كتب إلكترونية

رحلة دبلوماسي ستون عاما في حب مصر ـ 7

العمل الوطني قبل ثورة يناير: مبادرات وعصيان

من بدايات 2000 كان المشهد السياسي المصري يمر بمحنة شديدة حيث عم الفساد وتصاعدت عمليات القمع والاعتقال والتعذيب والقتل لشباب القوى السياسية المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية ورفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة. واستكمالا للاتصالات المتوالية مع القوى الوطنية والنخب السياسية.

الفصل الأول: مبادرات وطنية

دفعني اقتناعي بفساد الحكم وانسداد العمل الديمقراطي وقمع الحريات إلى الدخول في معترك جديد عليّ تماما، فلن أكن حركيا كما لم أنضم إلى حزب سياسي طوال ما سبق من أعوام ثم جاءت قيود الوظيفة فكبلتني حيث يحرم قانون السلك الدبلوماسي الانتماء لأي حزب سياسي أو العمل بالسياسة، لذلك وبعد أن تخلصت من آثار الوظيفة بدأت بكتابة المقالات في الصحف ثم أجريت بعد ذلك العديد من الاتصالات والاجتماعات مع النخب والفصائل السياسية.

وفكرت في أن الوقت قد حان لتشكيل مجوعة فكرية سياسية تجتمع بصفة دورية لمناقشة الشأن العام واعتقدت استجابة سهلة لأنني متواصل مع الجميع وأنهم لن يظنوا أن أحدا يحركني سواء من المعارضين أو ممن لهم اتصالات مع السلطة.

 وعلى هذه الخلفية وجهت يوم 22 نوفمبر 2006 دعوة لنخب تمثل مختلف الاتجاهات والأيديولوجيات وأعددت ورقة عمل للإعداد والتفكير في الوسائل الممكنة لإزاحة هذا الطاغوت عن حكم مصر وخطته في توريث نجله جمال. وذلك لطرحه على الرموز الوطنية للنقاش فيه في لقاء ودي بمكتبي بين الأصدقاء يوم 5 ديسمبر 2006، في مبادرة شخصية لا يقف وراءها أي حزب أو جماعة أو جهة، وهو لقاء أردته أن يكون حرا ومفتوحا وغير مقيد بأجندات مسبقة، فقد رأيت أنه من المفيد قبل اللقاء أن أطرح في ورقة عمل تصوري لبعض الأفكار التي قد تجسد معالم الموقف الداخلي في مصر والتي قد تقبل أو ترفض أو يجري تعديلها أو استبعادها أثناء اللقاء تضمنت ما يلي:

  • يوجد على الساحة حراك سياسي مكتوم وضعيف شاركت فيه كتل شعبية معظمها من شباب الجيل الجديد الذي لم يسبق له ممارسة السياسة والذي نشأ في جو يباعد بينه وبين الممارسة السياسية، وبادرت به هيئات نخبوية نبيلة وشجاعة مثل حركة كفاية وقضاة مصر وأساتذة الجامعات وبعض النقابات، يثور أحيانا ويخبو أحيانا.
  • ·  تبلورت على المسرح السياسي عدة معطيات تفرض نفسها على أي تحليل للموقف السياسي في الفترة القادمة.
  • تولد توافق عام بين النخب السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني أن أسلوب الإصلاحات الجزئية جرعة بعد جرعة التي تأتي بشكل ومفهوم المنح لم تعد تجدي وأن الوطن يحتاج لتحقيق إصلاح سياسي شامل قبل أن يسقط وينهار.
  • أن السلطة ماضية في طريقها نحو تنفيذ مخططاتها ورؤيتها الجزئية في الإصلاح السياسي غير عابئة برؤى القوى السياسية المعارضة، وأن التوريث قادم لا ريب فيه.
  • ·  وأن السلطة لا تسمح بالتغيير الشامل والحقيقي بالوسائل الديموقراطية مستندة إلى القدرة القمعية الهائلة والسلطات غير المحدودة التي تتمتع بها أجهزة الأمن الداخلي.
  • وأن كل الحراك السياسي الذي شهدناه ليس من شأنه أن يحدث تغييرا جوهريا، ولا أن يضعف من قبضة النظام.
  • ·  أنه نتيجة لذلك تولدت قناعة عامة في الأوساط السياسية بأننا نعاني من حالة انسداد سياسي لا تسمح بالإصلاح السياسي بالوسائل الديمقراطية خاصة وأن الأحزاب الفاعلة على الساحة قد تقلصت جذورها وتباعدت عن قواعدها تحت القمع.
  • أن أقواها وهي جماعة الإخوان المسلمين وتكاد تكون هي الوحيدة التي ما زالت على صلة بقاعدتها قد عانت طويلا من أبشع وسائل التعذيب والقتل والتشريد مما يحد كثيرا من حريتها ورغبتها في أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع السلطة.
  • ·  أنه لا بد أن نستخلص من ذلك أن منهجيات وأساليب التحرك أو الحراك السياسي قد قاربت الوصول إلى نهاية قدراتها علي فرض تغيير سياسي فاعل وحقيقي.

تمزق النخب:

  • ومع وضوح هذه المعطيات ودلالاتها – قبل ثورة 25 يناير -، فإن بعض النخب السياسية الوطنية المخلصة والنشطة لم تستطع إبعاد إقدامها عن اللعب في ساحة السلطة التي تحقق أهدافها على حساب الأحزاب والنخب السياسية
  • وبذلك تمكن النظام من تمرير التعديلات الدستورية وسن القوانين وفقا لرؤيته على رقبة كل أعضاء البرلمان.
  • تعديل المادة 76

في هذا الجو صدرت مبادرة الرئيس مبارك في طرح المادة 76 الشهيرة ضمن المواد التي يراد تعديلها بعد أن كان ذلك مستبعدا تماما بالنسبة لها وللمادة 77. وفي صورة تصريح مفاجئ من الرئيس مبارك بأنه لا يمانع من إعادة تعديل المادة 76 الشهيرة ضمن برنامج التعديلات الدستورية الذي ينتوي إجراءها في الدورة البرلمانية القادمة.

توقعات الثورة:

 وسط هذه المعطيات راهن الكثيرون من زعماء الأحزاب والنخب المعارضة وقوى التغيير على غضبة جماهيرية عنيفة تقنع النظام بالتجاوب معها وتلبية مطالب الشعب في إرساء ديمقراطية تحوطها الحرية والشفافية.

  • ومع ذلك كان لدينا شعور بأن السلطة غير منزعجة من حدوث هذا الاحتمال نظرا لسيطرتها الأمنية البوليسية الكاملة التي تستطيع سحق أي محاولات من هذا القبيل. وخلصت للسؤال الهام الذي تطرحه القوى السياسية ويغلي به الشارع… ما العمل؟؟!!

ما العمل:

  • واستطردت في ورقة العمل التي أعددتها للاجتماع المرتقب بأنه في ضوء المعطيات السابقة تصبح كل تحركات الأحزاب السياسية الفاعلة والنخب السياسية والمدنية في ملعب النظام بلا مردود، ويصبح مخطط السلطة في التعديلات الدستورية والتوريث نافذا، ويصبح دخول الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية في هذه اللعبة العبثية لا طائل من ورائه إلا تكريس مخطط السلطة، فلم يبقى أمامنا إلا عدة بدائل:
  • البديل الأول هو تقبل الأحزاب والنخب السياسية المنهج التدريجي للنظام والذي يعتبر الديمقراطية منحة تعطى بالتدريج حسب تقديرها
  • ·  البديل الثاني: وعليه فلا مناص من أن تجمع الأحزاب والقوى السياسية على البقاء خارج لعبة السلطة وعدم المشاركة في أي انتخابات أو ممارسات تمكن السلطة من التستر وراء غلالة من المشروعية لتنفيذ مخططها.

البديل الثالث:

 في حالة الرغبة والقدرة على تنظيم ضغوط جماهيرية قوية تصل إلى مرحلة الانتفاضة الشعبية في إطار المشروعية الدستورية والقانونية في مواجهة قوة القمع التي يستند لها النظام، تبرز الحاجة إلى العدول عن الصياغات والجبهات والتجمعات الحزبية القائمة، وضرورة توحيد كافة القوى متحدة متضامنة.

  •  والخلاصة التي يمكن الخروج بها هي أننا لم نعد نملك ترف الخلافات والمنازعات بين الأحزاب والنخب، ولا بد أن نرسي وحدة وطنية جماهيرية حتى نستطيع أن نحقق الهدف الكبير وهو إنشاء نظام ديمقراطي سليم يكرس تداول السلطة وننعم فيه بالحرية والشفافية وكرامة الإنسان المصري.

الدعوة لاجتماع القوى السياسية والشخصيات العامة

علي أساس هذا العرض دعوت لاجتماع بمكتبي في 3 ديسمبر 2006 لكافة النخب الفاعلة وعددها 26 شخصا ولكني أصبت يومها بكثير من الإحباط لقلة المشاركين، وللحق فقد تلقيت اعتذارا من شخصيتين كبيرتين فقد اعتذر الأستاذ هيكل رغم موافقته علي ما جاء بورقة العمل من حيث المبدأ وذكر أنه فضل دائما وفي كل الأوقات أن يلتزم بصفته ككاتب صحفي وليس كشخصية سياسية ولذلك فهو لا يشارك في مثل هذه الفعاليات، أما المستشار طارق البشري فقد قال بصراحة إنه لا يشارك في اجتماعات أو جهود حركية وقد قدرت لهما ذلك أما بقية الغائبين فلم يصلني منهم أي اعتذار.

الفصل الثاني: الدعوة للعصيان المدني

ومع ذلك لم يصبني اليأس لأنني كنت أكاد أن أرى الثورة علي الأبواب فواصلت دعوتي في كلمتي يوم حفل تكريمي بنقابة الصحفيين السبت 13 أغسطس 2008 التي امتلأت فيها القاعة الكبرى بالدور الرابع والذي حصلت فيه علي شهادة تكريم صادرة من لجنة الحريات بالنقابة التي نظمها الأستاذ محمد عبد القدوس مقرر لجنة الحريات واستأذنت في كلمتي بعرض هموم شيخ منصرف في بلاد لم تعد كبلادي وقلت إنني من جيل آخذ في الانصراف، ولكنه جيل لم يفقد إيمانه أبدا بأن مصر ستسترجع حريتها وعظمتها وستعود لممارسة دورها الرائد ومسئولياتها الكبرى.

وأوجزت فيها رؤيتي التي ركزت فيها على انهيار نظام مبارك واقترابه للنهاية والذي دعوت فيه للمقاومة الشعبية وصولا إلى العصيان المدني.

  •  وقلت إنني لست متخيلا أو متمنيا، فمصر عرفت أشكالا متقدمة من الحرية والديمقراطية في العصر الحديث منذ ما يقارب قرنين من الزمان.
  • وكان الشعب يعزل الوالي الذي تعينه الأستانة ويصيح فيه صيحته الشهيرة. (انزل يا باشا)
  • كذلك رفض مجلس شورى القوانين قرار الخديوي بحله. واستمر منعقدا.
  • ·  وقام الشعب بثورة 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول ضد الاحتلال البريطاني.
  • وحاسب مجلس النواب الملك علي مخصصاته ونظر في مسالة نفقات إصلاح اليخت الملكي المحروسة.
  • وأخيرا قام الشعب بتأييد حركة 23 يوليو بزعامة عبد الناصر، الذي حولها إلى ثورة شعبية عندما انحاز للجماهير في مصر والعالم العربي، ونجح في إعداد خطة طموحة للتنمية ووضع مصر والعرب في مكانة مرموقة لها وزن ثقيل ونفوذ مؤثر، ومهابة كبيرة على الساحة الدولية، وإن فاته إرساء نظام ديمقراطي وإنهاء الشمولية

وتساءلت على ضوء ما سبق هل يعقل أن يستمر تخلف مصر وانبطاحها.

 وأضفت أن مصر لا تستحق بعد هذه الإنجازات أن تتراجع لتعيش في القرون الوسطي وسط سلبيات خطيرة مثل الدكتاتورية وشمولية الحكم طوال 60 عاما حيث يملك الجالس على قمة النظام وحده السلطة دون شريك ويورثها لأبنائه وأحفاده؟ وتكون السيادة لإرادة الحاكم وليس للقانون بلا حرية ولا ديمقراطية ولا شفافية، بل عقلية أمنية قمعية.

وأضفت بأننا لا بد من مواصلة مسيرة التغيير في إطار القانون والدستور من الإضراب حتى العصيان المدني.

الفصل الثالث: عمل وطني تنظيمي

لم يكن أمام المعارضين لنظام مبارك المتهالك بعد أن زكمت الأنف رائحة فساده وقسوة قمعه إلا مواصلة الأنشطة السياسية والاجتماعية ضده، وهكذا وجدت نفسي منخرطا في نشاط كفاية وما نشأ عنها من تشكيلات وتنظيمات وانتخبت عضوا في اللجنة التنسيقية بل اعتذرت عن ترشيحي منسقا عاما لها.

كما تواصلت مع شباب 6 أبريل التي كنت معجبا بنشاطها وأدخل مع قياداتها في مناقشات صريحة لا تخلو من توجيه أو نقد وبذلك تمكنت من حل الخصومة التي نشأت بينها وبين حركة كفاية. كما وافقت على فكرة إنشاء برلمان موازي وكنت عضوا فيه.

وتوالى قيامي بالمشاركة في الندوات والاجتماعات والمحاضرات التي عقدتها قيادات سياسية ونقابية وأكاديمية وبحثية، وواصلت نشر المقالات وتوجيه الانتقادات لحكم مبارك.

وأصبحت مشاركتي في ممارسة المعارضة بشكل مؤسسي أمرا ملحا، فنشأت عدة جماعات ومنظمات لم أجد غضاضة في المساهمة في نشاطها رغم عدم التطابق الأيديولوجي، طالما كان هدفنا جميعا هو إسقاط النظام، وحضرت مؤتمرات واجتماعات للإخوان المسلمين وحزب الغد ونقابات المحامين والصحفيين والأطباء والعلميين وخلافه.

جماعة نهضة مصر:

وقبيل الثورة بدأت تتبلور بعض التجمعات نظمتها شخصيات وطنية أذكر منهم الأستاذ سمير عليش الذي دعيت لمكتبه بالمعادي لحضور الاجتماع التأسيسي لجماعة نهضة مصر وقام الدكتور أشرف بلبع بإعداد ورقة العمل الأولى واستقبلنا هو والسيدة ماجدة عبد الباري وحضر الاجتماع الأول عدد وافر من الشخصيات البارزة التي قابلتها لأول مرة مثل الأستاذ سمير عليش ومحفوظ عبد الرحمن والسيد الغضبان ومحمود الخضيري وحسن نافعة وشخصيات صديقة مثل حمدي قنديل وعلاء الأسواني وجورج أسحق وأبو العلا ماضي وحمدين صباحي وامين اسكندر وغيرهم.

وفي الاجتماع الثالث 30 أكتوبر 2009 شكلت الهيئة التأسيسية لنهضة مصر وفقا للترتيب الأبجدي ومع حفظ الألقاب من إبراهيم يسري، أبو العلا ماضي، بهاء طاهر، جلال أمين، جورج إسحاق، حسن نافعة، مهندس حسين صبور، حمدين صباحي، حمدي قنديل، سمير عليش، سيد الغضبان، ضياء رشوان، عبد الجليل مصطفى، عبد الغفار شكر، علي السلمي، فاروق جويدة، فهمي هويدي، ماجدة عبد الباري، محفوظ عبد الرحمن، محمد السعيد إدريس، محمود الخضيري، يحيى الجمل، يوسف القعيد، أشرف بلبع، على أن قلة منهم لم تشارك في أعمال الجماعة. بينما انضمت إليها بعض النخب السياسي.

جماعة العمل الوطني:

 وبعد عدة اجتماعات تم قبول اقتراحي بتغيير الاسم إلى “جماعة العمل الوطني”.

وفي هذه الأثناء دخل الحراك الوطني مرحلة فاعلة، وبدأ المصريون يبحثون عن قيادات كاريزماتية تقود البلاد للحرية والديمقراطية والرفاهية، ولم يفز أي زعيم نخبوي بهذه الثقة من الجماهير التي راحت تبحث في الظلام عن قيادة قوية وفاعلة ومسيطرة، وهنا أدركنا خلو الساحة السياسية من قيادات كاريزماتية تقنع جموع الثوار.

 فراحوا يبحثون وسط هذا الظلام السياسي عن نجوم سياسية ساطعة بنورها المتلألئ في سماء الساحة فغلب علي خيارهم النهج الرومانسي فتطلعوا إلى مصريين بارزين علي الساحة الدولية بدلا من الساحة الداخلية من الحائزين علي جائزة نوبل الشهيرة مثل أحمد زويل ومحمد البرادعي اللذين عاشا قرابة أربعة عقود خارج مصر أو عمرو موسي الذي تصدرت سمعته الدولية بفضل توليه منصبي وزير الخارجية وأمين عام الجامعة العربية والتي استطاع بخبرته ومهارته في العلاقات العامة أن يسيطر علي الميديا في الخارج والداخل دون إنجازات هامة في صالح مصر والأمة العربية وأفريقيا وعدم الانحياز.

وسرعان ما خبا نور أحمد زويل وعمرو موسي ليسبقهما على الساحة محمد البرادعي الذي أقحمه هجوم صحف مبارك في ممارسة العمل السياسي الجديد عليه دون أساس مقبول من الخبرة وتلاطمت أمواج رومانسية ترشيح البرادعي لتؤثر على عملنا في جماعة العمل الوطني بعد أن توصلنا إلى صياغة بياننا بلغة حمدي قنديل المؤثرة.

وهنا أذكر أن الجماعة دعيت على عشاء ليلة اليوم المحدد لوصول البرادعي لمطار القاهرة، وطرح اقتراح قيام الجماعة باستقباله بالمطار وحاز ذلك موافقة عدد لا بأس من الحاضرين، وكنت من بين من يفضلون الانتظار لاستشراف فكر البرادعي وأسلوب ممارسته في حقل السياسة الداخلية وتواصله مع الجماهير، وكنت بين من لم يذهبوا لاستقباله بالمطار وعلمت أنه إما لم يعلم أو لم يهتم بلقاء مستقبليه وانطلقت سيارته دون أن يتحمل عناء التلويح بالتحية للمحتشدين لاستقباله.

وفي مساء من أوائل نوفمبر2009 انتهت جماعة العمل الوطني إلى التوافق على وثيقة تمثل جماع فكر المشاركين فيها في شكل نداء إلى الشعب المصري بعنوان “لم يعد الصمت ممكنا ألقاه الاعلامي حمدي قنديل الإعلامي الوطني اللامع، بالصالة الكبرى بالدور الرابع بنقابة الصحفيين أمام جمع كبير من المواطنين ضاقت بهم القاعة. وفتح الباب للتوقيع فوقعه عدد كبير من الحاضرين وبدأ البيان بالقول: نحن الموقعين على هذا البيان نعلن أن الصمت لم يعد ممكنًا ونحن نشهد مع إخوتنا المواطنين ما آلت إليه أحوال البلاد من تردٍي، نشهد الثروة محتكرةً متحافة مع السلطة، وتفاوتًا بين الطبقات زادت حدته، في حين استأثرت قلة قليلة بمقدرات البلد ومواردها وهربت بأموالها العامة إلى الخارج.

نشهد الاحتكار يستأسد، وقانون منع الاحتكار يجهض، والفساد يستشري في مفاصل الدولة، والشفافية تكاد تنعدم.

نشهد أنه لم يعد هناك تعليم ولم تعد هناك تربية، نشهد تدنيا مزريا للرعاية الصحية، وانتشارًا مقلقًا لأمراض الكلى والكبد والسكر والسرطان.

نشهد البطالة تتفشى، وأمل الشباب في المستقبل ينعدم.

نشهد تمزقًا في اللحمة الوطنية ينذر بالخطر، وطمسا للهوية المصرية والقومية، وإسفافًا في الإبداع، وانحطاطًا في الأخلاق العامة، وازديادًا متصاعدًا في معدلات العنف والجريمة.

ونسجل رفضنا للقصور الفاضح في إدارة الملفات السياسية الكبرى الخاصة بعلاقات مصر بدول المنطقة والعالم، وفي مقدمتها ما يتعلق بمحاولات الهيمنة الأجنبية، وما يتعلق بالمخططات الصهيونية احتلالاً وعدوانًا واستيطانًا وسلبًا للغاز المصري، وما يتعلق باقتسام مياه النيل، وما يتعلق بالوطن العربي والصلات الأفريقية.

ونسجل رفضنا لضياع مكانة مصر بين الأمم، وامتهان كرامة المصريين في الخارج بعد امتهانها في الداخل.

ونسجل رفضنا لانتهاك حرية المواطنين بأدوات التسلط والقمع والرقابة والتنصت، وفرض قانون الطوارئ لأكثر من ربع قرن، والسيطرة على الإعلام الرسمي والخاص، ومنع التظاهر السلمي، وحظر قيام أحزاب جديدة، والتعذيب في أقسام الشرطة.

ونسجل رفضنا للمضي في خطة توريث الحكم.

ونطالب بدستور يلبي طموحات الأمة تتم صياغته خلال مرحلة انتقالية في ظل حكومة وحدة وطنية، ونهيب بشعب مصر وقواه الحية أن يتصدى لهذه المهمة المقدسة من أجل نظام سياسي مصري جديد قادر على تحقيق آمال الأمة.

وقد قوبل البيان بترحيب شديد إلا أن المفاجأة المذهلة جاءت عندما أعلن حمدي قنديل في نهاية بيانه حل الجماعة وانضمامها للجمعية الوطنية للتغيير قبل أن يتبلور فكر الجمعية وسبر غور وقدرة زعيمها الدكتور البرادعي.

الجمعية الوطنية للتغيير:

ولكن بعض من اعتبره بحسن نية المخلص الوحيد ذهبوا إلى منزله دون دعوة منه وفرضوا عليه رعاية نظام جديد اُسمي بالجمعية الوطنية للتغيير وشارك الدكتور حسن نافعة تأسيسها وصار المنسق العام لها.

ورغم النشاط الفذ لمنسقها العام الأول الدكتور حسن نافعة الذي ما لبث أن استقال. والحق أن هذه الجمعية ضمت خيرة النخب والقيادات والناشطين من الشباب، إلا أنها واجهت صعوبة كبيرة بسبب أسلوب زعيمها في العمل السياسي الداخلي وعدم اختلاطه بالجماهير، فتركها عدد ملحوظ وأطلق عضو بارز فيها أن البرادعي يشبه شمس الشتاء التي لا تأتي بالدفء. أما العبد الضعيف فقد تباعد عن المشاركة فيها لافتقارها لبلورة موقع متميز على طريق العمل الوطني.

موقعي في المشهد السياسي:

وهكذا أصبح معروف عند جميع الفصائل والنخب السياسية أن اهتمامي الأول هو قضية مصر وأني لا أنتمي ولا أميل لحزب دون آخر ولا أؤيد أو أعارض موقف أي حزب إلا على أساس المصلحة الوطنية، ولذلك كنت ضيفا في كل اجتماعات وندوات الأحزاب من الإخوان المسلمين والحزب الناصري وحزب الوفد وحزب الغد والندوات والمحاضرات ومجموعات العمل التي كانت تنظمها الأحزاب أو النخب أو النقابات أو الجامعات دون أي حساسيات.

لقراءة رحلة دبلوماسي: ستون عاما في حب مصر ـ 6 الرابط

الوسوم

السفير إبراهيم يسري

دبلوماسي مصري، سفير مصر في مدغشقر (1983 – 1987)، مدير الإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية المصرية (1987 إلي 1990)، سفير مصر في الجزائر (1990 – 1994)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى