
كشف تقرير نشره معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” (سيبري) عن نمو واردات الشرق الأوسط من الأسلحة على المستوى العالمي، بنسبة 25% في الفترة بين 2016 و2020. وتضمن التقرير قائمة بأكثر الدول استيرادا للسلاح، شملت 5 دول عربية، وهي (السعودية، ومصر، والجزائر، وقطر، والإمارات). [1]
فخلال هذه الفترة، زادت واردات المملكة العربية السعودية (أكبر مستورد للأسلحة في العالم) من الأسلحة بنسبة 61%، وقطر بنسبة 361%، وانخفضت واردات الإمارات العربية المتحدة من الأسلحة بنسبة 37%. وزادت واردات مصر بنسبة 136%، وزادت واردات الجزائر بنسبة 64%، في حين انخفضت واردات المغرب من الأسلحة بنسبة 60%، كما انخفضت واردات تركيا بنسبة 59%، وذلك مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015.
الدولة | السعودية | قطر | الإمارات | مصر | الجزائر |
نسبة الزيادة | 61 | 361 | 37 | 136 | 64 |
شكل رقم 1: واردات دول الشرق الأوسط من الأسلحة 2016 ـ 2020 (من حيث المصدر ونسبة الزيادة):

وقد كشف تقرير معهد إستكهولم أن الصفقات العسكرية التي أبرمها الجيش المصري خلال 2016 إلى 2020م، توزعت بين عدة دول، وجاءت نسبهم بالشكل التالي:
- دولة روسيا الإتحادية: 41%
- فرنسا: 25%
- الولايات المتحدة الأمريكية: 8.7%
من خلال الرصد الشهري الذي قام به المعهد المصري للدراسات في الفترة من 2016: 2020، نجد أن صفقات التسليح التي أبرمتها القوات المسلحة المصرية توزعت بين القوات الجوية التي هي أهم فرع عملت المؤسسة العسكرية على دعمه بالعديد من الصفقات، ثم القوات البحرية ثم القوات البرية ثم قوات الدفاع الجوي.
ويتم تمويل صفقات الجيش المصري عن طريقين: الأول، القروض التي تأخذها مصر وهي تسدد وفق بنود مكتوبة في العقد، الثاني، دعم لتلك الصفقات من قبل دول بذاتها تدعم النظام المصري، وتأتي الأمارات والمملكة العربية السعودية على رأس قائمة تلك الدول.
التفسيرات:
هناك احتمالات عدة قد تُقدم تفسيرات لتعدد وتنوع صفقات التسليح منذ تولي السيسي الحكم في مصر إلا أن التفسيرات لن تخرج عن السيناريوهات الأتية:
1- القول بأن القيام بتسليح الجيش المصري بهذا الشكل وفي هذا التوقيت مهم في ظل الوضع الإقليمي المضطرب لحماية الأمن القومي المصري من ناحية، ومن ناحية أخرى وجود إرادة ورغبة من الجيش المصري كفرض نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه، لتعزيز مكانته في منطقة الشرق الأوسط، هو تفسير له وجاهته.
2-رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تقوية حليفها الإستراتيجي عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط وهو الجيش المصري، حتى تساهم مصر بفعالية أكبر في تأمين النظام الإقليمي القائم في المنطقة. فيظل إلى الآن تسليح الجيش المصري أكثره تسليحاً أمريكياً؛ فالدعم الأمريكي المكثف إلى الجيش المصري مستمر عن طريق المعونة الأمريكية وصفقات أخرى تُعقد بين الجانبين بعيداً عن المعونة، وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها في حلف الناتو كفرنسا وألمانيا وإيطاليا هم من أوائل الدول التي تقدم الدعم للجيش المصري؛ ومن يدعم بعض تلك الصفقات مادياً هما السعودية والإمارات، الدولتان ذات العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
3-التقارب المصري الروسي من بعد 03 يوليو 2013م بدا واضحا للجميع، ووجود روسيا على رأس الدول التي تورد السلاح إلى مصر أمر منطقي؛ فتوتر العلاقات بين إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والنظام في مصر بعد يوليو 2013م، نتج عنه وقف بعض المساعدات الأمريكية، وكان هذا الدافع الأول لنظام السيسي للبحث عن بديل يقدم له الاحتياجات العسكرية حتى تزول أسباب التوتر بينه وبين الإدارة الأمريكية. تلاقت دوافع بوتين في التمدد في منطقة الشرق الأوسط مع دوافع السيسي في البحث عن بديل “مؤقت” كمناكفة وابتزاز للولايات المتحدة ورسالة بأن مصر لجأت لغريمتها التي تبحث عن إحياء قوتها من جديد، رداً على العقوبات الأمريكية. لم يدم الأمر طويلاً، وأفرجت الولايات المتحدة عن المساعدات؛ وبعد مجيء إدارة ترامب عادت العلاقات الأمريكية إلى ما كانت عليه بل صارت أفضل، ومؤخراً بعد وصول بايدن الى كرسي الرئاسة لم يتغير شيء وظلت وستظل العلاقة بين الجانبين بنفس الشكل، فعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بمصر والجيش المصري تحديداً علاقة إستراتيجية وهي علاقة مؤسسات وليست علاقة أشخاص، وستظل بنفس الشكل بغض النظر عن اسم الحاكم الأمريكي.
وبالرغم من عودة العلاقات الأمريكية المصرية إلى ما كانت عليه، ظل التقارب المصري الروسي مستمراً وظلت صفقات السلاح بين مصر وروسيا بل وزادت بمرور الوقت، وأصبح من أكبر التدريبات المشتركة التي يجريها الجيش المصري وأهمها هي التي يقوم بها مع الجيش الروسي كحماة الصداقة وجسر الصداقة.
وتتعدد دوافع استمرار وازدياد التقارب في العلاقة بين مصر وروسيا خلال السنوات الخمس الماضية:
- مكاسب اقتصادية لدولة روسيا المنهكة اقتصاديا تجنيها من وراء الصفقات المصرية المتعددة، الخاصة بالتسليح الجوي وهو الفرع الذي تنتج فيه دولة روسيا العديد من الأنواع.
- وجود أهداف مشتركة بين السيسي وبوتين الذي يرغب في التواجد والتمدد في منطقة الشرق الأوسط في بعض ملفات منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها الملف الليبي والملف السوري، لذلك روسيا حرصت على امتلاك الجيش المصري أسلحة نوعية خاصة في المجال الجوي لاستخدامها داخل الأراضي الليبية ودعم حفتر.
- نجاح بوتين في دعم بشار الأسد جعل السيسي يضع بوتين في خانة حليف يمكن الاعتماد عليه في حالة حدوث أحداث ضخمة داخل مصر قد تؤدي إلى خروج السيسي من المشهد، إذا وجدت الولايات المتحدة أن استمرار السيسي قد يضر بمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، واتجهت لدعم حالة انتقال يكون أداة التغيير فيها هو الجيش، كما تم في ثورة يناير 2011، فلذلك يبقي السيسي على العلاقة بينه وبين روسيا من خلال الجانب العسكري وتعدد الصفقات.
4-القول بأن ما يحدث في سيناء وما تشهده من صراعات بين قوات الجيش المصري وتنظيم “ولاية سيناء” الذي تنامت قوته بشكل مستمر، وتعدد خسائر الجيش المصري في الأفراد والمعدات، هو سبب التوسع في هذه الصفقات. وهذا التفسير أيضا يذهب إليه البعض. لكن أن يتم الربط بين هذا التسليح بهذا الحجم وهذه المواجهة مع حركة مسلحة غير نظامية غير منطقي، لأن معظم هذه الصفقات يغلب عليها طابع الأسلحة الثقيلة والتي تستخدم في الحروب المفتوحة أمام الجيوش النظامية المشابهة، كما أن بعضها لا يتناسب وبيئة المواجهة في سيناء. ويزيد من الشكوك في دور هذه الصفقات في رفع القدرات القتالية للجيش المصري كونها تتم بالتنسيق مع الكيان الصهيوني؛ وبالرغم من تلك الصفقات المبرمة، ما زال الجيش المصري يعاني من مواجهة المسلحين في سيناء والعملية الشاملة التي قام بها الجيش في 2017، والتي كان قد حدد لها ثلاثة أشهر وتُعلَن سيناء خاوية من المسلحين، لم تنجح إلى وقتنا هذا؛ والمتابع للتطورات الأوضاع في سيناء يلاحظ أن المؤشرات والمعطيات في المواجهات بين الجيش والمسلحين لن تنتهي في القريب العاجل.
5- الربط بين هذه الصفقات ومشاركة الجيش المصري بتشكيلاته الجوية والبرية في عمليات عسكرية أو الأمداد بتعزيزات عسكرية داخل الأراضي الليبية، والتي سبق أن قامت بها، في إطار الدعم العسكري الذي تقدمه مصر إلى قوات “حفتر” في ليبيا، والذي يحظى بدعم فرنسي روسي إماراتي، وذلك يعطي تفسيراً لوجود روسيا وفرنسا على رأس الدول التي تصدر الأسلحة إلى مصر.
6- الربط بين التسليح وتعزيز دور الجيش في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوربا، وخصوصا أن نظام السيسي يجيد عمليات الابتزاز السياسي، حيث نقل رسالة للغرب مفادها أن مصر تحارب من أجل أوربا التي تعاني من عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، لذلك تعددت التصريحات من الجانب المصري خاصة بضبط وإفشال الكثير من عمليات الهجرة غير الشرعية. ومن الملاحظ أيضاً أن الدول التي تقوم بتسليح مصر في الجانب البحري تقف في مقدمتهم ألمانيا وفرنسا التي ترى أن الهجرة غير الشرعية القادمة من القارة الإفريقية خصوصاً تهدد أمنها القومي.
7-الربط بين الصفقات التي يقوم بها الجيش المصري وتأمين آبار الغاز المتواجدة في منطقة شرق المتوسط والمتنافس عليها بين كل من اليونان وقبرص وإسرائيل وفلسطين وتركيا وسوريا ومصر، فاكتشافات الغاز المتتالية للدول المطلة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط، ترسم صورة قاتمة لنذر تفجر حروب بين هذه الدول للسيطرة على مناطق الغاز، الذي يعتبره الكثيرون وقود المستقبل بعد تزايد أهميته في مجالات الحياة المختلفة. ومؤشرات الحرب بدأت بالفعل، حيث تتنازع إسرائيل مع سوريا وتركيا ولبنان وقبرص ومصر وفلسطين المحتلة على الأحقية المشتركة في حقول الغاز المكتشفة حديثا بشرق البحر المتوسط، ويتمسك كل طرف بموقفه الذي يعززه بأن حدوده البحرية خط أحمر تندرج تحت طائلة السيادة الوطنية.
خاتمة
يعتبر الجيش المصري من أكبر جيوش المنطقة العربية، وقوة الجيش المصري هي قوة للمنطقة العربية ككل، تلك المنطقة التي لها عدو استراتيجي وحيد وهو الكيان الصهيوني، الذي يتربص بالمنطقة ويُكنّ لها كل العداء. فالحرص على تقوية الجيش المصري وكافة الجيوش العربية هو أمر من الضرورة بمكان، ويجب على كل حريص أن يدعم ويدعو لتقوية جيوش المنطقة لحماية الأمن القومي العربي من العدو الاستراتيجي والذي يحظى بالدعم العسكري من كافة الدول الغربية، حيث هناك بعض الأسلحة تحظرها تلك الدول على جيوشنا العربية حتى لا تتفوق الجيوش العربية في القوة على قوة الكيان الصهيوني.
إن اعتماد الجيوش العربية وعلى رأسها الجيش المصري على استيراد السلاح من الخارج أمر شديد الخطورة، وفي مصلحة أعداء المنطقة الذين يتحركون فقط وفقاً لمصالحهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ويعملون ليلاً ونهاراً لكي تصبح منطقة الشرق الأوسط تحت تصرفهم. فمعظم تلك الدول التي تصدر للجيوش العربية الأسلحة تستغل هذا لجعل أنظمة الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر تابعين لها. وأخيراً فمن لا يملك سلاحه لا يملك قراره ولا ينال استقلاله وسيظل دمية تحركه يد القوى الكبرى.
[1] واردات مصر من السلاح زادت بنسبة 136% أغلبها من روسيا على حساب أمريكا، الدفاع العربي، تاريخ النشر 16 مارس 2021م، تاريخ الدخول 17 مارس 2021م، الرابط
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.