ترجمات

جورجيو كافييرو: لماذا تنقلب حركة “ماجا” على إسرائيل؟

 في 13 أغسطس 2025، نشر موقع “The NEWARAB”، وهو موقع إخباري رائد باللغة الإنجليزية يُعنى بتغطية أهم الأخبار من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجهما بشكل معمّق، ويطرح آراءً وأصواتاً تُعزز خطاباً تقدمياً ضد السرديات الاستبدادية والطائفية، مقالاً تحليلياً مهماً بعنوان: “لماذا تنقلب حركة “ماجا” على إسرائيل؟”، لـ “جورجيو كافييرو”، وهو الرئيس التنفيذي لشركة “جلف ستيت أناليتيكس”، يرصد ويحلل الظاهرة المتنامية بسرعة والمتمثلة في الانتقادات الحادة التي يوجهها رموز تيار “الماجا” لإسرائيل، ولنفوذها الكبير على صنع القرار الأمريكي، حتى لو كان في غير صالح الولايات المتحدة.

يقول كافييرو إنه على الرغم من أن الركائز التقليدية للدعم الحزبي لإسرائيل لا تزال قائمة على المستوى المؤسسي – مدعومة بجماعات ضغط قوية ومتبرعين أثرياء – إلا أنه يبدو على هذه المؤسسات مؤشرات توتر تحت وطأة التغير الذي طرأ على القواعد الشعبية للحزب الجمهوري؛ حيث تتزايد وتيرة المعارضة لإسرائيل من داخل قاعدة دونالد ترامب الشعبية اليمينية من حملة “ماجا” (اجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، مما يشير إلى بدء تصدع الدعم القوي للتحالف الأمريكي الإسرائيلي.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

في سياق صبّ جام غضبها على “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” (أيباك)، وجّهت مارجوري تايلور جرين، عضو الكونجرس الأمريكي، مؤخراً هذه الكلمات لجماعة الضغط الأكثر نفوذاً المؤيدة لإسرائيل في واشنطن: “بإمكانكم أن تتدخلوا. أنا مستعدة تماماً لهذا، وهذه معركة سأخوضها، وسأبذل قصارى جهدي، ولكني أضمن لكم أنكم ستخسرون لأن أمريكا قد سئمت”.

إن اتهام جرين لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة – ومطالبتها بتسجيل أيباك كجمعية ضغط أجنبية – يمثل أكثر من مجرد مواجهة شخصية. إنه يشير إلى تحول سياسي أكثر عمقاً: حيث هناك معارضة متزايدة لإسرائيل داخل قاعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حركة “ماجا”، التي كانت مؤيدة لإسرائيل، حيث يتصدع الدعم القوي للتحالف الأمريكي الإسرائيلي.

ففي شهر يوليو، على سبيل المثال، قال ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس ترامب، وزعيم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، في بودكاست (محتوي صوتي متوفر عبر الإنترنت) له إن من هم دون سن الثلاثين في حركة “ماجا” أو (اجعل أمريكا عظيمة مجدداً”) لم يعد لديهم سوى “دعم ضئيل جداً لإسرائيل”.

ويبدو أن استطلاعات الرأي تؤكد ذلك، حيث لا يؤيد سوى 32% من البالغين الأمريكيين العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل على غزة، وفقاً لمؤسسة جالوب، وهو أدنى مستوى قياسي منذ بدء الحرب. وتنخفض هذه النسبة إلى 9% فقط بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً من جميع الأحزاب السياسية.

وتفسر عدة عوامل تراجع دعم إسرائيل بين مؤيدي حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً”، لكن أبرزها الشفافية المتغولة لتطورات الحروب الحديثة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. فمنذ أكتوبر 2023، استقبل العالم سجلّاً آنياً وغير مُفلتَر للإبادة الجماعية التي تجري في غزة. وعلى عكس الصراعات السابقة، فقد تم بثّ هذا الواقع المروع بشكل مباشر، وتم نشره على تويتر وبثّه للعالم أجمع – كمادة خام دون مونتاج ودون رقابة. فالصور الصادرة من القطاع الفلسطيني المحاصر مروّعة للغاية: جثث أطفال هامدة تُنتشل من تحت الأنقاض، ومستشفيات مدمَّرة، وأحياء تحولت إلى رماد.

وبالنسبة للعديد من أفراد قاعدة حملة ماجا (اجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، الذين كانوا يقفون تقليدياً جنباً إلى جنب مع إسرائيل من منطلق التوافق الأيديولوجي أو النبوءات الإنجيلية، فإن هذه المشاهد كانت بمثابة حافز لإعادة تقييمهم للأمر. 

وما كان يُعتبر في نظر معظم الأمريكيين حليفاً نبيلاً يدافع عن نفسه في وجه ما يزعم أنه “تطرف إسلامي”، يُنظر إليه الآن من قِبل عدد متزايد من المواطنين الأمريكيين على أنه دولة شديدة البأس تُمارس قسوةً مفرطةً على شعبٍ أسير. 

ففي مقابلة لـ “مات داس”، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية (CIP)، مع موقع “NEWARAB”، قال: “إن صور الأطفال الذين تُجوّعهم إسرائيل عمداً في إطار سياستها تجاه غزة تصدم ضمائر الجميع، سواءً كانوا محافظين أو ليبراليين، ديمقراطيين أو جمهوريين”. 

ثورة ضد النُخَب والنُخْبوية

من الواجب فهم القاعدة الشعبية لترامب من حركة “ماجا”، في جوهرها، ضمن السياق الأوسع للسياسة والمجتمع الأمريكي. فقد انبثقت هذه الحركة الشعبوية إلى حد كبير من إحباطات وخيبة أمل الطبقة العاملة من الأمريكيين البيض. وتحت هذه الشعارات والاستعراضات، يكمن تيار أكثر عمقاً بشكل كبير: ثورة جماعية ضد السلطة المتجذرة للنخب السياسية والثقافية والاقتصادية الأمريكية.

وبالنسبة للكثيرين داخل هذه القاعدة، فإن هذه الحركة تُعبّر عن استياءٍ كامنٍ منذ زمن – نابع قي الأساس من عقود من الإهمال الملحوظ، والتشرد الاقتصادي، والاغتراب الثقافي، وتآكل القيم التقليدية – تجاه طبقة حاكمة يمكن اعتبارها في أحسن الأحوال أنها غير مبالية، وفي أسوأ الأحوال أنها معاديةً لنضالاتهم وهويتهم.

وصرح الدكتور نادر هاشمي، مدير مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، لموقع NEWARAB بأن دعم إسرائيل متشابك بعمق مع المؤسسة السياسية الأمريكية، التي تمتد عبر كلا الحزبين الرئيسيين .

وبما أن حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” هي بالأساس “حركة مناهضة للمؤسسة قد فقدت ثقتها بالمؤسسات الأمريكية والديمقراطية الأمريكية”، فإن الكثيرين داخلها يرون أن قضية إسرائيل “مرتبطة بأعضاء الحزبين السياسيين من كلا الحزبين حيث تحظى إسرائيل بدعم قوي من أعضاء الكونجرس”.

وفي إشارة إلى التقارير التي تفيد بأن البيت الأبيض اقترح حرمان الولايات التي تقاطع إسرائيل من الإغاثة والمعونة الفيدرالية في حالات الكوارث، أكد الدكتور هاشمي أن هذا التطور “يُلقي الضوء على جوهر القضية” التي تُؤجج الاستياء تجاه إسرائيل بين شرائح من قاعدة ترامب الشعبوية اليمينية.

وأضاف أن “الناس لا يفهمون داخل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” سبب وجود هذا الإذعان والدعم المقدم لإسرائيل على مستويات النخبة العليا في الولايات المتحدة حتى إلى الحد الذي يجعل أي ولاية تقاطع إسرائيل بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان تُحرم من الدعم المالي عندما تقع بها كارثة طبيعية”.

ويسود اعتقادٌ شديد بين مؤيدي ترامب بأن الولايات المتحدة تُخصّص موارداً مُفرطة لبرامج المساعدات الخارجية. ويعكس هذا الرأي رغبةً في إعطاء الأولوية للقضايا الداخلية على الإنفاق الخارجي. وفي هذا السياق، تبرز إسرائيل كأكبر مُتلقٍّ للمساعدات الخارجية الأمريكية بفارقٍ كبير، وهو ما أصبح محور انتقاداتٍ ونقاشاتٍ بين هذه الفئة.

وأشار “مات داس”، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية (CIP)، إلى أنهم “يرون دولةً غنيةً تتلقى مساعداتٍ من دافعي الضرائب الأمريكيين، ويشعرون بتعرضهم للخداع”.

لا للحروب والتدخلات العسكرية في الخارج

ويساهم في معارضة حملة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” (لدعم إسرائيل) رؤيةٌ واسعة الانتشار تعتبر التدخلات الخارجية إلهاءاتٍ مكلفةً عن الأزمات الداخلية المُلحّة. ويتساءل المنتمون إلى هذه الحركة الشعبوية المؤيدة لترامب، وبشدةٍ مُتزايدة، عن سبب استمرار واشنطن في استثمار الدماء والأموال في صراعاتٍ خارجية بينما تنهار البنية التحتية، وتتدهور المدن، وتستمر الصعوبات الاقتصادية في الداخل.

وتتناقض هذه النظرة العالمية بشكلٍ صارخ مع الرؤية التي يتبناها أشدّ المُدافعين عن إسرائيل في الولايات المتحدة، وخاصةً المحافظون الجدد، الذين يُناصرون إبراز القوة العسكرية الأمريكية في الخارج بشكل عدواني. فبالنسبة لهم، يُعدّ الحفاظ على وجود قوة مهيمنة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى أمراً أساسياً لتأمين المصالح الأمريكية ودعم نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة.

لكن بالنسبة للكثيرين في حركة “ماجا”، تبدو مثل هذه التدخلات بمثابة خيانة من حيث: “استخدام أموال دافعي الضرائب وأرواح العسكريين لخدمة أولويات خارجية لا تُقدّم عائداً ملموساً يُذكر للأمريكيين العاديين”.

وأصبح هذا الانفصال أحد أهم مصادر التوتر التي تُغذّي التشكك داخل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً”، وفي كثير من الحالات، معارضتها الصريحة، تجاه إسرائيل والائتلاف الحزبي في الكونجرس الذي يدعمها.

ولا يقتصر الأمر على إسرائيل بحد ذاتها – بل يتعلق بخيبة أمل أوسع نطاقاً تجاه الفرضية الكاملة للدور العالمي لأمريكا، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث جعلت عقود من الحرب العديد من الأمريكيين، على امتداد شرائح واسعة من الطيف السياسي، يتساءلون عمّا حققوه من مكاسب.

و قال مُعين رباني، المحلل السياسي ورئيس تحرير “جدلية”، لموقع “NEWARAB”: “من المهم أن ندرك أننا نتعامل مع جمهور مؤيد تقليدياً لإسرائيل، من جميع النواحي. لكنهم أيضاً من أتباع مبدأ “أمريكا أولاً”، ويدعمون ترامب بشكل كبير لأنه وعد بإبعاد الولايات المتحدة عن المزيد من “الحروب الدائمة”، لا سيما في الشرق الأوسط”.

وأضاف رباني: “من وجهة نظرهم، فإنهم ينقلبون على إسرائيل لأنهم يرونها دولة أجنبية تتلاعب بالولايات المتحدة لشنّ حروب في الشرق الأوسط نيابةً عنها، لا تقتضيها مصالح الأمن القومي الأمريكي.” ووفقاً لرباني، فإن “القشة التي قصمت ظهر البعير” لم تكن الإبادة الجماعية في غزة، بل الحرب الأخيرة ضد إيران.

ويتفق سينا توسي، الزميل الأول غير المقيم في مركز السياسة الدولية، مع هذا التقييم. وقال في مقابلة له مع “NEWARAB”: “هذا التراجع في الدعم… يعكس تشككاً أعمق تجاه الالتزامات الخارجية التي لا تخدم المصالح الأمريكية بوضوح”.

وعلى مدى عقود، افترضت إسرائيل أن الدعم الأمريكي لا يُمكن المساس به. لكن الاستياء المتزايد على جانبي الطيف السياسي (من الحزبين) يُظهر أن هذا الافتراض لم يعد مضموناً.

البلوتوقراطية الأمريكية 

يعارض أغلبية الأمريكيين استمرار نقل الأسلحة إلى إسرائيل، إلا أن البيت الأبيض والكونجرس لا يزالان إلى حد كبير في حالة عدم انسجام مع هذا الرأي العام. وفي قلب هذا التناقض هناك أزمةٌ في الديمقراطية الأمريكية. حيث تفتقر الولايات المتحدة إلى ديمقراطية تمثيلية فاعلة. فما هو موجود هو أقرب بكثير إلى حكم طبقة الأثرياء، وهو نظام تُشكّل فيه السلطة السياسية وتُمارس بشكل غير متناسب من قِبل الأثرياء.

وينبع هذا التشوه إلى حد كبير من غياب لوائح تمويل الحملات الانتخابية القوية والقابلة للتنفيذ. ففي نظامٍ تُسيطر فيه الأموال على الأصوات، يُمكن لأصحاب الثروات الطائلة ممارسة نفوذٍ هائل على نتائج الانتخابات. وبموارد مالية كافية، يُمكن التأثير على أي انتخابات تقريباً – أو حتى شراؤها – من خلال الإعلانات والرسائل والعمليات الميدانية.

ويُساعد هذا الواقع الهيكلي في تفسير الفجوة المستمرة والمقلقة بين تفضيلات الناخبين العاديين وقرارات المسؤولين المنتخبين بشأن السياسات. ويتجاوز هذا الانقسام إسرائيل ويؤثر على مجموعة واسعة من القضايا. وهناك تباين كبير بين الرأي العام في دائرة انتخابية معينة والسلوك التشريعي للممثل المُرسل من هناك إلى واشنطن.

والديناميكية الأساسية بسيطة: فالمسؤولون المنتخبون هم أكثر استجابة لمصالح كبار مانحيهم من استجابتهم لإرادة ناخبيهم. وبدلاً من أن يكونوا قنوات مباشرة لصوت الشعب، فإن العديد من المشرعين يعملون كوسطاء للمصالح المالية النخبوية التي تدعم حملاتهم.

“كما يقول المثل، ‘من يدفع الثمن يحدد اللحن’. أعتقد أن هذا ما يحدث”، قال الدكتور هاشمي لـ “NEWARAB”. وفي مثل هذا النظام، لا تضعف المساءلة الديمقراطية فحسب، بل تُقوّض بشكل جذري في كثير من الحالات.

وأشار رباني إلى أن “الولايات المتحدة دولة ثرية “ذات حقوق تصويت”، مما يعني أن سياسييها يُشترون ويُباعون في السوق المفتوحة. وهذا يجعل الطبقة السياسية شديدة المقاومة للتغيرات في الرأي العام، وأداة في يد مانحيها”. وأضاف: “طبقة المانحين مؤيدة لإسرائيل بشكل ساحق، وغالباً ما تكون كذلك بشكل متعصب. هذه المعادلة لا تزال قائمة، والمرشحون الذين لا يعتمدون على طبقة المانحين هم وحدهم القادرون على إحداث التغيير”.

هل سيُغيّر ضغط “ماجا” سياسة ترامب تجاه إسرائيل؟

وإذا ما سار المزيد من المشرعين الجمهوريين على خطى مارجوري تايلور جرين، عضوة الكونجرس الأمريكي، وإذا ما ازدادت الأصوات داخل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” في معارضتها للدعم الأمريكي لإسرائيل، فإن الخبراء منقسمون حول ما إذا كان هذا التحول داخل القاعدة سيؤثر في نهاية المطاف على دونالد ترامب ويدفعه إلى إعادة تقييم نهج إدارته تجاه القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

ويشير الدكتور هاشمي إلى أن دعم ترامب القوي لإسرائيل مدفوع إلى حد كبير بالدعم الذي يتلقاه من جماعات المصالح الخاصة القوية – وأبرزها المانحون اليمينيون المؤيدون لإسرائيل مثل ميريام أديلسون وشخصيات ثرية أخرى في عالم الأعمال.

ونظراً لثقل هذه التحالفات المالية والسياسية، فإنه لا يتوقع أن تكون المعارضة المتزايدة لإسرائيل داخل قاعدته الشعبية في “ماجا” كافية لإحداث تحول كبير في السياسة الخارجية للبيت الأبيض تجاه إسرائيل.

وقال الدكتور هاشمي لموقع “NEWARAB”: “ترامب، كغيره من السياسيين في الولايات المتحدة، يستجيب لجماعات المصالح الخاصة التي تمول حملته، ويضع سياساته مبنيةً عليها”.

ومع ذلك، يعتقد رباني أن تآكل الدعم لإسرائيل داخل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” من الممكن أن يدفع إلى إعادة تقييم العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع وجود ترامب في المكتب البيضاوي.

ترامب ليس مُنظّراً مُتعصّباً مثل بايدن، وبالتالي فهو من حيث المبدأ أكثر تجاوباً مع ضغوط قاعدته، التي تجاهلها بايدن وهاريس بازدراء. كما أنه شديد الحساسية، ويمكن للمرء أن يراه يُراجع سياساته ليس لأي سبب سياسي مُحدّد، بل لأنه يعتقد أن قادة إسرائيل قد تلاعبوا به أو أهانوه، أو لأنه يسخر منه مؤيدون مؤثرون باعتباره وكيلاً لإسرائيل، كما قال رباني في مقابلة له مع “NEWARAB”.

ومع إقراره بأن ترامب لديه غرائز مؤيدة لإسرائيل، أشار رباني إلى أنه “في نهاية المطاف، هو لا يُخلص لأحد سوى نفسه وعائلته وشركاتهم” وأن “السياسة الخارجية الأمريكية مُتاحة للبيع بطرق لم تكن كذلك من قبل”.

كما أعرب توسي عن قدرٍ من التفاؤل بشأن قدرة حركة “ماجا” على التأثير على ترامب لاتخاذ نهج أكثر توازناً تجاه إسرائيل وفلسطين. وقال: “ترامب يتعامل مع قاعدته الانتخابية بمعاملات تجارية ويتجاوب معها. وإذا استمر تنامي الشكوك تجاه إسرائيل بين ناخبي “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً”، فقد يدفعه ذلك إلى نهج أكثر مشروطية، خاصةً إذا رأى أن تصوير الدعم الأمريكي على أنه أمر مسلم به يصب في مصلحة إسرائيل السياسية”. ومع ذلك، حذّر توسي من هذه النقطة بالإشارة إلى أن “شبكة المانحين المؤيدين لإسرائيل لا تزال قوية، لذا فإن أي تحول من المرجح أن يكون تدريجياً ومُصاغاً في إطار “عقد الصفقات”.

نقطة تحول في السياسة اليمينية

يشير تآكل دعم حركة “ماجا” لإسرائيل إلى أكثر من مجرد انقسام داخل اليمين الأمريكي. إنه يعكس تحولاً أعمق في الوعي السياسي للبلاد – فهو تحولٌ تشكّل نتيجةً لخيبة الأمل من الحروب التي لا تنتهي، والاستياء من النخب السياسية، وتزايد التشكك في التورطات الخارجية التي تبدو منفصلة عن الواقع المعيشي للأمريكيين العاديين.

وعلى الرغم من أن الركائز التقليدية للدعم الحزبي لإسرائيل لا تزال قائمة على المستوى المؤسسي – مدعومةً بجماعات ضغط قوية ومتبرعين أثرياء – إلا أن هذه المؤسسات تُظهر علامات توتر تحت وطأة تغير القواعد الشعبية.

لكن لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه المعارضة المتزايدة داخل حركة “اجعل أمريكا عظيمة مجدداً” قادرة على تغيير السياسة الخارجية الأمريكية بشكل ملموس. فولاء ترامب لقاعدته الانتخابية مُقيّد بغرائزه التجارية وعلاقاته الطويلة الأمد مع المتبرعين المؤيدين لإسرائيل.

ومع ذلك، ففي عصرٍ يصعب فيه تجاهل الرأي العام بشكل متزايد، وحيث تُعيد القوى الشعبوية صياغة قواعد السياسة الأمريكية، لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كان دعم إسرائيل مطلقاً، بل ما إذا كان قابلاً للتفاوض. وفي نهاية المطاف، يكمن في هذا الغموض نقطة تحول محتملة، ليس فقط في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، بل في مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى