fbpx
ترجمات

جوزيف ناي: ملحمتنا في الذكاء الاصطناعي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت بروجيكت سنديكيت، وهي مؤسسة صحفية دولية غير هادفة للربح ومقرها جمهورية التشيك، في 26 نوفمبر 2021 مقالا لجوزيف س. ناي – الابن، عالم السياسة الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفارد؛ حيث جاء المقال تحت عنوان: “ملحمتنا في الذكاء الاصطناعي”، والذي يتناول فيه كتاب هنري أ. كيسنجر، وإريك شميدت، ودانيال هاتنلوشير، “عصر الذكاء الاصطناعي: ومستقبلنا البشري”، الذي صدر العام الماضي 2021. ويُعتبر جوزيف ناي مؤسس نظرية العلاقات الدولية للنيو-ليبرالية، بالمشاركة مع  روبرت كيوهان؛ وهو أيضاً مؤلف كتاب “هل للأخلاق أهمية؟ – الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب”. وقد جاء مقاله على النحو التالي:

يمكن إدراك التأثيرات القوية للذكاء الاصطناعي بالفعل في الأعمال التجارية والسياسة والطب والحرب وتقريباً جميع مجالات الحياة في القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من كل الإمكانات الإيجابية التي تتميز بها التكنولوجيا، إلا أنها أيضاً تشكل مخاطر كبيرة يحسُن معالجتها عاجلاً، وليس آجلاً.

رجل دولة كبير السن ومدير تنفيذي متقاعد لشركة “بيج تيك” وعالم كمبيوتر يجتمعون في إحدى الحانات. ففيم يتحدثون ياتُرى؟ هم يتحدثون بالطبع عن الذكاء الاصطناعي لأن الجميع يتحدث عنه – أو إليه، سواء أطلقوا عليه اسم “أليكسا” أو “سيري” أو أي شيء آخر. فنحن لا نحتاج إلى الانتظار حتى ندرك مستقبلا من الخيال العلمي؛ فقد بدأ عصر الذكاء الاصطناعي بالفعل.

وعلى وجه الخصوص، فإن للتعلم الآلي تأثيراً قوياً على حياتنا، وسيؤثر بشدة على مستقبلنا أيضاً.

وهذه هي الرسالة التي يريد أن يوصلها هذا الكتاب الجديد الرائع “عصر الذكاء الاصطناعي: ومستقبلنا البشري، 2021” الذي قام على تأليفه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري أ. كيسنجر، والرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل إريك شميدت، وعميد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دانيال هاتنلوشير.

وينبه الكتاب إلى أن: الذكاء الاصطناعي سوف يشكل تحدياً أمام الأسبقية والأولوية التي ظل العقل البشري يتمتع بها منذ فجر عصر التنوير.

فهل تستطيع الآلات أن تفكر حقا؟ هل تتمتع بالذكاء؟ وماذا تعني هذه المصطلحات؟ في عام 1950، اقترح عالم الرياضيات البريطاني الشهير آلان تورينج أن نتجنب الغوص في مثل هذه الألغاز الفلسفية العميقة وذلك عن طريق الحكم على الأداء: فإذا لم نستطع التمييز بين أداء الآلة والأداء البشري، فعلينا حينئذ أن نصفها بـ “الذكاء”. فقد كانت معظم برامج الكمبيوتر الأولى تنتج حلولاً جامدة وثابتة مما أدى إلى فشلها في “اختبار تورينج” (وهو اختبار في الذكاء الاصطناعي وضعه ألان تورينج عام 1950)، حيث ظل مجال الذكاء الاصطناعي يتراجع طوال الثمانينيات.

ولكن حدث اختراق في التسعينيات من خلال تبني نهج جديد سمح للآلات بالتعلم بمفردها، بدلاً من الاقتصار على الاسترشاد بالرموز المستمدة من الرؤى المستخلصة من الإنسان.

على عكس الخوارزميات الكلاسيكية، التي تتكون من خطوات للتوصل إلى نتائج دقيقة، تتكون خوارزميات التعلم الآلي من خطوات لتحسين النتائج غير الدقيقة. وقد خرج إلى حيز الوجود بالفعل النطاق الحديث للتعلم الآلي – من خلال البرامج التي تتعلم ذاتياً عن طريق التجربة.

لقد كانت تقنية وضع خوارزميات التعلم الآلي داخل الشبكات العصبية (وهي مستوحاة من تركيبة الدماغ البشري) محدودة في بداية الأمر بسبب النقص في قوة الحوسبة. لكن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة. وفي عام 2017، استطاع برنامج ألفا زيرو، وهو برنامج ذكاء اصطناعي تم تطويره بواسطة شركة ديب مايند التابعة لجوجل، بالتغلب على برنامج ستوكفيش، وهو أقوى برنامج في لعبة الشطرنج على مستوى العالم.

الأمر اللافت للنظر في هذا الأمر ليس في أن برنامج كمبيوتر استطاع التغلب على برنامج كمبيوتر آخر، ولكن في أنه قد قام بتعليم نفسه بنفسه من أجل القيام بذلك.

فقد زود مبتكرو ألفا زيرو برنامجهم بقواعد الشطرنج ووجهوه لتطوير استراتيجية للفوز باللعبة. وبعد أربع ساعات فقط من التعلم من خلال اللعب ضد نفسه، ظهر البرنامج كبطل للشطرنج في العالم، بفوزه على ستوكفيش 28 مرة دون خسارة أي مباراة (وكان هناك 72 تعادل).

تعتمد آلية الأداء لبرنامج ألفا زيرو في أنه يعتمد على قدرته على التعرف على الأنماط  عبر مجموعات واسعة من الاحتمالات التي لا تستطيع العقول البشرية إدراكها أو معالجتها أو توظيفها.

ومنذ ذلك الحين، أخذت أساليب التعلم الآلي الشبيهة بـ ألفا زيرو الذكاء الاصطناعي إلى آفاق أرحب من مجرد التغلب على خبراء الشطرنج البشري، حيث بدأت تكتشف استراتيجيات جديدة تماماً في لعبة الشطرنج. كما يشير المؤلفون، فإن هذا الواقع يأخذ الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد حتى من اختبار تورينج للأداء الذي لا يمكن تمييزه عن الذكاء البشري، لتصل إلى أداء يفوق أداء البشر.

سياسة الخوارزميات

يمكن للشبكات العصبية التوليدية أيضاً إنشاء صور أو نصوص جديدة. ويستشهد مطورو هذه البرامج ببرنامج جي بي تي 3 الخاص بـ أوبن إيه آي كواحد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الأكثر شهرة اليوم.

وفي عام 2019، طورت الشركة نموذجاً لغوياً يدرب نفسه بنفسه من خلال استخدام النصوص المتاحة مجاناً على الإنترنت. وبإعطائه بضع كلمات، يمكنه استقراء جمل وفقرات جديدة عن طريق اكتشاف الأنماط في العناصر المتسلسلة. أي أنه يستطيع تأليف نصوص جديدة ومبتكرة تلبي اختبار تورينج لعرض سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن سلوك الإنسان.

أنا أعرف هذا من خلال تجربتي الشخصية. فبعد أن قمت بإدخال بضع كلمات، أخذ البرنامج يجوب الإنترنت وأنتج في أقل من دقيقة قصة خبرية كاذبة عني، لكن العجيب أنه يمكن تصديق هذا الخبر بالنظر إلى كيفية صياغته ظاهرياً. لقد كنت أعلم أنها قصة خبرية مزيفة عني، لكني لا أنشغل بذلك كثيراً.

لكن، لنفترض جدلاً أن هذه القصة الخبرية كانت عن زعيم سياسي خلال انتخابات كبرى؟ ماذا سيكون مصير الديمقراطية عندما يستطيع مستخدم الإنترنت العادي إطلاق العنان لروبوتات الذكاء الاصطناعي لإغراق خطابنا السياسي في الأيام الأخيرة للانتخابات قبل أن يدلي الناس بأصواتهم مباشرة؟

تعاني الديمقراطية حالياً بالفعل من الاستقطاب السياسي، وهي مشكلة تفاقمت بسبب خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تتطلب فقط “النقر” (وكذلك الإعلان) من خلال خدمة المستخدمين للترويج لوجهات نظر متطرفة (“عُرضت بشكل جذاب”). الأخبار الكاذبة ليست مشكلة جديدة، ولكن من المؤكد أن العمل على تضخيمها بشكل سريع ورخيص وواسع النطاق بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي هو الجديد في الأمر.

قد يكون هناك حق في حرية التعبير، لكن لا يوجد حق في التضخيم بلا قيود.

يجادل المؤلفون بأن هذه القضايا الأساسية تظهر على السطح عندما تستخدم منصات الشبكات العالمية مثل جوجل وتويتر وفيسبوك الذكاء الاصطناعي لتجميع المزيد من المعلومات وفلترتها بشكل يفوق كثيراً ما كان يستطيع مستخدموها القيام به في أي وقت مضى. لكن هذه الفلترة  تؤدي إلى التمييز بين المستخدمين، مما يؤدي إلى تكوين غرف لمناقشة الانعكاسات الاجتماعية مما يثير الخلاف بين المجموعات المختلفة. فما يفترضه شخص ما بأنه انعكاس دقيق للواقع هو في الحقيقة مختلف تماماً عن الواقع الذي يراه الآخرون أو المجموعات الأخرى، مما يعزز الاستقطاب ويعمقه.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يحدد بشكل متزايد ما هو مهم وما هو حقيقي، والنتائج المترتبة على ذلك ليست مشجعة أبداً بالنسبة لصحة ومستقبل الديمقراطية.

تفكيك رموز جديدة

بالتأكيد هناك أيضاً فوائد مرجّحة ضخمة للبشرية من وراء الذكاء الاصطناعي. فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تستطيع قراءة نتائج التصوير الشعاعي للثدي بموثوقية أكبر مما يستطيع الفنيون من بني البشر. (وهذا يثير مشكلة مثيرة للاهتمام بالنسبة للأطباء الذين يقررون تجاوز التوصيات التي يُصدرها الجهاز: هل ياترى سيتم مقاضاتهم لسوء الممارسة؟)

ويستشهد المؤلفون بحالة الهاليسين، وهو مضاد حيوي جديد تم اكتشافه في عام 2020 عندما كلف باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بنمذجة ملايين المركبات في خلال أيام – وهو حساب يتجاوز بكثير القدرة البشرية – من أجل استكشاف طرق جديدة لم يتم اكتشافها أو تفسيرها من قبل لقتل البكتيريا. ولاحظ الباحثون أنه بدون استخدام الذكاء الاصطناعي، كان من الممكن أن يكون الهاليسين باهظ التكلفة أو يستحيل اكتشافه من خلال التجارب التقليدية.

وكما يقول المؤلفون، فإن الذكاء الاصطناعي يعِد بنتائج معمَّقة فيما يخص: ترجمة اللغات، واكتشاف الأمراض، ونمذجة تغير المناخ، وهي مجرد أمثلة قليلة لما يمكن أن تفعله التكنولوجيا لنا.

لا يُهدر المؤلفون كثيراً من الوقت في التفكير حول المخاوف التي تحيط بالذكاء الاصطناعي العام أو البرامج القادرة على القيام بأي مهمة فكرية أو ثقافية، بما في ذلك المهام والمفاهيم ذات الصلة عبر التخصصات المختلفة. وبغض النظر عن مستقبل الذكاء الاصطناعي العام على المدى الطويل، فإن لدينا بالفعل مشاكل كافية في كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مجال التعلم الآلي التوليدي. فيمكنه استخلاص النتائج وتقديم التنبؤات واتخاذ القرارات، لكنه لا يمتلك وعياً ذاتياً أو قدرة على التفكير حول دوره في العالم. فلا يتوفر لديه نوايا أو دوافع أو أخلاق أو عواطف. وبمعنى آخر، فهو ليس معادلاً للإنسان بأي شكل كان.

ولكن على الرغم من محدودية الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي، فلا ينبغي أن نقلل من الآثار العميقة التي سيتركها على عالمنا. وباستخدام كلمات المؤلفين، فإنه:

“نظراً لعدم إدراكنا للعديد من وسائل الراحة الحديثة التي يوفرها بالفعل الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحنا نعتمد ولو ببطء، وبشكل شبه سلبي، على التكنولوجيا دون إدراك حقيقة اعتمادنا عليه أو الآثار المترتبة علي ذلك. ففي الحياة اليومية، أصبح الذكاء الاصطناعي هو شريكنا، حيث يساعدنا على اتخاذ القرار بخصوص ما نأكله، وما نرتديه، وماذا نصدق، وأين نذهب، وكيف نصل إلى هناك… ولكن يتم شراء كل هذه الاحتمالات وغيرها – بدون ضجة إلى حد كبير – من خلال تغيير العلاقة الإنسانية مع العقل والواقع”.

سباق الذكاء الاصطناعي

يؤثر الذكاء الاصطناعي بالفعل على السياسة العالمية. فنظراً لأن الذكاء الاصطناعي هو تقنية تمكين عامة، فإن توزيعها غير المتكافئ لا بد أن يؤثر على توازن القوى العالمي. وفي هذه المرحلة، بينما يعد التعلم الآلي أمر عالمي، فإن الولايات المتحدة والصين هما القوتان الرائدتان في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن بين أكبر سبع شركات عالمية في هذا المجال، هناك ثلاث شركات أمريكية وأربع شركات صينية.

وقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يهدف إلى جعل الصين الدولة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. ويشير كاي فو لي من شركة سينوفيشن فينشرز في بكين إلى أنه مع عدد سكان الصين الهائل، وأكبر شبكة إنترنت في العالم، وموارد بيانات ضخمة، وانخفاض الاهتمام بشأن الخصوصية، فإن الصين تتمتع بوضع جيد في طريق تطوير الذكاء الاصطناعي الخاص بها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لي يجادل بأن الوصول إلى سوق هائل وإلى العديد من المهندسين قد يكون أكثر أهمية من وجود جامعات وعلماء رائدين على مستوى العالم.

لكن جودة البيانات تبدو مهمة بقدر أهمية كميتها، وكذلك الأمر بالنسبة لجودة الرقائق والخوارزميات. وهنا، قد تكون الولايات المتحدة في المقدمة في هذا المجال. حيث يجادل كيسنجر وشميدت وهاتنلوشير بأنه في ظل متطلبات البيانات والحوسبة التي تحد من تطوير ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً، فإن ابتكار طرق تدريب تستخدم بيانات أقل وقدرة أقل للكمبيوتر يمثل حدوداً حاسمة.

الأسلحة والذكاء الاصطناعي

بالإضافة إلى المنافسة الاقتصادية، سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على المنافسة العسكرية والحرب. وباستخدام كلمات المؤلفين، فإن “إدخال المنطق غير البشري إلى الأنظمة العسكرية سيؤدي بالتأكيد إلى تغيير الاستراتيجية”. فعندما يتم نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات التعلم الآلي التوليدي ضد بعضها البعض، فقد يصبح من الصعب على البشر توقع نتائج مثل هذا التفاعل بين تلك الأنظمة. وسيؤدي ذلك إلى إضافة فروقات تخص السرعة واتساع التأثير والقدرة على التحمل.

وبالتالي، فإن الذكاء الاصطناعي سيجعل النزاعات أكثر حدة ولا يمكن التنبؤ بها. وسيكون ميدان الهجوم بالنسبة للمجتمعات الرقمية الشبكية واسعاً جداً بحيث لا يستطيع المشغلون من بني البشر الدفاع عنه بشكل يدوي. وستعمل أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل التي تختار الأهداف وتشترك فيها، ستعمل على التقليل من قدرة التدخل البشري في الوقت المناسب. في حين أننا قد نسعى جاهدين ليكون لدينا عنصر بشري على اطلاع بما يجري، فإنه مع ذلك فستكون المحفزات المرتبطة باتخاذ الإجراءات الوقائية والتصعيد المبكر قوية.

إدارة الأزمات سوف تصبح أكثر صعوبة

ينبغي أن تشجع هذه المخاطر الحكومات على تطوير المشاورات واتفاقيات الحد من التسلح ؛ لكن لم يتضح بعد كيف سيبدو الحد من التسلح للذكاء الاصطناعي.

وعلى عكس الأسلحة النووية والتقليدية – الضخمة، المرئية، عالية الكثافة، والقابلة للعدّ – فإنه سيكون من الصعب التحقق من أسراب الطائرات بدون طيار أو الطوربيدات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وستكون الخوارزميات التي توجهها أكثر صعوبة. وسيكون من الصعب تقييد تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي بشكل عام، بالنظر إلى أهمية التكنولوجيا وانتشارها في كل مكان في الاستخدامات المدنية. ومع ذلك، فربما لا يزال من الممكن فعل شيء حيال قدرات الاستهداف العسكري.

تُميز الولايات المتحدة بالفعل بين الأسلحة التي تدعم الذكاء الاصطناعي وأسلحة الذكاء الاصطناعي المستقلة. فالنوع الأول أكثر دقة وفتكاً ولكنه لا يزال تحت السيطرة البشرية ؛ أما هذا النوع الأخير فيمكن أن يتخذ قرارات قاتلة بدون وجود مشغلين بشريين. وفي ذلك تقول الولايات المتحدة إنها لن تمتلك النوع الثاني من هذه الأسلحة.

وبالإضافة إلى ذلك، فالأمم المتحدة تدرس حالياً موضوع معاهدة دولية جديدة لحظر مثل هذه الأسلحة. لكن هل ستوافق جميع الدول؟ وكيف سيتم التحقق من الامتثال لبنود تلك المعاهدة؟ وبالنظر إلى القدرة التعليمية الفائقة للذكاء الاصطناعي التوليدي، هل ستتطور الأسلحة بطرق تتجنب القيود المفروضة؟ وعلى أي حال، فإن الجهود التي ستُبذل لتخفيف التوجه نحو التشغيل الآلي ستكون مهمة. وبالطبع، لا ينبغي السماح بالتشغيل الآلي في أي مكان يكون قريباً من أنظمة الأسلحة النووية.

تأخر القيادة

على الرغم من كل الوضوح والحكمة في هذا الكتاب الذي تمت كتابته بشكل جيد، أتمنى لو أن المؤلفين كانوا قد أخذونا إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال اقتراح حلول للمشاكل المتعلقة بإمكانية تحكم البشر في الذكاء الاصطناعي في داخل البلاد وخارجها.

هم يشيرون إلى هشاشة الذكاء الاصطناعي لأنه يفتقر إلى الوعي الذاتي. إن هذه البرامج ليست واعية ولا تدرك ما لا تكن تعرفه بالفعل. وعلى الرغم من كل تألقها في التفوق على البشر في بعض المجالات، إلا أنها لا تستطيع تحديد وتجنب الأخطاء الفادحة التي قد تكون واضحة لأي طفل من البشر. وقد قام الروائي الحائز على جائزة نوبل كازو يشيجورو بتسليط الضوء بشكل درامي على هذا الأمر ببراعة فائقة في روايته كلارا والشمس.

وأشار كيسنجر وشميدت وهاتنلوشير أن عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على التحقق من الأخطاء الواضحة من تلقاء نفسه يؤكد أهمية تطوير الاختبارات التي تسمح للبشر بتحديد تلك الحدود، ومراجعة مسارات العمل المقترحة، وبناء المرونة في تلك الأنظمة في حالة فشل الذكاء الاصطناعي. ويجب على المجتمعات أن تسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي في الأنظمة فقط بعد أن يثبت منشئوها ومبتكروها موثوقيته من خلال عمليات الاختبار. وقال مؤلفو الكتاب: “سيكون تطوير برامج الاعتماد المهني ومراقبة الامتثال للتعليمات والرقابة لبرامج الذكاء الاصطناعي – وخبرة التدقيق المحاسبة التي سيتطلبها تنفيذها – مشروعاً مجتمعياً بالغ الأهمية”.

وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي أن تعتمد الصرامة في القانون أو النظام الذي سيُناط به تنظيم هذا الوضع على الخطورة التي تحيط بالنشاط. فينبغي أن تخضع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في قيادة السيارات لرقابة أشد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يتم تفعيلها في منصات الترفيه مثل تيك توك، على سبيل المثال.

ويختتم المؤلفون الكتاب باقتراح تشكيل لجنة وطنية تضم شخصيات مرموقة من أعلى المستويات الحكومية وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية. وسيكون لهذه اللجنة مهمة مزدوجة تتمثل في ضمان أن تظل الدولة قادرة على المنافسة فكريا واستراتيجيا في مجال الذكاء الاصطناعي، مع زيادة الوعي العالمي بالآثار الثقافية للتكنولوجيا. هذه كلمات حكيمة، لكنني كنت أتمنى لو أنهم أخبرونا بالمزيد عن كيفية تحقيق مثل هذه الأهداف المهمة. وفي نفس الوقت، عرض المؤلفون مقدمة رائعة يمكن الاستمتاع بقراءتها حول القضايا التي ستكون حاسمة لمستقبل البشرية والتي ستجبرنا على إعادة النظر في طبيعة البشرية نفسها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close