fbpx
دراسات

دور العقوبات البديلة في الحد من تفشي وباء كورونا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ملخص

شكلت ظاهرة وباء كورونا منعطفا خطيرا قلب موازين القوى في المنظومة العالمية، حيث تأثرت مختلف الميادين الحيوية، ومن بينها الميدان القانوني والقضائي وخصوصا فئة السجناء والمعتقلين، وهذا ما نحاول معالجته من خلال هذا المقال حيث نتطرق لأهم أسباب تفشي وباء كورونا من خلال السياسة العقابية المتخذة، وذلك في إطار المطلب الأول، قبل أن نتعمق في أسباب وضرورة تبني العقوبات البديلة، وذلك في إطار مضامين المطلب الثاني.

مقدمة

واجهت دول العالم اختبارا صعبا منذ ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية قبل أن يتحول إلى جائحة تجتاح العالم، واتخذت الدول سلسلة تدابير في العديد من المجالات لمواجهة الجائحة بدءا من الخدمات الصحية مرورا بمواقع العمل ووصولا إلى المجالات الأخرى كالاقتصاد والتعليم والمجال القانوني والقضائي.

وفي هذه الظروف الحرجة حق لنا التساؤل عن التدابير المتخذة في حق المعتقلين احتياطيا والسجناء المحكومين بعقوبات سالبه للحرية سواءً منها قصيرة، أو متوسطة المدة، كون هؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من الأشخاص المودعين في المؤسسات السجنية في المغرب أو في غيره من بلدان العالم، وهؤلاء أكثر من غيرهم عرضة لانتشار الوباء بحكم تواجدهم في أماكن صغيرة نسبياً بأعداد كبيرة، فما الحل لمنع تفشي الوباء بينهم؟ بما يهدد حياتهم ويلحق أشد الضرر بهم وبأسرهم، لاسيما وأن بعضهم محكومون بعقوبات عن جرائم ليست خطيرة في الغالب، ومعاقبتهم بالحبس لا تبرر تعريضهم لخطر الموت أو المعاناة الكبيرة جراء الإصابة بالمرض، ولا يغيب عن البال أيضاً القلق والمعاناة النفسية لذويهم.[1]

وفي إطار الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا، وعلى غرار عدة دول أجنبية واعتبارا للظروف الاستثنائية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، وما تفرضه من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، قام العاهل المغربي الملك محمد السادس بإصدار عفو ملكي عن 5654 معتقلا، تم اختيارهم بناء على معايير إنسانية وموضوعية، تأخذ بعين الاعتبار، عمرهم ووضعهم الصحي ومدة الاعتقال وحسن السيرة والسلوك طيلة مدة اعتقالهم. كما دعا العاهل المغربي إلى “اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز حماية نزلاء مؤسسات السجون والإصلاحية (التي تعنى بسجن القاصرين).

وفي نفس المجال اتجهت مجموعة من الدول إلى اعتماد بدائل الدعوى العمومية وبدائل العقوبات السالبة للحرية كبديل عن الاحتجاز أو الاعتقال، حيث أصبحت تفرض نفسها “كحل أساسي” للمشاكل المرتبطة بالعقوبات التقليدية السالبة للحرية،[2] وذلك بالنظر للصعوبات المتعددة الناجمة عن تدبير المؤسسات السجنية ولتحديات إصلاح وإعادة إدماج نزلاء هذه المؤسسات ولتجنيب هؤلاء المعتقلين عواقب وباء كورونا.

ويبقى الإشكال المطروح ما هي حدود تبني المشرع المغربي للأنظمة البديلة للدعوى العمومية والعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة على غرار التشريعات الجنائية المقارنة وما هي أسباب عدم التعجيل باعتمادها في ظل تفشي وباء كورونا.

من خلال ما سبق، سنحاول الإجابة عن مختلف التساؤلات ودور العقوبات البديلة في التصدي لتفشي وباء كورونا من خلال خطة البحث التالية:

المطلب الأول: أسباب تفشي وباء كورونا في السجون والمؤسسات الإصلاحية

عرفت بعض السجون المغربية تسجيل مجموعة من الإصابات بفيروس كورونا رغم الاحتياطات التي أخذت بها المندوبية العامة لإدارة السجون حيث تعدت الإصابات في بعض المؤسسات 100 حالة مما يشكل خطرا على صحة السجناء، ومن خلال هذا المطلب سنحاول التطرق إلى أهم أسباب تفشي وباء كورونا في السجون والمؤسسات الإصلاحية من الاكتظاظ بالسجون (الفقرة الأولى) وأزمة الاعتقال الاحتياطي (الفقرة الثانية) وأزمة استمرارية البث في القضايا في ظل جائحة كورونا (الفقرة الثالثة) ثم أزمة خرق الحجر الصحي (الفقرة الرابعة)

الفقرة الأولى: الاكتظاظ بالسجون:

تجدر الإشارة إلى أن المغرب يشكو كباقي البلدان من مشكل الاكتظاظ على مستوى المؤسسات السجنية وما لهذا الاكتظاظ من عواقب وخيمة على نزلاء المؤسسات السجنية وعلى المجتمع ككل، خصوصا ما يتعلق بالوقاية من حالات العود أو إعادة الإدماج وتفشي الأمراض والأوبئة، حيث بلغ عدد السجناء بالمؤسسات السجنية حسب إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ما يناهز 76794 معتقلا سنة 2015 يمثل فيها المعتقلين الاحتياطيين 40.8% أي 31344 معتقلا. وتمثل نسبة النساء 2.44% أي 1877 معتقلة، كما يلاحظ أن تصنيف المعتقلين حسب المهن يعطي رؤية إستراتيجية على نوعية المهن التي يكون مزاولوها أكثر عرضة للاعتقال مما ستوجب دراسات معمقة وحلول بديلة خصوصا في المجال القانوني تجنب أصحاب هاته المهن أن يكونوا أكثر عرضة للسجون.[3]

دور العقوبات البديلة في الحد من تفشي وباء كورونا-1 دور العقوبات البديلة في الحد من تفشي وباء كورونا-3 دور العقوبات البديلة في الحد من تفشي وباء كورونا-2

الفقرة الثانية: أزمة الاعتقال الاحتياطي

من الأسباب التي تؤدي إلى الاكتظاظ بالسجون والتي تساهم في تفشي وباء كورونا هي نوعية المعتقلين حيت نجد أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين تشكل نسبة كبيرة من المعتقلين داخل السجون حيت بلغت 40.8% من مجموع المعتقلين خلال سنة 2018.[4]

ويعتبر الاعتقال الاحتياطي إجراءًا استثنائياً تتخذه سلطة التحقيق[5] حيث أشار المشرع المغربي إلى الاعتقال الاحتياطي في الفرع الثاني من الباب التاسع من قانون المسطرة الجنائية المعنون بـ “الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي” في المواد 159 و175 إلى 188؛ إذ يعد إجراءً استثنائيا تتخذه سلطة التحقيق ضد المتهم التي بمقتضاها يتم سلبه حريته في إحدى المؤسسات السجنية أثناء النظر في الدعوى الجنائية / الزجرية إلى حين صدور الحكم النهائي في التهمة المسندة إليه.[6]

وبما أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته”، فقد كان المشرع المغربي حريصا على إحاطة خطوة الاعتقال بكثير من الشروط حماية وضمانا وصونا لحقوق المتهم، وهو ما نص عليه في ما يصطلح عليه بقرينة البراءة، وافتراض براءة الشخص موضع الاشتباه أو الاتهام هو إحدى الضمانات التي يستند إليها مفهوم المحاكمة العادلة، والذي يقضي بأن براءة الشخص مفترضة وهي الأصل إلى أن يثبت العكس[7]، وهو ما يتطلب معاملة المواطنين على هذا الأساس خلال كافة مراحل الدعوى، في كل ما يُتخذ من إجراءات قانونية إلى أن يصدر حكم باتّ ونهائي يقضي بعكس ذلك. لذا، فإن هذا الحق يعتبر هو الحصن الذي يحتمي به المواطنون ضدّ أي إجراء تعسفي أو مساس بحريتهم الشخصية[8]. وبالتالي الواجب متابعة المتهمين في حالة سراح مما سيخفف الضغط على السجون وتفادي الاكتظاظ بالسجون.

غير أنّ المتتبع للقرارات القضائية بالمحاكم المغربية والتدابير الصادرة عن قضاة تحقيقها، يقف على حجم الهوّة الشاسعة بين ما هو معلن عنه في التشريعات والقوانين والالتزامات الدولية، وبين ما هو مطبق على أرض الواقع، وبالتالي لا بد من النهوض بهاته الإشكالية ومحاولة إيجاد حلول لها من خلال توسيع هامش السراح المؤقت وكذلك تفعيل بدائل الدعوى العمومية التي ستشكل لا محالة خطوة مهمة في تخفيف العبء عن المحاكم المغربية والمؤسسات السجنية.[9]

الفقرة الثالثة: أزمة استمرارية البث في القضايا داخا المحاكم في ظل جائحة كورونا

وفي إطار تدبير طريقة العمل في ظل ما يشهده المغرب من تفشي فيروس كورونا، أعلنت وزارة العدل بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، تعليق كافة الجلسات بمحاكم المملكة. وقال بلاغ مشترك، صادر عنهما إنه في إطار التدابير الوقائية الرامية إلى الحد من تفشي وانتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد19)، وحرصا على سلامة كل العاملين بمحاكم المملكة، قضاة وموظفين ومساعدي القضاء، والمتقاضين والمرتفقين، وانسجاما مع التدابير التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة لمحاصرة هذا الوباء.[10]

ووضع المجلس لائحة بالجلسات التي لا يمكن تعليق انعقادها، وهي التي تخص قضايا الجنايات والجنح الخاصة بالمتهمين الذين يكونون في حالة اعتقال احتياطي ومودعين بمؤسسات سجنية، وقضايا التحقيق للتقرير في وضعية الأظناء المقدمين للتحقيق معهم بعد إيداعهم في إحدى المؤسسات السجنية أو التحقيق معهم في حالة سراح، وقضايا الأحداث للتقرير في ما إذا كان سيتم إيداعهم في إحدى مؤسسات إعادة التربية أو تسليمهم إلى ذويهم، والقضايا الاستعجالية، وهي القضايا التي لا تحتمل التأخير، إذ يتعين البت فيها حتى خارج أوقات العمل وبكيفية مستعجلة، تفاديا لضياع حقوق أحد الأطراف في انتظار البت في النزاع من قبل محكمة الموضوع.[11]

غير أن هذا التوقف، وأمام صعوبة إحضار المتهمين للمثول أما الهيئة شكل ارتباكا ملحوظا في انعقاد الجلسات وزاد من أزمة الاعتقال الاحتياطي، مما جعل الوزارة تشرع في توفير الإجراءات التقنية واللوجستيكية لتأمين عملية التقاضي عن بعد بشأن القضايا الزجرية وذلك بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

واعتبرت وزارة العدل أن هذه العملية تأتي في إطار التدابير الوقائية الرامية إلى الحد من تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد 19)، وكذا تفعيلا للقرارات المعلن عنها في بلاغات سابقة صادرة عن هذه الوزارة بشأن ضمان الأمن الصحي للقضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط ومساعدي القضاء وكذا المتقاضين والمرتفقين.

الفقرة الرابعة: أزمة خرق قانون حالة الطوارئ

صدر المرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ بسائر التراب الوطني وتضمنت المادة الثانية منه إلزام الأشخاص بعدم مغادرة محل سكناهم إلا في حالة الضرورة القصوى، الشيء الذي يجعل من أية مخالفة لهذه المقتضيات جريمة قائمة الأركان طبقا للمادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ الصحية.

وشكلت المادة الرابعة قانون حالة الطوارئ الصحية أساس التجريم، وقد أكدت المادة المذكورة على وجوب التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة من نفس القانون، والتي تشير إلى اتخاذ الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ للتدابير الملائمة التي تقتضيها هذه الحالة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات.[12]

اعتمد المشرع المغربي مقاربة تزاوج بين العقوبة السالبة للحرية والعقوبة المالية.

وتعتبر المادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ الصحية الإطار القانوني لنظام العقوبة المعتمد من قبل المشرع المغربي، وقد اعتمد المشرع المغربي نظام العقوبة الموحدة للجرائم الناتجة عن خرق تدابير حالة الطوارئ الصحية فحددها في الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1.300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، ودون الإخلال بالعقوبة الأشد.

 أما المشرع الفرنسي فقد تبنى مقاربة مختلفة عن المشرع المغربي فقد ركز أساسا على العقوبات المالية، حيث تم تعديل مقتضيات المادة 3136 -من القانون الفرنسي رقم 2020.290 1 بإضافة خمس فقرات نصت على عقوبات لمخالفة أحكام قانون الطوارئ الصحية. وقد نصت على المعاقبة بغرامة 135 أورو عن مخالفة التدابير المشار إليها أعلاه، وفي حالة العود يحكم بغرامة تتراوح بين 1.500 و3.000 أورو. أما إذا تكررت المخالفة لأكثر من ثلاث مرات خلال الثلاثين يوما، فتكون العقوبة هي الحبس لمدة ستة أشهر وغرامة 3.750 أورو.

كما أضاف المشرع الفرنسي عقوبة تكميلية إذا ارتكبت المخالفة باستعمال عربة وذلك بسحب رخصة السياقة لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات. وفي حالة مخالفة الأوامر بالتسخير فتكون العقوبة الحبس لمدة ستة أشهر وغرامة 10.000 أورو.[13]

ويتضح مما سبق أن فرنسا اعتمدت على غرار عدد من الدول الأوروبية مقاربة تعتمد على التدرج في العقوبة من الغرامة إلى الرفع منها ثم النص على العقوبة الحبسية كعقوبة مشددة، عكس المشرع المغربي الذي اعتمد نظام العقوبة الموحدة ودمج بين العقوبة المالية والحبسية في إطار الجمع أو الاختيار، وما يعاب على هاته المقاربة أنه شكلت خطرا على خارقي قانون الطوارئ والأجهزة من سلطات محلية وضباط الشرطة القضائية وقضاة النيابة العامة  التي تعمل على ضبط المخالفين  والإشراف على الأبحاث التمهيدية وذلك من خلال عملية نقل ووضع الموقوفين في الحراسة النظرية مما يجعل هاته العملية قد تشكل بيئة لانتشار وباء كورونا علما وحسب بلاغ رئاسة النيابة العامة، أن النيابات العامة بمحاكم المملكة تابعت منذ دخول المرسوم ب قانون المذكور حيز التنفيذ إلى غاية يومه الجمعة 17 أبريل 2020 على الساعة الرابعة زوالا، ما مجموعه 25857 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية من بينهم 1566 شخصا أحيلوا على المحكمة في حالة اعتقال. وقد توبع 2593 شخصا من مجموع الأشخاص المشار إليهم من أجل عدم ارتداء الكمامة الواقية. ويتوزع الأشخاص المتابعون على خلفية خرق حالة الطوارئ الصحية على الشكل التالي: ✓ الرشداء: 25203 شخصا؛ ✓القاصرون: 654 شخصا، كما أن الأشخاص المعتقلين سيشكلون مصدرا لنقل الفيروس داخل السجون.

المطلب الثاني: ضرورة تبني العقوبات البديلة لمواجهة تفشي وباء كورونا

تجدر الإشارة إلى أن المغرب يشكو كباقي البلدان من مشكل الاكتظاظ على مستوى المؤسسات السجنية وما لهذا الاكتظاظ من عواقب وخيمة على نزلاء المؤسسات السجنية وعلى المجتمع ككل، خصوصا ما يتعلق بالوقاية من حالات العود أو إعادة الإدماج. وتأسيسا على ذلك بدأ المشرع المغربي يتجه نحو السياسة الجنائية الحديثة المتمثلة في العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية، حيث تناول في مشروع القانون الجنائي العقوبات البديلة في فرع خاص، كما أعطى له تعريفا شاملا بحيث نص في الفقرة الأولى من المادة 1-35 على ما يلي “عقوبات يحكم بها في حالات العود كبديل للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجل سنتين حبسا “

وفضلا على ذلك، اشترط المشرع الجنائي المغربي في الفقرة الثانية من نفس المادة تنفيذ المحكوم عليه للالتزامات المفروضة عليه لكي يستفيد من العقوبة البديلة عن العقوبة السالبة للحرية[14].

ولعل الحديث عن مدى فعالية البدائل وملاءمتها للواقع المغربي، يجرنا إلى الحديث عنها كل على حدة، ومقارنتها في وقت لاحق ببعض التدابير أو المؤسسات المختلفة التي تبنها المشرع المغربي في سبيل تحديث مبادئ وفلسفة الفكر الجنائي، ولكن دون أن تعرف طريقها إلى التطبيق، ويمكن أن نقول أنها نصوص قانونية ولدت ميتة. حيث إنها لا تعرف إقبالا من مؤسسة القضاء عليها، أو حتى إن تم تطبيقها فإن ذلك لا يحقق مبادئ الأمن القانوني من حيث استفادة كل من توفرت فيه شروط تطبيقها. وسنتطرق إلى الغرامة اليومية (الفقرة الأولى) ثم العمل لأجل النفع العام (الفقرة الثانية) ثم القيد الإلكتروني (الفقرة الثالثة) ثم تقييد ببعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية (الفقرة الرابعة)

 الفقرة الأولى: الغرامة اليومية

عرف المشرع المغربي في مسودة القانون الجنائي الغرامة اليومية في الفقرة الأولى من المدة 10-35 حيث اعتبرها عقوبة يمكن للمحكمة أن تحكم بها بدلا من العقوبة الحسبية، وهي مبلغ مالي تحديده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها، والتي لا يتجاوز منطوقها في المقرر القضائي سنتين حبسا. كما نجد أن المشرع في الفقرة الثانية من نفس المادة قد امتنع عن تطبيقه على الأحداث وذلك لعدة اعتبارات منها أن الأحداث لا يستطيعون دفع المبالغ المالية التي تقررها المحكمة المحددة في المادة 10-15 بين 100 و2000 درهم عن كل يوم، وبالتالي قد يتكلف بها أولياؤهم وهذا مخالف للقاعدة التي تقضي بأن الجريمة لا يتحمل تبعاتها إلا من اقترفها كما نجد أنه قد شدد المشرع على إلزامية أداء المبلغ الذي حكمت به المحكمة وذلك في غضون أجل لا يتجاوز آخر يوم من العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها.

لتقييم البدائل التي جاءت بها مسودة القانون الجنائي من خلال الحديث عن الغرامة اليومية، هذا البديل المالي الذي سنربطه بالقدرات المادية للمواطن المغربي، فقد حدد المشرع الغرامة في حدود تتراوح بين 100 درهم و2000 درهم كحد أدنى وأقصى، وترك للقاضي السلطة التقديرية في تحديدها، وقد أغفل المشرع المغربي كل معيار يسمح للقاضي بالتحديد العادل والدقيق للغرامة بحيث يمكن أن تؤدي أغراضها الاجتماعية والعقابية في آن واحد. [15]

وهذا ما جعل العديد من المهتمين بالمجال القانوني في إطار النقاش العمومي الذي كانت المسودة موضوعا له، يقولون أن الغرامة اليومية ستكون سهلة التطبيق بالنسبة للأغنياء كيفما كانت قيمته، في حين سيستحيل ذلك على غيرهم من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

خصوصا إذا استحضرنا متوسط الدخل الفردي للمواطن المغربي البسيط ناهيك عن مجمل المسؤوليات التي تلحق به اتجاه أسرته وكذلك نتساءل حول جدوى التنصيص على الغرامة في حالة كان المدان بها عاطل عن العمل أو طالبا في طور التكوين.

الفقرة الثانية: الخدمة من أجل المنفعة العامة

لقد اشترط المشرع المغربي في العمل بهذا البديل العقابي في المادة 6-35 بلوغ المحكوم عليه سن 15 سنة كأدنى حد وقت ارتكاب الجريمة، وألا تتجوز العقوبة بها سنتين حبسا.

أما في الفقرة الأولى من المادة 7-35 فقد اعتبر العمل المحكوم به لأجل المنفعة العامة عمل غير مؤدى عنه وينجز لفائدة شخص اعتباري عام أو جمعية ذات منفعة عامة لمدة تتراوح بين 40 و600 ساعة، كما خص المحكمة بتحديد ساعات العمل لأجل المنفعة العامة، واعتبر في الفقرة الثانية من نفس المادة أن كل يوم من مدة العقوبة يوازيه ساعتين من العمل مع مراعاة الحد الأقصى لساعات العمل المنصوص عليه في الفقرة السابعة [16].

كما خص المشرع المادة 9-35 للأحداث بصفة استثنائية حيث إنه اعتبر في المادة 7 أن العمل لأجل المنفعة العامة لا يعمل به في حالة ما إذا قررت المحكمة الحكم بعقوبة حبسية وفقا للمادة 482 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن للحدث أن يستبدلها بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة.

وتشير الفقرة الثانية من المادة 9-35 إلى أنه يتعين على قاضي الأحداث أن يتأكد من مدى ملاءمة العمل لأجل المنفعة العامة لمصلحة الحدث ولحاجيات تكوينه وإعادة إدماجه.

أما بالنسبة للعمل لأجل النفع العام، هذا البديل النبيل الذي يعرف إقبالا كبيرا من عدة تشريعات، فإن المشرع المغربي قد نص عليه في مسودة مشروع القانون الجنائي وذلك ما يجعل السؤال ملحا في مدى نجاحه أو ملاءمته لطبيعة المجتمع المغربي التي لا تعرف بالأساس إقبالا على العمل التطوعي إلا من فئات قليلة من المجتمع[17].  إلا أن في ظروف جائحة كورونا، كان من الممكن أن تستفيد الدولة من هاته العقوبة البديلة، خصوصا كبديل للعقوبة الحبسية التي جاءت في مضامين قانون حالة الطوارئ، حيث كان من الممكن أن يوجَّه خارقو حالة الطوارئ للخدمة من أجل المنفعة العامة (مثال: التأطير داخل المستشفيات، المشاركة برفقة السلطة المحلية في الحملات التحسيسية والتوعية…).

الفقرة الثالثة: القيد الإلكتروني

وفي نفس السياق دائما، فقد نص المشرع الجنائي في مشروع قانون المسطرة الجنائية على القيد الإلكتروني كبديل عن الاعتقال الاحتياطي ويثار التساؤل في هذا الخصوص حول مدى قابلية هذا التدبير إلى التطبيق خصوصا مع ما يتطلبه من إمكانيات لوجستيكية وتقنية عالية.

وهو ما يفرض تجهيز مراكز المراقبة بكل الوسائل المتطلبة، وفي حال تم ذلك بدخول مشروع القانون حيز التطبيق بعد إتمام المسطرة، فإننا نتساءل حول مدى الإقبال الذي سيعرفه السوار الإلكتروني خصوصا إذا استحضرنا العديد من التدابير أو المؤسسات التي عبر عن طريقها المشرع المغربي عن رغبته في تحديث المبادئ التي تحكم قوانينه الجنائية[18]. ومن قبيل ذلك مثلا إعراض معظم محاكم المملكة عن تطبيق بدائل الاعتقال الاحتياطي أو ما يعرف بتدابير المراقبة القضائية التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية. وعدم تفعيل الأجهزة القضائية لهذه التدابير للحد من الاعتقال الاحتياطي، في الجرائم التي يسمح فيها القانون بذلك.

الفقرة الرابعة: تقييد ببعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية:

اشترط المشرع المغربي في العمل بهذا البديل في الحالات التي لا يتجاوز مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها سنتين حبسا، وعبر عنها المشرع في الفقرة الأولى من المادة 35-13 حيث نص على ذلك كالتالي:

“يمكن الحكم بالعقوبات التي تتضمن تقييدا لبعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، كبديل للعقوبة السالبة للحرية التي لا تتجاوز منطوقها في المقرر القضائي سنتين حبسا”. في حين نص على اختيار المحكوم عليه والتأكيد على استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج [19].

في المادة 14-35 نص المشرع على أنه “يلزم المحكوم عليه بتنفيذ العقوبات التي تتضمن تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية، داخل أجل لا يتجاوز خمس سنوات من تاريخ صدور المقرر التنفيذي مع إمكانية تمديد هذا الأجل بناء على طلب من المحكوم عليه، بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات أو قاضي الأحداث حسب الحالات” في إشارة إلى أن الأحداث هم أيضا معنيون بهذا البديل وحدد المشرع في المادة 15-35 العقوبات التي يمكن للمحكمة أن تحكم بها إما بعقوبة واحدة أو أكثر وهي كالتالي[20]:

  • مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا؛ ويهدف المشرع من هذا الإجراء إلى توجيه المحكوم عليه نحو التأهيل والتكوين على مستوى المهن والحرف التي تتلاءم وإمكانية المعرفية إما بتقييده مزاولة نشاط مهني معين أو تتبعه دراسة معينة أو تكوين معين.
  • إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته، أو بعدم مغادرته في أوقات معينة، والغاية من هذا الإجراء هي وضع قيود على تحركات المحكوم عليه حسب الجريمة التي اقترفها ومدى خطورتها على المجتمع وإلزامه بعدم المغادرة كليا من مكان محدد أو بعدم مغادرته في أوقات محددة.
  • فرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه من قبل قاضي تطبيق العقوبات أو قاض الأحداث، إذا تعلق الأمر بحدث، بالتقدم في مواعيد محددة، وحسب الحالات، إما إلى المؤسسة السجنية أو مقر الشرطة أو الدرك الملكي أو مكتب الموظف المكلف بالمساعدة الاجتماعية بالمحكمة.
  • خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان.
  • تعويض أو إصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة[21].

الهامش

[1] علاء إبراهيم محمود الحسيني، مقال منشور بالموقع ، أطلع عليه يوم 15 ماي 2020 على الساعة 16:00.

[2]  فؤاد إفرام البستاني، منجد الطلاب، الطبعة الثامنة والثلاثون، دار المشرق، ش م م، صفحة 25

[3]  المندوبة العامة لإدارة السجون، منشور بموقع https://www.dgapr.gov.ma/articles.php?id_menu=69، أطلع عليه يوم 16 ماي 2020 على الساعة 20:00

[4] المندوبة العامة لإدارة السجون، منشور بموقع https://www.dgapr.gov.ma/articles.php?id_menu=69، أطلع عليه يوم 16 ماي 2020 على الساعة 21:00

[5]  المستشار فرج علواني هليل، الحبس الاحتياطي وبدائله، دار المطبوعات الجامعية، سنة 2007،ص9.

[6]  عزيز مطيع، الاعتقال الاحتياطي،www.hespress.com، اطلع عليه يوم 14/05/2020 على الساعة 21:30

[7] نفس المرجع، اطلع عليه يوم 14/05/2020

[8] د. حسن صادق المرصفاوي – أصول الإجراءات الجنائية – منشأة المعارف في الإسكندرية سنه 2007 صفحة 99.

[9] حفيظ بوفوس، العقوبات البديلة بين التشريع المغربي والمقارن، أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة ابن زهر-، سنة 2019،الصفحة 159.

[10] المحاكـم بـدون جلسـات، مقال منشور بموقع www.assabah.ma، اطلع عليه يوم 13/05/2020

[11] عزيز مطيع، نفس المرجع، اطلع عليه يوم 17/05/2020 على الساعة 22:00

[12] شريف الغيام، مقال منشور بالموقع www.hespress.com.، أطلع عليه يوم 19 ماي 2020 على الساعة 15:00.

[13] شريف الغيام، نفس المرجع، أطلع عليه يوم 19 ماي 2020 على الساعة 17:00.

[14] المادة 9 من مشروع القانون الجنائي المغربي

[15] حفيظ بوفوس، مرجع سابق، الصفحة 289.

[16]-الفقرة الأولى من المادة 7-35.

[17] حفيظ بوفوس، مرجع سابق، الصفحة 245.

[18] حفيظ بوفوس، مرجع سابق، الصفحة 231.

[19]-الفقرة الثانية من المادة 13-35

[20]– المادة 15-35

[21] الآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close