
نشرت صحيفة “إلبايس“، وهي من أهم الصحف الناطقة بالإسبانية وتصدر من مدريد، نشرت في 8 يوليو 2021 تقريراً قام بإعداده مارك إسبانول من القاهرة تحت عنوان “حُمّى السجون في مصر السيسي”، حيث “يثير التوسع الكبير في نظام السجون المصرية في العقد الماضي قلق منظمات حقوق الإنسان” كما ذكر إسبانول. وقد جاء التقرير على النحو التالي:
عبر أربعة مراسيم نُشرت في نهاية يونيو 2021 في الجريدة الرسمية، أعلن وزير الداخلية المصري محمود توفيق قراراته بإنشاء ثمانية سجون مركزية جديدة في البلاد. وقبل 20 يوماً فقط من ذلك، وقع توفيق مرسوماً مماثلاً، كان حينذاك للموافقة على إنشاء سجنين مركزيين جديدين. ومنذ يناير، كان هناك ستة سجون مركزية كان الوزير قد أمر ببنائها بالفعل.
وعلى الرغم من أن مستقبل هذه السجون جميعاً لا يزال غير مؤكد، إلا أن الاندفاع نحو إنشاء سجون جديدة يوضح التوسع الذي شهده نظام السجون المصرية باهظة التكاليف في العقد الماضي. فخلال تلك الفترة، تضاعف عدد السجون الرئيسية في البلاد تقريباً، من 43 إلى 78، وفقاً لدراسة أجرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في إبريل، والتي بالطبع لم تشمل تلك السجون التي تم الإعلان عنها مؤخراً.
وتثير الزيادة الحادة في عدد السجون الكبيرة (التي عادة ما يُطلق عليها ’سجون مركزية‘) في مصر قلق جماعات حقوق الإنسان، التي ترى فيها انعكاساً (طبيعياً) للزيادة المفاجئة في عدد المعتقلين والسجناء، فضلاً عن الصعوبات الإضافية في القدرة على الإشراف عليهم جميعاً. ويَعتبر جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن “عدد السجون التي تم بناؤها خلال عشر سنوات فقط هو عدد هائل بالنسبة لأي دولة”.
لا يمكن معرفة عدد السجون الموجودة في مصر بشكل دقيق بسبب السرية التي يتعامل بها النظام مع كل ما له علاقة بنظام السجون. وفي هذا السياق، فخلال العقد الماضي لم يتم اكتشاف وجود بعض السجون إلا بعد انتشار أخبار الاحتجاجات التي اندلعت داخلها ومن خلال تجربة السجناء أنفسهم الذين احتُجزوا فيها. ولك أن تتخيل أنه من الممكن حتى عدم التأكد مما إذا كانت تلك السجون المخطط لها قد تم بناؤها بالفعل مؤخراً. وفي ذلك يقول محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، “[في مصر] ليس هناك معلومة دقيقة” حول هذا الأمر.
ورغم ذلك، تقدّر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنه قبل ثورة يناير 2011 كان هناك 43 سجناً رئيسياً في مصر. ومنذ ذلك الحين، قررت السلطات إنشاء 35 سجناً أُخرى، ثلاثة منها فقط قبل أن يتولى عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2013، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 78 سجناً. وتم إدراج 44 سجناً فقط على موقع وزارة الداخلية، وهي بالطبع لا تتوافق بشكل أساسي مع عدد السجون في فترة ما قبل عام 2011.
ويعكس هذا التوجه أن معدل الاعتقالات، بما فيها السياسية والجنائية، أعلى مما كان عليه قبل بضع سنوات. وأن هناك زيادة كبيرة في عدد المحتجزين في أقسام الشرطة، والتي بلغت أقصى طاقتها؛ لذا، فوفقاً للمعايير الرسمية (التي يتبناها النظام)، فبدلاً من تقليل الاعتقالات، أصبح من الضروري بناء [سجون جديدة]”، كما قال لطفي.
رسمياً، يكون هناك ما يمكن أن يبرر التوسع في نظام السجون على أساس الحاجة إلى تحسين حالة السجون في ظل الزيادة السكانية الهائلة في مصر. يقول ياسر عبد العزيز، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للنظام الحاكم: “مصر بلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، لذا من المتوقع أن تكون هناك ضغوط من أجل استيعاب عدد السجناء. إن مصلحة السجون تبذل جهوداً كبيرة في هذا الصدد، ونقوم برصد السجون وزيارتها بشكل دوري.” ويضيف: “إن إنشاء سجون جديدة يمثل خطوة إيجابية لتفعيل إرادة الدولة في تحسين أوضاع السجون.”
ومع ذلك، تشير التفاصيل إلى حقيقة أكثر تعقيداً. فبصرف النظر عن انعدام الشفافية، فإن تأرجح الأرقام بخصوص عدد السجون ترجع أيضاً إلى كثرة أنواع السجون الموجودة في مصر. حيث يشتمل قانون السجون في البلاد على أربع فئات من السجون: سجون عامة وهي سجون تخضع لسلطة مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية؛ وسجون خاصة وهي التي تنشأ بموجب مرسوم جمهوري؛ والمراكز التابعة لمديريات أمن وزارة الداخلية. وهناك أماكن أخرى لاحتجاز المدنيين، يتم عدُّها بشكل منفصل، مثل السجون العسكرية أو مراكز الشرطة أو أقسام الشرطة أو معسكرات قوات الأمن.
من بين جميع السجون التي صدرت أوامر بإنشائها منذ عام 2011، وفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن الغالبية العظمى منها هي سجون مركزية، وهي تلك التي شهدت التغيير الأكبر. وفي نفس السياق، يشير عيد إلى أنه قبل الثورة، كان هناك عدد قليل جداً من السجون المركزية التي يمكن أن تستوعب مئات الأشخاص، نظراً لأنها مصممة من الناحية القانونية لأولئك الذين يقضون أحكاماً مخففة، وغالباً ما تصل إلى ثلاثة أشهر، والتي تشمل الأشخاص المحتجزين قبل المحاكمة في فترة ما قبل ثورة يناير. أما الآن، فبدلاً من ذلك، بدأ إنشاء سجون مركزية ضخمة، بعضها يتسع لآلاف الأشخاص، ويصعب الإشراف عليها لأنها لا تعتمد في العادة على سلطة السجون. وهذه السجون المركزية الكبيرة فقط تأتي على رأس السجون الـ 78 التي قامت بإحصائها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
يعتقد المحامون والمحققون المهتمون بحقوق الإنسان أن هذه المقامرة ترجع إلى حقيقة أن السجون المركزية أرخص وأسرع في الإنشاء، وأكثر أماناً كأماكن احتجاز من أقسام الشرطة، التي تعرضت للهجوم بشكل متكرر في عام 2011. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يُعتقد أنه يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى. يعود ذلك إلى حقيقة أن هذه السجون يمكن أن تؤوي معتقلين قادمين من مختلف أقسام الشرطة، مما يسمح بنقل النزلاء وتوزيعهم في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الاستخدام الواسع النطاق للحبس الاحتياطي، حيث في ظل النظام الحالي، يُقدر عدد المحبوسين احتياطياً بالآلاف اليوم. “الحبس الاحتياطي يفترض أن يكون بسيطا، ولكن بما أنه لم يعد كذلك، والعدد في ازدياد، بدأ التوسع في السجون”، يستطرد جمال عيد. ومن جانبه، يلاحظ محمد لطفي أنه بالتوازي مع ذلك ورغم الاختلافات القانونية بين فئات السجون، فإن الفارق بينهم غير واضح. حيث يقول: “إنه مختلط نوعاً ما”.
في الوقت نفسه، لم يُترجم التوسع في إنشاء شبكة السجون إلى تهيئة ظروف أفضل للسجناء، خاصة لمن يعتبرون سجناء سياسيين، بحسب منظمات حقوق الإنسان. وتشير منظمات حقوقية مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى أن مصر ليس بها في الواقع عدد كبير من الأشخاص المسجونين لأسباب غير سياسية. “إن عدد السجناء العاديين ليس كبيراً، لكن في المقابل عدد السجناء السياسيين هائل. أكثر من الجنائيين بكثير،” يقول جمال عيد.
وتقول ياسمين عمر، الخبيرة القانونية في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومقره واشنطن: “الزيادة في عدد السكان تتطلب أيضاً بناء المزيد من المستشفيات والمدارس” وليس فقط المزيد من السجون. وتضيف: “لكننا نرى أن أولوية الحكومة هي بناء السجون، وهذا دليل على مستوى القمع في مصر،” تقول ياسمين عمر.

المراجعات الفكرية: هل تكون أمل المعتقلين في السجون المصرية؟