fbpx
دراساتمجتمع

حقوق الإنسان في مصر بعد 2013: بين النصوص القانونية والاشكاليات العملية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

تعتبر حقوق الإنسان وحرياته من العناصر الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية، بحيث حظيت باهتمام واسع في التاريخ المعاصر في ظل امتداد ضمانات حمايتها دوليا وإقليميا ووطنيا بموجب مواثيق دولية وتشريعات داخلية، وذلك في سبيل تحقيق الأهداف والغايات الرئيسية لبناء دولة ذات أسس ديمقراطية سليمة في ظل قيم ومبادئ الحرية والعدالة وسيادة الحق والقانون.

وقد شهدت المنطقة العربية ثورات واحتجاجات من أجل تحقيق انتقال ديمقراطي على أساس احترام القيم الخاصة بالحقوق والحريات، لكن ذلك لم يتحقق في ظل وجود أزمة حقيقية تعيشها دول المنطقة نتيجةً لغياب الثقافة الديمقراطية واستئثار القوى الحاكمة-العسكر نموذجا- بالسلطة. وتظل مصر ضمن أقوى النماذج في هذا السياق، بحيث تم الانقلاب على ثورتها الشعبية للعام 2011 والتي كانت من أهم شعاراتها حرية-كرامة إنسانية وعدالة اجتماعية، بفعل سيادة المنطق السلطوي الذي لا يؤمن بمبادئ الحكم المدني-الديمقراطي على دواليب الحكم منذ سقوط الملكية والتأسيس لجمهورية عسكرية في العام 1952 لتظل مصر منذ ذلك الحين إلى الآن في ظل قبضة الحكم العسكري والذي تنامت قوته في ظل حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي استطاع عسكرة الدولة في جميع مناحيها ودواليبها.

وتأسيسا على ذلك، فمنذ انقلاب 3 يوليو 2013 ومصر تشهد انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وقمعا للحريات الأساسية، انتشرت على إثرها ظواهر لا حصر لها من قتل وتعذيب واعتقالات تعسفية وإخفاءات قسرية وإعدامات خارج إطار القانون ومحاكمات تغيب عنها قيم العدالة والتي طالت المصريين الرافضين لسيادة الحكم العسكري. وترجع الأسباب المركزية في استشراء ذلك على نطاق واسع إلى طبيعة نظام السيسي ذي الخلفية العسكرية والذي انتهج لغة القمع لتخويف المواطن المصري بمختلف أطيافه ومكوناته وإحكام قبضته الأمنية عليه، لصده عن المطالبة بحقوقه التي نادى بها في ثورة يناير؛ ومن أبرزها انحلال مصر من قبضة الاستبداد العسكري ودخولها إلى عصر الدولة المدنية الديمقراطية. ولمزيد من التوضيح حول الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى المحاور التالية:

أولا: حقوق الإنسان والحريات الأساسية ما بين القانون الدولي والواقع المصري

كان من الضروري بعد أحداث الحرب العالمية الثانية الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان أكثر مما كانت عليه بهدف تحقيق الأمن والسلم العالميين، وقيام علاقات بين مختلف دول العالم على أساس احترام هذا المبدأ، وأحدثت من أجل ذلك مواثيق دولية مختلفة تسعى لإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم.

وقد لعبت منظمة الأمم المتحدة دورا هاما في إرساء معالم القانون الدولي الوضعي، ومع إنشائها بدأ التفكير في تكريس حقوق الإنسان، الأمر الذي سعت إلى تحقيقه العديد من الاتفاقيات الدولية. وقد ورد تشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد ضمن أهداف ومقاصد منظمة الأمم المتحدة، ويرجع السبب الرئيسي في النص على ذلك، الأحداث التي وقعت قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.

فالأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان، جاءت كرد من المجتمع الدولي جراء الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، بحيث أن الحماية الدولية لها شرط أساسي للسلم والتقدم الدوليين[1]. وتعتبر منظمة الأمم المتحدة المصدر الأساسي الذي انبثقت عنه المواثيق الدولية لحماية حقوق الإنسان كميثاق كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا العهدين الدوليين الملحقين به. ومن ثم، فإن أبرز تلك الحقوق والحريات والتي يتم انتهاكها على نطاق واسع على يد سلطات النظام المصري، هي كالتالي:

1ـ الحق في الحياة والسلامة الجسدية والعقلية:

يعتبر الحق في الحياة من أهم الحقوق التي تم التنصيص عليها في المواثيق الدولية والقوانين الداخلية، باعتباره الحق الأصيل من ضمن الحقوق الإنسانية والتي لا يمكن أن تقوم عليه باقي الحقوق الأخرى، وينطوي هذا المفهوم على فكرة حماية الوجود المادي ليمتد إلى ضمان حق الإنسان في حياة آمنة مستقرة تحترم فيها ذاته وخصوصياته، إذ لا تُقيد حقوقه الأساسية إلا بموجب القانون وذلك حماية لحقوق الآخرين. وهو حق دائم ومستمر لا ينقطع أو يتوقف إلى بوفاة الشخص، كما يتولد عن هذا الحق واجب الدولة في حمايته بتجريم المساس بسلامته الجسدية بوصفه مظهر استمرارية الفرد في الحياة[2].

ويعد الحق في الحياة من الحقوق المكفولة قانونا سواء في إطار القوانين الداخلية أو الدولية، والذي يحرص المشرع على حمايتها لضمان عدم انتهاكها أو المساس بها، وفي هذا الإطار فقد كرس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لهذا المبدأ من خلال المادة الثالثة منه التي أكدت أن[3]: “لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية البدنية”.

أما المادة الخامسة منه، فقد شددت على منع التعذيب وكل ضروب المعاملات اللاإنسانية والتي تحط من كرامة الإنسان، بحيث ذكرت نصا أنه[4]: “لا يجوز أن يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية ـو الحاطة بالكرامة.

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، فقد أفرد بشكل أكثر تفصيلا أهمية حماية هذا الحق باعتباره الجوهر الأساسي التي تقوم على أساسه باقي الحقوق، بحيث نصت المادة السادسة منه بأن: الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان[5]، وأنه على القانون الوطني أن يحمي هذا الحق، ولا يحوز حرمان أي شخص تعسفا[6]. أما فيما يخص التعذيب، فيعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مصدرا أساسيا لتجريم هذه الجريمة، لأنه يعتبر أساليبه مكونات أساسية لقيام جرائم ضد الإنسانية، بحيث حظر صراحة ممارسة التعذيب ضمن منطوق المادة السابعة بحيث جاء فيها بأنه[7] : لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة….

ولم تبقى فكرة حماية حقوق الإنسان بصفة عامة والحق في الحياة والسلامة الشخصية التي تعتبر من أهم الحقوق الإنسانية حكرا على المواثيق ذات الصبغة العالمية، بل انتقلت إلى الحدود الإقليمية بحيث تناولت العديد من الصكوك الإقليمية هذا الحق وعلى رأسها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950، التي أكدت من خلال المادة الثانية منها على أن[8]: “حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون، ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة”، أما المادة الثالثة منها فقد تم الإيضاح من خلالها بأنه[9]: “لا يجوز إخضاع إنسان للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة المهينة للكرامة”.

وقد ذهبت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969 إلى أبعد من ذلك عندما توسعت في تناولها لهذا الحق بشكل أكثر دقة وتفصيل، بحيث أكدت في بعض فقرات المادة الرابعة منها على أن[10]: “لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محترمة، وأن هذا الحق يحميه القانون، وبشكل عام، منذ البداية، ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية”، كما نصت أيضا على أنه[11]: لا يجوز في البلدان التي لا زالت تطبق عقوبة الإعدام أن توقعها إلا على أشد الجرائم خطورة وبموجب حكم نهائي عن محكمة مختصة ووفقا لقانون ينص على تلك العقوبة ويكون نافذا قبل ارتكاب الجريمة”، بل الأبعد من ذلك فقد شددت على أنه[12]: “لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يحكم بالإعدام في الجرائم السياسية أو الجرائم العادية الملحقة بها. كما أوضحت أن لكل شخص محكوم عليه بالإعدام حق طلب العفو العام أو الخاص أو إبدال العقوبة ويمكن تلبية هذه الطلبات في جميع الحالات، ولا يجوز تنفيذ هذا الحكم ما دام هذا الطلب قيد الدرس من قبل السلطات المختصة[13]. أما فيما يخص جريمة التعذيب فقد أكدت الاتفاقية على أن: “لكل إنسان الحق في سلامته الجسدية والعقلية والمعنوية محترمة”[14]، ولا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو لعقوبة قاسية أو غير إنسانية أو مذلة. كما يعامل كل الذين قيدت حريتهم بالاحترام الواجب للكرامة المتأصلة في شخص الإنسان[15].

في حين أفردت الاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه تمفصلات دقيقة إزاء مناهضة التعذيب باعتبارها من الاتفاقيات الهامة في هذا الشأن، بحيث عرفت وبشكل دقيق التعذيب في المادة الثانية منها على أنه[16]: “كل فعل عمدي الغرض منه إيقاع معاناة بدنية وعقلية بأي شخص بهدف التحقيق الجنائي كوسيلة للتخويف أو كعقوبة شخصية أو إجراء وقائي أو لأي غرض آخر، وذلك باستخدام الوسائل التي يقصد بها طمس شخصية الضحية أو إضعاف قدراته البدنية والعقلية”.

كما أكدت في المادة الخامسة منها أنه[17]: لا يمكن تبرير جريمة التعذيب بكافة أشكالها عبر التذرع أو الاعتراف بوجود ظروف استثنائية مثل حالة الحرب أو التهديد بها أو حالة الحصار أو الطوارئ أو اضطراب أو نزاع داخلي، لأنه تعتبره الحق في الحياة والسلامة الجسدية والعقلية من الحقوق غير قابلة للتحوير عبر أي من المبررات مهما اختلفت شدتها أو مستوياتها لأنها غير قابلة للمخالفة بأي شكل من الأشكال.

في حين اعتبرت في المادة الثالثة والرابعة منها على أنه يعد مسؤولا عن جرائم التعذيب العاملون أو الموظفون العموميون الذين يأمرون بحكم عملهم. ويحرضون على ممارسة التعذيب أو الذين لهم القدرة على توقيفهم ودرئهم عن ذلك[18]، كما شددت على أنه لا يمكن تبرير فعل التعذيب تحت طائلة التصرف بناء على أوامر الرئيس الأعلى إعفاء من المسؤولية الجنائية[19].

الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام 1981 هو أيضا تناول هذا الحق في المادة الرابعة منه بحيث أكد من خلالها على أنه[20]: لا يحوز انتهاك حرمة الإنسان، ومن حقه أن يتم احترام حياته وسلامته البدنية والمعنوية، ولا يجوز حرمانه من هذا الحق تعسفا. في حين حظرت المادة الخامسة التعذيب بكافة أنواعه والعقوبات والمعاملة الوحشية أو اللاإنسانية أو المذلة[21].

وعلى الرغم من القصور الكبير الذي يعرفه الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004، باعتبار مواده لا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بحيث لا زال الجدال يحوم على مواده باعتبارها لا تتواءم مع التطورات التي عرفها هذا المجال وفي ظل ارتفاع نداءات المنظمات الإنسانية التي أوصت بضرورة حصول تغييرات جذرية وعميقة عليه، وأن ينتقل تنفيذ ذلك من الورق إلى الواقع، وذلك نتيجة البيئة العربية التي يشهد نطاقها أشد الانتهاكات للحقوق الإنسانية بجميع أشكالها في ظل فرض حكومات المنطقة المزيد من التقييد في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، لذلك يعد الميثاق العربي الأضعف صياغةً ومحتوىً من بين المواثيق الإقليمية، وعلى الرغم من ذلك، فقد احتوت مواده على العديد من الحقوق ولو بطريقة فضفاضة ويغلب عليها طابع العمومية، إذ بينت المادة الخامسة منه، أن لكل فرد الحق في الحياة وفي سلامة شخصه وأن القانون هو الكفيل بحماية هذه الحقوق من الانتهاكات[22].

وقد تماشى الميثاق العربي لحقوق الإنسان على نفس منوال الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان فيما يخص عقوبة الإعدام، بحيث ذهب منطوق المادة العاشرة بالقول، بأنه لا يجوز تطبيق عقوبة الإعدام إلا في الجنايات البالغة الخطورة ولكل محكوم عليه بالإعدام الحق في طلب العفو أو تخفيض العقوبة، كما شددت على ضرورة عدم الحكم بهذه العقوبة إذا كان الأمر متعلق بجريمة سياسية. وهو الأمر الذي يتنافى مع واقع المنطقة العربية التي تعتبر دولها أحد الأعضاء الموقعين على هذا الميثاق ومن ضمنها مصر-النظام المصري- التي تشهد ارتفاعا مهولا فيما يخص إصدار وتنفيذ أحكام تتعلق بعقوبة الإعدام في حق معارضي نظام السيسي لاعتبارات سياسية، في ظل إخلال الأخير بجميع المعايير سواء العالمية أو الإقليمية التي تندد بتطبيق هذه العقوبة تحت أي حال من الأحوال.

وانطلاقا من ذلك، وفيما يخص الحالة المصرية موضوع التطبيق، فقد نص الدستور المصري 2014، الذي جاء بعد الانقلاب على الحق في الحياة والسلامة الشخصية للإنسان في المادتين 59-60، على حرمة المساس بالسلامة الجسدية والاعتداء عليها أو تشويهها أو التمثيل بها[23]، كما تؤكد على أن للإنسان الحق في حياة آمنة، في حين تلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لكل من على أراضيها، سواء المواطنين أو المقيمين على أراضيها[24]. كما تجرم المادة 52 التعذيب بكافة صوره وأشكاله باعتبارها جريمة لا تسقط بالتقادم. في حين كفل قانون العقوبات المصري هذا الحق، بحيث جرم جميع الأفعال الماسة بسلامة جسم الإنسان[25].

لكن حماية هذا الحق بقي حبرا على ورق بحيث كان الاعتداء على الحق في الحياة وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي وبكافة أشكال التعذيب وأنواعه السمة الأساسية للأنظمة الاستبدادية في مصر منذ 1952 والتي تم تكريسها على نطاق واسع في ظل نظام عبد الفتاح السيسي.

2ـ الحق في حرية الرأي والتعبير:

يعتبر الحق والتعبير صنفان متلازمين يستحيل الفصل بينهما أو ممارسة إحداهما دون الأخرى، ويعتبر هذا الحق إحدى الدعامات الأساسية للنظم الديمقراطية الحرة، وركن أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي وتطويره واستمرار بقائه[26]، وهما أدوات لتنوير المجتمعات وإشراكهم في تدبير الشأن العام للبلد ضمانا لبسط الحكامة الرشيدة على ضوء الديمقراطية التشاركية.

ويعني هذا الحق هو قدرة الأفراد على تبني الآراء والأفكار التي يريدونها دون ضغط أو إجبار أو إكراه، بالإضافة إلى القدرة على التعبير عن آرائهم باستخدام وسائل مختلفة لإيصال محتوى أفكارهم، ولقيام هذا الحق وممارسته، لا بد من تواجد شرطين أساسين وهما: غياب الموانع والقيود الخارجية على السلوك أو النشاط المرغوب ممارسته، بالإضافة إلى الشرط الأهم وهو غياب التهديد الخارجي، ذلك التهديد الذي لا يمكن مقاومته[27].

وهناك العديد من المعايير المتعارف عليها على المستوى الدولي التي تكفل حماية حرية الرأي والتعبير[28]، والتي انعدمت في الحالة المصرية في ظل نظام عبد الفتاح السيسي، فأولى هذه المعايير هي حق معارضي النظام في التعبير عن آرائهم ونشرها على كافة وسائل الاتصال سواء المرئية أو المسموعة التي هي في ملكية الدولة أو غيرها، وهو الأمر المستحيل في ظل النظام المصري الحالي الذي طمس أحد الفواعل الرئيسية في أي نظام قائم وهي المعارضة، بحيث نكل بها سواء أفراد أو جماعات بمختلف انتماءاتهم.

أما المعيار الثاني فهو حق الحصول على المعلومات وتأمين وصولها من الجهات الرسمية، هذا الأمر الذي يستعصى في ظل حكم السيسي الذي يصعب بأي حال من الأحوال الاطلاع على المعلومات، وهذا ما يستشف على أرض الواقع في ظل تنامي سياسة إخفاء الوقائع التي تحتوي على الحقائق وفي جميع المجالات خصوصا السياسية والأمنية منها.

أما المعيار الثالث فهو حماية الحريات الأكاديمية والعلمية والتعليمية والتعبير الفني والأدبي، هذا المعيار الذي أصبح في قبضة الأجهزة العسكرية-الأمنية بحيث هي التي تُسَير وتوجه الأفراد والمؤسسات في ظل تقييدات وتشديد كبير على هذه القطاعات، أما الذين لم يقبلوا بهذه السياسات خصوصا في القطاع الأكاديمي-العلمي فإما أبعدوا قسرا أو طوعا خارج مصر، أو أصبحوا وراء القضبان كضريبة لتشبثهم بمبادئ الحرية والديمقراطية وأسس الدولة السليمة المدنية وعدم قبولهم بنظام جاء بطريقة غير شرعية ووحشية تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان. أما المعيار الثالث فهو حق التوزيع والنشر وهو الأمر الذي تحت مجهر رقابة الأمن التي لها حق التأشير أو المنع في هذا الجانب، مع اعتقال كل من ثبت أنه أجهر بمنشورات تنتقد سياسات النظام. أما المعيار الأخير فهو الحق في إنشاء مؤسسات إعلامية سواء مرئية أو مسموعة خاصة، إذ تتوفر مصر على محطات تلفزيونية وإذاعات خاصة لكنها أنشئت لتكون تابعة للنظام ومخابراته العامة، بحيث تعمل الأخيرة على وضع الضوابط والأدوات التي تشتغل بها هذه المؤسسات وتوجيه سياساتها على مختلف النواحي. بل الأمر لم ينحصر داخليا بل طالت يد النظام حتى المؤسسات الإعلامية للمعارضين المصريين في الخارج، بحيث طالبت السلطات المصرية مجموعة من الدول بإقفال مجموعة من الفضائيات والمنابر الإعلامية التي كانت تشكل ضغطا على نظام عبد الفتاح السيسي.

ومن كل ذلك، فقد شهدت مصر منذ انقلاب 3 يوليو قمع لفئة الصحفيين والمدونين ونشطاء حقوق الإنسان، نتيجة انتقاد هذه الفئات للسياسات القمعية والوحشية لنظام عبد الفتاح السيسي، فكان الرد بشن أجهزته الأمنية حملات من الاعتقالات الواسعة طالت صحفيين وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، أضف إلى ذلك فرض السيطرة على هذا الحق عبر تكميم الأفواه وقمع الآراء وتقييد كبير لشبكات التواصل الاجتماعي وعدم احترام الخصوصية من خلال تجسس الأجهزة الأمنية على المعارضين بمختلف انتماءاتهم وتقييد حركتهم وتحركاتهم.

وفي هذا السياق، فقد تبلور الحق في حرية الرأي والتعبير في ظل المواثيق الدولية، بحيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، في المادة التاسعة عشر منه على هذا الحق باعتباره من الحقوق الأصيلة للإنسان بحيث أكدت على أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير والرأي واعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة وبدون اعتبار للحدود[29].

وقد جاء العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لتدعيم المادة السالفة الذكر، بحيث أكدت المادة التاسعة عشر منه أيضا في الفقرات أ-ب: على أن لكل إنسان حق في اعتناق الآراء دون مضايقة… ولكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

وعلى الصعيد الإقليمي، لقد ألقت مجموعة من المواثيق الضوء على هذا الحق، وعلى رأسهم الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي أشارت في المادة العاشرة منها على ضرورة حماية حرية التعبير والرأي، بحيث أكدت على أن لكل إنسان ممارسة هذا الحق الذي يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولة[30].

كما تضمنت الاتفاقية الأمريكية في الفقرة الأولى من المادة 13 الثالثة عشر بأن[31]: لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونفلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء شفاها أو كتابة أو طباعة… في حين خلص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في المادة التاسعة منه على أهمية هذا الحق، بحيث أكد على أنه[32]: يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح.

أما الميثاق العربي لحقوق الإنسان، فعلى الرغم من تنصيصه في الفقرة الأولى من المادة 32 بأنه[33]: يضمن الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استفاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية.

إلا أنه في المقابل سمح بتقييد هذه الحرية في الفقرة الثانية من نفس المادة، والتي أكد من خلالها على أن هذا الحق يمارس في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[34]، وكما هو معروف فإن هذا الميثاق المنبثق عن جامعة الدول العربية التي تتحكم في قراراتها مجموعة من الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري، الإماراتي، والسعودي، لا يمكن لها أن تكون مؤسسة تضمن حرية الرأي والتعبير بل تعتبر مساهمة في الجرائم القمعية لهذا الحق والتي تمارسها تلك الأنظمة المتحكمة في زمام أمورها.

أما على مستوى القانون المصري، فقد نص دستور 2014 في المادة 65 بأن[35]: حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. في حين ذهبت المادة 66 إلى[36]: ضمان حرية البحث العلمي، والتزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها. وهو الأمر الذي يتنافى مع أرض الواقع بحيث يحارب النظام المصري الباحثين والأكاديميين ويمارسوا ضغوطات عليهم ويقيد حريتهم، بل أجبر العديد منهم إلى مغادرة مصر نتيجة تشديد الخناق عليهم. وأما الشق المتعلق بحرية الصحافة والنشر فتشير المادة 70 إلى أن[37]: حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني هي مكفولة، وأن المصريين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، في القطاع العام أو الخاصة، لهم حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية. هذه الأمور هي منافية للواقع لأن حرية النشر وإنشاء وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لا يمكن له أن يمر إلى أرض الواقع إلا بتأشير من المخابرات العامة المصرية باعتبارها الجهاز الرقابي على قطاع الصحافة والإعلام.

أما المادة 71 منه [38]: فتحظر في شقها الأول فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما في الشق الثاني فتشير إلى الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون. هذا الشق الأخير من المادة هو الذي يتذرع به النظام المصري في مواجهة معارضيه عبر تلفيق تهم التحريض وزعزعة النظام العام عبر نشر أخبار زائقة بهدف بث الفوضى.

وفي 2018، صادق السيسي على قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي أثار فحواه الكثير من الجدل في محاولة لإضفاء صفة قانونية، على سياسات منافية لحكم العقل والمنطق من خلال تجريم ما يتمتع به الإنسان في باقي بقاع المعمورة، إذ تنتظر عقوبة السجن والغرامة كل من دخل إلى موقع محظور عمدا أو بخطأ غير عمدي، بهدف إعادة نشر البيانات أو المعلومات الموجودة عليه، بحيث ينص على عقوبة السجن إذا كانت المعلومات المشار إليها تهدف بحسب نص القانون إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو الإضرار بالأمن القومي[39].

والجدل حول نصوص القانون لم تقف عند هذا الحد، بحيث مُنِح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المشكل بقرار من السيسي، العديد من الصلاحيات من أبرزها الحق في حجب المواقع الإلكترونية في حال تأسيسها من دون الحصول على ترخيص منه، بل الأبعد من ذلك، إذا كان أي موقع إلكتروني أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يتابعه 5000 شخص أو أكثر، فسيكون تحت مجهر الرقابة. كما يحق له أيضا وقف أو حجب أي حساب شخصي يبث أخبار كاذبة أو يدعو ويحرض على مخالفة القانون أو إلى نشر العنف والكراهية[40]. وهذه المواد أو الذرائع هي التي تتسلح بها السلطات والأجهزة الأمنية لشن حملة اعتقالات تطال معارضين سياسيين وصحفيين ونشطاء رأي على منصات التواصل الاجتماعي وغيرهم تحت طائلة نشر أخبار كاذبة أو الانضمام إلى جماعة إرهابية.

وبفعل استخدام نظام السيسي أدوات وآليات لقمع كل ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وتشديد الخناق على حرية الصحافة، تتذيل مصر الترتيب العالمي في مؤشر حرية الصحافة، بحيث احتلت على التوالي في العامين 2020-2021 الرتبة 166 من أصل 180 دولة حسب منظمة مراسلون بلا حدود[41].

3ـ الحق في التجمع والتظاهر السلمي:

يعتبر التظاهر والتجمع السلمي من المكونات الأساسية لحقوق الإنسان، وتأكيدا للديمقراطية الحداثية، وذلك لارتباطها الوثيق بالحريات الأخرى وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير باعتبارها الأكثر تشابكا وصلة بها، بحيث تفقد حرية الرأي والتعبير قيمتها إذا لم تكن حرية التجمع والتظاهر السلمي مكفولة، ذلك لأن تنوع الآراء وتبادلها والتعبير عنها لا يكون إلا من خلال التجمع والتظاهر السلمي.

وبذلك يعتبر هذا الحق نوع من أنواع الحرية التي تجسد حق الإنسان في حرية التجمع والتظاهر السلمي، والذي يتم عن طريق تجمع الأفراد، لذلك يعد صورة من صور الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. باعتباره حق أساسي يمارس إما بصورة ثابتة أو متنقلة عن طريق تجمع أو تظاهر للأفراد في مكان عام وبصورة وقتية[42].

ويجد التجمع والتظاهر السلمي أساسه في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحيث تتضمن العديد من المعاهدات الدولية هذا الحق باعتبارها من القواعد التي تؤسس للحقوق والحريات العامة للمجتمعات، وفي هذا الإطار، أسس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لحماية الحق في التجمع والتظاهر السلمي من أجل ضمان احترامه، بحيث أورد في نص المادة 20 بأنه[43]: يكفل لكل شخص الحق في حرية الاشتراط في الاجتماعات والجمعيات السلمية، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد جاء أكثر تمفصلا لتناوله لهذا الحق، بحيث أفردت المادة 21 توضيحات مهمة في هذا الجانب بقولها[44]: يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

أما فيما يخص الاتفاقيات الإقليمية، فقد جاءت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لتعزز هذا الحق وتضع له مجموعة من الضمانات، بحيث أكدت في معرض المادة 21 على: حق الأفراد في التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم، بحيث ألزمت الدول بعدم تقييد هذا الحق إلا في حدود النظام العام، وفي مجتمع ديمقراطي. أما ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي فقد نص من خلال المادة 12 على حرية التجمع والتظاهر السلمي، بحيث أكد من خلالها، على أن لكل إنسان الحق في حرية التجمع السلمي وحرية الاتحاد على كافة المستويات، وخاصة في المسائل السياسية والمدنية والنقابية والتي تتضمن حق أي إنسان في تكوين والانضمام إلى الثقابات المهنية لحماية مصالحه[45].

في حين ذهبت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في المادة 15 منها إلى التأكيد على ضرورة حماية حق التجمع والتظاهر السلمي إذ نصت على أنه[46]: حق الاجتماع السلمي، بدون سلاح، هو حق معترف به. ولا يجوز فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك المفروضة طبقاً للقانون والتي تشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لمصلحة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الأخلاق العامة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم. في حين نصت المادة 21 من الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان على أنه: لكل شخص الحق في التجمع سلميا مع الآخرين في اجتماع عام رسمي، أو تجمع غير رسمي بشأن المسائل ذات الاهتمام العام أياً كان طبيعتها[47].

كما عزز الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان من ضمانات هذا الحق، بحيث أوضحت المادة 11 منه بأنه[48]: يحق لكل إنسان أن يجتمع بحرية مع آخرين ولا يحد ممارسة هذا الحق إلا شرط واحد ألا وهو القيود الضرورية التي تحددها القوانين واللوائح خاصة ما تعلق منها بمصلحة الأمن القومي وسلامة وصحة وأخلاق الآخرين أو حقوق الأشخاص وحرياتهم.

في حين ذهب الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي يعتبر من أضعف الاتفاقيات الإقليمية فعالية، إلى الاعتراف بهذا الحق وبصورة مقتضبة في الفقرة السادسة من المادة 24 الذي احتوى مضمونها على أن[49]: حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية.

أما في القانون المصري، فقد خلق الحق في التظاهر والتجمع السلمي سجالا واسعا باعتباره أكثر الحقوق تضييقا من طرف السلطات المصرية، وبالرجوع إلى الدستور المصري، فقد جاءت المادة 72 منه وبكل مفردة فيها منافية تماما لما يشهده الواقع المصري، من تشديد القبضة الأمنية من أدنى إلى أعلى مستوياتها على كل التجمعات والتظاهرات السلمية التي يعبر من خلالها المواطن المصري عن امتعاضه وسخطه لما آلت إليه الأوضاع في مصر من قمع للحريات وتدهور في الاقتصاد وتدني المستوى المعيشي للمواطن. وقد كانت تظاهرات سبتمبر 2019 و2020 شاهد على هذا الوضع، وقد جاء منطوق المادة ليقول على أنه[50]: وطبقا للدستور يحق للمواطنين تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحاً من أي نوع، بإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه. هذا الاعتبار الأخير الذي من المستحيل تواجده في الحالة المصرية لأن جميع المواطنين بلا استثناء تحت مجهر تجسس المخابرات سواء العامة أو الحربية.

وفي دلالة واضحة لتمادي الآلة القمعية منذ انقلاب 3 يوليو عبر بوابة منع التظاهر وتشديد الخناق على التجمعات باعتبارهم الآليات التي تشكل ضغطا كبيرا على أي نظام ديكتاتوري، ومن أجل ذلك أقر عدلي منصور، وهو الذي عُين كرئيس مؤقت باعتباره كان رئيسا للمحكمة الدستورية إبان الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، قانون التظاهر في نوفمبر 2013، والذي حمل الرقم 107/2013 كبديل لقانون الطوارئ، ويلزم القانون منظمي أي مظاهرة بإخطار الشرطة قبل ثلاثة أيام من الموعد المقرر لها، كما يسمح لقوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وخراطيم المياه، وذلك لمواجهة أي مسيرة لا تلتزم بالطابع السلمي[51]. وعلى ضوء ذلك نددت المنظمات الحقوقية بهذا القانون، واعتبرته أنه يسعى إلى تجريم كافة أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك المظاهرات والاجتماعات العامة، عبر بسط الدولة يدها باستخدام القوة لفض وتفريق المظاهرات أو التجمعات السلمية[52].

ويعتبر هذا القانون ذريعة قانونية لجرائم السيسي في الفترة التي تلت الانقلاب، بحيث ّأنه بعد إصدار هذا القانون تم تنفيذ حملة اعتقالات واسعة بحجة خرق قانون التظاهر ومنعا لزعزعة الاستقرار وبت الفوضى في البلاد، وعلى ضوء خرق القانون والنظام العام يبرر النظام الملاحقات القضائية لكل من يدعو أو يشارك في المظاهرات المناهضة له.

4ـ الحق في المحاكمة العادلة:

تعتبر العدالة هي المعيار الدال على الاحترام المكفول للأفراد وحقوقهم وحرياتهم الأساسية، بحيث تشكل المعيار الأساسي لدولة الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان[53].

ولذلك يعد الحق في محاكمة عادلة من الحقوق الأساسية للفرد، وقد وضع المجتمع الدولي مجموعة متنوعة من الأسس والمبادئ لضمان هذا الحق، وهي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء مرحلة احتجازهم وتقديمهم إلى المحاكمة وحتى محاكمتهم إلى أخر مراحل الاستئناف والنقض[54] .

ويعرف جانب من الفقه الدولي بأن حق المتهم في محاكمة عادلة هو الأساس التي تستوجب مقاضاته بشأن الاتهام الموجه إليه، أمام محكمة مستقلة محايدة منشأة بحكم القانون قبل اتهامه، طبقا لإجراءات علنية، يتاح له من خلالها الدفاع عن نفسه، مع تمكينه من مراجعة الحكم الصادر ضده من قبل قضاء أعلى درجة من المحكمة التي حكمت عليه[55].

وتتحقق المحاكمة العادلة بوجود شرطين، أولهما أن تخضع إجراءات المحاكمة لمعايير المحاكمة العادلة التي وضعها المجتمع الدولي، ثانيهما هو أن تقوم بالمحاكمة سلطة قضائية مستقلة ومحايدة[56].

كما يجب أن يتوفر هذا الحق على مجموعة من الضمانات التي تمثل جدار الحماية القضائية أو الإجرائية وعلى سبيل المثال لا الحصر، حق الإنسان في المساواة أمام القضاء، وحق الإنسان في المثول أمام القضاء الطبيعي، وحق الإنسان في حماية وضعه الإجرائي ومركزه القانوني، وذلك بعدم تطبيق القوانين الإجرائية عليه بأثر رجعي، وتمكينه من ممارسة حقه في الدفاع أمام القضاء، هذه الإجراءات والضمانات التي تؤدي في النهاية لتحقيق الأهداف المنشودة من هذا الحق الإنساني[57].

وقد أولت المواثيق الدولية والإقليمية اهتماما كبيرا بمبدأ الحق في المحاكمة العادلة، وقد كرس الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الحق باعتباره كحق أساسي من حقوق الإنسان، بحيث أشاروا إلى وجوب توافر مجموعة من الشروط من أجل بلوغ الهدف المنشود ألا وهو تحقيق العدالة، وهي: الإنصاف، العلنية، الاستقلالية والحياد، وهو ما جاء في نطاق المادة العاشرة من الميثاق التي أكدت على أنه[58]: لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه. كما توسعت المادة 11 في هذا الجانب من خلال التنصيص على أنه: لكل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه[59]. كما استطردت بالقول على عدم إدانة أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي[60]. بل الأبعد من ذلك فقد أكدت المادة 9 من الميثاق على أنه قبل العرض على المحاكمة، لا يجب أن يكون الشخص لم يتعرض للقبض أو الاعتقال التعسفي بحيث تنص المادة على أنه[61]: لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا.

ومن جانبه توسع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في تناوله لمبدأ المحاكمة العادلة، وهو ما أكدت عليه نص المادة 14 التي خلصت إلى أن[62]: الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، وأن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون…..كما تضمنت المادة أيضا الحق في توكيل المتهم لمحامي أو من يدافع عنه، وكذلك حق إبلاغ أسرة المتهم بخبر القبض عليه. كما شددت المادة 9 من العهد على ضرورة إبلاغ كل مقبوض عليه بحقوقه من خلال اطلاعه على حيثيات وظروف التوقيف والتهم الموجهة إليه. كما أكدت على عدم جواز الاحتجاز على ذمة المحاكمة.

أما الصكوك الإقليمية فهي أيضا تناولت هذا الحق بشكل واضح وصريح، وفي مقدمتها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تميزت باهتمامها الخاص بهذا المبدأ، بحيث نصت في المادة 6 منها على أن لكل شخص ـ عند الفصل في حقوقه المدنية والتزاماته، أو في اتهام جنائي موجه إليه ـ الحق في مرافعة علنية عادلة خلال مدة معقولة أمام محكمة مستقلة غير منحازة مشكلة طبقاً للقانون. ويصدر الحكم بصفة علنية[63]. كما اشتملت على ثلاث معايير للمحاكمة العادلة وهي قرينة البراءة[64]،  باعتبار المبدأ القائم هو أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته من عدمها قانونا. بالإضافة إلى ضمانة الحق في توكيل محامي أو من يدافع عنه ومناشدة الشهود[65]، وهي حقوق مكفولة بموجب القانون. وأيضا عدم تعرض المتهم أو إخضاعه للتعذيب أو أي ضروب المعاملة القاسية اللاإنسانية[66].

وعلى نفس المنوال ذهبت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، بحيث عالجت مبدأ الحق في المحاكمة العادلة في نطاق المادة الثامنة منها والتي أكدت من خلالها أن[67]: لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية وتجريها خلال وقت معقول محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة كانت قد أسست سابقاً وفقاً للقانون، وذلك لإثبات أية تهمة ذات طبيعة جزائية موجهة إليه أو للبت في حقوقه أو واجباته ذات الصفة المدنية أو المالية أو المتعلقة بالعمل أو أية صفة أخرى. كما أوضحت الضمانات لحماية هذا المبدأ من خلال الفقرة الثانية منها والتي نصت على أنه[68]: لكل متهم بجريمة خطيرة الحق في أن يعتبر بريئاً طالما لم تثبت إدانته وفقاً للقانون. وخلال الإجراءات القانونية، لكل شخص – على قدم المساواة التامة مع الجميع – الحق في الحصول على الضمانات، وهي نفس الضمانات التي تضمنتها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المذكورة سلفا[69] .

أما تنصيص الميثاق العربي لحقوق الإنسان على حق المحاكمة العادلة فقد جاء مقتضبا أيضا كما في الحقوق السابقة وعلى عكس الاتفاقيات الإقليمية الأخرى، التي أوضحت تمفصلات جوهرية ودقيقة لمراحل وضمانات هذا الحق، في حين الميثاق العربي اقتصر فقط بالقول في المادة 12 منه على أنه: لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوافر فيها ضمانات كافية وتجريها محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة ومنشأة سابقا بحكم القانون. وذلك في مواجهة أية تهمة جزائية توجه إليه أو للبت في حقوقه أو التزاماته، وتكفل كل دولة طرف لغير القادرين مالياً الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم[70]. مع التنصيص على أن تكون المحاكمة علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان[71].

أما فيما يخص القوانين المصرية، فقد نص الدستور المصري في المادة 96 بأنه: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات. وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقاً للقانون.

ويعتبر مضمون هذه المادة الحلقة الغائبة أو المستحيلة في الحالة المصرية، لأن جميع المحاكمات منذ انقلاب 3 يوليو تفتقد لأبسط الشروط والضمانات المتفق عليها عالميا من أجل تحقيق العدالة، وذلك في ظل نهج النظام المصري لسياسة تلفيق القضايا كأساس للتخلص من معارضيه. بحيث يتعرض من تم القبض عليه لانتهاكات تخل بضمانات المحاكمة العادلة خلال مرحلة ما قبل المحاكمة من خلال تعريض أغلبيتهم للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري ولأساليب للتعذيب والترهيب من أجل إجبارهم على الاعتراف على جرائم ملفقة وذلك قبل عرضهم للمحاكمة، بالإضافة إلى الانتهاكات المصاحبة للمعتقلين أثناء محاكمتهم والتي تفتقد لشروط المحاكمة الطبيعية وهي حق المتهم في الدفاع عن نفسه أو توكيل من ينوب عنه في هذه المهمة، بالإضافة إلى ظروف الاحتجاز اللاآدمية طوال فترة المحاكمة التي تنتهي فصولها بالحكم إما بالمؤبد أو الإعدام في غياب تام لمبدأ استقلالية القضاء ونزاهته.

ثانيا: أرقام وإحصائيات حول انتهاكات حقوق الإنسان بمصر منذ 2013.

تعددت أصناف الجرائم التي ارتكبها نظام السيسي منذ انقلاب 3 يوليو، بحيث تعرضت مصر منذ ذلك الحين لأقوى تصعيد في تاريخها في ظل انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وقد تراوحت هذه الجرائم بين ممارسات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، التعذيب والقمع، القتل والإعدام خارج نطاق القانون في ظل غياب لروح العدالة والقانون. وفي هذا الإطار أصدرت العديد من المؤسسات والمنظمات الحقوقية إحصائيات عن انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت منذ أغسطس 2013 وإلى غاية الأشهر الأولى من العام 2021، وهي كالتالي:

أولا: الاعتقال التعسفي أو بالأحرى السياسي الذي طال المعارضين من نشطاء سياسيين وصحفيين وباقي الفئات المجتمعية، بحيث مارست الأجهزة الأمنية المصرية جميع أشكال وأنواع التعذيب للتنكيل والانتقام من هذه الفئات نظير مواقفها الرافضة لسياسات النظام القمعية، وتبدأ معاناة هؤلاء المعتقلين من أقسام الشرطة ونيابة أمن الدولة في ظل ممارسات وحشية يقوم بها أفراد من الشرطة والأمن باختلاف رتبهم، وصولا إلى السجون التي ترتكب فيها جميع ضروب المعاملات القاسية واللاإنسانية منها التعذيب على مختلف مستوياته وفي أعلى درجاته، وممارسة سياسة القتل البطيء عبر الحرمان من الرعاية الصحية، وعدم توفير أبسط الظروف الأدمية للسجين، وكذلك حرمانهم من حقوقهم المكفولة بموجب الدستور والقوانين الدولية، من أبرزها زيارة الأهل والأقارب وحق المكالمة الهاتفية، بل وحرمانهم من متابعة الإجراءات القانونية عبر منعهم من حضور جلسات تجديد حبسهم وبالتالي انتفاء شروط المحاكمة العادلة.

وحسب تقديرات منظمات حقوقية ومن أبرزها الشبكة العربية لحقوق الإنسان، فيبلغ عدد السجناء والمعتقلين المحكومين أو المتابعين على خلفية قضايا سياسية إلى 65 ألف سجين ومعتقل موزعين على الشكل التالي[72]:

  • وصل إجمالي عدد السجناء والمعتقلين وحسب إحصائيات تقريبية غير دقيقة إلى حوالي 65 ألف معتقل وسجين من بينهم 54 ألف سجين ومحتجز على ذمة قضايا جنائية و1000 حالة مجهولة أسباب الاعتقال.
  • عدد السجناء المحكوم عليهم وصل تقريبا إلى حوالي 39 ألف .
  • عدد المعتقلين رهن الحبس الاحتياطي وصل إلى 26 ألف.

أما عدد الوفيات في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية فقد بلغ إلى حدود أكتوبر 2020 إلى حوالي 1058 حالة وفاة حسب منظمة “كوميتي فور جستس”Committee For Justice”، ويمكن توزيع أسبابها على النحو التالي[73]:

سبب الوفاة

أعداد الوفيات

الحرمان من الرعاية الصحية

761 حالة وفاة

حالات التعذيب

144 حالة وفاة

حالات الانتحار

67 حالة وفاة

سوء أوضاع الاحتجاز والمحبس

57 حالة وفاة

أسباب أخرى

29   حالة وفاة

  • ثانيا: إنشاء سجون خاصة بالفئات المستهدفة من طرف نظام السيسي لممارسات سياساته القمعية- التعذيبية في حق معارضيه. بحيث وصل مجمل عدد السجون بمصر إلى حدود الأشهر الأولى من 2021 إلى 86 سجنا، بحيث تم بناء ما يقارب 43 سجنا في غضون 8 سنوات أي منذ الانقلاب إلى الآن[74]، ويوجد 13 من ضمن مجموع هذه السجون التي يمكن تنفيذ أحكام الإعدام بها[75]، وكذلك هناك 4 سجون نسائية أو التي بها إمكانية أقسام نسائية. ومن أبرز السجون التي شيدت في عهد السيسي منذ 2013 إلى 2021 على سبيل الحصر هي [76]:

المحافظات

أسماء السجون

تاريخ الإنشاء

القاهرة

-سجن النهضة

– سجن 15 مايو

بتاريخ 24 مايو 2015.

الجيزة

-السجن المركزي بإدارة قوات الأمن

-سجن التأهيل العمومي

-سجن أوسيم

– 23 يونيو 2015.

-بتاريخ 6 سبتمبر 2017.

– بتاريخ 8 أكتوبر 2018.

الإسكندرية

– سجن كرموز

-بتاريخ 27 نوفمبر 2016

السويس

-سجن عتاقة

-بتاريخ 3 نوفمبر 2016

الدقهلية

– ليمان جمصة وجمصة العمومي شديد الحراسة.

– سجن محلة دمنة

– سجن الستاموني المركزي

-بتاريخ 21 أغسطس 2013.

– بتاريخ 14 مارس 2019.

– بتاريخ 18 مارس 2021.

محافظة المنيا

– سجن ليمان المنيا

– سجن المنيا شديد الحراسة

16 مارس 2014.

محافظة الفيوم

– سجن سنهور المركزي

– سجن يوسف الصديق

18 فبراير 2021

محافظة القليوبية

-سجن الخصوص

– سجن الخانكة

سجن العبور

-بتاريخ 2 مايو 2015.

– بتاريخ 4 مايو 2016.

-بتاريخ 12 يونيو 2016.

محافظة بني سويف

-سجن جنوب بني سويف المركزي

-بتاريخ 2 يوليو 2016.

محافظة البحيرة

-سجن قرية بغداد

-بتاريخ 9 يوليو 2016

محافظة طنطا

-سجن مركز ثالث طنطا

– بتاريخ 1 أبريل 2017

محافظة مطروح

-سجن مطروح العمومي

-بتاريخ 13 ديسمبر 2018.

محافظة أسيوط

– السجن المركزي بأسيوط الجديدة

– سجن القوصية المركزي

-السجن المركزي بأسيوط

– بتاريخ 24 يوليو 2017.

-بتاريخ 5 نوفمبر 2017.

-بتاريخ 3 فبراير 2019.

  • ثالثا: السيطرة على الجهاز القضائي وإصدار أحكام الإعدام التي وصلت إلى أعداد قياسية في حق معارضين ونشطاء ومواطنين عاديين، في ظل غياب تام للعدالة وغياب الشروط الشكلية والموضوعية للمحاكمة العادلة. ومن أشهر القضايا التي تم فيها إصدار أحكام بالإعدام بصفة نهائية في العام 2021، هي القضية المعروفة إعلاميا بفض رابعة بحيث تم تأييد الحكم بالإعدام في حق 12 من قيادات ورموز الإخوان المسلمين من أبرزهم محمد البلتاجي وصفوت حجازي وأسامة ياسين، عبد الرحمن البر، وقد تصدرت مصر المرتبة الثالثة عالميا في معدلات تنفيذ أحكام الإعدام، وقد تم تنفيذ هذه الأحكام بسرعة قياسية وفي أزمنة لها دلالات ومؤشرات وبأعداد مرعبة كان أبرزها تنفيذ حكم الإعدام في شهر رمضان – الموافق أبريل 2021 -، في حق 16 معتقل على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بكرداسة، ومن خلال ذلك فإنه [77]:
  • صدر حوالي 1565 حكماً بالإعدام –أحكام لها أبعاد سياسية- منذ العام 2013 إلى يونيو 2021.
  • تم تنفيذ 97 حكماً الإعدام إلى غاية يونيو 2021.
  • المتبقي من الأحكام 1487 منها ما تم البت فيها بصفة نهائية، ومنها ما هي غير نهائية.

ووفق العديد من الإحصائيات الصادرة عن منظمات دولية وإقليمية فقد تطور عداد أحكام الإعدامات ما بين قضايا متعلقة بما يسميه النظام بالعنف السياسي أو جنائية وتنفيذها بشكل ملحوظ في الفترة التي تلت الانقلاب من 2013 إلى 2021 [78]:

السنوات

عدد أحكام الإعدام

عدد تنفيذ أحكام الإعدام

2013

109 حكم

——

2014

509 حكم

15 حكم

2015

530 حكم

22 حكم- 6 أشخاص في القضية المعروفة إعلاميا بعرب شركس

2016

237 حكم

44 حكم

2017

402 حكم

35 حكم – 15 شخص في قضية كمين صفية-

2018

717 حكم –منها تأييد حكم بحق 20 شخص في القضية المعروفة إعلاميا بمذبحة كرداسة و9 أحكام في حق المتهمين في قضية مقتل النائب العام المصري هشام بركات.

43 حكم- 9 منهم في القضية المعروفة إعلاميا بستاد كفر الشيخ (قضاء عسكري)

2019

435 حكم

46 حكم– 9 أشخاص في قضية النائب المصري السابق هشام بركات

2020

238 حكم

38حكم- 8 أشخاص في القضية المعروفة إعلاميا بتفجير الكنائس- وكذلك تم إعدام 4 نساء

2021

92 حكم

18 حكم-16 أشخاص في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث كرداسة-

 

ثالثا: وضعية حقوق الإنسان في مصر على ضوء مواقف المؤسسات الدولية والإقليمية

أصدرت العديد من المؤسسات الدولية والإقليمية المهتمة بحقوق الإنسان تقارير وقرارت حول وضعية حقوق الإنسان بمصر، والتي تم التوثيق من خلالها مجموعة من الانتهاكات والاعتداءات المتكررة للسلطات المصرية في حق نشطاء سياسيين وحقوقيين وصحفيين وغيرهم من الفئات المستهدفة، بحيث نددت العديد من المنظمات على ضوء هذه التقارير والقرارات بالجرائم التي يرتكبها النظام المصري من إعدامات ميدانية وخارج نطاق القانون والقضاء، والتعذيب بشتى أشكاله وصوره، وأيضا استفحال ظاهرتي الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري إلى معدلات قياسية، بالإضافة إلى ممارسة القمع والتعدي على حرية التعبير والرأي وحرمان المعتقلين من ضمانات المحاكمة العادلة ، ومن أبرز مواقف هذه المؤسسات هي :

1ـ أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان

منذ 2013 إلى حدود 2021 ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان -اجتماعاتهم الدورية والاستثنائية-، يوجهون انتقادات متواصلة للنظام المصري على ضوء الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية للمواطن المصري، وقد أكدت دول عديدة داخل اجتماعات المجلس والمفوضية عن تدهور الأوضاع الحقوقية في هذا البلد أبرزها قمع الحريات العامة من خلال تضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر السلمي، أضف إلى ذلك الانتشار الواسع لعمليات القتل والتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، بالإضافة إلى الجور أثناء المحاكمات التي تصدر عبرها أحكام غير قانونية وعادلة تصل غالبيتها إلى أحكام بالمؤبد والإعدام، هذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع عدد الضحايا الذين يقتلون خارج إطار القانون والعدالة.

وعلى إثر التنامي المطرد لتنفيذ حالات الإعدام بمصر، أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، عن استنكارها لارتفاع حالات الإعدام في قضية واحدة كتلك المتعلقة بمقتل النائب العام المصري هشام بركات، داعية السلطات المصرية إلى وقف جميع الإعدامات ومراجعة كل القضايا المرتبطة بأحكام الإعدام بما يتوافق مع الالتزامات المرتبطة بالصكوك المعنية بحماية حقوق الإنسان. مؤكدة عدم التزام السلطات المصرية بالإجراءات القانونية المرتبطة بمبادئ المحاكمة العادلة، بحيث أشارت إلى تعرض غالبية الموقوفين إلى اعتقالات واحتجازات تعسفية وإخفاءات قسرية، بالإضافة إلى استخدام أساليب التعذيب الممنهجة لإجبار هؤلاء على الاعتراف تحت الضغط والإكراه بارتكاب تلك الجرائم. مشددة إلى ضرورة التزام مصر بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان وإجراء تحقيقات تتميز بالمصداقية مع الدعوة إلى استقلالية وحياد القضاء في القضايا المعروضة عليه[79].

وعلى ضوء ذلك، أكد خبراء أمميون بأن أحكام الإعدام الجماعية في مصر جاءت على أسس معيبة وغير عادلة، وذلك ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد وصفوا هذه الأحكام وتنفيذها بسرعة قياسية بأنها ترقى إلى مصاف الإعدام التعسفي، وذلك لعدم توفر الآليات الواجب قيامها من أجل ضمان محاكمات عادلة، وذلك في ظل استخدام التعذيب بشتى أنواعه وأساليبه لانتزاع الاعترافات التي تضاربت تفاصيلها بين تقارير النيابة العامة والاعترافات أثناء المحاكمات، بحيث أكد جميع الموقوفين أنهم اعترفوا بوقائع ملفقة تحت طائلة التهديد بالتعذيب والقتل. مؤكدين-الخبراء الأمميين- على ضرورة إصلاح مصر لنظامها القانوني والقضائي تماشيا مع المعايير الدولية، لأن ذلك يعتبر التزام دولي وعنصر أساسي يجب على الدول الامتثال له في سبيل احترام العدالة وسيادة القانون[80].

وعلى إثر ارتفاع الاعتقالات التعسفية أو ما أسمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالاعتقالات الانتقامية، أكدت الأخيرة أن سياسة الاعتقال والاحتجاز التي تنهجها السلطات المصرية هي جزء من نمط أوسع لترهيب المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن تشديد القيود على حرية التعبير والتجمعات السلمية، عبر استخدام ذرائع تشريعية كتلك المرتبطة بالأمن القومي أو مكافحة الإرهاب[81].

وفي سابقة من نوعها، أصدرت 31 دولة بيانا مشتركا تدين فيه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ودعت السلطات المصرية إلى الكف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب كذريعة لاعتقال ومحاكمة نشطاء الرأي والتعبير، مطالبة النظام بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والصحفيين بدون قيد أو شرط، ورفع جميع القيود التي تكبل حرية الرأي والتعبير والمفروضة على وسائل الإعلام، كما دعا البيان القاهرة إلى عدم ممارسة سياسة الترهيب والانتقام في حق المجتمع المدني وعلى رأسهم المدافعين عن حقوق الإنسان. كما أكد البيان الانتهاكات المتعمّدة من سلطات القاهرة للإجراءات القانونية التي تستوجبها المحاكمات العادلة، مطالبين النظام المصري بضرورة ضمان المساءلة والإنهاء الفوري لسياسة الإفلات من العقاب[82]. وعلى الرغم أن الواقع يؤكد بأن سياسة المصالح بين الدول تفوق الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان، إلا أن هناك خبراء قانونيين وحقوقيين اعتبروا ذلك بمثابة مؤشر على بداية تغيير سياسات الدول الموقعة على البيان تجاه النظام المصري، خصوصا تلك التي تربطها بمصر علاقات قوية على مستوى التعاون العسكري، وذلك في ظل دعوات حقوقية لهذه الدول بوقف مبيعات الأسلحة لهذا النظام، في ظل تماديه للممارسات والانتهاكات التي أدت إلى تردي الوضع الحقوقي في مصر إلى مستويات مأساوية[83].

وقد أوصت الأجهزة التابعة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، على الدوام وفي جل اجتماعاتها ودوراتها السلطات المصرية على إنهاء كل الانتهاكات التعسفية-اللاإنسانية في حق منتقدي ومعارضي سياسات النظام والمواطن المصري بصفة عامة، والالتزام بكفالة الحق في حرية التعبير والتجمعات السلمية واتخاذ مجموعة من التدابير لضمان الحق في محاكمات عادلة، بالإضافة إلى إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب في جرائم القتل خارج نطاق القانون وإطلاق جميع المعتقلين أو المختفين قسريا من سياسيين ونشطاء وصحفيين ومحامين وغيرهم..

2ـ منظمة هيومن رايتس ووتش

في إطار سلسلة تقارير نشرتها منظمة هيومن رايتس ووتش حول مصر، أكدت المنظمة مرارا أن السلطات المصرية ارتكب جرائم ضد الإنسانية ضد المواطنين، وفي رد فعلها عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 من أغسطس 2013، أكدت هيومن رايتس ووتش في تقرير صادر عنها مباشرة بعد الحادثة بأن قوات الأمن المصرية استخدمت القوة المميتة على نطاق واسع ومباغت لتفريق اعتصامات للمتظاهرين في ميداني رابعة والنهضة، وهذا ما أدى بحسبها إلى أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث[84].

 وفي تقرير واسع لها تجاوز 150 صفحة في أغسطس 2014، كشفت بعد تحقيق قامت به منذ انقلاب 3 يوليو واستمر لمدة عام عن وقائع للقتل الممنهج والإعدامات الميدانية قامت بها قوات الأمن المصرية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1150 متظاهر ما بين يوليو وأغسطس 2013، والتي ترقى بحسب المنظمة إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية خصوصا تلك المتعلقة بفض اعتصام رابعة في 14 أغسطس والتي قالت أنه قتل خلالها على الأقل 814 من المعتصمين في يوم واحد.

وقد أكدت المنظمة، بالأدلة والإثباتات تورط قوات الجيش والشرطة وعلى نحو عمدي وممنهج باستخدام القوة المفرطة المفضية إلى الموت، مما أدى إلى قتل المتظاهرين على نطاق واسع لم يسبق له نظير في مصر، وبعد فحص الأدلة بناء على تحقيقات قام بها فريق المنظمة في مواقع الأحداث أثناء وقوع الهجوم ومقابلات لأكثر من 200 من الشهود على اختلاف مكوناتهم، خلصت في نهاية المطاف وبناء على الأدلة المادية الموثقة إلى أن عمليات القتل الممنهج والاعتداء على أشخاص العزل وسلميين بناء على أسس سياسية، وباستخدام أسلحة متطورة لم تشكل فقط انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية[85].

وفي تقرير لها في يونيو 2015، بمناسبة مرور عام على وصول السيسي للحكم، أكدت المنظمة بأن مصر شهدت منذ تولي السيسي الحكم انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، على إثر تصاعد معدلات العنف على إثر الانتهاكات الواسعة للقوات الأمنية من خلال توسيع عملية الإعدامات الميدانية، وعمليات الاحتجاز الجماعي، وتصاعد محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ومنع وقمع الحق في التظاهر السلمي وصدور أحكام يشوبها القصور في ظل محاكمات سياسية انتهت بأحكام أدناها المؤبد وأعلاها الإعدام، بالإضافة إلى الترحيل القسري لآلاف العائلات من شبه جزيرة سيناء. وقالت المنظمة إن السيسي سعى فعليا إلى محو المكتسبات الحقوقية لثورة يناير 2011 عبر إصدار مراسيم وقوانين تقلص من الحقوق المدنية والسياسية إلى أقصى الحدود، في ظل تغاضي الدول الغربية عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان بمصر [86].

وفي إطار التعديلات الدستورية التي شهدتها مصر في 2019 – جعل مدة حكم السيسي إلى ما لا نهاية-، أكدت هيومن رايتس ووتش، بأن التعديلات التي شملت مواد بعينها تعزز للحكم السلطوي بمصر وتقوض استقلالية القضاء المصري الذي أصبح تابعا له، على ضوء تعزيز تبعية السلطة القضائية والنيابة العامة للسلطة التنفيذية، كما أنها ستوسع من دائرة احتكار الجيش وتدخله في الحياة السياسية. بحيث وضعت هذه التعديلات الجيش فوق طائلة القانون والدستور، للوصول إلى هدف خنق آمال المواطن المصري في العيش بكرامة في ظل دولة مدنية ديمقراطية[87].

وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقاريرها الدورية على ارتفاع حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي هناك، كما نوهت بأن قوات الأمن وأجهزة أمن الدولة العليا تستعمل أساليب تعذيبية وممنهجة وواسعة النطاق في حق ضحايا الظاهرتين، وتشمل ذلك الضرب والصعق بالكهرباء، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد اغتصاب النساء اللائي تعرضن للإخفاء أو الاعتقال.

وقد اتهمت المنظمة عبد الفتاح السيسي بإعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لاستخدام كل الأساليب القمعية والتعذيبية في حق معارضيه، إذ أكدت في السياق ذاته أنه منذ انقلاب 3 يوليو وإلى الفترة الحالية ومصر تعيش في كنف الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، ولقد أردفت المنظمة في تقاريرها مقابلات مع حالات تعرضن للإخفاء أو الاعتقال من نشطاء وحقوقيين وغيرهم الذين أكدوا استخدام السلطات المصرية لأبشع وسائل التعذيب من أجل الانتقام من مواقفهم[88].

 ولم تسلم حتى عائلات المعارضين من القمع الانتقامي والاعتقالات التعسفية، بحيث أكدت المنظمة في تقرير لها في سبتمبر 2019، بتنفيذ السلطات المصرية حملة اعتقالات ومداهمات واسعة وحظر سفر ضد العديد من أقارب المعارضين المقيمين بالخارج وذلك انتقاما لأنشطتهم التي شكلت ضغطا على النظام. كما أوضحت المنظمة أنه ما بين 2016 و2019 سعت السلطات المصرية إلى إسكات صوت المعارضة في الخارج عن طريق نهج سياسة انتقامية عبر معاقبة أهاليهم وأقاربهم[89].

وواصلت قوات الأمن المصرية اعتقال وإخفاء المعارضين قسرا، بحيث استغل النظام تفشي فيروس كورونا لتشديد قبضته الأمنية لملاحقة واعتقال صحفيين ومواطنين وحتى عاملين في المجال الصحي لانتقادهم الاستجابة الحكومية الضعيفة للحد من فيروس كورونا وذلك تحت بند نشر أخبار كاذبة[90].

وفي نفس سياق الموضوع، وفي تقرير لها في يوليو 2020، أكدت المنظمة على استشراء تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع داخل السجون وأقسام الشرطة وسط تعتيم رسمي وصارم من السلطات المصرية، مشيرة على أنه تم التأكد من وفاة 14 سجين ومحتجز على الأقل بسبب مضاعفات ناجمة عن الإصابة بالفيروس في 10 مراكز احتجاز حتى 15 يوليو 2020، مع إصابة المئات من السجناء في ظل غياب الرعاية الصحية في السجون والتعتيم المتعمد لتفشي الفيروس على نطاق واسع داخل السجون وعلى ضوء الاكتظاظ الذي جعل أمر التباعد الاجتماعي مستحيلا، في ظل عدم اتخاذ أي من التدابير من مصلحة السجون لاحتواء فيروس كورونا من تتبع للمخالطين وعزل السجناء المصابين[91].

وفيما يخص قضية الإعدامات، دعت هيومن رايتس ووتش إلى وقف جنون الإعدامات التي تمارسه السلطات المصرية باستمرار منذ 2013، وقد اتهمت نظام السيسي باستخدام السلطة القضائية لملاحقة المعارضين السياسيين وسجنهم وإعدامهم، بحيث وحسب مقال لعامر مجدي وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، فإن معدل الإعدامات ارتفع إلى معدلات قياسية، ما جعل مصر تتبوأ المركز الثالث عالميا وراء كل من الصين وإيران من حيث تنفيذ عدد الإعدامات في العام 2020. بحيث أكد أنه في النصف الأول من العام 2021 فقط تم تنفيذ ما لا يقل عن 51 إعداما، منهم تسعة أشخاص أعدموا في شهر رمضان، أحدهم كان من كبار السن يبلغ من العمر 82 عاما[92]، وهذا ما يمثل ضربا للمواثيق الدولية والإقليمية التي تشدد على عدم تنفيذ أحكام الإعدام على فئة كبار السن، وبالتالي يمثل ذلك ضربا من ضروب المعاملة الوحشية التي ترعاها الدولة السيساوية.

وقد ارتفعت حالات الإعدام بشكل غير مسبوق منذ العام 2017، الذي أقر فيه السيسي على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية وقانون الطعن أمام محكمة النقض وذلك من أجل الالتفاف على السلطة القضائية، بحيث تراجع منذ ذلك الوقت دور المحكمة في إلغاء أحكام الإعدام التي تشوبها بل أصبحت هيئة تأييد لأحكام الإعدام[93].

وفي ما يخص شق الحق في المحاكمة العادلة، والإجراءات القانونية المصاحبة لها، فقد أكدت هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي الصادر في يناير 2021، على إبقاء القضاة ووكلاء النيابة العامة أغلبية من تم القبص عليهم واعتقالهم رهن الحبس الاحتياطي وبدون محاكمة لأكبر مدة ممكنة وهذا ما يتنافى أيضا مع المدة الأقصى للحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون المصري والتي لا يجب أن تتجاوز العامين[94]. وهناك نماذج عديدة يضرب بها المثل في هذا الجانب والذين تجاوزوا المدة الأقصى للحبس الاحتياطي بدون محاكمات كان أبرزها نماذج: الصحفي في قناة الجزيرة محمود حسين، الصحفي هشام جعفر، علا القرضاوي ابنة الشيخ يوسف القرضاوي الرئيس السابق للاتحاد العالمي للمسلمين، وعبد المنعم عبد الفتوح الذي تم تحوير حبسه احتياطيا من قضية إلى قضية أخرى أي تبرئته من قضية واتهامه على ذمة قضية أخرى لضمان بقائه رهن الاعتقال وغيرهم كثيرين، وهو ما يعد ليس خرق السلطات المصرية للقوانين الدولية بل حتى لقوانينها الداخلية التي هي من صنيعتها وتوائم توجهاتها.

وفيما يخص الوضع في سيناء، فقد أفادت المنظمة في تقرير صادر عنها في مارس 2021، بهدم الجيش المصري لحوالي 12.350 ألف مبنى سكني وتجاري وستة آلاف هكتار من المزارع والإخلاء والطرد القسري لسكان شمال سيناء ما بين 2013-2020. وقد استندت في تقريرها هذا إلى وثائق رسمية وشهادات وصور عبر الأقمار الاصطناعية تظهر عمليات الهدم الواسعة جمعتها بالتعاون مع مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، مؤكدة في هذا الإطار بأن ما حدث في حق أهالي سيناء يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب، بحيث يمكن أن ترقى هذه الممارسات والانتهاكات لمصاف جرائم الحرب[95].

3ـ منظمة العفو الدولية

منذ انقلاب 3 يوليو ومنظمة العفو الدولية هي أيضا على غرار باقي المنظمات الدولية الحقوقية الأخرى، تصدر تقارير دورية واستثنائية حول وضعية حقوق الإنسان في مصر، بحيث أكدت مجمل تقاريرها على تورط النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي وأجهزته الأمنية في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق معارضين على اختلاف مكوناتهم وأطيافهم وانتماءاتهم من إسلاميين واشتراكيين وعلمانيين وليبراليين أو غيرهم من التيارات السياسية أو مؤسسات المجتمع المدني، وحتى الذين ليس لديهم أي انتماء لم يسلموا من هذه الممارسات الوحشية.

وفي تقريرها حول أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، أكدت المنظمة، وذلك استنادا على أبحاثها وتوثيقاتها الميدانية بأن القوات الأمنية بما لا يدع للشك استخدمت أساليب وحشية لم تولي من خلالها أي اعتبار للحياة البشرية، وهذا ما يشكل انتهاكا صارخا للقانون والمعايير الدولية من خلال الانتهاك الصارخ لحق التظاهر والتجمع السلمي عن طريق استخدام القوة المميتة من طرف النظام المصري بواسطة الرصاص الحي لفض اعتصامي رابعة والنهضة.

وقد نددت منظمة العفو الدولية باستمرار، بظاهرة الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه المذبحة من قوات الداخلية والجيش وذلك في ظل أزمة غير مسبوقة في مجال حقوق الإنسان باعتبارها نقطة تحول مرعبة في التاريخ الإنساني. مؤكدة أن ظاهرة الإفلات من العقاب كانت سببا في تردي الوضع الحقوقي بمصر من خلال توسيع نطاق الانتهاكات منذ انقلاب 3 يوليو والعنف المميت الذي رافقه، مما أدى إلى ارتفاع ظاهرة الإعدامات الميدانية وارتفاع حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وقمع الحريات العامة بجميع أنواعها[96].

وفي مذكرة أعدتها للدورة الرابعة والثلاثين لفريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2019، أكدت من خلالها المنظمة على أن وضعية حقوق الإنسان بمصر شهدت تدهورا حادا، في ظل تمادي سلطات النظام المصري استخدام ذريعة قانون مكافحة الإرهاب القمعي وغيرها من القوانين التي يشوبها الغموض من أجل تلفيق التهم للمعارضين، في ظل تقاعسها أو بالأحرى تعمدها بعدم إجراء تحقيقات وافية ومحايدة، متهمة إياها بارتكاب عمليات إعدام خارج إطار القانون والقضاء. واستخدامها للإخفاء القسري والتعذيب وكل ضروب المعاملات اللاإنسانية لانتزاع اعترافات وهمية ومعاقبة كل معارض للنظام[97].

 كما أكدت أن السلطات المصرية قامت بسجن الآلاف تعسفيا ورهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا بتهم لا تستند على أسس قانونية وواقعية، وذلك انتقاما لاستخدام هؤلاء لحرية التعبير والرأي عبر وسيلة التظاهر والتجمع السلمي. بل وضعت غالبيتهم تحت مجهر المحاكمات العسكرية. وفي خضم ذلك وعلى ضوء مظاهرات سبتمبر 2019 أدانت العفو الدولية الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تعرض لها المحتجين السلميين من خلال أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية منذ وصول السيسي إلى السلطة، بحيث اعتقل على إثرها أكثر من 2300 شخص من ضمنهم 111 طفلا، كما شكلت الاحتجاجات بحسب المنظمة ذريعة للنظام من أجل مواصلة مزيد من عمليات الاعتقال التعسفي التي تستهدف محاميين، حقوقيين، صحفيين، ونشطاء سياسيين.[98] وعلى نفس المنوال، أدانت المنظمة استخدام القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية، والاعتقالات الواسعة للمحتجين في مظاهرات سبتمبر 2020، بحيث مارست الأجهزة الأمنية سياسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في حق ما لا يقل عن 496 وذلك على ضوء اتهامهم بخرق قانون التظاهر المعيب الذي يكرس للسياسات القمعية للنظام[99].

بل الأبعد من ذلك، أكدت المنظمة أن العاملين في المجال الصحي بمصر قد تعرضوا للمضايقة والترهيب على ضوء تفشي فيروس كورونا في البلاد، وذلك بسبب انتقادهم للسياسات الحكومية في تدبير أزمة فيروس كورونا. وقد وثّقت منظمة العفو الدولية حالات من الأطقم الصحية تم اعتقالها واحتجازها بشكل تعسفي بل تعرض البعض من أفرادها إلى التهديد الأمني والإداري المرافق للفصل من العمل، وذلك بسبب تعليقاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك ما يعد تقويض خطير لحرية التعبير في زمن الأزمات الفجائية، هذه الأخيرة التي تم استغلالها من طرف النظام المصري في ظل جائحة كورونا لتشديد مزيد من الخناق على الحقوق والحريات الأساسية[100].

كما انتقدت منظمة العفو الدولية في تقاريرها بشدة استفحال عمليات الإعدام في مصر، بحيث أفصحت في تقرير صادر عنها في أبريل 2021، عن الارتفاع الحاد لأرقام الإعدامات في مصر والذي تزايدت لأكثر من ثلاث أضعاف ما بين 2019 و2020، لتصبح مصر بحسب المنظمة ثالث دولة أكثر تنفيذا للإعدامات في 2020، إذ أنه ما بين شهري أكتوبر-نوفمبر 2020 فقط، أعدمت السلطات المصرية ما لا يقل عن 57 شخص من بينهم 23 حالة إعدام سياسي على إثر محاكمات وصفت بالجائرة على ضوء اعترافات قسرية وضروب لا إنسانية مرتبطة بالتعذيب وحالات الاختفاء القسري، وذلك ما يشكل انتهاكات جسيما لحقوق الإنسان خصوصا تلك المرتبطة بالحق في المحاكمة العادلة[101]. كما رجحت منظمة العفو الدولية أن يكون العدد الحقيقي لأحكام الإعدام التي تم تنفيذها أكبر مما هو معلن عنه، لأن هناك تضارب بالإحصائيات وتعتيم من طرف السلطات المصرية التي لا تنشر إحصائيات حول عمليات الإعدام أو عدد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، كما أنها لا تبلغ أسر المحكوم عليهم ومحاميهم بتاريخ تنفيذ أحكام الإعدام[102].

وفي تقرير لها بمناسبة مرور 10 سنوات على ثورة يناير 2011، أكدت العفو الدولية على أن سجناء الرأي والتعبير وغيرهم من المحتجزين لدواع سياسية بمصر، يتعرضن للتعذيب وظروف احتجاز قاسية ولا إنسانية، ويُحرمن عمدا من الرعاية الصحية عقابا على مواقفهم، وكانت أزمة كوفيد-19 أكبر شاهد على تقاعس وتعمد سلطات السجون بتوجيه من النظام في حماية السجناء من هذا الوباء العاصف، الأمر الذي أفضى إلى وقوع وفيات أثناء فترة الاحتجاز والسجن-القتل العمدي[103].

ومن مجمل ذلك، فقد أكدت منظمة العفو الدولية على ضوء تقاريرها أن الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وأساليب التعذيب بمختلف درجاته والقتل البطيء والممنهج ومقصلة الإعدام أصبحت أدوات رئيسية لسياسة الدولة في عهد السيسي. كما انتقدت باستمرار تواطؤ النيابة العامة والقضاء المصري مع أجهزة أمن الدولة بسبب غياب منطق الشفافية في التحقيقات وانتزاع اعترافات تحت وقع التهديد والتعذيب في غياب واضح لشروط وحقوق المحاكمة العادلة، وفي انتهاك صارخ لكل النصوص والمواثيق الدولية.

4ـ البرلمان الأوروبي

على غرار المؤسسات الحقوقية الدولية، كذلك هو الحال بالنسبة للبرلمان الأوروبي – أهم مؤسسات الاتحاد الأوروبي-، الذي انتقد على مدى سنوات مضت وضعية حقوق الإنسان في مصر، إذ حذر في مناسبات عديدة من السياسات القمعية التي تمارسها السلطات المصرية في حق نشطاء سياسيين وحقوقيين ومدونين والتي تشكل تطورا مقلقا لتزايد الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في مصر. كما دعا البرلمان الأوروبي مرارا سلطات عبد الفتاح السيسي إلى احترام الحقوق والحريات الأساسية.

وقد أدان البرلمان الأوروبي في معظم جلساته الخاصة بمناقشة المسائل الخاصة بحقوق الإنسان في مجموعة من البلدان ومن ضمنها مصر الانتهاكات المتكررة للنظام المصري في مجال حقوق الإنسان، وكان البرلمان الأوروبي قد ناقش في مرات عديدة إشكالية الاعتقالات والتجاوزات خارج إطار القانون في مصر بحيث انتقد العدد المهول للاعتقالات التي طالت منتقدي النظام خصوصا في فترة المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها مدن مصرية في سبتمبر2019-2020 .

وفي قرار له في سبتمبر 2013، أدان البرلمان الأوروبي ) بروتوكوليا على غرار إدانة باقي مكونات المجتمع الدولي) استخدام قوات الأمن المصرية القوة المفرطة في اعتصامي رابعة والنهضة، والتي راح ضحيتها المئات من المعتصمين، كما دعا السلطات المصرية إلى فتح تحقيق شفاف حول فض الاعتصامين وتحديد الأشخاص المسؤولين عن أعمال القتل الجماعية في هذه الواقعة من الشرطة والجيش وتسليمهم للعدالة، كما دعا إلى الإفراج عن جميع السجناء السياسيين ومعاملة المعتقلين على إثر هذه الأحداث طبقا للقوانين الدولية، مع تشديد القرار على ضرورة الإسراع إلى نقل السلطة إلى السلطات المدنية[104].

وقد ارتفع صوت تنديد البرلمان الأوروبي بوضعية حقوق الإنسان في مصر منذ قراره الصادر في يناير 2015، الذي أدان من خلاله سلسلة الاعتقالات العشوائية الجماعية والتهديد وتضييق الحريات على ضوء التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير ضد منتقدي النظام من مختلف المكونات والأطياف، بحيث أشار القرار إلى احتجاز السلطات المصرية منذ الاستلاء على السلطة من طرف العسكر في يوليو 2013 إلى ما يزيد عن 40,000 شخص، بالإضافة إلى قتل ما يزيد عن 1,400 قتيل إثر استعمال القوة المفرطة من طرف قوات من الجيش والشرطة في تجمعات وتظاهرات لمحتجين عُزل. كما ندد القرار بتمرير قوانين قمعية منذ وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة في يونيو 2014، مثال لذلك القانون الرئاسي 136 للعام 2014 الذي خصص جميع المنشآت العامة كمنشآت عسكرية ومفاده أن أي جريمة ترتكب في هذه المنشآت سيكون أصحابها عرضة للمحاكمات العسكرية. وفي خضم هذا القرار شكك القرار في استقلالية النظام القضائي المصري في ظل استشراء ظاهرة الإفلات من العقاب في حق مسؤولين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان[105].

وفي مارس 2016، واصل البرلمان الأوروبي انتقاده للنظام المصري فيما يخص انتهاكاته المتواصلة في مجال حقوق الإنسان، والجديد في قرار البرلمان الأوروبي هذه المرة أنه جاء بعد واقعة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، بحيث أدان من خلاله وبتصويت 588 لصالحه بشدة واقعة اغتيال الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في ظروف مشبوهة وغامضة وذلك إبان رحلة علمية كان يقوم بها إلى مصر لتحضير أطروحته لنيل الدكتوراه حول الحركات والنقابات العمالية المصرية. وقد اتهم البرلمان تواطؤ وزارة الداخلية في الحادثة وذلك على ضوء رفضها توجيه التهمة للشرطة المصرية بالتورط في تعذيب وقتل ريجيني، بحيث تواترت مجموعة من المعلومات التي تفيد بتوقيف عناصر الشرطة أو جهاز الاستخبارات لريجيني وتعريضه للتعذيب المفضي إلى الموت. وبجانب قضية ريجيني تضمن القرار طبيعة الانتهاكات المتواصلة من طرف النظام المصري في حق معارضي النظام من سياسيين وصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم. منددا بسلسلة الاعتقالات التعسفية التي تعرضت لها هذه الفئات وتوسيع نطاق الأحكام الجماعية خصوصا المتعلقة بحالات الإعدام في حق هؤلاء في ظل انتفاء شروط المحاكمة العادلة[106].

وفي الوقت الذي ارتفع فيه حجم التعاون العسكري ما بين النظام المصري ومجموعة من الدول الأوروبية خصوصا ألمانيا وفرنسا، وذلك من خلال ارتفاع حجم صادراتها من الأسلحة والتكنولوجيا الأمنية إلى مصر، تبنى البرلمان الأوروبي في ديسمبر 2018، قرارا يدين فيه الانتهاكات المستمرة للحقوق الديمقراطية الأساسية في مصر، مطالبا السلطات المصرية إلى وقف انتهاكاتها ضد المدافعين عن الحقوق والحريات. كما طالب القرار النظام المصري إلى إيقاف عقوبة الإعدام وتنفيذ أحكامها التي وصلت إلى معدلات قياسية في ظل حكم عبد الفتاح السيسي. كما وصف البرلمان الأوروبي الانتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها في يونيو 2018 بأنها شهدت إهدارا كبيرا لحق المصريين في المشاركة السياسية.

وفي أكتوبر 2019، صوت النواب الأوروبيون على قرار يدين السلطات المصرية لانتهاكاتها الجسيمة في مجال حقوق الإنسان، خصوصا على ضوء الاعتقالات التعسفية التي شملت بحسب القرار 4300 متظاهر ومعارض عقب مظاهرات واحتجاجات شهدتها العديد من المحافظات المصرية، كما ندد القرار بمقتل ما لا يقتل عن 3000 آلاف مصري من دون محاكمات قانونية من ضمنهم نساء وأطفال منذ انقلاب 3 يوليو 2013، ووصول السيسي إلى سدة الحكم في يونيو 2014. كما دعا نواب البرلمان السلطات المصرية إلى وضع حد لجميع أعمال العنف والتحريض واستخدام أساليب انتقامية ترهيبية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين وحتى أساتذة الجامعات والإفراج عن جميع المعتقلين الذين تعرضوا لاعتقالات تعسفية وآخرين أخفوا قسريا في ظروف غامضة، ولم تقف دعوات البرلمان الأوروبي عند هذا الحد بل طالب بمحاسبة جميع المسؤولين عن هذه الانتهاكات اللاإنسانية مهما كان مركزهم في الدولة[107].

وعلى نفس السياق وفي ديسمبر 2020، صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية 434 مقابل اعتراض 49 وامتناع 202، على مشروع قرار يدعو فيه دول الاتحاد إلى اتخاذ تدابير حازمة تجاه النظام المصري على خلفية الانتهاكات الواسعة للسلطات المصرية للحقوق والحريات العامة، وذلك على ضوء الحملات القمعية بحق المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأكاديميين والمحاميين وحتى العاملين في المجال الصحي على ضوء انتقادهم لفشل السياسات الحكومية في التعامل مع جائحة كورونا. وعلى خلفية تمادي السلطات المصرية في انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان طالب أعضاء البرلمان الأوروبي في قرارهم الذي احتوى على 19 بند على ضرورة مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع النظام المصري على خلفية هذه الانتهاكات، وكذلك إعادة النظر للدعم المادي والتنموي الذي تقدمه دول الاتحاد إلى مصر. وفي ظل هذا القرار انتقد الأعضاء بشدة قرار الإليزيه بمنح عبد الفتاح السيسي وسام جوقة الشرف الفرنسي وهو شيء منافي للمبادئ والقيم التي تسهر على احترامها دول الاتحاد ومن ضمنها فرنسا.

وفي هذا الإطار، شدد القرار على ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير التقييدية في حق مسؤولين مصريين رفيعي المستوى لضلوعهم في ارتكاب انتهاكات خطيرة في حق المواطن المصري، مع ضرورة إخضاعهم للمساءلة وذلك ضمانا لعدم الإفلات من العقاب وذلك على ضوء قانون ماغنيتسكي. كما شدد البرلمان الأوروبي على ضرورة ممارسة دول الاتحاد المزيد من الضغط على السلطات المصرية للإفراج الفوري واللامشروط عن المعتقلين تعسفيا والمحكوم عليهم على ذمة قضايا سياسية. وقد كرر البرلمان منذ انقلاب 3 يوليو دعوته دول الاتحاد إلى وقف تراخيص بيع الأسلحة إلى مصر، وغيرها من المعدات الأمنية التي يستخدمها النظام المصري ضد المتظاهرين والنشطاء الحقوقيين.

كما حث القرار في الأخير أيضا، السلطات المصرية على التعاون مع نظيرتها الأوروبية في التحقيقات الخاصة بقضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في العام 2016، والتعاون أيضا في التحقيقات الخاصة بواقعة وفاة مدرس اللغة الفرنسية إربك لانج في سجنه في العام 2013[108].

رابعا: آليات مقاضاة المسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان في مصر

من خلال آليات القانون الدولي المرتبطة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي- العدالة الجنائية الدولية-، هناك إمكانية -على الرغم من الصعوبات أو العراقيل الشديدة المرتبطة بالاعتبارات السياسية وسياسة المصالح بين الدول- محاكمة قادة وأفراد مدنيين وعسكريين مشاركين في الجرائم التي ارتكبت في مصر منذ انقلاب 3 يوليو إلى حدود الآن، وتتمثل هذه الآليات في الآتي:

1ـ المحاكمة عن طريق المحاكم الدولية الخاصة:

يمكن للأمم المتحدة أن تنشئ محكمة جنائية دولية بقرار من مجلس الأمن، كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، ولكن تحكم القوى الكبرى في مجلس الأمن لن يسمح بصدور مثل هذا القرار العادل نتيجة للاعتبارات السياسية وعلاقة النظام المصري المتطورة خصوصا مع الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن التي تتغاضى عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في هذا البلد، على الرغم من التقارير الدولية التي أكدت وبالدلائل والتوثيقات ضلوع نظام عبد الفتاح السيسي في ارتكاب جرائم خطيرة وصفت إلى حد جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية لفصيل معين، وعلى الرغم من العقبات التي يصعب أو شبه استحالة حدوث الأمر، إلا أن ذلك لا يمنع من توضيح الحيثيات القانونية المتاحة لإصدار مثل هذا القرار والتي يمكن من خلالها المتابعة القضائية لنظام عبد الفتاح السيسي على الجرائم التي ارتكبها منذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي وذلك عبر مسلكين: الأول عبر منطوق المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن “للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها”، فللجمعية العامة طبقا لهذه المادة إنشاء ما يمكنها من أداء دورها فيمكن إنشاء محكمة جنائية دولية، على صورة هيئة معاونة[109].

أما المسلك الثاني عبر الاتحاد من أجل السلم فيمكن الذهاب على هذا النحو في حال استخدام أحد الأطراف حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار قرار من مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة المسؤولين سواء مدنيين أو عسكريين أو أفراد تبث ضلوعهم في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بمصر منذ الانقلاب وهو الأمر المحتمل بشكل كبير في الحالة المصرية نتيجة تواجد دول تربطها علاقة قوية ومصالح كبيرة بنظام السيسي وعلى رأسها فرنسا التي تنامت علاقتها مع الجانب المصري منذ وصول السيسي إلى الحكم، وكذلك روسيا التي تربطها علاقات استراتيجية مع النظام الحالي بمصر، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية التي لن تؤيد هي أيضا هذه الخطوة لاعتبارات جيوستراتيجية ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط. ففي ظل ذلك يمكن اللجوء إلى الاتحاد من أجل السلم في حالة إخفاق مجلس الأمن في القيام بواجباته ومسؤولياته بسبب الاعتراض عبر حق النقض. ولذلك يحق للجمعية العامة النظر في الموضوع وإصدار توصيات ملزمة إزاء ذلك، وتحل بذلك محل مجلس الأمن ويمكن عبر هذه الخطوة إصدار قرار بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة جميع من ارتكبوا جرائم ترتقي إلى جرائم دولية في مصر وأكبر مثال على ذلك الجرائم المروعة التي ارتكبت بميدان رابعة والنهضة والتي ارتقت إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.

2- المحاكمة عن طريق المحكمة الجنائية الدولية:

هذه الهيئة القضائية الدولية التي أنشأت في العام 1998، ودخل نظامها حيز التنفيذ في يوليو 2002، لها ولاية التحقيق والاتهام والمحاكمة للأشخاص لارتكابهم جرائم خطيرة مثل جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية الجسيمة[110]، لكنها لا تمارس اختصاصها بتلك الجرائم إلا في الحالات التالية[111]، في حال وقوعها في أراضي دولة في المحكمة، أو إذا المشتبهين في ارتكابهم لهذه الجرائم من مواطني دولة عضو بالمحكمة، أو إذا قامت دولة ليست طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بقبول صلاحية المحكمة للنظر في الجرائم المعنية من خلال تقديم إعلان رسمي للمحكمة، وأخيرا في حال قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية

ويعتري هذا الطريق العديد من المعوقات، فمصر ليس طرفا في نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة، لذلك ففي ظل غياب تصديق السلطات المصرية على نظام روما، أو قبولها لاختصاص المحكمة الجنائية عن طريق إخطار بذلك، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية الحصول على الاختصاص في الجرائم التي ارتكبها نظام السيسي، فعلى الرغم من إقرار وإدانة لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب وهم أجهزة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة في تقاريرهم الدورية مع التوثيق بوقائع القتل والإعدام خارج إطار القانون وكانت جريمة فض اعتصام ميداني رابعة والنهضة شاهد على فظاعة التصفية الميدانية لرافضي الانقلاب، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية والتهجير القسري لأهالي سيناء وإبادة قرى بكاملها منذ 2013 إلى الآن، فإن المحكمة لا يمكن لها النظر في هذه الجرائم إلا بصلاحية مسبقة أو إحالة من مجلس الأمن إلى المحكمة، أو توجيه طلب من حكومة الدولة المعنية وهو الأمر الذي يستحيل وقوعه في ظل وجود نفس النظام المتهم بكل تلك الجرائم السالفة الذكر.

3ـ المحاكمة عن طريق الولاية القضائية العالمية:

استدعى تطور الجريمة الدولية إلى تطوير مبادئ القانون الجنائي عبر إدخال توسيع نطاق الولاية القضائية العالمية، وذلك من خلال التحقيق ومقاضاة أفراد أو كيانات داخل المحاكم الوطنية ذات الاختصاص ضد جرائم محرمة بموجب القانون الدولي. بحيث أنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مارست العديد من الدول الولاية القضائية العالمية من خلال إجراء تحقيقات ومحاكمة أشخاص يشتبه بارتكابهم جرائم جسيمة بحق أفراد أو جماعات[112].

وقد أدمجت العديد من الأنظمة الغربية، خصوصا الأوروبية منها، مبدأ الولاية القضائية العالمية في قوانينها الداخلية، والتي تمنحها صلاحية التحقيق في جرائم دولية معينة وقعت خارج حدودها، ومحاكمة مرتكبيها أمام محاكمها الوطنية سواء كان من مواطنيها أم من الأجانب. وبمعنى آخر فإن الولاية القضائية العالمية هو مبدأ قانوني يسمح لدولة أو يطالبها بإقامة دعوى قانونية جنائية فيما يختص بجرائم معينة، بصرف النظر عن مكان الجريمة وجنسية مرتكبيها أو الضحايا[113]. وعلى رأس هذه الدول التي تتمتع بهذه الولاية، نجد فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، فنلندا، نيوزيلندا، وغيرها من الدول.

وقد وصفه البعض من الفقه الدولي بعالمية الحق في العقاب، بحيث تنعقد الولاية القضائية للقضاء الوطني في ملاحقة وعقاب مرتبكي أنواع معينة من الجرائم يحددها التشريع الوطني، دون التطرق لمكان ارتكابها ودون اشتراط ضرورة ارتباط معين بين الدولة والجاني أو الضحية أو جنسية كلا منهما.

وتقوم فكرة الولاية القضائية العالمية على فكرتين جوهرتين، الأولى متعلقة بخطورة الجريمة التي تمس بمصالح الجماعة الدولية بأكملها، والثانية مرتبطة بمكافحة الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم التي تشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين. ولذلك فإن قبول الدول بهذا المبدأ وتضمينها في قوانينها الداخلية بالاستناد إلى الصكوك الدولية التي تكون مصدرا للقضاء الوطني لتنفيذ مقتضيات الولاية القضائية، يعتبر بمثابة إنابة منها عن المجتمع الدولي في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان[114].

وتنص مجموعة من المواثيق الدولية على ضرورة أن ترسي الدول الأطراف في محاكمها شكلا من أشكال الولاية القضائية العالمية على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، ومن أبرز تلك المواثيق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للعام 1984، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري للعام 2006.

ومن كل ذلك، يهدف هذا المبدأ إلى محاربة ظاهرة إفلات كبار المجرمين من العقاب-النموذج المصري- بسبب استفادتهم من الحصانة المقررة لهم، بحيث أن مرتكبي هذه الجرائم يكون أغلبيتهم عادة من أفراد السلطة الحاكمة في الدولة، لذلك تكون من الصعوبة بمكان محاكمتهم داخل المحاكم الوطنية لدولة الجاني أو المجني عليه.

ووفق تقرير لمنظمة المحاكمة العالمية وهي منظمة غير حكومية، فقد وصل عدد القضايا المرفوعة تحت نطاق الولاية القضائية العالمية إلى أكثر من 119 قضية منها 16 رهن المحاكمة، من بينها 55 متعلقة بجرائم تعذيب و12 مرتبطة بارتكاب جرائم إبادة جماعية و46 اتهام يتعلق بجرائم ضد الإنسانية و91 اتهام مرتبط بجريمة الحرب في مناطق متفرقة من العالم، وكانت الدول الأوروبية لها النصيب الأكبر من رفع الشكاوى إلى محاكمها بناء على الولاية القضائية العالمية وبلغ عددها 14 دولة، وشملت الدعاوى المرفوعة أفراد وكيانات يشتبه بارتكابهم انتهاكات خطيرة في القانون الدولي[115].

لذلك فهناك أنواع من الجرائم الجسيمة من قتل وتعذيب وإخفاء قسري وقعت في مصر على امتداد ثمان سنوات انتهك فيها النظام القانون الدولي وبالخصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان، وانطلاقا من القوانين الدولية التي تسمح للبلدان بملاحقة المسؤولين عن مجموعة من الجرائم وعلى رأسها الجرائم ضد الإنسانية التي تدخل في إطارها القتل والتعذيب كما حصل في الحالة المصرية، إذ أنه هناك إمكانية متابعة مرتكبي هذه الجرائم تحت منطوق الولاية القضائية العالمية، هذه الأخيرة التي توضح قدرة نظام قضائي محلي لدولة تخضع قوانينها لهذا الاختصاص على التحقيق في بعض الجرائم وملاحقة مرتكبيها وإن لم ترتكب على أراضي تلك الدولة، أو من قبل أحد مواطنيها أو حتى إذا لم ترتكب بحق أحد مواطني تلك الدولة، وذلك في ظل التوافق بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.

ومنذ انقلاب 3 يوليو رُفعت العديد من القضايا في عدة دول أوروبية ضد مسؤولين في النظام المصري الذين تولوا السلطة عقب الانقلاب، وتحت مبدأ الولاية القضائية العالمية على الرغم من العقبات القانونية المرتبطة بالحصانة والمعوقات السياسية المرتبطة بسياسة المصالح بين الدول.

وعلى سبيل الحصر، في بريطانيا، وبعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، وفي أول جولة أوروبية له أصدرت المحكمة العليا البريطانية في نوفمبر 2014 أمرا قضائيا يقضي بأن جميع أعضاء الحكومة المصرية لا يملكون حصانة من المقاضاة في بريطانيا، ومن خلال هذا القرار يمكن للدوائر البريطانية أن توقف أي مسؤول مصري قدم بحقه اتهام بممارسة التعذيب وارتكاب جرائم وارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومثال على ذلك ما حدث أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة وغيرها من الأحداث[116].

وعلى الرغم من الاعتبارات السياسية، فقد توجس العديد من المسؤولين المصريين وعلى رأسهم القادة العسكريين ومن ضمنهم صدقي صبحي الشريك الرئيسي للسيسي في الانقلاب من زيارة بريطانيا تحسبا لرفع شكاوى ضدهم أثناء تواجدهم في الأراضي البريطانية تحت نطاق الولاية القضائية العالمية.

وتحت بند تمتع القضاء البريطاني بالولاية القضائية الشاملة، قدمت غرف العدل الدولية غيرنيكا 37) Guernica37[117] ( في يناير 2020 بناء على طلب تقدم به “المجلس الثوري المصري” وهو تجمع مصري معارض، بشكوى جنائية تولى مجموعة من المحامين البريطانيين رفعها إلى قيادة شرطة مكافحة الإرهاب بالعاصمة لندن تطالب بإصدار مذكرة توقيف ضد السيسي على خلفية اتهامات بالتعذيب والقتل، وقد طالبت على وجه الخصوص التحقيق في ظروف وفاة الرئيس مرسي الذي توفي في قاعة المحكمة في ظل ظروف غامضة، وكذلك كل ضروب المعاملة القاسية اللاإنسانية التي عانى منها منذ إخفائه قسريا أثناء الانقلاب عليه إلى أن وضع في محسبه في ظروف قاهرة ولا إنسانية[118]. كما أكدت أنها رفعت تقريرا حول ملابسات وفاة محمد مرسي إلى المقررة الأممية المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أغنيس كالامارد بحيث تضمن تفاصيل اعتقال الرئيس الراحل ومحاكمته ووفاته لاحقا في قاعة المحكمة، مطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيق مستقل حول قضية وفاة الرئيس مرسي، خصوصا أن تقرير المقررة الأممية كالارد نفسه تضمن عناصر تشير بوضوح إلى أن الوفاة جاءت نتيجة تدخلات مباشرة من السلطات المصرية[119].

وقد شددت على ضرورة تحقيق السلطات في المملكة المتحدة للعدالة عبر التماس الشفافية والمصداقية وبعيدا عن المصالح السياسية بين الدول، مؤكدة على أنه لا يمكن أن تكون المملكة المتحدة ملاذا آمنا للمجرمين وللذين يعتبرون أنفسهم في مأمن عن الملاحقة القضائية نتيجة موقعهم في السلطة وتمتعهم بالحصانة وخصوصا الحصانة الجنائية-القضائية[120].

في فرنسا، فقد رفع محاميان فرنسيان في 2014 دعوى قضائية ضد عبد الفتاح السيسي وبعض المسؤولين المصريين إبان زيارة رسمية قام بها إلى باريس في نوفمبر 2014، متهمين إياه بالمسؤولية عن جرائم فظيعة ووحشية وجرائم تعذيب كان ضحيتها شابان مصريان في الفترة التي تلت انقلاب 3 يوليو 2013[121].

وفي فرنسا أيضا، قبلت المحكمة العليا الفرنسية في العام 2016 بباريس شكوى قضائية ضد عبد الفتاح السيسي ومسؤولين حاليين وسابقين، مقدمة من طرف منظمة آفدي الدولية لحقوق الإنسان “AFD”، والثانية منظمة صوت حر في تهم تتعلق بالقتل والتعذيب الممنهج بحق معارضين سياسيين ونشطاء الرأي وحقوق الإنسان. وذلك نظرا لنظام الولاية القضائية الشاملة التي يتمتع بها القضاء الفرنسي فيما يخص جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية الوحشية الحاطة من الكرامة الإنسانية[122]، وقد استند دفاع المنظمتين إلى ما ينص عليه قانون العقوبات الفرنسي في المادة 222-1، وقانون الإجراءات الجنائية في المواد 85 و689-1[123] و689-2 [124]، وذلك من خلال الشرط التي يشترطه المشرع الفرنسي بالاستناد إلى نظام الولاية القضائية الشاملة من خلال ضرورة تواجد الأشخاص المرفوع عليهم القضية داخل التراب الفرنسي[125]، وتطبيقا أيضا لاتفاقية مناهضة التعذيب للعام 1984. وهذا ما تحقق بحيث تم رفع الشكوى إلى المدعي العام الفرنسي خلال زيارة عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا في يناير 2016.

بل الأبعد ونتيجة تمادي الممارسات اللاإنسانية الذي يقوم بها نظام عبد الفتاح السيسي، دعت منظمة إفدي في ديسمبر 2017، عائلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني ومحاميته إلى الانضمام إلى هذه الدعوى، من خلال ضم شكاية ريجيني ورفعها إلى قاضي التحقيق الفرنسي وضمها للقضاء الفرنسي وذلك في إطار الاختصاص القضائي الكامل[126]. وذلك في ظل تلاعب السلطات المصرية من أجل طمس حقيقة مقتل الباحث الإيطالي وممارسة الضغوط على الحكومة الإيطالية للتواري عن القضية وإسكات عائلة الضحية.

وبناء على مواد في القانون الفرنسي التي تنص على إمكانية محاكمة المتهمين في حال تواجدهم في نطاق التراب الفرنسي، حتى وإن ارتكبوا جرائمهم خارج البلاد وهو ما يدخل في نطاق الولاية القضائية العالمية، وإذا تعذر توقيف المتهمين بسبب حصانتهم، فإنه ستتم ملاحقتهم بعد انتهاء مدة توليهم للمسؤولية. وعلى الرغم من تفعيل مقتضيات القضية بفعل تضارب سياسة المصالح بين النظام المصري وفرنسا هذه الأخيرة التي وقعت اتفاقيات متعددة المنافع خصوصا فيما يخص الشق العسكري باعتبار مصر أكبر الدول شراء للمعدات العسكرية الفرنسية.

وفي يونيو 2020 رفع الناشط الأمريكي من أصل مصري محمد سلطان دعوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد رئيس وزراء مصر السابق حازم الببلاوي الذي تم تعيينه عقب الانقلاب من يوليو 2013 إلى فبراير 2014، كمتهم أول إلى جانب عبد الفتاح السيسي بصفته وزير الدفاع آنذاك، ومدير مكتبه السابق عباس كامل رئيس المخابرات العامة وثلاثة قادة سابقين بوزارة الداخلية متهما إياهم بمحاولة قتله خارج إطار القانون والإشراف على تعذيبه حتى الموت طوال فترة اعتقاله من أغسطس 2013 إلى غاية مايو 2015، بحيث شهد هذا التاريخ خروجه من المعتقل بعد ضغوطات كبيرة مارستها إدارة أوباما آنذاك مع إجباره عن تخليه عن الجنسية المصرية نظير إطلاق سراحه. وقد أقيمت الدعوى أمام المحكمة الجزائية لمقاطعة كولومبيا بالولايات المتحدة بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب الأمريكي الصادر في العام 1991[127].

وعلى الرغم من الشد والجذب الذي عرفته حيثيات متابعة الببلاوي من طرف المحاكم الأمريكية بما يسمى بوجود ثغرات قانونية متعلقة بالحصانة القضائية (الجنائية-المدنية-الإدارية) التي يتمتع بها حازم الببلاوي بموجب اتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي للعام 1945[128]، وكذلك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961[129]، واتفاقية الأمم المتحدة لحماية موظفيها والأفراد المرتبطين بها للعام 1994[130]، إبان عمله في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2014 إلى حدود أكتوبر 2020، بحيث تذرعت الإدارة الأمريكية بثغرة تاريخ رفع القضية وأنه جاء قبل انتهاء مهام الببلاوي في المنظمة الدولية وهذا هو المبرر أو بالأحرى الستار التي ردت به الخارجية الأمريكية بعدما طلبت منها المحكمة الفيدرالية الأمريكية تحديد موقفها من حصانة الببلاوي[131].

وهذا يوضح بجلاء التلاعب الذي جرى على ضوء هذه القضية، بين إدارة ترمب التي علقت حصانة الببلاوي إلى حين مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة وما بين إدارة بايدن التي حاولت إقفال الملف تحت ستار سريان تمتع الببلاوي بالحصانة القضائية قبل تاريخ انتهاء مهامه بصندوق الدولي، ويمكن تفسير تحصين الإدارة الأمريكية لرئيس وزراء مصر إبان الانقلاب حازم الببلاوي، نظرا للطلبات المتكررة والضغوطات التي مارستها السلطات المصرية لمنع وقوف الببلاوي أمام المحاكم الأمريكية بمقابل مقايضة الإدارة الأمريكية لمصر في العديد من الملفات التي ترتبط بها المصالح الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط- لا حماية لحقوق الإنسان تحت منطق حماية المصالح..

ومن صفوة القول، عاشت مصر طيلة الثمان سنوات (2013 ـ 2019) بين مطرقة انتهاك حقوق الإنسان وسندان قمع الحريات، وقد فضح هذا الواقع وبشكل جلي سلسلة الجرائم التي ارتكبها نظام السيسي في حق المواطن المصري بمختلف مكوناته وأطيافه، والتي تراكمت حدتها منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة وإلى حدود تنفيذ مجموعة من الإعدامات التعسفية طيلة النصف الأول من العام 2021، وذلك في ظل تقاعس المجتمع الدولي بل ومشاركته في هذه الانتهاكات على ضوء تبني معادلة مفادها لا مجال لحقوق الإنسان في ظل سياسة المصالح، بالإضافة إلى محدودية دور المنظمات الحقوقية والذي يصل أقصاه إلى حدود المتابعة والرصد والتنديد والإدانة وذلك في ظل عدم امتلاكها لسلطات وصلاحيات رادعة في حق منتهكي حقوق الإنسان ، وضعف فعالية آليات متابعة السيسي ونظامه أمام العدالة الدولية من أجل محاسبته عن جرائمه التي تصنف في خانة الجرائم الدولية بمختلف أنواعها، وذلك في ظل ازدواجية التعامل مع قضايا حقوق الإنسان على ضوء انحياز الدول المتحكمة في القرار الدولي للأنظمة الاستبدادية التي تظل أفضل خياراتها لتنفيذ مخططاتها وذلك تحقيقا لمصالحها.


الهامش

[1]– أعمال الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك 1983 ، ص: 5.

[2] -أنظر في ذلك: إسراء محمد علي سالم-زينب عبد علي جريد: حماية الحق في الحياة في القانون الجنائي، مجلة العلوم الإنسانية، كلية التربية، جامعة بابل، العدد العاشر، 2012، متوفر عبر الرابط التالي:  الرابط

[3]– المادة الثالثة من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[4] – المادة الخامسة من الميثاق العالمي لحقوق الإنسانة

[5] – الفقرة الأولى من المادة السادسة من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966.

[6]– الفقرة الثانية من المادة السادسة من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966.

[7]– المادة السابعة من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966.

[8] – الفقرة الأولى من المادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[9] – المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[10] – الفقرة الأولى من المادة الرابعة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[11] – الفقرة الثانية من المادة الرابعة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[12] – الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[13]– الفقرة السادسة من المادة الرابعة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[14] – الفقرة الأولى من المادة الخامسة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[15] – الفقرة الثانية من المادة الخامسة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[16] – المادة الثانية من الاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه للعام 1987.

[17] – المادة الخامسة من الاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه للعام 1987.

[18]– المادة الثالثة من الاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه للعام 1987.

[19] – المادة الثالثة من الاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه للعام 1987.

[20] – المادة الرابعة من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام 1981.

[21] – المادة الرابعة من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام 1981.

[22] – المادة الخامسة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004.

[23] – المادة 59 من الدستور المصري للعام 2014.-دستور الانقلاب-.

[24] – المادة 60 من الدستور المصري للعام 2014.-دستور الانقلاب-.

[25] – المادة 52من الدستور المصري للعام 2014.-دستور الانقلاب-.

[26] – أحمد نهاد محمد الغول: حرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية والتشريعات المحلية، سلسلة تقارير قانونية، الهيئـــة الفلسطينيـة المستقلة لحقوق المواطن، مايو 2006، ص: 10.

[27] – أنس البرقوقي: الرأي القانوني في حاله احتجاز المواطنين علي خلفيه الرأي والتعبير وفى فض التجمعات السلمية أثناء التظاهر،  الوسط اليوم، بتاريخ 6 أبريل 2016، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[28] – أنظر في ذلك:  طالب عوض: حرية الرأي والتعبير وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مركز مدى للتنمية والحريات الإعلامية، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[29] – المادة 19 عشر من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[30] – المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[31] – الفقرة الأولى من المادة 13 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969.

[32] – المادة التاسعة من الاتفاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام 1981.

[33] – الفقرة الأولى من المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004.

[34] – الفقرة الثانية من الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004.

[35] – المادة 65 من دستور 2014 المعدل في العام 2019.

[36] – المادة 66 من دستور 2014 المعدل في العام 2019.

[37] – المادة 70 من دستور 2014 المعدل في العام 2019.

[38] – المادة 71 من دستور 2014 المعدل في العام 2019.

[39] – مصر.. مدير مركز حقوقي ينتقد قانون تنظيم الصحافة والإعلام، موقع DW، بتاريخ 2 سبتمبر 2018، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[40] – مصر.. إذا تابعك أكثر من 5000 على فيسبوك فأنت في مرمى الرقابة!، الحرة، بتاريخ 29 يونيو 2018، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[41] – جميع الإحصائيات المتعلقة بمؤشرات الصحافة تجدها عبر البوابة الإلكترونية لمنظمة مراسلون بلا حدود على الرابط التالي: الرابط

[42] – أنظر في ذلك: دليل بشأن مـراقبة حـرية التجـمع السلمـي، منشورات مكتب المؤسسات الديمقراطية (ODIHR) وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، 2013، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[43] – المادة 20 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[44] – المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966

[45] – حسن ثامر طه البياتي: الأساس القانوني لحق الاجتماع والتظاهر السلمي في القانون الدولي (دراسة لواقع العراق)، مجلة دجلة، العدد الأول، 2020، ص: 117،  متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[46] – نص المادة 15 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1969

[47] – دليل الاجتماعات العامة، مركز الميزان لحقوق الإنسان، غزة-فلسطين، الطبعة الثالثة 2015، ص: 5، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[48] – المادة 11 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان للعام 1981.

[49] – الفقرة 6 من المادة 24 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004.

[50] – المادة 72 من الدستور المصري للعام 2014 المعدل بعض مواده في العام 2019.

[51] – أنظر نص المادة 12 من قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[52] – مصر تعود للطوارئ من باب قانون التظاهر، عربي 21، 25 نوفمبر 2013، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[53] – محمد الطراونة: الحق في محاكمة عادلة، مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، عمان-الأردن، الطبعة الأولى 2012، ص:11.

[54] – فريحة محمد هشام: ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مجلة الفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، العدد العاشر، 2014، ص: 428.

[55] – محمد الطراونة: الحق في محاكمة عادلة، مرجع سابق، ص: 22.

[56] – فريحة محمد هشام: ضمانات الحق في محاكمة عادلة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص: 429.

[57] – دراجي بلخير: المحاكمة العادلة بين المواثيق الدولية والإقليمية، مجلة العلوم القانونية والسياسية، الجرائر، العدد السابع، يونيو 2013، ص: 81-84.

[58] – المادة 10 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.1948.

[59] – الفقرة الأولى من المادة 11 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[60] – الفقرة الثانية من المادة 11 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[61] – المادة 9 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.

[62] – بمكن الرجوع لجميع فقرات المادة 14 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تناولت بدقة وتفصيل جميع حيثيات مبدا المحاكمة العادلة.

[63] – الفقرة الأولى من المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[64] – الفقرة الثانية والثالثة من المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[65] – نص المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان للعام 1950.

[66] – بمكن الرجوع لجميع فقرات المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تناولت بدقة وتفصيل جميع حيثيات وضمانات  مبدأ المحاكمة العادلة.

[67] – الفقرة الأولى من المادة الثامنة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1981.

[68] – الفقرة الثانية من المادة الثامنة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان للعام 1981.

[69] – بمكن الرجوع لجميع فقرات المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تناولت بدقة وتفصيل جميع حيثيات مبدا المحاكمة العادلة.

[70] – الفقرة الأولى من المادة 12 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان للعام 2004.

[71] – الفقرة الثانية من المادة 12 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان. للعام 2004.

[72] – في انتظارك : 78 سجن ، بينهم 35 بعد ثورة يناير ” عن الأوضاع الصعبة للسجناء والسجون في مصر “، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بتاريخ 11 أبريل 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[73] – تقرير خاص: “كم “ريجيني” في مصر منذ 2013″، يناير-أكتوبر 2020، “كوميتي فور جستس” متوفر عبر الرابط التالي:  الرابط

أنظر أيضا: عدد الصحفيين السجناء في العالم يبلغ مستوى قياسياً، اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، ديسمبر 2020، متوفر عبر الرابط التالي:  الرابط

مرصد حقوقي يرحب بإفراج مصر عن 4 صحفيين ويندد باعتقال آخرين، عربي 21، بتاريخ 19 يوليو 2021، متوفر عبر الرابط التالي:  الرابط

[74] – الداخلية المصرية تبني 8 سجون جديدة في 4 محافظات لتصبح 43 في عهد السيسي، علامات أون لاين، بتاريخ 24 يونيو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[75] – في انتظارك : 78 سجن ، بينهم 35 بعد ثورة يناير ” عن الأوضاع الصعبة للسجناء والسجون في مصر “، مرجع سابق.

[76] – أنظر في ذلك: هناك متسع للجميع … سجون مصر قبل وبعد ثورة يناير، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، سبتمبر 2016، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

في انتظارك : 78 سجن ، بينهم 35 بعد ثورة يناير ” عن الأوضاع الصعبة للسجناء والسجون في مصر “، مرجع سابق.

[77] – محمد مغاور: إحصائيات وأرقام صادمة عن أحكام الإعدام في مصر منذ الانقلاب، عربي 21، 20 يونيو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[78] – حول إحصائيات حالات الإعدام في مصر أنظر في ذلك: 

بالأرقام رصد لأحكام الإعدام في مصر من 2011 إلى 2019، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بتاريخ 16 أكتوبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

‫ملخص حالة عقوبة الإعدام خلال تسع أشهر من عام 2020، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، بتاريخ 21 أكتوبر 2020، متوفر على الرابط التالي:  الرابط

مستمرة وتتصاعد: تقرير رصدي عن عقوبة الإعدام في مصر خلال عام 2018، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، بتاريخ 31 ديسمبر 2018، متوفر على الرابط التالي:  الرابط

[79] – قلق أممي بشأن إعدام 15 شخصا في مصر خلال الشهر الحالي، أخبار الأمم المتحدة، بتاريخ 22 فبراير 2020، متوفر عبر الرابط التالي:

الرابط

[80] – مصر: خبراء الأمم المتحدة يدينون إعدام تسعة رجال بعد “اعترافات تحت التعذيب”، أخبار الأمم المتحدة ، بتاريخ 22 فبراير 2018، متوفر عبر الرابط التالي: 25 فبراير 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

أنظر أيضا: مصر: خبراء الأمم المتحدة يدعون إلى إلغاء أحكام الإعدام، أخبار الأمم المتحدة ، بتاريخ 30 يونيو 2014، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[81] – مفوضية حقوق الإنسان تعرب عن قلقها بشأن اعتقال ثلاثة نشطاء في مصر، أخبار الأمم المتحدة ، بتاريخ 22 فبراير 2018، متوفر عبر الرابط  التالي: 27 نوفمبر 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[82] – إعلان مشترك بخصوص جمهورية مصر العربية، مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: الجلسة الـ 46 البند 4 :نقاش عام، بتاريخ 12 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[83] – إدانة 31 دولة لوضع حقوق الإنسان بمصر مؤشر لبداية تغيير السياسات تجاه القاهرة، الجزيرة مباشر، 15 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[84] – مصر ـ قوات الأمن استخدمت القوة المميتة بإفراط، منظمة هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 19 أغسطس 2013، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[85] – تقرير بعنوان: حسب الخطة مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر، منظمة هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 12 أغسطس 2014، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[86] – مصر ـ عام من الانتهاكات في ظل قيادة السيسي، منظمة هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 08 يونيو 2015، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[87] – مصر: تعديلات دستورية ترسّخ قمعا طويل الأمد، هيومن رايتس ووتش، 16 أبريل 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[88] – نورة الحفيان: مصر السيسي بين الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، المعهد المصري للدراسات، بتاريخ 30 ديسمبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[89] – تقرير مصر: عائلات المعارضين تحت طائلة القمع، هيومن رايتس ووتش، 21 سبتمبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[90] – مصر: أحداث عام 2020: التقرير العالمي 2021، منظمة هيومن رايتس ووتش، الصادر بتاريخ 13 يناير 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[91] – مصر: تفشٍ محتمل لفيروس “كورونا” في السجون، هيومن رايتس ووتش، 20 يوليو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[92] – عمرو مجدي: سُعار الإعدامات في مصر يجب أن يتوقف، هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 28 يونيو 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[93] – عمرو مجدي: لماذا زادت الإعدامات في مصر بشدة ولماذا يجب أن تتوقف، هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 25 مارس 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[94]–  مصر: أحداث عام 2020: التقرير العالمي 2021، منظمة هيومن رايتس ووتش، مرجع سابق.

[95] – تقرير بعنوان مصر: عمليات الهدم الواسعة في سيناء جرائم حرب محتملة، منظمة هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 17 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[96] – أنظر من ضمن ذلك: مصر: استخدام قوات الأمن للقوة بشكل مفرط يشير الى وجود نمط من هذا القبيل تجيزه الدولة، منظمة العفو الدولية، 14 أكتوبر 2013، متوفر عبر الرابط: الرابط

[97] – مصر: انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ظل حكم الرئيس السيسي – مذكرة من منظمة العفو الدولية أُعِدَّت للدورة الرابعة والثلاثين “لفريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاستعراض الدوري الشامل”، المنعقد في نوفمبر 2019، رقم الوثيقة MDE 12/0253/2019، منظمة العفو الدولية، بتاريخ 19 يونيو 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[98] – مصر: أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة السلطة، منظمة العفو الدولية، بتاريخ 2 أكتوبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[99] – مصر: احتجاجات نادراً ما تحدث في الوقت الراهن جوبهت بقوة غير قانونية واعتقالات جماعية، منظمة العفو الدولية بتاريخ 2 أكتوبر 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[100] – مصر: العاملون في المجال الصحي يواجهون خيارات مستحيلة “الموت أو السجن”، منظمة العفو الدولية، بتاريخ 18 يونيو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[101] – عقوبة الإعدام في 2020: منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشكّل الأغلبية على قائمة الدول الأكثر تنفيذاً لعقوبة الإعدام في العالم، منظمة العفو الدولية، أبريل 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[102] – مصر: الارتفاع المروع في تنفيذ عمليات الإعدام يكشف عمق أزمة حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، بتاريخ 2 ديسمبر 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[103] – “ما تموتوا ولا تولعوا؟ الإهمال والحرمان من الرعاية الصحية في السجون المصرية”، تقرير منظمة العفو الدولية، بتاريخ 25 يناير 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[104] – Résolution du Parlement européen du 12 septembre 2013 sur la situation en Égypte (2013/2820(RSP)), le P7_TA(2013)0379, Le 12 septembre 2015, Sur le lien suivant : Lien

[105] – Résolution du Parlement européen du 15 janvier 2015 sur la situation en Égypte (2014/3017(RSP)), Le 15 janvier 2015, Sur le lien suivant : Lien

[106] –  Résolution du Parlement européen sur l’Égypte, en particulier sur le cas de Giulio Regeni (2016/2608(RSP)), Le 9 Mars 2016,  Sur le lien suivant : Lien

Et aussi La résolution votée par le Parlement Européen relative à la situation des droits humains en Egypte, suite notamment à l’affaire Giulio Regeni est adoptée à une écrasante majorité, Fédération internationale de droit de l’homme, Le 11 Mars 2016, Sur le lien suivant : Lien

[107] – Résolution du Parlement européen du 24 octobre 2019 sur l’Égypte (2019/2880(RSP)), RC-B9-0134/2019, Le 24 octobre 2019, sur le lien suivant: lien

[108] – Résolution du Parlement européen du 18 décembre 2020 sur la détérioration de la situation des droits de l’homme en Égypte, en particulier le cas des militants de l’Initiative égyptienne pour les droits personnels (EIPR) (2020/2912(RSP)), RC-B9-0426/2020, Le 18 Décembre 2020, sur le lien suivant: lien

[109] – نص المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة

[110] – تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على  الجرائم التي تدخل في اختصاصها والتي تنص على:

1- يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:

(أ) جريمة الإبادة الجماعية؛

(ب) الجرائم ضد الإنسانية؛

(ج) جرائم الحرب؛

(د) جريمة العدوان.

2- تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقا للمادتين 121، 123 يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة. ويجب أن يكون هذا الحكم متسقا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.

[111] – النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المواد 12-13-14.

[112] – حصري: أسماء قادة مصريين متهمين بارتكاب جرائم حرب، عربي 21، بتاريخ 16 ديسمبر 2013، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[113] – سعيد طلال الدهشان: كيف نقاضي إسرائيل؟ مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، الطبعة الأولى 2017، ص: 127.

[114] – نزار قشطة: مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي في نظام العدالة الدولية بين النظرية والتطبيق، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية بغزة-فلسطين، العدد الثاني، 2014، ص: 594.

[115] – وسام الدين العكلة: الولاية القضائية العامة .. نافذة أمل لضحايا الانتهاكات في سورية، العربي الجديد، 4 مارس 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[116] – القضاء البريطاني يجرد المسؤولين المصريين من الحصانة، الجزيرة نت، 27 نوفمبر 2014، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[117] – هي غرف عدل دولية متخصصة في التقاضي تحت شق الولاية القضائية الشاملة عبر إنفاذ قوانين حقوق الإنسانية والمعايير الجنائية الدولية في المحاكم الوطنية، وتضم هيكلا دولية متكاملا ومتنوعا من المحامين والخبراء من القارة الأوروبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة يتمتعون بخبرة مهنية كبيرة في بناء استراتيجيات المساءلة القانونية في جميع أنحاء العالم بناء على الخبرة المباشرة في العديد من الولايات القضائية الوطنية والهيئات الدولية. لمزيد من المعلومات حول هذه المنظمة القانونية غير حكومية يمكن الاطلاع على موقعها الرسمي عبر الرابط التالي: الرابط

[118] – British lawyers seek arrest warrant for Egypt’s president over Morsi death, Middle East Eye, On January 19, 2020, on the following link: Link

[119]– غرف العدل الدولية تدعو الأمم المتحدة لفتح تحقيق مستقل بوفاة مرسي (تقرير)، الأناضول، بتاريخ 29 نوفمبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[120] – القضاء البريطاني يجرد المسؤولين المصريين من الحصانة، الجزيرة نت،

[121] – دعوى قضائية ضد السيسي في فرنسا، الجزيرة نت، بتاريخ 26 نوفمبر2014، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[122] – أنظر في ذلك: المحكمة الفرنسية العليا تقبل شكوى ضد السيسي، العربي الجديد، 31 يناير 2016، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

وأيضا: آمال ومخاوف بشأن مقاضاة السيسي بفرنسا، الجزيرة نت، بتاريخ 4 فبراير 2016، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[123] – Article 689-1 Code de procédure pénale Française: En application des conventions internationales visées aux articles suivants, peut être poursuivie et jugée par les juridictions françaises, si elle se trouve en France, toute personne qui s’est rendue coupable hors du territoire de la République de l’une des infractions énumérées par ces articles. Les dispositions du présent article sont applicables à la tentative de ces infractions, chaque fois que celle-ci est punissable.

[124] – Pour l’application de la convention contre la torture et autres peines ou traitements cruels, inhumains ou dégradants, adoptée à New York le 10 décembre 1984, peut être poursuivie et jugée dans les conditions prévues à l’article 689-1 toute personne coupable de tortures au sens de l’article 1er de la convention.

[125] – France Compétence universelle, La fédération internationale des ligues des droits de l’homme –FIDH-, 2015.

[126] – “إفدي” تدعو عائلة ريجيني للانضمام لدعوى باريس ضد السيسي، الجزيرة مباشر، بتاريخ 12 ديسمبر 2017، متوفر على الرابط التالي: الرابط

[127] – مصر: أحد ضحايا الاعتقال التعسفي والتعذيب يقاضي رئيس الوزراء المؤقت الأسبق: محمد سلطان، تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، بتاريخ 30 يونيو 2020، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[128] – نصت اتفاقية صندوق النقد الدولي للعاملين به على عدم الملاحقة القضائية والقانونية لموظفيها، وقد أكد منطوق القسم الثامن من المادة التاسعة ذلك:

يتمتع بالامتيازات والحصانات التالية جميع محافظي الصندوق ومديريه التنفيذيين ومناوبيهم وأعضاء اللجان والممثلين المعنيين بموجب أحكام المادة الثانية عشرة، القسم الثالث ومستشاري أي من الأشخاص والمسؤولين والموظفين:

1-الحصانة من الملاحقة القانونية فيما يتعلق بأي أعمال يؤدونها بصفتهم الرسمية، إلا إذا تنازل الصندوق عن هذه الحصانة،

2-إذا كانوا من غير المواطنين المحليين، فإنهم يتمتعون بنفس الحصانات من قيود الهجرة وإجراءات قيد الأجانب والتزامات الخدمة الوطنية وغيرها……

3-نفس المعاملات فيما يتعلق بتسهيلات السفر التي تمنحها البلدان الأعضاء إلى ممثلي البلدان الأعضاء الأخرى ومسؤوليها وموظفيها من ذوي المراتب المماثلة.

يمكن الاطلاع على نص الاتفاقية عبر موقع صندوق النقد الدولي عبر الرابط التالي: الرابط

[129] – أنظر في هذا الجانب منطوق المادة 31 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 والذي تنص على أنه: “يتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانة القضائية الجنائية في الدولة المعتمد لديها، ويتمتع أيضا بالحصانة القضائية المدنية والإدارية…”

[130] – يمكن الاطلاع في هذا الجانب إلى: رامي المصري: الرهانات الدبلوماسية والقضائية المتوقعة في قضية محمد سلطان ضد الببلاوي، مصر 360، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[131] إدارة بايدن تعيد حصانة رئيس وزراء مصر الأسبق.. رفضت محاكمته في قضية تعذيب، عربي بوست، بتاريخ 7 أبريل 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close