fbpx
دراسات

حقوق الإنسان عند النظر في الدعوى الجنائية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تعتبر المحاكمة العادلة من أهم ضمانات حقوق الإنسان أمام القضاء بصفة عامة وأمام القضاء الجنائي بصفة خاصة، ومن متطلباتها العلانية والمواجهة وحضور المتهم والخصم والمجتمع ممثلا في النيابة العامة وكذلك المحلفين، وهذا نظرا لدقة مرحلة المحاكمة الجنائية وما يترتب عنها من تقييد أو إنهاء للحرية إن بالحبس أو حتى بالإعدام.

فالدعوى التي تقام أمام المحكمة الجنائية تختلف كلية عن الدعوى التي تقام أمام المحكمة المدنية سواء من حيث سير الإجراءات أو من حيث طريقة إصدار الحكم، فمن أهم أوجه الاختلاف – والتي تنعكس على شخص المتقاضي- نجدها ممثلة بصورة جلية في طرق الإثبات والتكييف، وكذلك السلطة التقديرية للقاضي الجنائي والتي يعطى لها مجالا أكبر من تلك التي توجد لدى القاضي المدني.

ومن ضمانات القضاء الجنائي إعطاء سلطة تقديرية للقاضي الجنائي حيث إن المحاكمة في ظل هذا القضاء تستجمع المشاعر الإنسانية كلها في قاعة المحكمة وفي قاعة المداولات، ولا شك أنه قضاء يساهم فيه أيضا المحلفون مثلما هو الحال في القضاء الأنجلوسكسوني وإن كان دورهم في هذا الأخير أكبر وأوسع بالمقارنة مع قضائنا، لكن البارز هو التأكيد على ضرورة تحصيل دليل بما يتوافق والقانون.

ومن أسس المحاكمة الجنائية ضرورة الحرص على احترام حق الدفاع والمساعدة القضائية لما لها من أهمية في إظهار الحقيقة ومساعدة المتهم، وأيضا في محاولة للحصول على قصاص عادل من الجانب الآخر حماية لحق الضحية في تنفيذ الأحكام الجنائية وتشديد العقوبة سيما بعد صدور حكم يدين المتهم، وهذا لا يمنع من ضرورة البحث عن تنفيذ العقوبة في جانبها الردعي مع التركيز على ضرورة أن تحمل في ثناياها غاية تأهيلية للمحكوم عليه تطبيقا لنظرية الدفاع الاجتماعي، حتى أنه قد يطلق صراح المحكوم عليه بموجب الإفراج المشروط في سبيل تطبيق ما يصطلح عليه بالعقوبة البديلة.

وتقتضي حماية حقوق الإنسان أثناء مرحلة المحاكمة توفير جملة من الضمانات عند نظر الدعوى الجنائية، بدءا بحق المتهم في محاكمة عادلة بكامل متطلباتها من علانية وحضور ومواجهة وشفوية، والأهم أن تكون المحاكمة ناجزة.

فبالإضافة إلى شروط صحة الحكم الجنائي من خلال الالتزام بالوقائع والتكييف القانوني الصحيح لهذه الوقائع، فإنه ينبغي الموازنة بين الإثبات ومشروعية الدليل وبين السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، فهذه الأخيرة تتسع وتضيق لكن ما هو المحدد في كل ذلك، هل هو حرية القاضي وتنصله من كل قيد أم أن له الحق في الاعتماد على العلم الشخصي في أثناء إعمال هذه السلطة للخروج بحكم عادل ونزيه؟

تشتمل الحقوق التي ينبغي توفير ضمانات لها كل الحقوق والحريات الإنسانية بلا استثناء وبلا تجزئة، حيث يتوجب توفير هذه الضمانات وجوبا عند النظر في الدعوى الجنائية بدءا بالحق في المحاكمة العادلة في كل مراحل سير الدعوى الجنائية إلى غاية صدور الحكم الجنائي.

المطلب الأول: حق المتهم في محاكمة عادلة

أهم حق عند نظر الدعوى الجنائية هو بلا منازع الحق في المحاكمة العادلة، ودراسة هذا الحق تتطلب دراسة تفصيلية لضمانات ذلك من علانية وشفوية ومواجهة وكذلك سرعة الفصل في أية قضية وإصدار الحكم فيها، ويتم كل هذا في أثناء السير في إجراءات المحاكمة بدءا بالإجراءات التمهيدية مرورا بمرحلة المرافعة فالمداولة القضائية إلى أن يصدر الحكم الجنائي.

وقد قسم المطلب إلى الفرعيين الآتيين:

الفرع الأول: المحاكمة العادلة وعلاقتها بحقوق الإنسان

الفرع الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة

الفرع الأول: المحاكمة العادلة وعلاقتها بحقوق الإنسان

تعتبر المحاكمة العادلة – القانونية أو المنصفة – من بين أهم الحقوق المعترف بها لشخص المتهم أمام القضاء الجنائي، ولا تتحقق إلا بموازنة دقيقة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وإن لم يكن بالإمكان تحقيق ذلك قدمت المصلحة العامة على الخاصة وقد عرفها بعض الفقه بأنها: “المكنة التي تستوجب مقاضاته بشأن الاتهام الجنائي الموجه إليه أمام محكمة مستقلة محايدة منشأة بحكم القانون قبل اتهامه طبقا لإجراءات علانية يتاح له من خلالها الدفاع عن نفسه مع تمكينه من مراجعة الحكم الصادر ضده من قبل قضاء أكثر علوا من المحكمة التي حكمت عليه”،[1] وينبغي أن تكون المحاكمة العادلة متوافقة وحقوق الإنسان ومتناسقة معها.[2] ويتحدد نطاق المحاكمة العادلة في أثناء سير الدعوى الجنائية بدءا من محكمة أول درجة إلى غاية صدور حكم نهائي بات لا يقبل الطعن فيه بأي شكل من الأشكال.[3] والملاحظ أن المحكمة الدستورية العليا في مصر ميزت بين مصطلحي المحاكمة القانونية والمحاكمة الدستورية حتى لا يحدث بينهما أي خلط، واستخدمت بدلا من ذلك مصطلح المحاكمة المنصفة خلافا لما جاء في المادة (67) من دستور 1971 والذي استخدم مصطلح المحاكمة القانونية، وتعبير المحاكمة المنصفة جاء كذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.[4] أما المجلس الدستوري الفرنسي بدءا من عام 1970 فقد اعتبر أن النصوص الواردة في ديباجة الدستور الفرنسي الصادر سنة 1958 وما تحتويه من مبادئ عامة، لا سيما إعلان حقوق الإنسان لعام 1789، دستور 1946، والمبادئ الأساسية المعترف بها في قوانين الجمهورية، جزءا لا يتجزأ من الدستور الفرنسي، وهو ما يفسر اعتناق المجلس الدستوري الفرنسي معيارا موسعا مكنه من استخلاص ضمانات المحاكمة العادلة والتي من أبرزها حق الدفاع. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد نشب خلاف فقهي بمناسبة تحديد شروط المحاكمة العادلة والتي جاء النص عليها في التعديل (14) للدستور الأمريكي، إلى أن حسم أغلب قضاة المحكمة العليا الأمريكية الأمر واتخذت المحكمة معيار الحقوق الأساسية والذي يضم معظم الحقوق التي وردت في الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان، كما استخدمت المحكمة العليا عدة معايير لمعرفة ما إذا كان الحق مشمولا بحماية التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكي أم لا، ومن هذه المعايير معيار “المبادئ الأساسية للحرية والعدالة”.[5]

بينما لم ترد في الدستور الجزائري لعام 1996 أية إشارة لا بالتلميح ولا بالتصريح لمصطلح المحاكمة العادلة أو ما شابهه من مصطلحات قريبة كالمحاكمة القانونية أو المنصفة، لكن التعديل الجديد بمقتضى القانون رقم 16/01 من خلال نص المادة (56) والتي كانت تحمل الرقم (46) في ظل الدستور السابق كانت فقط تنص على قرينة البراءة وبعد التعديل الأخير زادت عليها بأن ألزمت القضاء ألا يدين أي شخص إلا من خلال محاكمة عادلة تؤمن له احترام كل شروط الدفاع.

وينبغي لتوفر المحاكمة العادلة، والتي هدفها الرئيس هو حماية الإطار القانوني لقرينة البراءة، ألا يتخذ أي إجراء دون إحاطته بضمانات المحاكمة العادلة، وإلا كان تعديا على قرينة البراءة وما تمثله من شرعية إجرائية.

وتقوم المحاكمة العادلة على دعامتين أساسيتين أولاهما: قانون العقوبات وما يحتويه من شرعية الجرائم والعقوبات، أما ثانيتيهما فهو قانون الإجراءات الجزائية وما يسطره من إجراءات واضحة للخصومة الجنائية، ولا يجوز مباشرة أي إجراء جنائي إذا لم يكن مشمولا بضمانات كفيلة بحماية حقوق الإنسان.[6]

ينبغي أن تكون العدالة في إطار القانون لا غير حيث يقال في إنجلترا تعبيرا عن قوة القانون بأنه: قاعدة لينة لكن تحت رقابة صارمة (D’une règle souple mais d’une observation rigoureuse).[7]

ونظرا لوجود اعتبارين متناقضين يسيطران على الإجراءات الجزائية يصعب معهما تطبيق المحاكمة العادلة، حيث يتمثل الاعتبار الأول في الحرص على الوصول إلى الحقيقة بشكل فعال وهو ما قد يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، أما الاعتبار الثاني فيتمثل في الحرص على احترام حقوق الإنسان وهو ما يؤدي إلى غل يد العدالة أحيانا في الوصول إلى معاقبة الجاني وتطبيق الحكم، ولهذا أخذت فرنسا في محاولة منها للوصول إلى تحقيق الفاعلية والعدالة في آن واحد إلى الاستعانة بالنظام التنقيبي وقد ترتب عنها مرحلة التحقيق الابتدائي وهي مرحلة تتميز بتدوين الإجراءات والسرية وعدم الوجاهية، أما في مرحلة المحاكمة فقد تم الأخذ بالنظام الاتهامي وهو ما يحمي بشكل ظاهر الحرية الفردية من خلال العلانية والشفوية والوجاهية،[8] وهو ما أخذ به المشرع الجزائري.[9]

 لكن بالرغم من ذلك لا ينبغي أن يرتكز قانون الإجراءات الجزائية فقط على التعاطف مع الفرد، فالضمانات الموجودة فيه لأجل تحقيق محاكمة عادلة، ليس المعول عليها فقط حماية الفرد المتهم، وإنما كذلك تضمن استمرار النظام القانوني في المجتمع كنظام نموذجي للأخلاق العامة وحماية الصحة في المقام الأول، فمن الضروري معاملة الضحايا برأفة مع احترام كرامتهم ولزوم حصولهم على إنصاف فوري وفقا للقانون الوطني عن كل ما لحقهم من ضرر في محاولة للوصول إلى العدالة والمعاملة المنصفة.[10]

وقد حدد مصطلح الضحايا الواجب الاقتصاص لهم بدقة كبيرة، لا يمكن بعدها الزيغ عن معرفة من يكون هؤلاء مطلقا.[11]

ولذلك فالعدالة الإصلاحية المنشودة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار حماية حقوق الضحية،[12] لذا وجب البحث عن تعويض قانوني وفعال لبني البشر.[13]

ولهذا نجد في الولايات المتحدة الأمريكية في كل من التعديلين الخامس والرابع عشر من الدستور الأمريكي ما يسمى بـ “شروط سلامة الإجراءات الواجبة”، والذي بمقتضاها لا يمكن بأي حال حرمان أي شخص من حق الحياة أو الحرية إلا عن طريق إجراءات سليمة وقانونية.[14]

الفرع الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة

أولا- علانية المحاكمة

المقصود بعلانية المحاكمات الجنائية هو تمكين المواطنين من الاطلاع والعلم بكل ما يدور في الجلسات من إجراءات المحاكمة، وقد عرفها بعض الفقه بأنها: “تمكين جمهور الناس بغير تمييز من شهود جلسات المحاكمة ومتابعة ما يدور فيها من مناقشات ومرافعات وما يتخذ فيها من إجراءات وما يصدر فيها من قرارات وأحكام”.[15]

وقد قضت محكمة النقض الفرنسية أن العلانية كمبدأ تعتبر إجراءً أساسيا، يسمح من خلاله للعامة كيفما كانوا بدخول قاعة الجلسات لمتابعة أطوار المحاكمة الجنائية.[16]

ولهذا تعتبر العلانية من أهم ضمانات حماية حقوق الإنسان في المحاكمة الجنائية،[17]وهو ما دعا أحد القضاة الإنجليز للقول عن زملائه القضاة بأنهم: “أفضل قضاة العالم لأنهم كانوا أفضل الخاضعين للعلانية”.[18]

وقد كان القضاء في زمن النبي محمد (ص) علانيا وكذلك في زمن الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم حيث كانت تعقد جلسات المحاكمة في المسجد، وكانت الدعوى تمر بمرحلة واحدة هي المحاكمة ولما اتسعت الدولة الإسلامية خصص مكان خاص للقضاء.[19]

وبموجب التعديل السادس للدستور الأمريكي أصبح من حق الأمريكيين محاكمة عادلة وسريعة وعلانية بواسطة هيئة محلفين غير منحازين، حيث نصت المادة (26) من قواعد الإجراءات الجنائية الاتحادية لعام 1946 على أنه: “يتعين سماع أقوال الشهود بطريقة علانية”، والقاعدة أن المحاكمات علانية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يرد عليها أي قيد، أما السرية فهي استثناء إذا دعت إلى ذلك ضرورة إخراج كل من يحدث فوضى أو في حال مقاضاة صغار السن في قضية منافية للآداب العامة.[20]

وتمتد العلانية إلى جميع الإجراءات التي تتخذ في جميع الجلسات فتشمل التحقيقات والمرافعات وإصدار الأحكام الفاصل منها في الموضوع أو الذي يسبق الفصل فيه.[21]

وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على العلانية في المادة (10) منه، ونص عليها كذلك الدستور الجزائري المعدل بالقانون رقم 16/01 في المادة (162).

وعلانية الجلسة تقتضي حتما تلاوة الحكم علانيا وأن عدم استيفاء مثل هذا الإجراء يؤدي إلى نقض القرار.[22]

ولعلانية المحاكمات الجنائية أهمية بالغة في ضمان حقوق الدفاع من خلال السماح للجمهور بارتياد قاعة الجلسات، وهو ما يدعم ثقة الناس في عدالة بلدهم، فهي وسيلة رقابية لفاعلية العدالة الجنائية كما أنها تؤدي إلى احتياط القاضي في اتخاذ أي قرار أو إجراء مخالف للقانون، لأنه وإن حدث ذلك فهو يحدث تحت رقابة الناس ما يؤدي في النهاية إلى التزام القاضي بقوانين العدالة، فالعلانية بحسب بعض الفقه هي ضمان عدم الشك في حياد القاضي نتيجة رقابة الجمهور، حيث لا يستبعد هذا الضمان – العلانية – إلا لحماية قيمة دستورية أخرى تتمثل في حماية الحق في الحياة الخاصة أو في حماية النظام والآداب العامة، فالعلانية تعتبر رادعا لكل من يحضر أو يسمع بقرارات وأحكام المحاكم الجنائية التي تنشر لاحقا، لما يشاهدونه من خوف وقلق المتهمين ولما تحمله قرارات الإدانة في مجملها من عقوبات مقيدة لحرية الأفراد.[23]

ومن مظاهر العلانية تسليم نسخة أصلية من الحكم لكل من يطلبها من غير الخصوم مثلما جاء في المادة (11/3) من القانون الفرنسي رقم (72/26) الصادر في 5 يوليو 1972 والمعدل بالقانون رقم (75/596) الصادر في يوليو 1975.[24]

ولا يعتبر إخلالا بمبدأ العلانية قيام رئيس الجلسة بالأمر بغلق أبواب قاعة الجلسات حفاظا على الهدوء والسكينة إن امتلأت القاعة أو لتجنب الفوضى أو حتى تنظيم دخول الناس، وله الحق أيضا في الأمر بإخراج كل من يحدث فوضى بعد تنبيهه، وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بأنه لا يجوز للمدعى عليه التنازل عن حقه في علانية المحاكمة لأنها في نهاية المطاف حق من حقوق المجتمع بأسره.[25]

لكن قد يحدث أحيانا أن يشوش المتهم على سير الجلسة وبالرغم من تنبيهه فإنه يستمر في ذلك ما يؤدي إلى حرمانه من حقه في حضور الدعوى، بشرط أن يكون التشويش بلغ حدا من الجسامة لم يعد ممكنا معه إكمال الجلسة بشكل لائق، وإذا حدث ذلك فهو حرمان للمتهم من حق الدفاع عن نفسه ولن يصدر ذلك إلا بحكم من المحكمة وليس بأمر من رئيسها، وقد يحصل التشويش من جميع الحضور وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجلسة إخراجهم جميعا لكن لا يمكن الاستمرار في نظر الدعوى حينها، بل يجب إيقاف الجلسة في انتظار إدخال جمهور آخر من المواطنين حماية لمبدأ العلانية.[26]

ومتى قررت المحكمة سرية المرافعات فإن العلانية تبقى قائمة في حق الخصوم ووكلائهم وأعوان القضاء، فهؤلاء أطراف في الدعوى ولهم كامل الحق في الحضور، وحضورهم لا يتصل بمبدأ العلانية بل بمبدأ آخر هو مبدأ المواجهة بين الخصوم ولا يمكن أن يقيد هذا المبدأ أبدا، كما يمكن لأقارب المتهم الحضور حتى وإن كانت الجلسة سرية.[27]

وما يعاب على العلانية هي أنها قد تسيء إلى بعض المتهمين، فإذا كان المتهم يغلب عليه الخجل فقد يحرم من حقه في الدفاع بشكل لائق، كما أن صورة الاتهام قد تظل عالقة في أذهان الناس خصوصا إذا تدخلت وسائل الإعلام وأذاعت خبر التهمة إرضاء لحب الناس في الاطلاع، فحتى وإن صدر الحكم بالبراءة فإنه قد لا يغير من تلك الصورة النمطية، لكن ومن جانب آخر قد تعتبر العلانية وما تثيره من ضرر ظاهري بمثابة ترضية لضحايا الجريمة وهي بمثابة ضريبة للعدالة مثلما جاء به بعض الفقه.[28]

ومخالفة مبدأ العلانية يوجب بطلان كل الإجراءات المتخذة بطلانا مطلقا وهو ما يحتم أن تثبت العلانية في محضر الجلسة أو في الحكم، وبالرغم من ذلك رأى بعض الفقه المصري أن خلو محضر الجلسة والحكم من كل إشارة إلى العلانية لا يبطل الحكم إلا إذا أثبت الطاعن بأن الجلسة تمت في سرية من غير داع قانوني، وله أن يقيم الدليل على ذلك بجميع وسائل الإثبات حتى ولو بطريق الطعن بالتزوير، أما محكمة النقض الفرنسية فقد قضت بوجوب إثبات العلانية في محضر الجلسة أو في الحكم وإلا افترض عدم مراعاتها.[29]

علانية المحاكمات هي الأصل وقد تقرر السرية استثناء، لكن مع التمييز بين ما يسمى سرية الجلسة وما يسمى عدم العلانية.[30]

وقد تقرر سرية الجلسة استثناء لما تقتضيه ظروف النظام العام أو حفاظا على الآداب العامة وقد تقرر المحكمة السرية على جميع إجراءات المحاكمة وقد تقتصر على بعضها فقط مثل سماع شاهد سرا، وقد تقتصر على بعض الحاضرين كالأطفال والنساء، ولا عبرة  لاعتراض المتهم، ولكن ينبغي على المحكمة أن تصدر حكما مسببا حول اقتضائها لسرية المحاكمة، وحسب بعض الفقه المصري فإن حكم المحكمة هذا لا يخضع لأية رقابة من محكمة النقض، وإذا زالت دواعي السرية في المحاكمة ورجعت المحكمة لمبدأ العلانية فإنها غير ملزمة بتسبيب حكمها لأن العلانية هي الأصل،[31] وهو ما نصت عليه أيضا المادة (14/1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وقد نقضت المحكمة العليا حكم محكمة الجنايات بسبب إخلاله بقاعدة آمرة تضمنتها المادة (285) ق إ ج والتي تنص على ضرورة أن يكون تقدير سرية الجلسة من اختصاص رئيس المحكمة بموجب حكم مسبب ما دام أن العلانية فيها خطر على النظام العام والآداب العامة.[32]

وفي جميع الحالات فإن السرية لا تمس الإجراءات السابقة على سماع الدعوى مثل تلاوة أمر الإحالة وتقرير الاتهام وسؤال المتهم في البيانات المعلقة بشخصه، ولا تشمل السرية النطق بالحكم فهو علني، وهناك أحوال لا تمتد إليها العلانية مطلقا مثل المداولات، حيث تبقى سرية ولا يمكن أبدا القبول بإفشاء ما يدور فيها.

وقد تكون السرية وفقا لنص قانوني مثل محاكمة الأحداث، حماية لحياة الحدث الخاصة وحياة أسرته ومخالفتها في النظام القانوني المصري تؤدي إلى البطلان المطلق،[33] ونفس الشيء في الجزائر بموجب المواد (285، 461، 463) ق إ ج.

ويعاقب كل من يفشي سرية المرافعات بحق الأحداث بعقوبات سجنية ومالية بموجب المادة (137) من القانون رقم 15/12 المتعلق بحماية الطفل، وهذا نصها: “يـعـاقب بـالحـبس من سـتـة (6) أشـهـر إلى ســنــتـين (2) وبــــغــــرامـــة من 10.000 دج إلى 200.000 دج أو بإحـدى هاتين العقوبتين فقــط، كل مـن ينشـر و/أو يبث مـا يـــدور فــي جــلـســات الجـهــــات الـقــضــائـيــة للأحــداث أو مــلـــخــصـــا عن المـــرافــعـــات والأوامــر والأحـــكــام والـــقــرارات الــــصـــادرة عــــنــــهـــا فـي الـــكــــتب والــــصــــحـــافــــة أو الإذاعـــة أو الـسـيـنــمـا أو عن طـريـق شـبـكـة الأنــتـرنت أو بـأيــة وسـيـلـة أخرى”.

وفي فرنسا فإن محاكمة الأحداث تتم في سرية ولا يجوز حضورها بموجب المادة (126) من قانون الطفل الفرنسي رقم (12) لسنة 1996 إلا أقاربه والشهود والمحامون والمراقبون الاجتماعيون ومن تجيز له المحكمة الحضور بإذن خاص، بل إن المشرع الفرنسي أجاز إخراج الحدث من قاعة المحكمة إذ رأى أنه قد يتأثر نفسيا من المناقشات الجارية، كما يمكن للمحكمة أن تستغني عن حضور الحدث إذا رأت أن حضوره قد يسبب له مشكلات واضطرابا في مسار حياته، ويجوز للمحكمة حتى أن تمنع أقاربه من الحضور إن هي رأت في ذلك سببا في إذاعة الفضيحة، لكن بموجب المواد (31، 32، 33) من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي فإن الحكم يصدر علانيا حتى ولو تمت الجلسات في سرية، وبموجب قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي فإن لمحكمة النقض الفرنسية أن تراقب تعليل السرية إن كانت نسبية أو مطلقة،[34] ويمتد الحظر في فرنسا على العلانية وتقرير السرية إلى درجة منع نشر ولو ملخص عما يدور في الجلسة بموجب المادة (14) من الأمر الصادر في 02/02/1945.[35]

وهو ما جاء كذلك النص عليه في المادة (82) من القانون رقم 15/12 المتعلق بحماية الطفل حيث ورد في الفقرة (3) أنه يمكن إعفاء الطفل من حضور الجلسة إن كان في ذلك مصلحة له- لكن لم يحدد المشرع ما نوع هذه المصلحة- وينوبه ممثله الشرعي مع حضور محاميه، والحكم في هذه الحالة يعتبر حضوريا، وحسب الفقرة (4) من نفس المادة فإنه يمكن لرئيس الجلسة أن يأمر في أي وقت بانسحاب الطفل من المرافعة كلها أو جزء منها.

ولا يسمح بحضور محاكمة الحدث بحسب المادة (83) من ذات القانون إلا للمثل الشرعي للحدث، أقاربه حتى الدرجة الثاني، الشهود، الضحايا، القضاة، وأعضاء النقابة الوطنية للمحامين، وفي حالة الضرورة يمكن حضور ممثلين عن جمعيات وهيئات مهنية مهتمة بشؤون حماية الطفولة، وكذا مندوبي حماية الطفل المعنيين بالقضية.

وهو ما جاء في القانون الإنجليزي حيث نصت المادة (198/4) من قانون المحاكم الجزائية على أنه: “فيما عدا ما يشترطه القانون يتعين على القضاة أن يجلسوا في محكمة علانية”.[36]

وقد اعتبر بعض الفقه المصري أن المقصود بمصطلحي النظام العام أو الآداب العامة غير واضح، فيما قال البعض الآخر بأنهما مصطلحان يتداخلان في كثير من الحالات لاتسامهما بالمرونة والسعة، وقد عرفت محكمة النقض المصرية الآداب العامة بقولها: “بأن كلمة الآداب في مقام السرية الخاصة بالجلسات عامة مطلقة ذات مدلول واسع جامع لقواعد حسن السلوك المقررة بموجب القانون أو العرف فكل الاعتبارات الخاصة بالنظام العام تدخل في مدلولها”.[37]

وقد يحدث أحيانا أن يطلب المجني عليه أن تكون الجلسة علانية، كما في حالة الاغتصاب وهتك العرض بمقتضى قانون 23/12/1980 في فرنسا، ومبرر العلانية هو إحاطة الرأي العام بالمشكلة وهو ما تدعو إليه الحركات النسائية مثلا في فرنسا.[38]

ويطرح مشكل آخر فيما يخص العلانية في بعض الدول وهو مدى إمكانية دخول الصحافة المرئية أو المكتوبة باعتبارها من الجمهور، ومدى إمكانية تصوير وقائع الجلسات أو نقل مشاهداتها، ففي فرنسا وبمقتضى المادة (38) من قانون 29 يوليو 1881 والمعدلة بالقانون 02/02/1981 يحظر عند افتتاح الجلسة نقل أو تسجيل أو تصوير كل ما يدور فيها، لكن يمكن أن يسمح رئيس المحكمة بأخذ صور شريطة موافقة الخصوم أو ممثليهم والنيابة العامة، لكن في بعض الحالات وبموجب المادة (41) من قانون 29 يوليو 1881 يقرر السماح بنشر موجز عما يدور في الجلسات إذا كان ذلك بصدق وبحسن بنية، غير أنه لا يمكن للصحافة أن تنشر ملخصا في الدعاوى الخاصة بالقذف والتي لا يجوز فيها إثبات صحة الواقعة طبقا للمادة (39) من القانون الأخير.[39]

لكن بتعديل المادة (39) من القانون 29/07/1881 وذلك بموجب القانون الصادر في 06/12/1954 تم النص في المادة (308) إجراءات جنائية بحظر إدخال أجهزة التسجيل الخاصة بالإذاعة والتلفزيون إلى قاعة الجنايات، وأي إدخال لها يترتب عليه غرامة بـ 15000 أورو، لكن يمكن أمام هذا الحظر أن تعطي المحكمة تصريحا استثنائيا بجواز ذلك، حتى وإن تمت المخالفة السابقة على الرغم من الحظر فإنه بحسب محكمة النقض الفرنسية ليس لها أن تؤدي إلى بطلان المرافعة.[40]

ونظرا لوجود ارتباط خطير بين الحق في الصورة والحق في المعلومة الموجه إلى الجمهور،[41] يعتقد بعض القضاة أن هناك مخاطرا حقيقية تنجم عن احترام حقوق الدفاع والتي سوف تذهب بفوائد المحاكمة ومنها رقابة الصحافة اللصيقة بالدعاوى القضائية وما قد ينجم عنها من إساءة لأطراف وعائلات المتخاصمين.[42]

وهو ما دعا المشرع الدستوري الجزائري وحماية لحياة الطفل الخاصة في التعديل الدستوري الجديد لعام 2016 إلى استحداث مادتين جديدتين وهما (50، 51)، حيث تنص المادة (50) على حرية الصحافة بكل أنواعها وألا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، لكن بالرغم من ذلك فإنه لا يمكن المساس بالحياة الخاصة وكرامة الإنسان مهما كان الحال وأن تحتكم في عملها للقانون وثوابت الأمة الدينية والأخلاقية والثقافية.

كما أن الحق في المعلومة مضمون بموجب المادة (51) ولكن بغير الولوج إلى الحياة الخاصة للمواطنين.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية يطرح الأمر من باب تأثير وسائل الإعلام على هيئة المحلفين قبل بدء المحاكمة وربما قبل تعيينهم، وقد يكون من شأن العلانية أن تؤثر على قرارهم في المحاكمة، وبالرغم من ذلك لا يمكن إبطال المحاكمة إلا إذا كان المقال أو المادة الإخبارية ليس فقط من شأنه أن يجعلهم متحيزين ولكن ينبغي أن يكون تحيزهم غير قابل للرجوع فيه، وبالرغم من اعتراف الدستور الأمريكي بحرية الصحافة وبالحق في المحاكمة بواسطة هيئة محلفين غير منحازة فإنه ينبغي أن توازن المحاكمة بين هذه المصالح وتحميها.

وما دام أن الصحافة هي جزء من الجمهور فإنه لا يمكن منعها من ارتياد قاعة الجلسات إلا بمقتضى ضرورة اقتضتها المصلحة العامة القاهرة، وأنه لم يكن ذلك إلا خدمة لتلك المصلحة،[43] ويحظر في القانون المصري النشر في قضايا جنح الصحف والقذف والسب، وإفشاء الأسرار، وحظر ما يجري في قضايا الطلاق والتطليق والزنا وكذلك في الجرائم الماسة بأمن الدولة من جهات خارجية.[44]

وقد نصت المادة (477) ق إ ج بخصوص محاكمة الأحداث على حظر نشر ما يدور فيها سواء في الكتب أو في الصحافة أو بطريق الإذاعة أو السينما أو أية وسيلة أخرى، حتى ولو تعلق النشر بالإفصاح عن هوية أو شخصية الأحداث المجرمين، حيث رصدت المادة عقوبة الغرامة من (200) دج إلى (2000) دج ويمكن أن يُحكم بالحبس من شهرين إلى سنتين في حالة العود، ويجوز نشر الحكم ولكن بدون ذكر اسم الحدث حتى ولو كانت الأحرف الأولى من اسمه وإلا فإنه سيغرم من يفعل ذلك بنفس عقوبة الغرامة السابقة.

وبموجب المادة (2) من قانون الإعلام رقم 12/05،[45] فإن ممارسة النشاط الإعلامي ينبغي أن يكون في إطار احترام سرية التحقيق القضائي، واحترام كرامة الإنسان والحريات الفردية والجماعية.

فيما نصت المادة (84) من نفس القانون على أنه من حق الصحفي الوصول إلى مصدر الخبر باستثناء عدم إمكان ذلك إذا تعلق الخبر بسر البحث والتحقيق القضائي، ويعاقب بغرامة من (50.000) دج إلى (100.000) دج كل من نشر أي خبر أو وثيقة تلحق ضررا بسرية التحقيق الابتدائي في الجرائم بحسب نص المادة (119) من قانون الإعلام.

ويعاقب بمقتضى المادة (120) من ذات القانون بغرامة من (100.000) دج إلى (200.000) دج كل من نشر فحوى مناقشات الجهات القضائية التي تصدر الحكم في حال كانت جلساتها سرية، كما يعاقب بغرامة من (50.000) دج إلى (200.000) دج كل من نشر تقارير عن المرافعات التي تتعلق بحالة الأشخاص والإجهاض بموجب المادة (121) منه، كما يعاقب بغرامة من (25.000) دج إلى (100.000) دج كل من نشر صورا أو رسوما أو بيانات توضيحية بأية وسيلة كانت تعيد تمثيل كل أو جزء من ظروف الجنايات أو الجنح المذكورة في المواد من (255-263 مكرر) ومن (333- 339) والمادتان (341، 342) من قانون العقوبات.

لذا ينبغي الموازنة بين الحق في الإعلام والعدالة باعتبارهما مكونين أساسيين في المجتمع وهو امتحان حقيقي للديموقراطية، فمن حق المواطنين الوصول إلى المعلومة لكن يبقى المشكل في هذه الموازنة الصعبة بين الإعلام والعدالة الجنائية اللجوء للمطالبة بحق تصوير جلسات المحاكمة أو معرفة ما يجري في مرحلة التحقيق.[46]

ثانيا- حضور المتهم للمحاكمة

يعتبر حضور المتهم أطوار المحاكمة من بين الضمانات الممنوحة له حماية لحقوقه في الدفاع، وقد اعتبر القانون الفرنسي الحق في الحضور من المبادئ الأساسية التي تحكم التحقيق النهائي ومن متطلبات الدفاع عن النفس، حيث ينبغي تمكين المتهم من حضور جميع أطوار المحاكمة والدفاع عن نفسه وإعطاء رأيه في كل دليل مقام ضده ومناقشته تماشيا وقاعدة الحق في السماع، لذا فإنه لا يمكن إدانة المتهم قبل سماعه.

وقاعدة الحضور تستوجب مشاركة الخصوم في إجراءات الدعوى، حتى يكون المتهم على بينة من أمره ويمكن من الإحاطة بكل الطلبات وأدلة الاتهام المقامة ضده، كما يسهم هذا الحضور في تمكين المحكمة من إعمال سلطتها التقديرية بشكل صحيح.[47]

وقد نصت المادة (293) ق إ ج على حضور المتهم للجلسة بدون أي قيد مصحوبا بحارس واحد فقط.

وقد جاء في قرار للمحكمة العليا أن المتهم عارض القرار لكنه تغيب عن حضور الجلسة نظرا لعدم تبليغه بتاريخها كما تشترط ذلك المادة (413/3) ق إ ج، وهو ما حتم نقض وإبطال القرار المطعون فيه.[48]

وقد نصت المادة (15/3) من القانون رقم 15/03 المتعلق بعصرنة العدالة أنه لا يمكن لمحكمة الجنح استعمال المحادثات المرئية عن بعد لتلقي تصريحات متهم محبوس إلا إذا وافق المعني بالأمر والنيابة العامة على ذلك، لكن الفقرة (2) من نفس المادة لم تشترط عند استعمال هذه الوسيلة التقنية الحصول على قبول الطرف المدني أو الشاهد أو الخبراء، فبمجرد طلبهم تستعمل المحادثات المرئية عن بعد.

فحضور المتهم للمحاكمة ودفاعه عن نفسه سواء بشخصه أو بواسطة محام يختاره نصت عليه المادة (14/3/ و) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

حيث كان قديما القانون الروماني يعتبر الخصومة بمثابة مبارزة لا تكتمل إلا بحضور الخصمين حتى يتدخل القاضي كحكم لحل النزاع، لذا فإن حضور المتهم من مقتضيات مبدأ المواجهة هو ما حتم إقرار ضمانات للخصم الغائب.[49]

وقد أرست المحكمة العليا الأمريكية في حال حضور متهم وقيامه بالشغب ثلاثة خيارات لقضاة المحاكمة وهي:

  • الأمر بقيد المتهم وتكميمه.
  • تقديمه للمحاكمة بتهمة ازدراء المحكمة.
  • الأمر بإخراج المتهم إلى خارج قاعة المحكمة وعندما يبدي استعداده للدخول مع مراعاة النظام يمكن حينها إدخاله.

لكن خوفا من التأثير على هيئة المحلفين، أثناء إحضار المتهم وهو مقيد ومكمم الفم، عبرت المحكمة العليا ضمنيا تفضيلها إخراج المتهم خارج قاعة المحكمة.

أما المتهم في الجزائر فإنه بموجب المادة (296) ق إ ج إذا شوش في الجلسة فإن الرئيس يذكره بإمكانية طرده ومحاكمته غيابيا وفي حال العود يأمر الرئيس بإبعاده من قاعة الجلسات، وإن لم يمتثل للأمر وأحدث شغبا يصدر في الحال أمرا بإيداعه السجن، ويحاكم ويعاقب بالسجن من شهرين (2) إلى سنتين (2) دون الإخلال بالعقوبات الواردة في قانون العقوبات ضد كل من يزدري ويهين ويتعدى على رجال القضاء، ويساق في حينه بأمر من الرئيس إلى مؤسسة إعادة التربية، وعند إبعاده تعتبر جميع الأحكام الصادرة في غيبته حضورية.

وحضور المتهم ينبغي أن يتم بحسب المحاكم الفدرالية الأمريكية ومحاكم الولايات بمظهر يليق بكرامته واحترام شخصه باعتباره بريئا لم تثبت إدانته بعد، لذا اعتبرت المحكمة العليا الأمريكية إرغام المتهم على ارتداء لباس السجن في أثناء المحاكمة قد خالف قاعدة سلامة الإجراءات القانونية، كما لم تؤيد أيضا استخدام الأغلال والقيود طالما لم يكن هناك خوف من فرار المتهم أو من أذية الحاضرين.[50]

ثالثا- المواجهة بين الخصوم

يقصد بمبدأ المواجهة بين الخصوم حصول جميع إجراءات الخصومة مهما كانت في حضور الخصم الآخر أو وكيله، حتى يتمكن هذا الأخير من حق الرد أو إنكار جميع الادعاءات الموجهة ضده، أي بما يفيد تمكينه من حق الدفاع، ويهدف أيضا هذا المبدأ إلى البعد عن الشك في حياد القاضي.[51]

ويرى بعض الفقه أن حق المواجهة لصيق الصلة بحق الدفاع حيث تقتضي حرية الدفاع مواجهة الخصم لخصمه من جهة ومواجهة المحكمة من جهة ثانية، وأن الرابطة بين هذين الحقين هي رابطة الوسيلة بالغاية، فالمواجهة بين الخصوم تعتبر الوسيلة المباشرة والأكثر فعالية في احترام حق الدفاع، فبمفهوم المخالفة لا يمكن تحقيق مبدأ حرية الدفاع بغير المواجهة بين الخصوم أو العلانية، ولهذا من الضرورة بمكان تمكين الخصم من استعمال حقه في الدفاع بغض النظر عن مدى فاعلية استعماله لهذا الحق من عدمه،[52] وهذا الترابط هو الذي دعا بعض الفقه إلى تقسيم حقوق الدفاع إلى أساسية وهي: الحق في الدفع، الحق في الإثبات، الحق في المرافعة، وإلى حقوق دفاع مساعدة وهي: حق الخصم في العلم بإجراءات الخصومة، حق الخصم في الوقت الكافي لإعداد دفاعه، الحق في الحضور، الحق في الدفاع الشخصي أو الاستعانة بمحام.

وقد عرف الإسلام مبدأ المواجهة من خلال ما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء، قال: فما شككت في قضاء بعد”، وقد ضمنت المواد من (14 إلى 17) من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي مبدأ المواجهة بين الخصوم وما له من أثر على حقوق الدفاع.[53]

وجاء النص على مبدأ المواجهة أمام قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية أثناء فترة الاستجواب في مرحلة التحقيق الابتدائي في المواد (101، 105، 106، 108) ق إ ج، أما ذكر مصطلح (مبدأ المواجهة) في أثناء مرحلة المرافعات فلم يرد مطلقا في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.

وبحسب المادة (276) ق إ ج فإنه يجوز لرئيس محكمة الجنايات إذا رأى بأن التحقيق غير مكتمل أو ظهرت عناصر جديدة بعد صدور قرار الإحالة، أن يأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق ويطبق عليه في هذه الحالة الأحكام الخاصة بالتحقيق الابتدائي حيث يمكن إجراء المواجهة، علما أن هذه المادة تتكلم عن مرحلة لم تصل فيها القضية إلى المرافعة بعد.

لكن قد تصدر المحكمة حكمها في غياب الشخص ودون اعتبار لحضوره إذا لم يكن موقوفا، ويبقى له حق الاعتراض والاستئناف بموجب المادة (141) من قانون الإجراءات الجنائية التونسي، أما إذا كان في السجن فيجب الإذن بإحضاره بموجب المادة (137) من نفس القانون، وإن كان في حالة فرار تأذن المحكمة بإصدار بطاقة جلب بشأنه بموجب المادة (142) من قانون الإجراءات الجنائية التونسي، وهذه الإجراءات وجوبية وإلزامية بموجب القانون التونسي سواء كانت الجلسة علانية أو سرية.[54]

أما في الفقه الإسلامي فقد وقع خلاف حول إمكانية صدور حكم القاضي والخصم غائب، فكان الحنفية لا يجيزون ذلك مطلقا بل ينبغي الحكم في حضور الخصم وإلا فلا، واعتبر كل من المالكية، الشافعية، الحنابلة والظاهرية ذلك ممكنا فقد قالوا بجواز ذلك لكن بشروط وضوابط.[55]

فقد تم نقض وإبطال حكم محكمة الجنايات لمجرد أنها خالفت أحكام المادة (317) ق إ ج بعدم قيامها بالإجراءات اللازمة ضد المتهم المتخلف عن الحضور أمام القضاء،[56] واحتراما لمبدأ المواجهة جرى الحكم بجواز المعارضة في الحكم الصادر عن محكمة الجنايات.[57]

والمعارضة الصادرة من المتهم تلغي الحكم الصادر غيابيا متى كانت مقبولة شكلا تطبيقا لحكم المادتين (413، 414) ق إ ج.[58]

رابعا- شفوية المرافعات

تعني أن تجري جميع أطوار المحاكمة بصوت مسموع من كل الحاضرين في قاعة الجلسة وأن يكون التحقيق وما يتبعه من مناقشة الأدلة والدفوع وما يليه من المرافعات في شكل شفهي علني وأن تتم بمعرفة القاضي وتحت نظره، وألا يعول فقط على الأدلة المتحصل عليها من محاضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة.[59]

حيث ورد في المبدأ الاجتهادي للمحكمة العليا ما يلي:” استقر اجتهاد الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا، على عدم جواز تدوين تصريحات الأطراف في محضر المرافعات، المتضمن إثبات الإجراءات المقررة قانونا، إلا بأمر من رئيس محكمة الجنايات، حفاظا على مبدأ شفوية المرافعات”.[60]

وتكتسي شفوية المرافعات أهمية قصوى فمن خلالها يستجلي القاضي مدى صحة الأدلة ويقدر قيمتها حتى يصدر حكمه وهو مقتنع بصحته أشد اقتناع، فالشفوية تتصل بمبدأ العلانية وهي طريق لابد منه لاحترام مبدأ المواجهة بين الخصوم ونتيجة لذلك اعتبرها بعض الفقه ضمانة هامة لحقوق الإنسان أمام القضاء الجنائي، كيف لا وهي التي من خلالها يمكن للقاضي أن يحصل على فرصة مراقبة أعمال التحقيق الابتدائي بشكل يتيح له التأكد من قيمة الأدلة المتحصل عليها في أثناء مباشرته سواء من الضبطية القضائية أو النيابة العامة على حد سواء، ومن بين الضمانات التي تتيحها الشفوية حسب ما قضت به محكمة النقض المصرية، قولها بأن التفات المحكمة عن طلب الطاعن بسماع الشهود بداعي عدم جدواه لأنها قد وضحت الواقعة لديها واكتمل اقتناعها يعتبر خطأ في تطبيق القانون.[61]

وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية حيث قالت بأن تقديم الدليل في غفلة من الخصوم بعيدا عن مناقشتهم له، يؤدي بالحكم الصادر بعد ذلك أن يصير باطلا، حيث اعتبرت المحكمة مبدأ شفوية المرافعات من المبادئ الإجرائية الجوهرية أمام محكمة الجنايات ومن مقتضياتها أن يسمع الشهود أمام هذه الأخيرة شفاهة ولا يمكن تدارك هذا المبدأ بسكوت أو برضاء صريح من المتهم لأنه قاعدة من النظام العام لا يمكن مخالفتها.[62]

وقد نصت على الشفوية أثناء المرافعات المواد (287-289) ق إ ج، حيث يجوز لأعضاء المحكمة والمتهم ولمحاميه توجيه أسئلة بواسطة الرئيس إلى المتهمين والشهود، ونفس الأمر بالنسبة للنيابة العامة وهذا فيما يخص الجنايات، وكذلك الأمر بالنسبة للجنح بموجب المادة (353) ق إ ج حيث أنه في نهاية التحقيق بالجلسة تُسمع أقوال المدعي المدني عند الاقتضاء، كما يمكن أن يُعطى حق الرد على دفاع بقية الخصوم لكل من المدعي المدني والنيابة العامة.

حيث لا يمكن أن يؤسس قضاة الموضوع قرارهم إلا على الأدلة المقدمة لهم أثناء المرافعات والتي يتم مناقشتها حضوريا عملا بأحكام المادة (212) ق إ ج.[63]

وفي قرار للمحكمة العليا جاء فيه أن إغفال رئيس المحكمة تلاوة الأسئلة الاحتياطية قبل قفل باب المرافعة وتلاوة فقط الأسئلة الأصلية، ليتفاجأ الأطراف بعد ذلك بإجابة المحكمة على هذه الأسئلة الاحتياطية، اعتبرته المحكمة العليا مساسا بحقوق الدفاع فيما يخص مبدأ شفوية المرافعات وهو ما أدى إلى نقض وإبطال حكم محكمة الجنايات.[64]

وهو ما نصت عليه كذلك المادة (14/3/ه) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حيث جاء فيه: “أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام”.

وقد قضت محكمة النقض المصرية – وساندها الفقه – في أنه إذا غاب قاض في جلسة أو استبدل به آخر يجب أن تعاد الإجراءات التي حصلت في تلك الجلسة التي غاب عنها، مثل إعادة سماع الشهود الذين أدلوا بشهادتهم أو إعادة استجواب المتهم الذي تم استجوابه، وإلا اعتبر الحكم الصادر بناء على الإجراءات التي تمت في غيبته باطلا.[65]

ففي إحدى القضايا تم تعويض قاض مكان قاض لأجل إتمام تشكيلة القضاة بشكل فجائي حيث لم يعين في بداية الجلسة وهو ما تم بخلاف نص المادة (258) ق إ ج لأن الأصل أن يعين القاضي قبل بداية الجلسة وقبل بداية استخراج أسماء المحلفين وهو ما أدى إلى نقض حكم محكمة الجنايات.[66]

ونفس الشيء في حال عدم ذكر رتب القضاة المشكلين لمحكمة الجنايات وباعتباره إجراء جوهريا فإن إغفاله يؤدي إلى نقض وإبطال حكم محكمة الجنايات.[67]

لكن لهذا المبدأ استثناءات وهي:

1-يمكن الاستغناء عن سماع شهادة الشاهد إذا توفي أو مرض، لكن لا يمكن بأي حال استبعاد الشهادة التي أدلى بها في التحقيق الابتدائي وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية.

2-إذا حضر الشاهد الجلسة لكنه صرح بأنه لا يتذكر شيئا عن الواقعة فإنه ينبغي تلاوة شهادته التي كان قد أدلى بها في التحقيق الابتدائي.

3- إذ ارتأى المتهم أن يتخلى عن سماع الشاهد ويكتفي فقط بتلاوة أقواله، فإن هذا لا يمكن أن يكون حائلا أمام المحكمة لمناقشة الشاهد شفاهة في شهادته، كما يمكن للمتهم أن يعدل عن قراره بعدم سماع الشاهد ويطالب بسماعه وخصوصا إذا اتجهت المحكمة للحكم بإدانته ما دامت المرافعة لم تنته بعد، وإن لم تجبه المحكمة لطلبه اعتبر إخلالا بحقه في الدفاع، والشفوية لم تقرر فقط لمصلحة الخصوم بل هي حق المجتمع لأجل السير الحسن للقضاء.[68]

ويمكن لمحكمة الجنايات أن تصدر حكما بحق الشاهد المتخلف عن الحضور كما أن لرئيس محكمة الجنايات كامل السلطة التقديرية في اعتبار حضور شاهد عديم الجدوى، ويتعين الإشارة إلى ذلك في محضر المرافعات ولا يمكن أن يكون موضوع حكم مستقل.[69]

وإعفاء الشهود بغير مبرر مقنع من أداء اليمين لمباشرة شهادتهم مخالف للنظام العام وهو ما يؤدي إلى بطلان كل الإجراءات ومن ورائها الحكم.[70]

ويجوز لقضاة الموضوع عدم سماع شهادة الشهود مجددا لكن يتعين ذكر أسمائهم وفحوى شهادتهم التي تم الإدلاء بها أمام جهات التحقيق الابتدائي أو أمام جهات الحكم خصوصا وأن الإدانة قد بنيت على الاقتناع بشهادة الشهود.[71]

كما يمكن عدم سماع المتهم في الحالات التالية والاكتفاء بما ورد من أقوال المتهم في التحقيق الابتدائي:

1-إذا لم يحضر ليوم المحاكمة في اليوم المحدد ولم يرسل وكيلا عنه فإنه يحكم في غيبته وله حق المعارضة التي تتحقق فيها الشفوية.

2-إذا امتنع المتهم عن الإجابة عن أسئلة المحكمة.

3-إذا تعارضت أقوال المتهم في جلسة المحاكمة مع تلك التي أدلى بها في أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي.

4- إذا اعترف المتهم بأنه مذنب وأن كل ما قيل هو صحيح فإنها يمكن أن تستغني عن سماع الشهود لكن انتقد هذا الأمر بسبب أن الحكم لا ينبني فقط على الاعتراف من جانب المتهم، بل ينبغي أن تمضي المحكمة في شفوية المرافعة حتى يستخلص القاضي قناعة كاملة بذلك.

وقد زاد بعض الفقه بالتأكيد على أن الأصل هو أن يراعى مبدأ الشفوية أمام محكمة الدرجة الأولى باعتبارها محكمة موضوع أما المحكمة العليا فهي محكمة قانون، وبالرغم من ذلك إذا لم تراع محاكم الدرجة الأولى هذا المبدأ فعلى المحكمة العليا أن تتدارك هذا الخطأ بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم في محكمة الدرجة الأولى وتصحح كل نقص إجرائي في التحقيق وإلا كان حكم المحكمة العليا باطلا.[72]

ومبدأ شفوية المرافعة لا يتعارض مع تدوين إجراءات المحاكمة فالتدوين أمر بالغ الأهمية، حيث يشرط في كل جلسة حضور كاتب، أما عدم حضوره فإنه يؤدي إلى بطلان انعقاد المحكمة، لأن هذا التدوين ليس من اختصاص القاضي، فعدم حضور الكاتب يؤدي إلى بطلان كل الإجراءات ومن ورائها بطلان الحكم الصادر لأنه يتعلق بالنظام العام.

وبالرغم من أهمية شفوية المرافعة فإن تدوين إجراءات المحاكمة في محضر الجلسة يبقى ذا قيمة إثباتية كبيرة، فهو بمثابة إثبات مادي ملموس لكل ما جرى في أطوار المحاكمة الجنائية، ويمكن الرجوع إليه من المتهم ودفاعه، حيث لا يمكن إنكار الوقائع الثابتة في المحضر إلا بالطعن فيها بالتزوير باعتباره ورقة رسمية.[73]

لذا وجب أن يحرر كاتب الجلسة محضر المرافعات ويوقع عليه الرئيس وفقا لما جاءت به أحكام المادة (314) ق إ ج، وعدم تحريره يجعل المحكمة العليا غير قادرة على مباشرة رقابتها وتأكدها من مدى احترام القانون أم لا.[74]

 

كما استقر اجتهاد الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا على عدم جواز تدوين تصريحات أطراف الدعوى في محضر المرافعات، إلا بموجب أمر من رئيس محكمة الجنايات وذلك حفاظا على مبدأ شفوية المرافعات.[75]

وحسب محكمة النقض المصرية فإنه بالرغم من إلزام القانون توقيع المحضر بعد الفراغ من كتابته، فإن عدم توقيع القاضي عليه لا يرتب بطلانا طالما أنه قد وقع على الحكم.[76]

والمحضر ينبغي أن يوقع عليه رئيس محكمة الجنايات أما إدراج نسخة طبق الأصل عن المحضر وعدم توقيع الرئيس وكاتب الجلسة عليه يؤدي بالحكم إلى النقض والإبطال.[77]

وتوقيع محضر المرافعات من قبل رئيس المحكمة هو الذي يصبغ عليه الصفة الرسمية والقانونية وإغفال هذا الإجراء يترتب عليه النقض والإبطال،[78] وكذلك الأمر بالنسبة لورقة الأسئلة حيث لا يجوز شطب أي كلمة إلا بمصادقة من الرئيس.[79]

خامسا- الحق في محاكمة ناجزة

يعود أول ظهور لهذا الحق إلى العام 1215 بمناسبة صدور العهد الأعظم في إنجلترا أو ما يعرف بـ “الماجناكارتا” حيث جاء فيه: “أننا لن ننكر على إنسان حقه في العدالة ولن نؤجل النظر في القضايا”.

 لكن التطبيق الفعلي له جاء في عام 1905 بمناسبة قضية (Beavers.V.Haubert) أمام المحكمة العليا الأمريكية.[80]

وبموجب قرار للجنة حقوق الإنسان المكلفة بتطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 9 ماي 1983، اعتبر أن المدة المعقولة لأية محاكمة يجب أن تحتسب قبل دخول الدعوى إلى المحاكمة، بل تحتسب المدة من تاريخ توجيه الاتهام.[81]

والحق في محاكمة ناجزة يعني سرعة الفصل في الدعوى القضائية حماية لحقوق الخصوم، ومن الدساتير التي اعترفت بهذا الحق الدستور الأمريكي في التعديل السادس والذي ينص على أنه: “يجب أن يتمتع المتهم في كل الاتهامات الجنائية بالحق في محاكمة سريعة وعلانية”.[82]

ولم ينص الدستور الجزائري لعام 1996 ولا حتى المعدل بموجب القانون رقم 16/01 على الحق في محاكمة ناجزة مطلقا بينما نص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وهو بمثابة إلزام للسلطة القضائية الجزائرية بموجب المادة (132) من الدستور الجزائري، حيث جاء النص على هذا الحق في المادة (14/3/ج) من العهد: “أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له”.

 ونصت عليه أيضا اتفاقية حقوق الطفل في حال كان المتهم طفلا بموجب المادة (37/د)، كما نصت عليه قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث فقد جاء في القاعدة (20) منها بأنه لن يتأتى الحق في محاكمة عادلة بغير نظر في قضية الحدث منذ البداية بشكل عاجل وبدون تأخير غير ضروري.

فالحق في محاكمة ناجزة يجمع بين مصلحتين عامة تهم الجميع وخاصة تهم المتهم، فمن مصلحة المجتمع إلحاق العقاب بالجاني وتحقيق الردع العام ولذلك وجب أن يحدد يوم المحاكمة بلا تماطل فأي تأخير يضعف من جدوى إلحاق العقاب أو تأهيل المجرم، ضف إلى ذلك ما قد تتحمله خزينة الدولة من نفقات باهظة نتيجة طول إجراءات المحاكمة وهو ما جاء في حكم للمحكمة العليا الأمريكية بمناسبة قضية (Barker.V.Wing).

 وتتمثل المصلحة الخاصة في وضع حد للآلام التي قد تنجم للمتهم نتيجة وضعه موضع الاتهام مما قد يحط من اعتباره وشرفه أمام الناس، خاصة وأن إجراءات المحاكمة تكون علانية، وقد تفقد الأدلة نتيجة لطول المدة فاعليتها وقد يصيب الشهود النسيان، وهو ما أشار إليه حكم المحكمة العليا الأمريكية في قضية (Us .V. Ewell)،[83] لكن سرعة الفصل في الدعوى لا تدعو بالضرورة إلى تسرع المحكمة فقد لا يساعد ذلك المتهم على إعداد دفاعه بشكل جيد، لكن من جهة أخرى يقتضي حق التقاضي سرعة الفصل في الدعوى، ولا معنى لتقرير حق التقاضي مع وجود تعقيدات جمة في إجراءاته لذا وجب الموازنة بين الأمرين.[84]

فقد رأى بعض الفقه أن العدل البطيء هو ظلم يلحق بالأبرياء المعتدى على حقوقهم وحرياتهم الأساسية، باعتبارهم يتمتعون بالبراءة قبل أن يصدر أي حكم بات يقضي بإدانتهم،[85] حيث أن بطء التقاضي وارتفاع تكاليفه أصبحا يشكلان تهديدا خطيرا على عدالة القضاء، ويضيف بعض الفقه التأكيد على أن ذلك يجرد الشخص من حقه في التقاضي الذي يكفله الدستور.[86]

والدليل على ذلك أن متوسط زمن الفصل في القضايا الإدارية في مصر لا يقل عن خمس سنوات، وفي فرنسا يتراوح بين سنتين ونصف وثلاث سنوات، لكن البطء في إجراءات المحاكمة في القضاء العادي ومن جملته القضاء الجنائي أشد من البطء في القضاء الإداري، ففي مصر مثلا لا يتم الفصل في الطعن بالنقض لوحده قبل مضي خمس سنوات، ونتيجة لهذا البطء الشديد أحجم المواطن عن ارتياد القضاء في أحيان كثيرة مهما كان حقه جليا وواضحا ومهما كانت حججه قوية.[87]

ويتبين بوضوح أن معدل الفصل في القضايا الجزائية في الجزائر مرتفع بشكل يتنافى ومبدأ القضاء الناجز والشاهد هو ما سنعرضه من قضايا:

ففي قضية (ف ح) ضد النيابة العامة استمرت القضية 8 سنوات ولم يفصل فيها بعد لأن قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 20/03/1990 أحال الأطراف والقضية إلى المجلس مشكلا تشكيلا آخر ولا ندري كم استغرقت القضية وهل انتهت أم لا، علما أن حكم محكمة الشلف صدر بتاريخ 21/09/1982.[88]

وفي قضية أخرى استمر الطعن بالنقض من يوم رفع الدعوى بتاريخ 06/08/2002 إلى غاية صدور قرار المحكمة العليا وبالضبط من لجنة التعويض عن الحبس المؤقت بتاريخ 12/06/2007 أي ما يقرب من خمس سنوات،[89] وهذا كثير بحق شخص تعرض لحبس مؤقت تعسفي والسؤال المطروح: هل اللجنة أمامها ملايين الملفات حتى تأخرت كل هذه المدة؟

ونفس الشيء في قضية (ح ل) ضد (م ف ومن معها) حيث لم يفصل في الطعن بالنقض إلا بعد مرور ثلاث سنوات أي من تاريخ إيداعه يوم 07/12/1985 إلى غاية 08/11/1988،[90] وفي قضية (ب س) ضد النيابة استغرق 3 سنوات من 16/02/1985 إلى 05/01/1988.[91]

وفي قضية (ش ع) ضد النيابة العامة استمر الطعن بالنقض 8 سنوات للفصل فيه ضد القرار الصادر من غرفة الاتهام بتاريخ 10/07/1995 والقاضي برفض طلب دمج العقوبة ليصدر قرار المحكمة العليا بتاريخ 25/02/2003.[92]

وفي قضية أخرى لحدث بين (م ر) ضد (ب ر) والنيابة العامة استمرت 8 سنوات من تاريخ 24/06/1993 إلى 22/02/2000 بصدور قرار المحكمة العليا.[93]

لكن في المقابل في قضية أخرى لم يستغرق الفصل في الطعن بالنقض سوى 7 أشهر أي من تاريخ صدور قرار غرفة الاتهام 27/11/2000 إلى غاية صدور قرار المحكمة العليا بتاريخ 12/06/2001.[94]

والحقيقة أن المعيار المعتمد عليه في بطء أو سرعة سير الملفات القضائية على مستوى درجات التقاضي في الجزائر يبقى لغزا محيرا ولا معيار واضح أو شفاف بخصوص هذا الأمر.

وهو ما دفع بالمحكمة العليا الأمريكية إلى الإشارة إلى المضار الأكيدة المادية والنفسية بسبب طول وبطء إجراءات التقاضي.[95]

وبالرغم من تأكيد الكثير من الاتفاقيات الدولية على الحق في المحاكمة الناجزة إلا أنها لم تعرفها بشكل واضح بل أشارت إلى أنها ينبغي أن تجري في مدة معقولة، لكن لم يُحدد لها الأجل الأقصى الذي يمنع بأي حال تجاوزه في أية محاكمة مهما كان السبب، وبالنظر إلى الواقع العملي فإن مدة المحاكمة تختلف في سرعتها بين قضية وأخرى، فمثلا في قضية (Brincat. V. Italy (1992) 16 EHRR 591) فإن فترة الاحتجاز لم تدم سوى أربعة أيام بتهمة الابتزاز لكنها اعتبرت طويلة نسبيا.[96]

أما القانون الإنجليزي وبالرغم من عدم تحديده للمدة اللازمة بين الاتهام والمحاكمة إلا أنه حدد بعضها بموجب (Prosecution and offencesAct 1985) وقد جاءت كما يلي:

1- 70 يوما بين الظهور الأول في محكمة الصلح وإجراءات الإحالة.

2- 56 يوما من الظهور الأول في محكمة الصلح إلى اليوم الافتتاحي للمحاكمة.

3- 112 يوما بين الإحالة للمحاكمة والاستدعاء.[97]

وبحسب اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان فإن نطاق المحاكمة الناجزة لا يتعلق فقط بالوقت الذي يجب أن تبدأ فيه وإنما أيضا بالوقت الذي سوف تنتهي فيه ويصدر بشأنها حكم، وقد تنازع كيفية احتساب مدة المحاكمة الناجزة “النطاق الزمني” ثلاثة اتجاهات دولية:

فالاتجاه الأول: أخذ به القضاء الأمريكي والكندي ويبتدأ احتساب الوقت من يوم توجيه التهمة، أما الاتجاه الثاني: فقد أخذت به بعض الولايات الأمريكية، حيث يبدأ احتساب الوقت من يوم إعلان المتهم أو دفاعه بتمسكه بمحاكمة ناجزة، في حين أن الاتجاه الثالث يقوم باحتساب المدة التي تسبق الاتهام.

 لكن الملاحظ أن القضاء الأمريكي أعطى الحق للمتهم في محاكمة ناجزة، بدءا من التحقيق الابتدائي والمحاكمة، وبعد صدور الحكم في الموضوع فإن هذا الحق لا يشمل مرحلة الطعن على الحكم سواء بالمعارضة أو بالاستئناف.[98]

وتعود أسباب بطء التقاضي والتأخير في المحاكمة إلى عدة أسباب أبرزها:

1- كثرة المنازعات المطروحة على القضاء أمام قلة عدد القضاة.

2- صعوبة الفصل في بعض القضايا لكثرة عدد المتهمين وتعقد إجراءاتها، وللإشارة فقد استمر نظر قضية أمام محكمة ابتدائية ثماني سنوات ونصف، واعتبرتها المحكمة الأوروبية مدة معقولة نظرا لأنها اشتملت على 723 متهما و607 أفعال جنائية معاقب عليه.

3- لجوء المتهم ودفاعه إلى المماطلة باستعمال كل الوسائل القانونية المتاحة.

4- عدم كفاءة جهاز القضاء في مجمله من كتاب ضبط وخبراء وغيرهم.

5- لجوء جهات التحقيق إلى تأجيل الإجراءات لأجل الضغط على المتهم ودفعه للاعتراف.

6- عدم تخصص القضاة جنائيا.[99]

وهو ما دفع بعض الفقهاء إلى القول بضرورة الصلح وتفعيل إجراءات الوساطة كبديل لحل هذه المنازعات وهي بمثابة دواء لداء بطء التقاضي، كما أشار البعض منهم إلى ضرورة الإكثار من عدد القضاة أمام تزايد عدد المتقاضين والقضايا.[100]

واختلفت التشريعات في تقريرها للجزاء المترتب على مخالفة مقتضيات المحاكمة الناجزة:[101]

1- أجاز التقنين الفدرالي الأمريكي لعام 1974 سرعة المحاكمة في الباب 18/3162، حيث نص على حق المحكمة في إسقاط قرار الاتهام جراء مخالفة مقتضيات سرعة المحاكمة، بينما القانونان الإنجليزي والكندي رتبا في حال تعسف جهة التحقيق في الإجراءات والذي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتهم إلى إسقاط الدعوى، وهو نفس ما ذهبت إليه المحكمة العليا في اليابان في 16/12/1974 حيث جاء في الحكم: “إذا طالت مدة الإجراءات الجنائية مما ألحق الضرر بحق المتهم في الدفاع عن نفسه ضد التهمة فإن المحكمة يجوز لها أن تصدر حكما بعدم قبول الاتهام بناء على ما نص عليه الدستور الياباني من سرعة المحاكمة في المادة (73/1)”.

2- قررت بعض الدول إجراءات وقائية كالحكم بالبطلان، أو إعطاء صلاحية لرئيس المحكمة تخوله اتخاذ كل ما يلزم لأجل محاكمة ناجزة مثل ما نصت عليه المادة (148/2) من قانون الإجراءات الجنائي البحريني.

3- بعض القوانين قررت جزاءات تمثلت في أن تقضي المحاكم بعدم اختصاصها للنظر في الدعوى أو الحكم بغرامة على المتسبب في إطالة أمد المحاكمة وهو ما نصت عليه الفقرة 3162 (ب) من الباب (18) من التقنين الفدرالي الأمريكي، فقد توقع عقوبات على محامي المتهم سواء تم اختياره من المتهم أو كان معينا من قبل المحكمة، وكذلك على عضو النيابة العامة إذا كان سببا في تأخير المحاكمة.

4- بعض القوانين أقرت تعويضا مثل القانون الفرنسي حيث اعتبرت البطء بمثابة إنكار للعدالة.

وقد قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه لا يمكن للمتهم طلب تعويض عادل عن التأخر في المحاكمة طالما صدر قرار من القاضي الوطني مخففا للعقوبة بسبب طول إجراءات المحاكمة، وهو بمثابة تعويض ملائم يغني عن التعويض النقدي، وهو عكس ما قضت به محكمة النقض الفرنسية والتي لم تجز تخفيف العقوبة باعتباره تعويضا ملائما، وفي حكم للمحكمة العليا الأمريكية عام 1872 في قضية Cook قضت بإمكانية أن يتنازل المتهم عن حقه في محاكمة عادلة وهو ما أكدته في قضية Wild، وقد يرمي المتهم من وراء ذلك إلى كسب الوقت لأجل تعاطف هيئة المحلفين معه، ويشترط في التنازل أن يكون صريحا ومكتوبا مع استشارة دفاع المتهم، لكن بعض القضاء الأمريكي رأى في التنازل الضمني أمرا مقبولا.[102]

فالتعويض القضائي يكون فعالا لدرء أي خطأ قضائي يترتب عن مسؤولية العدالة في تحمل أخطاء من جانبها وأن يكون فعالا وواضحا.[103]

ولا يوجد أي نص في أي قانون جزائري بدءا بدستور 1996 مرورا بقانون الإجراءات الجزائية فقانون العقوبات وغيرها، يتكلم عن التعويض لمجرد بطء إجراءات التقاضي حتى لو أخذ من الزمن الشيء الكثير، حتى وإن نص الدستور المعدل بموجب القانون رقم 16/01 في المادة (61) على التعويض بصفة عامة عن الخطأ القضائي وليس عن البطء في إجراءات المحاكمة.

المطلب الثاني: مراحل سير المحاكمة الجنائية

في أثناء الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى في خلال المحاكمة الجنائية لا بد من المرور على العديد من الإجراءات الهامة، وأي تعد عليها يؤدي إلى إفراغ هذه المحاكمة من محتواها، ويعرض الحكم الجنائي للنقض سواء في مرحلة الإجراءات التمهيدية، المرافعة، المداولة القضائية، أو في مرحلة صدور الحكم (الفرع الأول)، وقد يلازم الدعوى الجنائية أمام محكمة الجنايات الدعوى المدنية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: إجراءات المحاكمة

أولا- الإجراءات التمهيدية

الإجراءات التمهيدية للمحاكمة هي بمثابة ترتيب أوراق المحاكمة وفقا لما يتطلبه القانون مع مراعاة حقوق جميع أطراف الدعوى، لذا ينبغي على محكمة الجنايات تنفيذ ما جاء في قرار الإحالة من حيث الأشخاص والوقائع، بأن لا تمتد المحاكمة إلى غير الأشخاص المحالين على المحاكمة ولا إلى وقائع أخرى لم تدون في قرار الإحالة، حتى ولو كانت ثابتة على المحالين لكنها لم تذكر في قرار الإحالة، حتى يكون هناك فصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة وتأكيدا لمبدأ حياد المحكمة.[104]

وقد ورد في قرار للمحكمة العليا أن المحكمة الجنائية عندما لم تطرح سؤالا حول الواقعة المتابع لأجلها الطاعن وهي حيازة المصوغات واكتفائها فقط بطرح سؤال عن ارتكاب الطاعن مخالفة التنظيم النقدي يعتبر أمرا غير قانوني.[105]

وفي قضية أخرى جاء فيها أن عدم رد المحكمة الجنائية على طلبات الدفاع وعدم طرحها للسؤال الخاص بعذر الاستفزاز المأخوذ من قرار الإحالة فإنها تكون قد عرضت قرارها للنقض والإبطال.[106]

وفي قضية ثانية تم نقض وإبطال حكم محكمة الجنايات بسبب إسنادها للمتهمين جرائم غير التي وردت في قرار الإحالة والتي لم يطرح أي سؤال بشأنها.[107]

ونفس الشيء حينما نقض حكم لمحكمة عسكرية لمجرد أنها طرحت سؤالا احتياطيا حول واقعة غير موجودة في قرار الإحالة والتي لا يمكن بأي حال اعتبارها كنتيجة عن إعادة تكييف للواقعة الأصلية.[108]

ولا يمكن بأي حال تعريض شخص ما لمحاكمة جديدة أو لعقاب عن جريمة سبق وأدين بها أو برئ فيها بحكم نهائي بات، وهو ما يعرف بعدم جواز محاكمة الشخص عن الفعل الواحد لأكثر من مرة، لكن هذه القاعدة غير مطبقة البتة في دول بعينها فقوانين هولندا والسويد والكويت تجيز محاكمة الشخص عن الفعل الواحد لأكثر من مرة، لكن الفقه يرى بأنه حتى وإن حوكم الشخص عن فعله في مرة أخرى فإنه ينبغي أن تحترم الاستثناءات التالية:

1- يجوز إعادة محاكمته عن فعله مرة ثانية إذا كانت المحكمة الأولى غير مختصة بالنظر في الدعوى.

2- إذا ظهرت بعد الحكم أفعال تكون مع الفعل الأول الذي سبقت المحاكمة فيه جريمة أخرى، مادامت المحاكمة الأولى لم تحط علما بذلك.

ونظرا لكون القاعدة العامة هي عدم جواز المحاكمة لأكثر من مرة بعد صدور الحكم الذي يحوز على قوة الشيء المقضي به أو حجية الشيء المقضي فيه، فإن محكمة النقض المصرية قضت بأنه من حق المحكمة إعمال قوة الأمر المقضي به للحكم الجنائي من تلقاء نفسها باعتباره عنوانا للحقيقة وحجة على الكافة بما لا يقبل الجدل والمناقشة.[109]

وقد ورد في المبدأ الاجتهادي للمحكمة العليا الجزائرية ما مفاده: “إن الأمر بانقضاء الدعوى العمومية لكون الوقائع صدر فيها حكم حائز لقوة الشيء المقضي فيه دون مناقشة الوقائع الجديدة وشروط حجية الشيء المقضي فيه هو قضاء معيب بالقصور ينجر عنه النقض”.[110]

وقد نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من جهته على عدم جواز تعريض شخص لمحاكمة عن فعل تم محاكمته فيه سواء تم تبرئته أو تم معاقبته بموجب المادة (14/7).

ومن بين الضمانات كذلك في بداية المحاكمة هي حق المتهم والدفاع بالإحاطة بالتهمة، وإن لم يتم ذلك فإن المحاكمة تعتبر فاقدة للمصداقية لأنها لم تمكن الدفاع من أن يكون فعالا، لذا يجب تلاوة التهمة الموجهة إلى المتهم بأمر الإحالة أو بورقة التكليف بالحضور بحسب الأحوال، كما يجب على المحكمة أن تنبه المتهم عن كل تغيير أو تعديل في وصف التهمة لتحضير دفاعه بشكل لائق بحسب التشريع المصري.[111]

فقد جاء في اجتهاد المحكمة العليا أنه في حال إعادة تكييف التهمة من جديد فإنه يجب على القضاة أن يبلغوا أطراف القضية بذلك من أجل إبداء رأيهم قبل الفصل في القضية.[112]

وأيضا جاء في قضاء المجلس الأعلى سابقا وتماشيا مع أحكام المادة (338) ق إ ج أنه كان على رئيس محكمة الجنح تنبيه الشخص المقبوض عليه إلى حقه في طلب مهلة لإعداد دفاعه، وأن يشير إلى ذلك وإلى إجابة المتهم بشأن ذلك في معرض الحكم أما عدم إتيان هذا الإجراء فهو إخلال بحق الدفاع يستوجب النقض والإبطال.[113]

ومن بين الضمانات الممنوحة في القانون الأمريكي أثناء تشكيل محكمة الجنايات هو اختيار هيئة المحلفين بشكل عشوائي من القائمة الانتخابية، وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بأنه لا ينبغي اختيار فقط المميزين اقتصاديا واجتماعيا بل يجب أن تضم الهيئة جميع مكونات المجتمع، مع استثناءات لبعض الفئات كالمحامين والأطباء الممارسين، والحارس الوحيد لأطفال صغار.

وقد اعترف الدستور الجزائري لعام 2016 بإمكانية أن يساعد القضاء مساعدون شعبيون وهو ما يشبه نظام المحلفين بموجب المادة (164/2)، فيما اعترف قانون الإجراءات الجزائية بنظام المحلفين حيث نصت المادة (264) منه على أنه يتم سنويا إعداد قائمة بأسماء المحلفين في دائرة اختصاص كل محكمة جنايات تتضمن (36) محلفا وساندتها في ذلك المادة (265) ق إ ج من خلال إعداد كشف خاص بـ (12) محلفا إضافيا من بين مواطني دائرة اختصاص محكمة الجنايات.

 وتنص المادة (266) ق إ ج على أنه قبل افتتاح دورة محكمة الجنايات بـ (10) أيام على الأقل يسحب رئيس المجلس القضائي في جلسة علانية وبطريق القرعة من الكشف السنوي أسماء (12) من المساعدين المحلفين للدورة الجنائية كما يسحب اسمين اثنين من المحلفين الإضافيين.

ونصت المادة (261) ق إ ج على أنه يمكن أن يرشح لمنصب محلف كل جزائري بلغ من العمر (30) سنة رجلا كان أو امرأة ممن يتقنون القراءة والكتابة ولا يعوزهم أي نقص في حقوقهم الوطنية والمدنية والعائلية ولا تنطبق عليهم أحكام المادتين (262، 263) فيما يخص فقد الأهلية أو التعارض.

وبشأن اختيار هيئة المحلفين في الجزائر فقد جاء في قرار للمحكمة العليا على أنه كان على رئيس محكمة الجنايات عندما استخلف المحلف الناقص بمحلف آخر من القائمة الإضافية أن يراعي ترتيب المحلفين في القائمة الإضافية وأن يستخلف المحلف بموجب حكم مسبب وفقا لما جاء به القانون في المادة (281) ق إ ج.[114]

وتطبيقا لأحكام المادة (258) ق إ ج تم نقض وإبطال حكم محكمة الجنايات لعدم احترام الإجراءات التنظيمية في تشكيلها حيث تم تعويض قاض بدلا عن آخر فجأة مع بداية الجلسة والأصل أن يتم تعويضه بقاض آخر قبل استخراج أسماء المحلفين وقبل بداية الجلسة.[115]

أما في الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من هذه الضمانة فإنه فيما يخص البيانات الافتتاحية لجلسة المحاكمة، فقد بينت الدراسات أن هذه البيانات غالبا ما توجه معظم المحلفين إلى معاملتها كدليل فيما بعد.[116]

وينبغي معاملة كل متهم في القضايا الجنائية على أساس أنه بريء بل أن نشاط المتهم كان مشروعا وهو غير مذنب بالجريمة التي اتهم بها، فقرينة البراءة من عناصر العدالة في النظام الأمريكي فإذا لم يوجه القاضي نظر المحلفين إلى هذه القرينة فإن ذلك يعتبر إخلالا بشروط سلامة الإجراءات القانونية ويعطى للمتهم الحق في طلب إلغاء قرار المحلفين بالإدانة.[117]

حيث تعتبر قرينة البراءة في أية محاكمة ركنا من أركان الشرعية ولا ينقضها غير الحكم البات بالإدانة، وبالتالي فالمتهم غير مجبر على إثبات براءته لأنه في الأصل بريء وإن حدث العكس فهو اعتداء على حقه، بل ينبغي أن يفسر الشك لمصلحة المتهم حماية له.[118]

ويرى بعض الفقه ضرورة المساواة في الحقوق مع الاتهام، وهو أن يمكن المتهم من كل الوسائل الضرورية التي تساعده على دحض الأدلة المقدمة ضده، وأن يقدم ما يثبت به دفاعه وهو ما تم تأكيده في المؤتمر الدولي الثاني عشر (12) لقانون العقوبات بهامبورج سنة 1979، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاعتراف بحق المتهم في الاستعانة بمحام.[119]

وحتى يتمكن المتهم من حقه في الدفاع أثناء المحاكمة ينبغي أن يمكن من حقه في الاستجواب وحرمانه من هذا الأخير هو حرمان له من حق الدفاع عن نفسه وتثبيت التهمة عليه، كما أن له حق الصمت وعدم الرد على أي سؤال من المحكمة ولا يمكن لها أن تستخلص من ذلك الصمت على أنه قرينة إثبات ضده، فقد أوصى المؤتمر الدولي لقانون العقوبات السابق الذكر بأنه ينبغي أن ينبه المتهم إلى حقه في الصمت.

وللمتهم كذلك الحق في إبداء أقواله بكل حرية سواء بشكل شفوي أو كتابي، لكن لا يمكن بأي حال سماع المتهم كشاهد عند إبدائه لأقواله، كما لا يجوز تقييد حقه في إبداء أقواله لمدة معينة بل يترك له المجال حتى يفرغ من كل ذلك.[120]

لكن في النظام القانوني الأمريكي يستطيع المتهم أن يختار بأن يدلي بأقواله كشاهد وفي هذه الحالة يخضع لمناقشة خصمه والذي يستطيع إدانته على أساس عدم الثقة في أقواله، ويسمح له حينها بالرجوع إلى أدلة إثبات الجرائم التي ارتكبها المتهم في الماضي ولو لم يكن لها علاقة بالتهمة في أثناء المحاكمة الحالية وهي من أكثر الطرق شيوعا.

وتمكينا لحق الدفاع أثناء استجواب المتهم يجوز لمحامي المتهم التدخل للاعتراض على بعض الأسئلة الموجهة إليه وهو الحاصل في النظام القانوني الأمريكي.[121]

أما في الجزائر ففي مرحلة التحقيق لا يستطيع محامي المتهم ولا محامي المدعي المدني أن يتناولا أية كلمة إلا بعد إذن من قاضي التحقيق، ولهما الحق فقط في توجيه أسئلة وليس الاعتراض عليها بحسب المادة (107) ق إ ج.

وفي أثناء المرافعة يجوز للمتهم كما لمحاميه أن يوجه أسئلة للمتهمين والشهود بحسب نص المادة (288/1) ق إ ج، ونصت المادة (304) ق إ ج على أن المحامي والمتهم يعرضان أوجه دفاعهما ويعطى لهما آخر كلمة دائما، ولم يُنص على حق المحامي في الاعتراض على أسئلة توجه للمتهم أثناء استجوابه بنص قانوني صريح، لكن في الواقع القضائي يستطيع المحامي توجيه نظر رئيس الجلسة إلى هذا الأمر ولهذا الأخير أن يقبل أو يرفض.

ثانيا- مرحلة المرافعة

المرافعة هي بمثابة جزء من مبدأ شفوية المرافعات، وهو حق من حقوق الخصوم وإن لم تستجب المحكمة الجنائية له فإن ذلك يعتبر إخلالا بحق الدفاع، ويمكن تدعيم المرافعة بمذكرات كتابية، ويجب أن تستمر المرافعة وألا تتوقف إلى غاية صدور حكم فيها، لكن يمكن وقفها لأجل استراحة القضاة أو المتهم بحسب نص المادة (307) قانون إ.ج ف، لكن محكمة النقض الفرنسية ميزت بين هذا التوقيف المبرر وغيره من التعطيلات المحظورة، ويحظر على المحكمة في أثناء توقفها المؤقت عن المرافعة البحث في قضية أخرى.[122]

وأيضا نصت المادة (285/2) ق إ ج على أن المرافعات لا يمكن مقاطعتها مهما كان السبب حتى تنتهي القضية بحكم المحكمة، باستثناء توقيفها لمدة تكفي لراحة المتهم أو القضاة.

أما المرافعة في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها لا تكون إلا في مرحلة الحجج الختامية، أي في ختام مرحلة تقديم الأدلة يقدم كل من محامي الدفاع وممثل الاتهام – وهو أيضا محام – مرافعته، والمرافعة الختامية تكون أطول وأعمق من البيانات الافتتاحية ويحاول كل طرف إقناع هيئة المحلفين ولو باستعمال بعض المشاهد التمثيلية.[123]

ويقدم كل طرف سواء كانت النيابة العامة أو المتهم أو المدعي بالحقوق أو المسؤول عنها بحسب قانون الإجراءات الجنائية المصري مرافعاته بشرط أن يكون المتهم هو آخر من يتكلم،[124] بينما العكس في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعطى آخر كلمة لممثل الاتهام وهو أيضا أول من يأخذ الكلمة وسبب ذلك بحسب الفقه الأمريكي هو تعويض للحكومة عن تحملها لعبء الإثبات طوال أطوار المحاكمة.[125]

وتمنح الكلمة الأخيرة في القضاء الجزائري دائما للمتهم حيث تم إبطال ونقض القرار المطعون فيه لمجرد عدم تطبيق أحكام المادة (431) ق إ ج لعدم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتهم وهو ما اعتبره المجلس الأعلى حينها إخلالا بحق الدفاع.[126]

وبالرغم من إعطاء الحق للنيابة العامة للمرافعة، فإن بعض الفقه لا يرى فيها طرفا في الدعوى، حتى أنه لا يعتبرها خصما حقيقيا في الدعوى الجنائية، بل خصما إجرائيا أي طرفا في الخصومة الجنائية، فهي سلطة ادعاء وممثل الاتهام في آن واحد لكن ليس لها أي هدف خاص كبقية الخصوم بل النيابة العامة لا تريد سوى تحقيق المصلحة العامة باعتبارها تنوب المجتمع في أية دعوى جنائية، ولا يتمثل دورها في البحث عن كيفية إيقاع المتهم في العقاب بل هدفها الأسمى هو الوصول إلى تطبيق مبدأ سيادة القانون لأجل تحقيق العدالة الجنائية، والدليل على ذلك في نظر الفقه هو حمايتها لمصلحة المتهم أيضا، فقد تستأنف الحكم أو تطعن فيه بالنقض لخطأ في تطبيق القانون ولها كذلك طلب إعادة النظر في الدعوى الجنائية لمصلحة المتهم.[127]

لكن يبقى الأكيد أن حضور المحامي العام في بلجيكا هام جدا لأنه من بين أهم إجراءات المحاكمة.[128]

وقد نصت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في حكم لها عام 1935 على الدور الهام للاتهام.[129]

وفي النظام الأمريكي ليست كل الحجج التي يتقدم بها محامي الدفاع أو ممثل الاتهام في المرافعة مقبولة فلا يجوز أن يذكر الدليل على غير حقيقته، أو أن يقدم دليلا لم يقدم في المحاكمة، ولا يجوز التعليق على دليل يؤدي بهيئة المحلفين إلى أي استنتاج بطريقة مخالفة لهذه الأدلة، وفي حال أراد المتهم الاعتراف بذنبه وارتكابه الجريمة، فإنه يجب أن يقع علمه على فهم التهمة وطبيعتها وعناصر الجريمة التي يود الاعتراف بها ويجب أن يقر بذلك علانية في قاعة المحكمة، كما يجب على المحكمة إبلاغ المتهم الذي يود الاعتراف بذنبه بالعقوبة الدنيا والقصوى، فإن رأى بأن اعترافه قد يؤدي به إلى سجن يطول فإن له الحق في عدم الإقرار بذنبه، وإن لم تخبره المحكمة بمدة العقوبة الدنيا والقصوى فإنه خطأ يؤدي إلى معاملة اعترافه بذنبه على أنه غير إرادي.[130]

ويجوز لممثل الاتهام أن يغري المتهم في حال اعترافه بذنبه أنه سيؤدي به إلى تخفيف العقوبة، لكن إذا لم يوف ممثل الاتهام بوعده والذي كان سببا في إغراء المتهم بالاعتراف جاز لهذا الأخير سحب رده بالذنب حسب حكم المحكمة العليا الأمريكية.[131]

وعند اختتام مرحلة تقديم الأدلة يكون هناك ما يسمى بتوجيه المحلفين في جلسة التوجيه، فقبل انسحاب هيئة المحلفين إلى المداولات يتوجه إليهم قاضي المحاكمة فينبههم إلى القانون الواجب التطبيق على القضية، وكذلك يلفت عنايتهم إلى مسائل الإثبات المتصلة بهذه الدعوى، حيث يقدم التوجيهات في حضور محامي الدفاع والاتهام لكن بدون حضور المتهم، كما يقدم كل من محامي الدفاع وممثل الاتهام إلى المحكمة التعليمات التي يرغب في توجيهها للمحلفين، والمحكمة تختار ما تقدمه من بين هذه الطلبات بعد الاستماع إلى المحامين وبراهينهما، وبعد إقفال باب السماع تقرأ التعليمات على هيئة المحلفين وعادة ما تتضمن هذه التعليمات وظائف المحكمة وهيئة المحلفين، قرينة البراءة وعبء الإثبات، تعريف الجريمة محل النزاع وعناصرها، ومختلف أشكال الإثبات.[132]

أما دور المحلفين في الجزائر ووفقا لما جاءت به قرارات واجتهادات المحكمة العليا الجزائري فهو كما يلي:

فالاختصاص الشمولي لمحكمة الجنايات يخولها الفصل في أية دعوى ولا يهم موضوعها أكان جناية، جنحة، أو مخالفة، وبالتالي يجب أن يكون ضمن تشكيلتها قضاة محترفون ومحلفون.[133]

وأيضا من مهام المحلف تطبيقا لنص لمادة (309) ق إ ج ضرورة توقيع المحلف الأول على قرار المحكمة وإلا اعتبر الحكم الجنائي باطلا،[134] وقد تم التأكيد على أن ورقة الأسئلة تعتبر من الوثائق الأساسية في المحاكمة الجنائية ويجب أن يوقع عليها الرئيس والمحلف الأول وإلا فإن حكم محكمة الجنايات سينقض.[135]

وتطبيقا لأحكام المادة (285) ق إ ج فإنه عندما يقدر رئيس محكمة الجنايات سرية الجلسة فإنه يتعين عليه أن يصدر حكما مستقلا يسبب فيه دوافع السرية وبغير إشراك المحلفين فيه لأنه من المسائل العارضة.[136]

ووفقا لأحكام المادة (309) من ق إ ج فإن الأحكام الجنائية التي صدرت وجلس للحكم فيها محلفون مساعدون فإنه ليس بلازم تعليلها لأن الأسئلة والأجوبة تقوم مقام التعليل.[137]

ويجب احتراما للإجراءات الشكلية اللازمة لصدور الحكم ذكر أسماء المحلفين في الحكم الصادر تطبيقا لنص المادة (314/3) ق إ ج.[138]

ولا ينبغي بأي حال طرح سؤال إضافي ومناقشته مع الأطراف بغير حضور المحلفين.[139]

لكن ينبغي على المحكمة الجنائية عند الفراغ من الدعوى العمومية وإصدار حكم فيها، والتوجه للفصل في الدعوى المدنية ألا تشرك المحلفين فيها تطبيقا للمادة (316) ق إ ج وإلا عرضت حكمها للإبطال لأنها من اختصاص القضاة المحترفين.[140]

ويشترط أن يبلغ المحلف السن القانوني على الأقل كي يصبح عضوا في تشكيلة المحكمة الجنائية، والسن بحسب المادة (261) ق إ ج هو 30 سنة فما فوق.[141]

ومن المؤاخذات على النيابة العامة في مصر أثناء المرافعة حسب بعض الفقه أن أعضاء النيابة الجدد حديثي الخبرة يغفلون الدفاع الجوهري والحاسم في أقوال المتهم ويقومون فقط بتخير ما يضر بالمتهم حيث لا يترك للدفاع أي ثغرة يمكن أن ينفذ منها لتبرئة موكله المتهم، حيث شبه الفقه هذا الفعل بأنه أقرب إلى التزوير بالترك، ضف إلى ذلك أن النيابة العامة في مصر قد تخلت عن المرافعة حيث طالما تمسكت بعبارة: “النيابة مصممة على الطلبات”، وقد انتقدت على أساس أنها ليست مرافعة، وربما أعضاء النيابة العامة يتقيدون بتعليمات النائب العام أثناء التحقيق لكنهم في الأصل أحرار أثناء المرافعة بالجلسة، فمرافعة النيابة العامة قد تسهم في تبيان الحقيقة التي يصارع دفاع المتهم في كشفها لكن سكوتها قد يسهم أحيانا في إدانة المتهم، وهذا بخلاف ما هو حاصل في فرنسا، وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية والذي جاء فيما بعد في شكل نص قانوني وهو نص المادة (5) من قانون السلطة القضائية الصادر في 22/12/1958، حيث يمكن لممثل النيابة العامة في الجلسة تعديل الطلبات الواردة بتعزيز الاتهام وفق ما يراه مناسبا.[142]

وبصورة مشابهة لما سبق قوله نجد ذلك في قضية (ب م) (ن س) ضد (ن ع) فالنيابة العامة بادرت ولم تسكت بل استأنفت ضد متهم واحد وفقط لكن قضاة المجلس أدانوا المتهمان وهو خرق لقواعد جوهرية في الإجراءات.[143]

وفي الولايات المتحدة الأمريكية هناك رقابة شديدة على ممثل الاتهام، فقد يلغى قرار الإدانة إذا ترتب عن إخفاء هذا الأخير لواقعة كانت ستسهم في براءة المتهم، كما أنه وفي باب التعليقات المخصصة للتأثير على هيئة المحلفين أثناء المرافعة، لا يمكن بأي حال دفعهم من قبل ممثل الاتهام إلى استنتاجات باطلة، فقد رأت المحكمة الأمريكية أن قول أحد ممثلي الاتهام للمحلفين أنهم لو مكنوا حقا من الاطلاع على تقرير الشرطة كانوا سيرون الحقيقة، بمثابة إشارة ضارة ومؤثرة تضلل المحلفين، ونفس الشيء إذا كانت تعليقات ممثل الاتهام معدة لكلي تكون ضارة وفقط ولا تبحث عن الحقيقة وإحقاق العدالة، رأت فيها المحكمة العليا الأمريكية سببا في إبطال الإدانة الناجمة عن هذا التعليق الضار، كما رفضت المحكمة العليا تعليق ممثل الاتهام على عدم قيام المتهم بالشهادة أو تقديم دليل لأنه قد يوحي بأنه مذنب، فقد رأت المحكمة في السماح بهذا التعليق بأنه سيكون بمثابة عقوبة على حق دستوري مقرر بموجب التعديل الخامس في ألا يشهد أو يدلي بأقوال.[144]

وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بإمكانية أن يطلب عضو النيابة العامة أن يسأل كشاهد في الدعوى وحينها يؤدي اليمين القانونية كشاهد عادي، وهو ما حصل في قضائها عام 1975 حيث منح الإذن في ذلك لنائب الجمهورية الذي حرك الدعوى العمومية.[145]

وفي أية مرافعة ينبغي أن يمكن المتهم من الدفاع لكن قبل ذلك فإنه يجب بموجب المادة (214/2) ق إ.ج. م أن يندب المحامي العام محام لكل متهم في جناية صدر في حقه أمر بإحالته إلى محكمة الجنايات، هذا إذا لم يكن قد وكل المتهم محاميا للدفاع عنه،[146] وفي فرنسا بموجب المادة (274) من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي فإنه من حق المتهم اختيار محام وإذا لم يختر محاميا فإن رئيس المحكمة أو المستشار المنتدب من قبله يعين له محاميا، لكن إذا اختار المتهم محاميا بنفسه لاحقا فإن هذا الندب يعتبر لاغيا، وقد ثار خلاف قضائي في فرنسا حول تخلف حضور المحامي عن كل الجلسة أو بعضها، فالبعض قال لا يترتب البطلان لأنه لا يمكن التسوية بين حضور المحامي وحضور رئيس الدائرة أو عضو النيابة العامة في المرافعات، فيما هناك أحكام أخرى قالت بأن عدم الحضور يؤدي إلى البطلان، وقد نصت المادة (317) من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي على ضرورة حضور المحامي مع المتهم في جناية إلى الجلسة، وإن لم يحضر المحامي سواء كان موكلا من المتهم أو معينا من المحكمة فإنه يجب على رئيس المحكمة أن ينتدب محاميا في لحظته.[147]

وقد جاء في قرار للمحكمة العليا الجزائرية أن قضاة الموضوع خالفوا أحكام المادتين (348، 413) ق إ ج لما اعتبروا المعارضة لاغية نتيجة لغياب الطرف المدني على الرغم من حضور محاميه وتقديم مقال بدلا عن المتهم.[148]

ومما جاء في قضائها أيضا أن قضاة الموضوع في المحكمة العسكرية أغفلوا نص المادة (140) من قانون القضاء العسكري والتي تستوجب تعيين محام بصفة تلقائية لكل متهم لم يكن له محام أو تعيين يوم الجلسة وإلا اعتبر إخلالا بحق الدفاع.[149]

ثالثا- المداولة القضائية

من بين أكبر الضمانات الممنوحة باعتبارها ضمانة من ضمانات حقوق الإنسان، هي أنه لا يمكن صدور أي حكم جنائي من محكمة الجنايات في أية قضية جنائية إلا من قضاة شاركوا في كل أطوار الدعوى الجنائية بما فيها سماع مرافعات الأطراف، واشتركوا بعد إقفال باب المرافعة بآرائهم بكل استقلالية وحرية وفي سرية مطلقة، مع الأخذ بعيين الاعتبار اختلاف زمن كل مداولة باختلاف القضايا الجنائية ومدى تعقيدها.[150]

ولتحقيق الهدف المنشود من المداولات القضائية بغية الوصول إلى استقرار عقيدة المحكمة على الحكم وما يتضمنه من منطوق وأسباب، فإنه كان لزاما أن تجرى المداولات بعد قفل باب المرافعة وقبل النطق بالحكم.[151]

ويشترط لصحة المداولة في النظام المصري جملة من الشروط وهي:[152]

  • احترام حقوق الدفاع أثناء المداولة القضائية.
  • اشتراك كل القضاة الذين سمعوا المرافعة في المداولة القضائية.
  • سرية المداولة القضائية.
  • صدور الحكم بأغلبية الحضور.

ولضمان تحقق هذه الشروط ينبغي ضمان استقلال القضاة في تكوين عقيدتهم ورأيهم في أثناء المداولة القضائية بعيدا عن أي تأثير خارجي أو أي اعتبار نفسي آخر سواء كان مصدره الخصوم أو الغير.[153]

وتطبيقا لأحكام المادة (309) ق إ ج فقد نقض المجلس الأعلى حكما لمحكمة الجنايات لأنه ثبت أن الأسئلة المتعلقة بالظروف المشددة والظروف المخففة تم الإجابة عليها بنعم فقط وهو ما يخالف القانون.[154]

وفي هذا الإطار تنص قوانين الولايات الأمريكية على ضرورة عزل المحلفين عن غيرهم لأجل المداولة القضائية، حيث أتيح للقاضي كامل الصلاحيات ليس فقط بعزلهم في أثناء تداول القرار بل عزلهم حتى في الفترة التي تؤجل فيها الدعوى مرة أخرى.

ففي إحدى القضايا صرح أحد الموظفين القضائيين والذي كلف بمهمة حراسة هيئة المحلفين – المعزولة في الأصل عن أي تأثير خارجي- لأحد المحلفين قائلا:

“آه ذلك الشخص الشرير -المتهم- إنه مذنب”، وفي مرة أخرى قال لمحلف آخر:

“إذا كان هناك أي شيء خطأ أي في الحكم بأن المدعى عليه مذنب فإن المحكمة العليا ستصححه”، وقد جاء في حكم المحكمة بأن تصرف الموظف: “يتضمن رجحان حصول ضرر بناء عليه بحيث تعتبر المحاكمة بذاتها غير متوافرة لها السلامة في الإجراءات الواجبة قانونا”، خصوصا إذا علمنا أن الموظف بحسب المحكمة دائما له وزن بالغ الأهمية وشأن كبير لدى هيئة المحلفين والتي حرسها لمدة ثمانية أيام وليال.[155]

أما في الجزائر فلا يجوز مشاركة المحلفين في المداولة في الحكم في حالة غياب المتهم عن الجلسة تطبيقا لنص المادة (319) ق إ ج، حيث تصدر المحكمة الجنائية حكمها في التهمة بعد القيام بإجراءات التخلف عن الحضور المنصوص عليها قانونا بغير حضور المحلفين.[156]

وقد ورد في المبدأ الاجتهادي أنه: “من الثابت قانونا أنه لا يجوز إقحام المحلفين للنظر في مسألة حجية الشيء المقضي فيه التي تدخل ضمن اختصاص القضاة المحترفين”.[157]

ويرى بعض الفقه أنه لا يجوز بعد قفل باب المرافعة إمساك أية وثيقة أو سند من أي طرف لأنه بقفل باب المرافعة تنتقل القضية إلى سيادة المحكمة بعد أن كانت بين يدي وتحت سيادة الخصوم، وقد دأب بعض الفقه على استخدام مصطلح “حجز القضية للحكم” كمرادف لقفل باب للمرافعة.[158]

لكن الخلاف ليس في المصطلح بحد ذاته بل الخلاف يكمن في مدى جواز سماع أحد الخصوم أو وكيله أو قبول المحكمة لأوراق أو مذكرات من أحد الخصوم بعد قفل باب المرافعة، لأن الأصل كلما أشرنا إليه هو أن تتم المداولة بين القضاة حول الأوراق والمستندات المقدمة من الخصوم في أثناء المرافعة، وقد نصت المادة (168) من قانون المرافعات المصري على أنه لا يجوز قبول أوراق أو مستندات من أحد الخصوم بعد غلق باب المرافعة إلا وقد أطلع الطرف الآخر عليها حتى يتمكن من الرد عليها، وألا تسمع أحد الخصوم أو وكيله إلا ويجب أن تسمع الطرف الآخر وإن لم يحدث ذلك ترتب البطلان، وهو مقرر لمصلحة الخصوم ولا يتعلق بالنظام العام.[159]

وانتقل الخلاف إلى الفقه حيث اعتبر قبول المحكمة لهذه الأوراق ولو لم تكن ذات قيمة على الحكم الذي سيصدر فإنها تعتبر إخلالا بمبدأ المواجهة، فيما اعتبر جانب فقهي آخر أنه في حال تقديم هذه الأوراق والمستندات والقاضي لم يعتد بها فإن هذا لا يخل بأي حال بمبدأ المواجهة، لأن حق الخصم لم يمسه أي تأثير ما دام أن عقيدة المحكمة لم تتأثر بهذه الأوراق.[160]

لكن بحسب بعض الفقه المصري يمكن للمحكمة أن تفتح باب المرافعة مرة أخرى، ولها كامل السلطة التقديرية سواء هي من رأت ذلك، أو بناء على طلب الخصوم، لكن يجب أن تصرح بهذا القرار في الجلسة وأن تذكر الأسباب الجدية في ورقة الجلسة وفي المحضر بحسب نص المادة (173) من قانون المرافعات المصري، وتشير المادة (444) من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي على إمكانية فتح باب المرافعة إما بناء على طلب الخصوم أو وفقا للسلطة التقديرية للمحكمة، كما نصت المادة (444) السالفة الذكر على ضرورة فتحها وجوبا إذا كان هناك غموض في دفاع الخصوم سواء تعلق بالواقع أو بالقانون الواجب التطبيق، وكذلك في حالة حدوث تغيير طارئ في تشكيل هيئة المحكمة.[161]

أما في الجزائر فبموجب المادة (305) ق إ ج فإن الرئيس عندما يقرر إقفال باب المرافعات يتلو الأسئلة الموضوعة، ويجب وضع سؤال عن كل واقعة جاء فيها منطوق قرار الإحالة، ولا يجوز بحسب المادة (306) ق إ ج لمحكمة الجنايات استخلاص أي ظرف مشدد لم يرد في حكم الإحالة إلا بعد سماع طلبات النيابة العامة ورد الدفاع.

ويجب أن تحرس المنافذ المؤدية إلى غرفة الاتهام ولا يمكن لأي شخص الولوج إليها لأي سبب كان بدون إذن الرئيس وفقا لما جاء في المادة (308) ق إ ج، وخلال المداولات تصبح أوراق الدعوى تحت تصرف المحكمة وتخرج من بين أيدي الأطراف.

ويجب على الرئيس قبل الدخول إلى غرفة المداولات بمقتضى المادة (307) ق إ ج أن يتلو ما يلي بصوت واضح قبل مفارقة قاعة الجلسات، ويعلق هذا النص الآتي بأحرف بارزة في مكان مكشوف داخل غرفة المداولات: “إن القانون لا يطلب من القضاة أن يقدموا حسابا عن الوسائل التي بها قد وصلوا إلى تكوين اقتناعهم، ولا يرسم لهم قواعد بها يتعين عليهم أن يخضعوا لها على الأخص تقدير تمام أو كفاية دليل ما، ولكنه يأمرهم أن يسألوا أنفسهم في صمت وتدبر، وأن يبحثوا بإخلاص ضمائرهم في أي تأثير قد أحدثته في إدراكهم الأدلة المسندة إلى المتهم وأوجه الدفاع عنها ولم يضع لهم القانون سوى هذا السؤال الذي يتضمن كل نطاق واجباتهم:

هل لديكم اقتناع شخصي؟”.

وبمقتضى المادة (312) ق إ ج إذا ظهرت أدلة جديدة ضد المتهم أثناء المرافعات وتمسكت النيابة بحق المتابعة حتى ولو برئ المتهم، فإن الرئيس يأمر باقتياده إلى وكيل الجمهورية بمقر محكمة الجنايات لأجل فتح تحقيق، فيما نصت المادة (354) ق إ ج على أن للمحكمة الحق في تحديد تاريخ آخر لاستمرار المرافعات إذا لم يكن ممكنا إنهاؤها أثناء الجلسة نفسها، ولا يستطيع أي طرف ولا حتى النيابة العامة في الجزائر بعد قفل باب المرافعات طلب فتحها من جديد مثلما هو حاصل في مصر وفرنسا.

ويشترط في القانون المصري أن تصدر المداولة بأغلبية الآراء، لكن قد يحدث خلاف ولا يكون هناك إجماع وهو ما أشارت إليه المادة (169) من قانون المرافعات المصري.[162]

وتطبيقا لأحكام المادة (309) ق إ ج فإن الأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرار في المداولة هي الأغلبية البسيطة وليست المطلقة.[163]

وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يجوز للمحلفين أن يتناقشوا فيما بينهم في وقائع القضية حتى يصلوا إلى مرحلة المداولات، ولا يمكنهم الخروج إلا بعد الوصول إلى قرار في القضية المعروضة أمامهم، لكن يجب أن يكون قرارهم بالإجماع وعادة تتكون هيئة المحلفين من (12) عضوا، لكن يمكن لممثلي الاتهام والدفاع أن يتفقا على تقليص العدد، وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن المحاكمة بواسطة هيئة المحلفين لا تكون إلا في القضايا التي تزيد مدة السجن فيما عن ستة (06) أشهر، أما التي تقل عن هذه المدة فإنه لا يحاكم المتهم وفقا للقانون بواسطة هذه الهيئة إلا إذا أراد المتهم أن يحاكم شخصيا بواسطة هيئة المحلفين حتى ولو كان هناك اعتراض من جانب الولاية. 

لكن عندما لا يصل المحلفون إلى قرار بالإجماع يتدخل القاضي في محاولة لإقناعهم بإعادة الكرة من جديد على أمل أن يحدث إجماع، وقد تظل الهيئة مجتمعة لمدة أربعة أيام إلى خمسة أيام قبل الوصول إلى قرار، وإذا لم يحدث إجماع يعلن عن بطلان المحاكمة ومعناها قيد المحكمة لتلك القضية لأجل إعادة المحاكمة فيها من جديد،[164]  لكن قد يصعب على هيئة المحلفين الوصول إلى قرار بشأن وقائع قد تؤدي إلى الشك أو تكون مبهمة فإنه يحق لها أن تطلب من المحكمة بعض التعليمات التوجيهية واستجابة المحكمة لطلب الهيئة لا يعتبر إخلالا بحيادها، لكن بغير أن تمارس المحكمة أي ضغط أو الدخول في جدل وأن توجه الهيئة بطريقة سليمة وصحيحة.[165]

وتنص المادة (449) من قانون المرافعات الفرنسية على أن الحكم يصدر بأغلبية الآراء، وكذلك الشأن في إيطاليا بموجب المادة (276) من قانون المرافعات الإيطالي، ولكن المؤكد أنه لا مداولة بعد النطق بالحكم، ويعرف اصطلاحا بخروج المنازعة من ولاية المحكمة التي أصدرت الحكم، وهو من أقدم القواعد القانونية المتأتية من القانون الروماني، وهذا الحكم المنطوق به يجب ألا يبنى إلا على العناصر التي ناقشها الخصوم أثناء المرافعات ومكنوا منها.[166]

رابعا- مرحلة صدور الحكم

يكتسي إصدار الحكم والنطق به أهمية بالغة تطبيقا للقاعدة الفقهية والقانونية: “لا عقوبة بغير حكم قضائي”، والقاضي يملك دورا هاما فهو يملك بهذه الصفة سلطة تطبيق القانون وإظهار فاعليته.[167]

وهو ما نص عليه الدستور الجزائري في المادة (142): “تخضع العقوبات الجزائية إلى مبدأي الشرعية والشخصية”، والتي أصبحت تحمل الرقم (160) بموجب التعديل الدستوري بالقانون رقم 16/01 حيث أضيفت لها فقرة ثانية تنص على أن التقاضي في المسائل الجزائية يتم على درجتين، وأن القضاء لا يصدر أحكامه إلا باسم الشعب لأنه مصدر السلطة التأسيسية التي تشرع للقانون بحسب المادة (159) من نفس الدستور المعدل.

وإصدار الحكم يختلف في حالة كان المتهم حاضرا في أطوار المحاكمة عن الحالة التي يكون فيها غائبا، حيث لا يجوز بدء إجراءات المحاكمة لمتهم غائب إلا بعد التأكد من إعلامه حقا بأمر الإحالة وحيازته على ورقة التكليف بالحضور، فإن لم يحصل ذلك أو حصل باطلا، يجب أن يؤجل النظر في الدعوى إلى جلسة أخرى.

فإغفال محكمة الجنايات الإجابة عن طلبات النيابة العامة وعدم القيام بما هو لازم من إجراء ضد المتهم المتخلف عن الحضور وعدم تطبيق أحكام المادة (317) ق إ ج فإنها تكون قد عرضت حكمها للنقض،[168] وتطبيقا لأحكام المادتين (346، 407) ق إ ج فإنه من الضروري الفصل غيابيا تجاه المتهم المستأنف طالما لم يثبت أمام الجهة القضائية الاستئنافية أن المتهم لم يصل إليه التكليف بالحضور.[169]

وقد ورد في قضاء المحكمة العليا أن رئيس المحكمة خالف مقتضيات المادة (355) ق إ ج عندما نطق بالحكم ولم يتحقق من حضور أو غياب الأطراف.[170]

وفي القانون المصري يمكن لمحكمة الجنايات أن تحكم في الدعوى بغير تحقيق، ولها أن تقضي في غياب المتهم بالبراءة أو الإدانة، فإذا صدر الحكم بالبراءة اعتبر وكأنه صدر حضوريا وتخرج الدعوى حينها من يدي وسيادة المحكمة، حيث يصبح للحكم حجية يخاطب بها الأطراف والغير، وإذا حكمت بالإدانة اعتبر وكأنه حكم تهديدي غير قابل للتنفيذ حيث يبطل بمجرد حضور المتهم شخصيا أو بالقبض عليه.

لكن الجانب المتعلق بالتعويض في الحكم الغيابي سواء صدر بالبراءة أو بالإدانة، فإن المحكمة ملزمة بالفصل فيه في كل الأحوال، كما يجوز للمحكمة الجنائية وفقا لسلطتها التقديرية ألا تحكم على المتهم الغائب بالرغم من التأكد من إعلامه بأمر الإحالة وحصوله على ورقة التكليف بالحضور، وتقرر المحكمة تأجيل الدعوى وتأمر بإعادة التكليف بالحضور بحسب نص المادة (384) ق إ.ج. م.[171]

أما في الجزائر فإن الأمر على خلاف ما هو حاصل في مصر حيث أن التحقيق الابتدائي وجوبي في الجنايات بحسب المادة (66) ق إ ج، فلا تستطيع محكمة الجنايات أن تصدر حكما بغير تحقيق أما في مواد الجنح فإنه يكون اختياريا ما لم توجبه نصوص قانونية، ويمكن إجراؤه في المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية.

وبخصوص حضور المتهم إلى المحاكمة تنص المادة (294) ق إ ج على أنه بعد إعلانه القانوني فإنه ملزم بالحضور وإذا لم يحضر بغير سبب جدي يوجه إليه الرئيس إنذارا بالحضور، وإذا رفض الحضور يحق للرئيس الأمر بإحضاره جبرا بواسطة القوة العمومية أو يمكن البدء بإجراءات المرافعات بغير حضوره، وأي حكم ينطق به يعتبر حضوريا في مواجهته رغم غيابه، ونفس الأمر إذا لم يلتزم بالهدوء أثناء جلسة المحاكمة فإنه ينبه إلى إمكانية طرده ومحاكمته غيابيا لكن الأحكام تصدر حضورية في حقه وفقا لما جاءت به المادة (296) ق إ ج.

أما في حالة الحكم بالإدانة الصادر بحق المتهم المتغيب إذا حضر بإرادته وسلم نفسه للسجن أو للقبض عليه قبل انقضاء العقوبة المقضي بها، فإن الحكم والإجراءات المتخذة ضده لاغية بموجب المادة (326) ق إ ج.

وبحسب نص المادة (396) قانون إ.ج م، فإن غياب المتهم لا يؤثر في الفصل في الدعوى بالنسبة لبقية المتهمين ونفس الشيء جاءت به المادة (324) ق إ ج، وهو ما جاء أيضا في قضاء محكمة النقض المصرية، حيث تنظر المحكمة في الدعوى الجنائية لبقية المتهمين طالما لم يعترضوا على ذلك ولم يروا بأن من مصلحتهم أن يحاكموا والمتهم الغائب في وقت واحد، وإذا صدر الحكم الجنائي بعدها فلا يمكن لبقية المتهمين التذرع بالإخلال بحق الدفاع، لأنه قد روعي في محاكمتهم بالرغم من غياب أحد المتهمين حماية لحقوق الإنسان في تجنيبهم الانتظار في الحبس الاحتياطي (المؤقت) من غير محاكمة وهو ما يلحق بهم ضررا أكيدا.[172]

وينبغي كلما أمكن الاستعانة في مرحلة إصدار الحكم بتقرير يعده موظف أو جهاز مختص يتضمن الخلفية الاجتماعية للجاني المتصلة بشخصيته وأن يتضمن التقرير توصيات ذات صلة بإجراءات إصدار الحكم.[173]

وعلى القاضي الجزائري ومن ورائه المشرع أن يراعي المادة (40/3/أ) من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجزائر، حيث نصت على ما يلي:”3- تسعى الدول الأطراف لتعزيز إقامة قوانين وإجراءات وسلطات ومؤسسات منطبقة خصيصا على الأطفال الذين يدعى أنهم انتهكوا قانون العقوبات أو يتهمون بذلك أو ثبت عليهم ذلك وخاصة القيام بما يلي:

  • تحديد سن دنيا يفترض دونها أن الأطفال ليس لديهم الأهلية لانتهاك قانون العقوبات”.

ونصت قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث في القاعدة (17) على مجموعة مبادئ توجيهية في إصدار الأحكام والتصرف فيها، وبحسب اتفاقية حقوق الطفل في المادة (37/أ) فإنه لا يمكن بأي حال أن يصدر حكم بالإعدام على طفل لم يجاوز 18 سنة من عمره أو السجن مدى الحياة، وهو نفس التأكيد الذي ورد في المادة (6/5) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كما أضاف إلى الطفل الأم الحامل التي لا يمكن تطبيق حكم الإعدام عليها كما لا يجوز الحكم بالإعدام على الأشخاص البالغين إلا كعقوبة على أشد الجرائم خطورة والتي ارتكبوها بموجب المادة (6/2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وقد حددت المادة (442) ق إ ج سن الرشد الجزائي ببلوغ الشخص (18) سنة كاملة، وهذه السن بحسب المادة (443) ق إ ج تحدد يوم ارتكاب الجريمة أما من لم يبلغ هذه السن فهو حدث وتتخذ بخصوصه تدابير الحماية والتهذيب التي جاءت بها المادة (444) ق إ ج.

وقد تستبدل هذه التدابير للأحداث الذين يبلغون من العمر أكثر من (13) سنة بعقوبة الغرامة أو الحبس المنصوص عليها في المادة (50) ق ع تبعا للظروف وشخصية المجرم الحدث بحسب المادة (445) ق إ ج، أما الحدث دون (13) سنة من العمر فلا يجوز اتخاذ أية عقوبة ضده مهما كانت سوى التوبيخ وفقا لنص المادة (446/3) ق إ ج.

ويحق لكل شخص حكم عليه بالإعدام طلب العفو أو استبدال العقوبة بموجب المادة (6/4) من العهد نفسه، كما نصت المادة (15/1) من العهد على ألا يدان أحد عن فعل أو امتناع عن فعل لم يكن حينها يشكل جريمة بموجب القانون الوطني أو الدولي، وألا تفرض عقوبة أشد من تلك التي كانت موجود وقت ارتكاب الجريمة وحق المتهم في الاستفادة من القانون الأصلح للمتهم وأن ينفذ عليه، ونفس التأكيد جاء في المادة (11/2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقد جاء في قضاء المحكمة العليا أنه تنقضي الدعوى العمومية تطبيقا لنص المادة (6) من ق إ ج بالعفو الشامل خصوصا وأن المتهم الطاعن تم إدانته بجريمة تحطيم ملك الغير والتجمهر والسرقة تبعا للأحداث التي وقعت يومي 8 و9 أكتوبر 1988 لكن بصدور القانون رقم 90/19 تم العفو الشامل عن كل من تورط في أحداث شهر أكتوبر وبذلك فقضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعن خالفوا قاعدة آمرة.[174]

وإذا صدر الحكم فإنه ينبغي أن ينصف الضحية وأن يتناسب التعويض والضرر اللاحق بالضحية، لكن إذا لم يكن ممكنا الحصول على تعويض عادل وكامل من المجرم أو من مصادر أخرى ينبغي للدول أن تسعى إلى تقديم تعويض منصف للضحايا وأسرهم وإنشاء صناديق وطنية إن أمكن ذلك بهدف مساعدة الضحايا،[175] وهو ما نص عليه الدستور المعدل في 2016 بموجب المادة (61).

واعتبر المجلس الأعلى أن التعويض عن الضرر يشمل الجانب المادي والمعنوي مع ضرورة أن يكون عادلا في كلا الشقين.[176]

فقد جاء قرار المحكمة العليا واضحا من خلال التأكيد على أن أي تعويض لا ينبغي أن ينزل عن الدخل الوطني الأدنى الوطني تطبيقا للمرسوم 152/97 المؤرخ في 10/05/1997 وعلى أساس الفقرات (3، 5، 8) من الملحق للقانون 31/88 المؤرخ في 19/07/1988.[177]

وتحديد التعويض لا يعتمد فيه على الأجر الوطني الأدنى المضمون ما دام أن الضحية حاصل على شهادة جامعية بل يحدد على أساس هذه الشهادة الجامعية.[178]

وقد يعتبر الحدث ضحية من ضحايا المجتمع نتيجة لتسارع الحياة الغالب عليها عدم الاهتمام بالشرائح الهشة وفي نفس الوقت يكون متهما بارتكابه جريمة، فقد ينشأ عن فعله المُجَرّم آثار تلحق بأشخاص آخرين يعتبرون ضحية لفعله، وبالرغم من ذلك وحماية للحدث المتهم من الضروري أن يعزز قضاء الأحداث حقوقهم وسلامتهم وألا يكون اللجوء إلى السجن إلا كملاذ أخير.[179]

فنظام المسؤولية الجنائية يتمحور حول محورين اثنين وهما:

حقوق الضحية وحق المجتمع في إلحاق العقاب بالجاني لأجل إحلال السلام المجتمعي.[180]

ويعرف النطق بالحكم الجنائي بأنه قراءة المنطوق بصوت عال في الجلسة وبصفة علنية وقد يشمل المنطوق ذكر الأسباب، وقد يقتصر فقط على المنطوق.

وبحسب ما جاء في المادتين (171/1) و(172) ق إ.ج. م فإن المحكمة تصدر المنطوق في نفس الجلسة وقد تؤجله إلى جلسة أخرى قريبة وفقا لسلطتها التقديرية، وإذا رأت المحكمة تأجيل صدوره للمرة الثانية فعليها أن تصرح بذلك في الجلسة مع ضرورة تعيين اليوم الذي يكون فيه النطق بالحكم وأسباب التأجيل، وتذكر ذلك في ورقة الجلسة ومحضرها، ولها أن تؤجل النطق به للمرة الثالثة ولكنها الأخيرة، لكن أغلبية الفقه المصري رأت بأنه لا حرج على المحكمة ولو أجلت النطق بالحكم لأكثر من ثلاث مرات.[181]

وقد نصت المادة (355) ق إ ج على نفس الأمر حيث جاء في حيثياته أنه: “يجب أن يصدر الحكم في جلسة علنية إما في الجلسة نفسها التي سمعت فيها المرافعات وإما في تاريخ لاحق.

وفي الحالة الأخيرة يخبر الرئيس أطراف الدعوى الحاضرين باليوم الذي سينطق فيه بالحكم.

وعند النطق بالحكم يتحقق الرئيس من جديد من حضور الأطراف أو غيابهم”.

كما يمكن للمحكمة إصدار الحكم قبل الميعاد المحدد للنطق به، إذ رأت أن الظروف تقتضي ذلك، مثل إمكانية زوال صفة أحد القضاة قبل التاريخ المحدد للنطق به، لكن بشرط ألا يترتب عن هذا التقديم ضرر يلحق بحقوق الدفاع.[182]

فقد ورد في قضاء المجلس الأعلى الأسبق أن قضاة الاستئناف أخطأوا لما صرحوا بالعقوبة ضد المتهم قبل سماع طلبات النيابة العامة والدفاع لأنه لا يصرح بالعقوبة قانونا إلا بعد الانتهاء من إجراءات المرافعة وسماع أقوال الأطراف.[183]

ويشترط لصحة النطق بالحكم أن يكون علانية ولو كانت الجلسة قد تمت سرا، وأن يحضر جميع القضاة الذين اشتركوا في المداولة القضائية في جلسة النطق بالحكم الجنائي، لأنه يستشف من جماعية الحضور أنهم على كلمة واحدة وهم مقتنعون بما أصدروه ولا يمكنهم العدول عنه، أما غياب أحد القضاة بداعي المرض أو السفر، فإنه لا يؤدي إلى بطلان الحكم مادام أنه وقع على مسودة الحكم القضائي، ويجب حضور قاض آخر بدلا عنه لاستيفاء الشكل المطلوب ويجب أن يثبت ذلك في الحكم القضائي وهو ما جاء في قضاء محكمة النقض المصرية، أما إذا تغيب القاضي عن الجلسة لأنه فقد صفته بسبب الوفاة أو الاستقالة أو النقل، فبحسب محكمة النقض المصرية يجب فتح باب المرافعة مرة أخرى وإعادة الإجراءات القضائية أمام هيئة جديدة.[184]

وقد أوجب المشرع المصري ضرورة إيداع مسودة الحكم القضائي في ملف القضية في مرحلة النطق بالحكم، وضرورة تمكين الخصوم من الاطلاع عليه، وحتى الغير وجب تمكنهم من ذلك بعد سداد الرسوم المقررة.[185]

الفرع الثاني: الدعوى المدنية أمام محكمة الجنايات

كل شخص له ضرر مباشر من جريمة ما له الحق في طلب التعويض، وقد يكون المدعي بالحق المدني شخصا طبيعيا أو معنويا وليس بالضرورة أن يكون مجنيا عليه، فقد يكون المدعي بالحق المدني ورثة المجني عليه في حادث القتل العمد أو زوجته.[186]

ويمكن أن يكون المتهم مدعيا بالحق المدني حيث يمكن أن يطالب المدعي بالحق المدني أمام نفس المحكمة التي تنظر في الدعويين الجنائية والمدنية، عن كل ضرر لحقه بسبب رفع الدعوى المدنية، وهو أشبه بالدعوى الفرعية التي قامت كل مبرراتها أمام المحكمة الجنائية وهذا ما جاءت به المادة (267) ق إ.ج. م، ويجوز للمدعي بالحق المدني الذي رفع دعواه أمام المحكمة المدنية، ليرفع بعد ذلك الدعوى أمام محكمة الجنايات بموجب المادة (264) ق إ.ج. م أن يترك الدعوى أمام المحكمة المدنية ليرفعها أمام محكمة الجنايات، كما له الحق أن يترك دعواه التي رفعت أمام محكمة الجنايات ليرفعها بعد ذلك أمام المحكمة المدنية ما لم يصرح بترك الحق المرفوع به الدعوى على أساس المادة (262) ق إ.ج. م.

ويجوز لكل شخص يدعي إصابته بضرر من جناية أو جنحة أو مخالفة أن يطالب بالحق المدني في نفس الجلسة وبتعويض الضرر بحسب المادة (239) ق إ ج.

 وقد أعطى القانون الحق بمباشرة الدعوى العمومية مع الدعوى المدنية في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها ويجوز مباشرة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية، لكن المحكمة المدنية ملزمة بإرجاء الفصل في الدعوى المدنية إلى غاية الفصل النهائي في الدعوى العمومية.

ولا يترتب التنازل عن الدعوى المدنية إيقاف أو إرجاء الدعوى العمومية، لكن تنقضي الدعوى العمومية لسبب واحد في حالة سحب الشكوى إذا كانت هذه الأخيرة شرطا لازما للمتابعة أو في حالة تنفيذ اتفاق الوساطة وبالمصالحة في حال كان القانون يجيزها صراحة.[187]

ويجوز للمدعى بالحق المدني أن يرفع الدعوى المدنية التبعية على المتهم فقط، ويرفع دعوى مدنية أخرى أمام المحكمة المدنية في مواجهة المسؤولين عن الحقوق المدنية، لكن في هذه الحالة توقف المحكمة المدنية نظر هذه الدعوى حتى تقضي محكمة الجنايات في الدعوى العمومية، تطبيقا لقاعدة الجنائي يوقف المدني ولما للحكم الجنائي من قوة الشيء المحكوم فيه في مواجهة القاضي المدني.[188]

لذا يتطلب قبول الدعوى المدنية أمام محكمة الجنايات أن يكون التعويض المطلوب قد نشأ عن ارتكاب جريمة ألحقت ضررا بالشخص، وهناك علاقة سببية بين الاثنين، وأن تكون المحكمة قد باشرت النظر في الدعوى العمومية.[189]

حيث أكد المجلس الأعلى أن القاضي الجنائي غير مختص في البت في أي تعويض مدني ما لم يكن قد نشأ عن وجود خطأ جزائي.[190]

لكن قد تقضي محكمة الجنايات بالبراءة لعدم كفاية الأدلة والذي قد يدخل الشك إلى قناعة القضاة حول مدى إدانة أو عدم إدانة المتهم، وقد قضت محكمة النقض المصرية أن الشك في ثبوت الاتهام يؤدي إلى البراءة بشرط أن تكون كل عناصر القضية قد تم تمحيصها، وهو ما جاءت به المادة (304) ق إ.ج. م التي توجب ببراءة المتهم في حالة الشك، لأن هذا الأخير يفسر لصالح المتهم.[191]

فالمحكمة العليا أبطلت ونقضت حكم محكمة الجنايات لمجرد أنه نطق بعبارة “البراءة لفائدة الشك” وهو ما اعتبرته مخالفا لأحكام المادة (310) ق إ ج والذي ينطبق على النطق بالحكم بالبراءة أو بالإدانة وفقط ضف إلى ذلك فإن الشك الذي وصل إليه اقتناع المحكمة الجنائية نتج عن سوء وشمولية طرح أسئلة عن واقعتي السرقة الموصوفة وتكوين جمعية أشرار بالرغم من أن هذه الأفعال المجرمة وقعت على عدة ضحايا وفي أماكن متعددة وأزمنة مختلفة، وهو ما يؤدي إلى اختزال حقوق الضحايا.[192]

ونفس الشيء أورده قضاء المحكمة العليا ففي قرار الغرفة الجزائية بمجلس قضاء ورقلة، حُكم بالشك لفائدة المتهم لكن لم يناقش الوقائع المنسوبة له بل اكتفى بسرد نتائج الخبرة والتي لم يناقشها وهو ما يعد مخالفا للقانون.[193]

لهذا اختلف الفقه حول مدى تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي الصادر بالبراءة والمؤسس على الشك وعدم كفاية الأدلة إلى ثلاثة اتجاهات.[194]

فقد جاء في المبدأ الاجتهادي للمحكمة للعليا ما يلي: “إن القضاء بالفصل في الدعوى المدنية فقط على إثر الرجوع بعد الخبرة دون التطرق إلى مسألة الدعوى العمومية وتبيان موقفه من تكييف الوقائع بالنسبة للحكم المعاد يعد مخالفة لقواعد جوهرية في الإجراءات ينجر عنه البطلان لأنه لا يسوغ في مواد الجنح والمخالفات الفصل في الدعوى المدنية إلا بعد الفصل في الدعوى الجزائية”.[195]

وقد حكمت محكمة النقض المصرية بأن الحكم بالبراءة لا يعني نفي الواقعة أو عدم حدوثها، ولا يوجد تلازم بين الحكم بالبراءة أو الإدانة من جهة والحكم بالتعويض من جهة أخرى، فقد تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة في الدعوى الجنائية ولكنها تحكم بالتعويض على المتهم أو المسؤول المدني في الدعوى المدنية والعكس صحيح.[196]

فقد جاء في قرار للمحكمة العليا أن قضاة الموضوع أخطأوا في تطبيق القانون حيث ربطوا بين الحكم في الدعوى العمومية بشكل نهائي والذي قضى ببراءة المتهم وبين عدم مناقشتهم الدعوى المدنية، بالرغم من أن المستأنف هو الطرف المدني وحده وهم بذلك خالفوا ما نصت عليه المادة (417) ق إ ج.[197]

ومما جاء في المبدأ الاجتهادي للمحكمة العليا ضرورة أن: “تفصل المحكمة الجنائية في طلبات التعويض المدني المقدمة من المدعي المدني ضد المتهم، بالقبول أو بالرفض ولا يجوز لها حفظ الحقوق”،[198] وعلى محكمة الجنايات أن تفصل في الدعوى المدنية حتى في حالة البراءة.[199]

ومن الجائز في القانون المصري إعادة النظر في الأحكام النهائية أمام المحاكم الجنائية والمدنية في حال ظهور أدلة جديدة، وقد ذهبت محكمة النقض المصرية للقول: “بأن تقدير الدليل لا يحوز قوة الشيء للمحكوم فيه، فتشكك المحكمة الجنائية في صحة الشهادة لا يمنع المحكمة المدنية من الأخذ بها”، كما قضت محكمة النقض المصرية بأن حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية قاصر فقط على منطوق الحكم دون أن تلحق تلك الحجية الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بالبراءة أو الإدانة.

وجاء في حكم آخر لنفس المحكمة أن الحجية لا تلحق إلا بأسباب الحكم إلا ما كان منها مرتبطا بمنطوقه ارتباطا وثيقا، وما لم تنظر فيه المحكمة الجنائية لا يمكن أن يشمله قوة الأمر المقضي فيه.[200]

ويرى بعض الفقه أن المنطوق المقصود به حجية الأمر المقضي به هو المنطوق الصريح وهو فقط الذي تشمله الحجية أمام المنطوق الذي يشوبه الغموض هو المنطوق الضمني ويطلق عليه الفقه الفرنسي “l’autorité du dispositif a cite”، فإنه غير مشمول بحجية الحكم المقضي به وقاعدة الحكم الجنائي يوقف المدني، لأنه في هذه الحالة يمكن للقاضي المدني استعادة اختصاصه بالبحث في كامل الموضوع من وقائع وأدلة.[201] 

لقراءة الملف بصيغة الPDF إضغط هنا


الهامش

[1]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 242.

  – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 185.

  – منية السافي، الحق في محاكمة عادلة، مجلة القضاء والتشريع، مركز الدراسات القانونية والقضائية، وزارة العدل وحقوق الإنسان، تونس، العدد (8)، السنة (48)، أكتوبر 2006، ص 277 وما بعدها.

[2]– Jean-Paul Cére, Le procès équitable et le droit de la prison, revue pénitentiaire et de droit pénal, éditions Cujas France, numéro spécial 2007, p 95. 

[3]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 242، 243.

[4]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 188، 191.

[5]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 189، 190.

[6]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 186، 187.

[7]– Judge Christopher Pitchers, L’équité dans la décision pénale, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚9 janvier-mars 1998, p 131.

[8]–  ألبرت شافان ALBERT CHAVANE، المرجع السابق، ص 255.

[9]– محمد حزيط، المرجع السابق، ص 6-8.

[10]– المبدأ (4) من إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة (29/11/1985).

[11]– المبدأ (1) من إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة جاء فيه:”1- يقصد بمصطلح “الضحايا” الأشخاص الذين أصيبوا بضرر فرديا كان أو جماعيا بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية، عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء، بما فيها القوانين التي تحرم التعسف الإجرامي في السلطة.

2- يمكن اعتبار شخص ما ضحية بمقتضى هذا الإعلان بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الفعل قد عرف أو قبض عليه أو قوضي أو أدين، وبصرف النظر عن العلاقة الأسرية بينه وبين الضحية ويشمل مصطلح (الضحية) أيضا حسب الاقتضاء العائلة المباشرة للضحية الأصلية أو معاليها المباشرين والأشخاص الذين أصيبوا بضرر من جراء التدخل لمساعدة الضحايا في محنتهم أو لمنع الإيذاء”.

[12]– Jeanne Clavel, La réparation pénale : Une nouvelle utopie ? revue d’actualité juridique pénal, éditions Dalloz France, n˚6 juin 2012, p 326.

[13]– Marie-Pierre Peis-Hitier, Recherche d’une qualification juridique de l’espèce humaine, Recueil Dalloz, éditions Dalloz France, 181ͤ année, 31 mars 2005, p 865-869.

[14]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 336، 358.

[15]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 243.

[16]-” le principe de la publicité des débats est essentiel et l’accès de l’audience doit être permis au public quels que soient la lieu”, crim, 28 juin 1883, D.P. 1884, 147.

 – د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 75.

[17]– ألبرت شافان، المرجع السابق، ص 263.

[18]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 355.

[19]– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع السابق، ص 26.

 – د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق، ص 84.

[20]– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع نفسه، ص 72.

[21]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 246.

[22]– قضية (ل م) ومن معه ضد النيابة العامة ملف رقم 224557 قرار بتاريخ 25/05/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2003، ص 305.

[23]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 244، 245.

 – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 355، 356.

 – منية السافي، المرجع السابق، ص 285.

[24]– د. أمال الفزايري، المرجع السابق، ص 63.

[25]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 245، 246.

– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع السابق، ص 81.

[26]– د. عبد الحميد الشواربي، الإخلال بحق الدفاع، المرجع السابق، ص 237.

[27]– د. عبد الحميد الشواربي، الإخلال بحق الدفاع، المرجع نفسه، ص 242.

[28]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 248، 249.

[29]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 247.

[30]– “قد يرى المشرع أن تنظر بعض الدعاوى في غير علانية مثال ذلك طلبات رد الاعتبار وتصحيح الأخطاء المادية في الأحكام وطلب رد الأشياء المضبوطة ففي هذه الأحوال تتم الإجراءات في غير علانية، ولكنها ليست سرية، فيجوز للمحكمة أن تسمح لأحد من الجمهور بحضورها دون أن يؤثر ذلك في صحة الإجراءات هذا بخلاف سرية الجلسة فإنه متى تقررت السرية أصبحت شكلا جوهريا في إجراءات المحاكمة يترتب على مخالفتها البطلان”.  د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 249.

[31]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 249- 251.

[32]– قضية النيابة العامة ضد (ش م) ملف رقم 242108 قرار بتاريخ 30/05/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2001، ص 320-322.

[33]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 246، 251، 252.

[34]– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع السابق، ص 103، 104.

[35]– ألبرت شافان، المرجع السابق، ص 265.

[36]– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع السابق، ص 71، 72.

[37]– د. عبد الحميد الشواربي، الإخلال بحق الدفاع، المرجع السابق، ص 240-242.

– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 250.

[38]– ألبرت شافان، المرجع السابق، ص 263، 264.

[39]– ألبرت شافان، المرجع نفسه، ص 264، 265.

[40]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 75، 76.

[41]– Pierrette Poncela, Les liaisons dangereuses du droit à l’image et du droit à l’information public, revue de sciences criminelles et de droit pénal comparé, éditions Dalloz France, n˚3 Juillet-septembre 2012, p 649-659.

[42]– Dominique Casanova, David Missistrano, Ibid, p 392.

[43]– ليونارد. ل كافيس، المرجع السابق، ص 425، 428-430.

[44]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 252.

[45]– القانون العضوي رقم 12/05 مؤرخ في 18 صفر 1433 الموافق لـ 12 يناير 2012، الجريدة الرسمية، عدد (2)، مؤرخة في 21 صفر 1433 الموافق لـ 15 يناير 2012.

[46]– Loïc Cadiet, Serge Guinchard, La justice a l’épreuve des pouvoirs, les pouvoirs à l’épreuve de la justice, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚3 janvier-Juin 1996, p 8, 9.

[47]– د. فتحي توفيق الفاعوري، المرجع السابق، ص 154، 155، 158.

[48]– قضية تحمل رقم الملف 59484 قرار بتاريخ 23/01/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/1992، ص 200-202.

[49]– د. محمود مصطفى يونس، المرجع السابق، ص 189-191.

– ألبرت شافان، المرجع السابق، ص 265، 266.

[50]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 403، 404.

[51]– د. حسن محمد بودي، ضمانات الخصوم أمام القضاء في الشريعة الإسلامية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية مصر، 2006، ص 99.

 – منية السافي، المرجع السابق، ص 286.

[52]– د. آمال الفزايري، ضمانات التقاضي، المرجع السابق، ص 69، 71، 72، 73.

[53]– د. آمال الفزايري، ضمانات التقاضي، المرجع السابق، ص 74،81.

[54]– منية السافي، المرجع السابق، ص 286.

[55]– د. حسن محمد بودي، المرجع السابق، ص 100 – 107.

[56]– قضية النائب العام لدى مجلس قضاء سعيدة ضد (م ع) ملف رقم 69473 قرار بتاريخ 27/03/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1991، ص 259-261.

[57]– (قضية بلدية الحمادنة ضد (ص م) والنيابة العامة ملف رقم 207267 قرار بتاريخ 23/09/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2004، ص 295-301.

[58]– قضية (ف ح) ضد النيابة العامة ملف رقم 61410 قرار بتاريخ 20/03/1990،  المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/1993، ص 197-199.

[59]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 253.

 – د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 78.

[60]– قضية النيابة العامة، (ب ع) ومن معه ضد الحكم الصادر في 7/12/2004، ملف رقم 385138 قرار بتاريخ 22/11/2006،  مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2007، ص 549.

[61]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 254، 255.

[62]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 79.

[63]– قضية (فروحي لخضر) ضد النيابة العامة ملف رقم 23008 قرار بتاريخ 21/01/1987، ص 66، 67.

[64]– قضية (ن ع) ضد (حكم صادر) ملف رقم 234786 قرار بتاريخ 30/05/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 569-573.

[65]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 254.

[66]– قضية (د س) ضد (ن س) ملف رقم 198797 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 341-344.

[67]– قضية النيابة العامة ضد (ه ط) ملف رقم 267845 قرار بتاريخ 27/03/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 336-340.

وقضية (ب ع) ضد (ك م والنيابة العامة) ملف رقم 270381 قرار بتاريخ 26/06/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2001، ص 316-319.

[68]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 256، 257.

[69]–  قضية (ب ع) ضد (س ح، النيابة العامة) ملف رقم 69822 قرار بتاريخ 24/07/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1993،  ص 170-174.

[70]– قضية النائب العام ضد (ب س، ع ق، ومن معه) ملف رقم 391134 قرار بتاريخ 21/12/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2006، ص 513-516.

[71]– قضية (ط ع) ضد (ط م ن ع) ملف رقم 45625 قرار بتاريخ 13/10/1987، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1990، ص 235-237. 

[72]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 257 – 259.

[73]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 259 – 262.

[74]– قضية (م ع، ومن معه) ضد النيابة العامة ملف رقم 216325 قرار بتاريخ 27/07/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/1999، ص 178-182.

[75]– قضية النيابة العامة و(ب ع) ومن معه ضد (الحكم الصادر في 07/12/2004) ملف رقم 385138 قرار بتاريخ 22/11/2006، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2007، ص 549-553.

[76]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 262.

[77]– قضية (ج ح) ضد (ن ع) ملف رقم 216273 قرار بتاريخ 28/09/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 574-576.

و كذلك ورد في قضية (ب ع) ضد (ك م، النيابة العامة) قرار بتاريخ 26/06/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/2001، ص 316-319.

[78]– قضية (ب ف) ضد النيابة العامة ملف رقم 307214 قرار بتاريخ 24/06/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2003، ص 406-409.

و كذلك ورد في قضية (ن ع) ضد (ه ط) ملف رقم 267845 قرار بتاريخ 27/03/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 336-340.

[79]– قضية (و أ، ومن معه) ضد النيابة العامة ملف رقم 224557 قرار بتاريخ 25/05/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 510.

[80]– “حيث تمسك الطاعن بحقه في المحاكمة السريعة ليعترض على أمر نقله من نيويورك حيث وجه إليه اتهام عن جريمة إلى ولاية كولومبيا حيث كان مطلوبا للتحقيق معه عن جريمة أخرى، وقد رفضت المحكمة بوقوع مخالفة للحق في محاكمة سريعة بسبب تأجيل سير التحقيق والمحاكمة عن الجريمة الأولى حتى يتم استجوابه والتحقيق معه عن جريمة أخرى في مكان أخرى”.، د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 689.

[81]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 361.

[82]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 692.

[83]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 357.

[84]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 357، 359.

 – د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع السابق، ص 205.

[85]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 199.

[86]– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق، ص 86.

[87]– د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع نفسه، ص 205، 207.

[88]– ملف رقم 61410 قرار بتاريخ 20/03/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1993، ص 197-199.

[89]– قضية (ل ر) ضد الوكيل القضائي للخزينة ملف رقم 139 قرار بتاريخ 12/06/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد خاص 2010، ص 257-259.

[90]– ملف رقم 50799 قرار بتاريخ 08/11/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1990، ص 281-283.

[91]– العامة ملف رقم 44591 قرار بتاريخ 05/01/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1990، ص 284، 285.

– ونفس الشيء في قضية النيابة العامة ضد (ع م) حيث استمر من 17/07/2002 إلى 30/11/2005 ملف رقم 319376 قرار بتاريخ 30/11/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2007، ص 611-615.

[92]– ملف رقم 294096 قرار بتاريخ 25/02/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 316، 317.

[93]– ملف رقم 238287 قرار بتاريخ 22/02/2000، ص 362- 365.

[94]– قضية (م ر) ضد (م س والنيابة العامة) ملف رقم 270061 قرار بتاريخ 12/06/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 215-218.

[95]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 693، 694.

[96]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 690، 691.

[97]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 691.

[98]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 708 – 710.

[99]– د. علي فضل البوعينين، المرجع نفسه، ص 697 – 700.

 – د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع السابق، ص 208.

[100]– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق، ص 89-91.

 – د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 199.

 – د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع نفسه، ص 208.

[101]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 712-715.

[102]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 715، 716.

[103]– Georges Wiederkehr, Ibid, p 24.

[104]– منية السافي، المرجع السابق، ص 287.

[105]– قضية برقم 66502 قرار بتاريخ 10/04/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1992، ص 180-182.

[106]– قضية (غ ب) ضد (ت ف) ملف رقم 52367 قرار بتاريخ 06/12/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1990، ص 225-226.

[107]– قضية (ب م ومن معه) ضد (ن ع) ملف رقم 49361 قرار بتاريخ 16/12/1986، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1993، ص 243-250.

[108]– قضية (ب م) ضد النيابة العامة ملف رقم 63529 قرار بتاريخ 03/01/1989، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1991، ص 157-159.

[109]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 271 – 275.

[110]– قضية (ن ع) ضد (ن ع) ملف رقم 314398 قرار بتاريخ 23/09/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2003، ص 432-435.

[111]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 193، 194.

 – د. عبد الحميد الشواربي، الإخلال بحق الدفاع، المرجع السابق، ص 247، 248.

[112]– قضية (ب ذ ع) ضد (ن ع) ملف رقم 60949 قرار بتاريخ 17/04/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1992، ص 200-202.

[113]–  قضية (ز ي) ضد (ن ع) ملف رقم 37804 قرار بتاريخ 18/03/1986،  المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1989، ص 257-259.

[114]– قضية (ن ع) ضد (ع ج) ملف رقم 241433 قرار بتاريخ 25/04/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2001، ص 317-319.

– وهو ما جاء التأكيد عليه كذلك في قضية (ع ر) ومن معه ضد النيابة العامة ملف رقم 55298 قرار بتاريخ 03/01/1989،  المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1991، ص 207-209.

[115]– قضية (د س) ضد (ن س) ملف رقم 198797 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 341-344.

[116]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 348، 349.

[117]– ليونارد ل. كافيس، المرجع نفسه، ص 361، 362.

[118]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 205، 208.

[119]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 196، 200.

[120]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 194، 195، 197.

[121]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 350 – 352.

[122]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 80.

[123]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 353، 354.

[124]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع نفسه، ص 80.

[125]– ليونارد ل. كافيس، المرجع نفسه، ص 354.

[126]– قضية (أ م أ) ضد فريق (خ) والنيابة العامة ملف رقم 27580 قرار بتاريخ 03/04/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1989، ص 294-299.

– وهو التأكيد الذي جاء في قضية (ع م) ضد النيابة العامة ملف رقم 63270 قرار بتاريخ 03/04/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1993، ص 200، 201.

[127]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 241، 242.

[128]-Didier Boccon-Gibord, L’avocat général a la chambre criminelle de la cour de cassation, revue de droit pénal et de criminologie, éditions La charte Bruxelles, juillet-aout 2009, p 772.

[129]– نص حكم المحكمة العليا الأمريكية: “إن المدعي العام للولايات المتحدة الأمريكية ليس ممثلا لطرف عادي في خصومة، ولكنه ممثل لسلطة من واجبها أن تعمل بدون تحيز وهو واجب ملزم لها كالتزاماتها في الحكم على الإطلاق، وبالتالي فمصلحته في الإجراءات الجنائية ليست وجوب كسب قضية، وإنما وجوب إقامة العدل، وهو بهذا وبصفة خاصة وقاطعة خادم للقانون بهدفيه في ألا يفلت مدان وألا يعاني بريء، فيجوز له أن يتهم بحق وبجدية وقوة وعناية ويجب عليه أن يفعل ذلك ولكنه بينما يجوز له أن يوجه لكلمات قوية إلا أنه ليس حرا في أن يوجه إصابات خاطئة، إن من واجبه أن يمتنع عن سلوك طريق غير سليمة تؤدي إلى إدانات خاطئة كما أن من واجبه أن يستعمل كل وسيلة مشروعة للوصول إلى إدانة عادلة”، ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 411.

[130]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 354، 408.

[131]– ليونارد ل. كافيس، المرجع نفسه، ص 408.

[132]– ليونارد ل. كافيس، المرجع نفسه، ص 370 – 372.

[133]– قضية (ش ر) ضد النيابة العامة ملف رقم 351390 قرار بتاريخ 20/07/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 1/2005، ص 375-378.

[134]– قضية (ن ع) ضد (ش ح) ملف رقم 188113 قرار بتاريخ 23/10/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 526-528.

[135]– قضية (ز ج) ومن معه ضد (ن ع) ملف رقم 184526 قرار بتاريخ 30/06/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1999، ص 137-139.

[136]– قضية النيابة العامة ضد (ش م) ملف رقم 242108 قرار بتاريخ 30/05/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2001، ص 320-322.

[137]– قضية (أ ع) ومن معه ضد (ب س) والنيابة العامة ملف رقم 49169 قرار بتاريخ 05/01/1987،  المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 4/1990، ص 206-212.

[138]– قضية (ن ب) ضد (ن ع) ملف رقم 183243 قرار بتاريخ 20/01/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 365-367.

[139]– الملف رقم 51467 قرار بتاريخ 12/04/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1992، ص 168-170.

[140]– قضية (ن ع) ضد (ف ص) ملف رقم 162850 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص360-364، وكذلك ورد ذلك في قضية (ع م) ضد النيابة العامة ملف رقم 38661 قرار بتاريخ 10/07/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، بدون تاريخ، ص 301-303.

[141]– قضية النيابة العامة ومن معه ضد (ق م) ملف رقم 36935 قرار بتاريخ 09/04/1985، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1990، ص 238-239، وقضية النيابة العامة ضد (ق ب) ومن معه ملف رقم 51794 قرار بتاريخ 05/01/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1990، ص 254-256. 

[142]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 242، 243.

[143]– ملف رقم 36852 قرار بتاريخ 17/12/1980، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1993، ص 183-185.

[144]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 411 – 417.

[145]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 244.

[146]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع نفسه، ص 245.

[147]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 245 – 247.

[148]– قضية (ب م) ضد (ه س) ملف رقم 193507 قرار بتاريخ 14/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1998، 1999، ص 159.

[149]– قضية (ص س) ضد (ن ع) ملف رقم 34094 قرار بتاريخ 29/11/1983، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1989، ص 278-279.

[150]– د. محمود السيد عمر التحيوي، النظرية العامة لأحكام القضاء وفقا لآراء الفقه وأحكام المحاكم، ملتقى الفكر، الإسكندرية، مصر، بدون تاريخ، ص 14.

[151]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، دراسة تأصيلية مقارنة بين النظام القضائي المصري السعودي الفرنسي، الإيطالي، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، بدون تاريخ، ص 33.

[152]– د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 15.

[153]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع السابق، ص 29.

[154]– حيث جاء في المبدأ الاجتهادي ما يلي: “إن ما يتطلبه القانون هو تداول أعضاء محكمة الجنايات والأخذ بعد ذلك الأصوات في أوراق تصويت سرية بواسطة اقتراع على حدة عن كل سؤال من الأسئلة الموضوعة وعن الظروف المخففة التي يلتزم الرئيس بطرحها عندما تكون قد ثبتت إدانة المتهم، وتعد في صالح المتهم أوراق التصويت البيضاء أو التي تقرر أغلبية الأعضاء بطلانها، وتصدر جميع الأحكام بالأغلبية”، قضية (ي ح) و(خ م) ضد النيابة العامة ملف رقم 34875 قرار بتاريخ 15/05/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1989، ص 291-292.

– وهو ما تم التأكيد عليه أيضا في قضية (ن ع) ضد (س ع ق) ومن معه ملف رقم 202652 قرار بتاريخ 27/10/1998،  المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد الخاص (10)، 2/1999، 2000، ص 143-144.

[155]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 375 – 377.

[156]– قضية (ن ع) ضد (ح ص) ملف رقم 190943 بتاريخ 29/04/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 351-359.

[157]– قضية (ج خ) ضد (ن ع) ملف رقم 226101 قرار بتاريخ 29/02/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 376، 377.

[158]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع السابق، ص 34، 36.

[159]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع السابق، ص 37.

 – د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 15، 16.

[160]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع نفسه، ص 37.

[161]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع نفسه، ص 39 – 41.

[162]– المادة (169): ” تصدر الأحكام بأغلبية الآراء، فإذا لم تتوافر الأغلبية وتشعبت الآراء لأكثر من رأيين وجب أن ينضم الفريق الأقل عددا أو الفريق الذي يضم أحدث القضاة لأحد الرأيين الصادرين من الفريق الأكثر عددا وذلك بعد أخذ الآراء مرة ثانية “، د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 19.

[163]– قضية (ب ع) ضد النيابة العامة ملف رقم 417528 قرار بتاريخ 24/01/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2007، ص 513-515.

[164]– ليونارد ل. كافيس، المرجع السابق، ص 355 حتى 357 و364، 365.

[165]– ليونارد ل. كافيس، المرجع نفسه، ص 372، 373.

[166]– د. آمال الفزايري، المداولة القضائية، المرجع السابق، ص 31، 42، 43، 55.

[167]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 362.

[168]– قضية النائب العام لدى مجلس سعيدة ضد (م ع) ملف رقم 69473 قرار بتاريخ 27/03/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1991، ص 259-261.

[169]– قضية (ج ز) ضد (ط أ) والنيابة العامة ملف رقم 393357 قرار بتاريخ 05/09/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2007، ص 593-599.

[170]– قضية (ف أ) ومن معه ضد (م ن) ملف رقم 46437 قرار بتاريخ 02/06/1987، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1992، ص 201-203.

[171]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 459، 460، 462.

[172]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 461.

[173]– القاعدة (7) من قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجاجية (14/12/1990).

[174]– قضية (م ع) ضد (ن ع) ملف رقم 71913 قرار بتاريخ 23/04/1991، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1993، ص 202-204.

[175]– المبدأ (12) من إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة.

[176]– قضية ( ج أ ش ق في حقها وحق أبنائها) ضد (ج م ن ع) ملف رقم 42308 قرار بتاريخ 08/07/1986، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد1/1990، ص 254-256.

[177]– قضية (أ ط) (أ ف) ضد (ب م) والنيابة العامة ملف رقم 231384 قرار بتاريخ 27/03/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2001، ص 381-384.

[178]– قضية (م م م) ضد (ز ع) والنيابة العامة ملف رقم 266689 قرار بتاريخ 02/12/2003، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/2004، ص 360-363.

[179]– القاعدة (1) في مرفق قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم.

[180]-Geneviève Giudicelli-Delage, Ibid., p 25.

[181]– د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 21، 22.

[182]– د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 22، 23.

[183]– قضية (ز ب) ضد النيابة العامة ملف رقم 50986 قرار بتاريخ 08/11/1988، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1990، ص 287-288.

[184]– د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع نفسه، ص 23 – 26.

[185]– د. محمود السيد عمر التحيوي، المرجع السابق، ص 13.

[186]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 316.

[187]– المواد 2- 6 ( المادة 6 المعدلة بالأمر رقم 12/05) من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.

[188]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع السابق، ص 318، 324، 325.

[189]– د. عبد الحكيم فودة، المرجع نفسه، ص 329، 330.

[190]– قضية (س محند الطاهر) ضد (س يوسف، الشركة الوطنية لنقل المسافرين، النيابة العامة) ملف رقم 21603 قرار بتاريخ 14/05/1981، الاجتهاد القضائي، قرارات المجلس الأعلى، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية الجزائر، عدد 1987، ص 99، 100.

[191]– د. عصام أحمد عطية البهجي، الحكم الجنائي وأثره في الحد من حرية القاضي المدني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، 2005، ص 70، 74.

[192]– ملف رقم 193956 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/1998، 1999، ص 133-135.

[193]– قضية النيابة العامة ضد (ص أ) ملف رقم 209573 قرار بتاريخ 31/05/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 1/2002، ص 167-168.

– قضية النائب العام ضد (حكم صادر في 09/07/1997) ملف رقم 193956 قرار بتاريخ 28/07/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1998، ص 133- 138.

[194]– الاتجاه الأول: يرى ضرورة تقيد القاضي المدني بحجية الحكم الجنائي، وليس له الحق أن يعاود نظر الدعوى والقضاء بالتعويض للمدعي بالحق المدني، لأنه يفترض أن القاضي الجنائي قد درس جميع أدلة الاتهام وبحثها جيدا، وما صدور الحكم بالبراءة إلا لاطمئنانه إلى عدم كفاية الأدلة لإدانة المتهم.

الاتجاه الثاني: ذهبت محكمة استئناف مصر إلى القول بأن لكل دعوى ملابساتها وللمحكمة المدنية إعمال سلطتها التقديرية في مدى حجية أحكام البراءة لعدم كفاية الأدلة لأنها تصبح بمثابة مسألة موضوع، لأن إعمال السلطة التقديرية لا يمكن بأي حال أن يؤدي إلى تعارض حكم القاضي المدني مع الحكم الجنائي، فلا يمكنه إثبات واقعة نفاها ولا ينفي واقعة أثبتها.

الاتجاه الثالث: لا يتقيد القاضي المدني بما خلص إليه القاضي الجنائي بل يحاول البحث في إثباتات أخرى لعلها تمكنه من الحكم بالتعويض للمدعي بالحق المدني، فعدم إمكان المحكمة الجنائية إثبات الخطأ ليس مظنة بعدم وقوعه، ولا يتعارض مع حق المحكمة المدنية في محاولة إثبات وجود خطأ كما أن المسؤولية المدنية أوسع نطاقا من المسؤولية الجنائية، فأساس المسؤولية المدنية ليس هو الخطأ  فقط، بل قد تكون هنا حالات جاء بها المشرع لا يوجد فيها خطأ مثل الخطأ المفترض والمسؤولية الناشئة عن الأشياء، في حين أن المسؤولية الجنائية تقوم على الخطأ الواقع والجرائم في قانون العقوبات جاءت على سبيل الحصر، د. عصام أحمد عطية البهجي، المرجع السابق، ص 71 – 73.

[195]– قضية (غ ب) ضد (غ ج) والنيابة العامة ملف رقم 205188 قرار بتاريخ 31/05/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 1/2002، ص 125-127.

[196]– د. عصام أحمد عطية البهجي، المرجع السابق، ص 74، 75.

[197]– قضية (ب ع) ضد (ق م، ن ع) ملف رقم 215971 قرار بتاريخ 28/07/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص (10) 2/1999، 2000، ص 85-87.

[198]– قضية النائب العام ضد (ح م ل) ومن معه ملف رقم 342286 قرار بتاريخ 25/05/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2005، ص 431-436.

[199]– قضية النائب العام ضد (ق ع) ملف رقم 360694 قرار بتاريخ 21/09/2005، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، العدد 2/2005، ص 445.

[200]– د. عصام أحمد عطية البهجي، المرجع السابق، ص 75، 92، 97.

[201]– د. عصام أحمد عطية البهجي، المرجع نفسه، ص 131.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close