fbpx
ترجمات

ستراتفور: مصر وحُمّى شراء الأسلحة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشر موقع ستراتفور الأمريكي بتاريخ 9 أكتوبر 2018، تقريراً بعنوان: “مصر وحمى الإنفاق على التسليح”. ولأهمية التقرير قام المعهد المصري للدراسات بترجمته كاملاً على النحو التالي:

مقدمة

على مدى السنوات القليلة الماضية، فتح النظام في مصر دفتر شيكاته وشرع في تنفيذ برنامج لشراء الأسلحة جعلها في وقت قصير واحدة من أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم. ومع ذلك، فإن حجم الأموال التي تم تبديدها في ذلك كبير جداً في ظل الوضع الاقتصادي الهش في مصر وبالنظر إلى عدم وجود عدو تقليدي بارز يمكن أن تلجأ للتسليح لمواجهته. إن دوافع النظام في ذلك لا تنبع من الحاجة العسكرية فحسب، بل هناك رغبة لديه في أن يستعيد نفوذ بلد اعتاد أن يكون له ثقل في سياسة المنطقة. ولكن في نهاية المطاف، فإن الوضع الاقتصادي الحالي سيحدّ بالتأكيد من حُمًى الإنفاق على التسليح.

فتح دفتر الشيكات

وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي صدر في شهر مارس الماضي، تعد مصر الآن ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم (بعد الهند والمملكة العربية السعودية). وفي الحقيقة، ارتفعت واردات القاهرة من الأسلحة بنسبة هائلة حيث بلغت 215 بالمائة وذلك خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديداً منذ أن أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد بشكل رسمي (بعد أن كان يدير الأمور من وراء ستار عبر رئيس انتقالي قام هو بتعيينه بعد أن أطاح بأول رئيس مدني منتخب للبلاد). وخلال تلك الفترة، عقدت مصر صفقات كبيرة مع مجموعة متنوعة من الدول المصدرة للأسلحة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا. وقد أدت حمى الشراء هذه إلى تحديث ترسانة الأسلحة المصرية إلى حد كبير، مما يوفر للقاهرة قدرات كانت تفتقر إليها في السابق، بما في ذلك امتلاكها لسفن هجومية برمائية.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد المصري قد شهد بعض التحسن خلال السنوات الأخيرة، فإن موجة الشراء كانت سابقة على هذا الارتفاع في المقدرات الاقتصادية (خصوصاً اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي). وكانت القاهرة قد لجأت إلى صندوق النقد الدولي منذ عامين للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين طرأ تحسن على مؤشرات الاقتصاد الكلي. وظلت حكومة السيسي ملتزمة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث يرجع ذلك جزئيا إلى أن استمرار تسليم دفعات القرض مرهون بتنفيذ القاهرة لتدابير التقشف والإصلاحات الهيكلية التي اشترطها صندوق النقد الدولي. ونتيجة لذلك، فإن العجز الكبير في الاقتصاد المصري أخذ في التناقص، وبدأت نسب التضخم تتحسن، وأصبحت التوقعات بشأن ديونها تبدو أكثر تفاؤلاً، مما دفع البنك الدولي إلى التنبؤ بمعدل نمو قد يبلغ 5.8 في المائة لاقتصاد البلاد في عام 2020. وقد أدت حالة الاستقرار العامة في البلاد خلال العامين الماضيين إلى حدوث انتعاش نسبي في صناعات السياحة والطاقة الأساسية. وتحسنت حتى معدلات البطالة الإجمالية – على الرغم من أن نسبة البطالة بين الشباب لا تزال مرتفعة، حتى على مستوى المعايير الإقليمية. (معدل نمو إجمالي الناتج القومي في مصر)

بيد أن الضرورات العسكرية ليست هي العامل الذي أدى إلى الزيادة الكبيرة في مشتريات النظام المصري للأسلحة. فعلى الرغم من أن البلاد متورطة في مواجهة صعبة ضد تمرد يقوده بعض الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء، إلا أن معظم مشترياتها الأخيرة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ أرض-جو وسفن حربية كبرى، لا تناسب أبداً جو القتال في سيناء. وفي الواقع، فإن صفقات السلاح الأخيرة لا تفي إلا بالقليل من احتياجات الجيش المصري في سيناء، حيث تشن القوات المصرية هجومها في سيناء باستخدام قدرات ومعدات عسكرية كانت متوفرة إلى حد كبير من قبل.
وقد عانت القوات المصرية التي تقاتل في شبه جزيرة سيناء دائماً من نقص الموارد. ويفتقر سلاح المشاة المصري الذي يقوم إلى حد كبير بأغلب العمليات القتالية في سيناء إلى المدرعات المتقدمة ومعدات القتال الفردية وسط ندرة أشد في المعدات الفعالة والتدريب والإمدادات. وفيما يتعلق بالمركبات، قام الجيش بنشر دبابات (M-60A3 ) الأقدم والأكثر ضعفاً في شبه جزيرة سيناء، في حين أن دبابات (M1 Abrams ) الأكثر تقدماً – والمحمية بشكل أفضل – بقيت خارج العمليات. وبالتزامن مع ذلك، لم يقم النظام المصري بشراء بعض المعدات الأكثر ملاءمة للمعركة التي تخوضها في سيناء، بما في ذلك المركبات المقاومة للألغام، ومركبات (MRAP ) المجهزة ضد الأكمنة. وبدلاً من ذلك، قامت الولايات المتحدة بمنح المئات من هذه المركبات إلى القاهرة مجاناً في أوائل عام 2016 كجزء من البرنامج الدفاعي للبنتاجون.
كما أن حُمّى شراء مصر للأسلحة لم يكن نتيجة الحاجة الملحة لردع خصوم تقليديين بارزين. وباستثناء إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فالقوة العسكرية لأي من الدول المجاورة لمصر لا تضاهي القوة العسكرية للقاهرة. ولا تمثل المملكة العربية السعودية في الواقع تهديداً عسكرياً لمصر، خاصة أن المملكة قدمت مساعدات اقتصادية كبيرة للقاهرة لدعم حكومة السيسي منذ إطاحته بالرئيس محمد مرسي في عام 2013. وقد يكون التاريخ الطويل للصراع بين مصر وإسرائيل دافعاً من أجل الحفاظ على دفاع عسكري قوي للحيلولة دون حدوث أي تراجع محتمل في العلاقات مع إسرائيل، لكن مثل هذا الاحتمال يبدو بعيداً في الوقت الحاضر. فقد تحسنت علاقات مصر مع إسرائيل بشكل واضح في ظل حكومة السيسي، وقدمت إسرائيل كذلك مساعدة غير مباشرة للجيش المصري في العمليات العسكرية بسيناء.

محاولة استعادة بريق ضائع

وهناك تفسير أكثر إقناعاً لمشتريات مصر الكبيرة من الأسلحة مؤخراً يرجع الأمر إلى عوامل جيوسياسية أوسع كثيراً من مجرد الحاجة العسكرية. فقد كانت مصر، وهي أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان (يبلغ عدد سكانها الآن حوالي 100 مليون نسمة)، أكثر الدول العربية نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما خلال الحرب الباردة. لكن نفوذها خلال العقدين الماضيين تضاءل بسبب تزايد الثقل الاقتصادي الذي يمثله مجلس التعاون الخليجي، واستعادة تركيا لسابق دورها في المنطقة، وتحرك إيران لتعزيز وجودها في العراق وسوريا ولبنان في أعقاب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003. وهناك عوامل داخلية أيضاً، مثل الربيع العربي وما بعده، أدت إلى تحويل تركيز مصر على الداخل لبعض الوقت. ولكن في محاولة لاستعادة بعض من بريقها وهيبتها التي كانت تتمتع بها في السابق، قامت الحكومة بزيادة الإنفاق للحصول على أسلحة متطورة، بما في ذلك السفن الهجومية البرمائية الضخمة وحاملات الطائرات الميسترال، للتأكيد على قوتها العسكرية ونفوذها من جديد.
إن قرار مصر بالبحث على نطاق واسع عن مصدرين للإسلحة ليس مصادفة أيضاً، فلطالما كانت البلاد تخشى من مخاطر الاعتماد بشكل متزايد على مورد أجنبي واحد للأسلحة مثل الولايات المتحدة، التي كانت المصدر الوحيد لبيع المعدات العسكرية لأكبر دولة في الشرق الأوسط (من حيث عدد السكان) منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. وزادت واشنطن من مخاوف القاهرة في أكتوبر 2013 عندما قطعت المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر بسبب دور الجيش في الإطاحة بمرسي من الحكم. فقد أثار قرار الولايات المتحدة غضب الجيش المصرى، وزاد من مخاوفه من احتمال أن يصبح رهينة لمطالب الولايات المتحدة. إن خيار تنويع قاعدة مصدري الأسلحة لها لم يبعد مصر فقط عن مخاطر الاعتماد الزائد على مورد واحد للسلاح وإنما أدى أيضا إلى تعزيز نفوذ البلاد لدى عدد من القوى الأجنبية القوية، بما في ذلك فرنسا وروسيا.

(مصادر مشتريات الأسلحة لمصر)

غير أن كلفة شراء مزيد من الأسلحة من موردين مختلفين لم تكن مجرد أعباء مالية على ميزانية البلاد. فبشكل عام، تكون الجيوش أكثر فعالية عندما تتمكن من تشغيل معدات وأسلحة متشابهة إلى حد كبير في جميع الفروع العسكرية. فتوحيد نوعية الأسلحة ييسر إلى حد كبير الخدمات اللوجستية والصيانة والتدريب، حيث يمكن الحصول على قطع الغيار بسهولة، ولا تحتاج القوات إلى التعرف على أنواع مختلفة من المعدات. ومن ثم، فإن ترسانة مصر شديدة التنوع من الأسلحة تفرض قيوداً كبيرة على قواتها العسكرية. فعلى سبيل المثال، تعمل قوات الدفاع الجوي المصرية على تشغيل بطاريات صواريخ أرض جو حصلت عليها من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والآن ألمانيا. فجميع البطاريات منصات مختلفة إلى حد كبير، مما يجعل من الصعب جداً القيام بتدريب القوات في نفس الخدمة عبر معدات مختلفة.

(شكل توضيحي للنمو السكاني في مصر)

الاقتصاد المصري هو نقطة الضعف

على الرغم من القروض التي حصلت عليها مصر من صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد المصري سيظل نقطة الضعف في البلاد. ففي النهاية، لا يمكن لأي قدر من النمو الاقتصادي أن يتغلب على معدل النمو السكاني الكبير وتصاعد احتياجات المواطنين من الخدمات والموارد الأساسية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2050، سيبلغ عدد سكان مصر 150 مليون نسمة، وسيبلغ 200 مليون نسمة بحلول عام 2100. وعلى الرغم من أن جيش البلاد محاصر في معركة صعبة مع الميليشيات الإسلامية المسلحة في سيناء، فقد أشار السيسي إلى النمو السكاني الخارج عن السيطرة في البلاد على أنه أكبر تهديد للأمن القومي المصري بسبب قدرتها على تقويض الاقتصاد والحكومة. قد يكون الاقتصاد المصري قد شهد بعض التحسن في السنوات القليلة الماضية، لكن لا يمكن للبلاد أن تستمر في تعزيز ترسانتها من الأسلحة على المدى البعيد – خاصة أن الكثير من الأسلحة قد تم تمويلها من خلال قروض لا تزال القاهرة بحاجة إلى سدادها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close