fbpx
دراساتاوروبا وامريكا

دور المعلومات في الاستراتيجيات العسكرية: أميركا نموذجاً

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تعني الاستراتيجية العسكرية الاستخدام الفعلي للقوات المسلحة بمختلف صنوفها القتالية عند التلاحم مع قوات العدو الميدانية. فهي تهتم بعملية التحضير والإعداد والتخطيط لكيفية استخدام القوات المسلحة في حرب تخوضها الدولة ضد أعدائها.تنشغل الاستراتيجية العسكرية بالجهد العسكري المستخدم في الميدان، وتعبر عن فن استخدام الوسائط العسكرية بين مختلف أفرع القوات المسلحة من خلال تكامل البرامج التخطيطية لإدارة الحرب. تستند الاستراتيجية العسكرية على الاستخدام الصحيح للعوامل السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والنفسية، و بتظافرها تؤمن النجاح وتقرر مصير الحرب المعاصرة، وهي مرتبطة مع السياسة وجزء منها.

تقود الاستراتيجية السياسية الاستراتيجية العسكرية، فالسياسة والاستراتيجية العسكرية مرتبطتان بعضهما ببعض دون انفصام، وهنالك تعاون صحيح وكامل فيما بينهما، ويعد من الشروط الحاسمة في إحراز النصر.

المطلب الأول: مفهوم الاستراتيجية العسكرية

تُعدُّ عملية البحث والتفكير من الأمور الأساسية التي يحول بها عقل المرء ليكسبه الثقة بنفسه وبالوجود الذي يتعلق به استمرار جنسنا البشري، وهو في الحقيقة عمل فكري. ينصب العمل الفكري دائما على المسائل العليا، وقد تحدث بعض المتغيرات في مناهجنا العلمية وسياقات عملنا في مختلف الجوانب[1]. تعد الاستراتيجية العسكرية جزء من هذا التفكير. وأبحر كثير من الكتاب والمفكرين

الاستراتيجيين والعسكريين فيها، من أمثال ” بسمارك، كلاوزفيتز، وموليتكه، وأندريه بوفر، ليدل هارت…..”، وقد وضعوا لها مفاهيم وتعاريف مختلفة كل حسب اجتهاده. فأندريه بوفر عرف الاستراتيجية العسكرية بأنها: “فن استخدام القوة العسكرية للوصول إلى نتائج حددتها السياسة”[2]، فيما يرى ليدل هارت أنها: ” فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة”[3]، ولكن ريمون أرون يجد أنها تمثل :” قيادة وتوجيه مجمل العمليات العسكرية”[4]، في حين عرفها كلاوفيتز بقوله “فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب. فإن الاستراتيجية تضع مخطط الحرب، وتحدد التطور المتوقع لمختلف المعارك التي تتألف منها الحرب، كما تحدد الاشتباكات التي ستقع في كل معركة”[5]، أما موليتكه القائد الألماني الشهير فيقول في تعريفه لها: “أنها إجراء الملائمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد وصولا للهدف المطلوب”[6].

يتضح أن مجال الاستراتيجية العسكرية من خلال التعاريف السابقة، هو أضيق من مجال الاستراتيجية الشاملة للدولة، أو ما يطلق عليها بالاستراتيجية القومية ذات الصفه الشمولية، والتي تتصدى للقضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي، بتنوع الوسائل التي تستعين بها ما بين ” إقتصادية، أو سياسية، أو عسكرية، أو دبلوماسية، أو معلوماتية….”.

تنصرف الاستراتيجية العسكرية إلى الأهداف والوسائل العسكرية التي تعين الدولة على الانتصار في حربها ضد أعدائها. يكون الانتصار العسكري غايتها الأساسية تحقيقا لهدف السياسة[7].

وتهتم الاستراتيجية العسكرية القيام بما يأتي[8]:

أولاً: إعداد القوات المسلحة للحرب.

ثانياً: وضع خطة الحرب وإعداد مسارح العمليات.

ثالثا: دراسة أساليب خوض الصراع المسلح وأشكاله.

رابعا: تحديد القوى والوسائط الضروروية لخوض الحرب بنجاح.

خامساً: تنظيم التعاون بين القوات المسلحة وصنوفها وتخصيص الاحتياطات والإشراف على وضع القوات وانتشارها.

سادساً: تنسيق أعمال القوات المسلحة في بعض مسارح العلميات مع الأعمال الحربية للقوات المسلحه للدول الحليفة.

سابعاً: التأمين المادي والفني للقوات المسلحة المرتبط بإعداد الحملات العسكرية والحرب وخوضها في الكامل.

ثامناً: المعرفة الدقيقة للعدو من خلال تحديد القوى والوسائط والأساليب المعادية.

تركز الاستراتيجية العسكرية على استخدام العنف المنظم، أو التهديد باستخدامه لتحقيق أهداف سياسية. تكون مهمتها تحقيق الغرض السياسي من وراء الحرب، أي فرض الارادة السياسية بواسطة الاستخدام المباشر للقوى العسكرية،أو التهديد باستخدامها.

يجري العمل العسكري وتخطيطه السوقي تحت إشراف ومتابعة القيادة السياسية لضمان قدرة الخطط الاستراتيجية على تحقيق الأغراض التي هي أصلا أداة للوصول إليها.

تلعب القيادة السياسية دورا هاما في تخطيط وتنسيق الاستراتيجية العليا للدولة، إلا أنها لا تتدخل تدخلا مباشرا في رسم الاستراتيجية العسكرية، إنما يكون ذلك من مسؤولية قيادة القوات المسلحة وهيئة أركان الحرب[9].

ينبغي التمييز ما بين الاستراتيجية العسكرية والسياسة العسكرية. فالأولى تحدد الأهداف والوسائل العسكرية لبلوغ غرض السياسة من وراء الحرب، أما الثانية فتنحصر مهمتها في تفعيل سبل استخدام القوى بمختلف وسائطها، وتضع الخطط التي تجمع ما بين الأهداف والوسائل، وتعمل على التنسيق بينها لتحقيق غايات الاستراتيجية العسكرية[10].

تلعب الاسترتيجيه العسكرية دورا مهما في الجانب السياسي وخاصة في العلاقات الدولية. فبناء القوة العسكرية وفق استراتيجية حديثة تستقطب وتتفاعل مع مقومات ثورة المعلومات ضروري جدا لكل دولة، وذلك للحفاظ على أمنها القومي وحماية مقدراتها وتحقيق أهدافها.

يعد امتلاك القدرات والسلاح ذو التقنيات العالية، والذي يتماشى مع عصرنا الحالي مسألة مهمة وضرورية لكل دولة في عصرنا الحالي وتقاس به أهمية الدول. تمثل القوة العسكرية الحشد العلمي للعناصر البشرية والمقومات التقنية والاعتبارات الاقتصادية، وتخدم أهداف هذه المؤسسة التي من مظاهرها القوات المسلحة وتساعد القيادة السياسية لتحقيق الأهداف[11].

تعد عملية تحديد الأهداف بوضوح معقول لتعطي متخذ القرار القدرة على تقييم الأخطار المحتملة، التي قد تتعرض سبل تحقيقها. ويسهل على القيادة السياسية القيام بوضع سلسلة من الاستراتيجيات الفرعية المساعدة للاستراتيجية العسكرية، وتهدف بتظافرها إلى تحقيق الأهداف المحددة لها، ويجعل هذه القيادة قادرة على تحديد مستويات القوة العسكرية اللازمة، والموارد الاقتصادية المطلوبة لتنفيذ استراتيجية معينة[12].

وتأسيسا على ما تقدم، فإن الباحث يتقدم بتعريف آخر للاستراتيجية العسكرية بأنها: “علم تخطيط وتحديد الأهداف العسكرية والسياسية وتوظيف كافة الموارد البشرية والمادية والوسائل العسكرية والتقنية والنفسية والإعلامية بغية الوصول إليها وتحقيقها باستخدام التهديد أو القوة”.

المطلب الثاني: أثر المعلومات على مبادىء الاستراتيجية العسكرية

أدخلت ثورة المعلومات تحسينات وتطويرات على مختلف المجالات الإنسانية، وبضمنها الجانب العسكري، وشهد دخول أسلحة ومعدات متطورة تُعدُّ من صلب التكنولوجيا وعمودها الفقري، وتمثل الجزء الأساسي لمنظومة وأدوات القتال للقوات المسلحة.

تمثل التكنولوجيا أحد المقومات الأساسية لتخطيط وبناء الاستراتيجية العسكرية، وهذا ما لا يمنعها من تأمين أمور أخرى كالسكن والراحة والحركة والغذاء لتلك المؤسسة. ولم يتوقف فعلها في الجانب التقني، وإنما دخلت في عملية تطوير مبادىء الاستراتيجية العسكرية، يعتقد الباحث ضرورة تسليط الضوء على التطورات التي شملت هذه المبادىء، ويمكن تقسيمها إلى خمسة فروع: يتضمن الفرع الأول القدرات العسكرية والاقتصادية الحربية، ويدرس الثاني المعلومات والأمن، ويبحث الثالث الاتصالات، ويناقش الرابع الحرب النفسية، أما الفرع الأخير فيشمل الجغرافية العسكرية.

الفرع الأول: القدرات العسكرية والاقتصادية الحربية

تسعى كل دولة إلى زيادة قدراتها العسكرية والاقتصادية لضمان قدرتها في الدفاع عن نفسها. وتحاول الملائمة بين الأهداف الاستراتيجية الوطنية أو القومية وتلك القدرات للوصول إلى الهدف النهائي[13].

أصبحت ثورة المعلومات ذات أهمية كبرى للتأثير على القدرات العسكرية والاقتصادية الحربية بالنسبة إلى الدول الصانعة للسلاح والعتاد، أو بالنسبة لتلك المستثمرة له. إذ لا تستطيع الأولى السماح للخصم بأن يسبقها في هذا المضمار. كما لا يمكن للثانية الحصول على مردود جيد من الاعتدال ما لم تؤمن للسدنة مستوى معين من الكفائة التقنية، وعبر تدريب وتواصل علمي. تشمل القدرات العسكرية ما يأتي[14]:

أولاً: حجم وتكوين القوات: يجري التركيز على حجم وتكوين الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والتشكيلات شبه المسلحة والشرطة، ثم تأثير ذلك على (القدرات القتالية للدولة، وقدرة الدولة للسيطرة على العناصر المسلحة بداخلها).

ثانياً: تنظيم وتسليح القوات: وتركز على مصادر التسليح وقطع الغيار وأسلوب تكامل القطاع العسكري، والقطاع المدني، والمستوى العلمي والتكنولوجي، وتأثيره على[15]:

أ. مدى وجود اكتفاء ذاتي من الأسلحة والمعدات وقطع الغيار.

ب. مصادر التسليح وشروطه.

ج. قدرة الدولة على استمرار الحرب لفترة طويلة .

د. القدرة القتالية للقوات المسلحة، بضمنها مستوى الوعي السياسي والروح المعنوية والانضباط لدى القوات المسلحة، وكفاءة منظومة القيادة والسيطرة، وإمكانية امتلاك الدولة للسلاح النووي وطرق استخدامه.

ثالثا: المرونة: وتركز على خطة تمركز القوات، وإمكانية التحرك والنقل الاستراتيجي، بما في ذلك (قدرة القوات المسلحة على المناورة، أو العمل خارج الحدود، أو توافر قوات الأبرار والقوات المحمولة جوا).

رابعا: الخبرة القتالية: وتركز على المعارك السابقة والخبرة المكتسبة منها، وعلى التمارين التعبوية والاستراتيجية، وذلك للتعرف على مدى كفائتها وتطوير أسلوب أدائها.

خامسا: التعبئة: ويركز على حجم القوات الاحتياطية، والوقت اللازم لتهيئتها ومدى قدرة الدولة على التعبئة لفترات طويلة.

سادساً: الأحلاف العسكرية: ويركز على الأحلاف والاتفاقيات السياسية، وأثر ذلك على مدى وجود قيود على القوات المسلحة.

القدرة الاقتصادية الحربية

يجري التركيز على بناء القدرة الاقتصادية الحربية، والتي تشمل ما يأتي[16]:

أولاً: الإنتاج الحربي: يجري التركيز على حجم الإنتاج بكامله, وخاصة الصناعات الثقيلة المرتبطة بالإنتاج الحربي، ونوعياته، ومستوى التكنولوجي، ومدى توافر المواد الأولية والعقود الدولية، وتأثيرها على مدى وجود اكتفاء ذاتي من الإنتاج الحربي، وأسلوب استخدام الدولة لانتاجها الحربي في علاقاتها الدولية.

ثانياً: طبيعة النظام السياسي والاقتصادي، والعلاقة الطبقية والقومية في المجتمع والعمل التنظيمي والعقائدي وسط الجماهير الشعبية.

ثالثا: حجم الثروات الطبيعية اللازمة ودرجة استقلالها. لصنع الأسلحة والأعتدة والذخائر والوسائط الأخرى الخاصة بالصراع المسلح.

رابعا: طبيعة منظومة المواصلات والاتصال ووسائطها، وحالتها.

خامساً: مراكز توزيع المؤسسات الصناعية والحربية وفعالية حمايتها من تأثيرات العدو.

تتوقف القدرة القتالية للقوات أيضا على المواهب التنظيمية، والتدريب السياسي، والتقني العسكري والعملياتي التكتيكي للرؤساء والقيادة.

تتفاعل جميع هذه العناصر، والعناصر الأخرى الخاصة بالقدرة القتالية للقوات وتتكامل فيما بينها، ولكنها تتمتع في الوقت نفسه باستقلالية نسبية. أن القدرة القتالية للقوات ليست مفهوما عسكريا تقنيا فقط، وإنما لها جوهر اجتماعي عميق أيضا، لأنها تعبر في شكلها المركز على الخصائص المميزة الاقتصادية والسياسية والعلمية والعقائدية للدولة[17].

ينتج من استخدام تكنولوجيا المعلومات تحسينات في اقتناء البيانات ومعالجتها وتخزينها وفي تقنيات التحويل والإرسال، بالإضافة إلى التقدم المتسارع في مجالات (التقنيات المتناهية الصغر، وتقنيات المواد الجديدة، نظم تقنية متقدمة مهمة في حرب المستقبل….) سوف تزيد هذه النظم التقنية المتقدمة بصورة ملحوظة الفاعلية الميدانيه لـ” نظم الاستكشاف، نظم السيطرة، نظم الرمي”[18].

برهنت حرب الخليج الثانية، عام 1991، ضد العراق استخدام نمطين مختلفين من أسلحة العصر: الأول من الموجه الثانية ذات السلاح التقليدي، والثاني من الموجه الثالثة المتضمنة التحسينات في أجهزة التحسس والمنصات الاستخبارية، وطائرات الاختراق، ونظم الأسلحة التي تطلق من بعد، بالإضافة إلى ذخائر الإصابات بالغه الدقة، والتي برهنت على نحو متزايد في قدرات القوات على تحديد وضرب الأهداف عالية القيمة التي تقع في عمق الأراضي العراقية.

لقد كان من المفترض أن تكون تلك الحرب نموذجاً لحرب العصر الصناعي، ولكنها بدت شكلاً جديداً كلياً للحرب، ويطلق عليها الحرب المزدوجة، والتي بدأت مع هجمات الحلفاء الأولى، وتضمنت ما يأتي[19]:

أ. الحملة الجوية الأولى: استخدمت فيها طائرات من طراز الموجه الثانية، والهدف استنزاف وأحداث تدمير شامل. لم يعرض منه شيء مهم على شاشات المرئيات في العالم.

ب. الحملة الجوية الثانية: أطلقت بأسلحة الموجة الثالثة ذات الدقة العالية، والمصممة لتدمير دقيق مع حد أدنى من الأضرار الجانبية بفضل تكنولوجيا المعلومات، وهذه هي الحرب التي عرضت في شتى أنحاء العالم.

أنتج تطور تكنولوجيا المعلومات تقنيات على مستوى عال تستهدف عتاد العدو وبرامجه المعلوماتية، وتدخل في نظرية الحرب الصامتة التي لم ترى النور في الجيوش لحد الآن، ولكنها تعود كمنتوجات لمجتمعات الموجه الثالثة، والتي يتمثل قلبها الاقتصادي “بالمعلومات، ألكترونيك، الحواسيب، الاتصال والنشر عبر وسائل الإعلام، ووجود وسائل الإعلام في كل مكان وأهميتها المتزايدة “[20].

أصبحت تكنولوجيا المعلومات “تؤدي دورا متميزا في تعبئة موارد المعلومات في المؤسسة العسكرية وإدارتها بفاعلية وكفاءة لتحقيق الأهداف التي نشأت من أجلها، وهي توفير حاجة المستخدمين للمعلومات بسرعة متناهية، وقد كانت التطورات الحديثة في تكنولوجيا المعلومات أثر بارز في زيادة إنتاجية القوى العاملة المهنية والإدارية”[21]. يعتبرالاستخدام الإيجابي للاختراعات التكنولوجية في عصر ثورة المعلومات، وما ينتج عنه من إيجابيات تتعلق بالجانب العسكري سيحقق الأمن القومي للمجتمع بأبعاده المختلفة. “تصبح تكنولوجيا المعلومات قادرة على اختراق العقول والحدود والفضاءات، وخاصة في المجتمعات الإنسانية المعاصرة، والتي تمتلكها مما يعطي لها القدرة على اختراق المجتمعات المتخلفة في هذا المجال، وتهدد أمنها وتحدد من تنمية مجتمعاتها وتعطل تقدمها”[22].

الرؤية المستقبلية لتقنية المعلومات

يعتقد أكثر الباحثين الأمريكيين أن الرؤية المستقبلية المشتركة لتقنية المعلومات هي أداة لتحقيق السيطرة الكاملة النطاق على العمليات العسكرية والوعي المهني على فضاء المعارك، ولا يختلف على أهمية تقنية المعلومات الجديدة للقوات المسلحة والحرب إلا القليل من الناس. بيد أن الذين يتفقون على أهميتها ينتمون إلى مدارس فكرية مختلفة، وقد تم تصنيفها إلى ما يأتي[23]:

أولا: طرف محافظ يعتبر تطبيق تقنيات المعلومات مقصورا على التحسينات الطفيفة في العمليات العسكرية القائمة في المجالات المختلفة ” تحويل ميدان المعركة إلى رقمية”.

ثانياً: طرف آخر يرى أن مجال تقنية المعلومات سيصبح ميدان معارك المستقبل، حيث لا تدور المعركة على الأرض باستخدام القوى المادية، وإنما في عقول المتحاربين وبما لديهم من معلومات، أي ضرورة بناء سلاح معلوماتي مستقل للمحارب المعلوماتي.

ثالثاً: طرف يرى أن توازن في كيفية قبول تقنيات المعلومات دون تعريض المؤسسات العسكرية للانهيار.

أسهمت الثورة التقنية العسكرية التي ظهرت علانية في حرب الخليج الثانية في تطوير النظريات العسكرية، وزيادة القدرات القتالية للقوات، وستكون ذات جدوى إقتصادية في المؤسسة العسكرية. وستصبح ساحة عملها المستقبلية الفضاء وأكثر ارتهانا به، ويعتقد أن شكل الحرب المستقبلية ستحدد حصرا “بالأقمار الاصطناعية، الآلات المبرمجة، الأسلحة غير المميتة”، وستعتمد على المعلوماتية والأتمتة، وهذا الشكل مدعو للتوسع خلال العقود المقبلة، ليدمج الإمكانات الجديدة التي تقدمها مظاهر تطور التقنية.

الفرع الثاني: المعلومات والامن

تعد المعلومات والأمن الواسطة لتحقيق السلامة للوطن وللقوات المسلحة ومؤسساتها، وهي كمبدأ استراتيجي، أو تعبوي في مقدمة المبادئ والعوامل لبناء الاستراتيجية العسكرية من حيث الأهمية.

تعد المعلومات والأمن البداية لكل شي يتعلق بالصراع العسكري (القتال)، سواء في حقل التفكير، أو حقل الإنجاز. “وتتطلب معرفة الخطر وتقديره، وتحديد نوعيته ومصادره واتجاهاته، وتحضير الوسائل والإمكانيات من أجل تجنبه أو مقابلته”[24]. فلا مباغتة من قبل العدو عندما تكون المعلومات جيدة ومستمرة دون انقطاع سواء في أوقات السلم، أو الحرب.

يقوم دور المعلومات “باستخدام قاعدة حساب النسبة في القوة المتقابلة على أساس المعطيات الآنية القائمة، وتصور ما قد تكون عليه هذه المعطيات في المستقبل المباشر، وإن طاقة قوات العدو المحتمل والناتج المحتمل الحصول عليه تظل دوما موضوعا لتقويم مستمر”[25].

تبنى الخطة الاستراتيجية على تقدير صحيح للموقف، “والذي يتضمن (حساب القوات، ومعداتها، وإمكانياتها) لكلا الطرفين، وعلى التوقع والإدراك خلال جريان الحوادث بالتحليل والاستنتاج والاحتمالات القائمة في وجه قواتنا، والتفاعلات المحتمل وقوعها من قبل قوات العدو”[26].

تستطيع المعلومات أن تؤمن نجاح الاستراتيجية العسكرية باستخدام مبادئ الحرب عن طريق تأمين عنصر المفاجئة، والذي يعتبر مبدأ استراتيجي أو تعبوي. تذهل المفاجئة الخصم وتشل إرادته إلى حين، وبالإمكان تحقيقها من خلال[27]:

أولاً: الحفاظ على السرية التامة للخطط والعمليات العسكرية، وإخفاء حشد القوات والتموية للأفراد والمعدات.

ثانياً: خداع الخصم بالمعلومات التي قد تحمله على الخطأ، وبالإمكان تحقيقها في الوقت الحاضر باستخدام مدخلات ثورة المعلومات.

ثالثا: تحديد نقطة الضعف في العدو بالإستفادة من التقنية الحديثة، وتوجيه مركز الثقل نحوها.

رابعا: استخدام ما لم يكن يتوقعه العدو من أسلحة متطورة، أو أسلوب تعبوي جديد.

لا يمكن تحقيق المفاجئة ما لم تتوفر لدى القائد الشجاعة للوصول إلى القرار السريع باستخدام الكتمان والمحافظة على سرية الأوامر والقرارات والنوايا والتحركات. “يتم تحقيق هذه الفعاليات من خلال جهاز أمني قوي وفعال لمقاومة التجسس العسكري، ومتفنن في أعمال التمويه والتضليل والتغطية”[28].

تزايد الاهتمام “بمسألة الأمن لسعة الحدود المكانية لبعض الدول ذات النفوذ الكبير، وسيادة الفضاء المفتوح مع غياب المركزية، وعدم وجود مرجعية تمسك بزمام السلطة داخل الفضاء المعلوماتي، مما جعل المجتمع أكثر عرضة للتهديدات المعلوماتية”[29].

يعد جهل المعلومات عن العدو أشد ما يزعج القيادة أثناء المعارك، الأمر الذي جعل القوات المسلحة تفكر في إنشاء هيئات ومنظمات استخبارية خاصة ضمن تنظيماتها مسؤولة عن جمع وتمحيص المعلومات.

ينبغي أن تكون الحقائق والمعلومات التي تقدمها تلك الهيئات أو المنظمات موضوعية ودقيقة قدر الإمكان, لأنها من الأمور التي تساعد القائد على التوصل إلى قرارته السليمة. “ونظرا لما للمعلومات عن العدو من أهمية بالغة في الحرب احتلت الصدارة في أوامر العمليات”[30].

يعد حجم التشكيلات المتزايدة في ميدان المعركة الحديثة وقابلية الحركة الواسعة للقطعات دون تأمين اتصالات، “سيؤدي إلى فوضى في ميدان المعركة، للقطعات الصديقة والمعادية، ويسبب إحراجا كبيرا للقادة الذين يبحثون عن المعلومات من جراء سير الأحداث بخطى واسعة وسريعة”[31].

حققت ثورة المعلومات الكثير من التطويرات على الوسائل التي تستخدمها المنظومات الاستخبارية في ميدان جمع المعلومات، وأدخلت بعض التحسينات على منظومات السيطرة والإنذار المبكر المحمولة جوا، واستفادت من الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وأجهزة التنصت الإلكترونية، وأضافت بعدا جديدا واسعا على دور التقنية الحديثة في عالم جمع المعلومات، “وأصبحت قادرة على رصد واستطلاع الأرض والمحيطات في جميع الأوقات، وتحت مختلف الظروف الجوية، وتصوير تحركات القوات البرية والبحرية، وتحديد مواقع الصواريخ وتجارب إطلاقها، وتحديد مسارات وكشف التفجيرات النووية، ومراقبة تطور التحصينات وأعمال شق الطرق، ومتابعة حركة الطيران المدني الكثيفة، وتأمين نقاط الاتصالات اللاسلكية بين القيادات والمراكز الرئيسية”[32].

انعكست آثار تقنية المعلومات على ميدان جمع المعلومات وعلى ميدان خزنها وتدقيقها وتحليلها والإستفادة منها، ولعبت العقول الألكترونية دورا متميزا في هذا الجانب، وساعدت أجهزة جمع المعلومات على أرشفة المعلومات وتبويبها وسهولة الرجوع إليها عند الحاجة. وبفضل ثورة المعلومات والاتصال لا توجد مشكلة في الحصول على المعلومات، إنما المشكلة تكمن في تحليل الكم الهائل من المعطيات التي تصل أحيانا إلى أدق التفاصيل. ويمكن إجمال معطيات ثورة المعلومات في هذا الجانب بالآتي[33]:

أ. تزايد قدرة الحواسيب الالكترونية بصورة هائلة جدا، واستخدام تقانات وأساليب حديثة متطورة في برامجيات الحاسوب ومنظوماته.

ب. تطور منظومات الاتصالات وتكاملها وتطور شبكات الاتصالات لاستلام المعلومات المتنوعة.

ج. ساعدت بعض تطورات تقانات الاستشعار عن بعد على معرفة وجود القطعات العسكرية للطرف المقابل، وتحديد حجم هذه القطعات ومديات انتشارها وكثافتها، مما ساعد على تحديد القوة المطلوب إعدادها للهجوم وتوزيعها على الجبهات المختلفة، وأعطى بعد استراتيجي عند التخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية.

أفرزت الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأميريكية والحلفاء على العراق في عاصفة الصحراء عام 1991 دروس مستنبطة في نظرية المعلومات. “واعتبرت المعلومات نقطة قوة في الاستراتيجية العسكرية، وليست مجرد مسألة استخبارات عن ميدان المعركة، وإنما هي مؤثر عظيم قادر على تغيير القرارات التي يتخذها الخصم في أعلى المستويات، وحرمانه من مصادر معلوماته”[34].

يبدأ الاهتمام بالحرب والحرب المضادة في هذا القرن من إعاده صياغة استراتيجية المعرفة العسكرية والمخابراتية، واعتبارها إحدى المبادىء الرئيسية في بناء الاستراتيجية العسكرية، وهذا يعني أن المؤسسات الاستخبارية الاختصاصية معنية بالسراء والضراء في مجال المعلومات.

الفرع الثالث: الاتصالات

تعد الاتصالات من المبادئ المهمة التي تؤثر تأثير مباشرا على جميع مبادئ الحرب. يجب أن تكون وسائل الاتصال التي تربط بين القيادة وبين القوات من الكفاءة لتمكنها من إرسال الأوامر والمعلومات، واستقبال العديد من الرسائل. تقتضي الضرورة أن تكون وسائل الاتصال مؤمنة حتى لا يتمكن العدو من معرفة ما يصدر من أوامر وما يبلغ من معلومات. تُعدُّ السرعة والدقة هما روح الاتصال.

فاقت أهمية مبدأ الاتصالات غيرها من عناصر الحرب الفنية والإدارية، “وأصبحت حاليا مبدأ استراتيجيا في بناء الاستراتيجية العسكرية. وإن مبادئ التعاون والتنسيق والاتصالات هي وليدة هذا المبدأ، وتعد من مبادئ الاستراتيجية التي يجب أن يتبعها القادة وفي مختلف المنظمات”[35].

تبنى الاستراتيجية السليمة “على وقاية خطوط المواصلات، ومهاجمة خطوط مواصلات العدو التي يتم عبرها الامدادات، أو تنسحب أو تدعم عليها القوات، وتبلغ بواسطتها الأوامر والمعلومات. وإذا تمكن العدو من قطع خطوط المواصلات في الدولة المحاربة استطاع أن يلحق الهزيمة بها”[36].

استطاعت القوات الأمريكية والبريطانية والدول المتعاونة معها عند شروعها بمهاجمة العراق واحتلاله في نيسان 2003 أن تقطع طرق المواصلات وتمنع من تعاون القوات البرية العراقية فيما بينها، وتدمر منظومة القيادة والسيطرة. لقد استخدمت القوات المهاجمة أفضل ما لديها من أسلحة ذكية موجهة، واستهدفت عقد المواصلات وعلى أثرها فقدت الاتصالات ما بين القيادة العامة وقيادات الفيالق والفرق من جهة، وما بين الأخيرة ووحداتها الفرعية من جهة أخرى. لقد فقدت القوات المسلحة العراقية أحد المبادئ الرئيسية لإدامة الحرب، وهو مبدأ الاتصال والتعاون والتنسيق، وبالتالي فقدت زمام الأمور واستطاعت قوات الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها من احتلال العراق.

يمكن تحقيق هزيمة الجيوش بتهديد مواصلاتها، وستظل المواصلات عنصرا حيويا ومهما في معظم الحروب، وعاملا حاسما في كثير منها.

تسيطر القوات البحرية على أعظم خطوط المواصلات اتساعا ومرونة، وأقلها تعرضا للقطع والتهديد، ومانشاطات النقل والاتصال في الحرب العالمية الثانية إلا شاهدا على ذلك.

تلعب القوات الجوية دورا مهما في المعركة من خلال الهجوم على منظومة القيادة والسيطرة المعادية والقواعد لتمكن القوات البرية من التقدم دون مقاومة تذكر، “وكانت الحرب التي شنت على العراق في عام 1991 مسرح التطبيق الأول الواسع لعقيدة المعركة الجوية، وأعطت النصر العسكري للحلفاء”[37]. ولقد أشار الجنرال جيمس كاسيتي أثناء تلك الحرب “بأن وضعت للجيوش في تلك الحملة أهمية للاتصالات في الخليج خلال تسعين يوم أكثر مما وضعناها خلال أربعين سنة في أوروبا”[38].

يعد اتساع الفضاء عمل أساسي في شكل حرب المستقبل، وأصبح يشكل بعدا رابعا. لقد كتب الجنرال الن كامبن المدير السابق لسياسة القيادة والرقابة في البنتاغون ما يأتي: ” شهدت المرة الأولى قوات في معركة الخليج الثانيه منتشرة على نحو واسع مساندة وموجهة ومراقبة بواسطة أقمار اصطناعية للاتصالات”[39].

لعب الفضاء دورا حاسما بالنسبة إلى مجمل فعاليات الطيف العسكري من التحركات الأرضية الكاسحة إلى النشر الخفي لمجموعات صغيرة من قوات العمليات الخاصة والمظليين المنقولين بالطائرات العمودية. وستكون الأنظمة الفضائية دائما في واجهة المسرح الاستراتيجي العسكري، مما يزيد من التركيز على الفضاء والذي سيغير كل توازن القوى المسلحه في العالم.

يمثل المظهر البارز “لثورة المعلومات الاندماج والموائمة ما بين ثورة الاتصالات والمعلومات، وبزوغ ثورة الاتصال الخامسة التي جسدت فعالياتها في استخدام الأقمار الصناعية ونقل الأنباء والبيانات عبر الدول والقارات بطريقة فورية ومباشرة”[40].

جرت تطورات وابتكارات في صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية خلال العقد الأخير للقرن العشرين. وحدثت هذه التطورات نتيجة لطلب المنظمات من جانب والتقدم التكنولوجي من جانب آخر، وقد تحدد الطلب بما يأتي[41]:

أولاً: الرغبة في الحصول على أكبر قدر من المعلومات بشكل فوري نتيجة عوامل منافسة في السوق.

ثانياً: الحاجة إلى توفير قنوات للاتصال الفوري مع الوحدات التابعة لمركز العمل في أماكن جغرافية بعيدة.

ثالثا: الرغبة في التعرف على نظم البيئة ومراقبة تغيراتها، والتحكم في الجوانب العسكرية والأمنية.

رابعا: الانتشار الواسع للخدمات الفضائية وتعدد أشكالها.

خامساً: الرغبة في نقل الرسائل بسرعة تواكب حركة المجتمع باستخدام وسائل جديدة للبريد الألكتروني وتخزين الصور والفاكس السريع.

الخدمات التي حققتها التقنية

أتاحت تكنولوجيا الاتصالات بتزاوجها مع تكنولوجيا المعلومات الجديدة الخدمات التالية لتلبية حاجة المستهلكين[42]:

أولاً: ظهور الحاسب الشخصي والتوسع في استخداماته، ويتيح هذا الحاسب إمكانية ضخمة من الخدمات والمعلومات غير المحدودة سواء للاستخدام الشخصي أو إمكانية الاستفادة من المعلومات التي تقدمها بنوك المعلومات من خلال الربط بخط تلفوني مع هذه البنوك.

ثانياً: أدى امتزاج وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية مع تكنولوجيا الحاسب الألكتروني إلى خلق عصر جديد للنشر الألكتروني.

ثالثا: ظهور التكنولوجيا الجديدة في مجال الخدمة التلفزيونية، مثل خدمات التلفزيون التفاعلي عن طريق الكابل، والذي يتيح الاتصال ذو الاتجاهين، ويقدم خدمات عديدة مثل الخدمات العسكرية والأمنية والرعاية الطبية.

رابعا: تطور إشارات نقل الألياف الضوئية بسرعة كبيرة، وقلة كلفة تصنيعها في المستقبل عند مقارنتها بخطوط النحاس التقليدية، وإمكانية حمل الخيط الضوئي الواحد حوالي (672) محادثة تليفونية، كما يضم الكابل الواحد (12) خيط من هذه الخيوط الضوئية، وستقلل من نسبة الخطأ الضئيل في أجهزة الحاسبات الألكترونية، وزيادة معدل سرعتها بواقع عشرة أضعاف الوضع الحالي. ومن المتوقع أن تزيد الألياف الضوئية من قدرتنا على نقل المعلومات وبسرعة أكبر من خلال التطور السريع الذي يغطي هذا المجال.

تتميز تكنولوجيا الاتصالات بخصائص محددة تميزها عن غيرها من التكنولوجيات، ولها آثار بعيدة المدى على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وعلى درجة عالية من الأسس العلمية والتخصصية، وهي سريعة التطور.”تحتاج إلى قدر وفير من رأس المال، وتحدث تغيرات جذرية في أنماط الإنتاج والعمليات في مختلف القطاعات، ولها تأثير مباشر على المستقبل الاقتصادي والعسكري للدولة، وعلى درجة عالية من السرية في المعلومات وأسرار صناعتها، وترتكز في مجموعها على قاعدة علمية وتكنولوجية فاعلة”[43].

تعد تكنولوجيا الفضاء جزء من تكنولوجيا الاتصالات الجديدة، والمستحدثة ذات التقنيات العالية، حيث تقوم الأقمار الصناعية بالدوران في مسارات محددة بالفضاء الخارجي على ارتفاعات شاهقة، منها ما هو حول الكرة الارضية، ومنها ما هو حول الكواكب الأخرى، “وتقوم بمهمات خاصة في مجالات عديدة، ومنها الجانب العسكري التخصصي في البحث والاستكشاف والاتصالات والأعمال الاستخبارية واكتشاف الأهداف وأعمال الملاحة والإنذار المبكر”[44].

حشدت الولايات المتحدة حوالي ستين قمرا اصطناعيا خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، وكانت الآلة الفضائية العسكرية الأميريكية تضم ما يأتي[45]:

أ. اقمارا اصطناعية العلامة “KH-11″، تسمح أن تلتقط من الفضاء صور دقيقة جداً.

ب. أقمارا اصطناعية من نوع ماغنوم السرية جدا للتنصت على المخابرات الهاتفية العراقية.

ج. أقمارا اصطناعية من نوع لاكروس، مهمتها جمع صور الرادار من الأراضي العراقية.

د. المركبة الفضائية بروجكت وايت كلاوت لكشف السفن العراقية.

هـ. القمر الاصطناعي جمبست السري جدا لكشف الإرسالات الألكترونية الأجنبية.

و. العديد من عصافير الاتصالات والرصد الجوي والملاحة الأخرى.

تُعدُّ الاتصالات هي عصب الحياة لكافة التفاصيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهي من العلوم الرئيسية والمتطورة، وعملية إدارتها تحتاج إلى تعليم. فالمعرفة هي البديل الأخير عن سواها من الكفاءات، وستلعب الدعاية ووسائل الإعلام عبر منظومة الاتصالات بكافة تفاصيلها وتقنياتها دورا حاسما في بناء الاستراتيجية العسكرية و حرب المعرفة في القرن الحادي والعشرين. ولم يتفق الباحثون على تسمية واحدة للانقلاب الثوري في الاتصالات والمواصلات الذي اجتاح عالمنا اليوم، ” فالفن توفلر يسميها الموجة الثالثة، ويعني بها مجتمع الأعلمة في العلاقات الإنسانية حضارة الإصغاء للآخرين. أما والتر بريستو فيرى أنها مجموعة تغيير تحدثها تقنية المعلومات، وأهم تغييرين اثنين منها: تقنية الاتصالات الجديدة لبث المعلومات، وأجهزة الكمبيوتر لمعالجتها”[46].

تسد تكنولوجيا الاتصالات الجديدة نقصا في التكنولوجية القديمة من خلال مكوناتها الحديثة، والتي تشمل “الأقمار الاصطناعية، والانترنيت، وشبكة النقال” وتفجر آفاقا جديدة للتوافق ما بين التكنولوجيا القديمة والحديثة لصالح خدمه البشرية ومن ضمنها القوات المسلحه بكافة صنوفها وقياداتها، ويعتمد على التوافق ما بين التكنولوجيا والعقل البشري المستند على المعرفة والعلم، فدورها وقيمتها يحددها المجتمع الذي يتعامل معها، وتؤثر فيهما البيئة.

الفرع الرابع: الحرب النفسية

برزت الحرب النفسية كعنصر هام جدا في العصر الحديث، وفي عصر ثورة المعلومات. يساهم فيها أخصائيون جديون يتصرفون بإمكانيات ضخمة. تشترك فيها القوات المسلحة بعمليات معينة بهدف تحطيم معنويات العدو. يحتاج تنفيذ مثل هذه العمليات إجراء دراسة دقيقة مبنية على المعرفة الصحيحة لعقلية السكان، ومدى قدرتهم على تحمل الضربات، ومدى تمسكهم بعقيدتهم، وإلا أدت إلى رد فعل معاكس تماما للغاية المتوخاة، وبما أن معرفة الحالة المعنوية لشعب ما، ودراسة وضعه النفسي من صلب عمل الجغرافية السياسية. لذا يجب أن يكون تداخلا مابين عمل المؤسسات السياسية والاستراتيجية قبل تنفيذ الحرب النفسية وفي أثنائها[47].

وجدت الحرب النفسية كمضمون وممارسة منذ بدايات الصراع الإنساني، أما مصطلح الحرب النفسية فكان أول استخدام له عام 1941، ولكن حتى وقتنا الحاضر فإن الحرب النفسية هي الواضحة في أذهان الكثيرين، وظهرت عدة تسميات لها منها (حرب الأفكار، وحرب الأعصاب، وحرب المعنويات، وحرب الإشاعات، وحرب الدهاء، وحرب الكلمة والمعتقد، وحرب الدعاية والدعاية الدولية، الحرب الإيديولوجية أو العقائدية، الحرب الباردة، الإعلام الدولي)[48].

ولتسليط الضوء على موضوع الحرب النفسية فقد تم تقسيمها الى ما يأتي:

أولاً: مفهوم الحرب النفسية

ترددت تعاريف كثيرة في الحرب النفسية، وكان أفضل من كتب عنها هو بول لبنبارجر في كتابه المعروف (الحرب النفسية)، طبعة عام 1954، وقد عرفها (بأنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية[49].

اكتسبت الحرب النفسية معنى جديد تضمن (النضال من أجل عقل الرجال وإرادتهم)، وعندما ألقى الرئيس الأمريكي ايزنهاور خطابه الشهير في حملته الانتخابية في (8 تشرين الأول 1952) في سان فرانسيسكو، وقال فيه: (يجب أن نكيف سياستنا الخارجية حتى توائم استراتيجية الحرب الباردة الموحدة المتماسكة، وفي روحنا وفي عزيمتنا يجب أن نرى في هذه الحرب الباردة فرصة كي نحصل على نصر دون خسارة في الأرواح. وكي نفوز في نضال من أجل إنقاذ السلام)[50]. فيما يرى د.بدر أن الحرب النفسية (هي حرب هجومية يخوضها جيش بأسلحة فكرية وعاطفية من أجل تحطيم قوة المقاومة المعنوية في جيش العدو، وبين سكانه المدنيين، وتخاض هذه الحرب للتقليل من نفوذ العدو في أعين الدول المحايدة)[51].

لكن الدباغ يصفها على ( أنها شن هجوم مبرمج على نفسية وعقل الفرد والجماعة لغرض إحداث التفكك والوهن والارتباك فيهما، وجعلهما فريسة للمخطط وأهداف الجهة صاحبة العلاقة، مما يمهد السيطرة عليها وتوجيها إلى الوجه المقصودة ضد مصلحتها الحقيقة، أو ضد تطلعاتها وآمالها في التنمية، أو الاستقلال، أو الحياد، أو الرفض[52]. بينما عرفتها الموسوعة العسكرية بأنها (هي مجموعة الأعمال التي تستهدف التأثير على أفراد العدو، بما في ذلك القادة السياسيين والأفراد المقاتلين بهدف خدمة أغراض مستخدمي هذا النوع من الحرب)[53].

وتأسيسا على ما تقدم يضيف الباحث تعريفا آخر للحرب النفسية، والذي يتلائم مع ثورة المعلومات باعتبارها نوع من السلاح المعلوماتي الواقعي ذات التأثير النفسي الاستراتيجي والعام في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والاعلامية.

ثانياً: الأعمال الأساسية للعمليات المعلوماتية والنفسية

ليست الحرب النفسية حربا بالمعنى التقليدي، فهي مجرد وسيلة مساعدة لتحقيق الاستراتيجية العسكرية والعليا للدولة، كما تستخدم فيها كل إمكانيات الدولة، ومقدراتها من سياسية، وإقتصادية، وعسكرية، وغير ذلك من القوى التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحديد كيان المجتمع وشكله[54].

تقتفي الأنظمة المدنية والعسكرية المتقدمة المالكة لمقومات ثورة المعلومات إعطاء أولوية متزايدة للبعد النفسي من الحرب في إعداد العمليات العسكرية في المستقبل والتخطيط لها والقيام بها. تتمكن القدرات العسكرية المتطورة والناشئة عن هذه الأنظمة من إحداث آثار نفسية ومادية غير هينة، ولن تقتصر الأنظمة التقنية على المساعدة في تشكيل بيئة الصراع المستقبلي فحسب، بل إنها ستؤدي إلى تعاظم أهمية المعركة النفسية في حسم نتيجة الصراع. يعتبر العامل النفسي هو أحد أهم العوامل الأساسية في الاستراتيجية العليا وبضمنها الاستراتيجية العسكرية.

يقود الطرف القوي في ميدان الحرب الاستراتيجية معركة نفسية للتأثير في تصورات القادة والقوات العسكرية والسكان المدنيين للخصم، ودفعهم إلى القيام بأعمال لصالحه وتشمل ما يأتي[55]:

  1. الأعمال التي تحقق أهداف العمليات المعلوماتية النفسية في زمن السلم، وتقسم إلى ما يأتي :

أ. زعزعه الاستقرار السياسي وإضعاف المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد المعادي.

ب. إضعاف الروح المعنوية للسكان وعناصر القوات المسلحة.

ج. الافتراء المعلوماتي- الإعلامي (الكذب والتلفيق) على أعمال وسلوك وتصرفات القيادة في الدولة، وفي القوات المسلحة بغية تشويه سمعتهم وتأثيرهم في المجتمع.

د. تشجيع الانشقاق بين صفوف الدول الحليفة وزرع بذور عدم الثقة والحسد والكراهية.

  1. الأعمال التي تحقق أهداف العمليات المعلوماتية – النفسية في زمن الحرب، وتقسم إلى ما يأتي:

أ. تشجيع الاستياء والغضب بين صفوف العسكريين من أعمال قيادة الدولة والقوات المسلحة والقرارات المتخذة.

ب. تضليل العدو وخداعه بالنسبة لنوايا وحالة ومكان وجود تجميعات القوات والأغراض المدنية العسكرية والمدنية الهامة.

ج. النيل من الروح المعنوية – القتالية للعسكريين وصمودهم المعنوي، وتخفيض مستوى روح الوطنية لدى سكان البلد، وتحفيز القوات العسكرية على الاستسلام وترك ساحة القتال والهروب إلى الجانب الآخر.

د. إضعاف الدعم المحلي والدولي للمجهود الحربي للعدو.

هـ. إقناع حكومة العدو بالكف عن الأعمال العدائية بالشروط التي يقبلها الجانب الصديق. وتحريض السكان في البلد المعادي وحثهم على التمرد ضد السلطة، ودفعهم للتعاون مع قوات الاحتلال.

و. دعم قوة المعارضة العاملة على أراضي العدو.

ز. تأمين مستوى عال للحالة المعنوية – النفسية للقوات الصديقة.

  1. أعمال العمليات المعلوماتية – النفسية عند توقف الأعمال القتالية, وتتضمن ما يأتي :

أ. المساعدة المعلوماتية في تشكيل أجهزة سلطة محلية ومركزية في الحكومة والشرطة والقوات المسلحة.

ب. استئناف عمل وسائل الإعلام المحلية وتأمين ولائها بالنسبة لأعمال القوات الصديقة.

ج. الصراع ضد الشائعات والدعاية المضادة.

د. خلق الظروف المساعدة كي يقوم السكان المحليون بتسليم العسكريين وعناصر المقاومة الوطنية، والإبلاغ عن مخابىء الأسلحة والذخيرة، ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني.

اهتم القادة والزعماء في العصر الحديث بأهمية الحرب النفسية وأثرها في إدارة الصراع، وقال عنها القائد الألماني رومل: أن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم، وبنفس الاتجاه يقول مونتغبري: ما من قائد عصري يستطيع النجاح في قيادته إذا أخفق في فهم العوامل البشرية في الحرب، فينبغي أن يكون دارسا للطبيعة البشرية مدركا حق الإدراك الحقيقه القائلة أن المعارك تكسب في قلوب الرجال أولا، ويقول تشرتشل: كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ[56].

تميزت الأدوات التي أحدثتها ثورة المعلومات بأنها أكثر تقنية فيما يتعلق بإحداث الآثار النفسية، فشملت “العمليات القتالية، وعمليات استعراض القوة، المناورات العسكرية والاستعراضات، والعمليات النفسية، ووسائل الإعلام المختلفة”[57]

تتحقق الآثار النفسية التي تحدثها دولة تمتلك مقومات ثورة المعلومات على المستوى الاستراتيجي بالوسائل التالية” هجمات جوية كثيفة ومؤثرة عل أهداف استراتيجية في عمق أراضي العدو، وهجمات جوية استراتيجية لإضعاف الروح المعنوية للشعب وإخافته، وإحداث المزيد من الدمار للأهداف العسكرية والأهداف الاستراتيجية المدنية المرتبطة بالقوات المسلحة. وأما على المستوى العملياتي والتعبوي “التكتيكي” تعتمد على مناشدة العدو للاستسلام عبر الإذاعات ومكبرات الصوت والمنشورات، وإضعاف معنويات الجنود واقناعهم بالفرار من أرض المعركة[58].

أنتجت ثورة المعلومات الكثير من التحسينات والتقنيات في اقتناء البيانات ومعالجتها وفي تقنيات التحويل والإرسال، وحققت التقدم المتسارع في مجالات التقنيات متناهية الصغر والنظم التقنية المتقدمة، وستكون لها دلالات مهمة بالنسبة إلى الحرب في المستقبل، وستولد اثار نفسيه كبيرة على العدو، وسوف تزيد هذه النظم التقنية المتقدمة في بناء الاستراتيجية العسكرية بصورة ملحوظة، وستكون ذات فاعلية ميدانية عالية التأثير تزيد من قدرات القوات على تحديد وضرب الأهداف العالية القيمة التي تقع في عمق أراضي العدو. وتسهل هذه النظم مهمة التغطية الإعلامية ونشر المعلومات في أنحاء العالم بشكل فوري، وإيلاء التأثيرات النفسية المحتملة اهتماما يتصف بالأفضلية في فن الإدارة السياسية والعمليات العسكرية[59].

 

الفرع الخامس: الجغرافية السياسية والاستراتيجية

تهتم الجغرافية السياسية بدراسة تأثير المحيط الطبيعي للدولة على الحياة السياسية الداخلية والخارجية. ليس من السهولة إعطاء تعريف واحد للجغرافية السياسية نظراً لتباين الآراء المرتبطة بالمدارس الفكرية والجغرافية والتطور التاريخي لهذا العلم.

لقد نتجت كثير من التعقيدات في هذا الموضوع على صعيد المسرح السياسي العالمي. لأهمية هذا الموضوع ضمن نطاق بحثنا سيتم تقسيمه إلى ما يأتي:

أولاً: مفهوم الجغرافية السياسية والجيوبوليتك

اكتسبت الجغرافية السياسية معاني وقيم مختلفة تماما بعد أن سمحت الأساليب الجديدة والوسائط العلمية الحديثة للتعرف بدقة على مختلف الظواهر الكونية، واكتشاف التبدلات التي تحدث عليها والتنبوء بها. أصبح الإنسان بإمكانه التدخل في تعديل بعض العوامل الطبيعية ومعرفته بنتائج التعديل.

تأخذ هذه التعديلات أساليب مختلفة، منها ما هو سلمي، أو حربي. وفي كلا الحالتين يعتبر تجسيدا للإرادة السياسية للدولة[60].

تتطلب الجغرافية السياسية والجيوبوليتك دراستها سياسيا واستراتيجيا. لذا فإن المؤسسات السياسية والاستراتيجية تسعى دوما للتعاون الوثيق فيما بينهما في توحيد مفاهيمهما المشتركة وفي مختلف المجالات، ومنها الجغرافية. كانت مقولة كلاوزفيتز: “بأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”[61]. صادقة في أي عصر وحتى عصرنا الحالي.

أصبحت العوامل الجغرافية ذات أهمية كبيرة، وازداد أثرها على القرارت السياسية، وتطلب ظهور علم جديد وحديث نسبيا يشمل مجالي الجغرافية السياسية الجيوبوليتك والجغرافية الاستراتيجية، ولأهمية هذين الموضوعين في بحثا لابد من التعرف بشكل مختصر لأهم الأفكار الجغرافية السياسية التي لها علاقة مباشرة بالجغرافية الاستراتيجية المعاصرة، والتي لها تأثير مباشر على الاستراتيجية العسكرية:

(1). مفهوم الجغرافيه السياسية والجيوبوليتك:

تُعدُّ الجغرافية السياسية فرعا من فروع الجغرافية البشرية، وهي تتناول بالدراسة مظاهر بشرية في وحده سياسية محددة، من خلال العلاقة السكانية بالبيئة وبالمجال الجغرافي، وبما يخدم ازدهار الوحدة السياسية[62]. لقد استخدم العالم السياسي السويدي الجنسية الألماني الأصل رودولف كيلين (1864-1923) “مفهوم الجغرافية السياسية والجيوبوليتك” قبيل الحرب العالمية الأولى، وكان استاذا جامعيا في جامعه كوتنبيرك، وكان يقصد ذلك ” بمعنى البيئة الطبيعية للدولة”.

طور هذا المفهوم إبان الحرب العالمية الثانية من قبل بعض المفكرين، وكان أبرزهم الجنرال والمفكر السياسي الألماني كارل هاوسهوفر (1869-1945)، والذي بنيت ألمانيا النازية تطلعاتها السياسية على أفكاره[63]، تواردت تعاريف كثيرة للجغرافية السياسية، فالجنرال هاوسهوفر عرفها بأنها “علاقة الأرض بالقرارات السياسية “، في حين وصفها العقيد الأمريكي كلابو في عام 1948، بكونها:”علم يجمع بين الجغرافية والتاريخ والسياسة ويشرح أسلوب تصرف دولة ما، ومن ثم إتاحة الفرصة للدول الأخرى للتنبوء بهذا التصرف المحتمل”[64]، فيما عرفها الدكتور أبو عيانه ” بأن الجغرافية السياسية هي درسة الأقاليم السياسية كظاهرات من سطح الارض، وتتحد طبيعة هذه الأقاليم باختلاف الظاهرات السياسية في العالم[65]. فيما يرى سعودي ” أنها دراسة الوحدات أو الأأقاليم السياسية كظاهرات على سطح الارض، وما تشمل عليه هذه الوحدات من شعوب وجماعات”[66]، لكن الديب يعرفها بأنها” العلم الذي يهتم بدراسة التوزيع الجغرافي للعملية الظاهره السياسة، ومدى التشابه والاختلاف فيها من مكان إلى آآخر على الأرض وعوامل ذلك، وتحليل التأثير المتبادل بينها وبين الخصائص الجغرافية المتنوعه للمكان”[67]. فيما عرفها جاكسون بأنها “دراسة الاختلاف والتشابه المكاني في الخاصية السياسية التي تكون جزءا مترابطا من كل مركب اختلاف والتشابه المكاني. ويتضمن تفسير التباين في المظاهر السياسية ودراسة علاقتها مع كل مظاهر البيئة المرتبطة بذلك، كالسطح والمناخ والعالم العضوي والظروف الحضارية”[68]، لكن أ.د. سعيد أعطى تعريفا موفقا وشاملا للجغرافية السياسية فقال: إنها” هي هذا العلم من الجغرافية الذي يتصدى لدراسة الظاهره السياسية المحلية والإقليمية والدولية من حيث نشأتها وتطورها وتحليل العوامل الجغرافية المؤثرة في قوتها وضعفها والإمكانات المتاحة لانطلاقها وزيادة قوتها لتحقيق سعاده سكانها، أي ” إنضاج روح الأمة”، “إنها قراءة مبدعة لخصائص المكان وتحويلها إلى مفاهيم سياسية، أي استخلاص الأبعاد الليلية السياسية للمحتوى الجغرافي أو للمظهر الجغرافي”[69].

أما فيما يتعلق بالجيوبوليتك، فقد طور هذا المفهوم من قبل كيلين الذي تأثر بأفكار الألماني فريديك راتزل الذي كان يؤمن بحيوية الدولة والتي تعود أساسا للمفكر العربي الكبير ابن خلدون. تعود خطورة كيلين لمفهوم الجيوبوليتك إلى أنه آمن بالقوة المطلقة كأساس لتحقيق الدولة لأهدافها وتعيش في بيئتها بحرية، وبين أن التفسير الجيوبولوتيكي يحدد أساسه النظري، فيما ذهب إليه راتزل بشأن الدولة العضوية والحدود القابلة للحركة والتغيير، ركز عدم ثبات الحدود يعد ضامن لحيوية الدولة، وأنه في صالح الدولة الأكثر حيوية، وارتبطت هذه النظرية بفكرة المجال الحيوي التي تتبناها ألمانيا النازية، وكانت أحد أسباب الحرب العالمية الثانية[70].

نستخلص مما سبق أن الجيوبوليتك عند المفكرين الألمان في تلك الحقبة الزمنية عبارة عن العلاقات المكانية ذات المغزى السياسي لتلبية حاجة الدولة من الأرض لتوسيع مجالها الحيوي الذي تحتاجه في المستقبل، وهذا ناتج من أصول فكرية تاريخية تمتد جذورها في الفكر الفلسفي والعرقي الذي وحد وصهر النزعه القومية الألمانية حتى وصل حبهم لتاريخهم درجة التقديس وإعطاء الدور الكبير في نهوض الأمة. فالدولة بعد ديني مقدس وعلى الألمان أن يسيروا تحت لواء الدولة الألمانية المقدسة.

أصبح المفهوم الجديد لمضمون الجغرافية السياسية دراسة وإظهار دور القرار السياسي، أو تأثيره على المظهر الجغرافي، الذي يتضمن هنا المظهر الطبيعي والحضاري كمركب واحد. نتيجة للتطورات التي أحدثتها الثورة الصناعية خلال القرن الماضي وتبعتها ثورة المعلومات، وحصول تغيرات كبيرة في وسائل الردع الاستراتيجي المتمثلة بالأسلحة الذرية، وعلى إثرها اتخذت الجغرافية السياسية منحة جديدة[71].

تشمل مضامين الجغرافية السياسية دراسة الدولة كمظهر سياسي وعلاقتها مع وسطها الاقليمي والدولي الخارجي، والدول ووحداتها الإدارية ودور عاصمتها وأثرها داخليا، والاهتمام بالجغرافية السياسية التاريخية وما تمتلك من حضارة وثراء فكري[72].

وتأسيسا على ما تقدم، يضيف الباحث تعريفا آخر للجغرافية السياسية، فهي علم يختص بدراسة التاريخ الجغرافي السياسي للدولة منذ نشوءها وثباتها وتطورها وإثر المتغيرات في العلاقات الدولية على وحدات النظام الدولي الجغرافية.

(2). مضمون الجغرافية السياسية:

يعد موقع الدولة الجغرافي له الأثر الكبير على علاقتها بغيرها من دول الجوار، ولا تخفى أهميته في قدرة الدولة على التكيف السريع مع الاعتبارات الاستراتيجية. حدثت تغيرات كبيرة نتيجة للتطورات التكنولوجية الحديثة مما أصبح هذا الموقع عرضة للتهديدات. تعتمد أهمية الموقع الجغرافي على تواجد الظواهر الطبيعية (كالأنهار، والبحار، والبحيرات، والجبال، والصحاري……)، والموانع الطبيعية التي يمكن استغلالها للدفاع عن حدود الدولة، إضافة لما تمتلكه هذه المساحات من ثروات طبيعة[73].

يعتبر امتلاك الدولة لمصادر الطاقة كالبترول عامل قوة فيما لو استغل بشكل صحيح، وهذا ما قامت به الدول العربية خلال حرب 6 تشرين عام 1973، بقطع النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية التي ساهمت بدعم الكيان الصهيوني في تلك الحرب ضد العرب.

يعد امتلاك الدولة لمصادر مائية كثيرة كالأنهار الكبيرة أو البحيرات، موارد تزداد أهميتها عاما بعد عام، وأصبحت المياه في السنوات الاخيرة عامل قوة بل تصنع سياسة القوة، كما حصل مع تركيا عندما تمكنت من استغلال موارد المياه كقوة سياسية ضاغطة على الدول المجاورة كسوريا والعراق، وحققت أهدافا سياسية لمن تكن تحلم بتحيقيها لولا تلك الموارد[74].

تهتم الجغرافية السياسية بمساحة الدولة وحدودها الحالية، ودراسة مقدراتها المادية والبشرية واستثمار مواردها، وحالة كينونتها، وتركز على قوة الدولة وسيادة السلم والأمن بينها وبين الدول الأخرى، وهي علم من علوم الجغرافية المعروفة الذي يمتاز بالتوافقية والاهتمام بدراسة الدولة وبنيانها ووظائفها وتحسين أدائها[75].

لكن الجيوبولتيك يهتم بأحتياجات الدولة من المساحات الجغرافية ومستقبلها والكيفية التي ستكون عليها، وقوة الدولة لتحقيق أهدافها خارج حدودها، وانه عملية ديناميكية ومثالية، ويتصف بالعدوانية والشوفينية لأنه قائم على الصراع بين الدول من أجل السيطرة على الأراضي المتجاورة ذات القيمة السياسية، وينطوي تحت مفهوم المدرسة الحتمية التي ترى بالدور العظيم والحاسم للمكونات الجغرافية في النشاط السياسي للدول[76].

ثانياً: الجغرافية الاستراتيجية

تشمل جميع المعطيات الجغرافية الأساسية ودراستها ومقارنتها وتفسيرها، والاستفادة منها في بناء الاستراتيجية العسكرية، ووضع الخطط الاستراتيجية الحربية، والإشراف على سير العمليات خلال الحرب[77].

يؤكد الخبراء بأن هناك ارتباطا وثيقا بين مساحة الدولة وتكوينها الطبوغرافي مع فلسفتها واستراتيجيتها العسكرية، وشكل الدفاع وتنظيم قوتها العسكرية وحجم هذه القوة، فالدول ذات المساحات الواسعة لابد لها أن تمتلك جيشا كبيرا قادرا على حماية حدودها والدفاع عنها. إن مساحة الدولة وتنوع أقاليمها المناخية يجعل من الدولة وحدة سياسية لها وزنها وقيمتها الإقليمية والدولية[78].

تعد الأرض من العوامل الرئيسية التي يدرسها القادة قبل الدخول إلى المعارك، وقد كانت تحتل الفقرة الأولى ضمن أوامر العمليات. كما أن المعلومات عن الأرض التي قرر القائد أن يقاتل فوقها أهمية كبيرة. يتم تعميم ونشر الاستراتيجية العسكرية على شكل توجيه استراتيجي مشترك، وقد يشمل استعراض البيئة الجغرافية الاستراتيجية العامة والإقليمية[79].

تبدلت كافة المفاهيم المتعلقة بمسرح العمليات مع ظهور الطائرات البعيدة المدى والأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات، فأصبح المفهوم الجغرافي للحرب يتعدى الدولة ليشمل كافة أراضي الدول المتحاربة وتلك المتحالفة معها، بالإضافة إلى مجالاتها الجوية وحتى الفضائية.

برزت دور المجموعات، أو الكتل الدولية التي شكلت أحلافاً عسكرية متجابهه فيما بينها. وهيمن الصراع المستمر بين الأحلاف الكبرى على إحداث العالم المعاصر وتجدد انعكاساته في كل مكان[80].

أثرت ثورة المعلومات بشكل كبير على الجغرافية السياسية الاستراتيجية، ولقد جاء هذا التأثير ضمن العوامل التالية[81].

  1. ولج عصر المعلومات ورديفها الإعلام سطح الكرة الارضية، وتحولت مجتمعاتها إلى مجتمعات إعلامية، يلعب الإعلام دورا محوريا مابين الخير والشر، وأصبحت الكرة الارضية قرية عصرية يغطيها طوفان إعلامي معلوماتي يلعب دروا أساسيا في عالم السياسة، ومايرتبط بها من أفكار، وتنظيمات، وتجمعات، وجماعات ضغط.
  2. تميزت الثورة الإعلامية بالمزاوجة المثالية مابين الكمبيوتر وأجهزة الاتصالات، مما مكنها من إرسال البيانات والمعلومات من كمبيوتر إلى آخر، ومن بلد إلى آخر بسرعات متناهية عبر الخطوط السلكية واللاسلكية.
  3. غير التطور التكنولوجي في ميدان المعلوماتية الكرة الأرضية المجزء إلى عددة قارات، وجعلها لوحة واحدة لا يمكن فصل بعضها عن بعض. فالطوفان المعلوماتي الخام والخاص في الجغرافية الأرضية وتضاريسها استطاع أن يخزن معظم المعلومات الواردة عنها في جهاز الكمبيوتر. إضافة إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، وتقوم بتصويرها بشكل دقيق، مما يوفر للاستراتيجي والسياسي الجلوس مع بعضهما ودراسة كافة المعطيات المتواجدة على الارض.
  4. ظهور تكنولوجيا الأقمار الصناعية، واحدة من أهم روافد انتقال المعلومات من بلد إلى آخر مما ساعد على انتشار النقل والبث التلفازي عبر الأقمار الصناعية، وإقامة شبكات الأعمال الفضائية والاتصال الفضائي في اتجاهين، مثل إجراء المقابلات لناس في بلدان مختلفة في الوقت نفسه، والاتصال الهاتفي عبر الأقمار الصناعية يجعل الفرد الذي يؤدي هذه الفعاليات كأنه في بلده، أو مدينته أو حتى في حيه[82].
  5. إن تطور معدات التكنولوجيا الحديثة، كالطائرات والمركبات الفضائية والصواريخ العابرة للقارات جعل ميدان هذه المعدات لا يتحدد في بلد واحد، وإنما يغطي بلدان مختلفة، فتحولت هذه المعدات من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي. وبذلك أصبح للإنسان القدرة على الحركة من أقصى الكرة الارضية إلى أقصاها.

وتأسيسا على ما تقدم، استطاعت ثورة المعلومات بكافة مخرجاتها أن تتفاعل مع الجغرافية الجيوستراتيجية، وأن تصور وتخزن جميع معطياتها الأساسية، وتدرسها وتقارنها وتفسرها ثم تقوم بعرضها والاستفادة منها من قبل القادة العسكريين عند وضع الخطط الحربية، وتمكنهم من الإشراف على العمليات خلال الحرب وتضيق لهم سعة مسارح العمليات الحديثة، وتساعدهم في استخدام الأسلحة الحديثة والوسائط القتالية المعاصرة.

فرض التطور الهائل في الأسلحة والمعدات والتكنولوجيا المعاصرة على القائد الاستراتيجي دراسة جميع العوامل وأخذها بعين الاعتبار عند بناء الاستراتيجية العسكرية ومن ضمنها الجغرافية الاستراتيجية.

دلت جميع الدراسات الجيوستراتيجية بعد انطلاق ثورة المعلومات على أن الكرة الارضية عبارة عن مجموعات كبرى من الدول الحديثة والتي تتطور باستمرار، وتتعايش ضمن إطار متوازن يمكن العالم من السيطرة على الأزمات وامتصاص نتائجها، ولم يعد من المقبول اعتبارها دول تفصل بينهما حدود واضحة لا تعلم ماذا يجري حولها.

المطلب الثالث: المعلوماتية ودورها في الاستراتيجية العسكرية

يقف التقدم العلمي والتقني وراء عدد كبير من الظواهر العالمية في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم العسكرية، فالحديث الذي لاينقطع عن ثورة المعلومات باعتبارها ظاهره إقتصادية تفتح ابواب المنافسة لبناء منظمات عسكرية وإقتصادية تعتمد على المرتكزات العلمية والتقنية، وتجعل الدولة بالصف الأول لتبوء القيادة على مستوى العالم .

تعد سيطرة ثورة الاتصالات والمعلومات والبث المباشر في شاشات التلفزيون عبر الأقمار الصناعيه، وتطور صناعة الكمبيوتر والبرمجيات وشبكة الانترنيت ظاهرة عالمية متميزة، جعلت من هذه الثورة بتجلياتها السلبية والإيجابية تطورا لا يمكن إيقافها.

تستند الدول المتقدمة لتنمية اقتصادها إلى الاستثمار الضخم في مجال العلم والتكنولوجيا والتطوير، وخاصة في مجال تكنولوجيا التسلح والصناعة العسكرية، مما يساعدها على تطوير وبناء استراتيجياتها العسكرية والمعلوماتية، ويحقق لها النصر في حروب المستقبل[83].

حققت التكنولوجيا انتصارات باهره في الحرب التقليدية، وما حدث في حرب الخليج الثانية وكوسوفو وأفغانستان يعتبر دليل على ذلك.

كفل التطور في مجال تكنولوجيا التسليح والمعلومات والاتصالات للولايات المتحدة والدول المتحالفة معها أن تخوض حروبا تعتمد على استراتيجية الصفر في عدد ضحاياها. واستخدمت هذه القوات التقنيات التي تُعدُّ إحدى أساليب استراتيجيات المعلومات الحديثة في مواجهة خصومها من طبقات الجو العليا في مأمن من المدافع المضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة التقليدية. ولتسليط الضوء على هذا المطلب تم تقسيمه إلى فرعين : تضمن الفرع الأول المعلوماتية وبناء الفكر الاسترتيجي العسكري، أما الفرع الثاني فيتناول تطبيقات تقنية المعلومات في الجانب العسكري.

الفرع الأول: المعلوماتية وبناء الفكر الاستراتيجي العسكري

أضفى التطور التكنولوجي سماته الخاصة على مجمل الفكر الاستراتيجي والعديد من المفاهيم العسكرية كالأمن الوطني وصولا إلى الثورة الصناعية الثانية، ودخول القوى النووية في مضمار القدرة الشاملة للدولة، وتغيير مفهوم الأمن الوطني الذي ارتبط بعناصر أخرى متعددة، تعد القوة العسكرية واحدة منها[84].

تشغل الآثار الاجتماعية والعسكرية لثورة المعلومات أذهان المفكرين المعاصرين، فمن منظور اجتماعي يرى المؤمنون بها أنها ستعيد تشكيل المجتمعات وحياتها اليومية . أما من منظور عسكري استراتيجي فيرى أصحاب الرؤى العسكرية، أن التقنيات الجديدة لثورة المعلومات هي الوسيلة المطورة لزيادة الفاعلية العسكرية، وتقليل الخسائر وتوفير الأموال بصورة جذرية[85]. وهذا ما يمكن اعتباره بنظر الباحث أحد الأساليب الرئيسية لبناء وتطوير الاستراتيجية العسكرية.

يكمن مفتاح الفهم لكيفية تطبيق تقنيات المعلومات الجديدة في القوات المسلحة توحيد المنظورين الاجتماعي والعسكري في منظور يساعد على فهم الآلية التي سيطور بها المشروع الاستراتيجي العسكري، وفي هذا السياق فإن التطور العلمي والتقني أصبح مكونا أساسيا في مفهوم الأمن الوطني والقومي، واعتباره أحد الركائز المهمة للدفاع وحماية المصالح الوطنية والقومية دون إغفال أهمية الجوانب الأخرى للأمن الوطني كالسياسية الداخلية والخارجية[86].

أوجدت ثورة المعلومات بيئة استراتيجية من الصعب توظيفها. ونستطيع بفعلها من صياغة مفهوم جديد للاستراتيجية العسكرية، يقول توفلر: ” إن الاهتمام بالحرب والحرب المضادة – حرب المعلومات – يبدأ من إعادة صياغة استراتيجية المعرفة العسكرية والمخابراتية”[87]، لا تعتمد استراتيجية اليوم على القوة العسكرية فحسب، وإنما على القدرة الشاملة للدولة، والتي تكمن في القدرات المتوفرة والكامنة والمحتملة، وفي مقدمتها “العقل والمعلومة”، وعلى ضوء ذلك يمكن إعادة صياغة تعريف أندريه بوفر على الوجه الآتي: “الاستراتيجية هي فن حوار الإرادات التي تستخدم قدرة المعرفة، ومعرفة القدرة للنجاح في الصراع والتعاون لتحقيق الأهداف”[88].

مهد انتشار تقانه المعلومات والاتصالات لبعض الدول التي تمتلكها بناء استراتيجية عسكرية معلوماتيه، وتمكينها من تحضير وتنفيذ حرب معلوماتية يكون النوع الأساسي من الصراع فيها هو الصراع المعلوماتي[89].

أخذ مصطلح استراتيجية حرب المعلومات منحا جديدا يقتضي محاولة معرفة كل شيء عن الخصم، ومنعه في الوقت نفسه من الحصول على المعلومات، وهذا يعتبر جزء أساسي من الاستراتيجية العسكرية. ويطلق عليه توفلر تغيير توازن المعلومات والمعرفة لصالحك، يعتبر التفوق الإسرائيلي الذاتي المتعلق بالجانب التكنولوجي والمعرفي خير مثال على ذلك، بالإضافة إلى علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول أوروبا، والذي يعطي القوة الكبيرة لصالح الاستراتيجية العليا والعسكرية الإسرائيلية مما يزيد الفجوة بينها وبين العرب في مجال المعلوماتية[90].

يقتضي علم الحرب بالنسبة لبعض العلماء محاولة معرفة كل شيء عن الخصم، ومنعه في الوقت نفسه من جمع المعلومات عن إمكانياتنا، فالمقصود تغيير توازن المعلومات والمعرفة لصالحنا خصوصا إذا لم يكن توازن القوى لنا.

ينبغي على كل جيش أو مؤسسة أو شركة أن تضطلع بأربعة وظائف حاسمة: ” أن يمتلك، يعالج، يوزع، يحافظ على المعلومات”، وأن يضع حائلا بينه وبين خصومه وحتى بينه وبين حلفائه.

إن تفكيك الوظائف الأربعة يؤدي إلى الاستهلال لبناء استراتيجية عسكرية معلوماتية ذات إطار منهجي تُعدُّ مفتاح لعدد من الانتصارات العسكرية إن لم يكن معظمهما، وفيما يأتي ملخص لهذه الوظائف[91]:

أولاً: امتلاك وإنتاج، أو شراء المعرفة التي يحتاجها الجيش ضمن استراتيجية منهجية لهذا الامتلاك ترتكز على فهرسة تلك المعلومات لتحديد القطاعات التي تتطلب تعزيزا. تقدمت التقنية العسكرية خلال الثورة المعلوماتية، وأنتجت موجة ابتكارات مدهشة في القطاع المدني والعسكري مما يستدعي إعاده فحص الأوليات، وإعاده صياغة العلاقات بين العلم والتقنيات المدنية والعسكرية.

ثانياً: ينبغي للجيوش أن تخزن وتعالج كميات هائلة من المعلومات كما للشركات المدنية، ويتطلب ذلك استثمارات كثيرة وضخمة في المعلوماتية، وتتميز الجيوش المتقدمة بامتلاكها أنظمة الحواسيب من كل الأحجام والأنواع المتقدمة في مجال المعلومات العسكرية وكيفيه توزيعها وكفاءتها ومرونتها، وكيفية ارتباطها بالرادارات والدفاعات الجوية وشبكات الأقمار الصناعيه والاتصالات.

يعتبر البرنامج المعلوماتي المتطور الطريق إلى تغيير التوازنات العسكرية في العالم والسياسات التي تدير تطور المعلوماتية واستخدامها عموما.

ثالثا: إن امتلاك المعلومات ومعالجتها بلياقه تظل غير نافعة إذا وقعت بأيدي غير ماهرة أو غير كفوءة في اللحظة غير المناسبة، وينبغي امتلاك الجيش وسائل مختلفة لتوزيعها بحسب الاحتياجات، وهذا ما يطلق عليه باستراتيجية الاتصالات.

رابعا: الدفاع عن مصادر المعرفة والمعلومات ضد الهجوم المعادي. ذلك لأأن سيف المعرفة ذو حدين يمكن استخدامها للهجوم وتحطيم الخصم قبل خطوته الأولى، ولكنه يمكن أن يقطع اليد التي تشهره.

توظف الاستراتيجية العسكرية التي مقوماتها التقنيات العالية كافة الأساليب المعلوماتية، كالهجمات المعلوماتية لجمع معلومات حساسة لأغراض “عسكرية، أو إقتصادية، أو لانقاص حاله الجهوزية العسكرية للقوات، أو للحد من فاعلية العمليات العسكرية، أو تاخيرها”، وبالتالي فإنها تؤثر على قدرات الدولة الخصم وتعريض مصالحها الأمنية والقومية المهمة للخطر[92].

تعد أحد الآثار المهمة لثورة المعلومات، هو احتمال الوقوع الوشيك لحرب المعلومات بصفتها سلاحا أو هدفا رئيسيا. يعتقد معظم الباحثين في مجال المعلومات وحتى العاملين داخل القوات المسلحة، أن حرب المعلومات هي موجه المستقبل، ولكن هنالك تجاذبات مصالح ومخاوف ناتجة عن هذه الحرب لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، وتشمل ما يأتي[93]:

أولاً: تتمثل المصالح في المزايا العسكرية التي يحتمل تحقيقها من استغلال المعلومات واعتبارها سلاحا موجها ضد كافة أهداف العدو. من العقول المفكرة لقيادات العدو إلى أداء أسلحته. وتتم دراسة المصالح تحت عنوان الحرب المعلوماتية الهجومية.

ثانياً: تتمثل المخاوف في مواطن الضعف المحتملة للبنى التحتية المدنية والعسكرية المعقدة، وتشمل بنية الاتصالات التحتية والبنية التجارية، وبنية الإمداد والتموين اللوجستية، وبنية القيادة أمام الأعمال العدائية التي تستعمل المعلومات كسلاح وترتبط المخاوف بحرب المعلومات الدفاعية.

الفرع الثاني: تطبيقات تقنية المعلومات في الجانب العسكري

أحدثت تقنية المعلومات والاتصالات طفرة حقيقة في أساليب أداء العمل وسرعة وكفاءة ودقة إنجازه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

خرجت تقنيات المعلومات من رحم المؤسسة العسكرية، وكان لها دور فاعل في تطوير الاستراتيجية العسكرية، فالحسابات العلمية المعقدة لانتاج القنبلة الذرية أحد الدوافع الأساسية في ظهور الكمبيوتر، وأصبح قاسما مشتركا في تطوير الأسلحة ونظم الدفاع الاستراتيجية والتكتيكية على حد سواء. تسللت تقنيات المعلومات إلى عناصر الذخيرة ذاتها لتزيد من دقة تصويبها، وتزيد من فاعليات قوة النيران لها، وظهر إلى الوجود شعار “أطلق وانسى Fire and Forget” [94]

تعد أهم التطبيقات لتقنية المعلومات في الجانب العسكري هو توجيه إمكانياتها الواسعة لزيادة فاعلية منظومات الاستطلاع والقياده وتحسين المواصفات القتالية لمنظومات الأسلحة والأعتدة لمختلف أنواع وصنوف القوات، مما سيحقق قفزة علمية في الاستراتيجية العسكرية.

توسع انتشار تقنيات المعلومات، وجعل من الممكن تحضير وتنفيذ حرب معلوماتية يكون سلاحها الأساسي هو الصراع المعلوماتي. فالحرب المعلوماتية هي شكل جديد للظاهرة الاجتماعية والسياسية في العلاقات الدولية لدول تستخدم قوى ووسائط وطرق الصراع المعلوماتي[95].

اعتبرت أهم الاستخدامات العسكرية الملموسة والمعروفه لتقنيات المعلومات، وأثرت إيجابيا في الاستراتيجية العسكرية المعاصرة التي امتاز بها عصر المعلومات هي” المبادرة الحاسوبية الاستراتيجية لوزارة الدفاع الأمريكية “، و اعتمدت على مبدأ خطير هو حرب المعلومات، واستخدام الفيروسات البرمجية، والدخول على البرامج والشبكات وتخريبها، وهي مبادرة تشمل تكنولوجيا الحاسبات والرصد الحاسوبي، وتعمير الحواسيب ومنظومات خبرة جديدة، واستخدام الميكروألكترونيات، والإفادة من المصادر والثروات المادية والبشرية معا. تقوم على إنشاء هيكلية، أو بنية استراتيجية كاملة للبنى التحتية للدفاع الاستراتيجي، بما في ذلك آليات لتوجيه البرامج والكوادر والثروات اللازمة[96].

أصبح استخدام حلقات التطور التكنولوجي التي تعم العالم حاليا من الأركان الأساسية لبناء الاستراتيجيات العسكرية العالمية، وضمنت بداخلها: تكنولوجيا الذرة والفضاء، والألياف الصناعية، والهندسة الوراثية، والإلكترونيات وتكنولوجيا الاتصال والتسلح، وهذا ينتج عنه فرض تحديات ومتغيرات على البشرية وربما سيساعد على بناء وتقوية مقومات قوى السيطرة والهيمنة في العالم[97].

تعد تكنولوجيا المعلومات وليدة التلاقي الخصب للعديد من الروافد العلمية والتقنية والتي يتسنم قمتها ثالوث تكنولوجيا الكمبيوتر ونظم الاتصالات وهندسة التحكم التلقائي واصبحت عاملا مهما في تطوير الاستراتيجية العسكرية.

أفادت الدروس المستنبطة من الحروب الحديثة التي حصلت في العقد الأخير للقرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين، واستخدمت فيها أفضل تقنيات التكنولوجيا العسكرية، وأمست وسائطها التدميرية على درجة كبيرة من الدقة والفاعلية، وسمحت لتلك الدول المتقدمة عسكريا بتبني نظريات: “الحرب عن بعد، والحرب الألكترونية، والحرب المعلوماتية، والحرب الفضائية”، وبناءً على تلك التجارب والنظريات تقوم الدول المتقدمة باستثمارها لإعادة صياغة وبناء الاستراتيجية العسكرية.

وتأسيسا على ما تقدم، يمكن أن نقول أن ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات أسهمت وبشكل كبير في إعادة هيكلية المنظمات العسكرية وتحديثها وتطويرها، من خلال تقديم أفضل أنواع التقنيات وأجهزة الاتصالات والمعلومات المستخدمة في الحاسوب، ومنظومات السلاح والعتاد والرادارات والطائرات والسفن الفضائية، والتي أصبحت أكثر دقة وفاعلية، ودورها الأساسي في تكنولوجيا الاتصالات والفضاء، والتي تُعدُّ الجهاز العصبي للقوات المسلحة ومنظومة القيادة والسيطرة للدولة. مما أضفى على الاستراتيجية العسكرية أبعادا حركية جديدة فعالة قد تحمل في طياتها بعض المتغيرات الإيجابية والسلبية، والتي يمكن معالجتها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نفسها.

تبدو التكنولوجيا الجديدة غزيرة الخدمات ومتنوعه القنوات وان استخدامها من قبل الدول التي تصنعها قد ينطوي على مخاطر الهيمنة والاحتكار، فامكانية التنوع والاختيار من بدائل متعدده من وجهة نظر بعض الدول، قد تكون قناعا للاحتكار من جانب المسيطرين على هذه الوسائل الجديدة.

واذا تصورنا الكلفة الضخمة لتشغيل هذه التكنولوجيا والتي لاتتمكن بعض دول العالم الثالث من امتلاكها وبالنتيجة تصبح الدول الاكثر قوة في وضع يسمح لها باحتكار هذه التكنولوجيا وتفعيلها في قواتها المسلحة مما تكسبها الامكانية والقدرة على فرض هيمنتها وقراراتها على الدول الاخرى.

تعد ولادة تكنولوجيا المعلومات من رحم المؤسسة العسكرية احد الدوافع الاساسية في ظهور الكمبيوتر والذي اصبح قاسما مشتركا في تطوير الاسلحة ونظم الدفاع الاستراتيجية والتكتيكية وفي كافة المستويات.

يمثل الدور الحيوي الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع الانشطة الاجتماعية ويبوءها كلاعب اساسي في بناء الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية.

التقنية والمعلومات وتفعيلها للاستراتيجية الأمريكية

تميزت سيادة الولايات المتحدة الأمريكية الراهنة للعالم في سرعة ظهورها وسعة مداها وفي الاستراتيجية التي تنتهجها وتمارس الهيمنة بها، فخلال قرن من الزمن حولت نفسها من دولة معزولة كانت تغطي بيئتها الحرب الاهلية وتسيطر عليها مستعمرات اوروبية مختلفة في نصف الكرة الغربي من العالم إلى قوة تصول وتجول لتحكم العالم بأسره.

غدت الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين قوة عالمية ثم تحولت في منتصفه إلى قوة عالمية اولى، وفي ختامه أصبحت القوة العالمية الوحيدة التي تسيطر على العالم باكمله، وهي تجد نفسها بين طريقين أما الانعزالية أو التفاعلية في قيادة العالم.

تعد الحرب الاسبانية-الأمريكية في عام (1898م) اول حرب توسعية تخوضها أمريكا عبر البحار، ودفعت بنفوذها بعيداً في منطقة المحيط الهادىء حتى الفيليبين.

انهمك القادة الاستراتيجيون والعسكريون الأمريكيون في تطوير مذاهب الهيمنة البحرية والتي تُعدُّ جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية، وخاصة بعد ان اعلن الرئيس الأمريكي جيمس مونرو(1758-1813) برسالة بعثها إلى الكونجرس في 2 كانون الأول (1813م) والتي تضمنت: “استقلال كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الاوروبي بغرض اضطهادها أو التدخل في تقرير مصيرها وان الولايات المتحدة لن تسمح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكيتين، اضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.(1)

تلك هي بداية الاستراتيجية الأمريكية التي تطورت ونمت بنمو الدولة حتى اصبحت تغطي عناوينها كافة ثقافات العالم بلغاته المختلفة، واستطاعت تلك الاستراتيجية ان توظف كل الموارد البشرية والمادية في خدمتها لتحقيق اهدافها وبضمنها التقنية التي رافقت الثورة الصناعية، والمخرجات التي انتجتها ثورة المعلومات.

المطلب الأول: التقنيات ودورها في تطوير الاستراتيجية الأمريكية

نحن نعرف وعلى يقين تام بالخصائص الفنية للاسلحة الحديثة المتطورة والنتائج التي تفرضها بالميدان، وتطورت معها القوة الهجومية بأضعاف مضاعفة على القوة الدفاعية مما يمكنها من ايقاع خسائر كبيرة ومفجعة بالإنسانية وتدميرها في غضون ايام أو ساعات محدودة.

يعتقد معظم الباحثين أن المبادئ الاستراتيجية الأساسية بقيت ثابتة على حالها دون تغير أو اختلاف بالرغم من زيادة المخاطر والمجازفات بفعل ظهور الاسلحة الجديدة المتطورة ذات القدرات التدميرية الشاملة، ساعد ذلك التطور على نشوء جماعتين الأولى تعتقد أن الحرب لازالت قائمة وتحدث في أي وقت مهما ظهرت من اسلحة ذات تقنيات عالية وطاقات تدميرية كبيرة. اما الثانية تعتقد بان الحرب قد أصبحت مستحيلة في الظروف الراهنة وغير قابلة للتفكير وطالبة بتسوية المشاكل المتفاقمة والصراعات المحتدمة بين الدول من خلال المهارات التفاوضية للتوصل إلى الحلول العملية المناسبة والمقبولة بالوسائل والأساليب والطرق الدبلوماسية[98].

نشأت حالة من الانفصام المطلق والطلاق الكامل بين القرار السياسي والواقع الحقيقي نتيجة للاتجاهين المختلفين في الفكر الاستراتيجي العالمي المعاصر، مما يجعل صانع القرار مضطرا على المجازفة بأرواح الملايين من البشر بدلا من الآلاف، ولغرض عدم الوقوع في هذا الخطأ التاريخي لابد أن نقوم بتقييم واضح وتحليل دقيق للدور التي تلعبه القوة في الدبلوماسية والمركز الذي تحتله في اطارها و الأثر الذي تحدثه في سياقها ونشاطها وعملها ينبغي أن نبدء بتحليل خصائص القوة في العصر الحديث والتي تتميز بالأشكال التالية[99].

أولاً: القوة الهجومية: وهي قدرة دولة في فرض ارادتها على دولة أخرى.

ثانياً: القوة الدفاعية: وهي قدرة دولة على تجنب أو تفادي أو استبعاد الاذعان أو الخضوع أو الاستسلام للقسر أو الارغام الذي تحاول دولة أخرى أن تعرضها له أو تهددها بها وتجبرها عليه.

ثالثا: القوة الرادعة: وهي قدرة دولة على منع أو تحديد تهديدات واخطار معينة ودفعها بعيدا عن حيز العمل المباشر ومجال التنفيذ الفعلي عن طريق مواجهتها بتهديدات أو اخطار مقابلة أو مضادة أو تساويها أو تفوقها بالحجم والتأثير.

اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة دفاعية خالصة في المرحلة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وقد مالت هذه السياسة إلى الانتظار وضبط النفس والتزام الصبر والسماح للتهديدات بالظهور إلى العيان والبروز على السطح، والانتقال من مساحة الظلام إلى مساحة النور، ومن دائرة الغموض والتخمين إلى دائرة الوضوح واليقين. ومن ثم عمدت بعد ذلك إلى حشد القوة واستنفار الطاقات وتوحيد الصفوف للتصدي لها والتغلب عليها والخروج منها بأنتصار كبير.

تميز الفكر الاستراتيجي الأمريكي ببعض الجوانب البارزة والاتجاهات الأساسية والمواقف الملحوظة في الحوار الاستراتيجي الذي نشأ وبدأ يتطور فيها منذ الحرب العالمية الثانية ولايزال دائراً بكل جديــة وحيوية وحماسة، دون أن تغتر همته أو تضعف عزيمته.

خرجت أمريكا من تلك الحرب وهي تحتل مركز التفوق العسكري الساحق في العالم اجمع، وكان الانطباع السائد أن النصر قد تحقق بفضل الزيادة الكثيفة والإنتاجية الواسعة في صناعة الاسلحة والمعدات والمواد الحربية واستخدامها وخاصة السلاح الذري في جزيرتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، وقد مارسته بالفعل على مشهد ومسمع من العدو، والصديق، والمحايد دون خوف، أو احتمال تعرض أهدافها ومدنها واراضيها إلى رد انتقامي، وكان المفهوم الوحيد المقبول للنصر في تلك المرحلة يقضي باستسلام العدو استسلاما نهائيا كاملا في البر والبحر والجو دون قيد أو شرط.

نشأ الفكر الاستراتيجي الأمريكي في تلك الظروف والاجواء ونما وتطور انطلاقا من مفاهيم ومبادئ ودروس وتجارب الحرب العالمية الثانية باعتبارها وحيا من روحها وبنيانا من صنعها وشطرا من صميم كيانها[100].

أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك سياسة القوة في تطبيق استراتيجيتها بالاستفادة من التقنيات الحديثة لاسلحتها التدميرية، واشار أفضل الباحثيين الأمريكين في تاريخ الدبوماسية المعاصرة (ج.ل.جادسي) إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لديها النية في الهيمنة على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وان صناع السياسة الأمريكية سعوا لخلق عالم تقوده الولايات المتحدة يقوم على تفوق القدرة السياسية والعسكرية والاقتصادية والقيم الأمريكية[101].

تداخلت السياسة مع الاستراتيجية تداخلا عضويا وثيقا وشاملا منذ بداية القرن العشرين، ولايوجد الان صانع قرار سياسي أو نظام حاكم يتجاهل البدائل الرهيبة والخيارات المروعة التي يواجهها، ينبغي أن تتصف العقيدة الاستراتيجية بمجموعة من المواصفات لكي تكون ناجحة ومؤثرة وكما يأتي[102].

أولاً: ينبغي أن تكون قادرة على كسب واحراز وتحقيق الاجماع الوطني الداخلي وبالاخص الاوساط المثقفة والشرائح المتخصصة والدوائر العلمية والقيادات السياسية.

ثانياً: يجب أن تكون واضحة ومفهومة للخصوم والاعداء إلى الحد الذي يلبي ويحقق حاجات وضرورات الردع الفعال.

ثالثا: يفضل أن تنال موافقة الحلفاء والاصدقاء وخاصة عند الاتجاه إلى التحالفات ونظام الكتل وينبغي لها الاستمرارية في الوجود والتمسك وان تنعم باقصى واعلى درجات واشكال الانسجام والوئام.

رابعا: تقدم تصورات مدروسة ومواقف إيجابية وان تقترح الحلول المناسبة للمشكلات والمصاعب التي تواجها وتعانيها المناطق غير المنضوية تحت لوائها.

أصبح الفهم السائد حاليا للدور الذي تلعبه موازين وحسابات القوة في العلاقات بين الأمم وقد شاع استعمال مصطلح (سياسة القوة) حتى أصبح هذا التعبير معترف به صريحا على الصعيدالسياسي الخارجي والمستوى الدولي مما يضم في بطائنه وخاصة في عملية صنع واتخاذ القرارات أمورا لا تتعلق بالمبادئ ولا تأخذ النظريات بالحسبان، ويظهر تأثير المجموعات الضاغطة في الأنظمة الديمقراطية اقوى حضورا واكثر نفوذا من اللجان الرسمية في تلك الأنظمة وخاصة عندما تتحول عملية صنع واتخاذ القرار بعد طاولة العشاء ونجده على الاغلب في المستوى الأعلى من مستويات قيادة الدولة وإدارة السلطة[103].

حققت الولايات المتحدة النصر الكبير في استراتيجيتها خلال الحرب الباردة باستخدام اجهزتها الاستخبارية المدعومة ماديا وعلميا وفكريا، من خلال نشر الفكر الديمقراطي والحرية الشخصية في منظومة الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو سابقا مما سبب إلى نشوء نزاعات في تلك الدول انهت الحقبة الشيوعية التي كانت تمثل القطب المواجه للامبريالية الغربية وأصبحت أمريكا هي القطب الواحد المتسيد الذي يقود العالم بأستراتيجيتها الجديدة.

طورت الولايات المتحدة خلال النصف الثاني للقرن الماضي منظومة مضادة للاقمار الصناعية واعتبرتها من المقومات الأساسية في استراتيجيتها القومية ضد الاتحاد السوفيتي سابقا، وقد تم تخصيص ميزانية مالية لتطوير تلك المنظومة في السنوات الأولى لرئاسة ريغان من أجل التوسع في البناء العسكري وتدعيم اطر الاستراتيجية [104] .

استمرت الولايات المتحدة بأستراتيجيتها المبنية على أساس القوة والاستثمار للجانب التقني المتطور والذي نشأ نتيجة حركة رأس المال العالمي اليها بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار المنظومة الشرقية، وبرزت فيها كل مقومات ثورة الالفية الثالثة (ثورة المعلومات) وتعاظم نفوذها فأبقت قواتها في حلف الناتو في المانيا وفي اسيا في اليابان وكوريا واستمرت اساطيلها بالسيطرة على بحار العالم ولم تخفض ميزانيتها العسكرية.

تقوم الاستراتيجية الأمريكية الحالية على وجود (100)الف من العسكريين الأمريكيين في أوروبا، ومثلها في اسيا، وهناك (25)الف في الشرق الأوسط، و(20)الف في البوسنة، ولديها(12) مجموعة مقاتلة من حاملات الطائرات في حالة تأهب عسكري داعم وجميعها تقوم باعمال الطواف الدوري في مستودع بترول العالم ونعني به (الخليج العربي)، وفي المضيق الذي يفصل تايوان عن القارة[105]. ويضيف الباحث حجم القوات التي احتلت العراق عام 2003 والتي يزيد عددها عن (130)الف عسكري مع كافة معداتها وسيطرتها على اهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم ودولة من الدول الأولى المعارضة لسياستها.

تعترف الولايات المتحدة بأنه لا يوجد عدو يهددها، وتمتلك شبكة جبارة من القواعد في مختلف انحاء العالم وان لديها ميزانية عسكرية وقوات مسلحة وتقنية عسكرية لا تستطيع كل البنى العسكرية الاوروبية من الوصول اليها إلا بعد عشرات السنين، وكذلك تحتاج الصين لوقت اطول لاعادة هيكلية نظامها العسكري، ولروسيا لتستعيد قوتها العسكرية السابقة[106].

يصعب اعادة تقييم امكانات القوة لدى الولايات المتحدة الأمريكية فهي في الوقت الراهن تؤثر تأثيرا بالغا في السياسة الدولية أكثر من أي دولة في التاريخ، ويعتبر الازدهار الاقتصادي المتواصل لها الذي اقترب اجمالي ناتجة القومي من (9) ترليون دولار، وتسيطر على اهم المراكز في الاتحادات، فتوفر “النافتا” لها الحصول على حجم متنام في نصف الكرة الغربي، وليس هناك منافس على كوكبنا لحلف شمال الاطلسي المؤلف من (7,5) مليون عسكري وتتجاوز النفقات الأمريكية على الأبحاث وإنشاء نماذج جديدة من المعدات العسكرية (36) مليار دولار، يليهم أعضاء الناتو الاوروبيون وتبلغ نفقاتهم جميعا على نفس هذه الاغراض (11) مليار دولار[107].

المطلب الثاني: المعلومات وتفعيلها في الاستراتيجية الأمريكية

تعد التحولات التي عرفها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتبني النظام الاقتصادي الليبرالي في معظم الدول الاشتراكية السابقة مما هيأ الظروف لتكون الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة على الساحة الدولية. تُعدُّ التصريحات التي اعلنها الرئيس الأمريكي بوش الاب بعد حرب الخليج الثانية (1991) وحدد فيها معالم النظام الدولي الجديد حيث قال: “بانه لا يعني تنازلا عن سيادتنا الوطنية أو تخلينا عن مصالحنا، انه ينم عن مسؤولية املتها علينا نجاحاتنا ونحن نعبر عن وسائل جديدة للعمل مع الأمم الأخرى من أجل ردع العدوان وتحقيق السلام ونتطلع إلى عالم مبني على الالتزام المشترك بين الأمم الكبيرة والصغيرة بمجموعة من المبادئ التي ترسوا عليها علاقاتنا وتشمل التسوية السلمية للنزاعات، والتضامن في وجه العدوان وتخفيض ترسانة الاسلحة ومراقبتها والتعامل العادل مع الشعوب”[108].

يعتبر الكلام الذي جاء به الرئيس الأمريكي بوش الاب خدعة للعالم، فالولايات المتحدة الأمريكية كان همها الوحيد فرض السيطرة المطلقة على العالم وهذا ماظهرته التقارير الاستراتيجية للامن القومي الأمريكي، فقد حدد احد التقارير الاستراتيجية منذ عام (1991) دور وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية في العالم لتحقيق استراتيجيتها وكما يأتي[109].

أولاً: مساعدة الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة وحمايتها.

ثانياً: تأمين تدفق النفط برعاية أمريكية مباشرة.

ثالثا: الحد من الاسلحة المصدرة إلى دول العالم الثالث، ولاسيما الاسلحة ذات الدمار الشامل.

رابعا: منع الحروب الاقليمية ودفع عملية التسوية في الشرق الأوسط.

خامساً: التشدد ازاء الدول الداعمة للارهاب.

سادساً: تأمين وجود عسكري دائم في الشرق الأوسط للحفاظ على امن الخليج العسكري والسياسي والاقتصادي.

نجد ان التحولات الجوهرية في البيئتين الامنيتين الاقليمية والعالمية تضفي اهمية جديدة على مفاهيم الاستراتيجية الأمريكية في بداية القرن الحادي والعشرين.

تبنى الاستراتيجية الأمريكية “على استراتيجية الامن القومي والاستراتيجية العسكرية الموجهتين بشكل واضح إلى خلق بيئة دولية تتجاوب بفعالية مع الازمات، وتحضر لحرب رئيسية في مسرح عمليات واحد ولعمليات اخرى ذات نطاق اصغر ايضاً. يمكن الاعمال الموحدة للقوات المسلحة الأمريكية ان تتحسن من خلال استخدام عقيدة مشتركة توجه التخطيط العسكري في المستوى الاستراتيجي للحرب”(1)

تقدم الاستراتيجية الأمريكية رؤية القيادة العليا وتوجيهاتهم عن الكثير جداً من النشاطات التي تحمي المصالح الأمريكية ضمن مناطق المسؤولية الجغرافية والوظيفية. “وهنا تبرز حاجه ملحة إلى استراتيجية عليا تجمع أو توحد الكثير من النشاطات الاقليمية الأمريكية والمتعددت الاطراف المعنية، لذا يجب الاخذ في الحسبان السياسة والمصالح والتحالفات الأمريكية اضافة إلى القضايا الاقتصادية ،والسياسية، واسلحة التدمير الشامل، والتكنولوجيا الجديدة، والحرب المعلوماتية، ضمن اعتبارات اخرى. وتكون الاستراتيجية العليا مجدية اذا جمعت بين التعاون ضمن الوكالات الدفاعية الأمريكية والدعم الذي يحتاج اليه غالباً القائد العام من نجاح المهمة”(2)

حددت الاستراتيجية الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي “بالتحول من سيناريو خوض الحرب العالمية لكي يوجهوا جهودهم التخطيطية إلى العمليات الاقليمية وهكذا فأن المخططين المشتركيين قد اعدوا ثلاثة خطط حربية مرقمة ذات موارد وقدرات كاملة ومصانة؛ وهي تضم خطتين لعمليات طوارئ اقليمية في (العراق وكوريا) اضافة إلى خطة استخدام اسلحة نووية داعمة”(3)

يعتبر مبدأ بوش الاب هو الذي جمع مابين الاستراتيجية التقليدية والمعلوماتية في حرب الخليج الثانية عام (1991م) من خلال تحشيد معظم دول العالم في حلف عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد العراق متضمناً هدفيين احدهما ظاهرياً هو اخراج العراق من الكويت والثاني ضمنياً بأعتبار الحرب هي جزء من تنفيذ الاستراتيجية العالمية الأمريكية بالسيطرة على مصادر الطاقة في الشرق الاوسط وخاصة دول الخليج العربي.

تجسدت تلك الاستراتيجية المدعومة “بالجانب المعلوماتي والتقني بعد استلام جورج بوش الابن قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأرسل تصوره إلى الكونغرس في 20 ايلول (2002م) والذي تضمن رؤيته وافكار معاونيه بعد الحدث الذي زلزل الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (2001) بتسيير تلك الاستراتيجية المرافقة لمبدأ العولمة والتي تتعبر نهج سياسي مرادف تستخدمه الولايات المتحدة للسيطرة على العالم عسكرياً واقتصادياً وتقنياً. وانطلق تحت هذا المبدأ الاستخدام المشترك للقوتين الاقتصادية والعسكرية المستتندة على المعلومات”(1)

تضع الاستراتيجية القومية العسكرية الأمريكية “مهمة مزدوجة امام القادة الكبار فهي تبعد العدوان بوساطة امكاناتها الرادعة والقتالية وبأستخدام كافة التقنيات وتزيد على نحو منسجم ومتزامن من درجة الاستقرار في مجالاتها المعنية عبر التأثير المتبادل البناء والتعاون الاقليمي”(2)

يشكل هذا النوع الجديد من الحروب ضمن الاستراتيجية الأمريكية عصر ثورة المعلومات والذي يعتبر المذهب الخاص لجورج بوش الاب والابن واللذين تميزت فترتي حكمهما بزوال الاتحاد السوفيتي السابق ومعسكره الاشتراكي، وشهدت قيام القوات الأمريكية بأحتلال افغانستان والعراق.

اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية مبدأ جديد مع احتمال تطويره بشكل يتلائم ويستجيب لمتطلبات جديدة، فأحتلال القوات الأمريكية للعراق يشكل عنصراً غير جديد دخل على العقيدة العسكرية الأمريكية، وخاصة بعد تكون معالم النظام الدولي الجديد ،وما تفرضه التقانة العسكرية الجديدة ومستلزمات العولمة، وعلى الرغم من ان الحرب مثلت اللعبة النهائية التي جرى فيها اللعب بأوراق السياسة العالمية، وتأكدت فيها تضافر عناصر القوة (القوة العسكرية، والقدرات الاقتصادية، والتقنيات العلمية).

استمرت الولايات المتحدة على نفس الاستراتيجية والمبدأ وهو السيطرة على العالم وكل الذي تغير هو بعض الوسائل التكتيكية للتاقلم مع المعطيات المستجدة، فبعد أن سيطرت على نفط الخليج تحاول استكمال سيطرتها على كل نفط العالم، وهنا يمكن فهم أهداف حرب افغانستان غير المعلنة للوصول إلى بحر قزوين، وما يجري اليوم في فلسطين والشرق الأوسط غير منفصل عما يجري في افغانستان. فالولايات المتحدة تريد تأمين طريقا امنا لنفط قزوين عبر الشرق الأوسط (تركيا أو غيرها). وإسرائيل تنفذ جزء مهما من هذه الاستراتيجية بمحاولة تهيئة الارضية أمام شرق اوسط مطيع وهادئ، وفي هذا الاطار يمكن فهم القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية واحلال سلطة بديلة تكون اطوع لتنفيذ ماهو مطلوب منها في سياق هذه الاستراتيجية، فإسرائيل لا يمكن فهم استراتيجيتها بمعزل عن استراتيجية الولايات المتحدة وتبقى في النهاية القاعدة المتقدمة لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية[110].

تعد احداث ايلول 2001 زلزالا حقيقيا على الصعيدين الاستراتيجي والسياسي الأمريكي وتحتل اهم اكبر موقع بعد انهيار الكتلة الاشتراكية منذ الحرب العالمية الثانية وقد ادى لتغيرات كبيرة في الاوضاع والموازين للقوة الدولية[111].

رفع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن شعاراً: “من ليس معنا فهو مع الارهاب”. والحرب على الارهاب طويلة الزمن، متنوعة الوسائل لهذا فان هذة المحاربة تتطلب تحالفاً دولياً، وتأخذ نوعاً جديداً من الحروب المستمرة ويجعلها وسيلة بديلة عن السياسة. وانصاع نظام بوش لرأي المتنفذين في السياسة الأمريكية وبدأ بتطبيق افكارهم وعلى رأسهم “جوزيف ناي” صاحب كتاب (تناقض القوى الأمريكية) والذي تسأل فيه: لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تقود العالم بمفردها وتحتاج إلى تحالف دولي بعد احداث ايلول 2001 لمحاربة الارهاب ومواجهة المشكلات العالمية، كأحتلال افغانستان والعراق، وتهديد سوريا ولبنان وايران وكوريا الشمالية؟ لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة السيطرة على العالم؟ كانت نداءات ناي ايقاظا للامة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وأصبحت الولايات المتحدة قوة وحيدة مسيطرة وخاصة بعد أن حققت نصرا سهلا في حرب الخليج الثانية 1991 وقصفت صربيا دون أن تسبب لها خسائر، وقد ادرك جوزيف ناي أن ثورة المعلومات والاتصالات سحبت القوة من ايدي الحكومات ووضعتها بأيدي الجماعات المتنفذة، ويبدوا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن انتقى تيار العالمية الاحادية وهكذا جاءت الاستراتيجية الأمريكية بعد احداث ايلول[112].

تغيرت الاستراتيجية الأمريكية بعد احداث ايلول 2001 وشملت ما يأتي[113]:

أولاً: التخطيط على ثلاث مستويات وتضمن ما يأتي :

(1). الدفاع عن الدولة بقيادة مخابرات واحدة ومهام للقوات العسكرية في الداخل.

(2). كفاءة وإيجابية العمل العسكري الخارجي وعلى شكل مراحل وكما يأتي :

– المرحلة الأولى افغانستان وبالاتفاق مع أوروبا.

-المرحلة الثانية العراق وخلاف مع بعض دول أوروبا.

(3). تطوير عقيدة استخدام القوة النووية وتحديد محور الشر المتمثلة بأيران

وكوريا الشمالية وبعد سقوط العراق الذي كان احداها، وتحديد دول تحت احتمالات الضربة النووية مثل سوريا وليبيا والصين.

ثانياً: عمليات افغانستان حققت الهدف العسكري لكن تحقيق الهدف السياسي لازال يتطلب استمرار العمليات وعدم توقيفها.

ثالثا: التصميم على فكرة التحالف طبقا لتصوراتها ويمكن تقسيمة إلى ما يأتي :

(1). حلفاء تقليدين: أوروبا واليابان.

(2). حلفاء رئيسين: إسرائيل وتركيا.

(3). حلفاء اقليميين: دول الخليح العربي الخاصة وغالبية الدول العربية عامة.

رابعا: مراحل تنفيذ الاستراتيجية وتضمنت ما يأتي :

(1). المرحلة الأولى:افغانستان.

(2). المرحلة الثانية: العراق.

(3). المرحلة الثالثة: ايران ودول أخرى كسوريا.

خامساً: التغيير في سياسة واستراتيجية استخدام القوات وكما يأتي:

(1). مراجعة استخدام القوة النووية.

(2). استخدام انواع جديدة من الحرب والتي يطلق عليها الحرب غيرالمتوازنة (إسرائيل ضد فلسطين)، والحرب الموزعة الولايات المتحدة ضد العالم كله.

(3). تغيير جوهر العمليات العسكرية الأمريكية من الاستراتيجي(الحرب الباردة) إلى العمليات (جماعات ودول اقليمية) ويدعمها مستويين الأول يمثل تغير شكل وطبيعة القيادة الاستراتيجية للقوات والقيادات العملياتية، والثاني زيادة قدرة الاستطلاع والمخابرات الاستراتيجية والتكتيكية لجمع اكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة.

وتأسيسا على ماتقدم يرى الباحث أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية مبنية على أساس القوة العسكرية مدعومة بالموارد الاقتصادية والتقنية والنووية، وقد أصبح الهدف الأول والاعظم للاستراتيجية الأمريكية ان تحشد من القوة وان تمتلك من القدرة، مايتناسب ويتكافأ ويتلائم مع الغاية التي تتوخاها وتنشدها وفي عصر الاسلحة الحرارية والنووية والتقنيات التي جلبتها ثورة المعلومات، فأن مشكلة الفائض من القوة بالقياس إلى الغاية المطلوبة قد اصبحت تحتل مركز الصدارة والأولوية في الفكر الاستراتيجي والامن القومي على الصعيد السياسي الخارجي العالمي ومن هنا اصبحت العلاقة مابين القوة والدبلوماسية واهية ولذلك رجح مفهوم الحرب على الارهاب استخدام الحرب كوسيلة مستمرة بديلة عن السياسة[114].


الهامش

[1] قادر، العقيد الركن المتقاعد عزيز، حرب الأفكار، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1988، ص13.[2] بوفر، أندريه، مدخل إلى الاستراتيجية العسكرية، ترجمة أكرم ديري والهيثم الأيوبي، دار الطليعة للنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1968، ص27.

[3] هارت، ليدل، الاستراتيجية وتاريخها في العالم، تعريب الهيثم الأيوبي، منشورات دار الطليعة، الطبعة الأولى، بيروت، 1976، ص399.

[4] بوفر، أندريه، مدخل إلى الاستراتيجية العسكرية، مصدر سابق، ص28.

[5] هارت، ليدل، الاستراتيجية وتاريخها في العالم، مصدر سابق، ص397.

[6] نفس المصدر السابق.

[7] فهمي، أ. د.عبد القادر محمد، المدخل إلى الاستراتيجية، مصدر سابق، ص37.

[8] كوف، الجنرال أ. استرو، تاريخ فن الحرب، ترجمة العميد الركن صباح الدين الأتاسي، الطبعة الأولى، الجزء الأول، دمشق، 1968، ص16-17.

[9] فهمي، أ. د. عبد القادر محمد، المدخل إلى الاستراتيجية، مصدر سابق، ص38.

[10] نفس المصدر السابق، ص39.

[11] السماك، د.محمد زاهر، الجغرافية السياسية – أسس وتطبيقات، مصدر سابق، 1988، ص7.

[12] مراشدة، علي، ومعابرة، شامان، الاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مصدر سابق، ص7.

[13] طلاس، العماد. مصطفى، الاسترتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص373.

[14] سالم، اللواء. د. صلاح، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن القومي للمجتمع، مصدر سابق، ص23.

[15] نفس المصدر السابق، ص24.

[16] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص134.

[17] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، المصدر نفسه .

[18] زادة، زلماي خليل، المعلومات والمعلوماتية في الحرب الحديثة، مصدر سابق، ص135.

[19] توفلر، الفين وهايدي، أشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها، مصدر سابق، ص158.

[20] نفس المصدر السابق، ص170.

[21] الهادي، د. محمد، تكنولوجيا المعلومات وتطبيقها، مصدر سابق، ص48.

[22] سالم، اللواء الدكتور صلاح، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن القومي للمجتمع، مصدر سابق، ص109.

[23] زاد، زلماي خليل، ووايت، جون، الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مصدر سابق، ص122.

[24] بن عبد الله، اللواء الركن يوسف، الاستراتيجية ودور عباقرة الفكر في تطويرها، مصدر سابق، ص401.

[25] مديرية الاستخبارات العسكرية العراقية، كراسة الاستخبارات السوقية، بغداد، 1985، ص42.

[26] كراسة الاستخبارات السوقية، المصدر نفسه.

[27] بن عبد الله، اللواء الركن يوسف، مصدر سابق، ص402.

[28] مديرية الاستخبارات العسكرية العراقية، كراسة الأمن والمكافحة للضباط، بغداد، 1985، ص15.

[29] الرزو، د. حسن مظفر، الفضاء المعلوماتي، مصدر سابق، ص247.

[30] كلية الحرب الملكية الأردنية، الأسلوب والمنهجية العسكرية، دورة الحرب 13، 2000، ص174.

[31] فتحي، الفريق الركن محمد، القيادة في ميدان معركة المستقبل، مجلة التطوير القتالي، بغداد، 1988، ص34.

[32] محمد، اللواء عبد الوهاب، حرب المعلومات والتقنيات الاستخبارية المتطورة في القرن المقبل، مجلة الهدهد، العدد7، بغداد،1990، ص14.

[33] جريو، أ. د. داخل حسين، تقانة المعلومات والأمن القومي، مجلة آفاق عربية، العدد10، بغداد، 1998، ص24.

[34] توفلر، الفين وهايدي، أشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها، مصدر سابق، ص173.

[35] بن عبد الله، اللواء الركن يوسف، الاستراتيجية ودور عباقرة الفكر في تطويرها، مصدر سابق، ص405.

[36] نفس المصدر السابق، ص406.

[37] توفلر، إلفين وهايدي، أشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها، مصدر سابق، ص158.

[38] نفس المصدر السابق، ص174.

[39] نفس المصدر السابق، ص164.

[40] أبوزيد، فاروق، انهيار النظام الإعلامي الدولي من السيطرة الثنائية إلى هيمنة القطب الواحد، مطابع أخبار اليوم، طبعة أولى، القاهرة، 1991، ص43.

[41] عبد الهادي، د. محمد فتحي، تكنولوجيا الاتصال الحديثة في عصر المعلومات، مصدرسابق، ص45.

[42] نفس المصدر السابق، ص46.

[43] سالم، اللواء الدكتور صلاح، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن القومي للمجتمع، مصدر سابق، ص65.

[44] نفس المصدر السابق، ص66.

[45] توفلر، الفين وهايدي، أشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها، مصدر سابق، ص165.

[46] المياح، د.عبد اللطيف علي، الطائي، حنان علي ، ثورة المعلومات والأمن القومي العربي، مصدر سابق، ص248.

[47] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية والعسكرية، مصدر سابق، ص333.

[48] نصر، صلاح، الحرب النفسية، معركة الكملة والمعتقد، ج2، ط2، القاهرة، 1967، ص98.

[49] نفس المصدر السابق، ص99.

[50] نفس المصدر السابق، ص100.

[51] بدر، د. أحمد، الاتصال بالجماهير والدعاية الدولية، دار القلم، ط1، الكويت، 1974، ص207.

[52] الدباغ، د. فخري، الحرب النفسية، وزارة الثقافة والإعلام العراقية سابقا، الموسوعة الصغيرة، بغداد، 1979، ص3.

[53] الأيوبي، الهيثم ورفاقه، الموسوعة العسكرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ج1، بيروت، 1977، ص767.

[54] نصر، صلاح، الحرب النفسية – معركة الكلمة والمعتقد، مصدر سابق، ص7.

[55] توركماني، العماد حسن، وزير الدفاع السوري، الصراع المعلوماتي، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007، ص91.

[56] شيت، خطاب، محمود، اقتباس النظام العسكري، دولة قطر، الدوحة،1400هـ، ص147.

[57] زاد، زلماي خليل، ووايت، جون، الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مصدر سابق، ص133.

[58] زاد، زلماي خليل، ووايت، جون، الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مصدر سابق، ص134.

[59] نفس المصدرالسابق، ص136.

[60] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص324.

[61] حسين، العميد الركن الدكتور عبد الله محمود، دراسات في التاريخ العسكري، الطبعة الأولى، المنارة، بيروت، 2000، ص118.

[62] سعيد، أ. د. إبراهيم أحمد، ما بين الجغرافية والسياسة ومخاطر الجيوبوليتك والعولمة، الأوائل للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة 1/ 2006، ص17.

[63] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص327.

[64] نفس المصدر السابق، ص327.

[65] أبوعيانة، د.فتحي، الجغرافية السياسية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1998، ص11.

[66] سعودي، د.محمد عبد الغني، الجغرافية السياسية المعاصرة، المكتبة الأنجلومصرية، القاهرة، 1990، ص5.

[67] الديب، د. محمد إبراهيم، الجغرافية السياسية – منظور معاصر، المكتبة الأنجلومصرية، القاهرة، 1989، ص51.

[68] جاكسون، العلاقات الجغرافية السياسية، ص10، عن أ.د. إبراهيم أحمد سعيد، مابين الجغرافية والسياسة ومخاطر الجيوبوليتك والعولمة، مصدر سابق، ص54.

[69] سعيد، د. إبراهيم أحمد، مصدر سابق، ص22.

[70] مقلد، د. إسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية، دارسة في الأصول والنظريات، مطبوعات جامعة الكويت، الكويت1979، ص235.

[71] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص332.

[72] سعيد، أ. د. إبراهيم أحمد، مابين الجغرافية والسياسة ومخاطر الجيوبولتيك والعولمة، مصدر سابق، ص24.

[73] صالح، حسين عبدالقادر، المظهر الجغرافي لقوة الدولة، جمعية عمال المطابع التعاونية، ط1، عمان، 1967، ص14-17.

[74] سعيد، أ. إبراهيم أحمد، استراتيجية الأمن المائي العربي، دار الأوائل، دمشق، 2002، ص220.

[75] سعيد، أ. د. إبراهيم أحمد، مابين الجغرافية والسياسة ومخاطر الجيوبولتيك والعولمة، مصدر سابق، ص178.

[76] نفس المصدر السابق، ص179.

[77] طلاس، العماد مصطفى، الاستراتيجية السياسية العسكرية، مصدر سابق، ص329.

[78] مراشدة، علي، ومعابرة، شامان، الاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مصدر سابق، ص51.

[79] الأسلوب والمنهجية العسكرية، كلية الحرب الملكية الأردنية،مصدر سابق، ص4.

[80] طلاس، العماد مصطفى، مصدر سابق، ص332.

[81] بطرس، أنطوان، المعلومات على مشارف القرن الحادي والعشرين، مصدر سابق، ص205.

[82] المياح، د.عبداللطيف، الطائي، حنان، ثورة المعلومات والأمن القومي العربي، مصدر سابق، ص251.

[83] أيوب، د.مدحت، الأمن القومي العربي في عالم متغير، مصدر سابق، ص288.

[84] المياح، د. عبد اللطيف، الطائي، حنان علي، ثورة المعلومات والأمن القومي العربي، مصدر سابق، ص255.

[85] زاد، زلماي خليل، وايت، وجون، الدور المتغير لحرب المعلومات، مصدر سابق، ص121.

[86] أيوب، د.مدحت، الأمن القومي العربي في عالم متغير، مصدر سابق، ص288.

[87] المياح، د.عبد اللطيف علي، الطائي، حنان علي، مصدر سابق، ص263.

[88] نفس المصدر نفسه.

[89] توركماني، العماد حسن، الصراع المعلوماتي، مصدر سابق، ص5.

[90] المياح، د.عبد اللطيف، الطائي، حنان، ثورة المعلومات والأمن القومي العربي، مصدر سابق، ص264.

[91] توفلر، الفين وهايدي، أشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها، مصدر سابق، ص174.

[92] زاد، زلماي خليل، ووايت، جون، الدور المتغير للمعلومات في الحرب، مصدر سابق، ص107.

[93] نفس المصدر السابق، ص123.

[94] صايغ، يزيد، الصناعات العسكرية العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، ص388.

[95] توركماني، العماد حسن، الصراع المعلوماتي، مصدر سابق، ص24.

[96] النقري، د.معن، المعلوماتية والمجتمع ما بعد الصناعة ومجتمع المعلومات، المركز الثقافي العربي، عن مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007، ص284.

[97] أيوب، د. مدحت، الأمن القومي العربي في عالم متغير، مصدر سابق، ص280.

[98] مشتاق، أ.حازم طالب، كيسنجر، هنري، لعقيدة الاستراتيجية الأمريكية ودبلوماسية الولايات المتحدة، ط1ذ، بغداد،1987، ص26.

[99] مشتاق، أ.حازم طالب، كيسنجر، هنري، مصدر سابق، ص28.

[100] مشتاق، أ.حازم طالب، كيسنجر، هنري، الاستراتيجية الأمريكية ودبلوماسية الولايات المتحدة،مصدر سابق،ص64.

[101] اوتكين، اناتولي، الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، المجلس الأعلى للثقافة، دمشق، 2003، ص21.

[102] مشتاق، أ.حازم طالب، كيسنجر، هنري، مصدر سابق، ص51.

[103] هارت، ليدل، التاريخ فكرا استراتيجيا، تقديم حازم طالب مشتاق، بغداد، 1988، ص120.

[104] ادم، دورتي، حرب الفضاء، ترجمة انيس الراوي، شاكرنصيف، بغداد، 1989، ص24.

[105] اوتكين، اناتولي، الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين،مصدرسابق، 2003،ص19.

[106] اناتولي اوتكين، مصدرسابق، 2003،ص20.

[107] نفس المصدر السابق.

[108] ايوب، مدحت، الأمن القومي العربي في عالم متغير، مصدر سابق، ص100.

[109] (1) منديل، وليام، استراتيجيات القادة العامين وعملية القيادة القتالية، ترجمة العميد نافع ايوب، مركز الدراسات العسكرية دمشق، 1998، ص8.

(2) نفس المصدر السابق، ص13. 16

[110] ايوب، مدحت، مصدر سابق، ص106.

[111] الحاج، عزيز، احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 كما يراها مفكرون وكتاب عرب، دار الكرمل، عمان، 2007، ص40.

[112] مجلة الفكر العسكري، الإدارة السياسية في الجيش العربي السوري، العدد 3، دمشق،2005، ص25.

[113] ايوب، مدحت، الأمن القومي العربي في عالم متغير، مصدر سابق، ص107.

[114] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close