمة:

في ظل الاعتبارات السابقة، يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات الأساسية:

1) يظهر أن التنظيم يستلهم في تحركاته التجربة العراقية والصراع الشيعي السني ونجاح انتشار التنظيم، ولكن يتم اغفال أن العراق قد تعرض للإحتلال الأمريكي وهو ما أعطي شرعية لوجود حركات جهادية بشكل سريع وفعال، ثم قام الإحتلال الأمريكي بتفكيك المؤسسات الأمنية كلها، مما منع أى نظام حينها من الإستفادة من تلك المؤسسات وقبضتها، كما أنه سمح للتنظيمات الجهادية باستقطاب بعض من أفراد تلك المؤسسات والبناء عليه.

2) تحظى الأجهزة الأمنية في مصر بدعم مطلق وامكانيات هائلة لبسط السيطرة الأمنية على المدن الرئيسية، وتوجيه ضربات استباقية لتجفيف أى هجمات، وهو ما يشهد نجاحاً حتى الآن، ولكن يصعب استمرار هذا النجاح لفترة طويلة نتيجة عوامل متعددة منها: الإرهاق الناتج عن طول فترة الصراع، والغرور المكتسب لدي الأجهزة الأمنية من نجاحها، وهو ما ينتظره التنظيم لإيجاد ثغرات يستطيع من خلالها تنفيذ ضربات مفصلية.

3) في حالة نجاح اشعال الأوضاع في مصر بشكل طائفي، فإن هذا قد يكون ناجحاً على المدى القصير في إفراغ طاقة الغضب المجتمعي الحادثة حالياً، إلا أن عواقبه كارثية على المدى المتوسط والطويل الأمد، حيث أن التجارب أثبتت أن الاستراتيجيات والاستهدافات قصيرة الأجل دائماً ما تنتهي لصالح صاحب الإستراتيجية طويلة الأمد (1).

—————————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close