
زيارة الرئيس الفرنسي لمصر: الملفات والدلالات
تمهيد
شهدت العلاقات الفرنسية المصرية تغييرا ملحوظًا في الفترة منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وحتى الآن، فبالرغم من أن فرنسا تأخرت في تحديد موقفها من النظام المصري بعد الانقلاب، فإن هذه العلاقات شهجت تحولاً كبيراً وشملت تبادل الزيارات على المستوى الرئاسي والوزاري عدة مرات تصل إلى زيارتين رئاستين و13 زيارة وزارية منذ بداية 2015 وتحتل فرنسا كمستثر أجنبي في مصر المركز السادس (وفقا لموقع سفارة فرنسا في مصر).1
بالإضافة للتعاون العسكريً حيث تم عقد صفقات تسليح متتالية بين الجانب الفرنسي والجانب المصري. شملت هذه الصفقات صفقة “الميسترال” وصفقة شراء 24 طائرة من طراز “رافال” الحربية بالإضافة إلى الفرطاقة “فريم” وتزويد مصر بالذخائر والأسلحة اللازمة للطائرات والفرطاقات، بجانب اتفاقية تشمل 4 سفن جربية “جويند”. هذا إلى جانب التعاون علي هيئة التدريب المشترك بين الجانبين لإكساب الجنود المصريين مهارات وتكنولوجيا استخدام هذه المعدات.
في هذا السياق جاءت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى مصر يوم الأحد 17 إبريل 2016 والتي استمرت ليومين في إطار تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين، ومن هنا تأتي أهمية بيان أهم ملفات الزيارة ودلالالتها وتداعياتها على المشهد المصري والإقليمي.
أولاً: ملفات الزيارة:
1ـ ملف التعاون الاقتصادي والعسكري:
شملت الزيارة التوقيع على 19 اتفاقية تجارية بين البلدين بهدف دعم الاقتصاد المصري وتقديم الدعم في عدة مجالات، منها النقل والطاقة والكهرباء والطاقة المتجددة والغاز والتدريب المهني والرعاية الإجتماعية والسياحة والثقافة والتعليم.2
بجانب اتفاقيات للتعاون العسكري شملت شراء قمر للاتصالات العسكرية بجانب وجود اتجاه وفد مصري لفرنسا للتفاوض حول شراء مجموعة من السفن الحربية من ضمنها فرطاقات حربية وكذلك 4 طائرات مقاتلة.3 ويقدر حجم المساعدات الفرنسية حوالي 2مليار يورو.
2ـ ملف مكافحة الإرهاب:
يعتبر ملف مكافحة الإرهاب أحد أهم الملفات على الأجندة الفرنسية وتستهدف بها منطقة شمال إفريقيا ولكن تعتمد استراتيجيتها في ذلك (على الأقل في الفترة الحالية ولأسباب محددة) على عدم التدخل المباشر والاعتماد على وكلاء في المنطقة والتدخل إذا لزم الأمر يأتي كآخر بديل متاح وبشكل محدود. وأكد الرئيس الفرنسي على تداول قضية الإرهاب مع السيسي ومحاولة الوصول لاتفاق بشأن عدة قضايا في المنطقة تتصل بالإرهاب. كان منها الملف الليبي وهو يعد أهم الملفات بالنسبة لفرنسا ثم تناول الملف السوري والعراقي والتطرق كذلك لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على النحو التالي:
(أ) الملف الليبي:
يعد الملف الليبي أحد النقاط الاستراتيجية في الشرق الأوسط ولاسيما مع تصاعد الهجمات الإرهابية بفرنسا إلى جانب تنامي تنظيم داعش في الداخل الليبي والذي تعتبره فرنسا تهديدًا لأمنها الداخلي بسبب تقارب الحدود ما بين ليبيا وأوروبا. بالإضافة أن ليبيا تمثل لفرنسا ولغيرها من الدول الأوروبية نقطة محورية في الشرق الأوسط بسبب ثرواتها البترولية. والفترة الأخيرة من الأزمة الليبية شهدت تأييدًا فرنسيًا لحكومة فائز السراج التي تم تشكيلها بالتعاون مع الأمم المتحدة وتسعي إلى تدعيمها لكي تقوم بوظيفتها، وحتى تتمكن فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية من التعامل معها كحكومة مركزية تساعدها في القضاء على تنظيم داعش إلى جانب أنها تمتلك شرعية تساعدها في دعوة الأطراف الخارجية كالناتو للتدخل لمساعدتها في مواجهة التنظيم وهي أحد الشروط التي تسهل على فرنسا وغيرها التدخل بشكل شرعي وترفع عنها وصمة كونه احتلال.
(ب) الملف السوري والعراقي:
تناولت الزيارة القضية السورية واتفق الطرفان على أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة ومواجهة تنظيم الدولة ولفت النظر إلى أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إلى صفوف داعش وخطورة عودة المقاتلين مرة أخري لأوروبا.
(ج) القضية الفلسطسينية:
طرحت فرنسا مبادرة تتضمن تحديد مهلة 18 شهرًا للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، وتقوم على إنشاء دولة فلسطينية بالاستناد إلى حدود 1967، مع المقايضات اللازمة في الأراضي، والاعتراف بالقدس العاصمة المشتركة للدولتين، كما عالج المشروع الترتيبات الأمنية على طول الحدود الفاصلة بين الكيان الصهيوني وفلسطين، بما في ذلك تواجد طويل الأمد لقوات الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية مع نشر قوات دولية، وبحيث تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح تمامًا”4.
(د) قضية الطالب الإيطالي “ريجيني” والفرنسي “لانج”:
تحدث البعض عن احتمالية وجود وساطة فرنسية بين مصر وإيطاليا في أزمة الطالب الإيطالي ريجيني ولاسيما بعد تصاعد الأزمة في الفترة الأخيرة والتصعيد الإيطالي والأوروبي. بجانب ما تم الحديث عنه قبل زيارة هولاند من مقتل المدرس الفرنسي لانج في 2013 وعدم الكشف عن ملابسات مقتله مع احتمالية تورط النظام الأمني في ذلك. ولعل عنصر الضغط الذي دفع هولاند لفتح هذا الملف مع عبد الفتاح السيسي هو الضغط الإعلامي الإيطالي والدولي بشكل عام والنقد الذي تعرض له الرئيس الفرنسي “هولاند” في هذا الصدد من قبل صحف عالمية على تعاونه مع مصر. فتم تناول الأمر على هامش الزيارة، في الأغلب مضمونا وموضوعا، كنوع من أنواع تهدئة الرأي العام الدولي.5
ثانياً: دلالات الزيارة:
لعل دلالة توقيت الزيارة لا يمكن التعويل عليها كثيرًا لأن الزيارة تم وضعها على جدول الزيارات الفرنسية منذ فترة طويلة ولكن يمكن ربط توقيت الزيارة بأنها تزامنت مع تواجد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا في ليبيا إلي جانب بعثة أمنية أوروبية لتأمين تسليم الوزارات إلي حكومة “فائز السراج” المدعومة أمميًا وما تمثله ليبيا من أهمية استراتيجية لفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها إيطاليا وألمانيا. ومن هنا يمكن القول أن هناك مجموعة من الدلالات التي تحملها الزيارة الفرنسية، والتعاون الفرنسي المصري في عدة جوانب:
1ـ بالنسبة لفرنسا: أن فرنسا أصبحت ترى مصر عامل توازن استراتيجي ذي أهمية كبيرة لها في المنطقة وذلك لدعم مصالحها في شمال إفريقيا وعلى رأسها الوضع في ليبيا، كما أنها محاولة لتجاوز الخسارة الاقتصادية التي كان من الوارد أن تصيب الاقتصاد الفرنسي كنتيجة لإلغاء الصفقات العسكرية التي كان من المفترض إتمامها مع روسيا ولكن تداعيات أزمة القرم حالت دونها بسبب قرارات الاتحاد الأوروبي.
2ـ بالنسبة لمصر: أن الزيارة تمثل دعماً لنظام السيسي وتجديد للثقة بالنظام على حد قول القنصل الفرنسي في مصر. إذا تمت المشروعات التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الفرنسي فربما تحدث نوع من أنواع الرضاء الشعبي، مثل تطوير وإنشاء خطوط المترو والترام بجانب تطوير مستشفي القصر العيني، وعلى الجانب الآخر فإن الدعم العسكري يشير إلى دور عسكري لمصر في المنطقة الفترة القادمة.
خلاصات واستنتاجات:
أعلنت فرنسا أنها بتعاونها مع مصر ودعمها للنظام الحاكم تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف متمثلة في مكافحة الإرهاب والسيطرة على الأزمة الليبة ومنع تنامي التنظيمات الإرهابية بها ودعم الحكومة المدعومة أمميًا في الداخل الليبي وتعتبر أن هذه المنفعة منفعة جمعية للدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا إلا أن حقيقة الأمر تختلف عن ذلك الإدعاء، وذلك استناداً للاعتبارات التالية:
1ـ أن دعم نظام كنظام السيسي وهو نظام غير مستقر بل إنه قد يعتبر مصدر من مصادر عدم الاستقرار في المنطقة بما يقوم به من قمع للحريات وانتهاك لحقوق الإنسان؛ يعزز من فرص عدم الاستقرار، الذي يمكن أن تتجاوز حدوده النظام المصري إلى مصالح الدول الداعمة له.
2ـ أن اعتبار التدخل العسكري المصري في ليبيا يخدم المصالح الأوروبية فهذا فرض غير صحيح في ظل الوضع الحالي. فوفقا لتصريحات السيسي التي لوح فيها بالتدخل في ليبيا بل ومطالبة الجانب الأوروبي بدعم حفتر وقواته في الداخل الليبي لن يعود بالنفع على أحد. ولاسيما إيطاليا وفرنسا والدول الأوروبية التي سعت من قبل إليه. فالتدخل العسكري في الوقت الراهن ودعم طرف على حساب طرف يشعل فتيل النزاع من جديد ؛ وبدلًا من محاولة دعم الحكومة الجديدة ووقف النزاع المسلح فإن أي محاولة للتدخل العسكري ودعم جانب على حساب الآخر سيعزز من تأجيج النزاع من جديد لا إيقاف الحرب كما تسعى الأطراف الدولية. كنتيجة لذلك محاولات تقييد الإرهاب المزعومة لن تنجح على النقيض ستتنامي في شمال إفريقيا وبالتباعية فإن أعداد المهاجرين ستتزايد من ساحل شمال إفريقيا إلى أوروبا لعدم القدرة على إحكام السيطرة على الحدود في حالة التدخل العسكري من الجانب المصري.
3ـ فيما يتعلق بالصفقات الفرنسية لمصر، فإن توقيعها يتعارض مع القرار الذي تبناه البرلمان الأوروبي الشهر الماضي والذي يحظر أي تصدير لمعدات أمنية أو دعم عسكري للنظام المصري في ضوء قضية ريجيني والذي تم تدعيمه بمجموعة من الآليات التنفيذية من قبل الإتحاد الأوروبي.
4ـ أن المجتمعات الأوروبية وخاصة المجتمع الإيطالي تعرفت على حجم الانتهاكات التي يقوم بها النظام المصري ضد مواطنيه، بل وضد رعايا الدول الأجنبية على أراضيه، وقد سعت هذه المجتمعات إلى الضغط على النظام المصرى لوضع تفسيرات وكشف ملابسات مقتل ريجيني، ولكن جاءت فرنسا بزيارة رئيسها والمعاهدات التي تم توقيعها، لتفشل كل هذه المساعي في مواجهة نظام قمعي بل تدعمه معنويًا وماديًا وتغض الطرف عن دعوات حقوق الإنسان والحريات بل وتقف بعيدًا عن الإطار الأوروبي الحاكم لعلاقاتها الدولية وفقًا لميثاق الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عليها الالتزام بالقرارت الصادرة عن الاتحاد.
5ـ أن قيام الرئيس الفرنسي بعقد لقاء مع عدد من الإعلاميين والسياسيين المصريين، بينهم معارضين للنظام الحالي في مصر، يشير إلى سعي فرنسي لدور أكبر في الداخل المصري، والعمل على ملء الفراغ الذي أحدثته توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، لكن المقابلة تم قصر المشاركة فيها على المحسوبين على التيارات الليبرالية واليسارية فقط، مع تجاهل التيار الإسلامي.
6ـ بالنسبة لقضية ريجيني وقضية المواطن الفرنسي الذي قُتل في مصر، فالواضح أن فرنسا ستعمل على تجميد الأمر مؤقتاً، في إطار ترتيباتها لأولوياتها السياسية والاقتصادية، على حساب القضايا الحقوقية، في هذه المرحلة، بل إنها يمكن أن تقوم بالوساطة بين النظام المصري وإيطاليا للتهدئة أو احتواء الأزمة.
———————————–
الهامش
(1) موقع سفارة فرنسا في مصر، “العلاقات الفرنسية المصرية في أرقام”، الرابط، تاريخ الدخول: 18 إبريل 2016.
(2) موقع سفارة فرنسا في مصر، “زيارة الرئيس أولاند في مصر : قائمة بالاتفاقيات الموقعة بحضور الرئيسين”، الرابط، تاريخ الدخول 19 إبريل 2016.
(3) موقع الأهرام، “3 صفقات عسكرية جديدة بين مصر وفرنسا”، 17 إبريل 2016، الرابط، تاريخ الدخول: 19 إبريل 2016.
(4) هدير محمود، “المبادرة الفرنسية حول القضية الفلسطينية”، البديل، 31 يناير 2016، الرابط.
(5) يمكن الاطلاع على ما تناولته صحيفة واشنطن بوست ونيويورك تايمز فيما يخص زيارة هولاند لمصر.